شكر

2022-10-04 - 1444/03/08

التعريف

الشكر لغة:

 

مصدر شكر يشكر، وهو مأخوذ من مادّة (ش ك ر) الّتي تدلّ على “الثّناء على الإنسان بمعروف يوليكه” ويقال: إنّ حقيقة الشّكر الرّضا باليسير، ومن ذلك فرس شكور إذا كفاه لسمنه العلف القليل. قال: الأعشى:

 

ولا بدّ من غزوة في المصي *** ف رهب تكلّ الوقاح الشّكورا

مقاييس اللغة لابن فارس: (3-207).

 

وقال الرّاغب: الشّكر تصوّر النّعمة وإظهارها، وقيل: هو مقلوب عن الكشر أي الكشف: ويضادّه الكفر الّذي هو نسيان النّعمة وسترها. وقيل أصله من عين شكرى أي ممتلئة. فالشّكر على هذا هو الامتلاء من ذكر المنعم عليه. المفردات للراغب: (265).

 

وقال ابن منظور: الشّكر، عرفان الإحسان ونشره، وهو مأخوذ من قولك: شكرت الإبل تشكر إذا أصابت مرعى فسمنت عليه، والشّكران خلاف النكران. والشّكر من اللّه: المجازاة والثّناء الجميل.

 

ويقال: شكره وشكر له يشكر شكرا وشكورا وشكرانا. ويقال أيضا: شكرت اللّه، وشكرت للّه، وشكرت باللّه، وكذلك شكرت نعمة اللّه، ورجل شكور: كثير الشّكر، وهو الّذي يجتهد في شكر ربّه بطاعته وأدائه ما وظّف عليه من عبادته. لسان العرب: (4/2305-2308). والصحاح: (2/702-703).

 

اصطلاحا:

قال الكفويّ: الشّكر كلّ ما هو جزاء للنّعمة عرفا، وقال أيضا: أصل الشّكر: تصوّر النّعمة وإظهارها، والشّكر من العبد: عرفان الإحسان، ومن اللّه المجازاة والثّناء الجميل. الكليات للكفوي: (523).

 

وقال المناويّ: الشّكر: شكران: الأوّل شكر باللّسان وهو الثّناء على المنعم، والآخر: شكر بجميع الجوارح، وهو مكافأة النّعمة بقدر الاستحقاق، والشّكور الباذل وسعه في أداء الشّكر بقلبه ولسانه وجوارحه اعتقادا واعترافا. التوقيف على مهمات التعاريف: (206-207).

 

وقال ابن القيّم: الشّكر ظهور أثر نعمة اللّه على لسان عبده: ثناء واعترافا، وعلى قلبه شهودا ومحبّة، وعلى جوارحه انقيادا وطاعة. مدارج السالكين: (2-244). وقيل: هو الاعتراف بنعمة المنعم على وجه الخضوع. بصائر ذوي التمييز: (3-339).

 

العناصر

1- تعريف الشكر.

 

2- الفرق بين الثناء والحمد والشكر.

 

3- الفرق بين الحمد والمدح والشكر والثناء.

 

4- الفرق بين الشاكر والشكور.

 

5- منزلة الشكر من الإيمان وثناء اللّه على الشاكرين.

 

6- القواعد التي يقوم عليها الشكر.

 

7- أنواع الشكر.

 

8- العلاقة بين الشكر والصبر.

 

9- الشكر والابتلاء بالخيرات.

 

10- فوائد الشكر.

 

الايات

1- قال الله تعالى: (كَما أَرْسَلْنا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آياتِنا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ ما لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ * فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ * يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ * وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتٌ بَلْ أَحْياءٌ وَلكِنْ لا تَشْعُرُونَ * وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْ ءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَراتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ * أُولئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ * إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَإِنَّ اللَّهَ شاكِرٌ عَلِيمٌ ) [سورة البقرة: 151- 158].

 

2- قوله تعالى: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ * إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَما أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) [سورة البقرة: 172- 173].

 

3- قوله تعالى: (وَلَمَّا جاءَ مُوسى لِمِيقاتِنا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قالَ لَنْ تَرانِي وَلكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكانَهُ فَسَوْفَ تَرانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسى صَعِقاً فَلَمَّا أَفاقَ قالَ سُبْحانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ * قالَ يا مُوسى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسالاتِي وَبِكَلامِي فَخُذْ ما آتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ) [الأعراف: 143- 144].

