ردة

2022-10-05 - 1444/03/09

التعريف

الردة لغة:

الرّدّة مصدر قولهم: ردّ يردّ ردّا وردّة، وقيل الرّدّة الاسم من الارتداد، وكلّ ذلك مأخوذ من مادّة (ردد) الّتي تدلّ على رجع الشّيء، تقول: رددت الشّيء أردّه ردّا (رجعته)، وسمّي المرتدّ بذلك لأنّه ردّ نفسه إلى كفره والأصل في ذلك قولهم: شاة مردّ وناقة مردّة، وذلك إذا أضرعت كأنّها لم تكن ذات لبن فردّ عليها، أو ردّت هي لبنها.

وقال الرّاغب: الرّدّ: صرف الشّيء بذاته أو بحالة من أحواله، ومن الرّدّ بالذّات قوله تعالى: (وَلَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ) [الأنعام: 128] ومن الرّدّ إلى حالة كان عليها قوله سبحانه: (وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ) [يونس: 107] .

والارتداد والرّدّة: الرّجوع؛ لكن الرّدّة تختصّ بالرّجوع إلى الكفر، والارتداد يستعمل فيه وفي غيره، وقول اللّه تعالى: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ) [المائدة: 54] الارتداد هو الرّجوع من الإسلام إلى الكفر. وقال الطّبريّ: من يرجع منكم عن دينه الحقّ الّذي هو عليه اليوم فيبدّله ويغيّره بدخوله في الكفر، إمّا في النّصرانيّة أو اليهوديّة أو غير ذلك من صنوف الكفر [انظر الطبري (4/ 266)، الصحاح (2/ 472)]، وقال القرطبيّ: كانت ردّتهم على قسمين: قسم نبذ الشّريعة كلّها وخرج عنها، وقسم نبذ وجوب الزّكاة واعترف بوجوب غيرها [تفسير القرطبي (3/ 142) ومقاييس اللغة (2/ 386) والمفردات (192)] والارتداد: الرّجوع ومنه المرتدّ، وشيء ردّ أي رديء، وقال ابن منظور: الرّدّ: صرف الشّيء ورجعه، وردّه عن وجه يردّه ردّا ومردّا أو تردادا: صرفه، وهو بناء للتّكثير.

وقد ارتدّ وارتدّ عنه: تحوّل. وقال الخطّابيّ رحمه اللّه تعالى: الرّدّة اسم لغويّ لكلّ من انصرف عن أمر كان مقبلا عليه. وتقول: ردّ عليه الشّيء إذا لم يقبله وكذلك إذا خطّأه. واسم الفاعل منه: المرتدّ [لسان العرب (3/ 172 175). وشرح مسلم للنووي (1/ 204). وانظر: النهاية لابن الأثير (2/ 213- 217) ].

 

الردة اصطلاحا:

 

قال الكفويّ: الرّدّة: الرّجوع في الطّريق الّذي جاء منه، وكذا الارتداد؛ لكنّ الرّدّة تختصّ بالكفر وهو (أي الارتداد) أعمّ [الكليات (477) ].

وقال ابن قدامة: هي الإتيان بما يخرج عن الإسلام إمّا نطقا أو اعتقادا أو شكّا ينقل عن الإسلام. أمّا المرتدّ فهو الرّاجع عن دين الإسلام [معجم المغنى في الفقه الحنبلي (368) ] .

وقال في الإقناع (المرتدّ): هو الّذي يكفر بعد إسلامه نطقا أو اعتقادا أو شكّا أو فعلا، ولو كان هازلا [مجموعة الرسائل والمسائل النجدية (5/ 853) ]، [وانظر نضرة النعيم في مكارم أخلاق الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم (10/4532) ] .

العناصر

1- تعريف الردة .

2- أقسام الردة وكيف يحذر المسلم منها .

3- حكم المرتد في الدنيا وحكمه في الآخرة .

4- الحكمة من وجوب قتل المرتد .

5- عمل أبي بكر الصديق رضي الله عنه مع المرتدين وأثر ذلك على أمة الإسلام .

6- أسباب والأمور التي تحصل بها الردة .

7- آثار الردة السيئة على الفرد والمجتمع .

