سخرية

2022-10-10 - 1444/03/14

التعريف

هي الاسم من الفعل “سخر” والمصدر من ذلك هو “السّخر، والمسخر والسّخر بالضّمّ، قال أعشى باهلة: إنّي أتتني لسان لا أسرّ بها *** من علو، لا عجب منه ولا سخر (الصحاح: 2-679) وكلّ ذلك مأخوذ من مادّة “س خ ر” الّتي تدلّ على “احتقار واستذلال” ومن ذلك أيضا قولهم: سخّر اللّه- عزّ وجلّ- الشّيء، وذلك إذا ذلّلّه لأمره وإرادته، ومن الباب سخرت منه: إذا هزئت به (مقاييس اللغة لابن فارس 3-144)، وفي كتاب اللّه- عزّ وجلّ-: (فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَما تَسْخَرُونَ) [هود: 38]، وقال الجوهريّ يقال سخرت منه وسخرت به كما يقال: ضحكت منه، وبه، وهزئت منه، وبه (الصحاح 2-680، وقد حكى ذلك عن أبي زيد- وذكر أن تعديته بالباء أردأ اللغتين).

 

وقال الفرّاء: يقال سخرت منه ولا يقال: سخرت به، قال تعالى: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ) [الحجرات: 11]، قال: وسخرت منه هي اللّغة الفصيحة وقول الرّاعي: 

 

تغيّر قومي ولا أسخر *** وما حمّ من قدر يقدر

 

المعنى: لا أسخر منهم (لسان العرب: 4-352) وقال الفيروزاباديّ: سياقة إلى الغرض المختصّ به قهرا، والمسخّر هو المقيّض للفعل، والسّخريّ: هو الّذي يقهر لنا بإرادته، وسخرت منه: أي سخّرته للهزء منه، ويقال: رجل سخرة لمن يسخر كبرا، وسخرة كصبرة لمن يسخر منه. والسّخرية أيضا فعل السّاخر (بصائر ذوي التمييز 3-203).

 

وقول اللّه- عزّ وجلّ-: (فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا) [المؤمنون: 110] بالضّمّ والكسر (هي بالضّم قراءة حمزة وعاصم والكسائي وبالكسر باقي السبعة (القرطبي 12-154)، حمل على التسخير وعلى السّخرية، ويدلّ على الوجه الثّاني (السّخرية) قوله بعده: (وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ) [المؤمنون: 110] (بصائر ذوي التمييز: 3-203)، وقال القرطبيّ في تفسير هذه الآية: فرّق أبو عمرو بينهما (أي بين القراءتين) فجعل المكسورة من جهة التّهزّؤ، والمضمومة من جهة السّخرة، وقال الكسائيّ هما لغتان بمعنى واحد كما يقال عصيّ وعصيّ، وحكى القرطبيّ عن بعضهم أنّ الكسر (سخريّا) بمعنى: الاستهزاء والسّخرية بالقول. والضّم (سخريّا) بمعنى التّسخير والاستعباد بالفعل (تفسير القرطبي: 12-155).

 

والاستسخار، أن يدعو بعض النّاس بعضا إلى السخرية، وبهذا فسّر قول اللّه تعالى: (وَإِذا رَأَوْا آيَةً يَسْتَسْخِرُونَ) [الصافات: 14] قال الرّمّانيّ معناه يدعو بعضهم بعضا إلى أن يسخر (بها)، وقيل المعنى يسخرون، كما في قولهم: علا قرنه واستعلاه، وعجب من كذا واستعجب، وعلى هذا يكون معنى قول اللّه تعالى: (يَسْتَسْخِرُونَ) يسخرون ويستهزئون (بتصرف يسير من لسان العرب: 4-353)، يقول العلّامة ابن كثير في تفسير هذه الآية: يستسخرون: يستهزئون (عن قتادة ومجاهد) (تفسير ابن كثير: 4-4)، وقال أبو حيّان: يكون استسخر هنا بمعنى المجرّد (أي سخر) وقيل فيه معنى الطّلب أي يطلبون أن يكونوا ممّن يسخرون (تفسير البحر المحيط: 7-340)، وقال بعضهم: المعنى هنا هو المبالغة أي إنّهم يبالغون في السّخرية (تفسير البحر المحيط: 7- 340).

 

ويقال رجل سخرة، أي يسخّر في الأعمال يتسخّره من قهره، وكلّ ما ذلّ وانقاد أو تهيّأ لك على ما تريد فقد سخّر لك (لسان العرب: 4-354).

 

السخرية اصطلاحا: 

قال المناويّ: السّخرية هي استزراء العقل معنى، بمنزلة التّسخير في الفعل حسّا، ونقل عن ابن الكمال قوله: السّخرية تكون من شيء يحقّ عند صاحبه ولا يحقّ عند السّاخر (التوقيف على مهمات التعاريف (ص 192) بتصرف يسير).

