غيبة

2022-10-05 - 1444/03/09

التعريف

الغيبة لغة:

الغيبة هي الاسم من الاغتياب وهو مأخوذ من مادّة (غ ي ب) الّتي تدلّ على السّتر، يقول ابن فارس: الغين والياء والباء أصل صحيح يدلّ على تستّر الشّيء عن العيون ثمّ يقاس من ذلك الغيب: ما غاب ممّا لا يعلمه إلّا اللّه. ويقال: غابت الشّمس تغيب غيبة وغيوبا وغيبا. وغاب الرّجل عن بلده، وأغابت المرأة فهي مغيبة، إذا غاب بعلها ...

والغيبة: الوقيعة في النّاس من هذا، لأنّها لا تقال إلّا في غيبة، وتغيّب مثل غاب، ويتعدّى بالتّضعيف فيقال غيّبته، وهو التّواري في المغيب، واغتابه اغتيابا إذا ذكره بما يكره من العيوب، والاسم الغيبة، فإن كان باطلا فهو الغيبة في بهت.

وجعل الرّاغب أصل المادّة الاستتار عن العين فيقول: والغيب مصدر غابت الشّمس وغيرها إذا استترت عن العين، يقال: غاب عنّي كذا، قال تعالى: (أَمْ كانَ مِنَ الْغائِبِينَ) [النمل: 20] واستعمل في كلّ غائب عن الحاسّة، وعمّا يغيب عن علم الإنسان بمعنى الغائب، والغيب في قوله تعالى: (يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ) [البقرة: 3] ما لا يقع تحت الحواسّ، ولا تقتضيه بداية العقول وإنّما يعلم بخبر الأنبياء- عليهم السّلام- وبدفعه يقع على الإنسان اسم الإلحاد [التعريفات (169) ]

والغيب: الشّكّ، وجمعه غياب وغيوب، والغيب أيضا ما غاب عن العيون، وإن كان محصّلا في القلوب ... وكلّ مكان لا يدرى ما فيه، فهو غيب، وكذلك الموضع الّذي لا يدرى ما وراءه، وجمعه غيوب. والمغايبة خلاف المخاطبة، يقال: اغتاب الرّجل صاحبه اغتيابا إذا وقع فيه، وهو أن يتكلّم خلف إنسان مستور بسوء، أو بما يغمّه لو سمعه وإن كان فيه، فإن كان صادقا، فهو غيبة، وإن كان كاذبا فهو البهت والبهتان، كذلك جاء عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، ولا يكون ذلك إلّا من ورائه. والاسم: الغيبة، وفي التّنزيل العزيز: (وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً) [الحجرات: 12] .

أي لا يتناول رجلا بظهر الغيب بما يسوؤه ممّا هو فيه. وروي عن بعضهم أنّه سمع: غابه يغيبه إذا عابه، وذكر منه ما يسوؤه. قال ابن الأعرابيّ: غاب إذا اغتاب. وغاب إذا ذكر إنسانا بخير أو شرّ، والغيبة: فعلة منه، تكون حسنة وقبيحة [الصحاح للجوهري (1/ 196)، ولسان العرب (1/ 656)، ومقاييس اللغة (4/ 403)، والمصباح المنير (164)، والمفردات (367)] .

 

واصطلاحا:

قال الجرجانيّ: الغيبة: ذكر مساوىء الإنسان في غيبته وهي فيه [التعريفات (169) ] .

وقال المناويّ: الغيبة: أن تذكر أخاك بما يكرهه، فإن كان فيه فقد اغتبته ...، قال: ومن أحسن تعاريفها ذكر العيب بظهر الغيب [التوقيف على مهمات التعاريف (254) ] . وقال الكفويّ: أن يتكلّم خلف إنسان مستور بكلام هو فيه [الكليات (669) ] .

وقال التّهانويّ: الغيبة: أن تذكر أخاك بما يكرهه لو بلغه، سواء ذكرت نقصانا في بدنه أو في لبسه، أو في خلقه، أو في فعله، أو في قوله، أو في دينه، أو في دنياه، أو في ولده، أو في ثوبه، أو في داره، أو في دابّته.

قال: ولا تقتصر الغيبة على القول، بل تجري أيضا في الفعل كالحركة والإشارة والكناية، لما ورد عن عائشة- رضي اللّه عنها- أنّها أشارت بيدها إلى امرأة أنّها قصيرة فقال صلّى اللّه عليه وسلّم: «اغتبتها» والتّصديق بالغيبة غيبة [كشاف اصطلاحات الفنون (3/ 1091) ] .

قال ابن حجر: هي ذكر المرء بما يكرهه، سواء كان ذلك في بدن الشّخص أو دينه أو دنياه، أو نفسه أو خلقه أو ماله.

وقال الرّاغب: هي أن يذكر الإنسان عيب غيره من غير محوج إلى ذكر ذلك. وقال ابن الأثير: الغيبة أن تذكر الإنسان في غيبته بسوء وإن كان فيه. وقال ابن التّين: الغيبة ذكر المرء ما يكرهه بظهر الغيب [انظر فتح الباري (10/ 484) ] .

العناصر

1- تعريف الغيبة .

 

 

2- الأسباب الدافعة إلى الغيبة .

 

 

3- صفات المغتاب وسمته .

 

 

4- الغيبة قد تكون باللسان أو القلب .

 

 

5- ضوابط الغيبة الجائزة .

 

 

6- الواجب على من سمع الغيبة .

 

 

7- كفارة الغيبة .

 

 

8- عقوبة الغيبة في الآخرة وتحذير الإسلام منها .

 

 

9- ثلاثة لا تعد من الغيبة .

 

 

10- آثار الغيبة السيئة على الفرد و المجتمع .

 

 

11- الأسباب المعينة على ترك الغيبة .

 

 

12- حرمة دماء المسلمين وأموالهم وأعراضهم.

 

الايات

- قَالَ الله تَعَالَى: (وَلاَ يَغْتَبْ بَعضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللهَ إنَّ اللهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ) [الحجرات:12].

