رضا

2022-10-10 - 1444/03/14

التعريف

الرضا لغة:

الرّضا مصدر رضي يرضى وهو مأخوذ من مادّة (ر ض و) الّتي تدلّ على خلاف السّخط. وتثنية الرّضا رضوان ورضيان، والاسم الرّضاء (بالمد) والرّضا (بالقصر)، قال القحيف العقيليّ:

إذا رضيت عليّ بنو قشير *** لعمر اللّه أعجبني رضاها

ولا تنبو سيوف بني قشير *** ولا تمضي الأسنّة في صفاها

عدّاه بعلى لأنّه إذا رضيت عنه أحبّته وأقبلت عليه. فلذلك استعمل على بمعنى عن.

وقوله عزّ وجلّ: (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ) [البيّنة: 8] معناه أنّ اللّه تعالى رضي عنهم أفعالهم ورضوا عنه ما جازاهم به.

وقال الرّاغب: رضا العبد عن اللّه أن لا يكره ما يجري به قضاؤه، ورضا اللّه عن العبد هو أن يراه مؤتمرا بأمره ومنتهيا عن نهيه. وأرضاه: أعطاه ما يرضى به. وترضّاه طلب رضاه، قال:

إذا العجوز غضبت فطلّق *** ولا ترضّاها ولا تملّق

وفي الصّحاح: الرّضوان: الرّضا، وكذلك الرّضوان، بالضّمّ، والمرضاة مثله. والمرضاة والرّضوان مصدران، وقيل في عيشة راضية أي مرضيّة أي ذات رضى. والرّضوان: الرّضا الكثير، ولمّا كان أعظم الرّضا رضا اللّه- سبحانه- خصّ لفظ الرّضوان في القرآن بما كان من اللّه- عزّ وجلّ- قال سبحانه (يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْواناً) [الفتح: 29]، وقال عزّ من قائل (يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوانٍ) [التوبة: 21].

ويقال: رضيت به صاحبا، وأرضيته عنّي ورضّيته، بالتشديد أيضا، فرضي، وتراضى القوم: أظهر كلّ واحد منهم الرّضا بصاحبه ورضيه [ لسان العرب لابن منظور (14/ 324)، والصحاح للجوهري (2353) ومقاييس اللغة (2/ 402)، ومفردات الراغب (ص 197) ] .

الرضا اصطلاحا:

هو سرور القلب بمرّ القضاء. وقيل: الرّضا ارتفاع الجزع في أيّ حكم كان، وقيل الرّضا هو صحّة العلم الواصل إلى القلب. فإذا باشر القلب حقيقة العلم أدّاه إلى الرّضا.

وقيل استقبال الأحكام بالفرح. وقيل: سكون القلب تحت مجاري الأحكام. وقيل: نظر القلب إلى قديم اختيار اللّه للعبد فإنّه اختار له الأفضل. وهو ترك السّخط [التعريفات للجرجاني (ص 111)، مدارج السالكين لابن القيم (2/ 185)، والتوقيف على مهمات التعاريف للمناوى (ص 178) ] .

وقال المناويّ: الرّضا طيب نفسيّ للإنسان بما يصيبه أو يفوته مع عدم التّغيّر، وقول الفقهاء يشهد على رضاها أي إذنها جعلوا الإذن رضا لدلالته عليه.

 

العناصر

1- مرتبة الرضا من أسمى المراتب الإيمانية وأرفعها .

 

 

2- أنواع الرضا .

 

 

3- إثبات صفتي الرضا والسخط لله تعالى .

 

 

4- أعظم الخسران فوات رضا الله وجنته واستحقاق سخطه وناره .

 

 

5- حلاوة الإيمان استلذاذ الطاعات وتحمل المشقات في رضا الله عز وجل .

 

 

6- رضا الناس غاية لا تدرك .

 

 

7- من أصلح ما بينه وبين ربه أصلح الله له أخرته ودنياه . 

 

 

8- من صفات الصادقين تقديم رضا الله على رضا الجميع .

 

 

9- رضا الوالدين و برهما سبب في حلول الفرج إذا بلغت الشدة غايتها وتسهيل العسير وتحقق الأماني .

 

 

10- الملائكة تضع أجنحتها رضا لطالب العلم بما يصنع .

