رحمة

2022-10-05 - 1444/03/09

التعريف

التعريف: 

الرحمة لغة:

 

تدور مادّة (ر ح م) حول معنى الرّقّة والعطف والرّأفة، يقول ابن فارس: الرّاء والحاء والميم أصل واحد يدلّ على الرّقّة والعطف والرّأفة. يقال من ذلك رحمه يرحمه إذا رقّ له وتعطّف عليه، والرّحم والمرحمة والرّحمة بمعنى (المقاييس لابن فارس (2-498). ويقول الجوهريّ: الرّحمة: الرّقّة والتّعطّف.

 

والمرحمة مثله، وقد رحمته وترحّمت عليه، وتراحم القوم: رحم بعضهم بعضا... ورجل مرحوم ومرحّم، شدّد للمبالغة، والرّحم بالضّمّة: الرّحمة. قال تعالى (وَأَقْرَبَ رُحْماً) [الكهف: 81].

 

والرّحمة المغفرة، وقوله تعالى في وصف القرآن (هُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) [الأعراف: 52] أي فصّلناه هاديا وذا رحمة. رحمه رحما ورحما ورحمة ورحمة (حكى الأخيرة سيبويه) ومرحمة، وقال اللّه- عزّ وجلّ-: (وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَواصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ) [البلد: 17] أي أوصى بعضهم بعضا برحمة الضّعيف والتّعطّف عليه، وترحّمت عليه أي قلت: رحمة اللّه عليه (الصحاح للجوهرى (5-1929) رحم).

 

وتطلق الرّحمة ويراد الرّزق، فقد نقل ابن منظور عن الأزهريّ قوله: قال عكرمة في قوله تعالى: (ابْتِغاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوها) [الإسراء: 28] أي رزق. (وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْناها مِنْهُ) [هود: 9].

 

أي رزقا (وَإِذا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ) [يونس: 21] أي حيا وخصبا بعد مجاعة، وأراد بالنّاس الكافرين. وترحّم عليه: دعا له بالرّحمة.

 

واسترحمه: سأله الرّحمة.

 

وسمّى اللّه الغيث رحمة لأنّه برحمته ينزل من السّماء، والرّحموت من الرّحمة، يقال: لأن ترهب خير من أن ترحم، لم يستعمل على هذه الصّيغة إلّا مزوّجا (لسان العرب (12-230).

 

وأمّ الرّحم مكّة، والمرحومة: من أسماء مدينة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم (القاموس المحيط (4-118) رحم).

 

والرّحم علاقة القرابة، ثمّ سمّيت رحم الأنثى رحما من هذا؛ لأنّ منها ما يكون ما يرحم ويرقّ له من ولد (المقاييس (2-498).

 

واصطلاحا:

 

قال الجرجانيّ: هي إرادة إيصال الخير (التعريفات (110).

 

وقال الجاحظ: الرّحمة خلق مركّب من الودّ والجزع، والرّحمة لا تكون إلّا لمن تظهر منه لراحمه خلّة مكروهة، فالرّحمة هي محبّة للمرحوم مع جزع من الحال الّتي من أجلها رحم.

 

وقال الكفويّ: الرّحمة حالة وجدانيّة تعرض غالبا لمن به رقّة القلب وتكون مبدأ للانعطاف النّفسانيّ الّذي هو مبدأ الإحسان (تهذيب الأخلاق للجاحظ (ص 24)، والكليات للكفوي (2-376).

 

قال ابن الأثير- رحمه اللّه تعالى-: في أسماء اللّه تعالى “الرّحمن الرّحيم» وهما اسمان مشتقّان من الرّحمة، مثل ندمان ونديم. وهما من أبنية المبالغة ورحمن أبلغ من رحيم. والرّحمن خاصّ باللّه لا يسمّى به غيره، ولا يوصف. والرّحيم يوصف به غير اللّه تعالى، فيقال: رجل رحيم، ولا يقال رحمن. والرّحمة من صفات الذّات للّه تعالى والرّحمن وصف، وصف اللّه تعالى به نفسه وهو متضمّن لمعنى الرّحمة (النهاية لابن الأثير (2-210).

 

وقال الخطّابيّ: ذهب الجمهور إلى أنّ “الرّحمن» مأخوذ من الرّحمة. ومعناه ذو الرّحمة لا نظير له فيها.

 

ثمّ قال: فالرّحمن ذو الرّحمة الشّاملة للخلق، والرّحيم خاصّ بالمؤمنين (بصائر ذوي التمييز للفيروز آبادي (3/ 35، 54). قال اللّه تعالى: (وَكانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً) [الأحزاب: 43].

 

وقال الغزاليّ: الرّحمن الرّحيم اسمان مشتقّان من الرّحمة. والرّحمة تستدعي مرحوما، ولا مرحوم إلّا وهو محتاج. والّذي ينقضي بسببه حاجة المحتاج من غير قصد وإرادة وعناية بالمحتاج لا يسمّى رحيما، والّذي يريد قضاء حاجة المحتاج ولا يقضيها، فإن كان قادرا على قضائها لم يسمّ رحيما، إذ لو تمّت الإرادة لوفّى بها، وإن كان عاجزا فقد يسمّى رحيما باعتبار ما اعتوره من الرّقّة، ولكنّه ناقص. وإنّما الرّحمة التّامّة إفاضة الخير على المحتاجين وإرادته لهم عناية بهم، والرّحمة العامّة هي الّتي تتناول المستحقّ وغير المستحقّ، ورحمة اللّه، عزّ وجلّ، تامّة وعامّة، أمّا تمامها: فمن حيث أنّه أراد قضاء حاجات المحتاجين وقضاها. وأمّا عمومها: فمن حيث شمولها المستحقّ وغير المستحقّ، وعمّ الدّنيا والآخرة، وتناول الضّرورات والحاجات والمزايا الخارجة عنهما. فهو الرّحيم المطلق حقّا.

 

وقال- رحمه اللّه تعالى-: والرّحمة لا تخلو عن رقّة مؤلمة تعتري الرّحيم، فتحرّكه إلى قضاء حاجة المرحوم. والرّبّ، سبحانه وتعالى، منزّه عنها. فلعلّك تظنّ أنّ ذلك نقصان في معنى الرّحمة، فاعلم أنّ ذلك كمال وليس بنقصان في معنى الرّحمة.

 

أمّا أنّه ليس بنقصان فمن حيث إنّ كمال الرّحمة بكمال ثمرتها. ومهما قضيت حاجة المحتاج بكمالها لم يكن للمرحوم حظّ في تألّم الرّاحم وتفجّعه، وإنّما تألّم الرّاحم لضعف نفسه ونقصانها. ولا يزيد ضعفها في غرض المحتاج شيئا، بعد أن قضيت حاجته.

 

وأمّا أنّه كمال في معنى الرّحمة، فهو أنّ الرّحيم عن رقّة وتألّم يكاد يقصد بفعله دفع ألم الرّقّة عن نفسه، فيكون قد نظر لنفسه وسعى في غرض نفسه، وذلك ينقص عن كمال معنى الرّحمة. بل كمال الرّحمة أن يكون نظره إلى المرحوم لأجل المرحوم، لا لأجل الاستراحة من ألم الرّقّة.

 

أمّا الرّحمن فهو أخصّ من الرّحيم، ولذلك لا يسمّى به غير اللّه، عزّ وجلّ. والرّحيم قد يطلق على غيره، ولذلك جمع اللّه، عزّ وجلّ، بينهما، فقال: (قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ أَيًّا ما تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى) [الإسراء: 110]. فيلزم من هذا الوجه أن يفرّق بين معنى الاسمين فمن ثمّ يكون المفهوم من الرّحمن نوعا من الرّحمة هي أبعد من مقدورات العباد، وهي ما يتعلّق بالسّعادة الأخرويّة. فالرّحمن هو العطوف على العباد، بالإيجاد أوّلا، وبالهداية إلى الإيمان وأسباب السّعادة ثانيا، وبالإسعاد في الآخرة ثالثا، والإنعام بالنّظر إلى وجهه الكريم رابعا.

 

وقال ابن القيّم- رحمه اللّه تعالى-: الرّحمة سبب واصل بين اللّه- عزّ وجلّ- وبين عباده، بها أرسل إليهم رسله، وأنزل عليهم كتبه، وبها هداهم، وبها يسكنهم دار ثوابه، وبها رزقهم وعافاهم وأنعم عليهم، فبينهم وبينه سبب العبوديّة، وبينه وبينهم سبب الرّحمة (التفسير القيم ص 35).

 

العناصر

1- منزلة الرحمة ومكانتها.

 

2- سعة رحمة الله ومظاهرها.

 

3- رحمة الأنبياء لأقوامهم

 

4- من أنواع الرحمة.

 

5- من آثار الرحمة.

 

6- مقتضيات الرحمة.

 

الايات

1- قال الله -تعالى-: (فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ فَتابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) [البقرة: 37].

 

2- قوله تعالى: (وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ يا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلى بارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بارِئِكُمْ فَتابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) [البقرة: 54].

 

3- قوله تعالى: (وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ وَرَفَعْنا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا ما فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ فَلَوْ لا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَكُنْتُمْ مِنَ الْخاسِرِينَ) [البقرة: 63 - 64].

 

4- قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَالْهُدى مِنْ بَعْدِ ما بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتابِ أُولئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ * إِلَّا الَّذِينَ تابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) [البقرة: 159 - 160].

 

5- قوله تعالى: (وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفاحِشَةَ مِنْ نِسائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا * وَالَّذانِ يَأْتِيانِها مِنْكُمْ فَآذُوهُما فَإِنْ تابا وَأَصْلَحا فَأَعْرِضُوا عَنْهُما إِنَّ اللَّهَ كانَ تَوَّاباً رَحِيماً) [النساء: 15 - 16].

 

6- قوله تعالى: (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما جَزاءً بِما كَسَبا نَكالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ * فَمَنْ تابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) [المائدة: 38 -39].

 

7- قوله تعالى: (وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً وَما جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْها إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ وَما كانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ) [البقرة: 143].

 

8- قوله تعالى: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ فِي الْقَتْلى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثى بِالْأُنْثى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّباعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَداءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسانٍ ذلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدى بَعْدَ ذلِكَ فَلَهُ عَذابٌ أَلِيمٌ) [البقرة: 178].