الاحاديث

1- عن أَبي هريرة رضي الله عنه، عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْراً أَوْ لِيَصْمُتْ) متفق عَلَيْهِ.
وهذا صَريحٌ في أنَّهُ يَنْبَغي أنْ لا يَتَكَلَّمَ إِلاَّ إِذَا كَانَ الكلامُ خَيراً، وَهُوَ الَّذِي ظَهَرَتْ مَصْلَحَتُهُ، ومَتَى شَكَّ في ظُهُورِ المَصْلَحَةِ، فَلاَ يَتَكَلَّم.
2- عن أَبي موسى رضي الله عنه قَالَ: قُلْتُ: يَا رسولَ اللهِ أَيُّ المُسْلمِينَ أفْضَلُ؟ قَالَ: (مَنْ سَلِمَ المُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ) متفق عَلَيْهِ.
3- عن أَبي هريرة رضي الله عنه: أنَّه سمع النبيَّ صلى الله عليه وسلم يقول: (إنَّ العَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بالكَلِمَةِ مَا يَتَبَيَّنُ فِيهَا يَزِلُّ بِهَا إِلَى النَّارِ أبْعَدَ مِمَّا بَيْنَ المَشْرِقِ والمَغْرِبِ) متفق عَلَيْهِ.
ومعنى: (يَتَبَيَّنُ) يُفَكِّرُ أنَّها خَيْرٌ أم لا.
4- وعنه، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (إنَّ العَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ الله تَعَالَى مَا يُلْقِي لَهَا بَالاً يَرْفَعُهُ اللهُ بِهَا دَرَجاتٍ، وإنَّ العَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالكَلَمَةِ مِنْ سَخَطِ اللهِ تَعَالَى لا يُلْقِي لَهَا بَالاً يَهْوِي بِهَا في جَهَنَّمَ). رواه البخاري.
5- عن أَبي عبد الرحمن بِلالِ بن الحارِثِ المُزَنِيِّ رضي الله عنه: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: (إنَّ الرَّجُلَ لَيَتَكَلَّمُ بِالكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللهِ تَعَالَى مَا كَانَ يَظُنُّ أنْ تَبْلُغَ مَا بَلَغَتْ يَكْتُبُ اللهُ لَهُ بِهَا رِضْوَانَهُ إِلَى يَومِ يَلْقَاهُ، وإنَّ الرَّجُلَ لَيَتَكَلَّمُ بِالكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللهِ مَا كَانَ يَظُنُّ أنْ تَبْلُغَ مَا بَلَغَتْ يَكْتُبُ الله لَهُ بِهَا سَخَطَهُ إِلَى يَوْمِ يَلْقَاهُ). رواه مالك في المُوَطَّأ، والترمذي، وقال: حديث حسن صحيح.
6- عن سفيان بن عبد الله رضي الله عنه قَالَ: قُلْتُ: يَا رسولَ الله حدِّثني بأَمْرٍ أَعْتَصِمُ بِهِ قَالَ: (قلْ: رَبِّيَ اللهُ ثُمَّ اسْتَقِمْ) قُلْتُ: يَا رسولَ اللهِ، مَا أخْوَفُ مَا تَخَافُ عَلَيَّ؟ فَأَخَذَ بِلِسانِ نَفْسِهِ، ثُمَّ قَالَ: (هَذَا). رواه الترمذي، وقال: حديث حسن صحيح.
7- عن ابن عمر رضي الله عنهما، قَالَ: قَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تُكْثِرُوا الكَلاَمَ بِغَيْرِ ذِكْرِ اللهِ؛ فَإنَّ كَثْرَةَ الكَلاَمِ بِغَيْرِ ذِكْرِ اللهِ تَعَالَى قَسْوَةٌ لِلقَلْبِ! وإنَّ أبْعَدَ النَّاسِ مِنَ اللهِ القَلْبُ القَاسِي). رواه الترمذي.
8- عن أَبي هريرة رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مَنْ وَقَاهُ اللهُ شَرَّ مَا بَيْنَ لَحْيَيْهِ، وَشَرَّ مَا بَيْنَ رِجْلَيْهِ دَخَلَ الجَنَّةَ). رواه الترمذي، وقال: حديث حسن.
9- عن عقبة بن عامرٍ رضي الله عنه قَالَ: قُلْتُ: يَا رسولَ اللهِ مَا النَّجَاةُ؟ قَالَ: (أَمْسِكْ عَلَيْكَ لِسَانَكَ، وَلْيَسَعْكَ بَيْتُكَ، وابْكِ عَلَى خَطِيئَتِكَ). رواه الترمذي، وقال: حديث حسن.
10- عن أَبي سعيد الخدري رضي الله عنه، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (إِذَا أصْبَحَ ابْنُ آدَمَ، فَإنَّ الأعْضَاءَ كُلَّهَا تَكْفُرُ اللِّسانَ، تَقُولُ: اتَّقِ اللهَ فِينَا، فَإنَّما نَحنُ بِكَ؛ فَإنِ اسْتَقَمْتَ اسْتَقَمْنَا، وإنِ اعْوَجَجْتَ اعْوَجَجْنَا). رواه الترمذي.
معنى: (تَكْفُرُ اللِّسَانَ): أيْ تَذِلُّ وَتَخْضَعُ لَهُ.
11- عن مُعَاذٍ رضي الله عنه قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَخْبِرْني بِعَمَلٍ يُدْخِلُني الجَنَّةَ وَيُبَاعِدُني مِنَ النَّارِ؟ قَالَ: (لَقَدْ سَألتَ عَنْ عَظيمٍ، وإنَّهُ لَيَسيرٌ عَلَى مَنْ يَسَّرَهُ اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ: تَعْبُدُ الله لا تُشْرِكُ بِهِ شَيْئاً، وَتُقِيمُ الصَّلاَةَ، وتُؤتِي الزَّكَاةَ، وتَصُومُ رَمَضَانَ، وتَحُجُّ البَيْتَ) ثُمَّ قَالَ: (ألاَ أدُلُّكَ عَلَى أبْوابِ الخَيْرِ؟ الصَّوْمُ جُنَّةٌ، وَالصَّدَقَةُ تُطْفِئُ الخَطِيئَةَ كَما يُطْفِئُ المَاءُ النَّارَ، وَصَلاَةُ الرَّجُلِ مِنْ جَوْفِ اللَّيْلِ) ثُمَّ تَلا: (تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ المَضَاجِعِ) حَتَّى بَلَغَ (يَعْمَلُونَ) [النور: 16] ثُمَّ قَالَ: (ألا أُخْبِرُكَ بِرَأسِ الأَمْرِ، وَعَمُودِهِ، وَذِرْوَةِ سِنَامِهِ) قُلْتُ: بَلَى يَا رسولَ اللهِ، قَالَ: (رَأسُ الأمْر الإسْلامُ، وَعَمُودُهُ الصَّلاَةُ، وَذِرْوَةِ سِنَامِهِ الجِهادُ) ثُمَّ قَالَ: (ألاَ أُخْبِرُكَ بِمِلاكِ ذَلِكَ كُلِّهِ!) قُلْتُ: بلَى يَا رَسولَ اللهِ، فَأخَذَ بِلِسانِهِ وقال: (كُفَّ عَلَيْكَ هَذَا) قُلْتُ: يَا رسولَ الله وإنَّا لَمُؤاخَذُونَ بما نَتَكَلَّمُ بِهِ؟ فقالَ: (ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ! وَهَلْ يَكُبُّ الناسَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ إِلاَّ حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ؟). رواه الترمذي، وقال: حديث حسن صحيح.
12- عن أَبي هريرة رضي الله عنه: أنَّ رسُولَ الله صلى الله عليه وسلم، قَالَ: (أَتَدْرُونَ مَا الْغِيبَةُ؟) قالوا: اللهُ وَرَسُولُهُ أعْلَمُ، قَالَ: (ذِكْرُكَ أخَاكَ بِما يَكْرَهُ) قِيلَ: أفَرَأيْتَ إنْ كَانَ في أخِي مَا أقُولُ؟ قَالَ: (إنْ كَانَ فِيهِ مَا تَقُولُ، فقد اغْتَبْتَهُ، وإنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ مَا تَقُولُ فَقَدْ بَهَتَّهُ) رواه مسلم.
13- عن أَبي بَكْرة رضي الله عنه: أنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ في خُطْبَتِهِ يَوْمَ النَّحْرِ بِمِنًى في حَجَّةِ الوَدَاعِ: (إنَّ دِماءكُمْ، وَأمْوَالَكُمْ، وأعْرَاضَكُمْ، حَرَامٌ عَلَيْكُمْ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، في شَهْرِكُمْ هَذَا، في بَلَدِكُمْ هَذَا، ألا هَلْ بَلَّغْتُ) متفق عَلَيْهِ.
