دعوة

2022-10-05 - 1444/03/09

التعريف

الدعوة لغة:

 

تكون مصدرا لقولهم: دعا فلان إلى كذا دعوة، وهو مأخوذ من مادّة (د ع و) الّتي تدلّ كما يقول ابن فارس على: إمالة الشّيء إليك بصوت وكلام يكون منك، وجاء في الصّحاح يقال: دعوت فلانا، أي صحت به واستدعيته، ودعوت اللّه له وعليه دعاء، وتكون الدّعوة (أيضا) المرّة الواحدة من الدّعاء، وتكون أيضا الاسم من قولهم: دعا الرّجل دعوا ودعاء: قال ابن منظور والاسم الدّعوة.

 

والدّعاة: قوم يدعون إلى بيعة هدى أو ضلالة، واحدهم داع، ورجل داعية إذا كان يدعو النّاس إلى بدعة أو دين، والنّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم داعي اللّه تعالى، وكذلك المؤذّن. وفي التّهذيب: المؤذّن داعي اللّه، والنّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم داعي الأمّة إلى توحيد اللّه وطاعته (لسان العرب لابن منظور (14/ 258- 259).

 

قال العلّامة ابن القيّم- رحمه اللّه تعالى-: إذا كانت الدّعوة إلى اللّه أشرف مقامات العبد وأجلّها وأفضلها فهي لا تحصّل إلّا بالعلم الّذي يدعو به وإليه، بل لا بدّ في كمال الدّعوة من البلوغ في العلم،

 

إلى حدّ أقصى يصل إليه السّعي، ويكفي هذا في شرف العلم أنّ صاحبه يحوز به هذا المقام، واللّه يؤتي فضله من يشاء (التفسير القيم (319).

 

قال ابن كثير- رحمه اللّه- في قوله تعالى (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعا إِلَى اللَّهِ: أي دعا عباد اللّه إليه وَعَمِلَ صالِحاً وَقالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ) ]فصّلت: 33]: أي وهو في نفسه مهتد بما يقول فنفعه لنفسه ولغيره لازم ومتعدّ وليس هو من الّذين يأمرون بالمعروف ولا يأتونه وينهون عن المنكر، ويأتونه، بل يأتمر بالخير ويترك الشرّ ويدعو الخلق إلى الخالق تبارك وتعالى، وهذه عامّة في كلّ من دعا إلى خير وهو في نفسه مهتد، ورسوله صلّى اللّه عليه وسلّم أولى النّاس بذلك (تفسير ابن كثير (4-100).

 

الدعوة إلى اللّه اصطلاحا:

هي دعوة النّاس إلى الإسلام بالقول والعمل (تفسير الطبري (11-53).

 

العناصر

1- وجوب الدعوة إلى الله تعالى.

 

2- مكانة الدعوة إلى الله.

 

3- الدعوة السرية والجهرية.

 

4- أنواع الدعوة إلى الله تعالى.

 

5- فضائل الدعوة إلى الله.

 

6- من خصائص الدعوة إلى الله تعالى

 

7- نموذج من دعوة الأنبياء والرسل.

 

8- مفاهيم خاطئة عن الدعوة إلى الله

 

9- صفات الداعية.

 

الايات

1- قول الله تعالى: (قُلْ هذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللَّهِ عَلى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحانَ اللَّهِ وَما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ) [يوسف: 108].

 

2- قوله تعالى: (وَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَفْرَحُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمِنَ الْأَحْزابِ مَنْ يُنْكِرُ بَعْضَهُ قُلْ إِنَّما أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ وَلا أُشْرِكَ بِهِ إِلَيْهِ أَدْعُوا وَإِلَيْهِ مَآبِ) [الرعد: 36].

 

3- قوله تعالى: (ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) [النحل: 125].

 

4- قوله تعالى: (لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنا مَنْسَكاً هُمْ ناسِكُوهُ فَلا يُنازِعُنَّكَ فِي الْأَمْرِ وَادْعُ إِلى رَبِّكَ إِنَّكَ لَعَلى هُدىً مُسْتَقِيمٍ) [الحج: 67].

 

5- قوله تعال: ( وَلا يَصُدُّنَّكَ عَنْ آياتِ اللَّهِ بَعْدَ إِذْ أُنْزِلَتْ إِلَيْكَ وَادْعُ إِلى رَبِّكَ وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) [القصص: 87].

 

6- قوله تعالى: (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً * وَداعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِراجاً مُنِيراً) [ الأحزاب: 45- 46].

 

7- قوله تعالى: (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صالِحاً وَقالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ) [فصلت: 33].

 

8- قوله تعالى: (فَلِذلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ وَقُلْ آمَنْتُ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللَّهُ رَبُّنا وَرَبُّكُمْ لَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ لا حُجَّةَ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ) [الشورى: 15].

 

9- قوله تعالى: (وَيا قَوْمِ ما لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ * تَدْعُونَنِي لِأَكْفُرَ بِاللَّهِ وَأُشْرِكَ بِهِ ما لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ) [غافر: 41- 42].

 

10- قوله تعالى: (قالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهاراً * فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعائِي إِلَّا فِراراً * وَإِنِّي كُلَّما دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْباراً) [نوح: 5-7].

 

11- قوله تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) [المائدة :2].

 

12- قالَ تَعَالَى: (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) [آل عمران:104].

 

13- قالَ تَعَالَى: (إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ أَلَا تَتَّقُونَ * إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ * فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ * وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ * أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ * وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُم مِّنْ أَزْوَاجِكُم بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ * قَالُوا لَئِن لَّمْ تَنتَهِ يَا لُوطُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمُخْرَجِينَ)[الصافات: 161- 167].