 

العناصر

1- مفهوم الاستهزاء

 

2- نسبة الاستهزاء إلى الله تعالى

 

3- الاستهزاء بالله وشرعه

 

4- الاستهزاء بالأنبياء وأتباعهم

 

5- مواطن الاستهزاء

 

6- أسباب الاستهزاء

 

7- علاج الاستهزاء

 

8- عاقبة المستهزئين

 

الايات

1- قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الفُسُوقُ بَعْدَ الإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) [الحجرات: 11].

 

2- قوله تعالى: (وَحَاقَ بِهِمْ ما كاَنُوا بهِ يَسْتَهزءُونَ) [ هود: 8 ].

 

3- قوله تعالى: (وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ)[الْبَقَرَةِ: 14-15].

 

4- قوله تعالى: (وكم أرسلنا من نبي في الأولين * وما يأتيهم من نبي إلا كانوا به يستهزءون) [الزخرف: 6 –7].

 

5- قوله تعالى: (يا حسرة على العباد ما يأتيهم من رسول إلا كانوا به يستهزءون) [يس: 30].

 

6- قوله تعالى: (وَأُوحِيَ إِلى نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ فَلا تَبْتَئِسْ بِما كانُوا يَفْعَلُونَ * وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنا وَوَحْيِنا وَلا تُخاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ * وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّما مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ قالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَما تَسْخَرُونَ * فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذابٌ مُقِيمٌ) [هود: 36- 39].

 

7- قوله تعالى: (ما هذا إلا بشر مثلكم يريد أن يتفضل عليكم ولو شاء الله لأنزل ملائكة ما سمعنا بهذا في آبائنا الأولين * إن هو إلا رجل به جنة فتربصوا به حتى حين) [المؤمنون: 24 – 25].

 

8- قوله تعالى: (وإذا رءاك الذين كفروا إن يتخذونك إلا هزواً أهذا الذي يذكر آلهتكم وهم بذكر الرحمن هم كافرون) [الأنبياء: 36].

 

9- قوله تعالى: (وإذا رأوك إن يتخذونك إلا هزواً أهذا الذي بعث الله رسولاً * إن كاد ليضلنا عن آلهتنا لولا أن صبرنا عليها وسوف يعلمون حين يرون العذاب من أضل سبيلاً) [الفرقان: 41، 42].

 

10- قوله تعالى: (ويجادل الذين كفروا بالباطل ليدحضوا به الحق واتخذوا آياتي وما أنذروا هزواً) [الكهف: 56 ].

 

11- قوله تعالى: (وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره وإما ينسينك الشيطان فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين وما على الذين يتقون من حسابهم من شئ ولكن ذكرى لعلهم يتقون * وذر الذين اتخذوا دينهم لعباً ولهواً وغرتهم الحياة الدنيا وذكر به أن تُبسلَ نفس بما كسبت ليس لها من دون الله ولي ولا شفيع) [الأنعام: 58 - 60].

 

12- قوله تعالى: (وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره إنكم إذا مثلهم إن الله جامع المنافقين والكافرين في جهنم جميعاً) [النساء: 140].

 

13- قوله تعالى: (زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَياةُ الدُّنْيا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ) [البقرة: 212].

 

14- قوله تعالى: (وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ ما كانُوا بِهِ يستهزؤون) [الأنعام: 10].

 

15- قوله تعالى: (الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقاتِ وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ * اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ) [التوبة: 79- 80].

 

16- قوله تعالى: (بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ * وَإِذا ذُكِّرُوا لا يَذْكُرُونَ * وَإِذا رَأَوْا آيَةً يَسْتَسْخِرُونَ) [الصافات: 12- 14].

 

17- قوله تعالى: (وَقالُوا ما لَنا لا نَرى رِجالًا كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الْأَشْرارِ * أَتَّخَذْناهُمْ سِخْرِيًّا أَمْ زاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصارُ) [ص: 62-63].

 

18- قوله تعالى: (وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ * أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يا حَسْرَتى عَلى ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ) [الزمر: 55-56].

 

19- قوله تعالى: (وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْها رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْها إِذا هُمْ يَسْخَطُونَ) [التوبة: 58].

 

21- قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ * وَإِذا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغامَزُونَ * وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ * وَإِذا رَأَوْهُمْ قالُوا إِنَّ هؤُلاءِ لَضالُّونَ * وَما أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حافِظِينَ * فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ * عَلَى الْأَرائِكِ يَنْظُرُونَ * هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ ما كانُوا يَفْعَلُونَ) [المطففين: 29-36].

 

22- قوله تعالى: (وَمَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خالِدُونَ * تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيها كالِحُونَ * أَلَمْ تَكُنْ آياتِي تُتْلى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ * قالُوا رَبَّنا غَلَبَتْ عَلَيْنا شِقْوَتُنا وَكُنَّا قَوْماً ضالِّينَ * رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْها فَإِنْ عُدْنا فَإِنَّا ظالِمُونَ * قالَ اخْسَؤُا فِيها وَلا تُكَلِّمُونِ * إِنَّهُ كانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبادِي يَقُولُونَ رَبَّنا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ * فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ * إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِما صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفائِزُونَ) [المؤمنون: 103-111].