 

9- قوله تعالى: (وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * ثُمَّ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ تَماماً عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ * وَهذا كِتابٌ أَنْزَلْناهُ مُبارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ * أَنْ تَقُولُوا إِنَّما أُنْزِلَ الْكِتابُ عَلى طائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنا وَإِنْ كُنَّا عَنْ دِراسَتِهِمْ لَغافِلِينَ * أَوْ تَقُولُوا لَوْ أَنَّا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْكِتابُ لَكُنَّا أَهْدى مِنْهُمْ فَقَدْ جاءَكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَّبَ بِآياتِ اللَّهِ وَصَدَفَ عَنْها سَنَجْزِي الَّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ آياتِنا سُوءَ الْعَذابِ بِما كانُوا يَصْدِفُونَ) [الأنعام: 153 - 157].

 

10- قوله تعالى: (الَّذِينَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ * أُولئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ) [البقرة: 156 - 157].

 

11- قوله تعالى: (يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ * وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَتِ اللَّهِ هُمْ فِيها خالِدُونَ) [آل عمران: 106 - 107].

 

12- قوله تعالى: (فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ) [آل عمران: 159].

 

13- قوله تعالى: (فَانْظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَتِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِ الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [الروم: 50].

 

14- قوله تعالى: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ * إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَما أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) [البقرة: 172 - 173].

 

15- قوله تعالى: (كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْماً كَفَرُوا بَعْدَ إِيمانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجاءَهُمُ الْبَيِّناتُ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ * أُولئِكَ جَزاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ * خالِدِينَ فِيها لا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ * إِلَّا الَّذِينَ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) [آل عمران: 86 - 89].

 

16- قوله تعالى: (وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِنْ بَعْدِكُمْ ما يَشاءُ كَما أَنْشَأَكُمْ مِنْ ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ) [الأنعام: 133].

 

17- قوله تعالى: (فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ واسِعَةٍ وَلا يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ) [الأنعام: 147].

 

18- قوله تعالى: (وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤاخِذُهُمْ بِما كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذابَ بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلًا) [الكهف: 58].

 

19- قوله تعالى: (يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَما عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَها وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ) [آل عمران: 28-30].

 

20- قوله تعالى: (لَقَدْ تابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي ساعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ ما كادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُفٌ رَحِيمٌ * وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذا ضاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ وَضاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ * يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) [التوبة: 117- 119].

 

21- قوله تعالى: (أَتى أَمْرُ اللَّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ * يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ * خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ تَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ * خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ * وَالْأَنْعامَ خَلَقَها لَكُمْ فِيها دِفْ ءٌ وَمَنافِعُ وَمِنْها تَأْكُلُونَ * وَلَكُمْ فِيها جَمالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ * وَتَحْمِلُ أَثْقالَكُمْ إِلى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ * وَالْخَيْلَ وَالْبِغالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوها وَزِينَةً وَيَخْلُقُ ما لا تَعْلَمُونَ * وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْها جائِرٌ وَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ) [النحل: 1- 9].

 

22- قوله تعالى: (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ * لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ * أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ وَالْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَيُمْسِكُ السَّماءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ * وَهُوَ الَّذِي أَحْياكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ إِنَّ الْإِنْسانَ لَكَفُورٌ) [الحج: 63- 66].

 

23- قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ * وَلَوْ لا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ) [النور: 19- 20].

 

24- قوله تعالى: (هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلى عَبْدِهِ آياتٍ بَيِّناتٍ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَإِنَّ اللَّهَ بِكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ) [الحديد: 9].

 

25- قوله تعالى: (لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ * فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ) [التوبة: 128-129].

 

26- قوله تعالى: (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذابَهُما طائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) [النور: 2].

 

27- قوله تعالى: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً وَإِبْراهِيمَ وَجَعَلْنا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتابَ فَمِنْهُمْ مُهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ * ثُمَّ قَفَّيْنا عَلى آثارِهِمْ بِرُسُلِنا وَقَفَّيْنا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْناهُ الْإِنْجِيلَ وَجَعَلْنا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبانِيَّةً ابْتَدَعُوها ما كَتَبْناها عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغاءَ رِضْوانِ اللَّهِ فَما رَعَوْها حَقَّ رِعايَتِها فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ) [الحديد: 26-27].

 

الاحاديث

1- عن أسامة بن زيد- رضي اللّه عنهما- قال: كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يأخذني فيقعدني على فخذه ويقعد الحسن بن عليّ على فخذه الآخر، ثمّ يضمّهما، ثمّ يقول: “اللّهمّ ارحمهما فإنّي أرحمهما”(رواه البخاري: (6003).

 

2- عن عوف بن مالك الأشجعيّ -رضي اللّه عنه- قال: صلّى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم على جنازة فحفظت من دعائه وهو يقول: “اللّهمّ اغفر له وارحمه، وعافه واعف عنه، وأكرم نزله، ووسّع مدخله، واغسله بالماء والثّلج والبرد، ونقّه من الخطايا كما نقّيت الثّوب الأبيض من الدّنس، وأبدله دارا خيرا من داره، وأهلا خيرا من أهله، وزوجا خيرا من زوجه، وأدخله الجنّة، وأعذه من عذاب القبر (أو من عذاب النّار)». قال: حتّى تمنّيت أن أكون أنا ذلك الميّت. (رواه مسلم: (963).

 

3- عن عمر بن الخطّاب -رضي اللّه عنه- قال: قدم على النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم سبي فإذا امرأة من السّبي تحلب ثديها تسقي إذا وجدت صبيّا في السّبي أخذته فألصقته ببطنها وأرضعته. فقال لنا النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: “أترون هذه طارحة ولدها في النّار؟». قلنا: لا، وهي تقدر على أن لا تطرحه. فقال: “للّه أرحم بعباده من هذه بولدها”(رواه البخاري: (5999) واللفظ له، ومسلم (2754).

 

4- عن أبي هريرة -رضي اللّه عنه- أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: “اللّهمّ إنّي أتّخذ عندك عهدا لن تخلفنيه. فإنّما أنا بشر. فأيّ المؤمنين آذيته، شتمته، لعنته، جلدته، فاجعلها له صلاة وزكاة وقربة تقرّبه بها إليك يوم القيامة”(رواه البخاري: (6361)، ومسلم (2601) واللفظ له).

 

5- عن مالك بن الحويرث -رضي اللّه عنه- قال: أتينا النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم ونحن شببة متقاربون، فأقمنا عنده عشرين ليلة، فظنّ أنّا اشتقنا أهلنا، وسألنا عمّن تركنا في أهلنا فأخبرناه، وكان رقيقا رحيما، فقال: “ارجعوا إلى أهليكم فعلّموهم، ومروهم، وصلّوا كما رأيتموني أصلّي، وإذا حضرت الصّلاة فليؤذّن لكم أحدكم، ثمّ ليؤمّكم أكبركم”(رواه البخاري: (6008) واللفظ له، ومسلم (674).

 

6- عن أبي هريرة -رضي اللّه عنه- قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: “إذا عطس أحدكم فليقل الحمد للّه، وليقل له أخوه- أو صاحبه- يرحمك اللّه، فإذا قال يرحمك اللّه، فليقل يهديكم اللّه ويصلح بالكم”(رواه البخاري: (6224)، ومسلم (2992) مثله من حديث أبي موسى).

 

7- عن أبي موسى الأشعريّ -رضي اللّه عنه- قال: كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يسمّي لنا نفسه أسماء. فقال: “أنا محمّد، وأحمد، والمقفّي، والحاشر، ونبيّ التّوبة، ونبيّ الرّحمة”( مسلم (2355). والمقفّي. المتّبع للأنبياء. والحاشر: أي الذي يحشر الناس خلفه وعلى ملته دون ملة غيره).

 

8- عن أبي هريرة -رضي اللّه عنه- أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: “لمّا خلق اللّه الخلق كتب في كتابه فهو عنده فوق العرش: إنّ رحمتي تغلب غضبي”(رواه البخاري: (7404)، ومسلم (2751) واللفظ له).

 

9- عن سلمان الفارسيّ -رضي اللّه عنه- قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: “إنّ اللّه خلق يوم خلق السّماوات والأرض مائة رحمة، كلّ رحمة طباق ما بين السّماء والأرض. فجعل منها في الأرض رحمة، فبها تعطف الوالدة على ولدها والوحش والطّير بعضها على بعض، فإذا كان يوم القيامة أكملها بهذه الرّحمة”(مسلم (2753).

 

10- عن أبيّ بن كعب -رضي اللّه عنه- قال: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: “قام موسى عليه السّلام خطيبا في بني إسرائيل، فسئل: أيّ النّاس أعلم؟. فقال: أنا أعلم. قال فعتب اللّه عليه إذ لم يردّ العلم إليه ... الحديث. وفي آخره قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: “يرحم اللّه موسى، لوددت أنّه كان صبر حتّى يقصّ علينا من أخبارهما”(رواه البخاري: (3401)، ومسلم (2380) واللفظ له).

 

11- عن أبي موسى الأشعري -رضي اللّه عنه- قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: “إنّ هذه الأمّة مرحومة جعل اللّه عذابها بينها فإذا كان يوم القيامة دفع إلى كلّ امرئ منهم رجل من أهل الأديان، فقال: هذا يكون فداءك من النّار”(الحاكم 4 (444)، وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي، وأحمد (4-408) واللفظ له عن أبي بردة عن أبيه. وشعب الإيمان للبيهقي (2-274) وقال مخرجه في الطبراني الصغير (1-10) حديث (5)، وقال الألباني في الصحيحة (2-685): الحديث صحيح).

 

12- عن النّعمان بن بشير- رضي اللّه عنهما- قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: “ترى المؤمنين في تراحمهم وتوادّهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى عضو تداعى له سائر جسده بالسّهر والحمّى”(رواه البخاري: (6011) واللفظ له، ومسلم (2586).

 

13- عن أبي هريرة -رضي اللّه عنه- قال: قال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: “تحاجّت الجنّة والنّار، فقالت النّار: أوثرت بالمتكبّرين والمتجبّرين. وقالت الجنّة: ما لي لا يدخلني إلّا ضعفاء النّاس وسقطهم؟ قال اللّه تبارك وتعالى للجنّة: أنت رحمتي أرحم بك من أشاء من عبادي. وقال للنّار: إنّما أنت عذاب أعذّب بك من أشاء من عبادي. ولكلّ واحدة منهما ملؤها. فأمّا النّار فلا تمتلأ حتّى يضع رجله فتقول: قط قط قط، فهنالك تمتلأ ويزوى بعضها إلى بعض. ولا يظلم اللّه- عزّ وجلّ- من خلقه أحدا. وأمّا الجنّة فإنّ اللّه عزّ وجلّ ينشأ لها خلقا”(رواه البخاري: (4850) واللفظ له، ومسلم (2846).

