مداراة

2022-10-09 - 1444/03/13

التعريف

دَارَاهُ مُدارَةً: لايَنَهُ ورَقَّقَه . والمُدَارَاةُ فيه الوَجْهان الهَمْزُ وغَيْرُه . وأَتَى هذا الأَمْر مِن غَيْر دُرْيةٍ ، بالضمِّ : أَي مِن غَيْرِ عَمَلٍ ؛ نَقَلَهُ الأزهرِيُّ . قالَ والمُدَارَاةُ حُسْن الخُلُقِ والمُعاشَرَةِ مع الناسِ [تاج العروس من جواهر القاموس لمحمّد بن محمّد بن عبد الرزّاق الحسيني ] .

العناصر

1- تعريف المدارة .

2- أهمية التحلي بفضيلة مدارة الناس .

3- الفرق بين المداراة والمداهنة .

4- المدارة لا تعارض النصح الرفيق البعيد عن الإغلاظ والشدة .

5- جواز مدارة من يتقى فحشه .

6- مدارة المؤمن للكافر باللِّسان خلاف ما ينطوي عليه قلبه خوفًا على نفسه .

الايات

1- قال الله تعالى: (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَّبِيًّا * إِذْ قَالَ لأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنكَ شَيْئًا * يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا *يَا أَبَتِ لا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا *يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِّنَ الرَّحْمَن فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا * قَالَ أَرَاغِبٌ أَنتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْراهِيمُ لَئِن لَّمْ تَنتَهِ لأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا* قَالَ سَلامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا) [مريم: 41-47] .

 

2- قوله تعالى: (وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ * وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ) [لقمان: 14-15] .

 

3- قوله تعالى: (اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى* فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى * قَالا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَن يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَن يَطْغَى *قَالَ لا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى* فَأْتِيَاهُ فَقُولا إِنَّا رَسُولا رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلا تُعَذِّبْهُمْ قَدْ جِئْنَاكَ بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكَ وَالسَّلامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى) [طه: 43-47] . [راجع الدرر السنيىة لعلوي بن عبد القادر السقاف] .

الاحاديث

1- عن عائشة رضي الله عنها قالت: استأذن رجل على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: «ائذنوا له بئس أخو العشيرة أو بن العشيرة » فلما دخل ألان له الكلام قلت يا رسول الله قلت الذي قلت ثم ألنت له الكلام قال: «أي عائشة إن شر الناس من تركه الناس أو ودعه الناس اتقاء فحشه » [صحيح البخاري (6032) ] .

 

2- عن عمرو بن تغلب رضي الله عنه قال: أعطى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قوما ومنع آخرين، فكأنهم عَتَبُوا عليه، فقال: «إني أعطي قوما أخاف ظلعهم وجزعهم، وَأَكِلُ أقواما إلى ما جعل الله في قلوبهم من الخير والغناء، منهم عمرو بن تغلب». فقال عمرو بن تغلب: ما أحب أن لي بكلمة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حمر النعم [صحيح البخاري (3145) ] .

 

3- عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه الثابت قال: أعطى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رهطا وأنا جالس فيهم، قال: فترك رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ منهم رجلا لم يعطه، وهو أعجبهم إلي، فقمت إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فساررته، فقلت: مالك عن فلان، والله إني لأراه مؤمنا؟ قال: «أو مسلما». قال: فسكت قليلا، ثم غلبني ما أعلم فيه، فقلت: يا رسول الله، مالك عن فلان، والله إني لأراه مؤمنا؟ قال: «أو مسلما». قال: فسكت قليلا، ثم غلبني ما أعلم فيه، فقلت: يا رسول الله، مالك عن فلان، والله إني لأراه مؤمنا قال: «أو مسلما». يعني: فقال: «إني لأعطي الرجل، وغيره أحب إلي منه، خشية أن يكب في النار على وجهه» [صحيح البخاري (1708) ] .

 

4- عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: « مداراة الناس صدقة » [صحيح ابن حبان (471) وقال شعيب الأرناؤوط ضعيف] .

 

5- عن أبى هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « إن المرأة كالضلع إذا ذهبت تقيمها كسرتها وإن تركتها استمتعت بها وفيها عوج » [صحيح مسلم (3717) ] .

الاثار

1- عن قبيصة بن جابر ، قال : صحبت عمر بن الخطاب رضي الله عنه فما رأيت اقرأ لكتاب الله تعالى ولا أفقه في دين الله ولا أحسن مدارة منه [الإمامة والرد على الرافضة لأبي نعيم الأصبهاني ص294] .