 

4- قوله تعالى: (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيها رِزْقُها رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذاقَهَا اللَّهُ لِباسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِما كانُوا يَصْنَعُونَ * وَلَقَدْ جاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْهُمْ فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمُ الْعَذابُ وَهُمْ ظالِمُونَ * فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلالًا طَيِّباً وَاشْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ ) [النحل: 112- 114].

 

5- قوله تعالى: (وَداوُدَ وَسُلَيْمانَ إِذْ يَحْكُمانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شاهِدِينَ * فَفَهَّمْناها سُلَيْمانَ وَكُلًّا آتَيْنا حُكْماً وَعِلْماً وَسَخَّرْنا مَعَ داوُدَ الْجِبالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فاعِلِينَ * وَعَلَّمْناهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنْتُمْ شاكِرُونَ) [الأنبياء: 78- 80].

 

6- قوله تعالى: (وَإِبْراهِيمَ إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * إِنَّما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثاناً وَتَخْلُقُونَ إِفْكاً إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقاً فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) [العنكبوت: 16- 17].

 

7- قوله تعالى: (أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لا يَرْجِعُونَ * وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنا مُحْضَرُونَ * وَآيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْناها وَأَخْرَجْنا مِنْها حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ * وَجَعَلْنا فِيها جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنابٍ وَفَجَّرْنا فِيها مِنَ الْعُيُونِ * لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ وَما عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلا يَشْكُرُونَ ) [يس: 31- 35].

 

8- قوله تعالى: ( أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينا أَنْعاماً فَهُمْ لَها مالِكُونَ * وَذَلَّلْناها لَهُمْ فَمِنْها رَكُوبُهُمْ وَمِنْها يَأْكُلُونَ * وَلَهُمْ فِيها مَنافِعُ وَمَشارِبُ أَفَلا يَشْكُرُونَ) [يس: 71- 73].

 

9- قوله تعالى: (إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلا يَرْضى لِعِبادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ) [الزمر: 7].

 

10- قوله تعالى: (أَفَرَأَيْتُمُ الْماءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ * أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ * لَوْ نَشاءُ جَعَلْناهُ أُجاجاً فَلَوْ لا تَشْكُرُونَ * أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ * أَأَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ شَجَرَتَها أَمْ نَحْنُ الْمُنْشِؤُنَ * نَحْنُ جَعَلْناها تَذْكِرَةً وَمَتاعاً لِلْمُقْوِينَ * فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ) [الواقعة: 68- 74].

 

11- قَالَ الله تَعَالَى:(فَأَمَّا مَنْ أعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِليُسْرَى) [الليل:5-7].

 

12- قال تَعَالَى: (وَسَيُجَنَّبُهَا الأَتْقَى * الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى * وَمَا لأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى * إِلاَّ ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الأَعْلَى * وَلَسَوْفَ يَرْضَى) [الليل:17-21].

 

13- قال تَعَالَى: (إنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِي وَإنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الفُقراءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) [البقرة:271].

 

14- قال تَعَالَى: (لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللهَ بِهِ عَلِيمٌ) [آل عمران:92].

 

الاحاديث

1- عن معاذ بن جبل رضي اللّه عنه: أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أخذ بيده، وقال: “يا معاذ، واللّه إنّي لأحبّك واللّه إنّي لأحبّك، فقال: أوصيك يا معاذ! لا تدعنّ في دبر كلّ صلاة تقول: اللّهمّ أعنّي على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك”. رواه أبو داود: (1522) واللفظ له. والنسائي: (3-53) وصححه الألباني.

 

2- عن أبي هريرة رضي اللّه عنه قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: “إنّ للطّاعم الشّاكر من الأجر مثل ما للصّائم الصّابر”. رواه الترمذي: (2486) واللفظ له وقال: حسن غريب. وابن ماجة: (1764). والدارمي: (2-131). وأحمد: (2-283) رقم: (3-779) وقال شاكر: إسناده صحيح: (14-212).

 

3- عن أبي الدّرداء رضي اللّه عنه أنّه قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: “إنّ اللّه عزّ وجلّ يقول: يا عيسى إنّي باعث من بعدك أمّة إن أصابهم ما يحبّون حمدوا اللّه وشكروه، وإن أصابهم ما يكرهون احتسبوا وصبروا، ولا حلم ولا علم. قال: يا ربّ كيف هذا لهم ولا حلم ولا علم. قال: أعطيهم من حلمي وعلمي”. رواه أحمد: (6-450) واللفظ له والحديث ذكره ابن القيم في الزاد وقال مخرجه: إسناده حسن: (1-46).

