معرفة الله عزوجل

2022-10-12 - 1444/03/16

التعريف

المعرفة لغة:

 

مصدر قولهم: عرف الشّيء يعرفه، وهي مأخوذة من مادّة (ع ر ف) الّتي تدلّ على السّكون والطّمأنينة، يقول ابن فارس: العين والرّاء والفاء أصلان. معنى “أصلان” في قول ابن فارس: أن له معنيين أصليين تقاس عليهما مشتقات المادة. صحيحان يدلّ أحدهما على تتابع الشّيء الشّيء متّصلا بعضه ببعض، والآخر على السّكون والطّمأنينة، ومن الأصل الأوّل: عرف الفرس لتتابع الشّعر عليه، وجاءت القطا عرفا عرفا أي بعضها خلف بعض، والأصل الآخر، المعرفة والعرفان، تقول: عرف فلان فلانا عرفانا ومعرفة، وهذا أمر معروف لأنّ من عرف شيئا سكن إليه ومن أنكره توحّش منه ونبا عنه مقاييس اللغة 4/ 281 (بتصرف). وقال الخليل: ونفس عروف، إذا حملت على أمر بسأت به أي اطمأنّت، قال الشّاعر:

فآبوا بالنّساء مردّفات *** عوارف بعد كنّ واتّجاح.

 

وقال الرّاغب: المعرفة كالعرفان من قولهم: عرفت الشّيء أي أصبت عرفه أي رائحته أو حدّه. المفردات للراغب: (ص 333)، وقال الفيروزاباديّ: يقال: عرفه يعرفه إذا علمه (علما خاصّا)، أي أدركه بتفكّر وتدبّر لأثره، قال: وهي أخصّ من العلم، يقال: فلان يعرف اللّه ولا يقال: يعلم اللّه لأنّ معرفة البشر للّه تعالى هي بتدبّر آثاره دون إدراك ذاته، ويقال: اللّه يعلم كذا، ولا يقال: يعرف كذا لأنّ المعرفة تستعمل في العلم القاصر المتوصّل إليه بتفكّر وتدبّر. بصائر ذوي التمييز: (4-47).

 

لفظ الجلالة لغة:

اختلف اللّغويّون في لفظ الجلالة اللّه فقال بعضهم: إنّه علم غير مشتقّ، وهو اسم موضوع هكذا “اللّه” وليس أصله “إلاه” وليس من الأسماء الّتي يجوز فيها اشتقاق فعل، كما يجوز في الرّحمن الرّحيم. وقيل إنّه مشتقّ، وأصله إلاه، ثمّ دخلت عليه الألف واللّام، فقيل الإلاه، ثمّ حذفت همزته تخفيفا لكثرة الاستعمال، وأدغم اللّامان. المعجم الكبير: (1-433). مع التّفخيم، ولكنّ اللّام ترقّق إذا كسر ما قبلها.

 

وقال الغزاليّ: فأمّا قوله اللّه. فهو اسم للموجود الحقّ، الجامع لصفات الإلهيّة، المنعوت بنعوت الرّبوبيّة، المتفرّد بالوجود الحقيقيّ، فإنّ كلّ موجود سواه غير مستحقّ الوجود بذاته، وإنّما استفاد الوجود منه- سبحانه- وكلّ ما عداه من حيث ذاته هالك، ومن الجهة الّتي تليه موجود، فكلّ موجود هالك إلّا وجهه، والأشبه أنّه جار في الدّلالة على هذا المعنى مجرى أسماء الأعلام، وكلّ ما ذكر في اشتقاقه وتعريفه تعسّف وتكلّف. المقصد الأسنى: (ص 61).

 

وقال السّفارينيّ: اللّه علم للذّات الواجب الوجود لذاته، المستحقّ لجميع الكمالات، وهو مشتق عند سيبويه، واشتقاقه من أله (على وزن فعل) إذا تحيّر، لتحيّر الخلق في كنه ذاته تعالى وتقدّس. وقيل: من لاه يليه إذا علا، أو من لاه يلوه، إذا احتجب، وهذا الاسم عربيّ عند الأكثر، وزعم بعضهم أنّه معرّب، فقيل عبريّ وقيل سوريانيّ، قال السّفارينيّ: والقول بأنّه معرّب ساقط لا يلتفت إليه. غذاء الألباب، شرح منظومة الآداب: (1-10).

 

وقولهم اللّهمّ معناه: يا أللّه وهذه الميم المشدّدة عوض من “يا” (الّتي للنّداء)، لأنّهم لم يجدوا “يا” مع هذه الميم في كلمة واحدة، ووجدوا اسم اللّه مستعملا ب “يا” إذا لم يذكروا الميم في آخر الكلمة، فعلموا أنّ الميم في آخر الكلمة بمنزلة “يا” في أوّلها، والضّمة الّتي هي في الهاء هي ضمّة الاسم المنادى المفرد، والميم مفتوحة لسكونها وسكون الميم قبلها. لسان العرب: (13-470). وقد نسب هذا الرأي للخليل وسيبويه وجميع النحويين الموثوق بهم، ومن العرب من يقول إذا طرح الميم: يا أللّه اغفر لي (بهمزة)، ومنهم من يقول: يا اللّه (بغير همز)، فمن حذف الهمزة فهو على السّبيل (المعتاد) في حذف الهمزة مع ياء النّداء، ومن همزها فعلى توهّم أصالتها نظرا لعدم سقوطها (في غير النّداء). لسان العرب: (13-470). بتصرف.

 

المعرفة اصطلاحا:

قال الكفويّ: المعرفة هي الإدراك المسبوق بالعدم، وتقال أيضا لثاني الإدراكين إذا تخلّلهما عدم، ولإدراك الأمر الجزئيّ أو البسيط. الكليات للكفوي: (ص 824).

 

وقال الجرجانيّ: المعرفة إدراك الشّيء على ما هو عليه، وهي مسبوقة بنسيان حاصل بعد العلم، ولذلك يسمّى الحقّ تعالى بالعالم دون العارف. التعريفات: (ص 336). وقال صاحب التّوقيف -بعد أن ذكر تعريف الجرجانيّ-: المعرفة عند القوم سموّ اليقين، وقيل: سقوط الوهم لوضوح الاسم. انظر التوقيف على مهمات التعاريف للمناوي: (ص 310).

 

وقال الفيروزاباديّ: المعرفة إدراك الشّيء بتفكّر وتدبّر لأثره، يقال: فلان يعرف اللّه، لأنّ معرفة البشر للّه إنّما هي بتدبّر آثاره دون إدراك ذاته، وهي أخصّ من العلم. بصائر ذوي التمييز: (4-47).

 

لفظ الجلالة اصطلاحا: “اللّه”

قال الغزاليّ: هو الاسم الدّالّ على الذّات الجامعة لصفات الإلهيّة كلّها حتّى لا يشذّ منها شيء،وسائر الأسماء لا يدلّ آحادها إلّا على آحاد المعاني، من علم وقدرة أو فعل أو غير ذلك، وهو أخصّ أسمائه تعالى، إذ لا يطلقه أحد على غيره لا حقيقة ولا مجازا، وسائر الأسماء قد يسمّى بها غيره، ولهذين الوجهين يشبه أن يكون هذا الاسم أعظم هذه الأسماء. المقصد الأسنى: (ص 60).