14- عن عائشة رَضِيَ اللهُ عنها، قالت: قُلْتُ للنبيّ صلى الله عليه وسلم: حَسْبُكَ مِنْ صَفِيَّةَ كذَا وكَذَا. قَالَ بعضُ الرواةِ: تَعْنِي قَصيرَةً، فقالَ: (لَقَدْ قُلْتِ كَلِمَةً لَوْ مُزِجَتْ بِمَاءِ البَحْرِ لَمَزَجَتْهُ!) قالت: وَحَكَيْتُ لَهُ إنْسَاناً فَقَالَ: (مَا أُحِبُّ أنِّي حَكَيْتُ إنْساناً وإنَّ لِي كَذَا وَكَذَا). رواه أَبُو داود والترمذي، وقال: حديث حسن صحيح.
ومعنى: (مَزَجَتْهُ) خَالَطَتْهُ مُخَالَطَةً يَتَغَيَّرُ بِهَا طَعْمُهُ أَوْ رِيحُهُ لِشِدَّةِ نَتْنِها وَقُبْحِهَا. وهذا الحَديثُ مِنْ أبلَغِ الزَّواجِرِ عَنِ الغِيبَةِ، قَالَ الله تَعَالَى: (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الهَوَى إنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى).
15- عن أنسٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لَمَّا عُرِجَ بي مَرَرْتُ بِقَومٍ لَهُمْ أظْفَارٌ مِنْ نُحَاسٍ يَخْمِشُونَ وُجُوهَهُمْ وَصُدُورَهُمْ فَقُلْتُ: مَنْ هؤُلاءِ يَا جِبرِيلُ؟ قَالَ: هؤُلاءِ الَّذِينَ يَأكُلُونَ لُحُومَ النَّاسِ، وَيَقَعُونَ في أعْرَاضِهِمْ!). رواه أَبُو داود.
16- عن أَبي هريرة رضي الله عنه: أنَّ رسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: (كُلُّ المُسْلِمِ عَلَى المُسْلِمِ حَرَامٌ: دَمُهُ وَعِرْضُهُ وَمَالُهُ). رواه مسلم.
17- عن أَبي الدرداء رضي الله عنه، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (مَنْ رَدَّ عَنْ عِرْضِ أخيهِ، رَدَّ اللهُ عَنْ وَجْهِهِ النَّارَ يَومَ القيَامَةِ). رواه الترمذي، وقال: حديث حسن.
18- عن عِتبَانَ بنِ مَالكٍ رضي الله عنه، في حديثه الطويل المشهور الَّذِي تقدَّمَ في بابِ الرَّجاء قَالَ: قام النبيّ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي فَقَالَ: (أيْنَ مالِكُ بنُ الدُّخْشُمِ؟) فَقَالَ رَجُلٌ: ذَلِكَ مُنَافِقٌ لا يُحِبُّ اللهَ ولا رَسُولهُ، فَقَالَ النبيّ صلى الله عليه وسلم: (لاَ تَقُلْ ذَلِكَ ألاَ تَراهُ قَدْ قَالَ: لا إلهَ إِلاَّ اللهُ يُريدُ بِذَلكَ وَجْهَ اللهِ! وإنَّ الله قَدْ حَرَّمَ عَلَى النَّارِ مَنْ قَالَ: لا إلهَ إِلاَّ اللهُ يَبْتَغي بِذَلِكَ وَجْهَ اللهِ). متفق عَلَيْهِ.
(وَعِتْبان) بكسر العين عَلَى المشهور وحُكِيَ ضَمُّها وبعدها تاءٌ مثناة مِن فوق ثُمَّ باءٌ موحدة. و(الدُّخْشُم) بضم الدال وإسكان الخاء وضم الشين المعجمتين.
19- عن كعب بن مالك رضي الله عنه في حديثه الطويل في قصةِ تَوْبَتِهِ وَقَدْ سبق في باب التَّوبةِ. قَالَ: قَالَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ جالِسٌ في القَومِ بِتَبُوكَ: (مَا فَعَلَ كَعبُ بن مالكٍ؟) فَقَالَ رَجلٌ مِنْ بَنِي سَلمَةَ: يَا رسولَ الله، حَبَسَهُ بُرْدَاهُ والنَّظَرُ في عِطْفَيْهِ. فَقَالَ لَهُ مُعاذُ بنُ جبلٍ رضي الله عنه: بِئْسَ مَا قُلْتَ، والله يَا رسولَ الله مَا علمنا عَلَيْهِ إِلاَّ خَيْراً، فَسَكَتَ رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم. متفقٌ عَلَيْهِ.
(عِطْفَاهُ): جَانِبَاهُ، وهو إشارةٌ إلى إعجابِهِ بنفسِهِ.
20- عن عائشة رَضِيَ اللهُ عنها: أنَّ رجلاً اسْتَأذَنَ عَلَى النبيّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: (ائْذَنُوا لَهُ، بِئسَ أخُو العَشِيرَةِ). متفق عَلَيْهِ.
احتَجَّ بِهِ البخاري في جوازِ غيبَة أهلِ الفسادِ وأهلِ الرِّيبِ ".
21- وعنها، قالت: قَالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: (مَا أظُنُّ فُلاناً وفُلاناً يَعْرِفانِ مِنْ دِينِنَا شَيْئاً). رواه البخاري. قَالَ: قَالَ اللَّيْثُ بن سعدٍ أحَدُ رُواة هَذَا الحديثِ: هذانِ الرجلانِ كانا من المنافِقِينَ.
22- عن فاطمة بنتِ قيسٍ رَضِيَ اللهُ عنها، قالت: أتيت النبيَّ صلى الله عليه وسلم، فقلتُ: إنَّ أَبَا الجَهْم وَمُعَاوِيَةَ خَطَبَانِي؟ فَقَالَ رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: (أمَّا مُعَاوِيَةُ، فَصُعْلُوكٌ لاَ مَالَ لَهُ، وأمَّا أَبُو الجَهْمِ، فَلاَ يَضَعُ العَصَا عَنْ عَاتِقِهِ) متفق عَلَيْهِ.
وفي رواية لمسلم: (وَأمَّا أَبُو الجَهْمِ فَضَرَّابٌ لِلنِّساءِ) وَهُوَ تفسير لرواية: (لا يَضَعُ العَصَا عَنْ عَاتِقِهِ) وقيل: معناه: كثيرُ الأسفارِ.
23- عن زيد بن أرقم رضي الله عنه قَالَ: خرجنا مَعَ رسُولِ الله صلى الله عليه وسلم في سَفَرٍ أصَابَ النَّاسَ فِيهِ شِدَّةٌ، فَقَالَ عبدُ اللهِ بن أُبَيّ: لاَ تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِندَ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى يَنْفَضُّوا، وقال: لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى المَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنْهَا الأَذَلَّ، فَأَتَيْتُ رسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَأخْبَرْتُهُ بذلِكَ، فَأرْسَلَ إِلَى عبدِ الله بن أُبَيِّ، فَاجْتَهَدَ يَمِينَهُ: مَا فَعلَ، فقالوا: كَذَبَ زيدٌ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم، فَوَقَعَ في نَفْسِي مِمَّا قَالُوهُ شِدَّةٌ حَتَّى أنْزلَ اللهُ تَعَالَى تَصْدِيقِي: (إِذَا جَاءكَ المُنَافِقُونَ) ثُمَّ دعاهُمُ النبيّ صلى الله عليه وسلم لِيَسْتَغْفِرَ لَهُمْ فَلَوَّوْا رُؤُوسَهُمْ. متفق عَلَيْهِ.
24- عن عائشة رَضِيَ اللهُ عنها، قالت: قالت هِنْدُ امْرَأةُ أَبي سفْيَانَ للنَّبيِّ صلى الله عليه وسلم: إنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ شَحِيحٌ وَلَيْسَ يُعْطِينِي مَا يَكْفيني وولَدِي إِلاَّ مَا أَخَذْتُ مِنْهُ، وَهُوَ لا يَعْلَمُ؟ قَالَ: (خُذِي مَا يَكْفِيكِ وَوَلدَكِ بِالمَعْرُوفِ). متفق عَلَيْهِ.
25- عن سهل بن سعد، قَالَ: قَالَ رسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (مَنْ يَضْمَنْ لِي مَا بَيْنَ لَحْيَيْهِ وَمَا بَيْنَ رِجْلَيْهِ أَضْمَنْ لَهُ الجَنَّةَ) متفق عَلَيْهِ.