 

4- عن أنس بن مالك رضي اللّه عنه قال: إنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم كان يلقى رجلا فيقول: “يا فلان كيف أنت؟” فيقول: بخير أحمد اللّه، فيقول له النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: “جعلك اللّه بخير” فلقيه النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم ذات يوم فقال: “كيف أنت يا فلان؟” فقال: بخير إن شكرت. قال: فسكت عنه. فقال: يا نبيّ اللّه إنّك كنت تسألني فتقول: “جعلك اللّه بخير وإنّك اليوم سكتّ عنّي فقال له: “إنّي كنت أسألك تقول: بخير أحمد اللّه فأقول جعلك اللّه بخير، وإنّك اليوم قلت: إن شكرت فشككت فسكتّ عنك”. رواه البخاري: (70)، ومسلم: (59).

 

5- عن أبي هريرة رضي اللّه عنه قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: “بينما رجل يمشي بطريق وجد غصن شوك على الطّريق، فأخّره، فشكر اللّه له، فغفر له” وقال “الشّهداء خمسة: المطعون، والمبطون، والغرق، وصاحب الهدم، والشّهيد في سبيل اللّه”. رواه البخاري: (652). ومسلم: (1914) واللفظ له.

 

6- عن عبد اللّه بن عمرو بن العاص رضي اللّه عنهما قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: “خصلتان من كانتا فيه كتبه اللّه شاكرا صابرا، ومن لم تكن فيه لم يكتبه اللّه شاكرا ولا صابرا، من نظر في دينه إلى من هو فوقه فاقتدى به، ونظر في دنياه إلى من هو دونه، فحمد اللّه على ما فضّله به عليه كتبه اللّه شاكرا صابرا، ومن نظر في دينه إلى من هو دونه، ونظر في دنياه إلى من فوقه فأسف على ما فاته منه لم يكتبه اللّه شاكرا ولا صابرا”. رواه الترمذي: (2512) واللفظ له وقال: حسن غريب وبعضه في مسلم من حديث أبي هريرة: (2963). وابن ماجة: (4142). والحديث في المشكاة: (3-1446) برقم: (5256).

 

7- عن صهيب الرّوميّ رضي اللّه عنه قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: “عجبا لأمر المؤمن إنّ أمره كلّه خير. وليس ذلك لأحد إلّا للمؤمن إن أصابته سرّاء شكر. فكان خيرا له. وإن أصابته ضرّاء صبر. فكان خيرا له”. رواه مسلم: (2999).

 

8- عن جابر بن عبد اللّه رضي اللّه عنهما قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: “كلّ مولود يولد على الفطرة حتّى يعرب عنه لسانه فإذا أعرب عنه لسانه إمّا شاكرا وإمّا كفورا”. رواه أحمد: (3-353) واللفظ له وأصله في الصحيحين دون زيادة: إما شاكراة وإما كفورا].

 

9- عن ابن عبّاس رضي اللّه عنهما قال: مطر النّاس على عهد النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: “أصبح من النّاس شاكر ومنهم كافر. قالوا: هذه رحمة اللّه. وقال بعضهم: لقد صدق نوء كذا وكذا” قال: فنزلت هذه الآية: (فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ حتّى بلغ وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ) [الواقعة: 75- 82]. رواه مسلم: (73).

 

10- عن جابر رضي اللّه عنه قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: “من أعطي عطاء فوجد فليجز به، فإن لم يجد فليثن به، فمن أثنى به فقد شكره، ومن كتمه فقد كفره”. رواه أبو داود: (4813) واللفظ له وقال الألباني: حسن: (3-914).

 

11- عن أبي هريرة رضي اللّه عنه قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: “لا يشكر اللّه من لا يشكر النّاس”. رواه أبو داود: (4811) واللفظ له. والترمذي: (1954) وقال: حسن صحيح. وأحمد: (2/ 258، 295) وقال الشيخ أحمد شاكر: إسناده صحيح].

 

12- عن أبي هريرة رضي اللّه عنه قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: “يقول اللّه عزّ وجلّ يوم القيامة: يابن آدم حملتك على الخيل والإبل وزوّجتك النّساء وجعلتك تربع وترأس، فأين شكر ذلك؟”. رواه مسلم: (2968).