 

الايات

1- قوله تعالى: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ ) [البقرة: 207] .

 

 

2- قوله تعالى: ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذى كَالَّذِي يُنْفِقُ مالَهُ رِئاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوانٍ عَلَيْهِ تُرابٌ فَأَصابَهُ وابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْداً لا يَقْدِرُونَ عَلى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ * وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ وَتَثْبِيتاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصابَها وابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَها ضِعْفَيْنِ فَإِنْ لَمْ يُصِبْها وابِلٌ فَطَلٌّ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ) [البقرة: 264- 265] .

 

 

3- قوله تعالى: ( لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْواهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً ) [النساء: 114] .

 

 

4- قوله تعالى: ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحِلُّوا شَعائِرَ اللَّهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرامَ وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلائِدَ وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرامَ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْواناً وَإِذا حَلَلْتُمْ فَاصْطادُوا وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ أَنْ تَعْتَدُوا وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى وَلا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ * حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَما أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا ما ذَكَّيْتُمْ وَما ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلامِ ذلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) [المائدة: 2- 3] .

 

 

5- قوله تعالى: ( يا أَهْلَ الْكِتابِ قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتابِ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ قَدْ جاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتابٌ مُبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ ) [المائدة: 15- 16] .

 

 

6- قوله تعالى: ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِما جاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهاداً فِي سَبِيلِي وَابْتِغاءَ مَرْضاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِما أَخْفَيْتُمْ وَما أَعْلَنْتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ ) [الممتحنة: 1] .

 

 

7- قوله تعالى: ( لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كانُوا آباءَهُمْ أَوْ أَبْناءَهُمْ أَوْ إِخْوانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) [المجادلة: 22] .

 

 

8- قوله تعالى: ( وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ إِحْساناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً حَتَّى إِذا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلى والِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ) [الأحقاف: 15] .

 

 

9- قوله تعالى: ( مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ تَراهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْواناً سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْراةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوى عَلى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً ) [الفتح: 29] .

 

 

10- قوله تعالى: ( تُرْجِي مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشاءُ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلا جُناحَ عَلَيْكَ ذلِكَ أَدْنى أَنْ تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَلا يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ بِما آتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ وَاللَّهُ يَعْلَمُ ما فِي قُلُوبِكُمْ وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً حَلِيماً ) [الأحزاب: 51] .

 

 

11- قوله تعالى: ( يا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضاتَ أَزْواجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ * قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمانِكُمْ وَاللَّهُ مَوْلاكُمْ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ * وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلى بَعْضِ أَزْواجِهِ حَدِيثاً فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَها بِهِ قالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هذا قالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ ) [التحريم: 1- 3] .

 

الاحاديث

1- عن ابن مسعود- رضي اللّه عنه- أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «آخر من يدخل الجنّة رجل. فهو يمشي مرّة ويكبو  مرّة. وتسفعه  النّار مرّة. فإذا ما جاوزها التفت إليها. فقال: تبارك الّذي نجّاني منك. لقد أعطاني اللّه شيئا ما أعطاه أحدا من الأوّلين والآخرين. فترفع له شجرة. فيقول: أي ربّي، أدنني من هذه الشّجرة، فلأستظلّ بظلّها وأشرب من مائها. فيقول اللّه- عزّ وجلّ-: يابن آدم، لعلّي إن أعطيتكها سألتني غيرها. فيقول لا يا ربّ، ويعاهده أن لا يسأله غيرها. وربّه يعذره. لأنّه يرى ما لا صبر له عليه. فيدنيه منها، فيستظلّ بظلّها ويشرب من مائها، ثمّ ترفع له شجرة هي أحسن من الأولى. فيقول: أي ربّ، أدنني من هذه لأشرب من مائها وأستظلّ بظلّها لا أسألك غيرها. فيقول: يابن آدم، ألم تعاهدني أن لا تسألني غيرها؟ فيقول: لعلّي إن أدنيتك منها تسألني غيرها؟، فيعاهده أن لا يسأله غيرها. وربّه يعذره، لأنّه يرى ما لا صبر له عليه فيدنيه منها فيستظلّ بظلّها ويشرب من مائها. ثمّ ترفع له شجرة عند باب الجنّة هي أحسن من الأوليين، فيقول: أي ربّ، أدنني من هذه لأستظلّ بظلّها وأشرب من مائها، لا أسألك غيرها، فيقول: يابن آدم، ألم تعاهدني أن لا تسألني غيرها؟. قال: بلى يا ربّ، هذه لا أسألك غيرها. وربّه يعذره لأنّه يرى ما لا صبر له عليه، فيدنيه منها، فإذا أدناه منها، فيسمع أصوات أهل الجنّة، فيقول: أي ربّ، أدخلنيها، فيقول: يابن آدم ما يصريني منك؟  أيرضيك أن أعطيك الدّنيا ومثلها معها؟. قال: يا ربّ، أتستهزأ منّي وأنت ربّ العالمين». فضحك ابن مسعود فقال: ألا تسألوني ممّ أضحك؟. فقالوا: ممّ تضحك؟. قال: هكذا ضحك رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم. فقالوا: ممّ تضحك يا رسول اللّه؟. قال: «من ضحك ربّ العالمين حين قال: أتستهزأ منّي وأنت ربّ العالمين؟. فيقول: إنّي لا أستهزأ منك، ولكنّي على ما أشاء قادر» [مسلم (187) ] .