الاثار

1- قال المقرئ: الشكاية والتحذير ليست من الغيبة [سير أعلام النبلاء] .

 

2- قال الفضيل بن عياض: إذا ظهرت الغيبةُ ارتفعت الأخوة في الله إنما مثلكم في ذلك الزمان مثل شيء مطلي بالذهب والفضة داخله خشب وخارجه حسن [حلية الأولياء] .

 

3- قال حاتم الأصم: لو أن صاحب خبر جلس إليك ليكتب كلامك - لاحترزت منه، وكلامك يعرض على الله جل وعلا فلا تحترز [سير أعلام النبلاء] .

 

4- عن سفيان الثوري قال: أقِلَّ من معرفة الناس تقلَّ غيبتك [حلية الأولياء] .

 

5- قال عمر- رضي اللّه عنه-: عليكم بذكر اللّه تعالى؛ فإنّه شفاء. وإيّاكم وذكر النّاس فإنّه داء [إحياء علوم الدين للغزالي (3/ 152) ] .

 

6- عن عمرو بن العاص- رضي اللّه عنه- أنّه مرّ على بغل ميّت فقال لبعض أصحابه: «لأن يأكل الرّجل من هذا حتّى يملأ بطنه خير له من أن يأكل لحم رجل مسلم [رواه أبو الشيخ بن حبان وغيره موقوفا، الترغيب والترهيب للمنذري (3/ 509) ] .

 

7- وعنه أيضا: في قوله- عزّ وجلّ-: (وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ). قال: لا يطعن بعضكم على بعض [تفسير ابن كثير (4/ 212) لا تلمزوا أنفسكم: أي لا تعيبوا فتعابوا] .

 

8-قال الحسن- رحمه اللّه-: ذكر الغير ثلاثة: الغيبة، والبهتان، والإفك، وكلّ في كتاب اللّه- عزّ وجلّ- فالغيبة أن تقول ما فيه، والبهتان أن تقول ما ليس فيه، والإفك أن تقول ما بلغك [الإحياء (3/ 153) ] .

 

9- قال الحسن البصريّ- رحمه اللّه-: واللّه للغيبة أسرع في دين الرّجل من الأكلة في الجسد [الإحياء (3/ 152) ] .