 

13- عن المغيرة بن شبعة رضي اللّه عنه قال: إن كان النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم ليقوم أو ليصلّي حتّى ترم قدماه أو ساقاه. فيقال له فيقول: “أفلا أكون عبدا شكورا؟”. رواه البخاري: (1130) واللفظ له. ومسلم: (2819).

 

الاثار

1- كان أبو بكر رضي اللّه عنه يقول في دعائه: أسألك تمام النّعمة في الأشياء كلّها، والشّكر لك عليها حتّى ترضى وبعد الرّضا، والخيرة في جميع ما تكون فيه الخيرة بجميع ميسور الأمور كلّها لا معسورها يا كريم. عدة الصابرين: (133).

 

2- قال عليّ بن أبي طالب رضي اللّه عنه: إنّ النّعمة موصولة بالشّكر، والشّكر يتعلّق بالمزيد، وهما مقرونان في قرن، فلن ينقطع المزيد من اللّه حتّى ينقطع الشّكر من العبد. عدة الصابرين: (123).

 

3- وقال لرجل: يا ابن أعبد هل تدري ما حقّ الطّعام. قال: قلت: وما حقّ الطّعام؟ قال: تقول باسم اللّه! اللّهمّ بارك لنا فيما رزقتنا، قال: وتدري ما شكره إذا فرغت؟ قال: قلت: وما شكره قال تقول: الحمد للّه الّذي أطعمنا وسقانا. رواه أحمد: (1-153).

 

4- قالت عائشة رضي اللّه عنها: ما من عبد يشرب الماء القراح فيدخل بغير أذى ويخرج الأذى إلّا وجب عليه الشّكر. عدة الصابرين: (145).

 

5- قال محمّد بن كعب القرظيّ رحمه اللّه تعالى: الشّكر تقوى اللّه تعالى، والعمل الصّالح، وهذا يقال لمن هو متلبّس بالفعل. تفسير ابن كثير: (3-528).

 

6- قال أبو عبد الرّحمن السّلميّ رحمه اللّه تعالى: الصّلاة شكر، والصّيام شكر، وكلّ خير تعمله للّه عزّ وجلّ شكر، وأفضل الشّكر الحمد. تفسير ابن كثير: (3-528).

 

7- قال الحسن البصريّ رحمه اللّه تعالى: الخير الّذي لا شرّ فيه: العافية مع الشّكر، فكم من منعم عليه غير شاكر. الإحياء: (4-134).

 

8- وقال أيضا: إنّ اللّه ليمتّع بالنّعمة ما شاء، فإذا لم يشكر عليها قلبها عذابا، ولهذا كانوا يسمّون الشّكر: الحافظ، لأنّه يحفظ النّعم الموجودة: والجالب، لأنّه يجلب النّعم المفقودة. عدة الصابرين: (122).

 

9- قال بكر بن عبد اللّه المزنيّ رحمه اللّه تعالى: قلت لأخ لي أوصني. فقال: ما أدري ما أقول غير أنّه ينبغي لهذا العبد أن لا يفتر من الحمد والاستغفار، فإنّ ابن آدم بين نعمة وذنب، ولا تصلح النّعمة إلّا بالحمد والشّكر، ولا يصلح الذّنب إلّا بالتّوبة والاستغفار. عدة الصابرين: (140).

 

10- قال كعب الأحبار رحمه اللّه تعالى: ما أنعم اللّه على عبد من نعمة في الدّنيا فشكرها للّه، وتواضع بها للّه إلّا أعطاه اللّه نفعها في الدّنيا ورفع له بها درجة في الآخرة. وما أنعم اللّه على عبد نعمة في الدّنيا، فلم يشكرها للّه، ولم يتواضع بها إلّا منعه اللّه نفعها في الدّنيا، وفتح له طبقات من النّار يعذّبه إن شاء أو يتجاوز عنه. عدة الصابرين: (145).

 

11- قال يونس بن عبيد رحمه اللّه تعالى لرجل يشكو ضيق حاله: أيسرّك ببصرك هذا مائة ألف درهم؟ قال الرّجل: لا. قال: فبيديك مائة ألف؟ قال: لا. قال: فبرجليك مائة ألف؟ قال: لا. فذكّره نعم اللّه عليه. فقال يونس: أرى عندك مئين الألوف وأنت تشكو الحاجة. عدة الصابرين: (132).

 

12- قال مطرّف رحمه اللّه تعالى: لأن أعافى فأشكر، أحبّ إليّ من أن أبتلى فأصبر. مختصر منهاج القاصدين: (295).