الايات

1- قال الله تعالى: (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ قِتالٍ فِيهِ قُلْ قِتالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَإِخْراجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلا يَزالُونَ يُقاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كافِرٌ فَأُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ) [سورة البقرة: 217] .

 

2- قوله تعالى: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقاً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ كافِرِينَ * وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلى عَلَيْكُمْ آياتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) [آل عمران: 100- 101].

 

3- قوله تعالى: (يا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَرْتَدُّوا عَلى أَدْبارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خاسِرِينَ) [المائدة: 21] .

 

4- قوله تعالى: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ يُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ) [المائدة: 54] .

 

5- قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلى أَدْبارِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلى لَهُمْ * ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا ما نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرارَهُمْ * فَكَيْفَ إِذا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبارَهُمْ * ذلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا ما أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمالَهُمْ) [محمد: 25- 28] .

 

6- قوله تعالى: (وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً وَما جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْها إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ وَما كانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ)[سورة البقرة: 143] .

 

7- ثوله تعالى:ى (وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ) [آل عمران: 144] .

 

8- قوله تعالى: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خاسِرِينَ* بَلِ اللَّهُ مَوْلاكُمْ وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ) [آل عمران: 149- 150] .

 

9- قوله تعالى: (قُلْ أَنَدْعُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَنْفَعُنا وَلا يَضُرُّنا وَنُرَدُّ عَلى أَعْقابِنا بَعْدَ إِذْ هَدانَا اللَّهُ كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّياطِينُ فِي الْأَرْضِ حَيْرانَ لَهُ أَصْحابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى ائْتِنا قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدى وَأُمِرْنا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعالَمِينَ) [الأنعام: 71] .

الاحاديث

1- عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف رضي اللّه عنه قال: أشرف عثمان بن عفّان يوم الدّار فقال: أنشدكم باللّه أتعلمون أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «لا يحلّ دم امرىء إلّا بإحدى ثلاث: زنا بعد إحصان، أو ارتداد بعد إسلام، أو قتل نفسا بغير حقّ فقتل به». ثمّ قال: فو اللّه ما زنيت في جاهليّة ولا في إسلام، ولا ارتددت منذ بايعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، ولا قتلت النّفس الّتي حرّم اللّه، فبم تقتلونني؟ [أخرجه النسائي (7/ 92). والترمذي (2158). واللفظ له وأبو داود (4353). وقال محقق جامع الأصول: إسناده صحيح (10/ 215) وله شواهد كثيرة من طريق ابن مسعود وعائشة وابن عباس في الصحيحين وغيرهما] .

 

2- عن أنس بن مالك رضي اللّه عنه قال: إنّ ناسا من عرينة قدموا على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم المدينة فاجتووها فقال لهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «إن شئتم أن تخرجوا إلى إبل الصّدقة فتشربوا من ألبانها وأبوالها» ففعلوا فصحّوا. ثمّ مالوا على الرّعاة فقتلوهم، وارتدّوا عن الإسلام، وساقوا ذود رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فبلغ ذلك النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فبعث في أثرهم، فأتي بهم، فقطع أيديهم وأرجلهم، وسمل أعينهم، وتركهم في الحرّة حتّى ماتوا [البخاري- الفتح 12 (6802). ومسلم (1671) واللفظ له] .

 

3- عن ابن عبّاس رضي اللّه عنهما قال: كان رجل من الأنصار أسلم ثمّ ارتدّ ولحق بالشّرك ثمّ تندّم فأرسل إلى قومه سلوا لي رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم. هل لي من توبة؟ فجاء قومه إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقالوا: إنّ فلانا قد ندم وإنّه أمرنا أن نسألك هل له من توبة؟ فنزلت (كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْماً كَفَرُوا بَعْدَ إِيمانِهِمْ) إلى قوله: (غَفُورٌ رَحِيمٌ) [آل عمران: 86- 89) فأرسل إليه فأسلم [أخرجه النسائي (7/ 107) واللفظ له. وذكره الألباني في صحيح النسائي برقم (3792) وقال: صحيح الإسناد، الحاكم (4/ 366) وقال: صحيح الإسناد] .

 

4- عن ابن عبّاس رضي اللّه عنهما قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «لا ترتدّوا بعدي كفّارا يضرب بعضكم رقاب بعض» [أخرجه البخاري- الفتح 13 (7079) ] .