 

23- قال تعالى: (يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ قُلْ اسْتَهْزِئُوا إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَا تَحْذَرُونَ)[التوبة: 64].

 

24- قال تعالى: (وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ * أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ) [الزخرف: 51-52]. 

 

الاحاديث

1- عن عبد اللّه بن مسعود -رضي اللّه عنه- قال: قال رسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم-: “إنّي لأعلم آخر أهل النّار خروجا منها، وآخر أهل الجنّة دخولا، رجل يخرج من النّار حبوا، فيقول اللّه: اذهب فادخل الجنّة. فيأتيها فيخيّل إليه أنّها ملأى، فيرجع فيقول: يا ربّ، وجدتها ملأى، فيقول اللّه تبارك وتعالى له: اذهب فادخل الجنّة: قال: فيأتيها فيخيّل إليه أنّها ملأى، فيرجع فيقول: يا ربّ، وجدتها ملأى، فيقول اذهب فادخل الجنّة فإنّ لك مثل الدّنيا وعشرة أمثالها، أو إنّ لك عشرة أمثال الدّنيا- فيقول تسخر منّي (أو تضحك منّي) وأنت الملك؟”. فلقد رأيت رسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم- ضحك حتّى بدت نواجذه. وكان يقال: ذلك أدنى أهل الجنّة منزلة. (رواه البخاري: 6571 واللفظ له. ومسلم: 308).

 

2- عن يعلى بن أميّة قال: جاء أعرابيّ إلى رسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم- وعليه جبّة وعليه درع من زعفران، فقال: يا رسول اللّه، إنّي أحرمت فيما ترى، والنّاس يسخرون منّي وأطرق هنيهة، قال: ثمّ دعاه، فقال: “اخلع عنك هذه الجبّة واغسل عنك هذا الزّعفران، واصنع في عمرتك كما تصنع في حجّك”(رواه أحمد (4-242)، وقال شعيب الأرنؤوط: حديث صحيح وهذا إسناد رجاله ثقات رجال الصحيح وقال الهيثمي في المجمع (3-205): هو في الصحيح باختصار، رواه الطبراني في الأوسط ورجاله رجال الصحيح).

 

3- عن عبد اللّه بن عمر -رضي اللّه عنهما- قال: قال رسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم-: “من استطاع منكم أن يكون مثل صاحب فرق الأرز فليكن مثله”، قالوا: يا رسول اللّه، وما صاحب فرق الأرز؟. قال: “خرج ثلاثة فغيّمت عليهم السّماء، فدخلوا غارا، فجاءت صخرة من أعلى الجبل حتّى طبّقت الباب عليهم، فعالجوها، فلم يستطيعوها، فقال بعضهم لبعض: لقد وقعتم في أمر عظيم، فليدع كلّ رجل بأحسن ما عمل، لعلّ اللّه تعالى أن ينجينا من هذا. فقال أحدهم: اللّهمّ إنّك تعلم أنّه كان لي أبوان شيخان كبيران، وكنت أحلب حلابهما، فأجيئهما وقد ناما، فكنت أبيت قائما وحلابهما على يدي، أكره أن أبدأ بأحد قبلهما، أو أن أوقظهما من نومهما، وصبيتي يتضاغون حولي، فإن كنت تعلم أنّي إنّما فعلته من خشيتك فافرج عنّا. قال: فتحرّكت الصّخرة، قال: وقال الثّاني: اللّهمّ إنّك تعلم أنّه كانت لي ابنة عمّ لم يكن شيء ممّا خلقت أحبّ إليّ منها، فسمتها نفسها، فقالت: لا واللّه دون مائة دينار، فجمعتها، ودفعتها إليها، حتّى إذا جلست منها مجلس الرّجل، فقالت: اتّق اللّه، ولا تفضّ الخاتم إلّا بحقّه، فقمت عنها. فإن كنت تعلم أنّ ما فعلته من خشيتك فافرج عنّا. قال: فزالت الصّخرة حتّى بدت السّماء، وقال الثّالث: اللّهمّ إنّك تعلم أنّي كنت استأجرت أجيرا بفرق من أرز، فلمّا أمسى عرضت عليه حقّه فأبى أن يأخذه، وذهب وتركني، فتحرّجت منه، وثمّرته له، وأصلحته، حتّى اشتريت منه بقرا وراعيها، فلقيني بعد حين، فقال: اتّق اللّه، وأعطني أجري، ولا تظلمني، فقلت، انطلق إلى ذلك البقر وراعيها فخذها، فقال: اتّق اللّه، ولا تسخر بي، فقلت: إنّي لست أسخر بك، فانطلق فاستاق ذلك، فإن كنت تعلم أنّي إنّما فعلته ابتغاء مرضاتك خشية منك فافرج عنّا، فتدحرجت الصّخرة، فخرجوا يمشون”(رواه أحمد 2- 116 قال الشيخ أحمد شاكر: إسناده صحيح ورواه البخاري ومسلم بنحوه).