 

14- عن أبي هريرة -رضي اللّه عنه- قال: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: “جعل اللّه الرّحمة مائة جزء، فأمسك عنده تسعة وتسعين. وأنزل في الأرض جزءا واحدا، فمن ذلك الجزء تتراحم الخلائق. حتّى ترفع الدّابّة حافرها عن ولدها خشية أن تصيبه”(رواه البخاري: (6000)، ومسلم (2752) واللفظ له).

 

15- عن عائشة- رضي اللّه عنها- قالت: جاء أعرابيّ إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فقال: تقبّلون الصّبيان فما نقبّلهم، فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: “أو أملك لك أن نزع اللّه من قلبك الرّحمة”(رواه البخاري: (5998) واللفظ له، ومسلم (2317).

 

16- عن أبي سعيد الخدريّ -رضي اللّه عنه- عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم ذكر رجلا فيمن كان سلف- أو قبلكم- آتاه اللّه مالا وولدا، يعني أعطاه. قال: فلمّا حضر . قال لبنيه: أيّ أب كنت لكم؟. قالوا: خير أب. قال: فإنّه لم يبتئر عند اللّه خيرا». فسّرها قتادة: لم يدّخر. “وإن يقدم على اللّه يعذّبه. فانظروا، فإذا متّ فأحرقوني، حتّى إذا صرت فحما فاسحقوني. أو قال فاسهكوني - ثمّ إذا كان ريح عاصف فأذروني فيها، فأخذ مواثيقهم على ذلك وربّي. ففعلوا. فقال اللّه: كن، فإذا رجل قائم، ثمّ قال: أي عبدي، ما حملك على ما فعلت؟ قال: مخافتك. أو فرق منك ، فما تلافاه أن رحمه اللّه”(رواه البخاري: (6481) واللفظ له، ومسلم (2757).

 

17- عن جابر بن عبد اللّه- رضي اللّه عنهما- قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: “رحم اللّه رجلا سمحا إذا باع، وإذا اشترى، وإذا اقتضى”(رواه البخاري: (2076).

 

18- عن أبي هريرة -رضي اللّه عنه- قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: “رحم اللّه رجلا قام من اللّيل فصلّى، ثمّ أيقظ امرأته فصلّت، فإن أبت نضح في وجهها الماء، ورحم اللّه امرأة قامت من اللّيل فصلّت، ثمّ أيقظت زوجها فصلّى، فإن أبى نضحت في وجهه الماء”(أبو داود (1308)، وقال الألباني في صحيح النسائي (1519): حسن صحيح واللفظ له، وابن ماجة (1336).

 

19- عن عبد اللّه بن عمر- رضي اللّه عنهما- قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: “رحم اللّه المحلّقين». قالوا: والمقصّرين يا رسول اللّه. قال: “رحم اللّه المحلّقين». قالوا: والمقصّرين يا رسول اللّه. قال: “رحم اللّه المحلّقين». قالوا: والمقصّرين يا رسول اللّه. قال: “والمقصّرين”(رواه البخاري: (1727)، ومسلم (1301) واللفظ له).

 

20- عن عبد اللّه بن عمرو بن العاص- رضي اللّه عنهما- قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: “الرّاحمون يرحمهم الرّحمن، ارحموا أهل الأرض يرحمكم من في السّماء”(أبو داود (4941) واللفظ له، والترمذي (1924) وقال: هذا حديث حسن صحيح، وقال مخرج جامع الأصول (5-515): الحديث صحيح بشواهده).

 

21- عن عائشة- رضي اللّه عنها- قالت: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: “سدّدوا وقاربوا وأبشروا، فإنّه لا يدخل أحدا الجنّة عمله»، قالوا: ولا أنت يا رسول اللّه؟ قال: “ولا أنا، إلّا أن يتغمّدني اللّه بمغفرة ورحمة”(رواه البخاري: (6467) واللفظ له. ومسلم (2816).

 

22- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: “بينما كلب يطيف بركية كاد يقتله العطش إذ رأته بغي من بغايا بني إسرائيل فنزعت موقها فسقته فغفر لها به”(صحيح مسلم (5998).

 

23- عن عائشة رضي الله عنها قالت: “أعتم النَّبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة، حتَّى ذهب عامَّة اللَّيل، وحتَّى نام أهل المسجد، ثُمَّ خرج فصلَّى، فقال: إنَّه لوقتها، لولا أن أشقَّ على أمَّتي”(رواه مسلم: (638).

 

24- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إذا صلى أحدكم للنَّاس فليخفِّف، فإنَّ في النَّاس الضَّعيف والسَّقيم وذا الحاجة”(رواه البخاري: 703، ومسلم: 467).

 

25- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “مَن كانَ يُؤْمِنُ باللهِ واليَومِ الآخِرِ فلا يُؤْذِي جارَهُ، واسْتَوْصُوا بالنِّساءِ خَيْرًا، فإنّهُنَّ خُلِقْنَ مِن ضِلَعٍ، وإنّ أعْوَجَ شيءٍ في الضِّلَعِ أعْلاهُ، فإنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهُ كَسَرْتَهُ، وإنْ تَرَكْتَهُ لَمْ يَزَلْ أعْوَجَ، فاسْتَوْصُوا بالنِّساءِ خَيْرًا”(أخرجه البخاري: ٥١٨٥ واللفظ له، ومسلم: ٤٧).

 

26- عن أسامة بن زيد رضي اللّه عنهما قال: أَرسلت ابنة النَّبي صلى الله عليه وسلم إليه: إنَّ ابنًا لي قبض، فأتنا. فأرسل يقرأ السَّلام ويقول: “إنَّ للَّه ما أخذ، وله ما أعطى، وكلٌّ عنده بأجل مسمَّى. فلتصبر ولتحتسب”. فأرسلت إليه تُقسم عليه ليأتينَّها. فقام ومعه سعد بن عبادة، ومعاذ بن جبل، وأبيُّ ابن كعب، وزيد بن ثابت، ورجال، فرُفع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصَّبيُّ ونفسه تتقعقع، قال حسبته أنَّه قال: كأنَّها شنٌّ، ففاضت عيناه. فقال سعد: يا رسول الله ما هذا؟ فقال: “هذه رحمة جعلها الله في قلوب عباده، وإنَّما يرحم الله من عباده الرَّحماء”(رواه البخاري: 1284، ومسلم: 923).

 

27- عن المعرور بن سويد رحمه الله تعالى قال: لقيت أبا ذرٍّ بالرَّبذة وعليه حلَّة ، وعلى غلامه حلَّة، فسألته عن ذلك فقال: إنِّي ساببت رجلًا فعيَّرته بأمِّه، فقال لي النَّبي صلى الله عليه وسلم: “يا أبا ذر أعيَّرته بأمِّه؟ إنَّك امرؤ فيك جاهليَّة، إخوانكم خولكم جعلهم الله تحت أيديكم، فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه ممَّا يأكل، وليلبسه ممَّا يلبس، ولا تكلِّفوهم ما يغلبهم، فإن كلَّفتموهم فأعينوهم”(رواه البخاري: 30، ومسلم: 1661).

 

28- عن عائشة رضي اللّه عنها زوج النَّبي صلى الله عليه وسلم أنَّها قالت للنَّبي صلى الله عليه وسلم: هل أتى عليك يوم كان أشدَّ من يوم أحد؟ قال: “لقد لقيت من قومك ما لقيت، وكان أشدَّ ما لقيت منهم يوم العقبة، إذ عرضت نفسي على ابن عبد يا ليل بن عبد كلال، فلم يجبني إلى ما أردت فانطلقت. وأنا مهموم على وجهي، فلم أستفق إلَّا وأنا بقرن الثَّعالب، فرفعت رأسي، فإذا أنا بسحابة قد أظلَّتني، فنظرت فإذا فيها جبريل، فناداني، فقال: إنَّ الله قد سمع قول قومك لك وما ردُّوا عليك، وقد بعث الله إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم. فناداني ملك الجبال فسلَّم عليَّ، ثمَّ قال: يا محمَّد، فقال: ذلك فيما شئت، إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين. فقال النَّبي صلى الله عليه وسلم: بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله لا يشرك به شيئًا”(رواه البخاري: 3231).

 

29- عن عبد الله بن جعفر رضي الله عنه قال: أردفني رسول الله صلى الله عليه وسلم خلفه ذات يوم، فأسرَّ إليَّ حديثًا لا أحدث به أحدًا من النَّاس، وكان أحب ما استتر به رسول الله صلى الله عليه وسلم لحاجته هدفًا أو حائش نخل، قال: فدخل حائطًا لرجل من الأنصار فإذا جمل، فلما رأى النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم حنَّ وذرفت عيناه، فأتاه النَّبي صلى الله عليه وسلم فمسح ذفراه، فسكت، فقال: “من رب هذا الجمل؟ لمن هذا الجمل؟” فجاء فتى من الأنصار فقال: لي يا رسول الله. فقال: “أفلا تتقي الله في هذه البهيمة التي ملَّكك الله إياها؟ فإنه شكا إليَّ أنك تجيعه وتدئبه”(روى مسلم: 342 أوله، وأبو داود: 2549 واللفظ له).

 

30- عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: كنَّا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر، فانطلق لحاجته فرأينا حُمرة معها فرخان، فأخذنا فرخيها، فجاءت الحُمرةُ فجعلت تفرِش، فجاء النَّبي صلى الله عليه وسلم فقال: “من فجع هذه بولدها؟ ردُّوا ولدها إليها، ورأى قرية نمل قد حرقناها، فقال: من حرَّق هذه؟ قلنا: نحن، قال: إنَّه لا ينبغي أن يعذِّب بالنَّار إلَّا ربُّ النَّار”(رواه أبو داود: 2675، وصححه الألباني).

 

31- عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، أنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم: كان يقوم يوم الجمعة إلى شجرة أو نخلة، فقالت امرأة من الأنصار، أو رجل: يا رسول الله، ألا نجعل لك منبرًا؟ قال: “إن شئتم”. فجعلوا له منبرًا، فلما كان يوم الجمعة دفع إلى المنبر، فصاحت النخلة صياح الصبي، ثم نزل النَّبي صلى الله عليه وسلم فضمَّه إليه، تئنُّ أنين الصبي الذي يسكن، قال: “كانت تبكي على ما كانت تسمع من الذكر عندها”(رواه البخاري: 3584).