 

5- عن ثوبان قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «إنّ اللّه زوى لي الأرض»، أو قال: «إنّ ربّي زوى لي الأرض، فرأيت مشارقها ومغاربها، وإنّ ملك أمّتي سيبلغ ما زوي لي منها، وأعطيت الكنزين الأحمر والأبيض، وإنّي سألت ربّي لأمّتي: أن لا يهلكها بسنة بعامّة، ولا يسلّط عليهم عدوّا من سوى أنفسهم، فيستبيح بيضتهم، وإنّ ربّي قال لي: يا محمّد! إنّي إذا قضيت قضاء فإنّه لا يردّ، ولا أهلكهم بسنة بعامّة، ولا أسلّط عليهم عدوّا من سوى أنفسهم، فيستبيح بيضتهم، لو اجتمع عليهم من بين أقطارها- أو قال بأقطارها- حتّى يكون بعضهم يهلك بعضا، وحتّى يكون بعضهم يسبي بعضا. وإنّما أخاف على أمّتي الأئمّة المضلّين، وإذا وضع السّيف في أمّتي لم يرفع عنها إلى يوم القيامة، ولا تقوم السّاعة حتّى تلحق قبائل من أمّتي بالمشركين. وحتّى تعبد قبائل من أمّتي الأوثان، وإنّه سيكون في أمّتي كذّابون ثلاثون، كلّهم يزعم أنّه نبيّ، وأنا خاتم النّبيّين، لا نبيّ بعدي، ولا تزال طائفة من أمّتي على الحقّ ظاهرين، لا يضرّهم من خالفهم حتّى يأتي أمر اللّه» [مسلم (2889) وأبو داود (4252)، وصححه الألباني (3577) واللفظ له] .

الاثار

1- كتب أبو بكر الصديق رضي الله عنه مع القادة المسلمين كتابا جاء فيه:... قد بلغني رجوع من رجع منكم عن دينه بعد أن أقرّ بالإسلام وعمل به، اغترارا باللّه تعالى، وجهالة بأمره، وإجابة للشّيطان ...، وإنّي بعثت إليكم فلانا في جيش من المهاجرين والأنصار والتّابعين لهم بإحسان وأمرته ألّا يقاتل أحدا ولا يقتله حتّى يدعوه إلى داعية اللّه، فمن استجاب له وأقرّ وكفّ وعمل صالحا، قبل منه ذلك وأعانه عليه، ومن أبى أمرت أن يقاتله على ذلك، ثمّ لا يبقي على أحد منهم قدر عليه، وأن يحرقهم بالنّار ويقتلهم كلّ قتلة، وأن يسبي النّساء والذّراريّ ولا يقبل من أحد إلّا الإسلام، فمن اتّبعه فهو خير له، ومن تركه فلن يعجز اللّه، وقد أمرت رسولي أن يقرأ كتابي في كلّ مجمع لكم، والدّاعية الأذان، فإذا أذّن المسلمون فأذّنوا كفّوا عنهم، وإن لم يؤذّنوا عاجلوهم، وإن أذّنوا اسألوهم ما عليهم، فإن أبوا عاجلوهم وإن أقرّوا قبل منهم [انظر نص كتاب أبي بكر رضي اللّه عنه كاملا في فتوح البلدان (3/ 250) وما بعدها] .

 

2- يقول ابن مسعود رضي اللّه عنه: لقد قمنا بعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم مقاما كدنا نهلك فيه لولا أنّ اللّه منّ علينا بأبي بكر، .. عزم اللّه له على قتال المرتدّين، فو اللّه ما رضي منهم إلّا بالخطّة المجزية أو الحرب المجلية ...[انظر كلام ابن مسعود رضي اللّه عنه عاما في فتوح البلدان للبلاذري (100) ] .