 

 

2- عن أبي الدّرداء- رضي اللّه عنه- أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «ألا أنبّئكم بخير أعمالكم، وأرضاها عند مليككم، وأرفعها في درجاتكم، وخير لكم من إعطاء الذّهب والورق، ومن أن تلقوا عدوّكم فتضربوا أعناقهم، ويضربوا أعناقكم؟» قالوا: وما ذاك؟ يا رسول اللّه، قال: «ذكر اللّه»[ الترمذي (3377)، وابن ماجة (2/ 3790) واللفظ له وصححه الألباني، صحيح ابن ماجة (3057) ] .

 

 

3- عن سعد بن أبي وقّاص- رضي اللّه عنه- قال: أمر معاوية بن أبي سفيان سعدا فقال: ما منعك أن تسبّ أبا التّراب؟. فقال: أمّا ما ذكرت ثلاثا قالهنّ له رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فلن أسبّه. لأن تكون لي واحدة منهنّ أحبّ إليّ من حمر النّعم. سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول له، خلّفه في بعض مغازيه، فقال له عليّ: يا رسول اللّه خلّفتني مع النّساء والصّبيان؟. فقال له رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «أما ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى. إلّا أنّه لا نبوّة بعدي». وسمعته يقول يوم خيبر: لأعطينّ الرّاية رجلا يحبّ اللّه ورسوله، ويحبّه اللّه ورسوله، قال: فتطاولنا لها، فقال: «ادعوا لي عليّا»، فأتي به أرمد. فبصق في عينه ودفع الرّاية إليه. ففتح اللّه عليه. ولمّا نزلت هذه الآية: (فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ) [آل عمران: 61] دعا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عليّا وفاطمة وحسنا وحسينا فقال: «اللّهمّ هؤلاء أهلي» [البخاري- الفتح 7 (3706)، مسلم (2404) واللفظ له] .

 

 

4- عن عامر بن ربيعة- رضي اللّه عنه- أنّ امرأة من بني فزارة تزوّجت على نعلين فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «أرضيت من نفسك ومالك بنعلين؟». قالت: نعم. قال: «فأجازه» [الترمذي (1113) وقال: حديث حسن صحيح. وابن ماجة (1888)، وأحمد (3/ 445) ] .

 

 