 

13- قال الشّعبيّ رحمه اللّه تعالى: الشّكر نصف الإيمان، واليقين الإيمان كلّه. عدة الصابرين: (124).

 

14- قال الفضيل بن عياض رحمه اللّه تعالى: عليكم بملازمة الشّكر على النّعم، فقلّ نعمة زالت عن قوم فعادت إليهم. عدة الصابرين: (144).

 

15- سئل الجنيد رحمه اللّه عن غني شاكر وفقير صابر أيهما أفضل؟ فقال: ليس مدح الغني للوجود ولا مدح الفقير للعدم إنما المدح في الاثنين قيامهما بشروط ما عليهما ، فشرط الغني يصحبه فيما عليه أشياء تلائم صفته وتمتعها وتلذّها ، والفقير يصحبه فيما عليه أشياء تؤلم صفته وتقبضها وتزعجها ، فإذا كان الاثنان قائمين للّه تعالى بشروط ما عليهما كان الذي آلم صفته وأزعجها أتم حالاً ممّن متّع صفته ونعّمها. قوت القلوب في معاملة المحبوب ووصف طريق المريد إلى مقام التوحيد (1-337).

 

 

القصص

1- عن أبي هريرة رضي اللّه عنه قال: بعث النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم خيلا قبل نجد، فجاءت برجل من بني حنيفة، يقال له ثمامة بن أثال، فربطوه بسارية من سواري المسجد، فخرج إليه النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فقال: «ما عندك يا ثمامة؟» فقال: عندي خير يا محمّد، إن تقتلني تقتل ذا دم، وإن تنعم تنعم على شاكر، وإن كنت تريد المال فسل منه ما شئت. فترك حتّى كان الغد ثمّ قال له: «ما عندك يا ثمامة؟» فقال: ما قلت لك: إن تنعم تنعم على شاكر. فتركه حتّى كان بعد الغد، فقال: «ما عندك يا ثمامة؟» فقال: عندي ما قلت لك. فقال: «أطلقوا ثمامة». فانطلق إلى نخل قريب من المسجد فاغتسل، ثمّ دخل المسجد، فقال: أشهد أن لا إله إلّا اللّه، وأشهد أنّ محمّدا رسول اللّه. يا محمّد! واللّه ما كان على الأرض وجه أبغض إليّ من وجهك، فقد أصبح وجهك أحبّ الوجوه إليّ. واللّه ما كان من دين أبغض إليّ من دينك، فأصبح دينك أحبّ الدّين إليّ، واللّه ما كان من بلد أبغض إليّ من بلدك، فأصبح بلدك أحبّ البلاد إليّ، وإنّ خيلك أخذتني وأنا أريد العمرة، فماذا ترى؟ فبشّره رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وأمره أن يعتمر. فلمّا قدم مكّة قال له قائل: صبوت؟. قال: لا واللّه، ولكن أسلمت مع محمّد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، ولا واللّه لا يأتيكم من اليمامة حبّة حنطة حتّى يأذن فيها النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم [البخاري- الفتح 7 (4372) واللفظ له. ومسلم (1764) ] .

الاشعار

1- أنشد عليّ بن محمّد:

علامة شكر المرء إعلان حمده *** فمن كتم المعروف منهم فما شكر

إذا ما صديقي نال خيرا فخانني *** فما الذّنب عندي للّذي خان أو فجر

روضة العقلاء: (354).

 

2- أنشد عبد العزيز بن سليمان:

لأشكرنّك معروفا هممت به *** إنّ اهتمامك بالمعروف معروف

ولا ألومك إن لم يمضه قدر *** فالشّيء بالقدر المجلوب مصروف

روضة العقلاء: (354).

 

3- أنشد المنتصر بن بلال:

ومن يسد معروفا إليك فكن له *** شكورا يكن معروفه غير ضائع

ولا تبخلن بالشّكر والقرض فاجزه *** تكن خير مصنوع إليه وصانع

روضة العقلاء: (350).

 

4- قال محمود الورّاق رحمه اللّه تعالى:

إذا كان شكري نعمة اللّه نعمة *** عليّ له في مثلها يجب الشّكر

فكيف وقوع الشّكر إلّا بفضله *** وإن طالت الأيّام واتّصل العمر

إذا مسّ بالسّرّاء عمّ سرورها *** وإن مسّ بالضّرّاء أعقبها الأجر

وما منهما إلّا له فيه منّة *** تضيق بها الأوهام والبرّ والبحر

عدة الصابرين: (130).