 

3- قال شريك العامريّ رحمه اللّه تعالى: قيل لعليّ: إنّ هنا قوما على باب المسجد يدّعون أنّك ربّهم، فدعاهم فقال لهم: ويلكم، ما تقولون؟ قالوا: أنت ربّنا ورازقنا، فقال: ويلكم إنّما أنا عبد مثلكم، آكل الطّعام كما تأكلون، وأشرب كما تشربون، إن أطعت اللّه أثابني إن شاء وإن عصيته خشيت أن يعذّبني، فاتّقوا اللّه وارجعوا، فأبوا، فلمّا كان الغد غدوا عليه فجاء قنبر فقال: قد واللّه رجعوا يقولون ذلك الكلام، فقال: أدخلهم فقالوا كذلك، فلمّا كان الثّالث قال: لئن قلتم ذلك لأقتلنّكم بأخبث قتلة فأبوا إلّا ذلك، فقال: يا قنبر ائتني بفعلة معهم مرورهم فخدّ لهم أخدودا بين باب المسجد والقصر وقال: احفروا فأبعدوا في الأرض، وجاء بالحطب فطرحه بالنّار في الأخدود وقال: إنّي طارحكم فيها أو ترجعوا، فأبوا أن يرجعوا فقذف بهم فيها حتّى إذا احترقوا قال: إنّي إذا رأيت أمرا منكرا *** أوقدت ناري ودعوت قنبرا [الفتح (12/ 282) وقال الحافظ: سنده حسن] .

القصص

1- عن أبي موسى رضي اللّه عنه قال: أقبلت إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ومعي رجلان من الأشعريّين، أحدهما عن يميني والآخر عن يساري ورسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يستاك، فكلاهما سأل فقال: يا أبا موسى، أو يا عبد اللّه بن قيس، قال: قلت: والّذي بعثك بالحقّ ما أطلعاني على ما في أنفسهما، وما شعرت أنّهما يطلبان العمل- فكأنّي أنظر إلى سواكه تحت شفته قلصت- فقال: «لن،- أو لا- نستعمل على عملنا من أراده، ولكن اذهب أنت يا أبا موسى- أو يا عبد اللّه بن قيس- إلى اليمن، ثمّ أتبعه معاذ بن جبل فلمّا قدم عليه ألقى له وسادة قال: انزل، فإذا رجل عنده موثق. قال: ما هذا؟ قال: كان يهوديّا فأسلم ثمّ تهوّد. قال: اجلس. قال: لا أجلس حتّى يقتل، قضاء اللّه ورسوله (ثلاث مرّات) فأمر به فقتل. ثمّ تذاكرا قيام اللّيل، فقال أحدهما: اللّيل، فقال أحدهما: أمّا أنا فأقوم وأنام، وأرجو في نومتي ما أرجو في قومتي [البخاري- الفتح 12 (6923) ] .

 

2- حكى الجاحظ: لمّا دخل المرتدّ الخراسانيّ على المأمون، وكان قد حمله معه من خراسان حتّى وافى به العراق، قال له المأمون: لأن أستحييك بحقّ أحبّ إليّ من أقتلك بحقّ، ولأن أقبلك بالبراءة أحبّ إليّ من أن أدفعك بالتّهمة، قد كنت مسلما بعد أن كنت نصرانيّا وكنت فيها أتنخ وأيّامك أطول، فاستوحشت ممّا كنت به آنسا ثمّ لم تلبث أن رجعت عنّا نافرا، فخبّرنا عن الشّيء الّذي صار آنس لك من إلفك القديم، وأنسك الأوّل. فإن وجدت عندنا دواء دائك تعالجت به، والمريض من الأطبّاء يحتاج إلى المشاورة. وإن أخطأك الشّفاء ونباعن دائك الدّواء، كنت قد أعذرت ولم ترجع على نفسك بلائمة، فإن قتلناك قتلناك بحكم الشّريعة. أو ترجع أنت في نفسك إلى الاستبصار والثّقة، وتعلم أنّك لم تقصّر في اجتهاد، ولم تفرّط في الدّخول في باب الحزم، قال المرتدّ: أوحشني كثرة ما رأيت من الاختلاف فيكم! قال المأمون: لنا اختلافان: أحدهما كالاختلاف في الأذان وتكبير الجنائز، والاختلاف في التّشهّد وصلاة الأعياد وتكبير التّشريق، ووجوه القراءات واختلاف وجوه الفتيا وما أشبه ذلك. وليس هذا باختلاف، إنّما هو تخيير وتوسعة، وتخفيف من المحنة فمن أذّن مثنى وأقام مثنى لم يؤثّم، ومن أذّن مثنى وأقام فرادى لم يحوّب، لا يتعايرون ولا يتعايبون، أنت ترى ذلك عيانا وتشهد عليه بتاتا. والاختلاف الآخر كنحو اختلافنا في تأويل الآية من كتابنا، وتأويل الحديث عن نبيّنا، مع إجماعنا على أصل التّنزيل، واتّفاقنا على عين الخبر.