 

32- عن عائشة رضي الله عنها قالت: جاءتني مسكينة تحمل ابنتين لها، فأطعمتها ثلاث تمرات، فأعطت كل واحدة منهما تمرة، ورفعت إلى فيها تمرة لتأكلها، فاستطعمتها ابنتاها، فشقت التمرة، التي كانت تريد أن تأكلها بينهما، فأعجبني شأنها، فذكرت الذي صنعت لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "إنَّ الله قد أوجب لها بها الجنة، أو أعتقها بها من النار"(رواه مسلم: 2630).

 

الاثار

1- عن أسامة بن زيد- رضي اللّه عنهما- قال: كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يأخذني فيقعدني على فخذه ويقعد الحسن بن عليّ على فخذه الآخر، ثمّ يضمّهما، ثمّ يقول: “اللّهمّ ارحمهما فإنّي أرحمهما”(رواه البخاري: (6003).

 

2- عن عوف بن مالك الأشجعيّ -رضي اللّه عنه- قال: صلّى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم على جنازة فحفظت من دعائه وهو يقول: “اللّهمّ اغفر له وارحمه، وعافه واعف عنه، وأكرم نزله، ووسّع مدخله، واغسله بالماء والثّلج والبرد، ونقّه من الخطايا كما نقّيت الثّوب الأبيض من الدّنس، وأبدله دارا خيرا من داره، وأهلا خيرا من أهله، وزوجا خيرا من زوجه، وأدخله الجنّة، وأعذه من عذاب القبر (أو من عذاب النّار)». قال: حتّى تمنّيت أن أكون أنا ذلك الميّت. (رواه مسلم: (963).

 

3- عن عمر بن الخطّاب -رضي اللّه عنه- قال: قدم على النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم سبي فإذا امرأة من السّبي تحلب ثديها تسقي إذا وجدت صبيّا في السّبي أخذته فألصقته ببطنها وأرضعته. فقال لنا النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: “أترون هذه طارحة ولدها في النّار؟». قلنا: لا، وهي تقدر على أن لا تطرحه. فقال: “للّه أرحم بعباده من هذه بولدها”(رواه البخاري: (5999) واللفظ له، ومسلم (2754).

 

4- عن أبي هريرة -رضي اللّه عنه- أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: “اللّهمّ إنّي أتّخذ عندك عهدا لن تخلفنيه. فإنّما أنا بشر. فأيّ المؤمنين آذيته، شتمته، لعنته، جلدته، فاجعلها له صلاة وزكاة وقربة تقرّبه بها إليك يوم القيامة”(رواه البخاري: (6361)، ومسلم (2601) واللفظ له).

 

5- عن مالك بن الحويرث -رضي اللّه عنه- قال: أتينا النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم ونحن شببة متقاربون، فأقمنا عنده عشرين ليلة، فظنّ أنّا اشتقنا أهلنا، وسألنا عمّن تركنا في أهلنا فأخبرناه، وكان رقيقا رحيما، فقال: “ارجعوا إلى أهليكم فعلّموهم، ومروهم، وصلّوا كما رأيتموني أصلّي، وإذا حضرت الصّلاة فليؤذّن لكم أحدكم، ثمّ ليؤمّكم أكبركم”(رواه البخاري: (6008) واللفظ له، ومسلم (674).

 

6- عن أبي هريرة -رضي اللّه عنه- قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: “إذا عطس أحدكم فليقل الحمد للّه، وليقل له أخوه- أو صاحبه- يرحمك اللّه، فإذا قال يرحمك اللّه، فليقل يهديكم اللّه ويصلح بالكم”(رواه البخاري: (6224)، ومسلم (2992) مثله من حديث أبي موسى).

 

7- عن أبي موسى الأشعريّ -رضي اللّه عنه- قال: كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يسمّي لنا نفسه أسماء. فقال: “أنا محمّد، وأحمد، والمقفّي، والحاشر، ونبيّ التّوبة، ونبيّ الرّحمة”( مسلم (2355). والمقفّي. المتّبع للأنبياء. والحاشر: أي الذي يحشر الناس خلفه وعلى ملته دون ملة غيره).

 

8- عن أبي هريرة -رضي اللّه عنه- أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: “لمّا خلق اللّه الخلق كتب في كتابه فهو عنده فوق العرش: إنّ رحمتي تغلب غضبي”(رواه البخاري: (7404)، ومسلم (2751) واللفظ له).

 

9- عن سلمان الفارسيّ -رضي اللّه عنه- قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: “إنّ اللّه خلق يوم خلق السّماوات والأرض مائة رحمة، كلّ رحمة طباق ما بين السّماء والأرض. فجعل منها في الأرض رحمة، فبها تعطف الوالدة على ولدها والوحش والطّير بعضها على بعض، فإذا كان يوم القيامة أكملها بهذه الرّحمة”(مسلم (2753).

 

10- عن أبيّ بن كعب -رضي اللّه عنه- قال: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: “قام موسى عليه السّلام خطيبا في بني إسرائيل، فسئل: أيّ النّاس أعلم؟. فقال: أنا أعلم. قال فعتب اللّه عليه إذ لم يردّ العلم إليه ... الحديث. وفي آخره قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: “يرحم اللّه موسى، لوددت أنّه كان صبر حتّى يقصّ علينا من أخبارهما”(رواه البخاري: (3401)، ومسلم (2380) واللفظ له).

 

11- عن أبي موسى الأشعري -رضي اللّه عنه- قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: “إنّ هذه الأمّة مرحومة جعل اللّه عذابها بينها فإذا كان يوم القيامة دفع إلى كلّ امرئ منهم رجل من أهل الأديان، فقال: هذا يكون فداءك من النّار”(الحاكم 4 (444)، وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي، وأحمد (4-408) واللفظ له عن أبي بردة عن أبيه. وشعب الإيمان للبيهقي (2-274) وقال مخرجه في الطبراني الصغير (1-10) حديث (5)، وقال الألباني في الصحيحة (2-685): الحديث صحيح).

 

12- عن النّعمان بن بشير- رضي اللّه عنهما- قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: “ترى المؤمنين في تراحمهم وتوادّهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى عضو تداعى له سائر جسده بالسّهر والحمّى”(رواه البخاري: (6011) واللفظ له، ومسلم (2586).

 

13- عن أبي هريرة -رضي اللّه عنه- قال: قال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: “تحاجّت الجنّة والنّار، فقالت النّار: أوثرت بالمتكبّرين والمتجبّرين. وقالت الجنّة: ما لي لا يدخلني إلّا ضعفاء النّاس وسقطهم؟ قال اللّه تبارك وتعالى للجنّة: أنت رحمتي أرحم بك من أشاء من عبادي. وقال للنّار: إنّما أنت عذاب أعذّب بك من أشاء من عبادي. ولكلّ واحدة منهما ملؤها. فأمّا النّار فلا تمتلأ حتّى يضع رجله فتقول: قط قط قط، فهنالك تمتلأ ويزوى بعضها إلى بعض. ولا يظلم اللّه- عزّ وجلّ- من خلقه أحدا. وأمّا الجنّة فإنّ اللّه عزّ وجلّ ينشأ لها خلقا”(رواه البخاري: (4850) واللفظ له، ومسلم (2846).

 

14- عن أبي هريرة -رضي اللّه عنه- قال: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: “جعل اللّه الرّحمة مائة جزء، فأمسك عنده تسعة وتسعين. وأنزل في الأرض جزءا واحدا، فمن ذلك الجزء تتراحم الخلائق. حتّى ترفع الدّابّة حافرها عن ولدها خشية أن تصيبه”(رواه البخاري: (6000)، ومسلم (2752) واللفظ له).

 

15- عن عائشة- رضي اللّه عنها- قالت: جاء أعرابيّ إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فقال: تقبّلون الصّبيان فما نقبّلهم، فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: “أو أملك لك أن نزع اللّه من قلبك الرّحمة”(رواه البخاري: (5998) واللفظ له، ومسلم (2317).

 

16- عن أبي سعيد الخدريّ -رضي اللّه عنه- عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم ذكر رجلا فيمن كان سلف- أو قبلكم- آتاه اللّه مالا وولدا، يعني أعطاه. قال: فلمّا حضر . قال لبنيه: أيّ أب كنت لكم؟. قالوا: خير أب. قال: فإنّه لم يبتئر عند اللّه خيرا». فسّرها قتادة: لم يدّخر. “وإن يقدم على اللّه يعذّبه. فانظروا، فإذا متّ فأحرقوني، حتّى إذا صرت فحما فاسحقوني. أو قال فاسهكوني - ثمّ إذا كان ريح عاصف فأذروني فيها، فأخذ مواثيقهم على ذلك وربّي. ففعلوا. فقال اللّه: كن، فإذا رجل قائم، ثمّ قال: أي عبدي، ما حملك على ما فعلت؟ قال: مخافتك. أو فرق منك ، فما تلافاه أن رحمه اللّه”(رواه البخاري: (6481) واللفظ له، ومسلم (2757).

 

17- عن جابر بن عبد اللّه- رضي اللّه عنهما- قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: “رحم اللّه رجلا سمحا إذا باع، وإذا اشترى، وإذا اقتضى”(رواه البخاري: (2076).

 

18- عن أبي هريرة -رضي اللّه عنه- قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: “رحم اللّه رجلا قام من اللّيل فصلّى، ثمّ أيقظ امرأته فصلّت، فإن أبت نضح في وجهها الماء، ورحم اللّه امرأة قامت من اللّيل فصلّت، ثمّ أيقظت زوجها فصلّى، فإن أبى نضحت في وجهه الماء”(أبو داود (1308)، وقال الألباني في صحيح النسائي (1519): حسن صحيح واللفظ له، وابن ماجة (1336).

 

19- عن عبد اللّه بن عمر- رضي اللّه عنهما- قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: “رحم اللّه المحلّقين». قالوا: والمقصّرين يا رسول اللّه. قال: “رحم اللّه المحلّقين». قالوا: والمقصّرين يا رسول اللّه. قال: “رحم اللّه المحلّقين». قالوا: والمقصّرين يا رسول اللّه. قال: “والمقصّرين”(رواه البخاري: (1727)، ومسلم (1301) واللفظ له).