 

وقال السّفارينيّ: وهو -أي لفظ الجلالة- الاسم الأعظم عند أكثر أهل العلم، وعدم الإجابة لأكثر النّاس مع الدّعاء به لتخلّف بعض شروطه الّتي من أهمّها الإخلاص وأكل الحلال، وقد قدّم على الرّحمن الرّحيم (في البسملة) لأنّه اسم ذات في الأصل، وهما اسما صفة في الأصل والذّات متقدّمة على الصّفة. غذاء الألباب، شرح منظومة الآداب: (1-10).

 

وقال مؤلّفو المعجم الكبير: اللّه: علم على الإله المعبود بحقّ، الجامع لكلّ صفات الكمال، وتفرّد سبحانه بهذا الاسم فلا يشركه فيه غيره. (المعجم الكبير، تأليف لجنة من أعضاء مجمع اللغة العربية بالقاهرة).

 

معرفة اللّه عزّ وجلّ اصطلاحا:

قال الكفويّ: المعرفة في اصطلاحهم: هي معرفة اللّه عزّ وجلّ بلا كيف ولا تشبيه. الكليات: (ص 825).

 

العناصر

1- أشرف العلوم وأزكاها العلم بالله تعالى

 

2- عظم الحاجة إلى معرفة الله وتعظيمه.

 

3- تيسير الله تعالى السبيل لمعرفته

 

4- نماذج قرآنية تجسد العارفين بالله والجاهلين به

 

5- أقسام معرفة الله تعالى

 

6- ثمرات معرفة الله تعالى.

 

7- طرق التعرف على الله ووسائله.

 

الايات

1- قوله تعالى: (وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ بِكُلِّ آيَةٍ ما تَبِعُوا قِبْلَتَكَ وَما أَنْتَ بِتابِعٍ قِبْلَتَهُمْ وَما بَعْضُهُمْ بِتابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ * الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ * الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ) [البقرة: 145- 147].

 

2- قوله تعالى: (لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَداوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قالُوا إِنَّا نَصارى ذلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْباناً وَأَنَّهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ * وَإِذا سَمِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنا آمَنَّا فَاكْتُبْنا مَعَ الشَّاهِدِينَ * وَما لَنا لا نُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَما جاءَنا مِنَ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَنْ يُدْخِلَنا رَبُّنا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ * فَأَثابَهُمُ اللَّهُ بِما قالُوا جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَذلِكَ جَزاءُ الْمُحْسِنِينَ) [المائدة: 82- 85].

 

3- الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمُ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) [الأنعام: 20].

 

4- قوله تعالى: (فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ الْمُبِينُ * يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَها وَأَكْثَرُهُمُ الْكافِرُونَ) [النحل: 82- 83].

 

5- قوله تعالى: (إِنَّما أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَها وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ * وَأَنْ أَتْلُوَا الْقُرْآنَ فَمَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَقُلْ إِنَّما أَنَا مِنَ الْمُنْذِرِينَ * وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ آياتِهِ فَتَعْرِفُونَها وَما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) [النمل: 91- 93].

 

6- قوله تعالى: (أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلى قَرْيَةٍ وَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها قالَ أَنَّى يُحْيِي هذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِها فَأَماتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قالَ كَمْ لَبِثْتَ قالَ لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عامٍ فَانْظُرْ إِلى طَعامِكَ وَشَرابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانْظُرْ إِلى حِمارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ وَانْظُرْ إِلَى الْعِظامِ كَيْفَ نُنْشِزُها ثُمَّ نَكْسُوها لَحْماً فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [البقرة: 259].

 

7- قوله تعالى: (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَداً إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِياءٍ أَفَلا تَسْمَعُونَ * قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهارَ سَرْمَداً إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلا تُبْصِرُونَ * وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) [القصص: 71- 73].

 

8- قوله تعالى: (وَفِي الْأَرْضِ آياتٌ لِلْمُوقِنِينَ * وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ * وَفِي السَّماءِ رِزْقُكُمْ وَما تُوعَدُونَ * فَوَ رَبِّ السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ ما أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ) [الذاريات: 20- 23].

 

9- قوله تعالى: (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) [البقرة: 164].

 

10- قوله تعالى: (كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ) [ص: 29].

 

11- قوله تعالى: (أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ) [المؤمنون: 68].

 

12- قوله تعالى: (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا) [النساء: 82].

 

13- قوله تعالى: (سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) [فصلت: 53].

 

14- قوله تعالى: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) [الشورى: 11].

 

15- قوله تعالى: (وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ) [الإخلاص: 4].

 

16- قوله تعالى: (اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ) [البقرة: 255].

 

17- قوله تعالى: (يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ [الرحمن: 29].

 

18- قوله تعالى: (وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ) [الزمر: 67].

 

19- قال تعالى: (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ) [محمد: 19]. قال البُخاريُّ في (بابِ العِلمِ قَبْلَ القَولِ والعَمَلِ) من صحيحِه: (فبدأَ بالعِلْمِ). يُنظر: صحيح البخاري: (1-24).

 

20- قال تعالى: (رُّسُلًا مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ ۚ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا) [النساء: 165].

 

21- قال تعالى: (فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ * الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ) [قريش: 3-4].

 

22- قال تعالى: (هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ * هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)[الحشر: 23- 24].

 

 

الاحاديث

1- عن ابن عبّاس -رضي اللّه عنهما- أنّه قال: كنت رديف النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فقال: “يا غلام- أو يا غليّم- ألا أعلّمك كلمات ينفعك اللّه بهنّ؟” فقلت: بلى. فقال: “احفظ اللّه يحفظك، احفظ اللّه تجده أمامك، تعرّف إليه في الرّخاء يعرفك في الشّدّة، وإذا سألت فاسأل اللّه، وإذا استعنت فاستعن باللّه، قد جفّ القلم بما هو كائن، فلو أنّ الخلق كلّهم جميعا أرادوا أن ينفعوك بشيء لم يكتبه اللّه عليك لم يقدروا عليه. واعلم أنّ في الصّبر على ما تكره خيرا كثيرا، وأنّ النّصر مع الصّبر، وأنّ الفرج مع الكرب، وأنّ مع العسر يسرا”. رواه أحمد في مسنده: (1-307)، وقال الشيخ أحمد شاكر: رواه أحمد بثلاثة أسانيد أحدها صحيح متصل -وهو الذي عولنا عليه هنا-، ورواه أيضا الترمذي برقم: (2516) بلفظ مختلف، وقال: "حسن صحيح".