فإن كان الّذي أوحشك هذا حتّى أنكرت من أجله هذا الكتاب، فقد ينبغي أن يكون اللّفظ بجميع التّوراة والإنجيل متّفقا على تأويله، كما يكون متّفقا على تنزيله، ولا يكون بين جميع النّصارى واليهود اختلاف في شيء من التّأويلات. وينبغي لك أن لا ترجع إلّا إلى لغة لا اختلاف في تأويل ألفاظها ولو شاء اللّه أن ينزّل كتبه ويجعل كلام أنبيائه وورثة رسله لا يحتاج إلى تفسير لفعل، ولكنّا لم نر شيئا من الدّين والدّنيا دفع إلينا على الكفاية، ولو كان الأمر كذلك لسقطت البلوى والمحنة، وذهبت المسابقة والمنافسة، ولم يكن تفاضل وليس على هذا بنى اللّه الدّنيا. قال المرتدّ: أشهد أنّ اللّه واحد لا ندّ له ولا ولد، وأنّ المسيح عبده، وأنّ محمّدا صادق، وأنّك أمير المؤمنين حقّا! فأقبل المأمون على أصحابه فقال: فروا عليه عرضه، ولا تبرّوه في يومه ريثما يعتق إسلامه؛ كي لا يقول عدوّه إنّه أسلم رغبة، ولا تنسوا بعد نصيبكم من برّه وتأنيبه ونصرته، والعائدة عليه [البيان والتبيين (3/ 375) وما بعدها] .

الاشعار

الدراسات

متفرقات

1- قال عزّ الدّين بليق: قد قسّم بعض العلماء الرّدّة إلى أقسام أربعة: وهي ردّة في الاعتقاد، وردّة في الأقوال، وردّة في الأفعال، وردّة في التّرك. قال: ومن نافلة القول أنّ هذه الأقسام قد تتداخل، فمن اعتقد شيئا فقد يعبّر عنه بلسانه أو بعمل من أعماله وبذلك تتداخل هذه الأقسام [منهاج الصالحين من أحاديث وسنة خاتم الأنبياء والمرسلين (102) ] .

 

2- قال ابن قدامة: من ارتدّ عن الإسلام من الرّجال والنّساء وكان بالغا عاقلا دعي إليه ثلاثة أيّام، وضيّق عليه، فإن رجع (فبها ونعمت) وإلّا قتل [المغني لابن قدامة (10/ 74) ] .

 

3- يقول الطّبريّ: عقد أبو بكر أحد عشر لواء، عقد لخالد بن الوليد وأمره بطليحة بن خويلد (المرتدّ الكذّاب)، فإذا فرغ سار إلى مالك بن نويرة. ولعكرمة ابن أبي جهل وأمره بمسيلمة (الكذّاب)، وللمهاجر ابن أميّة وأمره بجنود العنسيّ (من المرتدّين في اليمن [انظر في أسماء بقية قادة المسلمين، وفي الجهات التي وجهوا إليها، وأسماء زعماء الردة في جزيرة العرب، تاريخ الطبري (3/ 248) وما بعدها] .

 

4- قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه اللّه تعالى: المرتدّ شرّ من الكافر الأصليّ من وجوه كثيرة [مجموع الفتاوى (2/ 193) ] .

 

5- قال الإمام البربهاري رحمه الله: ولا يخرج أحد من أهل القبلة من الإسلام، حتى يرد آية من كتاب الله عز وجل، أو يرد شيئاً من آثار رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أو يذبح لغير الله، أو يصلي لغير الله، وإن فعل شيئاً من ذلك؛ فهو مؤمن ومسلم بالاسم لا بالحقيقة [شرح السنة - البربهاري: ص 73 (50) دار السلف] .