 

20- عن عبد اللّه بن عمرو بن العاص- رضي اللّه عنهما- قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: “الرّاحمون يرحمهم الرّحمن، ارحموا أهل الأرض يرحمكم من في السّماء”(أبو داود (4941) واللفظ له، والترمذي (1924) وقال: هذا حديث حسن صحيح، وقال مخرج جامع الأصول (5-515): الحديث صحيح بشواهده).

 

21- عن عائشة- رضي اللّه عنها- قالت: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: “سدّدوا وقاربوا وأبشروا، فإنّه لا يدخل أحدا الجنّة عمله»، قالوا: ولا أنت يا رسول اللّه؟ قال: “ولا أنا، إلّا أن يتغمّدني اللّه بمغفرة ورحمة”(رواه البخاري: (6467) واللفظ له. ومسلم (2816).

 

22- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: “بينما كلب يطيف بركية كاد يقتله العطش إذ رأته بغي من بغايا بني إسرائيل فنزعت موقها فسقته فغفر لها به”(صحيح مسلم (5998).

 

23- عن عائشة رضي الله عنها قالت: “أعتم النَّبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة، حتَّى ذهب عامَّة اللَّيل، وحتَّى نام أهل المسجد، ثُمَّ خرج فصلَّى، فقال: إنَّه لوقتها، لولا أن أشقَّ على أمَّتي”(رواه مسلم: (638).

 

24- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إذا صلى أحدكم للنَّاس فليخفِّف، فإنَّ في النَّاس الضَّعيف والسَّقيم وذا الحاجة”(رواه البخاري: 703، ومسلم: 467).

 

25- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “مَن كانَ يُؤْمِنُ باللهِ واليَومِ الآخِرِ فلا يُؤْذِي جارَهُ، واسْتَوْصُوا بالنِّساءِ خَيْرًا، فإنّهُنَّ خُلِقْنَ مِن ضِلَعٍ، وإنّ أعْوَجَ شيءٍ في الضِّلَعِ أعْلاهُ، فإنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهُ كَسَرْتَهُ، وإنْ تَرَكْتَهُ لَمْ يَزَلْ أعْوَجَ، فاسْتَوْصُوا بالنِّساءِ خَيْرًا”(أخرجه البخاري: ٥١٨٥ واللفظ له، ومسلم: ٤٧).

 

26- عن أسامة بن زيد رضي اللّه عنهما قال: أَرسلت ابنة النَّبي صلى الله عليه وسلم إليه: إنَّ ابنًا لي قبض، فأتنا. فأرسل يقرأ السَّلام ويقول: “إنَّ للَّه ما أخذ، وله ما أعطى، وكلٌّ عنده بأجل مسمَّى. فلتصبر ولتحتسب”. فأرسلت إليه تُقسم عليه ليأتينَّها. فقام ومعه سعد بن عبادة، ومعاذ بن جبل، وأبيُّ ابن كعب، وزيد بن ثابت، ورجال، فرُفع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصَّبيُّ ونفسه تتقعقع، قال حسبته أنَّه قال: كأنَّها شنٌّ، ففاضت عيناه. فقال سعد: يا رسول الله ما هذا؟ فقال: “هذه رحمة جعلها الله في قلوب عباده، وإنَّما يرحم الله من عباده الرَّحماء”(رواه البخاري: 1284، ومسلم: 923).

 

27- عن المعرور بن سويد رحمه الله تعالى قال: لقيت أبا ذرٍّ بالرَّبذة وعليه حلَّة ، وعلى غلامه حلَّة، فسألته عن ذلك فقال: إنِّي ساببت رجلًا فعيَّرته بأمِّه، فقال لي النَّبي صلى الله عليه وسلم: “يا أبا ذر أعيَّرته بأمِّه؟ إنَّك امرؤ فيك جاهليَّة، إخوانكم خولكم جعلهم الله تحت أيديكم، فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه ممَّا يأكل، وليلبسه ممَّا يلبس، ولا تكلِّفوهم ما يغلبهم، فإن كلَّفتموهم فأعينوهم”(رواه البخاري: 30، ومسلم: 1661).

 

28- عن عائشة رضي اللّه عنها زوج النَّبي صلى الله عليه وسلم أنَّها قالت للنَّبي صلى الله عليه وسلم: هل أتى عليك يوم كان أشدَّ من يوم أحد؟ قال: “لقد لقيت من قومك ما لقيت، وكان أشدَّ ما لقيت منهم يوم العقبة، إذ عرضت نفسي على ابن عبد يا ليل بن عبد كلال، فلم يجبني إلى ما أردت فانطلقت. وأنا مهموم على وجهي، فلم أستفق إلَّا وأنا بقرن الثَّعالب، فرفعت رأسي، فإذا أنا بسحابة قد أظلَّتني، فنظرت فإذا فيها جبريل، فناداني، فقال: إنَّ الله قد سمع قول قومك لك وما ردُّوا عليك، وقد بعث الله إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم. فناداني ملك الجبال فسلَّم عليَّ، ثمَّ قال: يا محمَّد، فقال: ذلك فيما شئت، إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين. فقال النَّبي صلى الله عليه وسلم: بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله لا يشرك به شيئًا”(رواه البخاري: 3231).

 

29- عن عبد الله بن جعفر رضي الله عنه قال: أردفني رسول الله صلى الله عليه وسلم خلفه ذات يوم، فأسرَّ إليَّ حديثًا لا أحدث به أحدًا من النَّاس، وكان أحب ما استتر به رسول الله صلى الله عليه وسلم لحاجته هدفًا أو حائش نخل، قال: فدخل حائطًا لرجل من الأنصار فإذا جمل، فلما رأى النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم حنَّ وذرفت عيناه، فأتاه النَّبي صلى الله عليه وسلم فمسح ذفراه، فسكت، فقال: “من رب هذا الجمل؟ لمن هذا الجمل؟” فجاء فتى من الأنصار فقال: لي يا رسول الله. فقال: “أفلا تتقي الله في هذه البهيمة التي ملَّكك الله إياها؟ فإنه شكا إليَّ أنك تجيعه وتدئبه”(روى مسلم: 342 أوله، وأبو داود: 2549 واللفظ له).

 

30- عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: كنَّا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر، فانطلق لحاجته فرأينا حُمرة معها فرخان، فأخذنا فرخيها، فجاءت الحُمرةُ فجعلت تفرِش، فجاء النَّبي صلى الله عليه وسلم فقال: “من فجع هذه بولدها؟ ردُّوا ولدها إليها، ورأى قرية نمل قد حرقناها، فقال: من حرَّق هذه؟ قلنا: نحن، قال: إنَّه لا ينبغي أن يعذِّب بالنَّار إلَّا ربُّ النَّار”(رواه أبو داود: 2675، وصححه الألباني).

 

31- عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، أنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم: كان يقوم يوم الجمعة إلى شجرة أو نخلة، فقالت امرأة من الأنصار، أو رجل: يا رسول الله، ألا نجعل لك منبرًا؟ قال: “إن شئتم”. فجعلوا له منبرًا، فلما كان يوم الجمعة دفع إلى المنبر، فصاحت النخلة صياح الصبي، ثم نزل النَّبي صلى الله عليه وسلم فضمَّه إليه، تئنُّ أنين الصبي الذي يسكن، قال: “كانت تبكي على ما كانت تسمع من الذكر عندها”(رواه البخاري: 3584).

 

32- عن عائشة رضي الله عنها قالت: جاءتني مسكينة تحمل ابنتين لها، فأطعمتها ثلاث تمرات، فأعطت كل واحدة منهما تمرة، ورفعت إلى فيها تمرة لتأكلها، فاستطعمتها ابنتاها، فشقت التمرة، التي كانت تريد أن تأكلها بينهما، فأعجبني شأنها، فذكرت الذي صنعت لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "إنَّ الله قد أوجب لها بها الجنة، أو أعتقها بها من النار"(رواه مسلم: 2630).

 

القصص

1- عمر بن الخطاب رضي الله عنه الذي عرف بشدَّته، وقوَّته، تغير الرَّحْمَة من طباعه، فيصبح رقيقًا يمتلأ قلبه رحمةً، ويفيض فؤاده شفقةً، ومما يدل على ذلك قوله لعبد الرحمن بن عوف حينما أتاه يكلمه في أن يلين لهم لأنَّه أخاف النَّاس حتى خاف الأبكار في خدورهن، فقال: "إني لا أجد لهم إلَّا ذلك، والله لو أنهم يعلمون ما لهم عندي، من الرَّأفة، والرَّحْمَة، والشفقة، لأخذوا ثوبي عن عاتقي"(المجالسة وجواهر العلم؛ لأبي بكر الدينوري (4/43) (1199).

 

2- اشتهى عمر رضي الله عنه الحوت يومًا، فقال: لقد خطر على قلبي شهوة الطري من حيتان، فخرج يرفأ، في طلب الحوت لعمر رضي الله عنه، ورحل راحلته، فسار ليلتين مدبرًا، وليلتين مقبلًا، واشترى مكتلًا، وجاء بالحوت، ثم غسل يرفأ الدابة، فنظر إليها عمر فرأى عرقًا تحت أذنها، فقال: عذبت بهيمة من البهائم في شهوة عمر، لا والله لا يذوقه عمر، عليك بمكتلك (رواه أحمد (1/319) (443)، وابن عساكر (44-301).

 

3- كتب عمر بن عبد العزيز رحمه الله إلى حيَّان بمصر: "إنَّه بلغني أنَّ بمصر إبلًا نقالات، يحمل على البعير منها ألف رطل، فإذا أتاك كتابي هذا، فلا أعرفنَّ أنَّه يحمل على البعير أكثر من ستمائة رطل، وكتب إلى صاحب السكك أن لا يحملوا أحدًا بلجام ثقيل من هذه الرستنية، ولا ينخس بمقرعة في أسفلها حديدة"(سيرة عمر بن عبد العزيز على ما رواه الإمام مالك بن أنس وأصحابه؛ لأبي محمد المصري: ص 141).

 

4- قال عمر بن علي البزار: "وحدَّثني من أثق به أنَّ الشيخ رضي الله عنه [يعني ابن تيمية] كان مارًّا يومًا في بعض الأزقَّة فدعا له بعض الفقراء، وعرف الشيخ حاجته، ولم يكن مع الشيخ ما يعطيه، فنزع ثوبًا على جلده ودفعه إليه، وقال: بعه بما تيسر وأنفقه. واعتذر إليه من كونه لم يحضر عنده شيء من النفقة"(الأعلام العلية في مناقب ابن تيمية؛ لسراج الدين: 65).