5- (عن أنس بن مالك- رضي اللّه عنه- أنّ أناسا من الأنصار قالوا يوم حنين، حين أفاء اللّه على رسوله من أموال هوازن ما أفاء. فطفق رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم. يعطي رجالا من قريش المائة من الإبل. فقالوا: يغفر اللّه لرسول اللّه. يعطي قريشا ويتركنا وسيوفنا تقطر من دمائهم. قال أنس بن مالك: فحدّث ذلك رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم من قولهم. فأرسل إلى الأنصار. فجمعهم في قبّة من أدم  فلمّا اجتمعوا جاءهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقال: «ما حديث بلغني عنكم؟». فقال له فقهاء الأنصار: أمّا ذوو رأينا، يا رسول اللّه فلم يقولوا شيئا. وأمّا أناس منّا حديثة أسنانهم، قالوا: يغفر اللّه لرسوله. يعطي قريشا ويتركنا، وسيوفنا تقطر من دمائهم، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «إنّي أعطي رجالا حديثي عهد بكفر أتألّفهم. أفلا ترضون أن يذهب النّاس بالأموال، وترجعون إلى رحالكم  برسول اللّه؟ فو اللّه، لما تنقلبون به خير ممّا ينقلبون به فقالوا: بلى. يا رسول اللّه، قد رضينا. قال: «فإنّكم ستجدون أثرة شديدة.فاصبروا حتّى تلقوا اللّه ورسوله. فإنّي على الحوض» قالوا: سنصبر. [البخاري- الفتح 7 (3793)، مسلم (1059) واللفظ له] .

 

 

6- عن عائشة- رضي اللّه عنها- قالت: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: «من التمس رضا اللّه بسخط النّاس كفاه اللّه مؤنة النّاس. ومن التمس رضا النّاس بسخط اللّه وكله اللّه إلى النّاس» [صحيح سنن الترمذي (1967) وهو في الصحيحة (2311) ] .

 

 

7- عن أبي هريرة- رضي اللّه عنه- قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «من يأخذ عنّي هؤلاء الكلمات فيعمل بهنّ أو يعلّم من يعمل بهنّ». فقال أبو هريرة: فقلت: أنا يا رسول اللّه. فأخذ بيدي فعدّ خمسا، وقال: «اتّق المحارم تكن أعبد النّاس، وارض بما قسم اللّه لك تكن أغنى النّاس، وأحسن إلى جارك تكن مؤمنا، وأحبّ للنّاس ما تحبّ لنفسك تكن مسلما، ولا تكثر الضّحك فإنّ كثرة الضّحك تميت القلب» [أحمد في المسند (2/ 310)، والترمذي (2305) واللفظ له وحسنه الألباني، وابن ماجة (4217) وقال محقق جامع الأصول (11/ 687): حديث حسن ] .

 

 

8- عن أبي هريرة- رضي اللّه عنه- قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «والّذي نفسي بيده ما من رجل يدعو امرأته إلى فراشها فتأبى عليه إلّا كان الّذي في السّماء ساخطا عليها حتّى يرضى عنها» [البخاري- الفتح 9 (5193)، ومسلم (1436) واللفظ له ] .

 

 

9- عن أمّ سلمة- رضي اللّه عنها- أنّها قالت: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: «ما من مسلم تصيبه مصيبة فيقول ما أمره اللّه: إنّا للّه وإنّا إليه راجعون، اللّهمّ أجرني في مصيبتي واخلف لي خيرا منها. إلّا أخلف اللّه له خيرا منها» [مسلم (918) ] .

 

 

10- عن أنس- رضي اللّه عنه- قال: أصيب حارثة يوم بدر- وهو غلام- فجاءت أمّه إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فقالت: يا رسول اللّه، قد عرفت منزلة حارثة منّي، فإن يك في الجنّة أصبر وأحتسب. وإن تكن الأخرى ترى ما أصنع؟. فقال: «ويحك. أو هبلت - أو جنّة واحدة هي؟. إنّها جنان كثيرة، وإنّه لفي جنّة الفردوس» [البخاري- الفتح 11 (6550) ] .

 

 

11- عن أبي موسى الأشعريّ- رضي اللّه عنه- أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال «إذا مات ولد العبد، قال اللّه لملائكته: قبضتم ولد عبدي؟ فيقولون: نعم فيقول: قبضتم ثمرة فؤاده، فيقولون: نعم، فيقول: ماذا قال عبدي؟ فيقولون: حمدك واسترجع. فيقول اللّه: ابنوا لعبدي بيتا في الجنّة وسمّوه بيت الحمد» [الترمذي (1021) وحسّن إسناده الألباني ] .

 

 

12- عن سعد بن أبي وقّاص- رضي اللّه عنه- قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «عجبت من قضاء اللّه عزّ وجلّ- للمؤمن إن أصابه خير حمد ربّه وشكر، وإن أصابته مصيبة حمد ربّه وصبر. المؤمن يؤجر في كلّ شيء حتّى في اللّقمة يرفعها إلى فيّ امرأته» [أحمد (1/ 173، 177، 178) وشرح السنة (1540) وقال مخرجه: إسناده حسن والبيهقي في السنن (3/ 375، 376) والهيثمي في المجمع (7/ 209) وقال: رواه أحمد بأسانيد ورجالها كلها رجال الصحيح ] .