 

6- قال الإمام النووي رحمه الله في تعريف الردة: هي قطع الإسلام، ويحصل ذلك تارة بالقول الذي هو كفر، وتارة بالفعل، والأفعال الموجبة للكفر هي التي تصدر عن تعمد واستهزاء بالدين صريحاً؛ كالسجود للصنم أو للشمس، وإلقاء المصحف في القاذورات، والسحر الذي فيه عبادة الشمس ونحوها. قال الإمام: في بعض التعاليق عن شيخي إن الفعل بمجرده لا يكون كفراً، قال: وهذا زلل عظيم من المعلق ذكرته للتنبيه على غلطه، وتحصل الردة بالقول الذي هو كفر؛ سواء صدر عن اعتقاد أو عناد أو استهزاء [روضة الطالبين- النووي: (10/ 64 ) ] .

 

7- قال الإمام ابن كثير رحمه الله في تفسير قوله تعالى: (مَن كَفَرَ بِاللّهِ مِن بَعْدِ إيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ اللّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ * ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّواْ الْحَيَاةَ الْدُّنْيَا عَلَى الآخِرَةِ وَأَنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ * لاَ جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الآخِرَةِ هُمُ الْخَاسِرونَ) [النحل: 106-109]: أخبر تعالى عمن كفر به بعد الإيمان والتبصر، وشرح صدره بالكفر واطمأن به؛ أنه قد غضب عليه لعلمهم بالإيمان ثم عدولهم عنه، وأن لهم عذاباً عظيماً في الدار الآخرة؛ لأنهم استحبوا الحياة الدنيا على الآخرة، فأقدموا على ما أقدموا عليه من الردة لأجل الدنيا ولم يهد الله قلوبهم ويثبتهم على الدين الحق؛ فطبع على قلوبهم، فهم لا يعقلون بها شيئاً ينفعهم [تفسير القرآن العظيم (2/715) ] .

 

8- قال الإمام الحافظ ابن رجب الحنبلي رحمه الله: فقد يترك دينه، ويفارق الجماعة، وهو مقر بالشهادتين، ويدعي الإسلام؛ كما إذا جحد شيئاً من أركان الإسلام، أو سب الله ورسوله، أو كفر ببعض الملائكة، أو النبيين، أو الكتب المذكورة في القرآن مع العلم بذلك [جامع العلوم والحكم - ابن رجب: شرح الحديث الرابع عشر من الأربعين النووية ] .

 

9- قال الإمام العلامة مرعي بن يوسف الكرمي المقدسي رحمه الله في تعريف الردة: وهو من كفر بعد إسلامه، ويحصل الكفر بأحد أربعة أمور: بالقول كسب الله تعالى ورسوله، أو ملائكته، أو ادعاء النبوة، أو الشرك له تعالى، وبالفعل كالسجود للصنم ونحوه وكإلقاء المصحف في قاذورة، وبالاعتقاد كاعتقاده الشريك له تعالى، أو أن الزنا أو الخمر حلال، أو أن الخبز حرام، ونحو ذلك، ومما أجمع عليه إجماعاً قطعياً، وبالشك في شيء من ذلك [دليل الطالب (1/ 317) ] .

 

10- قال محمَّد بن أحمد بن عماد الأقفهسي الشافعيّ:... نعوذ بالله منها. تحصُل بأحد ثلاثة أشياء : النِّيَّة، والقول، والفعل... فلو نوى قطع الإسلام بقلبه ولم يتلفَّظ ، أو نطق بكلمة كفر ، أو سجد لصنمٍ أو شمسٍ فمرتدٌّ . وسواءً قال ذلك أو فعله اعتقاداً ، أو استهزاءً ، أو عناداً. ... واعلم أَنَّ القول والفعل تارةً يستويان ، وتارةً يكون الفعل أقوى وتارةً يكون القول أقوى. فالأوَّل: كالرِّدَّة، وإِنَّما تحصل بالقول والفعل كما ذكرنا... [الإرشاد إلى ما وقع في الفقه من الأعداد أو الذريعة إلى معرفة الأعداد الواردة في الشريعة (1/553) دار الكتب العلمية . ط1 - 1412ه - باب الرِّدَّة ] .