 

4- عن عبد الرّحمن بن يزيد عن رجل من أصحاب النّبيّ -صلّى اللّه عليه وسلّم- قال: قال رجل: إنّي لأرى صاحبكم يعلّمكم كيف تصنعون، حتّى إنّه ليعلّمكم إذا أتى أحدكم الغائط. قال: قلت نعم، أجل ولو سخرت، بأنّه ليعلّمنا كيف يأتي أحدنا الغائط، وإنّه ينهانا أن يستقبل أحدنا القبلة وأن يستدبرها، وأن يستنجي أحدنا بيمينه، وأن يتمسّح أحدنا برجيع ولا عظم، وأن يستنجي بأقلّ من ثلاثة أحجار. (رواه حمد في المسند: 5-437، وأصله عند مسلم في الطهارة: 262).

 

5- عن عائشة -رضي اللّه عنها- قالت: قلت للنّبيّ -صلّى اللّه عليه وسلّم-: حسبك من صفيّة كذا وكذا قال- غير مسدّد - تعني قصيرة. فقال: “لقد قلت كلمة لو مزجت بماء البحر لمزجته”. قالت: وحكيت له إنسانا، فقال: ما أحبّ أنّي حكيت إنسانا وأنّ لي كذا وكذا”(رواه أبو داود: 4875).

 

6- عن المعرور قال: لقيت أبا ذرّ بالرّبذة وعليه حلّة وعلى غلامه حلّة، فسألته عن ذلك فقال: إنّي ساببت رجلا فعيّرته بأمّه، فقال لي النّبيّ -صلّى اللّه عليه وسلّم-: “يا أبا ذرّ، أعيّرته بأمّه؟ إنّك امرؤ فيك جاهليّة “ إخوانكم خولكم، جعلهم اللّه تحت أيديكم، فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه ممّا يأكل، وليلبسه ممّا يلبس، ولا تكلّفوهم ما يغلبهم، فإن كلّفتموهم فأعينوهم”(رواه البخاري: 30).

 

7- عن أبي هريرة -رضي اللّه عنه- قال: قال رسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم-: “إنّ العَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بالكَلِمَةِ مِن رِضْوانِ اللهِ، لا يُلْقِي لها بالًا، يَرْفَعُهُ اللهُ بها دَرَجاتٍ، وإنّ العَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بالكَلِمَةِ مِن سَخَطِ اللهِ، لا يُلْقِي لها بالًا، يَهْوِي بها في جَهَنَّمَ”(رواه البخاري ٦٤٧٨).

 

8- عن معاوية بن حيدة القشيري -رضي اللّه عنه- قال: قال رسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم-: “ويلٌ للذي يحدِّثُ فيكذبُ لِيُضحكَ بهِ القومَ، ويلٌ لهُ، ويلٌ لهُ”(رواه أبو داود: ٤٩٩٠، وحسنه الألباني).

 

9- عن أسير بن جابر-رضي اللّه عنه- قال: أنّ أهْلَ الكُوفَةِ وفَدُوا إلى عُمَرَ، وفيهم رَجُلٌ مِمَّنْ كانَ يَسْخَرُ بأُوَيْسٍ، فَقالَ عُمَرُ: هلْ هاهُنا أحَدٌ مِنَ القَرَنِيِّينَ؟ فَجاءَ ذلكَ الرَّجُلُ فَقالَ عُمَرُ: إنّ رَسُولَ اللهِ -صلّى اللّه عليه وسلّم- قدْ قالَ: “إنّ رَجُلًا يَأْتِيكُمْ مِنَ اليَمَنِ يُقالُ له أُوَيْسٌ، لا يَدَعُ باليَمَنِ غيرَ أُمٍّ له، قدْ كانَ به بَياضٌ، فَدَعا اللهَ فأذْهَبَهُ عنْه، إلّا مَوْضِعَ الدِّينارِ أوِ الدِّرْهَمِ، فمَن لَقِيَهُ مِنكُم فَلْيَسْتَغْفِرْ لَكُمْ”(رواه مسلم: ٢٥٤٢).

 

الاثار

1- قال قتادة: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك وبين يديه ناس من المنافقين إذ قالوا: أيرجو هذا الرجل أن يفتح قصور الشام وحصونها؟ هيهات هيهات له ذلك!! فأطلع الله نبيه على ذلك ، فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم: “احبسوا علىَّ الركب” فأتاهم فقال: “قلتم كذا وكذا” ، فقالوا: يا رسول الله إنما كنا نخوض ونلعب ، فأنزل الله تعالى (ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم إن نعف عن طائفة منكم نعذب طائفة بأنهم كانوا مجرمين) [التوبة: 65-66]، (تفسير الطبري 10-172 ، وتفسير ابن كثير 4/112 وأسباب النزول للواحدي ص 250).

 

2- قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: “إنكم ستجدون أقوامًا يزعمون أنهم يدعونكم إلى كتاب الله وقد نبذوه وراء ظهورهم، فعليكم بالعلم، وإياكم والتبدُّع، وإياكم والتنطُّع، وإياكم والتعمُّق، وعليكم بالعتيق”(خرجه الدارمي: 1/66، واللالكائي: 1-87).