 

الاشعار

1- قال الشّاعر:

فآمنوا بنبيّ لا أبا لكم *** ذي خاتم صاغه الرّحمن مختوم

رأف رحيم بأهل البرّ يرحمهم *** مقرّب عند ذي الكرسيّ مرحوم

(لسان العرب (3-1536).

 

2- ورحم الله من قال:

قضى الله أن لا تعبدوا غيره حتما *** فيا ويح شخص غير خالقه أما

وأوصاكموا بالوالدين فبالغوا *** ببرهما فالأجر في ذاك والرحما

فكم بذلا من رأفة ولطافة *** وكم منحا وقت احتياجك من نعما

وأمك كم باتت بثقلك تشتكي*** تواصل مما شقها البؤس والغما

وفي الوضع كم قاست وعند ولادها *** مشقا يذيب الجلد واللحم والعظما

وكم سهرت وجدا عليك جفونها *** وأكبادها لهفا بجمر الأسى تحمى

وكم غسلت عنك الأذى بيمينها *** حنوا واشفاقا وأكثرت الضما

فضيعتها لما أسنت جهالة *** وضقت بها ذرعا وذوقتها سما

وبت قرير العين ريان ناعما *** مكبا على اللذات لا تسمع اللوما

وأمك في جوع شديد وغربة *** تلين لها مما بها الصخرة الصما

أهذا جزاها بعد طول عنائها *** لأنت لذو جهل وأنت إذا أعمى

 

3- قال أبو القاسم ابن عساكر:

بادرْ إلى الخيرِ يا ذا اللبِّ مغتنمًا *** ولا تكنْ مِن قليلِ العرفِ محتشما

واشكرْ لمولاك ما أولاك من نعمٍ *** فالشكرُ يستوجبُ الإفضالَ والكرما

وارحمْ بقلبِك خلقَ الله وارعَهُم *** فإنَّما يرحمُ الرحمنُ مَن رَحِما

(بريقة محمودية؛ لأبي سعيد الخادمي: 3-45)

 

4- قال زين الدين العراقي:

إنْ كنتَ لا ترحمُ المسكينَ إن عَدِما *** ولا الفقيرَ إذا يشكو لك العَدما

فكيف ترجو من الرحمنِ رحمتَه *** وإنَّما يرحمُ الرحمنُ من رَحِما

(الأفكار؛ لحسين بن محمد المهدي: 2-171)

 

5- قال أبو الفضل ابن حجر:

إنَّ منْ يرحمُ أهلَ الأرضِ قد *** جاءنا يرحمه من في السَّما

فارحمِ الخلقَ جميعًا إنَّما *** يرحمُ الرحمنُ منَّا الرُّحما

(الضوء اللامع؛ للسخاوي: 8-137)

 

6- قال أبو الفتح محمد بن أحمد الكندي:

سامحْ أخاك الدَّهرَ مهما بدَتْ *** منه ذنوبٌ وقعُها يعظُمُ

وارحمْ لتلقَى رحمةً في غدٍ *** فربُّنا يرحمُ مَن يرحمُ

 

7- قال ابن يعقوب:

إن كنتَ ترجو مِن الرحمنِ رحمتَه *** فارحمْ ضعافَ الورَى يا صاحِ محترمًا

واقصدْ بذلك وجهَ اللهِ خالقِنا *** سبحانَه مِن إلهٍ قد برى النَّسما

واطلبْ جزا ذاك مِن مولاك رحمتَه *** فإنَّما يرحمُ الرحمنُ مَن رحِما

 

8- قال ابن الشوائطي:

بادرْ إلى الخيرِ يا ذا اللبِّ واللسنِ *** واشكرْ لربِّك ما أولى مِن المننِ

وارحمْ بقلبِك خلقَ اللهِ كلَّهم *** يُنلْك رحمته في الموقفِ الخشنِ

 

الدراسات

1- في فرنسا 95% من ضحايا العنف هن من النساء، 51% منهن نتيجة تعرضهن للضرب من قبل أزواجهن أو أصدقائهن.

 

- في كندا 60% من الرجال يمارسون العنف، 66% تتعرض العائلة كلها للعنف.

 

- في الهند 8 نساء من بين كل 10 نساء هن ضحايا للعنف، سواء العنف الأسري أو القتل.

 

- في البيرو 70% من الجرائم المسجلة لدى الشرطة هي لنساء تعرضن للضرب من قبل أزواجهن.

 

- أن زهاء 60% من النساء التركيات فوق سن الخامسة عشرة تعرضن للعنف أو الضرب أو الإهانة أو الإذلال، على أيدي رجال من داخل أسرهن، سواء من الزوج أو الخطيب أو الصديق أو الأب أو والد الزوج)! وأشارت الدراسة إلى أن (50%) من النسبة الآنفة يتعرضن للضرب بشكل مستمر، وأن (40%) منهن يرجعن السبب في ذلك لظروف اقتصادية وتناول الكحوليات وأن (25%) فقط من أولئك النساء اللاتي يتعرضن للضرب يقمن بالرد على العنف بعنف مماثل، في حين أن (10%) فقط منهن يتركن المنزل احتجاجاً على العنف الذي يتعرضن له..)، والغريب: (أن (70%) من هؤلاء السيدات اللاتي يتعرضن للضرب لا يحبذن الطلاق حفاظاً على مستقبل الأولاد، في حين أن (15%) فقط منهن لا يطلبن الطلاق بسبب حبهن لأزواجهن).

 

- وفي الولايات المتحدة: يعتبر الضرب والعنف الجسدي السبب الرئيسي في الإصابات البليغة للنساء.

 

وقال خبراء صحة أمريكيون: إن واحدة من كل ثلاث نساء في العالم، تعاني من مشكلات صحية خطيرة لها علاقة بتعرضها للضرب أو الاغتصاب أو إشكال أخرى من العنف.

 

ووجد باحثون من كلية الصحة العامة ومركز الصحة والمساواة بين الجنسين في جامعة جون هوبكنز عدداً مثيراً للدهشة من النساء يعانين من مشكلات صحية بسبب التعرض للعنف أثناء حياتهن.

 

وذكر التقرير: أن العنف الجسدي في العلاقات الودية يصاحبه دائماً انتهاك نفسي ومزيد من العنف الجنسي.

 

وأشار الباحثون إلى أنهم وجدوا أن ضحايا العنف أكثر عرضة للإصابة بمشكلات صحية من بينها الألم المزمن وسوء استخدام العقاقير والكحول والاكتئاب ومحاولات الانتحار.

 

وقالت ميغان غوتيمويلر التي ساهمت في كتابة التقرير والباحثة في جامعة جون هوبكنز يمكن إرجاع عدد كبير من مشكلات النساء الصحية حول العالم لبعض أشكال العنف بأكثر ما كان يعتقد.

 

واستند التقرير إلى بيانات جمعت من أكثر من 500 دراسة مستقلة أجريت حول العالم (النبأ الالكترونية، كن رحيما ولا تكن قاسيًا، كتبه: أبو عبد الرحمن سلطان علي (1/27).

 

 

 

2- على الرغم من أنّ وفيات الأطفال الناجمة عن الإساءة أو الإهمال نادرة نسبيا، فإن معدل ضحايا الأطفال نتيجة القسوة، الذي أكّدته وكالة الخدمات الوقائية للطفل (سي بي أس)، زاد بثبات خلال العقد الماضي. وقد ذكر النظام الوطني لبيانات الإهمال والاعتداء على الأطفال (ncands) أنه في عام 1997 كان هناك ما يقارب 1,196 طفل ضحية، أو 1.7 طفل لكلّ 100,000 في تعداد السكان العام (هذا التقدير كان مستندًا إلى تقارير من 41 ولاية أبلغت عما مجموعه 967 ضحية).

 

وقد ذكرت اللجنة الاستشارية الأمريكية للإهمال والاعتداء على الطفل في عار أمّة: الإهمال والاعتداء القاتل على الأطفال في الولايات المتّحدة، أن تقديرًا أكثر واقعية لوفيات الأطفال السنوية كنتيجة للإساءة والإهمال، المعروفة وغير المعروفة لوكالات خدمات الطفل الوقائية، كان حوالي 2,000، أو تقريبا خمسة أطفال يوميًا. ويعتقد الخبراء مثل رايان ريني من المركز الوطني لادعاء الاعتداء على الأطفال أنّ عدد وفيات الأطفال سنويًا بسبب القسوة قد يصل إلى 5000.

 

يدعم البحث أن الأطفال الصغار جدا (عمر 5 سنوات وأصغر) هم الضحايا الأكثر تكرارا من ضحايا الأطفال. وقد وضحت بيانات (ncands) لعام 1997 من مجموعة ولايات أنّ الأطفال عمر3 سنوات أوأصغر يمثلون 77 بالمائة من الضحايا. وهؤلاء هم الأكثر تضررًا للعديد من الأسباب التي تتضمّن صغر حجمهم وعدم قدرتهم على الدفاع عن أنفسهم.

 

ويحدث الاعتداء القاتل عادة بإحدى طريقين: الاعتداء المتكرّر أو الإهمال لفترة زمنية (انتهاك عرض طفل) أو في حادثة اعتداء مندفعة واحدة (غرق، خنق، أو هزّ الطفل الرضيع، على سبيل المثال)، (كن رحيما ولا تكن قاسيًا، كتبه: أبو عبد الرحمن سلطان علي(1/27).

 

 

متفرقات

1- قال الفيروز آبادي -رحمه اللّه تعالى-: “الرّحمة سبب واصل بين اللّه وبين عباده، بها أرسل إليهم رسله، وأنزل عليهم كتبه، وبها هداهم، وبها أسكنهم دار ثوابه، وبها رزقهم وعافاهم” (بصائر ذوي التمييز (3/55).

 

2- قال ابن حجر تعليقا علي حديث: “من لا يرحم لا يرحم” قال ابن بطّال: فيه الحضّ على استعمال الرّحمة لجميع الخلق فيدخل المؤمن والكافر والبهائم المملوك منها وغير المملوك، ويدخل في الرحمة التّعاهد بالإطعام، والسّعي، والتّخفيف في الحمل، وترك التّعدّي بالضّرب” (البخاري - الفتح 10 (455).