 

2- عن ابن عبّاس -رضي اللّه عنهما- أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم لمّا بعث معاذا إلى اليمن قال: “إنّك تقدم على قوم أهل كتاب، فليكن أوّل ما تدعوهم إليه عبادة اللّه عزّ وجلّ، فإذا عرفوا اللّه فأخبرهم أنّ اللّه قد فرض عليهم خمس صلوات في يومهم وليلتهم، فإذا فعلوا فأخبرهم أنّ اللّه قد فرض عليهم زكاة تؤخذ من أغنيائهم فتردّ على فقرائهم، فإذا أطاعوا بها، فخذ منهم وتوقّ كرائم أموالهم” رواه مسلم: (31).

 

3- عن أبي هريرة -رضي اللّه عنه- قال: قال أناس لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: يا رسول اللّه هل نرى ربّنا يوم القيامة؟ فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: “هل تضارّون في القمر ليلة البدر؟” قالوا: لا يا رسول اللّه. قال: “فهل تضارّون في رؤية الشّمس ليس دونها سحاب؟” قالوا: لا. قال: “فإنّكم ترونه كذلك، يجمع اللّه النّاس يوم القيامة فيقول: من كان يعبد شيئا فليتّبعه، فيتّبع من كان يعبد الشّمس الشّمس، ومن كان يعبد القمر القمر، ويتّبع من كان يعبد الطّواغيت الطّواغيت وتبقى هذه الأمّة فيها منافقوها، فيأتيهم اللّه تبارك وتعالى في صورة غير صورته الّتي يعرفون فيقول: أنا ربّكم، فيقولون: نعوذ باللّه منك، هذا مكاننا حتّى يأتينا ربّنا، فإذا جاء ربّنا عرفناه، فيأتيهم اللّه في صورته الّتي يعرفون، فيقول: أنا ربّكم، فيقولون: أنت ربّنا فيتّبعونه... الحديث” رواه البخاري: (806)، ومسلم (299) واللفظ له.

 

4- عن عائشة- رضي اللّه عنها- قالت: كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إذا أمرهم أمرهم من الأعمال بما يطيقون. قالوا: إنّا لسنا كهيئتك يا رسول اللّه، إنّ اللّه قد غفر لك ما تقدّم من ذنبك وما تأخّر. فيغضب حتّى يعرف الغضب في وجهه ثمّ يقول: “إنّ أتقاكم وأعلمكم باللّه أنا” رواه البخاري: 1 (20)، قال ابن حجر: كذا في رواية أبي ذر، وهو لفظ الحديث الذي أورده في جميع طرقه، وفي رواية الأصيلي: “أعرفكم” وكأنه مذكور بالمعنى حملا على ترادفهما هنا، وهو ظاهر هنا وعليه عمل المصنف.

 

5- عن ابن عبّاس -رضي اللّه عنهما- قال: اختصم رجلان، فدارت اليمين على أحدهما، فحلف باللّه الّذي لا إله إلّا هو ما له عليه حقّ فنزل جبريل فقال: "مره فليعطه حقّه، فإنّ الحقّ قبله، وهو كاذب، وكفّارة يمينه معرفته باللّه أنّه لا إله إلّا هو، أو شهادته أنّه لا إله إلّا هو". رواه أحمد في مسنده: 1-322، وقال الشيخ أحمد شاكر: "إسناده صحيح".

 

6- عن عائشة رضي الله عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث رجلًا على سرية، وكان يقرأ لهم في صلاتهم فيختم بـ (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) [الإخلاص: 1]، فلما رجعوا ذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال: "سَلُوه لأي شيء يفعل ذلك، فسأله، فقال: لأنها صفة الرحمن، وأنا أحب أن أقرأ بها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أخبروه أن الله يحبه". رواه البخاري: (٧٥٧٣).

 

7- عن ابن مسعود -رضي الله عنه- قال: جاء حبر من الأحبار إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا محمد، إنا نجد -يعني في التوراة- أن الله يجعل السماوات السبع على إصبع، والشجر على إصبع، والماء على إصبع، والثرى على إصبع، وسائر الخلق على إصبع، فيقول: أنا الملك، فضحك النبي -صلى الله عليه وسلم- حتى بدت نواجذه تصديقًا لقول الحبر، ثم قرأ: (وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) [الزمر: 67]"؛ رواه البخاري: (4811)، ومسلم: (2786).

 

8- عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "الْعِزُّ إزارُهُ، والْكِبْرِياءُ رِداؤُهُ، فمَن يُنازِعُنِي عَذَّبْتُهُ". رواه مسلم: (٢٦٢٠).

 

9- عن عثمانَ رَضِيَ اللهُ عنه قال: قال رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: "من مات وهو يَعلَمُ أنَّه لا إله إلَّا اللهُ، دَخَل الجنَّةَ". أخرجه مسلم: (26).

 

الاثار

1- عن ابن عبّاس -رضي اللّه عنهما- في تفسير قوله تعالى: (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ) [الأعراف: 172] قال: "إنّ اللّه تبارك وتعالى ضرب منكبه الأيمن فخرجت كلّ نفس مخلوقة للجنّة بيضاء نقيّة، فقال: هؤلاء أهل الجنّة ثمّ ضرب منكبه الأيسر فخرجت كلّ نفس مخلوقة للنّار سوداء، فقال: هؤلاء أهل النّار، ثمّ أخذ عهودهم على الإيمان والمعرفة له ولأمره والتّصديق به وبأمره وأشهدهم على أنفسهم فآمنوا وصدّقوا وعرفوا وأقرّوا وبلغني أنّه أخرجهم على كفّه أمثال الخردل". تفسير الطبري.

 

2- قال ابن عبّاس -رضي اللّه عنهما- في تفسير قوله تعالى: (وَكَذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ) [الأنعام: 75]: "إنّه تعالى جلّى له الأمر سرّه وعلانيته فلم يخف عليه شيء من أعمال الخلائق فلمّا جعل يلعن أصحاب الذّنوب قال اللّه: إنّك لا تستطيع هذا، فردّه كما كان قبل ذلك". تفسير ابن كثير

 

3- وعن ابن عبّاس -رضي اللّه عنهما- في تفسير قول اللّه عزّ وجلّ: (إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفاً وَما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ) [الأنعام: 79]، (نُورٌ عَلى نُورٍ) [النور: 35] قال: كذلك قلب المؤمن يعرف اللّه عزّ وجلّ ويستدلّ عليه بقلبه، فإذا عرفه ازداد نورا على نور، وكذا إبراهيم عليه السّلام عرف اللّه عزّ وجلّ بقلبه واستدلّ عليه بدلائله، فعلم أنّ له ربّا وخالقا، فلمّا عرّفه اللّه عزّ وجلّ بنفسه ازداد معرفة فقال (أَتُحاجُّونِّي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدانِ) [الأنعام: 80]. تفسير القرطبي.