 

 

13- عن صهيب- رضي اللّه عنه-: قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم «عجبا لأمر المؤمن إنّ أمره كلّه خير، وليس ذاك لأحد إلّا للمؤمن. إن أصابته سرّاء شكر فكان خيرا له وإن أصابته ضرّاء صبر فكان خيرا له» [مسلم (2999) ] .

 

 

14- عن أبي هريرة- رضي اللّه عنه- أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «يقول اللّه تعالى: ما لعبدي المؤمن عندي جزاء إذا قبضت صفيّة من أهل الدّنيا ثمّ احتسبه إلّا الجنّة» [البخاري- الفتح 11 (6424) ] .

 

 

15- عن أنس بن مالك- رضي اللّه عنه- قال: دخلنا مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم على أبي سيف القين ، وكان ظئرا لإبراهيم عليه السّلام، فأخذ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إبراهيم فقبّله وشمّه. ثمّ دخلنا عليه بعد ذلك- وإبراهيم يجود بنفسه- فجعلت عينا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم تذرفان. فقال له عبد الرّحمن بن عوف- رضي اللّه عنه-: وأنت يا رسول اللّه. فقال: «يا ابن عوف إنّها رحمة». ثمّ أتّبعها بأخرى. فقال صلّى اللّه عليه وسلّم: «إنّ العين تدمع والقلب يحزن ولا نقول إلّا ما يرضى ربّنا. وإنّا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون» [البخاري- الفتح 3 (1303) واللفظ له، ومسلم (2315) ] .

 

 

16- عن عائشة- رضي اللّه عنها- قالت: فقدت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ليلة في الفراش. فالتمسته فوقعت يدي على بطن قدميه وهو في المسجد  وهما منصوبتان وهو يقول: «اللّهمّ أعوذ برضاك من سخطك، وبمعافاتك من عقوبتك، وأعوذ بك منك لا أحصي ثناء عليك. أنت كما أثنيت على نفسك» [مسلم (486) ] .

 

الاثار

 

1- قال لقمان لابنه: أوصيك بخصال تقرّبك من اللّه وتباعدك من سخطه: أن تعبد اللّه لا تشرك به شيئا، وأن ترضى بقدر اللّه فيما أحببت وكرهت. [مدارج السالكين، لابن القيم (2/ 229) ] .

 

 

2- كتب عمر بن الخطّاب إلى أبي موسى رضي اللّه عنهما-: أمّا بعد، فإنّ الخير كلّه في الرّضى، فإن استطعت أن ترضى وإلّا فاصبر. [مدارج السالكين، لابن القيم (2/ 185) ] .

 

 

3- عن ابن عبّاس- رضي اللّه عنهما- قال: لمّا كان بين إبراهيم وبين أهله ما كان خرج بإسماعيل وأمّإسماعيل، ومعهم شنّة  فيها ماء، فجعلت أمّ إسماعيل تشرب من الشّنّة فيدرّ لبنها على صبيّها حتّى قدم مكّة فوضعها تحت دوحة ، ثمّ رجع إبراهيم إلى أهله فاتّبعته أمّ إسماعيل حتّى لمّا بلغوا كداء نادته من ورائه: يا إبراهيم إلى من تتركنا؟ قال: إلى اللّه. قالت: رضيت باللّه. [البخاري- الفتح 6 (3365) ] .

 

 

4- قال عبد اللّه بن عمرو- رضي اللّه عنهما- إذا توفّي العبد المؤمن، أرسل اللّه إليه ملكين، وأرسل إليه بتحفة من الجنّة. فيقال: اخرجي أيّتها النّفس المطمئنّة، اخرجي إلى روح وريحان وربّ عنك راض. [مدارج السالكين (2/ 186) ] .