 

3- قال ابن عبّاس في قوله تعالى: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ ... الآية) نزلت في ثابت بن قيس بن شمّاس، كان في أذنه وقر، فإذا سبقوه إلى مجلس النّبيّ -صلّى اللّه عليه وسلّم- أو سعوا له إذا أتى حتّى يجلس إلى جنبه ليسمع ما يقول، فأقبل ذات يوم وقد فاتته من صلاة الفجر ركعة مع النّبيّ -صلّى اللّه عليه وسلّم- فلمّا انصرف النّبيّ -صلّى اللّه عليه وسلّم- أخذ أصحابه مجالسهم منه، فربض كلّ رجل منهم بمجلسه، وعضّوا فيه فلا يكاد يوسع أحد لأحد، حتّى يظلّ الرّجل لا يجد مجلسا فيظلّ قائما. فلمّا انصرف ثابت من الصّلاة تخطّى رقاب النّاس، ويقول: تفسّحوا، تفسّحوا، ففسحوا له حتّى انتهى إلى النّبيّ -صلّى اللّه عليه وسلّم- وبينه وبينه رجل، فقال له: تفسّح، فقال له الرّجل: قد وجدت مجلسا فاجلس. فجلس ثابت من خلفه مغضبا، ثمّ قال: من هذا؟ قالوا: فلان. فقال ثابت: ابن فلانة! يعيّره بها، يعني أمّا له في الجاهليّة، فاستحيا الرّجل. فنزلت. (تفسير القرطبي: 16-325).

 

4- وقال الضّحّاك: نزلت في وفد بني تميم، كانوا يستهزئون بفقراء الصّحابة مثل عمّار، وخبّاب. وبلال، وصهيب، وسلمان، وسالم- مولى أبي حذيفة-، وغيرهم، لما رأوا من رثاثة حالهم، فنزلت في الّذين آمنوا منهم. (تفسير القرطبي: 16-325).

 

5- وقيل: نزلت في عكرمة بن أبي جهل حين قدم المدينة مسلما، وكان المسلمون إذا رأوه قالوا: ابن فرعون هذه الأمّة. فشكا ذلك إلى النّبيّ -صلّى اللّه عليه وسلّم- فنزلت. (تفسير القرطبي: 16-325).

 

6- روي عن أنس وعكرمة بن عباس -رضي اللّه عنهم- أنّ قوله -تعالى- (وَلا نِساءٌ مِنْ نِساءٍ) نزلت في صفيّة بنت حييّ بن أخطب، أمّ المؤمنين -رضي اللّه عنها- أتت النّبيّ -صلّى اللّه عليه وسلّم- فقالت: يا رسول اللّه، إنّ النّساء يعيّرنني، ويقلن لي: يا يهوديّة بنت يهوديّين! فقال رسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم-: “هلّا قلت إنّ أبي هارون، وإنّ عمّي موسى، وإنّ زوجي محمّد” فأنزل اللّه هذه الآية. (تفسير القرطبي: 16-326 والبحر المحيط 8-112، وغذاء الألباب للسفاريني: 1/ 130-131).

 

7- عن عبد الله بن مسعود قال: “لو سخرت من كلب، لخشيت أن أكون كلباً، وإني لأكره أن أرى الرجل فارغاً ليس في عمل آخرة ولا دنيا”(رواه ابن أبي شيبة في المصنف: ٨-٣٩٠، وابن عساكر في تاريخ دمشق: ٣٣-١٧٠، واللفظ له).

 

8- قال أبو موسى الأشعري: “لو رأيت رجلاً يرضع شاة في الطريق فسخرت منه، خفت أن لا أموت حتى أرضعها”(رواه ابن أبي شيبة في المصنف: ٨-٣٨٩).

 

9- قال إبراهيم النخعي: “إني لأرى الشيء أكرهه فما يمنعني أن أتكلم فيه إلا مخافة أن أبتلى بمثله”(شعب الإيمان؛ للبيهقي: ٩-١١٨).

 

10- قال يحيي بن معاذ: “ليكن حظ المؤمن منك ثلاثاً: إن لم تنفعه فلا تضره، وإن لم تفرحه فلا تغمه، وإن لم تمدحه فلا تذمه”( صفة الصفوة 1-2 ج2 - ص 84).

 

11- قال ابن عباس في قوله تعالى: (وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا) [الكهف: ٤٩] “الصغيرة التبسم، والكبيرة الضحك بحالة الاستهزاء”(الزواجر عن اقتراف الكبائر؛ للهيتمي: ٢-٣٤).

 

القصص

1- عن أسير بن جابر أنّ أهل الكوفة وفدوا إلى عمر وفيهم رجل ممّن كان يسخر بأويس، فقال عمر: هل ههنا أحد من القرنيّين؟ فجاء ذلك الرّجل فقال عمر: إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قد قال: «إنّ رجلا يأتيكم من اليمن يقال له أويس، لا يدع باليمن غير أمّ له، قد كان به بياض فدعا اللّه فأذهبه عنه، إلّا موضع الدّينار أو الدّرهم، فمن لقيه منكم فليستغفر لكم. (رواه مسلم: 2542).