 

10- وقال أيضا- رحمه اللّه-: يا بن آدم إنّك لن تصيب حقيقة الإيمان حتّى لا تعيب النّاس بعيب هو فيك، وحتّى تبدأ بصلاح ذلك العيب فتصلحه من نفسك، فإذا فعلت ذلك كان شغلك في خاصّة نفسك. وأحبّ العباد إلى اللّه من كان هكذا [الإحياء (3/ 152) ] .

 

11- روي عن الحسن- رضي اللّه عنه-: أنّ رجلا قال له: إنّ فلانا قد اغتابك فبعث إليه رطبا على طبق وقال: «قد بلغني أنّك أهديت إليّ من حسناتك فأردت أن أكافئك عليها فاعذرني فإنّي لا أقدر أن أكافئك على التّمام [الإحياء (3/ 164) ] .

 

12- عن الشّعبيّ- رحمه اللّه- أنّ العبّاس بن عبد المطّلب قال لابنه عبد اللّه: يا بنيّ، أرى أمير المؤمنين يدنيك، فاحفظ منّي خصالا ثلاثا: لا تغتب من له سرّ، ولا يسمعنّ منك كذبا، ولا تغتابنّ عنده أحدا [مكارم الأخلاق للخرائطي برقم (750) ] .

القصص

1- جاء في عن رجاء بن أبي سلمة قال: "كان بين عُبادة بن نُسي وبين رجل خصومة، فأسمعه الرجل ما يكرهه، فلقيه رجاء بن حيوة، فقال: بغلني أنه كان منه إليك، قال له عبادة: لولا أن تكون غيبة لأخبرتُك بالذي قال لي.
2- روى الخطيب أن البخاري –رحمه الله- كان يقول: " إنِّي أرجو أن ألقى الله ولا يحاسبني أنِّي اغتبت أحدا ".
* قال الذهبي تعليقاً على هذا الكلام: " قلت: صدق -رحمه الله-؛ ومن نظر في كلامه في الجرح والتعديل علم ورعه في الكلام في الناس وإنصافه فيمن يضعفه ".
3- قال الفلاس: ما سمعت وكيعاً ذاكراً بسوءٍ قط.
* قال الذهبي: مع إمامته، كلامُه نَزرٌ جداً في الرجال.
4- عن ابن وهب يقول: نذرت أنني كلما اغتبت إنساناً أن أصوم يوماً، فأجهدني، فكنت أغتاب وأصوم، فنويت أني كلما اغتبت إنساناً أن أتصدق بدرهم، فمن حبِّ الدراهم تركت الغيبة.
5- قال آدم بن أبي إياس: ما رأيت أحداً أعقل لما يَخرجُ من رأسه من ضَمُرَة بن ربيعة الرملي.
6- وقيل: اغتاب رجلٌ عند معروف، فقال: اذكرِ القطنَ إذا وُضع على عينيك.
7- قال علي بن المديني: ذكر عبد الرحمن بن مهدي روح بن عبادة، فقلت: لا تفعل، فإنّ هنا قوماً يحملون كلامك، فقال: أستغفر الله ثم دخل، فتوضأ يذهب إلى أن الغيبة تنقض الوضوء.
8- وقال البخاري: سمعت أبا عاصم الضحاك بن مخلد الشيباني يقول: منذ عقلت أن الغيبة حرام ما اغتبت أحداً قط.
* قال الذهبي: صدق رحمه الله، ومن نظر في كلامه في الجرح والتعديل علم ورعه في الكلام في الناس، وإنصافه فيمن يضعفه، فإنه أكثر ما يقول: منكر الحديث، سكتوا عنه، فيه نظر، ونحو هذا. وقل أن يقول: فلان كذاب، أو كان يضع الحديث. حتى إنه قال: إذا قلت فلان في حديثه نظر، فهو متهم واه. وهذا معنى قوله: لا يحاسبني الله أني اغتبت أحدا. وهذا هو والله غاية الورع.
9- وعن البخاري: ما اغتبت أحداً قط منذ علمت أن الغيبة تضر أهلها.
10- قال للبخاري بعض أصحابه: يقولون: إنك تناولت فلاناً، قال: سبحان الله، ما ذكرت أحداً بسوء، إلا أن أقول ساهياً، وما يخرج اسم فلان من صحيفتي يوم القيامة.
11- وكان ابن علية فقيها، إماماً مفتياً، من أئمة الحديث، وكان يقول: من قال: ابن علية، فقد اغتابني.
* قال الذهبي: هذا سوء خلق رحمه الله، شيء قد غلب عليه، فما الحيلة؟ قد دعا النبي صلى الله عليه وسلم غير واحد من الصحابة بأسمائهم مضافا إلى الأم، كالزبير ابن صفية، وعمار ابن سمية.
12- قال إبراهيم الحربي: ما أخرجت بغداد أتم عقلاً من بشر بن الحارث، ولا أحفظ للسانه، كان في كل شعرة منه عقل، وطئ الناس عقبه خمسين سنة ما عُرف له غيبة لمسلم، ما رأيت أفضل منه.
13- وعن الجنيد: سألت الله أن لا يعذبني بكلامي؟ وربما وقع في نفسي: أن زعيم القوم أرذلهم.
14- عن سعيد بن جبير: أنه كان لا يدعُ أحداً يغتاب عنده.
15- قال جرير بن حازم: كنت عند محمد بن سيرين، فذكر رجلاً، فقال: ذاك الأسودُ، ثم قال: إنا لله، إني اغتبته.
16- عن ابن عون قال: كانوا إذا ذكروا عند محمد بن سيرين رجلاً بسيئة، ذكره هو بأحسن ما يعلم.
17- عن إياس بن أبي تميمة: شهدت الحسن في جنازة أبي رجاء على بغلة، والفرزدق إلى جنبه على بعير، فقال له الفرزدق: قد استشرفنا الناس، يقولون: خير الناس وشر الناس، قال: يا أبا فراس، كم من أشعث أغبر، ذي طمرين، خير مني، وكم من شيخ مشرك أنت خير منه، ما أعددت للموت؟ قال: شهادة أن لا إله إلا الله، قال: إن معها شروطا، فإياك وقذف المحصنة، قال: هل من توبة؟ قال: نعم.
18- وجاء ناسٌ إلى ابن سيرين، فقالوا: إنا نلنا منك، فاجعلنا في حل، قال: لا أحلُّ لكم شيئاً حرَّمه الله.
19- عن سلام بن أبي مطيع قال: كان ابن عون أملكهم للسانه.
20- قال ابن عيينة: كان داود الطائي ممن عَلِم وفَقُه، ونقذ في الكلام، فحذف إنساناً، فقال أبو حنيفة: يا أبا سليمان؟ طال لسانك ويدك، فاختلف بعد ذلك سنة لا يسأل ولا يجيب.
* قال الذهبي: حرَّب نفسه ودرّبها، حتى قوي على العزلة.
21- قال الأحنف: ثلاث فيّ ما أذكرهن إلا لمعتبر: ما أتيت باب السلطان إلا أن أُدعى، ولا دخلت بين اثنين حتى يُدخلاني بينهما، وما أذكر أحداً بعد أن يقوم من عندي إلا بخير.
22- قال أبو صالح الفراء: حكيت ليوسف بن أسباط عن وكيع شيئاً من أمر الفتن، فقال: ذاك يشبه أستاذه - يعني: الحسن بن حي-، فقلت ليوسف: ما تخاف أن تكون هذه غيبة؟، فقال: لم يا أحمق! أنا خير لهؤلاء من آبائهم وأمهاتهم، أنا أنهى الناس أن يعملوا بما أحدثوا فتتبعهم أوزارهم، ومن أطراهم كان أضر عليهم.
23- اغتاب رجل في مجلس عبد الله بن المبارك شخصاً، فقال: " إذا أردتم أن تغتابوا فاغتابوا أبويكم؛ لئلا يرد أجر عملكم على الأجنبي، بل إليهما.
وقال: لوكنت مغتاباً لاغتبت والدي؛ لأنهما أحق بحسناتي ".
24-أراد رجل أن يطلق زوجته، فقيل له: ما يسوؤك منها؟ قال: العاقل لا يهتك ستر زوجته. فلما طلقها قيل له: لِمَ طلّقتها؟ قال: ما لي وللكلام فيمن صارت أجنبية.