 

4- وعن ابن عبّاس -رضي اللّه عنهما-: "أفضل العبادة الفقه في الدّين، والحقّ سبحانه وتعالى جعل الفقه صفة القلب فقال: (لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِها) [الأعراف: 179]، فلمّا فقهوا علموا، ولمّا علموا عملوا، ولمّا عملوا عرفوا، ولمّا عرفوا اهتدوا، فكلّ من كان أفقه كانت نفسه أسرع إجابة وأكثر انقيادا لمعالم الدّين وأوفر حظّا من نور اليقين، فالعلم جملة موهوبة من اللّه للقلوب والمعرفة تميّز تلك الجملة". إحياء علوم الدين.

 

5- قال عمر بن الخطّاب -رضي اللّه عنه-: "رحم اللّه تعالى صهيبا لو لم يخف اللّه لم يعصه، يعني لو كتب له كتاب الأمان من النّار حمله صرف  المعرفة بعظيم أمر اللّه على القيام بواجب حقّ العبوديّة". إحياء علوم الدين.

 

6- قال الحسن البصريّ -رحمه الله تعالى-: "من عرف ربّه أحبّه، ومن عرف الدّنيا زهد فيها، ومن خلا عن الحبّ هذا فلأنّه اشتغل بنفسه وشهواته وذهل عن ربّه وخالقه فلم يعرفه حقّ معرفته وقصر نظره على شهواته ومحسوساته". إحياء علوم الدين: 4/318-319).

 

7- قال يحيى بن معاذ: "يخرج العارف من الدّنيا ولم يقض وطره من شيئين: بكاؤه على نفسه، وثناؤه على ربّه. وهذا من أحسن ما قيل، لأنّه يدلّ على معرفته بنفسه وعلى معرفته بربّه وجماله وجلاله، فهو شديد الإزراء على نفسه، لهج بالثّناء على ربّه". بصائر ذوي التمييز: (4-54).

 

8- عن عليِّ بنِ الحَسَنِ بنِ شقيقٍ قال: سألتُ عبدَ اللهِ بنَ المبارَكِ: كيف ينبغي لنا أن نعرِفَ ربَّنا عزَّ وجلَّ؟ قال: "على السَّماءِ السَّابعةِ على عَرْشِه، ولا نقولُ كما تقولُ الجَهْميَّةُ: إنَّه هاهنا في الأرضِ". يُنظر: السنة؛ لعبد الله بن أحمد بن حنبل: (1-111).

 

قال أبو الحَسَنِ الأشعَرِيُّ: "أجمَعوا على أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم دعا جميعَ الخَلْقِ إلى مَعرِفة اللهِ". يُنظر: رسالة إلى أهل الثغر بباب الأبواب: (ص: 154).

 

 

الاشعار

قال ابن القيم رحمه الله:

فـهــو العـليـم أحـاط عـلـمـًا بـالـذي *** فـي الـكــون مـن سـر ومـن إعـــلان

وهـو العـلـيـم بـمـا يـوسـوس عبـده *** فـي نـفـسـه مـن غـيـر نـطـق لســـان

بــل يـسـتـوي فـي علـمــه الـدانــي *** مع القاصي وذو الإصرار والإعلان

فهـو العـلـيـم بمـا يـكـون غــدًا ومـا *** قــد كـان والـمـعـلـــــوم فـي ذا الآن

وبكـل شـي لـم يكـن لـو كـان كيـف *** يـكــون مــوجـــودًا لــذي الأعـيـــان

فهـو السميـع يـرى ويسـمع كـل مـا *** فـي الـكــون مـن ســرٍ ومـن إعــلان

فلكـل صـوت مـنـه سـمـع حـاضـر *** فـالـســــر والإعـــلان مـسـتـويــــان

والسـمـع منـه واسـع الأصـوات لا *** يـخـفـى عـلـيـه بـعـيـدهــا والــدَّانــي

ويري دبيب النمل في غسق الدُّجى *** ويــرى كــذاك تـقـلُّــب الأجــفـــــان

لهـو البـصـيـر يـرى دبـيـب النملـة *** السـوداء تحـت الـصخـر والصَّــوَّان

ويرى مجاري القـوت في أعضائها *** ويـــرى نـِيـَـاطَ عـروقــــها بـعـيــان

ويـرى خيـانـات العـيـون بِلـَحْـظِـها *** إي والــذي بــرأ الــورى وبــَرَانــِي

فـهـو الحـمـيـد فـكـل حـمــدٍ واقــع *** أو كــان مفــروضـًا عـلـى الأزمــان

هـــو أهـلــه سبـحــانــه وبـحـمـده *** كـل المـحـامــد وصـف ذي الإحسـان

فـلـك المـحـامــد والمـدائـح كـلـهـا *** بخـواطــري وجــوارحــي ولـسـانـي

ولك الـمـحـامـد ربـنـا حـمـًدا كـما *** يـرضـيـك لا يــفـنـى عـلـى الأزمــان

مـلء السـمـاوات الـعـلا والأرض *** والـمـوجـود بـعـد ومنتـهـى الإمـكـان

مـمـا تـشــــــاء وراء ذلـك كـلــــه *** حــمـــدًا بـغـيـــر نـهـــايــة بـزمـــان

وعـلـى رسـولـك أفضل الصلوات *** والتـسـلـيـم مـنـك وأكـمـل الرضـوان

صـلـى الإلــه علـى النـبـي محمـد *** مـا نـاح قـُـمـْــرِيٌ عــلــى الأغـصـان

وعـلـى جـمـيــع بنــاتــه ونـسـائـه *** وعـلـى جـمـيـع الـصَّـحب والإخـوان

وعـلـى صـحـابـتـه جميـعًا والأُلَى *** تـبـعـوهـــم مــن بـعـــد بــالإحـســـان

(النونية؛ لابن القيم) 

 

متفرقات

1- قال البخاريّ: وباب قول النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: "أنا أعلمكم باللّه” وأنّ المعرفة فعل القلب لقول اللّه تعالى: (وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ) [البقرة: 225] (الفتح 1/ 88].

 

2- قال النّوويّ في شرح قوله صلّى اللّه عليه وسلّم “الإسلام أن تعبد اللّه لا تشرك به شيئا وتقيم الصّلاة... إلى آخره”: أمّا العبادة، فهي: الطّاعة مع خضوع، فيحتمل أن يكون المراد بالعبادة هنا: معرفة اللّه تعالى والإقرار بوحدانيّته، فعلى هذا يكون عطف الصّلاة والصّوم والزّكاة عليها لإدخالها في الإسلام. فإنّها لم تكن دخلت في العبادة، وعلى هذا إنّما اقتصر على هذه الثّلاث لكونها من أركان الإسلام وأظهر شعائره والباقي ملحق بها. رواه مسلم: (7).

 

3- قال الغزاليّ -رحمه اللّه-: "أخوف النّاس لربّه أعرفهم بنفسه وبربّه، ولذلك قال صلّى اللّه عليه وسلّم: “أنا أخوفكم للّه"، وكذلك قال تعالى: (إِنَّما يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ)[فاطر: 28] ثمّ إذا كملت المعرفة أورثت جلال الخوف واحتراق القلب". إحياء علوم الدين: (4-164).