 

2- عن الأسود، قال: كنا عند عائشة فسقط فسطاط على إنسان فضحكوا فقالت عائشة: لا سخر، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “ما من مسلم يشاك شوكة فما فوقها إلا رفعه الله بها درجة وحط عنه بها خطيئة”(رواه أبو داود الطيالسي في المسند: ٣-٥٥ (١٤٧٧).

 

الاشعار

1- قال الشّاعر:

المرء إن كان عاقلا ورعا *** أشغله عن عيوبه ورعه

كما السّقيم المريض يشغله *** عن وجع النّاس كلّهم وجعه

(تفسير القرطبي ج 16-327).

 

2- وقال آخر:

لا تكشفنّ مساوي النّاس ما ستروا *** فيهتك اللّه سترا عن مساويكا

واذكر محاسن ما فيهم إذا ذكروا *** ولا تعب أحدا منهم بما فيكا

(تفسير القرطبي: 16-327).

 

متفرقات

1- قال الطّبريّ في قوله تعالى: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ .. الآية) يقول - تعالى ذكره-: يا أيّها الّذين صدّقوا اللّه ورسوله لا يهزأ قوم مؤمنون من قوم مؤمنين عَسى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ أي المهزوء منهم خير من الهازئين، وَلا نِساءٌ مِنْ نِساءٍ أي: ولا يهزأ نساء مؤمنات من نساء مؤمنات عسى المهزوء منهنّ أن يكنّ خيرا من الهازئات. (تفسير القرطبي مجلد 11 ج 26-83).

 

2- وقال الطّبريّ في قوله تعالى (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ .. الآية) إنّ اللّه عمّ بنهيه المؤمنين عن أن يسخر بعضهم من بعض جميع معاني السّخرية، فلا يحلّ لمؤمن أن يسخر من مؤمن، لا لفقره، ولا لذنب ركبه، ولا لغير ذلك. (تفسير الطبري مجلد 11 ج 26-83).

 

3- وقال في قوله تعالى: (وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ) أي: ولا يغتب بعضكم بعضا أيّها المؤمنون، ولا يطعن بعضكم على بعض. وقال: (وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ) فجعل اللّامز أخاه لامزا نفسه، لأنّ المؤمنين كرجل واحد فيما يلزم بعضهم لبعض من تحسين أمره وطلب صلاحه ومحبّته الخير ولذلك روي الخبر عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أنّه قال: «المؤمنون كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر جسده بالحمّى والسّهر» (تفسير الطبري مجلد 11 ج 26-83).

 

4- قال الطّبريّ في قوله تعالى: (وَلا تَنابَزُوا بِالْأَلْقابِ) اختلف أهل التّأويل في الألقاب الّتي نهى اللّه عن التّنابز بها في هذه الآية: فقال بعضهم: عنى بها الألقاب الّتي يكره النّبز بها الملقّب، وقالوا: إنّما نزلت هذه الآية في قوم كانت لهم أسماء في الجاهليّة، فلمّا أسلموا نهوا أن يدعو بعضهم بعضا بما يكره من أسمائه الّتي كان يدعى بها في الجاهليّة.

 

وقال آخرون: بل ذلك قول الرّجل المسلم للرّجل المسلم: يا فاسق، يا زاني. وقال آخرون: بل ذلك تسمية الرّجل الرّجل بالكفر بعد الإسلام، وبالفسوق والأعمال القبيحة بعد التّوبة .. ثمّ قال: والّذي هو أولى الأقوال في تأويل ذلك عندي بالصّواب أن يقال: إنّ اللّه- تعالى ذكره- نهى المؤمنين أن يتنابزوا بالألقاب، والتّنابز بالألقاب هو دعاء المرء صاحبه بما يكرهه من اسم أو صفة، وعمّ اللّه بنهيه ذلك ولم يخصّص به بعض الألقاب دون بعض، فغير جائز لأحد من المسلمين أن ينبز أخاه باسم يكرهه أو صفة يكرهها. (تفسير الطبري مجلد 11 ج 26-84، 85).

 

5- قال القرطبيّ في قوله تعالى: (وَلا نِساءٌ مِنْ نِساءٍ عَسى أَنْ يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنَّ) أفرد النّساء بالذّكر لأنّ السّخرية منهنّ أكثر. وقال: قال المفسّرون: نزلت في امرأتين من أزواج النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم سخرتا من أمّ سلمة، وذلك أنّها ربطت خصريها بسبيبة- وهو ثوب أبيض- وسدلت طرفيها خلفها فكانت تجرّها، فقالت عائشة لحفصة رضي اللّه عنهما-: انظري! ما تجرّ خلفها كأنّه لسان كلب، فهذه كانت سخريتهما. (تفسير القرطبي ج 16-326، والبحر المحيط ج 8-11).