الاشعار

الذم ليس بغيبـة في ستـة *** متـظلم ومعـرف ومحـذر
ولمظهر فسقًا ومستفـت *** ومن طلب الإعانة في إزالة منكر
[ابن أبي شريف]

توخ من الطرق أوساطها *** وعد عن الجانب المشتبه
فسمعك صن عن سماع القبيح *** شريك لقائله فانتبه
وكم أزعج الحرص من طالب *** فوافى المنية في مطلبه
[............]

الدراسات

متفرقات

1- قال النووي: اعْلَمْ أنَّهُ يَنْبَغِي لِكُلِّ مُكَلَّفٍ أنْ يَحْفَظَ لِسَانَهُ عَنْ جَميعِ الكَلامِ إِلاَّ كَلاَماً ظَهَرَتْ فِيهِ المَصْلَحَةُ، ومَتَى اسْتَوَى الكَلاَمُ وَتَرْكُهُ فِي المَصْلَحَةِ، فالسُّنَّةُ الإمْسَاكُ عَنْهُ، لأَنَّهُ قَدْ يَنْجَرُّ الكَلاَمُ المُبَاحُ إِلَى حَرَامٍ أَوْ مَكْرُوهٍ، وذَلِكَ كَثِيرٌ في العَادَةِ، والسَّلاَمَةُ لا يَعْدِلُهَا شَيْءٌ " رياض الصالحين. وقال أيضاً: " اعْلَمْ أنَّ الغِيبَةَ تُبَاحُ لِغَرَضٍ صَحيحٍ شَرْعِيٍّ لا يُمْكِنُ الوُصُولُ إِلَيْهِ إِلاَّ بِهَا، وَهُوَ سِتَّةُ أسْبَابٍ:

 

الأَوَّلُ: التَّظَلُّمُ، فَيَجُوزُ لِلمَظْلُومِ أنْ يَتَظَلَّمَ إِلَى السُّلْطَانِ والقَاضِي وغَيرِهِما مِمَّنْ لَهُ وِلاَيَةٌ، أَوْ قُدْرَةٌ عَلَى إنْصَافِهِ مِنْ ظَالِمِهِ، فيقول: ظَلَمَنِي فُلاَنٌ بكذا.

 

الثَّاني: الاسْتِعانَةُ عَلَى تَغْيِيرِ المُنْكَرِ، وَرَدِّ العَاصِي إِلَى الصَّوابِ، فيقولُ لِمَنْ يَرْجُو قُدْرَتهُ عَلَى إزالَةِ المُنْكَرِ: فُلانٌ يَعْمَلُ كَذا، فازْجُرْهُ عَنْهُ ونحو ذَلِكَ ويكونُ مَقْصُودُهُ التَّوَصُّلُ إِلَى إزالَةِ المُنْكَرِ، فَإنْ لَمْ يَقْصِدْ ذَلِكَ كَانَ حَرَاماً.

 

الثَّالِثُ: الاسْتِفْتَاءُ، فيقُولُ لِلمُفْتِي: ظَلَمَنِي أَبي أَوْ أخي، أَوْ زوجي، أَوْ فُلانٌ بكَذَا فَهَلْ لَهُ ذَلِكَ؟ وَمَا طَريقي في الخلاصِ مِنْهُ، وتَحْصيلِ حَقِّي، وَدَفْعِ الظُّلْمِ؟ وَنَحْو ذَلِكَ، فهذا جَائِزٌ لِلْحَاجَةِ، ولكِنَّ الأحْوطَ والأفضَلَ أنْ يقول: مَا تقولُ في رَجُلٍ أَوْ شَخْصٍ، أَوْ زَوْجٍ، كَانَ مِنْ أمْرِهِ كذا؟ فَإنَّهُ يَحْصُلُ بِهِ الغَرَضُ مِنْ غَيرِ تَعْيينٍ، وَمَعَ ذَلِكَ، فالتَّعْيينُ جَائِزٌ كَمَا سَنَذْكُرُهُ في حَدِيثِ هِنْدٍ إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى.