 

4- وقال الغزاليّ: "الخوف من المعصية خوف الصّالحين، والخوف من اللّه خوف الموحّدين والصّدّيقين وهو ثمرة المعرفة باللّه تعالى، وكلّ من عرفه وعرف صفاته علم من صفاته ما هو جدير بأن يخاف من غير جناية". إحياء علوم الدين: (4-167).

 

5- قال الغزاليّ - رحمه اللّه- كذلك: "لا وصول إلى سعادة لقاء اللّه في الآخرة إلّا بتحصيل محبّته والأنس به في الدّنيا، ولا تحصل المحبّة إلّا بالمعرفة، ولا تحصل المعرفة إلّا بدوام الفكر". إحياء علوم الدين: (4-168).

 

6- قال الغزاليّ: "من عرف اللّه تعالى عرف أنّه يفعل ما يشاء ولا يبالي، ويحكم ما يريد ولا يخاف". إحياء علوم الدين: (4-177).

 

7- قال ابن القيّم: "اعلم أنّ اللّه تعالى خلق في صدرك بيتا وهو القلب، ووضع في صدره عرشا لمعرفته يستوي عليه المثل الأعلى وهو مستو على عرشه بذاته بائن من خلقه. والمثل الأعلى من معرفته ومحبّته وتوحيده مستو على سرير القلب وعلى السّرير بساط من الرّضا، ووضع عن يمينه وشماله مرافق شرائعه وأوامره. وفتح إليه بابا من جنّة رحمته والأنس به والشّوق إلى لقائه. وأمطره من وابل كلامه ما أنبت فيه أصناف الرّياحين والأشجار المثمرة من أنواع الطّاعات. والتّهليل والتّسبيح والتّحميد والتّقديس. وجعل في وسط البستان شجرة معرفته تعالى، فهي تؤتي أكلها كلّ حين بإذن ربّها من المحبّة والإنابة والخشية والفرح به والابتهاج بقربه وأجرى إلى تلك الشّجرة ما يسقيها من تدبّر كلامه وفهمه والعمل بوصاياه، وعلّق في ذلك البيت قنديلا أسرجه بضياء معرفته والإيمان به وتوحيده فهو يستمدّ (مِنْ شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ يَكادُ زَيْتُها يُضِي ءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ) [النور: 35]". الفوائد: (ص 242-243).

 

8- قال بعضهم: "من أمارات المعرفة باللّه حصول الهيبة، فمن ازدادات معرفته زادت هيبته. وقال أيضا: "المعرفة توجب السّكينة". وقيل: علامتها أن يحسّ بقرب قلبه من اللّه فيجده قريبا منه". بصائر ذوي التمييز: (4-52).

 

9- قال الفيروز آبادي: "وعلامة العارف أن يكون قلبه مرآة إذا نظر فيها رأى فيها الغيب الّذي دعا إلى الإيمان به، فعلى قدر جلاء تلك المرآة يتراءى فيها سبحانه والدّار الآخرة والجنّة والنّار والملائكة والرّسل، كما قيل:

إذا سكن الغدير على صفاء *** فيشبه أن يحرّكه النّسيم

بدت فيه السّماء بلا مراء ***  كذاك الشّمس تبدو والنّجوم

كذاك قلوب أرباب التجلّي *** يرى في صفوها اللّه العظيم

 

ومن علامات المعرفة: أن يبدو لك الشّاهد وتفنى الشّواهد، وتنجلي العلائق وتنقطع العوائق، وتجلس بين يدي الرّبّ، وتقوم وتضطجع على التّأهّب للقائه كما يجلس الّذي قد شدّ أحماله وأزمع السّفر، على تأهّب له، ويقوم على ذلك ويضطجع عليه. ومن علامات العارف: أنّه يأسف على فائت ولا يفرح بآت ولأنّه ينظر في الأشياء الفناء والزّوال، وأنّها في الحقيقة كالظّلال والخيال. وقال الجنيد: لا يكون العارف عارفا حتّى يكون كالأرض يطؤها البرّ والفاجر، وكالسّحاب يظلّ كلّ شيء، وكالمطر يسقي ما يحبّ وما لا يحبّ". بصائر ذوي التمييز: (4-53).

 

10- قال ابن الجوزي -رحمه اللّه تعالى-: "ليس في الدّنيا ولا في الآخرة أطيب عيشا من العارفين باللّه تعالى، فإنّ العارف به مستأنس به في خلوته، فإن عمّت نعمة علم من أهداها، وإن مرّ مرّ حلا مذاقه في فيه لمعرفته بالمبتلي، وإن سأل فتعوّق مقصوده، صار مراده ما جرى به القدر، علما منه بالمصلحة، بعد يقينه بالحكمة، وثقته بحسن التّدبير". صيد الخاطر: (ص 108).

 

11- قال ابن كثير عند قوله تعالى: (وَكَذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ) [الأنعام: 75] قال: "يحتمل أن يكون كشف له عن بصره حتّى رأى ذلك عيانا ويحتمل أن يكون كشف عن بصيرته حتّى شاهده بفؤاده وتحقّقه وعرفه وعلم ما في ذلك من الحكم الباهرة والدّلالات القاطعة كما رواه الإمام أحمد والتّرمذيّ وصحّحه عن معاذ بن جبل في حديث المنام (أتاني ربّي في أحسن صورة فقال: يا محمّد فيم يختصم الملأ الأعلى؟ فقلت: لا أدري يا ربّ، فوضع يده بين كتفيّ حتّى وجدت برد أنامله بين ثدييّ فتجلّى لي كلّ شيء وعرفت ذلك)". تفسير ابن كثير.

 

12- قال ابن القيم رحمه الله: "هذه المنزلة تابعة للمعرفة؛ فعلى قدر المعرفة يكون تعظيم الرب تعالى في القلب، وأعرف الناس به أشدهم له تعظيمًا وإجلالًا، وقد ذم الله تعالى من لم يعظمه حق عظمته، ولا عرفه حق معرفته، ولا وصفه حق صفته؛ قال تعالى: (مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا) [نوح: 13]؛ قال ابن عباس ومجاهد: لا ترجون لله عظمة، وقال سعيد بن جبير: ما لكم لا تعظمون الله حق عظمته.

 

 

 

وروح العبادة هو الإجلال والمحبة؛ فإذا تخلى أحدهما عن الآخر فسدت؛ أي: العبادة" مدارج السالكين

 

13- قال ابنُ القيِّمِ مُعَلِّقًا على هذه الآيةِ الكريمةِ (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ) [محمد: 19]: "فالعِلمُ بوحدانيَّتِه تعالى وأنَّه لا إلهَ إلَّا هو: مطلوبٌ لذاتِه، وإن كان لا يُكتفى به وَحْدَه، بل لا بُدَّ معه من عبادتِه وَحْدَه لا شريكَ له، فهما أمرانِ مَطلوبان لأنفُسِهما؛ أن يُعرَفَ الرَّبُّ تعالى بأسمائِه وصِفاتِه وأفعالِه وأحكامِه، وأن يُعبَدَ بموجِبِها ومقتضاها، فكما أنَّ عِبادتَه مَطلوبةٌ مرادةٌ لذاتِها، فكذلك العِلمُ به ومَعرِفتُه". مفتاح دار السعادة: (1-178).