 

6- قال القرطبيّ عند تفسير (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ) وبالجملة فينبغي ألّا يجتريء أحد على الاستهزاء بمن يقتحمه بعينه إذا رآه رثّ الحال، أو ذا عاهة في بدنه، أو غير لبيق في محادثته، فلعلّه أخلص ضميرا، وأنقى قلبا ممّن هو على ضدّ صفته، فيظلم نفسه بتحقير من وقّره اللّه، والاستهزاء بمن عظّمه اللّه. ولقد بلغ بالسّلف إفراط توقّيهم وتصوّنهم من ذلك أن قال عمرو بن شرحبيل: لو رأيت رجلا يرضع عنزا فضحكت منه لخشيت أن أصنع مثل الّذي صنع.وعن عبد اللّه بن مسعود: البلاء موكّل بالقول، لو سخرت من كلب لخشيت أن أحوّل كلبا. زاد في نزهة الفضلاء: وإنّي لأكره أن أرى الرّجل فارغا ليس في عمل آخرة ولا دنيا. (تفسير القرطبي ج 16 ص 325 وانظر الاثر الاخير عن ابن مسعود في نزهة الفضلاء 1-85. وتفسير البحر المحيط 8-112).

 

7- قال النّيسابوريّ في قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ...) [المطففين: 29] قال المفسّرون: هم مشركو مكّة أبو جهل، والوليد بن المغيرة وأضرابهما، كانوا يضحكون من عمّار وصهيب وبلال وغيرهم من فقراء المؤمنين. (غرائب القرآن ورغائب الفرقان، النيسابوري بها من الطبري مجلد 12 ج 30 ص 51 وتفسير القرطبي ج 19-267).

 

8- قال الطّبريّ في تفسيره الآيات (إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ ..) إنّ الّذين اكتسبوا المآثم فكفروا باللّه في الدّنيا كانوا فيها من الّذين أقرّوا بوحدانيّة اللّه وصدّقوا به يضحكون استهزاء منهم بهم، وكان هؤلاء الّذين أجرموا إذا مرّ الّذين آمنوا بهم يتغامزون: أي يغمز بعضهم بعضا بالمؤمن استهزاء به وسخرية. (تفسير الطبري مجلد 12 ج 30 ص 70).

 

9- قال القرطبيّ في قول اللّه تعالى: (فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي) [المؤمنون: 110]يستفاد من هذا: التّحذير من السّخرية والاستهزاء بالضّعفاء والمساكين والاحتقار لهم والإزراء عليهم والاشتغال بهم فيما لا يعني، وأنّ ذلك مبعد من اللّه عزّ وجلّ. (تفسير القرطبي 12-155).

 

10- قال العلّامة الشّيخ مرعي في أقاويل الثّقات: الاستهزاء من باب العبث والسّخرية، فمعنى يستهزئ بهم أي يجازيهم على استهزائهم، وهو من باب المشاكلة في اللّفظ ليزدوج الكلام ك وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها، نَسُوا اللَّهَ فَأَنْساهُمْ أَنْفُسَهُمْ.

 

والمعنى: يعاملهم معاملة المستهزئ، أمّا في الدّنيا فبإجراء أحكام المسلمين عليهم، واستدراجهم بالإمهال. وأمّا في الآخرة فيروى أنّه يفتح لأحدهم باب الجنّة فيسرع نحوه، فإذا سار إليه سدّ دونه، ثمّ يفتح له باب آخر، فإذا أقبل عليه سدّ دونه. وهذا الّذي قاله على طريقة الخلف. وأمّا مذهب السّلف فلا يؤوّلون ولا يكيّفون فيؤمنون بما أخبر، لا كما يخطر في أوهام البشر. (غذاء الألباب: 1-131).

 

11- قال السفاريني: “إن كل من افتخر على إخوانه واحتقر أحدا من أقرانه وأخدانه أو سخر أو استهزأ بأحد من المؤمنين فقد باء بالإثم والوزر المبين”(غذاء الألباب؛ للسفاريني: ص ١٣٤).

 

12- قال ابن حجر الهيتمي: “لا تحتقر غيرك عسى أن يكون عند الله خيرا منك وأفضل وأقرب”(الزواجر عن اقتراف الكبائر؛ لابن حجر الهيتمي: ٢-٨).

 

13- قال السعدي عند قوله تعالى: (يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَن تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ..) [التوبة: ٦٤-٦٦]: “إن الاستهزاء بالله ورسوله كفر يخرج عن الدين؛ لأن أصل الدين مبني على تعظيم الله وتعظيم دينه ورسله، والاستهزاء بشيء من ذلك مناف لهذا الأصل ومناقض له أشد المناقضة”(تيسير الكريم الرحمن؛ للسعدي ص ٣٤٢).

 

14- سئل الشيخ بن عثيمين عن حكم من يسخر بالملتزمين بدين الله ويستهزئ بهم؟

 

فأجاب بقوله: “هؤلاء الذين يسخرون بالملتزمين بدين الله المنفذين لأوامر الله فيهم نوع نفاق لأن الله قال عن المنافقين: الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [التوبة: ٧٩]. ثم إن كانوا يستهزئون بهم من أجل ما هم عليه من الشرع فإن استهزاءهم بهم استهزاء بالشريعة، والاستهزاء بالشريعة كفر، أما إذا كانوا يستهزئون بهم يعنون أشخاصهم وزيهم بقطع النظر عما هم عليه من اتباع السنة فإنهم لا يكفرون بذلك؛ لأن الإنسان قد يستهزئ بالشخص نفسه بقطع النظر عن عمله وفعله، لكنهم على خطر عظيم”(مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين: ٢-١٥٨).