 

الرَّابعُ: تَحْذِيرُ المُسْلِمينَ مِنَ الشَّرِّ وَنَصِيحَتُهُمْ، وذَلِكَ مِنْ وُجُوهٍ: مِنْهَا جَرْحُ المَجْرُوحينَ مِنَ الرُّواةِ والشُّهُودِ وذلكَ جَائِزٌ بإجْمَاعِ المُسْلِمينَ، بَلْ وَاجِبٌ للْحَاجَةِ. ومنها: المُشَاوَرَةُ في مُصاهَرَةِ إنْسانٍ أو مُشاركتِهِ، أَوْ إيداعِهِ، أَوْ مُعامَلَتِهِ، أَوْ غيرِ ذَلِكَ، أَوْ مُجَاوَرَتِهِ، ويجبُ عَلَى المُشَاوَرِ أنْ لا يُخْفِيَ حَالَهُ، بَلْ يَذْكُرُ المَسَاوِئَ الَّتي فِيهِ بِنِيَّةِ النَّصيحَةِ. ومنها: إِذَا رأى مُتَفَقِّهاً يَتَرَدَّدُ إِلَى مُبْتَدِعٍ، أَوْ فَاسِقٍ يَأَخُذُ عَنْهُ العِلْمَ، وخَافَ أنْ يَتَضَرَّرَ المُتَفَقِّهُ بِذَلِكَ، فَعَلَيْهِ نَصِيحَتُهُ بِبَيانِ حَالِهِ، بِشَرْطِ أنْ يَقْصِدَ النَّصِيحَةَ، وَهَذا مِمَّا يُغلَطُ فِيهِ. وَقَدْ يَحمِلُ المُتَكَلِّمَ بِذلِكَ الحَسَدُ، وَيُلَبِّسُ الشَّيطانُ عَلَيْهِ ذَلِكَ، ويُخَيْلُ إِلَيْهِ أنَّهُ نَصِيحَةٌ فَليُتَفَطَّنْ لِذلِكَ. وَمِنها: أنْ يكونَ لَهُ وِلايَةٌ لا يقومُ بِهَا عَلَى وَجْهِها: إمَّا بِأنْ لا يكونَ صَالِحاً لَهَا، وإما بِأنْ يكونَ فَاسِقاً، أَوْ مُغَفَّلاً، وَنَحوَ ذَلِكَ فَيَجِبُ ذِكْرُ ذَلِكَ لِمَنْ لَهُ عَلَيْهِ ولايةٌ عامَّةٌ لِيُزيلَهُ، وَيُوَلِّيَ مَنْ يُصْلحُ، أَوْ يَعْلَمَ ذَلِكَ مِنْهُ لِيُعَامِلَهُ بِمُقْتَضَى حالِهِ، وَلاَ يَغْتَرَّ بِهِ، وأنْ يَسْعَى في أنْ يَحُثَّهُ عَلَى الاسْتِقَامَةِ أَوْ يَسْتَبْدِلَ بِهِ.

 

الخامِسُ: أنْ يَكُونَ مُجَاهِراً بِفِسْقِهِ أَوْ بِدْعَتِهِ كالمُجَاهِرِ بِشُرْبِ الخَمْرِ، ومُصَادَرَةِ النَّاسِ، وأَخْذِ المَكْسِ، وجِبَايَةِ الأمْوَالِ ظُلْماً، وَتَوَلِّي الأمُورِ الباطِلَةِ، فَيَجُوزُ ذِكْرُهُ بِمَا يُجَاهِرُ بِهِ، وَيَحْرُمُ ذِكْرُهُ بِغَيْرِهِ مِنَ العُيُوبِ، إِلاَّ أنْ يكونَ لِجَوازِهِ سَبَبٌ آخَرُ مِمَّا ذَكَرْنَاهُ. السَّادِسُ: التعرِيفُ، فإذا كَانَ الإنْسانُ مَعْرُوفاً بِلَقَبٍ، كالأعْمَشِ، والأعرَجِ، والأَصَمِّ، والأعْمى، والأحْوَلِ، وغَيْرِهِمْ جاز تَعْرِيفُهُمْ بذلِكَ، وَيَحْرُمُ إطْلاقُهُ عَلَى جِهَةِ التَّنْقِيصِ، ولو أمكَنَ تَعْريفُهُ بِغَيرِ ذَلِكَ كَانَ أوْلَى، فهذه ستَّةُ أسبابٍ ذَكَرَهَا العُلَمَاءُ وأكثَرُها مُجْمَعٌ عَلَيْهِ، وَدَلائِلُهَا مِنَ الأحادِيثِ الصَّحيحَةِ مشهورَةٌ [انظر رياض الصالحين (450- 451) ] .

 

2- قال الشافعي: وكذلك إن قال : إنه لا يُبصر الفتيا ولا يعرفها" ، فليس هذا بعداوة ولا غيبة، إذا كان يقوله لمن يخاف أن يتبعه فيخطئ باتِّباعه، وهذا من معاني الشهادات، وهو لو شهد عليه بأعظم من هذا لم يكن هذا غيبة؛ وإنما الغيبة أن يؤذيه بالأمر لا بشهادته لأحد يأخذ به منه حقاً، في حدِّ ولا قصاص ولا عقوبة ولا مال .. مثل ما وصفت من أن يكون جاهلاً بعيوبه فينصحه في أن لا يغترَّ به في دينه إذا أخذ عنه من دينه من لا يبصره، فهذا كلُّه من معاني الشهادات التي لا تعدُّ غيبة [الأم للشافعي] .

 

3- قال ابن تيمية رحمه الله: وإذا كان الرجل يترك الصلوات ويرتكب المنكرات، وقاد عاشره من يخاف أن يفسد دينه بُيِّنَ أمره له؛ لتتقى معاشرتُه، وإذا كان مبتدعاً يدعو إلى عقائد تخالف الكتاب والسنة، أو يسلكُ طريقاً يخالف الكتاب والسنة، ويخاف أن يضل الرجلُ الناس بذلك بيِّن أمره للناس؛ ليتقوا ضلاله ويعلموا حاله، وهذا كله يجبُ أن يكون على وجه النصح وابتغاء وجه الله تعالى، لا لهوى الشخص مع الإنسان، مثل أن يكون بينهما عداوةٌ دنيويه أو تحاسدٌ أو تباغضٌ من الشخص واستيفاؤه منه، فهذا من عمل الشيطان: (وإنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى)، بل يكون الناصح قصده أن الله يصلح ذلك الشخص، وأن يكفي المسلمين ضرره في دينهم ودنياهم، ويسلك في هذا المقصود أيسر الطرق التي تمكنه [مجموع الفتاوى] .

 

4- قال ابن القيم: وكم ترى من رجل متورع عن الفواحش والظلم ولسانه يفري في أعراض الأحياء والأموات ولا يبالي ما يقول [الجواب الكافي] .