 

2- عن أبي الدرداء رضى الله عنه قال " إنا لَنَكْشُرُ في وجوه أقوام، وإن قلوبنا لتلعنهم [الآداب الشرعية ( 1 / 50 ) ].

 

3- عن الإمام الحسن بن علي رضي الله عنه: مداراة الناس نصف العقل [تحف العقول: ص370.] .

 

4- قال الجنيد: مكابدة الصمت أحسن من قول الحق و مكابدة العزلة أيسر من مدارة الخلطة و الصبر على الشهوات أيسر على قلوب الأبرار من طلبها [شعب الإيمان المؤلف للبيهقي (5067) ] .

 

5- عن حميد بن هلال قال : أدركتُ الناس يَعُدُّون المداراة صدقة تُخرج فيما بينهم [الآداب الشرعية ( 1 / 50 ) ] .

 

6- قال علي رضي الله عنه: شر الأصدقاء من تكلف لك ، ومن أحوجك إلى مداراة ، وألجأك إلى اعتذار [إحياء علوم الدين ( 2 / 181 ) ] .

الاشعار

1- لله درُّ من قال:

دار من الناس ملالاتهم *** من لم يدار الناس ملوه

ومكرم الناس حبيب لهم *** من أكرم الناس أحبوه

[فصل الخطاب في الزهد والرقائق والآداب لمحمد نصر الدين محمد عويضة (10/350) ] .

 

2- رحم الله من قال:

فللشعراء ألسنه حداد *** على العورات موفية دليله

ومن عقل الكريم إذا اتقاهم *** و دارهم مدارة جميلة

إذا وضعوا مكاويهم عليه *** و إنَّ كذبوا فليس لهن حيله

 

3- قال أبو نواس:

في الناس إن جربته *** من لا يعزك أو تذله

فاترك مدارة اللئيم *** فإن فيها العجز كله

[غرر الخصائص الواضحة للوطواط ص 217] .

متفرقات

1- قال الواحدي في تفسير قوله تعالى: (لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين) أي : أنصارا وأعوانا من غير المؤمنين وسواهم نزلت في قوم من المؤمنين كانوا يباطنون اليهود (أي: يألفونهم ) ويوالونهم (ومن يفعل ذلك) الاتخاذ (فليس من الله في شيء) أي: من دين الله أي: قد برئ من الله وفارق دينه ثم استثنى فقال: (إلا أن تتقوا منهم تقاة) أي: تقية هذا في المؤمن إذا كان في قوم كفار وخافهم على ماله ونفسه فله أن يخالفهم ويداريهم باللسان وقلبه مطمئن بالإيمان دفعا عن نفسه قال ابن عباس: يريد مدارة ظاهرة (ويحذركم الله نفسه) أي: يخوفكم الله على موالاة الكفار عذاب نفسه (يريد: عذابه وخصصه بنفسه تعظيما له) [الوجيز في تفسير الكتاب العزيز ص205] .

 

2- قال أحمد بن حنبل: الناس محتاجون إلى مدارة ورفق الأمر بالمعروف بلا غلظة إلا رجل معلن بالفسق فلا رحمة له، قال: وكان أصحاب بان مسعود إذا مروا بقوم يرون منهم ما يكرهون، يقولون: مهلا رحمكم الله، مهلا رحمكم الله [فصل الخطاب في الزهد والرقائق والآداب لمحمد نصر الدين محمد عويضة (10/465) ] .

 

3- قال ابن بطال رحمه الله تعالى: المدارة من أخلاق المؤمنين، وهى خفض الجناح للناس، ولين الكلمة، وترك الإغلاظ لهم فى القول، وذلك من أقوى أسباب الألفة، وهى الرفق بالجاهل فى التعليم، وبالفاسق فى النهى عن فعله، وترك الإغلاظ عليه حيث لا يظهر ما هو فيه، والإنكار عليه بلطف القول والفعل، ولاسيما إذا احتيج إلى تألفه ونحو ذلك [فصل الخطاب في الزهد والرقائق والآداب لمحمد نصر الدين محمد عويضة (10/404) ] .