 

14- قال الخَطَّابي: "القولُ فيما يجِبُ من مَعرِفةِ اللهِ سُبحانَه وتعالى:

أوَّلُ ما يجِبُ على من يلزمُه الخِطابُ: أن يعلَمَ أنَّ للعالَمِ بأسِره صانِعًا، وأنَّه هو اللهُ الواحِدُ لا شريكَ له". يُنظر: بيان تلبيس الجهمية: (1-501).

 

15- قال ابن تيمينة: "المؤمن لا بد أن يقوم بقلبه من معرفة الله والمحبة له : ما يوجب أن يكون للمعروف المحبوب في قلبه من الآثار ما يشبه الحلول من بعض الوجوه لا أنه حلول ذات المعروف المحبوب لكن هو الإيمان به ومعرفة أسمائه وصفاته. قال الله تعالى . (الله نور السماوات والأرض مثل نوره كمشكاة..) الآية قال أبي بن كعب: "مثل نوره في قلب المؤمن" فهذه هي الأنوار التي تحصل في قلوب المؤمنين". مجموع الفتاوى: (2-383).

 

16- قال ابنُ مَنْدَه: "ذِكرُ الدَّليلِ على أنَّ المجتهِدَ المُخطئَ في مَعرِفةِ الله عزَّ وجلَّ ووحدانيَّتِه كالمعانِدِ: قال الله تعالى مخبرًا عن ضلالتِهم ومُعاندتِهم: (قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا) [الكهف: 103-104]. وقال عليُّ بنُ أبي طالبٍ -رَضِيَ اللهُ عنه- لَمَّا سُئِلَ عن الأخسَرِينَ أعمالًا، فقال: "كَفَرةُ أهلِ الكِتابِ، كان أوائِلُهم على حقٍّ، فأشركوا برَبِّهم عزَّ وجلَّ، وابتَدَعوا في دِينِهم، وأحدَثوا على أنفُسِهم، فهم يجتَمِعون في الضَّلالةِ، ويَحسَبون أنَّهم على هدًى، ويجتَهِدون في الباطِلِ، ويَحسَبون أنَّهم على حقٍّ، ضَلَّ سعيُهم في الحياةِ الدُّنيا، وهم يَحسَبونَ أنَّهم يُحسِنون صُنعًا!". التوحيد: (1-314).

 

17- قال أبو بكرٍ الخوارزميُّ: "بيانُ أنَّ مَعرِفةَ اللهِ تعالى واجبةٌ بالآياتِ الدَّالَّةِ عليها، وإجماعِ الأمَّةِ؛ فأمَّا الآياتُ فقَولُه تعالى: (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ) [محمد: 19] ، فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَوْلَاكُمْ [الأنفال: 40] ، (قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ) [يونس: 101] ، (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ) [البقرة: 164] حتى قال العُلَماءُ: نزلت ثلاثُمائةِ آيةٍ في الحثِّ على النَّظَرِ والمَعرِفةِ، والإجماعُ مُنعَقِدٌ على ذلك". يُنظر: مفيد العلوم ومبيد الهموم: (ص: 19).

 

18- قال الحليميُّ: "لا شيءَ أعوَدُ على العاقِلِ مِن مَعرِفةِ اللهِ تعالى بصفاتِه، ومَعرِفةِ ما يُرضيه عنه؛ ليأتيَه". يُنظر: المنهاج في شعب الإيمان: (2-196).

 

19- قال اللَّالَكائيُّ: "إنَّ أوجَبَ ما على المرءِ: مَعرِفةُ اعتقادِ الدِّينِ، وما كَلَّف اللهُ به عبادَه؛ مِن فَهمِ توحيدِه وصفاتِه، وتَصديقِ رُسُلِه بالدَّلائِلِ واليقينِ". يُنظر: شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة (1-7)

 

20- قال السِّجزيُّ: "اتَّفَق السَّلَفُ على أنَّ مَعرِفةَ اللهِ مِن طَريقِ العَقلِ مُمكِنةٌ غيرُ واجبةٍ، وأنَّ الوُجوبَ من طريقِ السَّمعِ؛ لأنَّ الوعيدَ مقترِنٌ بذلك؛ قال تعالى: (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا) [الإسراء: 15]". يُنظر: رسالة السجزي إلى أهل زبيد في الرد على من أنكر الحرف والصوت: (ص: 135).

 

21- قال البَيهقيُّ: "فَصلٌ في مَعرِفةِ اللهِ عزَّ وجلَّ، ومَعرِفةِ صفاتِه وأسمائِه. حقيقةُ المَعرِفة أنْ نعَرفَه موجودًا قديمًا، لم يَزَلْ ولا يَفنى، أحدًا صَمَدًا شَيئًا واحِدًا". يُنظر: شعب الإيمان: (1-205).

 

22- قال الغزاليُّ: "العِلمُ الأشرَفُ ما معلومُه أشرَفُ، وأشرَفُ المعلوماتِ هو اللهُ تعالى؛ فلذلك كانت مَعرِفةُ اللهِ تعالى أفضَلَ المعارِفِ، بل مَعرِفةُ سائِرِ الأشياءِ أيضًا إنَّما تَشرُفُ؛ لأنَّها مَعرِفةٌ لأفعالِ اللهِ عزَّ وجلَّ أو مَعرِفةٌ للطَّريقِ الذي يقرِّبُ العبدَ من اللهِ عزَّ وجلَّ، أو الأمرِ الذي يَسهُلُ به الوصولُ إلى مَعرِفةِ اللهِ تعالى والقُرْبِ منه، وكلُّ مَعرِفةٍ خارجةٍ عن ذلك فليس فيها كثيرُ شَرَفٍ". المقصد الأسنى: (ص: 87)، ويُنظر: شرح السنة؛ للبغوي: (1-289)، الانتصار في الرد على المعتزلة القدرية الأشرار؛ لابن أبي الخير: (2-369).

 

23- قال أبو القاسمِ الأصبَهانيُّ: "قال عُلَماءُ السَّلَفِ: أوَّلُ ما افتَرَض اللهُ على عبادِه الإخلاصُ، وهو مَعرِفةُ اللهِ والإقرارُ به، وطاعتُه بما أمَرَ ونهى، وأوَّلُ الفَرْضِ شهادةُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ وَحْدَه لا شريكَ له، وأنَّ محمدًا عبدُه ورَسولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم".الحجة في بيان المحجة: (2-279).

 

24- قال ابنُ أبي الخير العِمرانيُّ: "أمَرَ اللهُ نبيَّه أن يسألَه زيادةَ علمٍ، فقال: وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا [طه: 114] ، وأجَلُّ المعارفِ المَعرِفةُ باللهِ". الانتصار في الرد على المعتزلة القدرية الأشرار: (3-767).