 

5- قال الحافظ ابن رجب : اعلم أن ذِكر الإنسان بما يكره محرم إذا كان المقصود منه مجرد الذمِّ والعيب والنقص. فأما إن كان فيه مصلحة لعامة المسلمين خاصة لبعضهم وكان المقصود منه تحصيل تلك المصلحة فليس بمحرم بل مندوب إليه [الفريق بين النصيحة والتعيير لابن رجب] .

 

6- قال النّوويّ- رحمه اللّه-: اعلم أنّه ينبغي لمن سمع غيبة مسلم أن يردّها ويزجر قائلها، فإن لم ينزجر بالكلام زجره بيده، فإن لم يستطع باليد ولا باللّسان، فارق ذلك المجلس، فإن سمع غيبة شيخه أو غيره ممّن له عليه حقّ، أو كان من أهل الفضل والصّلاح، كان الاعتناء بما ذكرناه أكثر [الأذكار للنووي (304) ] .

 

7- قال الغزاليّ- رحمه اللّه-: كان الصّحابة- رضي اللّه عنهم- يتلاقون بالبشر ولا يغتابون عند الغيبة ويرون ذلك أفضل الأعمال ويرون خلافه عادة المنافقين [إحياء علوم الدين (3/ 152) ] .

التحليلات

الإحالات

1- الآداب البيهقي - تحقيق عبد القدوس نذير ص 61 مكتبة الرياض الطبعة الأولى 1407 .

2- الآداب الشرعية - ابن مفلح الحنبلي 1/5 , 65 , 244 مؤسسة قرطبة .

3- أفات اللسان إبراهيم المشوخي 18/40 مكتبة المنار .

4- أفات اللسان فى ضوء الكتاب والسنة - سعيد القحطاني ص 11 .

5- الأخلاق الإسلامية عبد الرحمن الميداني 2/230 دار القلم الطبعة الأولى 1399 .

6- الأذكار النووية - النووي تحقيق عبد القادر الأرناؤوط ص 288 دار الفلاح 1391 .

7- أمراض النفوس ( الغيبة , النميمة , الشهوة ) من منظور إسلامى إبراهيم محمد الجمل ص 43 دار الكتاب العربى .

8- بهجة المجالس وأنس المجالس - القرطبي 2/397 دار الكتب العلمية .

9- البيان فى مداخل الشيطان - عبد الحميد البلالي ص 110 مؤسسة الرسالة الطبعة الخامسة 1404 .

10- ترتيب أحاديث صحيح الجامع الصغير وزيادته - عونى الشريف ، علي حسن عبد الحميد 3/129 مكتبة المعارف الطبعة الأولى 1406 .

11- تفسير القرآن العظيم - ابن كثير 7/357 الشعب الطبعة الأولى 1390 .

12- التقريب - بكر أبو زيد ص 94 مطابع دار الهلال الطبعة الأولى 1401 .

13- تنبية الغافلين عن أعمال الجاهلين - ابن النحاس ص 133 , 212 الطبعة الثالثة 1407 .

14- تهذيب موعظة المؤمنين - محمد جمال الدين القاسمي 2/247 دار ابن القيم .

15- جامع الأصول - ابن الأثير 8/447 الرئاسة العامة 1389 .

16- حصائد الألسن - حسين العوايشة ص 70 .

17- الروح - ابن القيم تحقيق عبد الفتاح محمود عمر ص 325 دار الفكر – عمان 1985 .

18- رياض الصالحين - النووي تحقيق الألباني ص 483 المكتب الإسلامي الطبعة الثانية 1404 .

19- الزهر الفاتح فى ذكر من تنزة عن الذنوب - الجزري تحقيق محمد عبد القادر عطا ص 65 دار الكتب العلمية الطبعة الأولى 1406 .

20- الضياء اللامع من الخطب الجوامع - ابن العثيمين ص 519 الرئاسة العامة الطبعة الثانية 1400 .

21- عيون الأخبار - ابن قتيبة تحقيق يوسف طويل 2/16 دار الكتب العلمية الطبعة الأولى 1406 .

22- غذاء الألباب لشرح منظومة الآداب - السفاريني 1/103 مؤسسة قرطبة .

23- الغيبة - أثرها السيئ فى المجتمع الإسلامي حسين العوايشة دار عمان .

24- فتح الباري - ابن حجر 10/469 دار الفكر .

25- فضل الله الصمد فى توضيح الأدب المفرد - فضل الله الجيلاني 2/194 مكتبة ابن تيمية الطبعة الثالثة 1407 .

26- كتاب الزهد - وكيع ابن الجراح تحقيق عبد الرحمن الفريوائي ص 747 مكتبة الدار الطبعة الأولى 1404 .

27- كتاب الورع - أحمد بن حنبل تحقيق زينب القاروط ص 186 دار الكتب العلمية الطبعة الأولى 1403 .

28- كشاف تحليلي - مشهور سلمان – جمال الدسوقي ص 261 مكتبة الصديق الطبعة الأولى 1408 .

29- مختصر منهاج القاصدين ابن قدامة المقدسي تحقيق على عبد الحميد ص 171 , 222 دار الفيحاء – دار عمار الطبعة الأولى 1406 .

30- مشكاة المصابيح - الخطيب التبريزي تحقيق الألبانى 3/1356 المكتب الإسلامي الطبعة الثانية 1399 .

31- مفيد العلوم ومبيد الهموم- القزويني تحقيق محمد عبد القادر عطا ص 180 دار الكتب العلمية الطبعة الأولى 1405 .

32- المنتقى النفيس من تلبيس إبليس - علي حسن على عبد الحميد ص 123 دار ابن الجوزي الطبعة الأولى 1410 .

33- المنهج المسلوك فى سياسة الملوك عبد الرحمن الشيزري ص 397 مكتبة المنار الطبعة الأولى 1407 .

34- موارد الظمآن لدروس الزمان - عبد العزيز السلمان 1/353 الطبعة الثامنة 1408 .

35- موعظة المؤمنين من إحياء علوم الدين القاسمي ص 297 دار النفائس الطبعة الرابعة 1405 .

36- نزهة الفضلاء تهذيب سير أعلام النبلاء - محمد حسن موسى ص 1768 دار الأندلس جدة الطبعة الأولى 1411 .

37- نضرة النعيم في مكارم أخلاق الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم المؤلف : عدد من المختصين بإشراف الشيخ/ صالح بن عبد الله بن حميد إمام وخطيب الحرم المكي الناشر : دار الوسيلة للنشر والتوزيع، جدة الطبعة : الرابعة (11/5162) .