 

 

5- عن عائشة- رضي اللّه عنها- في قوله تعالى: (وَإِنِ امْرَأَةٌ خافَتْ مِنْ بَعْلِها نُشُوزاً أَوْ إِعْراضاً) [ النساء: 128]، قالت: «هو الرّجل يرى من امرأته ما لا يعجبه كبرا أو غيره فيريد فراقها، فتقول: أمسكني، أو اقسم لي ما شئت. قالت: ولا بأس إذا تراضيا. [البخاري- الفتح 5 (2694) ] .

 

 

6- قال ميمون بن مهران: من لم يرض بالقضاء فليس لحمقه دواء. [الإحياء للغزالي (3/ 346) ] .

 

 

7- قال الرّبيع بن أنس: علامة حبّ اللّه، كثرة ذكره، فإنّك لا تحبّ شيئا إلّا أكثرت من ذكره، وعلامة الدّين: الإخلاص للّه في السّرّ والعلانية، وعلامة الشّكر: الرّضى بقدر اللّه والتّسليم لقضائه. [مدارج السالكين (2/ 227) ] .

 

 

8- عن مالك بن أنس- رحمه اللّه- قال بلغني أنّ رجلا من بعض الفقهاء كتب إلى ابن الزّبير رضي اللّه عنهما- يقول: ألا إنّ لأهل التّقوى علامات يعرفون بها، ويعرفونها من أنفسهم، من رضي بالقضاء، وصبر على البلاء، وشكر على النّعماء، وصدق باللّسان، ووفّى بالوعد والعهد، وتلا لأحكام القرآن، وإنّما الإمام سوق من الأسواق، فإن كان من أهل الحقّ حمل إليه أهل الحقّ حقّهم، وإن كان من أهل الباطل حمل إليه أهل الباطل باطلهم. [جامع الأصول (11/ 703، 704) ] .

 

 

9- قال عبد اللّه بن المبارك: قال داود لابنه سليمان عليهما السّلام: يا بنيّ، إنّما تستدلّ على تقوى الرّجل بثلاثة أشياء: لحسن توكّله على اللّه فيما نابه، ولحسن رضاه فيما آتاه، ولحسن زهده فيما فاته. [الدر المنثور للسيوطي (1/ 62) ] .

 

القصص

الاشعار

1- قال محمود الورّاق:

 

أعييت كلّ النّاس من نفسي الرّضا *** إلّا الحسود فإنّه أعياني

 

 

ما إنّ لي ذنبا إليه عملته *** إلّا تظاهر نعمة الرّحمن

 

 

وأبى فما يرضيه إلّا ذلّتي*** وذهاب أموالي وقطع لساني

 

[أدب الدنيا والدين للماوردي (ص 286) ] .

 

2- قال المتنبّيّ:

 

وعين الرّضى عن كلّ عيب كليلة *** كما أنّ عين السّخط تبدي المساويا

 

[مدارج السالكين (2/ 183) ] .

 

3- قال كشاجم:

 

لم أرض عن نفسي مخافة سخطها *** ورضا الفتى عن نفسه إغضابها

 

 

ولو انّني عنها رضيت لقصّرت *** عمّا تزيد بمثله آدابها

 

 

وتبيّنت آثار ذاك فأكثرت *** عذلي عليه فطال فيه عتابها

 

[بصائر ذوي التمييز للفيروز ابادي (3/ 77) ] .

 

الدراسات

متفرقات

1- قال ابن القيّم- رحمه اللّه-: ثمرة الرّضى: الفرح والسّرور بالرّبّ تبارك وتعالى. [ابن أبي الدنيا، في التقوى ] .

 

 

2- قال الفيروز اباديّ: رضا العبد عن اللّه على ألّا يكره ما يجري به قضاؤه، والرّضوان الرّضا الكبير. ولمّا كان أعظم الرّضا رضا اللّه خصّ لفظ الرّضوان في القرآن بما كان من اللّه تعالى. [أدب الدنيا والدين للماوردي (ص 329) ] .