 

3- قال الشّيخ عبد الرّحمن بن ناصر السّعديّ -رحمه اللّه تعالى-: “إنّ الشّريعة كلّها مبنيّة على الرّحمة في أصولها وفروعها، وفي الأمر بأداء الحقوق سواء كانت للّه أو للخلق، فإنّ اللّه لم يكلّف نفسا إلّا وسعها، وإذا تدبّرت ما شرعه اللّه -عزّ وجلّ- في المعاملات والحقوق الزّوجيّة وحقوق الوالدين والأقربين، والجيران، وسائر ما شرع وجدت ذلك كلّه مبنيّا على الرّحمة، ثمّ قال: لقد وسعت هذه الشّريعة برحمتها وعدلها العدوّ والصّديق، ولقد لجأ إلى حصنها الحصين الموفّقون من الخلق” (الرياض الناضرة والحدائق النيرة الزاهرة في العقائد والفنون المتنوعة الفاخرة (61 - 65) بتصرف).

 

4- يقول شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى-: “العقوبات الشرعية كلها أدوية نافعة يصلح الله بها مرض القلوب، وهي من رحمة الله بعباده، ورأفته بهم، الداخلة في قوله تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ) [الأنبياء: 107]، فمن ترك هذه الرحمة النافعة لرأفة يجدها بالمريض فهو الذي أعان على عذابه وهلاكه، وإن كان لا يريد إلا الخير، إذ هو في ذلك جاهل أحمق، كما يفعله بعض النساء والرجال الجُهَّال بمرضاهم، وبمن يربونه من أولادهم وغلمانهم وغيرهم في ترك تأديبهم وعقوبتهم على ما يأتونه من الشر، ويتركونه من الخير رأفة بهم، فيكون ذلك سبب فسادهم، وعداوتهم، وهلاكهم.

 

ومن الناس من تأخذه الرأفة بهم لمشاركته لهم في ذلك المرض وذوقه ما ذاقوه من قوة الشهوة وبرودة القلب والدياثة، فيترك ما أمر الله به من العقوبة، وهو في ذلك من أظلم الناس وأَدْيَثِهِم في حق نفسه ونظرائه، وهو بمنزلة جماعة من المرضى قد وصف لهم الطبيب ما ينفعهم، فوجد كبيرهم مرارته فترك شربه، ونهى عن سقيه للباقين” (مجموع فتاوى ابن تيمية (التفسير) (3/448).

 

5- يقول عبد الرحمن بن محمد بن قاسم: “وينبغي الإكثار من الصدقة، صدقة التطوع، رحمة للفقراء، إحسان إليهم؛ وذلك من أسباب رحمة الله بعباده، وإحسانه إليهم، وحصول ما طلبوا من ربهم، ورغبوا إليه فيه. وفي الحديث: “الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء” (الترمذي، البر والصلة، رقم (1924)، أبو داود في الأدب، باب في الرحمة (4/285) رقم (4941)، وانظر: صحيح الجامع (3522)، وفي الحديث الآخر: “إنما تنصرون وترزقون بضعفائكم” (البخاري، الجهاد والسير، رقم (2896)، وأحمد (1/173)، الدرر السنية في الأجوبة النجدية، المؤلف: علماء نجد الأعلام، المحقق: عبد الرحمن بن محمد بن قاسم، الطبعة: السادسة، 1417هـ/1996م (14/484).

 

6- يقول الحارث بن زيدان المزيدي: “من رحمة الله أن جعل لصاحب البهيمة أجراً في إطعامِها -وإن كان ماءً-، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: “في كل كبدٍ رطبةٍ أجر” (البخاري رقم (2363) ومسلم رقم (5820)، وقال ابن حجر العسقلاني: “أي الأجرُ ثابتٌ في إرواءِ كلِ كبدٍ حيةٍ” (فتح الباري تحت حديث رقم (2363)، وانظر: إرشاد الأنام لما جاء في الإسلام من حقوق ورحمة بالحيوان، المؤلف: الحارث بن زيدان المزيدي (1/14).

 

7- يقول الحارث بن زيدان المزيدي: “وبلغت رحمة الله بالخلق بأن جعل الأجر في الزرع الذي يزرعه المسلم إذا أكل منه الحيوان، وهذا فضلٌ عظيمٌ وبابٌ من الأجرِ كبير وحثٌ على عدم البُخلِ وتغطيةِ كل المزروعاتِ، ما لم تكن للتجارة كما يفعله الكثيرُ اليوم مع النخل وغيره، فيقومون بتغطية جميعِ الثمارِ لكي لا يأكلهُ الطير وغيره ، فهؤلاء قد فاتهم أجرٌ كثير لبُخلِهم هذا، فالنبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: “ما مِن مسلمٍ يغرِسُ غرساً أو يزرعُ نخلاً فيأكلُ منه طيرٌ أو إنسانٌ أو بهيمةٌ إلا كان له به صدقة” (البخاري رقم(2320) ومسلم رقم(3950).

 

ومن حُسنِ إطعامِ الدوابِ: أن الرجل إذا خرج على دابته مسافراً -وهو نادرٌ اليوم- أوقاطعاً لمسافة طويلة ورأى في طريقه عُشباً أو غِذاءً لها فلِيقف ولِيُدعها تأكل، أما إن كان الطريقُ صحراوياً لاغِذاء لها فيه فليُسرع ليبلُغ غايته ويُطعِمها قبل أن تضعف في الطريق. هذا ما أرشد إليه الشرع، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: “إذا سافرتم في الخِصبِ فأعطوا الأبل حظها من الأرض، وإذا سافرتم في السنةِ فأسرعوا عليها السير...” (رواه مسلم رقم(4936)، السنة: القحطُ (انظر: إرشاد الأنام لما جاء في الإسلام من حقوق ورحمة بالحيوان، المؤلف: الحارث بن زيدان المزيدي(1/15).

 

7- قال الشيخ ابن باز -رحمه الله- أن الحيوان: عرضةٌ لأنواعٍ كثيرة من المتاعب عند شحنِه ونقلِه بكمياتٍ كبيرةٍ خلال مسافاتٍ طويلة ربما ينتِجُ عنها تزاحمٌ مُهلكٌ لضعيفها وجوعٌ وعطشٌ وتفشي الأمراض فيها وحالاتٌ أخرى ُمضرة تستوجب النظر السريع والدراسة الجادة من أولياء الأمور بوضع ترتيبات مريحة شاملة لوسائل النقل والترحيل والإغاثة من إطعامٍ وسقي، وغير ذلك من تهويةٍ وعلاجٍ وفصلِ الضعيفِ عن القوي الخطر، وهذا اليوم شيءٌ ممكن للمؤسسات المستثمرة والأفراد والشركات المصدرة والمستوردة، وهو من واجب نفقتها على ُملاكِها ومن هي تحت يده بالمعروف” (مجموع فتاوى الشيخ ابن باز (3/1178).

 

8- قال ابن القيّم: “ومن رحمته سبحانه: ابتلاء الخلق بالأوامر والنّواهي رحمة لهم وحميّة لا حاجة منه إليهم بما أمرهم به. ومن رحمته: أن نغّص عليهم الدّنيا وكدّرها؛ لئلّا يسكنوا إليها ولا يطمئنّوا إليها ويرغبوا عن النّعيم المقيم في داره وجواره، فساقهم إليها بسياط الابتلاء والامتحان فمنعهم ليعطيهم، وابتلاهم ليعافيهم، وأماتهم ليحييهم.

 

ومن رحمته بهم: أن حذّرهم نفسه؛ لئلّا يغترّوا به فيعاملوه بما لا تحسن معاملته به.

 

ومن رحمته أن أنزل لهم كتبا، وأرسل لهم الرّسل لكنّ النّاس افترقوا إلى فريقين:

 

فأمّا المؤمنون فقد اتّصل الهدى في حقّهم بالرّحمة فصار القرآن لهم هدى ورحمة.

 

وأمّا الكافرون فلم يتّصل الهدى بالرّحمة فصار لهم القرآن هدى بلا رحمة.

 

وهذه الرّحمة المقارنة للهدى في حقّ المؤمنين رحمة عاجلة وآجلة، فأمّا العاجلة فما يعطيهم اللّه في الدّنيا من محبّة الخير والبرّ وذوق طعم الإيمان ووجدان حلاوته، والفرح والسّرور والأمن والعافية، قال تعالى: (قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) [يونس: 58] فأمرهم عزّ وجلّ بأن يفرحوا بفضله ورحمته، فهم يتقلّبون في نور هداه ويمشون به في النّاس ويرون غيرهم متحيّرا في الظّلمات، فهم أشدّ الناس فرحا بما آتاهم ربّهم من الهدى والرّحمة. وغيرهم جمع الهمّ والغمّ والبلاء والألم والقلق والاضطراب مع الضّلال والحيرة.

 

وهذه الرّحمة الّتي تحصل للمهتدين تكون بحسب هداهم، فكلّما كان نصيب الواحد من الهدى أتمّ كان حظّه من الرّحمة أوفر، فتجد الصّحابة كانوا أرحم الأمّة؛ كما قال تعالى: (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ) [الفتح: 29].

 

والصّدّيق أرحم الأمّة بالأمّة فقد جمع اللّه له بين سعة العلم وسعة الرّحمة.

 

وهكذا الرّجل كلّما اتّسع علمه اتّسعت رحمته، وقد وسع ربّنا كلّ شيء رحمة وعلما فوسعت رحمته كلّ شيء، وأحاط بكلّ شيء علما، فهو أرحم بعباده من الوالدة بولدها، بل هو أرحم بالعبد من نفسه، كما هو أعلم بمصلحة العبد من نفسه (بتصرف شديد من إغاثة اللهفان(2/172 - 175)، انظر: حكمة الابتلاء بالضراء في المجلد الأول، ص(12).

 

9- إن الدين، وما تضمن من شرائع هو رحمة الله بالخلق. وما بالله حاجة إلى أحد من العالمين. وقد تسمع لغطا جهولا حول قسوة العقوبات التي جاء بها الشرع الحكيم. كأن الله يتشفى بالحدود والقصاص ممن أساء إليه، أو كأن له ثأر عند من قتل، أو سرق فهو ينكل به؟ لتهدأ نفسه، سبحانه وتعالى عما يفترى الأفاكون.

 

والحقيقة أن العقوبات السماوية رحمة بالناس وبر بالمجتمع.

 

إن الله إذا أرخص دم قاتل، فلكي يحقن ألوف الدماء، وإذا أرخص يد سارق، فلكي يزرع الأمان في الأرض.

 

ولعل أكذب شيء في الأرض هذه العاطفة التي تسمع صداها يتردد بين الحين والحين أن ألغوا عقوبة الإعدام، أو انسوا ما أنزل الله من حدود، والاستجابة لهذه المشاعر الطفلة هو انتزاع للعدل والأمان من آفاق الأرض وإشاعة للطغيان والعدوان في كل مكان.