 

25- قال ابنُ تيميَّةَ: "مَن عَرَف أسماءَ اللهِ ومَعانيَها وآمَنَ بها، كان إيمانُه أكمَلَ ممَّن لم يَعرِفْ تلك الأسماءَ، بل آمَنَ بها إيمانًا مجمَلًا، أو عَرَف بعضَها، وكلَّما ازداد الإنسانُ مَعرِفةً بأسماءِ اللهِ وصِفاتِه وآياتِه، كان إيمانُه به أكمَلَ". مجموع الفتاوى: (7-233).

 

26- قال ابنُ تيميَّةَ: "كان أهلُ المَعرِفةِ بالله متَّفِقينَ على أنَّه لا يَتمُّ مَعرِفةُ عبدٍ برَبِّه، ويَتِمُّ قَصدُه له وتوجُّهه إليه ودُعاه له إلَّا بإقرارِه بأنَّه فَوقَ العالَمِ، وأنَّه بإقرارِه بذلك تَثبتُ الإلهيَّةُ في قَلْبِه، ويصيرُ له ربٌّ يَعبُدُه ويَقصِده، وبدون ذلك لا يبقى قَلْبُه مُستَقِرًّا مُطمَئِنًّا إلى إلهٍ يَعبُدُه ويَقصِدُه، بل يبقى عِندَه مِنَ الرَّيبِ والاضطرابِ ما يَجِدُه من جَرَّب قَلْبَه في هذه الأسبابِ، كما قال الشَّيخُ أبو جَعفرٍ الهمذانيُّ: ما قال عارفٌ قطُّ: يا اللهُ، إلَّا وَجَد في قلبِه ضرورةً تَطلُبُ العُلُوَّ، ولا تلتفِتُ يَمنةً ولا يَسْرةً". بيان تلبيس الجهمية: (4-555).

 

27- قال ابنُ تيميَّةَ: مبيِّنًا بَعضَ الطُّرُقِ التي تُنالُ بها مَعرِفةُ الله تعالى: "يجِبُ على من أراد أن يَعرِفَ اللهَ تعالى المَعرِفةَ التامَّةَ أن يفحَصَ عن منافِعِ جَميعِ الموجوداتِ، وأمَّا دلالةُ الاختراعِ فيَدخُلُ فيها وجودُ الحيوانِ كلِّه، ووجودُ النَّباتِ، ووجودُ السَّمواتِ، وهذه الطَّريقةُ تنبني على أصلينِ موجودينِ بالقوَّةِ في جميعِ فِطَرِ النَّاسِ:

أحَدُهما: أنَّ هذه الموجوداتِ مُختَرَعةٌ، وهذا معروفٌ بنَفْسِه في الحيوانِ والنَّباتِ، كما قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَن يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ [الحج: 73]  الآية؛ فإنَّا نرى أجسامًا جماديَّةً، ثمَّ تحدُثُ فيها الحياةُ، فنعلَمُ قَطعًا أنَّ هاهنا مُوجِدًا للحياةِ ومُنعِمًا بها، وهو اللهُ تبارك وتعالى، وأمَّا السَّمواتُ فنَعلمُ مِن قِبَلِ حَرَكاتِها التي لا تَفتُرُ أنَّها مأمورةٌ بالعنايةِ بما هاهنا، ومُسَخَّرةٌ لنا، والمسخَّرُ المأمورُ، مخترَعٌ مِن قِبَل غَيرِه ضرورةً.

 

وأمَّا الأصلُ الثَّاني: فهو أنَّ كلَّ مخترَعٍ فله مُخترِعٌ. فيصحُّ من هذين الأصلَينِ أنَّ للموجودِ فاعِلًا مُخترِعًا له، وفي هذا الجِنسِ دلائِلُ كثيرةٌ على عَدَدِ المختَرَعاتِ؛ ولذلك كان واجبًا على من أراد أن يَعرِفَ اللهَ حَقَّ مَعرِفتِه أن يَعرِفَ جواهِرَ الأشياءِ؛ ليَقِفَ على الاختراعِ الحقيقيِّ في جميعِ الموجوداتِ؛ لأنَّ مَن لم يعرِفْ حقيقةَ الشَّيءِ لم يَعرِفْ حقيقةَ الاختراعِ؛ ولهذا أشار تعالى وتقدَّس بقَولِه: أَوَلَمْ يَنظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِن شَيْءٍ [الأعراف: 185] ، وكذلك أيضًا مَن تتبَّعَ معنى الحِكمةِ في موجودٍ موجودٍ -أعني: مَعرِفةَ السَّبَبِ الذي من أجْلِه خُلِقَ، والغايةِ المقصودةِ به- كان وقوفُه على دليلِ العنايةِ أتمَّ، فهذان الدَّليلانِ هما دليلا الشَّرعِ.

 

وأمَّا أنَّ الآياتِ المنبِّهةَ على الأدِلَّةِ المُفضِيةِ إلى وُجودِ الصَّانعِ سُبحانَه في الكِتابِ العزيزِ هي مُنحَصِرةٌ في هذينِ الجِنْسينِ من الأدلَّةِ، فهذا بيِّنٌ لمن تأمَّل الآياتِ الواردةَ في الكِتابِ العزيزِ في هذا المعنى، وذلك أنَّ الآياتِ في الكِتابِ العزيزِ في هذا المعنى إذا تُصُفِّحَت وُجِدَت على ثلاثةِ أنواعٍ:

- إمَّا آياتٌ تتضمَّنُ التَّنبيهَ على دَلالةِ العنايةِ.

 

- وإمَّا آياتٌ تتضَمَّنُ التَّنبيهَ على دَلالةِ الاختراعِ.

 

- وإمَّا آياتٌ تَجمَعُ الأمرينِ مِن الدَّلالةِ جَميعًا". بيان تلبيس الجهمية: (1-494).

 

28- قال ابنُ جماعةَ: "عِلمُ التَّوحيدِ عِلمٌ يُعنى بمَعرِفةِ اللهِ تعالى والإيمانِ به، ومَعرِفةِ ما يجِبُ له سُبحانَه وما يستحيلُ عليه، وما يجوزُ، وسائرِ ما هو من أركانِ الإيمانِ الستَّةِ، ويَلحَقُ بها، وهو أشرَفُ العُلومِ وأكرمُها على اللهِ تعالى؛ لأنَّ شَرَفَ العلمِ يَتْبَع شَرَفَ المعلومِ، لكِنْ بشَرطِ ألَّا يَخرُجَ عن مدلولِ الكِتابِ والسُّنَّةِ الصَّحيحةِ، وإجماعِ العُدولِ، وفَهْمِ العُقولِ السَّليمةِ في حُدودِ القَواعدِ الشَّرعيَّةِ، وقواعدِ اللُّغةِ العربيَّةِ الأصيلةِ". إيضاح الدليل في قطع حجج أهل التعطيل: (ص 7).