قال عبد الرحمن الميداني: “إن السخرية تنافي ما يوجبه الحق، وهي ظلم قبيح من الإنسان لأخيه الإنسان وعدوان على كرامته، وإيذاء لنفسه وقلبه، ومن آثارها أنها تقطع الروابط الاجتماعية القائمة على الأخوة والتواد والتراحم، وتبذر بذور العداوة والبغضاء، وتولد الرغبة بالانتقام، ثم أعمال الانتقام، ما استطاع المظلوم بها إلى ذلك سبيلا”(الأخلاق الإسلامية؛ لعبد الرحمن الميداني: ٢-٢٢٣).

 

15- قال القرطبي: “من لقب أخاه أو سخر منه فهو فاسق”(تفسير القرطبي: ١٦-٣٢٨).

 

16- قال ابن النحاس: “واعلم أن معنى السخرية والاستحقار والاستهانة، والتنبيه على العيوب والنقايص على من يضحك منه، وقد يكون ذلك بالمحاكاة في الفعل والقول، وقد يكون بالإشارة والإيماء، وقد يكون بالضحك كأن يضحك على كلامه إذا تخبط فيه أو غلط، أو على صنعته أو قبح في صورته ونحو ذلك”(تنبيه الغافلين؛ لابن النحاس: ١٨٠).

 

17- قال ابن تيمية: “اللمز: هو العيب والطعن، ومنه قوله تعالى: وَمِنْهُم مَّن يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ [التوبة: ٥٨] أي يعيبك ويطعن عليك، وقوله: الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ [التوبة: ٧٩] وقوله: وَلا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ [الحجرات: ٤٩] أي لا يلمز بعضكم بعضا كقوله: لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْرًا [النور: ١٢] ... والهمز: العيب والطعن بشدة وعنف، ومنه همز الأرض بعقبه، ومنه الهمزة وهي نبرة من الصدر”(منهاج السنة النبوية؛ لابن تيمية: ٥-٢٣٦).

 

18- “اللمز هو أن يعيب الإنسان أخاه في وجهه بكلام ولو خفي، ورب لمز خفي هو أشد من طعن صريح، وأعمق جرحاً في داخل النفس، لأن فيه بالإضافة إلى الطعن والتجريح بالعيب معنى استغباء الملموز واستغفاله، فكأن اللامز يشعر الذين في المجلس أن الملموز غبي لا يتنبه إلى الطعن الذي يوجه ضده في رمز الكلام.

 

واللمز قبيحة اجتماعية تورث الأحقاد والأضغان، وتقطع أواصر الأخوة الإيمانية، وهو ظلم من الإنسان لأخيه الإنسان، وعدوان على حقه عليه”(الأخلاق الإسلامية؛ لعبد الرحمن الميداني: ٢-٢٢٦).

 

19- قال الطبري عند قوله تعالى: : (وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ) “فجعل اللامز أخاه لامزا نفسه، لأن المؤمنين كرجل واحد فيما يلزم بعضهم لبعض من تحسين أمره، وطلب صلاحه، ومحبته الخير”(جامع البيان في تأويل القرآن).

 

20- قال أبو السعود في تفسيره: “فإن مناط الخيرية في الفريقين ليس ما يظهر للناس من الصور والأشكال ولا الأوضاع والأطوار التي عليها يدور أمر السخرية غالبا بل إنما هو الأمور الكامنة في القلوب فلا يجترئ أحد على استحقار أحد فلعله أجمع منه لما نيط به الخيرية عند الله تعالى فيظلم نفسه بتحقير من وقره الله تعالى والاستهانة بمن عظمه الله تعالى”(إرشاد العقل السليم؛ لأبي السعود: ٦-١٨٦).

 

21- قال القرطبي في تفسير قوله تعالى: (بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإِيمَانِ) [الحجرات: ١١]: “من لقب أخاه وسخر به فهو فاسق. والسخرية الاستحقار والاستهانة، والتنبيه على العيوب والنقائص يوم يضحك منه، وقد يكون بالمحاكاة بالفعل أو القول أو الإشارة أو الإيماء أو الضحك على كلامه إذا تخبط فيه أو غلط أو على صنعته أو قبيح صورته”(تفسير القرطبي).

 

الإحالات

1- الاستهزاء بالدين؛ د. أحمد القرشي.

 

2- أسلوب الاستهزاء في ضوء القرآن الكريم أخطاره وآثاره؛ حسني العطار.

 

3- الاستهزاء؛ أسامة العبداللطيف.

 

4- الاستهزاء حقيقته وأحكامه؛ فاطمة آل جميل الشهراني.