 

إن شرائع الله -منذ بعث بها المرسلين- هي نداء الرحمة العاقلة، وقد بين الله في كتابه العزيز أنه أباح لبني إسرائيل الطيبات، فلما بغوا ونزعت عروقهم إلى الجريمة شدد عليهم. ثم قال مبينا حكمة ما صنع: (فَإِن كَذَّبُوكَ فَقُل رَّبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ وَلاَ يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ) [الأنعام: 147]، وإذا كان القانون السماوي يبطش بفرد أثيم، فهو يصرح بأن الغرض إحاطة الجماعة الإنسانية كلها بسياج يحفظ عليها الحياة والطمأنينة: (مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا) [المائدة: 32]، نعم، إنه عدوان عام على البشرية كلها، يوشك -إن لم يوقف بالقصاص الحاسم- أن يحصدها فردا فردا” (هذا ديننا؛ لمحمد الغزالي، (1-202)، وانظر: ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب لعلكم تتقون، ص(247).

 

10- قال ابن القيّم -رحمه اللّه تعالى-: “الرّحمة سبب واصل بين اللّه -عزّ وجلّ- وبين عباده، بها أرسل إليهم رسله، وأنزل عليهم كتبه، وبها هداهم، وبها يسكنهم دار ثوابه، وبها رزقهم وعافاهم وأنعم عليهم، فبينهم وبينه سبب العبوديّة، وبينه وبينهم سبب الرّحمة” (التفسير القيم، ص(35).

 

11- قال محمد بن إبراهيم بن عبد الله التويجري: “ومن رحمة الله بالخلق وعنايته بهم أن بعث إليهم الرسل تبين الحق وتميزه من الباطل، بحيث يصير مشهوداً للقلب كشهود العين للمرئيات، وهذه المرتبة هي حجة الله على خلقه، والتي لا يعذب أحداً ولا يضله إلا بعد وصوله إليها، كما قال سبحانه: (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) [التوبة: 115] (موسوعة فقه القلوب لمحمد بن إبراهيم بن عبد الله التويجري (3-2695).

 

12- يقول عبد الكريم زيدان: “وتشريع العقاب الدنيوي في الشريعة الإسلامية من مظاهر رحمة الله بعباده؛ لأنه يزجر الإنسان عن ارتكاب الجريمة فيتخلص من الإثم. وإذا وقع في الجريمة، فإن العقوبة في حقه بمنزلة الكي بالنسبة للمريض المحتاج إليه، وبمنزلة قطع العضو المتآكل، فإن بهذا القطع وذلك الكي مصلحة له وإبقاء لحياته، وإيقافاً للمرض من السراية وإهلاك الجسم كله، كما أن في هذا العقاب للمجرم مصلحة مؤكدة للمجتمع كما أشرنا من قبل لما يترتب عليه من اطمئنان الناس على حياتهم وأموالهم وإخافة للمجرمين، وهذه المصلحة العامة يهون معها الضرر الذي يصيب المجرم بسبب ما جنت يداه” (أصول الدعوة، الدكتور عبد الكريم زيدان (1-317).

 

13- قال ابن تيمية: “إنَّ دين الله هو طاعته، وطاعة رسوله، المبني على محبَّته ومحبَّة رسوله، وأن يكون الله ورسوله أحبَّ إليه ممَّا سواهما؛ فإنَّ الرَّأفة والرَّحمة يحبُّهما اللَّه ما لم تكن مضيِّعةً لدين الله”(مجموع الفتاوى: (15-290).

 

14- قال ابن تيمية: “ما يفعله بعض النِّساء والرِّجال الجهَّال بمرضاهم، وبمن يربُّونه من أولادهم، وغلمانهم، وغيرهم، في ترك تأديبهم وعقوبتهم، على ما يأتونه من الشَّرِّ ويتركونه من الخير رأفةً بهم، فيكون ذلك سبب فسادهم وعداوتهم وهلاكهم”( مجموع الفتاوى: (15-291).

 

15- قال ابن القيم: “إنَّ الرَّحْمَة، صفة تقتضي إيصال المنافع والمصالح إلى العبد، وإن كرهتها نفسه، وشقَّت عليها، فهذه هي الرَّحْمَة الحقيقية، فأرحم النَّاس بك من شقَّ عليك في إيصال مصالحك ودفع المضار عنك، فمن رحمة الأب بولده: أن يكرهه على التأدب بالعلم والعمل، ويشق عليه في ذلك بالضرب وغيره، ويمنعه شهواته التي تعود بضرره، ومتى أهمل ذلك من ولده كان لقلة رحمته به، وإن ظن أنَّه يرحمه، ويرفهه، ويريحه، فهذه رحمة مقرونة بجهل كرحمة الأم”(إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان: (2-174).

 

16- قال عبد الرحمن السعدي: “والرَّحْمَة التي يتصف بها العبد نوعان:

النوع الأول: رحمة غريزيَّة، قد جبل الله بعض العباد عليها، وجعل في قلوبهم الرَّأفة والرَّحْمَة والحنان على الخلق، ففعلوا بمقتضى هذه الرَّحْمَة، جميع ما يقدرون عليه من نفعهم، بحسب استطاعتهم، فهم محمودون، مثابون على ما قاموا به، معذورون على ما عجزوا عنه، وربما كتب الله لهم بنياتهم الصادقة ما عجزت عنه قواهم.

والنوع الثاني: رحمة يكتسبها العبد بسلوكه كل طريق ووسيلة، تجعل قلبه على هذا الوصف، فيعلم العبد أنَّ هذا الوصف من أجلِّ مكارم الأخلاق وأكملها، فيجاهد نفسه على الاتصاف به، ويعلم ما رتب الله عليه من الثواب، وما في فواته من حرمان الثواب؛ فيرغب في فضل ربه، ويسعى بالسبب الذي ينال به ذلك، ويعلم أنَّ الجزاء من جنس العمل، ويعلم أنَّ الأخوَّة الدينية والمحبة الإيمانية، قد عقدها الله وربطها بين المؤمنين، وأمرهم أن يكونوا إخوانًا متحابين، وأن ينبذوا كل ما ينافي ذلك من البغضاء، والعداوات، والتدابر”(بهجة قلوب الأبرار: (270).

 

قال السعدي معلقًا على هذين الحديثين: “ومن ذلك ما هو مشاهد مجرب، أنَّ من أحسن إلى بهائمه بالإطعام، والسقي، والملاحظة النافعة، أنَّ الله يبارك له فيها، ومن أساء إليها، عوقب في الدنيا قبل الآخرة، وقال تعالى: (مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا) [المائدة: 32] ، وذلك لما في قلب الأول من القسوة، والغلظة، والشر، وما في قلب الآخر من الرَّحْمَة والرقة والرَّأفة، إذ هو بصدد إحياء كل من له قدرة على إحيائه من النَّاس، كما أنَّ ما في قلب الأول من القسوة، مستعد لقتل النفوس كلها”(بهجة قلوب الأبرار: (1-190).

 

قال السعدي: “فلا يزال العبد يتعرف الأسباب التي يدرك بها هذا الوصف الجليل، ويجتهد في التحقق به، حتى يمتلئ قلبه من الرَّحْمَة، والحنان على الخلق. ويا حبذا هذا الخلق الفاضل، والوصف الجليل الكامل، وهذه الرَّحْمَة التي في القلوب، تظهر آثارها على الجوارح واللسان، في السعي في إيصال البر، والخير، والمنافع إلى النَّاس، وإزالة الأضرار والمكاره عنهم”(بهجة قلوب الأبرار).

 

قال السعدي عن عَلَامة وجود الرَّحْمَة في قلب العبد: (وعلامة الرَّحْمَة الموجودة في قلب العبد، أن يكون محبًّا لوصول الخير لكافة الخلق عمومًا، وللمؤمنين خصوصًا، كارهًا حصول الشر والضرر عليهم، فبقدر هذه المحبة والكراهة تكون رحمته”(بهجة قلوب الأبرار: (1-189).

 

قال مصطفى لطفي المنفلوطي: (إن الرَّحْمَة كلمة صغيرة.. ولكن بين لفظها ومعناها من الفرق مثل ما بين الشمس في منظرها، والشمس في حقيقتها.

لو تراحم النَّاس لما كان بينهم جائع، ولا مغبون، ولا مهضوم، ولأقفرت الجفون من المدامع، ولاطمأنت الجنوب في المضاجع، ولمحت الرَّحْمَة الشقاء من المجتمع، كما يمحو لسان الصبح مداد الظلام.

أيُّها الإنسان ارحم الأرملة التي مات عنها زوجها، ولم يترك لها غير صبية صغار، ودموع غزار، ارحمها قبل أن ينال اليأس منها، ويعبث الهم بقلبها، فتؤثر الموت على الحياة.

ارحم الزوجة أم ولدك، وقعيدة بيتك، ومرآة نفسك، وخادمة فراشك؛ لأنَّها ضعيف؛ ولأنَّ الله قد وكل أمرها إليك، وما كان لك أن تكذب ثقته بك.

ارحم ولدك وأحسن القيام على جسمه، ونفسه، فإنَّك إلا تفعل قتلته أو أشقيته فكنت أظلم الظالمين.

ارحم الجاهل، لا تتحين فرصة عجزه عن الانتصاف لنفسه، فتجمع عليه بين الجهل والظلم، ولا تتخذ عقله متجرًا تربح فيه، ليكون من الخاسرين.

ارحم الحيوان؛ لأنَّه يحس كما تحس، ويتألم كما تتألم، ويبكي بغير دموع ويتوجع.

ارحم الطير لا تحبسها في أقفاصها، ودعها تهيم في فضائها حيث تشاء، وتقع حيث يطيب لها التغريد والتنقير، إنَّ الله وهبها فضاء لا نهاية له، فلا تغتصبها حقها، فتضعها في محبس لا يسع مد جناحها، أطلق سبيلها وأطلق سمعك وبصرك وراءها، لتسمع تغريدها فوق الأشجار، وفي الغابات، وعلى شواطئ الأنهار، وترى منظرها وهي طائرة في جو السماء، فيخيَّل إليك أنَّها أجمل من منظر الفلك الدائر، والكوكب السيَّار.

أيها السعداء أحسنوا إلى البائسين والفقراء، وامسحوا دموع الأشقياء، وارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء"(مؤلفات مصطفى لطفي المنفلوطي الكاملة: 88).

 

الإحالات

1- الرحمة في حياة الرسول؛ لراغب السرجاني.

 

2- الرحمة والعظمة في السيرة النبوية؛ لمحمد بن إبراهيم الحمد.