 

4- قال ابن حبان: فالواجب على العاقل أن يداري الناس مداراة الرجل السابح في الماء الجاري ومن ذهب إلى عشرة الناس من حيث هو كدر على نفسه عيشه ولم تصف له مودته لأن وداد الناس لا يستجلب إلا بمساعدتهم على ما هم عليه إلا أن يكون مأثما فإذا كانت حالة معصية فلا سمع ولا طاعة والبشر قد ركب فيهم أهواء مختلفة وطبائع متباينة فكما يشق عليك ترك ما جبلت عليه فكذلك يشق على غيرك مجانبة مثله فليس إلى صفو ودادهم سبيل إلا بمعاشرتهم من حيث هم والإغضاء عن مخالفتهم في الأوقات [فصل الخطاب في الزهد والرقائق والآداب لمحمد نصر الدين محمد عويضة (10/350) ] .

 

5- قال أَبُو حاتم رَضِيَ اللَّه عنه : الواجب على العاقل أن يلزم المداراة مع من دفع إليه في العشرة ، من غير مقارفة المداهنة ، إذ المداراة من المداري صدقة له ، والمداهنة من المداهن تكون خطيئة عَلَيْهِ ، والفصل بين المداراة والمداهنة : هو أن يجعل المرء وقته في الرياضة لإصلاح الوقت الذي هو به مقيم ، بلزوم المداراة ، من غير ثلم في الدين من جهة من الجهات ، فمتى مَا تخلق المرء بخلق شابه بعض مَا كره اللَّه منه في تخلقه ، فهذا هو المداهنة لا المداراة ، فالعاقل يجتنب المداهنة ، لأن عاقبتها تصير إلى قل ، ويلزم المداراة ، لأنها تدعو إلى صلاح أحواله . ومن لم يدار الناس ملوه ، كما أنشدني علي بْن مُحَمَّد البسامي : دار من الناس ملالاتهم من لم يدار الناس ملوه ومكرم الناس حبيب لهم من أكرم الناس أحبوه .

 

6- قال أبو حاتم رضي الله عنه: المداراة التي تكون صدقة للمداري هي تَخَلُّقُ الإنسان الأشياء المستحسنة مع من يُدفع إلى عشرته ما لم يَشُبْهَا بمعصية الله، والمداهنة : هي استعمال المرء الخصال التي تستحسن منه في العشرة وقد يشوبها ما يكره الله جل وعلا

 

7- قال ابن حزم في كتاب الاجماع : اتفقوا على تحريم الكذب في غير الحرب ، وغير مدارة الرجل امرأته ، أو صلاح بين اثنين ، أو دفع مظلمة ، مراده بين اثنين مسلمين أو مسلم وكافر ، والله أعلم [غذاء الألباب شرح منظومة الآداب للسفاريني الحنبلي] .

 

8- وسئل الشيخ ابن باز - رحمه الله - : في بعض الظروف تقتضي المجاملة بأن لا نقول الحقيقة ، فهل يعتبر هذا نوعا من الكذب ؟ فأجاب: هذا فيه تفصيل : فإن كانت المجاملة يترتب عليها جحد حق أو إثبات باطل : لم تجز هذه المجاملة ، أما إن كانت المجاملة لا يترتب عليها شيء من الباطل ، إنما هي كلمات طيبة فيها إجمال ، ولا تتضمن شهادة بغير حق لأحد ، ولا إسقاط حق لأحد : فلا أعلم حرجاً في ذلك [مجموع فتاوى الشيخ ابن باز ( 5 / 280 ) ] .

 

9- قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: وظن بعضهم أن المداراة هي المداهنة فغَلِطَ ؛ لأن المداراة مندوبٌ إليها ، والمداهنةَ محرَّمة ، والفرق أن المداهنة من الدهان وهو الذي يظهر على الشيء ويستر باطنه ، وفسرها العلماء بأنها : معاشرة الفاسق وإظهار الرضا بما هو فيه من غير إنكار عليه ، والمداراة : هي الرفق بالجاهل في التعليم ، وبالفاسق في النهي عن فعله ، وتركُ الإغلاظِ عليه حيث لا يُظهِر ما هو فيه ، والإنكار عليه بلطف القول والفعل ، ولا سيما إذا احتيج إلى تألفه ونحو ذلك [فتح الباري ( 10 / 528 ) ] .

 

 

الإحالات

1- عيون الأخبار – ابن قتيبة تحقيق يوسف طويل 3/26 دار الكتب العلمية الطبعة الأولى 1406 .

2- فتح الباري – ابن حجر 10/527 دار الفكر .

3- نزهة الفضلاء تهذيب سير أعلام النبلاء – محمد حسن موسى ص 1751 دار الأندلس جدة الطبعة 1411 .