 

 

3- قال شيخ الإسلام ابن تيميّة- رحمه اللّه-: من لزم ما يرضي اللّه من امتثال أوامره واجتناب نواهيه لا سيّما إذا قام بواجبها ومستحبّها فإنّ اللّه يرضى عنه، كما أنّ من لزم محبوبات الحقّ أحبّه اللّه. كما قال في الحديث الصّحيح الّذي في البخاريّ: «من عادى لي وليّا فقد بارزني بالمحاربة، وما تقرّب إليّ عبدي بمثل أداء ما افترضت عليه، ولا يزال عبدي يتقرّب إليّ بالنّوافل حتّى أحبّه فإذا أحببته ...» الحديث. وذلك أنّ الرّضا نوعان:

أحدهما: الرّضا بفعل ما أمر به وترك ما نهي عنه. ويتناول ما أباحه اللّه من غير تعدّ محظور.(وَقالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللَّهِ راغِبُونَ) [التوبة: 59]. وهذا الرّضا واجب.ولهذا ذمّ من تركه بقوله: (وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْها رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْها إِذا هُمْ يَسْخَطُونَ* وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا ما آتاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ ...) [التوبة: 58- 59].

والنّوع الثّاني: الرضا بالمصائب: كالفقر والمرض والذّلّ. فهذا رضا مستحبّ في أحد قولي العلماء، وليس بواجب، وقد قيل: إنّه واجب، والصّحيح أنّ الواجب هو الصّبر. كما قال الحسن: الرّضا غريزة، ولكنّ الصّبر معوّل المؤمن. وقد روي في حديث ابن عبّاس أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «إن استطعت أن تعمّ بالرّضا مع اليقين فافعل، فإن لم تستطع فإنّ في الصّبر على ما تكره خيرا كثيرا». وأمّا الرّضا بالكفر والفسوق والعصيان: فالّذي عليه أئمّة الدين أنّه لا يرضى بذلك، فإنّ اللّه لا يرضاه كما قال: (وَلا يَرْضى لِعِبادِهِ الْكُفْرَ) [الزمر: 7]، وقال: (وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسادَ) [البقرة: 205]، وقال تعالى: (فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يَرْضى عَنِ الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ) [التوبة: 96]، [الفتاوى لشيخ الإسلام ابن تيمية (10/ 683681) ] .

 

 

4- قال ابن القيّم- رحمه اللّه- بعد أن ساق حديثين: الأوّل: قوله صلّى اللّه عليه وسلّم: «ذاق طعم الإيمان من رضي باللّه ربّا وبالإسلام دينا وبمحمّد رسولا».

والثّاني: قوله: «من قال حين يسمع النّداء رضيت باللّه ربّا وبالإسلام دينا وبمحمّد رسولا غفرت له ذنوبه». قال- رحمه اللّه-: هذان الحديثان عليهما مدار مقامات الدّين، وإليهما ينتهي. وقد تضمّنا الرّضا بربوبيّته سبحانه وألوهيّته. والرّضا برسوله، والانقياد له، والرّضا بدينه والتّسليم له.

ومن اجتمعت له هذه الأربعة فهو الصّدّيق حقّا. وهي سهلة بالدّعوى واللّسان، وهي من أصعب الأمور عند حقيقة الامتحان. ولا سيّما إذا جاء ما يخالف هوى النّفس ومرادها، من ذلك تبيّن  أنّ الرّضا كان لسانه به ناطقا. فهو على لسانه لا على حاله. فالرّضا بإلهيّته يتضمّن الرّضا بمحبّته وحده، وخوفه، ورجائه، والإنابة إليه، والتّبتّل إليه، وانجذاب قوى الإرادة والحبّ كلّها إليه، فعل الرّاضي بمحبوبه كلّ الرّضا. وذلك يتضمّن عبادته والإخلاص له، والرّضا بربوبيّته يتضمّن الرّضا بتدبيره لعبده. ويتضمّن إفراده بالتّوكّل عليه، وبالاستعانة به والثّقة به، والاعتماد عليه، وأن يكون راضيا بكلّ ما يفعل به. فالأوّل: يتضمّن رضاه بما يؤمر به. والثّاني: يتضمّن رضاه بما يقدّره عليه.

وأمّا الرّضا بنبيّه رسولا فيتضمّن كمال الانقياد له، والتّسليم المطلق إليه، بحيث يكون أولى به من نفسه، فلا يتلقّى الهدى إلّا من مواقع كلماته ولا يحاكم إلّا إليه، ولا يحكّم عليه غيره، ولا يرضى بحكم غيره البتّة. لا في شيء من أحكام ظاهره وباطنه، ولا يرضى في ذلك بحكم غيره ولا يرضى إلّا بحكمه.