 

5- قال أبو تمّام:

ومن الرّزيّة أنّ شكري صامت *** عمّا فعلت وأنّ برّك ناطق

أأرى الصّنيعة منك ثمّ أسرّها *** إنّي إذا لندى الكريم لسارق

بصائر ذوي التمييز: (3-340).

 

6- قال حجية بن مضر يمدح يعفر بن زرعة أحد الملوك، ملوك ردمان:

شكرت لكم آلاءكم وبلاءكم *** وما ضاع معروف يكافئه ‌شكرُ

زهر الأكم في الأمثال والحكم: (3-127).

 

متفرقات

1- قال ابن بطّال رحمه اللّه تعالى: من تفضّل اللّه على عباده أن يجعل للطّاعم إذا شكر ربّه على ما أنعم به عليه ثواب الصّائم الصّابر. الفتح: (9-583).

 

2- قال أبو حامد الغزاليّ رحمه اللّه تعالى: إنّ حقيقة الشّكر ترجع إلى كون العبد مستعملا في إتمام حكمة اللّه تعالى، فأشكر العباد أحبّهم إلى اللّه وأقربهم إليه. الإحياء: (984).

 

3- وقال أيضا رحمه اللّه تعالى: لم يقصّر بالخلق عن شكر النّعمة إلّا الجهل والغفلة، فإنّهم منعوا بالجهل والغفلة عن معرفة النّعم، ولا يتصوّر شكر النّعمة إلّا بعد معرفتها ثمّ إنّهم إن عرفوا نعمة ظنّوا أنّ الشّكر عليها أن يقول بلسانه: الحمد للّه، الشّكر للّه، ولم يعرفوا أنّ معنى الشّكر أن يستعمل النّعمة في إتمام الحكمة الّتي أريدت بها وهي طاعة اللّه عزّ وجلّ- فلا يمنع من الشّكر بعد حصول هاتين المعرفتين إلّا غلبة الشّهوة واستيلاء الشّيطان. الإحياء: (123).

 

4- قال ابن قدامة رحمه اللّه تعالى: الشّكر يكون بالقلب واللّسان والجوارح. أمّا بالقلب فهو أن يقصد الخير ويضمره للخلق كافة. وأمّا باللّسان: فهو إظهار الشّكر للّه بالتّحميد، وإظهار الرّضى عن اللّه تعالى. وأمّا الجوارح: فهو استعمال نعم اللّه في طاعته، والتّوقّي من الاستعانة بها على معصيته، فمن شكر العينين أن تستر كلّ عيب تراه للمسلم، ومن شكر الأذنين أن تستر كلّ عيب تسمعه. مختصر منهاج القاصدين: (277).

 

5- قال الفيروز آباديّ رحمه اللّه تعالى: الشّكر مع المزيد أبدا، لقوله تعالى: (لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ) [إبراهيم: 7] فمتى لم تر حالك في مزيد فاستقبل الشّكر. بصائر ذوي التمييز: (3-339).

 

6- قال الحافظ في الفتح: اختلف النّاس في أيّهما أفضل: الفقير الصّابر أم الغنيّ الشّاكر. والتّحقيق عند أهل الحذق أن لا يجاب في ذلك بجواب كلّيّ، بل يختلف الحال باختلاف الأشخاص والأحوال. الفتح: (9-583).

 

7- قال بعض أهل العلم: من أعطي أربعا لم يمنع أربعا: من أعطي الشّكر لم يمنع المزيد، ومن أعطي التّوبة لم يمنع القبول، ومن أعطي الاستخارة لم يمنع الخيرة، ومن أعطي المشورة لم يمنع الصّواب. إحياء علوم الدين: (1-160).

 