 

29- قال ابنُ القَيِّمِ: "لا يَستَقِرُّ للعَبدِ قَدَمٌ في المَعرِفة، بل ولا في الإيمانِ، حتى يؤمِنَ بصفاتِ الرَّبِّ جلَّ جلالُه، ويَعرِفَها مَعرِفةً تُخرِجُه عن حدِّ الجَهلِ برَبِّه، فالإيمانُ بالصِّفاتِ وتعَرُّفُها: هو أساسُ الإسلامِ، وقاعِدةُ الإيمان، وثَمَرةُ شَجرةِ الإحسانِ؛ فمن جَحَد الصِّفاتِ فقد هَدَم أساسَ الإسلامِ والإيمانِ، وثَمَرةَ شَجَرةِ الإحسانِ، فضلًا عن أن يكونَ من أهلِ العِرْفانِ". مدارج السالكين: (3-324).

 

30- قال ابنُ رَجَبٍ: "لا صلاحَ للقُلوبِ حتى يستقِرَّ فيها مَعرِفةُ اللهِ وعَظَمتُه ومَحبَّتُه وخَشيتُه ومَهابتُه ورَجاؤُه والتوَكُّلُ عليه، وتمتَلِئَ من ذلك، وهذا هو حقيقةُ التَّوحيدِ، وهو معنى قَولِ: لا إلهَ إلَّا اللهُ، فلا صلاحَ للقُلوبِ حتى يكونَ إلهُها الذي تألَهُه وتَعرِفُه وتُحبُّه وتخشاه هو اللهَ وَحْدَه لا شريكَ له". جامع العلوم والحكم: (1-211).

 

31- قال ابنُ رَجَبٍ أيضًا: (العِلمُ النَّافِعُ يدلُّ على أمرَينِ:

أحَدُهما: على مَعرِفةِ اللهِ، وما يَستَحِقُّه من الأسماءِ الحُسنى، والصِّفاتِ العُلا، والأفعالِ الباهِرةِ، وذلك يَستلزِمُ إجلالَه وإعظامَه، وخَشْيتَه ومهابتَه، ومحبَّته ورجاءَه، والتوكُّلَ عليه، والرِّضا بقَضائهِ، والصَّبرَ على بلائِه.

 

والأمرُ الثَّاني: المَعرِفةُ بما يحبُّه ويرضاه، وما يَكرَهُه ويَسخَطُه من الاعتِقاداتِ والأعمالِ الظَّاهرةِ والباطِنةِ والأقوالِ، فيُوجِبُ ذلك لِمَن عَلِمَه المسارَعةَ إلى ما فيه محبَّةُ اللهِ ورِضاه، والتَّباعُدَ عما يَكرَهُه ويَسخَطُه، فإذا أثمَرَ العِلمُ لصاحِبِه هذا فهو عِلمٌ نافِعٌ، فمتى كان العِلمُ نافعًا، ووقَرَ في القَلبِ؛ فقد خَشَع القلبُ لله، وانكسَرَ له، وذَلَّ هيبةً وإجلالًا وخَشيةً ومحبَّةً وتعظيمًا، ومتى خَشَع القلبُ لله وذَلَّ وانكسَرَ له قَنَعت النَّفسُ بيسيرِ الحَلالِ مِن الدُّنيا، وشَبِعت به؛ فأوجب لها ذلك القناعةَ والزُّهدَ في الدُّنيا". جامع العلوم والحكم: (1-211).

 

32- قال ابنُ الوَزيرِ: "مَعرِفةُ اللهِ جَليَّةٌ في الفِطرةِ، سابقةٌ للشَّكِّ، كما قال تعالى: قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ [إبراهيم: 10] ؛ ولذلك قال صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: "كلُّ مولودٍ يُولَدُ على الفِطرةِ"... الحديث".

 

33- قال محمَّدُ بنُ عبدِ الوَهَّابِ: "اعلمْ -رَحِمَك الله- أنَّه يجِبُ علينا تعلُّمُ أربعِ مَسائِلَ.

الأُولى: العِلمُ: وهو مَعرِفةُ اللهِ، ومَعرِفةُ نبيِّه، ومَعرِفةُ دينِ الإسلامِ بالأدلَّةِ.

الثَّانيةُ: العَمَلُ به.

الثَّالِثةُ: الدَّعوةُ إليه.

الرَّابِعةُ: الصَّبرُ على الأذى فيه". ثلاثة الأصول: (ص: 6).

 

34- قال عبدُ اللهِ أبا بطين: "أفرَضُ العُلومِ: مَعرِفةُ اللهِ سُبحانَه بأسمائِه وصِفاتِه، ومَعرِفةُ حَقِّه على عِبادِه، الذي خَلَق الجِنَّ والإنسَ لأجْلِه، وهو توحيدُ الأُلوهيَّةِ الذي أرسَلَ به جميعَ الرُّسُلِ، وأنزل به جميعَ الكُتُبِ، قال سُبحانَه: (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ) [محمد: 19]، وقال: (فَاعْلَمُوا أَنَّمَا أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ وَأَنْ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ) [هود: 14]؛ أي: واعلَموا أنْ لا إلهَ إلَّا هو، وقال: (هَذَا بَلاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ) [إبراهيم: 52]؛ فبَيَّن -سُبحانَه- أنَّ من الحكمةِ في إنزالِ القُرآنِ لِيعلَمَ النَّاسُ بما فيه من الحُجَجِ والبَراهينِ أنَّه هو المستَحِقُّ للأُلُوهيَّةِ وَحْدَه، ففَرَض على عبادِه العِلمَ بأنَّه الإلهُ وَحْدَه، وأخبَرَ أنَّه ضَمَّن كتابَه من الأدِلَّةِ والبراهينِ ما يَدُلُّ على ذلك، فتعيَّنَ على كلِّ مُكَلَّفٍ مَعرِفةُ لا إلهَ إلَّا اللهُ، الذي هو أصلُ الأُصولِ، وأوجَبُ العُلومِ". الرد على البردة: (ص: 20).

 

35- قال ابنُ عُثيمين: "مَعرِفةُ اللهِ سُبحانَه وتعالى نوعانِ:...

- مَعرِفةُ وجودٍ ومَعانٍ.

- ومَعرِفةُ كُنْهٍ وحقيقةٍ.

أما مَعرِفةُ الوُجودِ والمعاني فهذا هو المطلوبُ مِنَّا.

وأما مَعرِفةُ الكُنْهِ والحقيقةِ فهذا غيرُ مَطلوبٍ مِنَّا، فلا أحدَ يَعرِفُ حقيقةَ ذاتِ اللهِ سُبحانَه وتعالى، ولا حقيقةَ صِفاتِه، والوصولُ إلى ذلك مُستحيلٌ". شرح العقيدة السفارينية: (ص: 147).

 

 

 

الإحالات

1- معرفة الله عز وجل وطريق الوصول إليه عند ابن تيمية؛ لمصطفى حلمي.

 

2- الطريق الى معرفة الله؛ لأحمد الماجد.

 

3- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة؛ د. حسني البشبيشي.

 

4- معرفة الله؛ للمرابط محمد الشنقيطي.