فإن عجز عنه كان تحكيمه غيره من باب غذاء المضطّرّ إذا لم يجد ما يقيته إلّا من الميتة والدّم. وأحسن أحواله:

أن يكون من باب التّراب الّذي إنّما يتيمّم به عند العجز عن استعمال الماء الطّهور.

وأمّا الرّضا بدينه: فإذا قال، أو حكم، أو أمر، أو نهى، رضي كلّ الرّضا، ولم يبق في قلبه حرج من حكمه وسلّم له تسليما، ولو كان مخالفا لمراد نفسه أو هواها، أو قول مقلّده وشيخه وطائفته. [مدارج السالكين لابن القيم (2/ 179، 180) وراجع: بصائر ذوى التمييز (3/ 79- 81) ] .

 

التحليلات

الإحالات

1- أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن المؤلف : محمد الأمين بن محمد المختار بن عبد القادر الجكني الشنقيطي (المتوفى : 1393هـ) الناشر : دار الفكر للطباعة و النشر و التوزيع بيروت – لبنان عام النشر : 1415 هـ - 1995 مـ (2/313) .

2- التحرير والتنوير المعروف بتفسير ابن عاشور المؤلف : محمد الطاهر بن محمد بن محمد الطاهر بن عاشور التونسي (المتوفى : 1393هـ) الناشر : مؤسسة التاريخ العربي، بيروت – لبنان الطبعة : الأولى، 1420هـ/2000م (4/106) .

3- التفسير المنير فى العقيدة والشريعة والمنهج المؤلف : وهبة بن مصطفى الزحيلى الموضوع : فقهى و تحليلى القرن : الخامس عشر الناشر : دار الفكر المعاصر مكان الطبع : بيروت دمشق سنة الطبع : 1418 ق (2/40) .

4- تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان المؤلف : عبد الرحمن بن ناصر بن السعدي المحقق : عبد الرحمن بن معلا اللويحق الناشر : مؤسسة الرسالة الطبعة : الأولى 1420هـ -2000 م (1/75) .

5- الجامع المسند الصحيح المختصر من أمور رسول الله صلى الله عليه وسلم وسننه وأيامه المؤلف : أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة الجعفي البخاري المحقق : محمد زهير بن ناصر الناصر الناشر : دار طوق النجاة الطبعة : الأولى 1422هـ (5/317) .

6- مسند الإمام أحمد بن حنبل المؤلف : أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال بن أسد الشيباني (المتوفى : 241هـ) المحقق : شعيب الأرنؤوط - عادل مرشد ، وآخرون إشراف : د عبد الله بن عبد المحسن التركي الناشر : مؤسسة الرسالة الطبعة : الأولى ، 1421 هـ - 2001 م (11/524) .

7- معرفة السنن والآثار المؤلف : أبو بكر أحمد بن الحسين بن علي البيهقي [ ت : 10/جمادى الأولى/ 458] المحقق : سيد كسروي حسن الناشر : دار الكتب العلمية – بيروت (5/525) .

8- أمراض القلب وشفاؤها المؤلف : شيخ الإسلام / أحمد بن تيمية دار النشر : المطبعة السلفية - القاهرة - 1399هـ الطبعة : الثانية (1/72) .

9- الزهد والورع والعبادة المؤلف : أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الناشر : مكتبة المنار – الأردن الطبعة الأولى ، 1407 تحقيق : حماد سلامة ,‏محمد عويضة - الفصل السابع تفسير كلام القشيري في الرضا (1/111) .

10- شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل المؤلف : محمد بن أبي بكر أيوب الزرعي أبو عبد الله الناشر : دار الفكر - بيروت ، 1398 – 1978 تحقيق : محمد بدر الدين أبو فراس النعساني الحلبي - الباب الثامن والعشرون: في أحكام الرضا بالقضاء واختلاف الناس في ذلك وتحقيق القول فيه .

11- نضرة النعيم في مكارم أخلاق الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم المؤلف : عدد من المختصين بإشراف الشيخ/ صالح بن عبد الله بن حميد إمام وخطيب الحرم المكي الناشر : دار الوسيلة للنشر والتوزيع، جدة الطبعة : الرابعة (6/2103) .