8- قال ابن القيّم رحمه اللّه تعالى: قرن اللّه سبحانه الشّكر بالإيمان، وأخبر أنّه لا غرض له في عذاب خلقه إن شكروا وآمنوا به فقال: (ما يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ) [النساء: 147] أي إن وفّيتم ما خلقكم له، وهو الشّكر والإيمان فما أصنع بعذابكم؟. وأخبر سبحانه أنّ أهل الشّكر هم المخصوصون بمنّته عليهم من بين عباده. فقال: (وَكَذلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهؤُلاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنا أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ) [الأنعام: 53]. وقسّم اللّه سبحانه وتعالى النّاس إلى شكور وكفور، فأبغض الأشياء إليه الكفر وأهله، وأحبّ الأشياء إليه الشّكر وأهله. قال تعالى: (إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ إِمَّا شاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً) [الإنسان: 3] وهذا كثير في القرآن. يقابل سبحانه بين الشّكر والكفر فهو ضدّه. وعلّق اللّه سبحانه المزيد بالشّكر والمزيد منه لا نهاية له كما لا نهاية لشكره. قال تعالى: (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذابِي لَشَدِيدٌ) [إبراهيم: 7]. وأوقف سبحانه الجزاء على المشيئة كثيرا وأطلق ذلك في الشّكر. فقال تعالى: (وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ) [آل عمران: 145] وقال سبحانه وتعالى: (وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ) [آل عمران: 144] بل قد جعل الشّكر هو الغاية من خلقه وأمره، فقال تعالى (وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) [النحل: 78]. وأخبر سبحانه أنّه إنّما يعبده من شكره، ومن لم يشكره لم يكن من أهل عبادته فقال: (وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ) [البقرة: 172] وقد أثنى اللّه سبحانه على أوّل رسول بعثه إلى أهل الأرض بالشّكر. فقال: (ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كانَ عَبْداً شَكُوراً) [الإسراء: 3].

 

كما أثنى سبحانه على خليله إبراهيم بشكره نعمه. فقال: (إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً قانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ* شاكِراً لِأَنْعُمِهِ اجْتَباهُ وَهَداهُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) [النحل: 120- 121] فأخبر عنه سبحانه بصفات ثمّ ختمها بأنّه شاكر لأنعمه، فجعل الشّكر غاية خليله. وأمر اللّه عزّ وجلّ عبده موسى أن يتلقّى ما آتاه من النّبوّة والرّسالة وتكليمه إيّاه بالشّكر. فقال تعالى: (يا مُوسى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسالاتِي وَبِكَلامِي فَخُذْ ما آتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ) [الأعراف: 144]. بل جعل اللّه عزّ وجلّ أوّل وصيّة وصّى بها الإنسان بعد ما عقل عنه بالشّكر له وللوالدين. فقال: (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلى وَهْنٍ وَفِصالُهُ فِي عامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ) [لقمان: 14]. كما أخبر سبحانه أنّ رضاه في شكره فقال: (وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ) [الزمر: 7]. عدة الصابرين: (118- 121) بتصرف.

 

9- قال ابن الجوزي: "وأما التفضيل بين الغني والفقير؛ فظاهر النقل يدل على تفضيل الفقير، ولكن لا بد من تفصيل فنقول: إنما يتصور الشك والخلاف في فقير صابر ليس بحريص بالإضافة إلى غني شاكر ينفق ماله في الخيرات، أو فقير حريص مع غني حريص، إذ لا يخفى أن الفقير القانع أفضل من الغني الحريص، فإن كان الغني متمتعاً بالمال في المباحات فالفقير القنوع أفضل منه وكشف الغطاء في هذا إنما يراد لغيره ولا يراد لعينه، ينبغي أن يضاف إلى مقصوده، إذ به يظهر فضله، والدنيا ليست محذورة لعينها بل لكونها عائقة عن الوصول إلى الله -تعالى-، والفقر ليس مطلوباً لعينه لكن لأن فيه فقد العائق عن الله -تعالى- وعدم التشاغل عنه، وكم من غني لا يشغله الغنى عن الله -تعالى- كسليمان -عليه السلام-، وكذلك عثمان وعبدالرحمن بن عوف -رضي الله عنهما-. وكم من فقير شغله فقره عن المقصود وصرفه عن حب الله -تعالى- والأنس به، وإنما التشاغل له حب الدنيا، إذ لا يجتمع معه حب الله -تعالى-؛ فإن المحب للشيء مشغول به، سواء كان في فراقه أو في وصاله، بل قد يكون شغله في فراقه أكثر، والدنيا مشوقة الغافلين، فالمحروم منها مشغول بطلبها، والقادر عليها مشغول بحفظها والتمتع بها. وإن أخذت الأمر باعتبار الأكثر، فالفقير عن الخطر أبعد؛ لأن فتنة السراء أشد من فتنة الضراء، ومن العصمة أن لا تجد، ولما كان ذلك في طبع الآدميين إلا القليل منهم جاء الشرع بذم الغنى وفضل الفقر، وذكر كلاماً كثيراً" السر المكتوم في الفرق ببين المالين المحمود والمذموم للسخاوي: (3-44).