يقول الشيخ صالح الفوزان: من أنواع الردة الحكم بغير ما أنزل الله، إذا اعتقد أن هذا أمر مباح ، وأنه يجوز أن يحكم بالشريعة، ويجوز أن يحكم بالقوانين، ويقول: المقصود حل النزاعات، وهذا يحصل بالقوانين، ويحصل بالشريعة، فالأمر متساو، نقول: سبحان الله، تجعل حكم الطاغوت مثل حكم الله!! تحكيم شرع الله هذا عبادة لله عز وجل، ليس القصد منه فقط حل النزاع، القصد منه العبادة بتحكيم شرع الله سبحانه وتعالى، وتحكيم غيره شرك، شرك في الطاعة وشرك في الحكم، (أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله )، (وإن أطعتموهم إنكم لمشركون)، (اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله والمسيح ابن مريم). إلى قوله: (سبحانه عما يشركون)، فسماه شركا، فالذي يسوي بين حكم الله وحكم الطاغوت، والطاغوت المراد به: كل حكم غير حكم الله، سواء عوايد البادية، أو أنظمة الكفار، أو قوانين الفرنس أو الانجليز، أو عادات القبائل، كل هذا طاغوت ، وكذا تحكيم الكهان، فالذي يقول: إنهما سواء كافر، وأشد منه من يقول: إن الحكم بغير ما أنزل الله أحسن من الحكم بما أنزل الله ، هذا أشد، فالذي يقول الناس ما يصلح لهم اليوم إلا هذه الأنظمة ، ما يصلح لهم الشرع. الشرع ما يطابق لهذا الزمان، ولا يساير الحضارة، ما يصلح إلا تحكيم القوانين ، ومسايرة العالم، تحكون محاكمنا مثل محاكم العالم، هذا أحسن من حكم الله، هذا أشد كفراً من الذي يقول: إن حكم الله وحكم غيره متساويان، أما إذا حكم بغير ما أنزل الله لهوى في نفسه، أو جهل بما أنزل الله، وهو يعتقد أن حكم الله هو الحق، وهو الواجب ، فهذا فعل كبيرة من كبائر الذنوب ، وذلك كفر دون كفر [رسالة شرح نواقض الإسلام (1/ 223-225) ] .

التحليلات

الإحالات

1- نضرة النعيم في مكارم أخلاق الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم المؤلف : عدد من المختصين بإشراف الشيخ/ صالح بن عبد الله بن حميد إمام وخطيب الحرم المكي الناشر : دار الوسيلة للنشر والتوزيع، جدة الطبعة : الرابعة (10/4532) .

2- الإيمان حقيقته، خوارمه، نواقضه عند أهل السنة والجماعة المؤلف :مراجعة وتقديم فضيلة الشيخ الدكتور عبد الرحمن بن صالح المحمود إعداد عبد الله بن عبد الحميد الأثري (1/127) .

3- تفسير القرآن العظيم المؤلف : أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي الدمشقي (المتوفى : 774هـ) المحقق : محمود حسن الناشر : دار الفكر الطبعة : الطبعة الجديدة 1414هـ/1994م (2/715) .

4- جامع العلوم والحكم المؤلف : أبو الفرج عبد الرحمن بن أحمد بن رجب الحنبلي الناشر : دار المعرفة – بيروت الطبعة الأولى ، 1408ه – الحديث الرابع عشر .

5- التوسط والاقتصاد في أن الكفر يكون بالقول أو العمل أو الاعتقاد المؤلف : علوي بن عبد القادر السَّقَّاف الناشر : دار ابن القيم للنشر والتوزيع – الدمام الطبعة :الأولى، 1420 هـ - 1999 م (1/73) .

6- المفصل في شرح حديث من بدل دينه فاقتلوه إعداد الباحث في القرآن والسنة علي بن نايف الشحود .

7- الفقه الميسر في ضوء الكتاب والسنة المؤلف : مجموعة من المؤلفين الناشر : مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف سنة الطبع : 1424هـ (1/383) .

8- التشريع الجنائي الإسلامي مقارناً بالقانون الوضعي المؤلف : عبد القادر عودة الناشر : دار الكتب العلمية (4/279) بترقيم المكتبة الشاملة .

9- الإيمان لابن منده المؤلف : محمد بن إسحاق بن يحيى بن منده [310 - 395] المحقق : د. علي بن محمد بن ناصر الفقيهي الناشر : مؤسسة الرسالة – بيروت الطبعة : الثانية ، 1406 (1/21) .

10- الولاء والبراء المؤلف : محمد بن سعيد القحطاني تقديم فضيلة الشيخ عبد الرزاق عفيفي (1/60) .