 

10- قال ابن قدامة رحمه الله: فرب فقير صابر أفضل من غنى شاكر كما ذكر، ورب غنى شاكر أفضل من فقير صابر، وذلك هو الغنى الذي يرى نفسه مثل الفقير الذي لا يمسك لنفسه من المال إلا قدر الضرورة، ويصرف الباقي في الخيرات، أو يمسكه على اعتقاده أنه خازن للمحتاجين، وإنما ينتظر حاجة تسنح حتى يصرف إليها، وإذا صرفه لم يصرفه لطلب جاه ولا تقليد منه، فهذا أفضل من الفقير الصابر، والله سبحانه وتعالى أعلم. منهاج القاصدين ابن قدامة المقدسي (4-56).

 

11- قال الغزالي رحمه الله تعالى: "اعلم أن الناس قد اختلفوا في هذا فذهب الجنيد والخواص والأكثرون إلى تفضيل الفقر وقال ابن عطاء: الغني الشاكر القائم بحقه أفضل من الفقير الصابر. ويقال أن الجنيد دعا على ابن عطاء لمخالفته إياه في هذا فأصابته محنة. ثم قال رحمه الله تعالى: فأما الفقر والغنى إذا أخذا مطلقا لم يسترب من قرأ الأخبار والآثار في تفضيل الفقر ولا بد فيه من تفصيل فنقول إنما يتصور الشك في مقامين: أحدهما فقير صابر ليس بحريص على الطلب بل هو قانع أو راض بالإضافة إلى غني منفق ماله في الخيرات ليس حريصا على إمساك المال.

 

والثاني: فقير حريص مع غني حريص إذ لا يخفى أن الفقير القانع أفضل من الغني الحريص المقام الأول فقير صابر ليس بحريص على الطلب أما الأول فربما يظن أن الغني أفضل من الفقير لأنهما تساويا في ضعف الحرص على المال والغني متقرب بالصدقات والخيرات والفقير عاجز عنه وهذا هو الذي ظنه ابن عطاء فيما نحسبه فأما الغني المتمتع بالمال وإن كان في مباح فلا يتصور أن يفضل على الفقير القانع وقد يشهد له ما روي في الخبر: أن الفقراء شكوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم سبق الأغنياء بالخيرات والصدقات والحج والجهاد فعلمهم كلمات في التسبيح وذكر لهم أنهم ينالون بها فوق ما ناله الأغنياء فتعلم الأغنياء ذلك فكانوا يقولونه فعاد الفقراء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبروه فقال عليه السلام: "ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء" (إحياء علوم الدين)

 

الإحالات

1- فضيلة الشكر لله على نعمته المؤلف : محمد بن جعفر بن محمد بن سهل السامري أبو بكر).

 

2- عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين؛ لابن قيم الجوزية.

 

الحكم

1- مَنْ صبرَ نال المُنَى، ومن ‌شَكَرَ حَصَّنَ النُّعْمَى. أدب الدنيا والدين: (122).

 

2- سآتي جميلاً ما حَييتُ فإنّني *** إِذا لم أُفِدْ شُكراً أفدْتُ به أجْراً

نظم اللآل في الحكم والأمثال: (18).

 

3- رهنتُ يَدي بِالْعَجزِ عَن ‌شكر برّه *** وَمَا فَوق شكري للشَّكور مزِيد

السحر الحلال في الحكم والأمثال: (43).

 

4- فمن ‌شكرَ المعروفَ يوماً فقد أتى *** أخا العُرفِ من حسنِ المكافأةِ من علِ

مجمع الحكم والأمثال في الشعر العربي: (5-340).

 

5- قال المتنبي:

 إِذا الفضلُ لم يرفعْكَ عن ‌شكرِ ناقصٍ *** على هبةٍ، فالفضلُ فيمن له الشكرُ

مجمع الحكم والأمثال في الشعر العربي: (8-280).

 

6- قيل:

رُزِقتُ مُلكاً فَلَم أَحسِن سِياسَتَهُ *** وَكُلُّ مَن لا يُسُوسُ المُلكَ يَخلَعُهُ

وَمَن غَدا لابِساً ثَوبَ النَعِيم بِلا *** ‌شَكرٍ عَلَيهِ فَإِنَّ اللَهَ يَنزَعُهُ

صيد الأفكار في الأخلاق والحكم والأمثال: (1-372).

 

7- قيل:

إذا الشافع استقصى لك الجهد كله *** وإن لم تنل نجحاً فقد وجب الشكر

صيد الأفكار في الأخلاق والحكم والأمثال: (1-384).