 

14- قال تعالى: (يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ)[إبراهيم:10].

 

 

الاحاديث

1- عن أَبي مسعود عُقبةَ بنِ عمرو الأنصاري البدري رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: “مَنْ دَلَّ عَلَى خَيْرٍ فَلَهُ مِثْلُ أجْرِ فَاعِلِهِ”(رواه مسلم: (5007).

 

2- عن أَبي العباس سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه: أنَّ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم، قَالَ يوم خَيبَر: “لأُعْطِيَنَّ الرَّايَةَ غَداً رجلاً يَفْتَحُ الله عَلَى يَدَيهِ، يُحبُّ اللهَ وَرَسولَهُ، ويُحِبُّهُ اللهُ وَرَسُولُهُ”، فَبَاتَ النَّاسُ يَدُوكُونَ لَيْلَتَهُمْ أيُّهُمْ يُعْطَاهَا. فَلَمَّا أصْبَحَ النَّاسُ غَدَوْا عَلَى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم كُلُّهُمْ يَرْجُو أنْ يُعْطَاهَا. فَقَالَ: “أينَ عَلِيُّ ابنُ أَبي طالب؟” فقيلَ: يَا رسولَ الله، هُوَ يَشْتَكي عَيْنَيهِ. قَالَ: “فَأَرْسِلُوا إِلَيْه” فَأُتِيَ بِهِ فَبَصَقَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم في عَيْنَيْهِ، وَدَعَا لَهُ فَبَرِىءَ حَتَّى كأنْ لَمْ يكُن بِهِ وَجَعٌ، فأعْطاهُ الرَّايَةَ. فقَالَ عَليٌّ رضي الله عنه: يَا رَسُول اللهِ، أقاتِلُهمْ حَتَّى يَكُونُوا مِثْلَنَا؟ فَقَالَ: “انْفُذْ عَلَى رِسْلِكَ حَتَّى تَنْزِلَ بسَاحَتهمْ، ثُمَّ ادْعُهُمْ إِلَى الإسْلاَمِ، وَأخْبِرْهُمْ بِمَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ مِنْ حَقِّ اللهِ تَعَالَى فِيهِ، فَوَالله لأَنْ يَهْدِيَ اللهُ بِكَ رَجُلاً وَاحِداً خَيرٌ لَكَ مِنْ حُمْرِ النَّعَم”(صحيح البخاري (3701). قوله: (يَدُوكُونَ): أي يَخُوضُونَ وَيَتَحَدَّثُونَ. وقوله: (رِسْلِكَ) بكسر الراءِ وبفتحها لغتانِ، والكسر أفصح. 3- عن أنس بن مالك أن فتى من أسلم قال يا رسول الله إنى أريد الغزو وليس معى ما أتجهز قال “ ائت فلانا فإنه قد كان تجهز فمرض”. فأتاه فقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرئك السلام ويقول أعطنى الذى تجهزت به قال يا فلانة أعطيه الذى تجهزت به ولا تحبسى عنه شيئا فوالله لا تحبسى منه شيئا فيبارك لك فيه (رواه مسلم (5010).

 

4- عن عبد اللّه بن عبّاس- رضي اللّه عنهما- أنّ أبا سفيان أخبره من فيه إلى فيه، قال: انطلقت في المدّة الّتي كانت بيني وبين رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، قال: فبينا أنا بالشّام إذ جيء بكتاب من رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إلى هرقل يعني عظيم الرّوم، قال: وكان دحية الكلبيّ جاء به فدفعه إلى عظيم بصرى ، فدفعه عظيم بصرى إلى هرقل ... الحديث وفيه: “بسم اللّه الرّحمن الرّحيم، من محمّد رسول اللّه إلى هرقل عظيم الرّوم، سلام على من اتّبع الهدى، أمّا بعد، فإنّي أدعوك بدعاية الإسلام، أسلم تسلم، وأسلم يؤتك اللّه أجرك مرّتين، وإن تولّيت فإنّ عليك إثم الأريسيّين” (قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنا بَعْضاً أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ) [آل عمران: 64] (رواه البخاري: (7)، ومسلم (1773) واللفظ له).

 

5- عن معاذ بن جبل- رضي اللّه عنه- قال: بعثني رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، قال: “إنّك تأتي قوما من أهل الكتاب، فادعهم إلى شهادة أن لا إله إلّا اللّه، وأنّي رسول اللّه، فإن هم أطاعوا لذلك، فأعلمهم أنّ اللّه افترض عليهم خمس صلوات في كلّ يوم وليلة، فإن هم أطاعوا لذلك فأعلمهم أنّ اللّه افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فتردّ في فقرائهم، فإن أطاعوا لذلك فإيّاك وكرائم أموالهم واتّق دعوة المظلوم فإنّه ليس بينها وبين اللّه حجاب”(رواه البخاري: (1458)، ومسلم (19) واللفظ له).

 

6- عن أبي هريرة- رضي اللّه عنه- قال: بينما نحن في المسجد خرج النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فقال: “انطلقوا إلى يهود” فخرجنا حتّى جئنا بيت المدارس، فقال: “أسلموا تسلموا، واعلموا أنّ الأرض للّه ورسوله وإنّي أريد أن أجليكم من هذه الأرض، فمن يجد منكم بماله شيئا فليبعه، وإلّا فاعلموا أنّ الأرض للّه ورسوله”(رواه البخاري: (3167) واللفظ له، ومسلم (1765).

 

7- عن جابر بن عبد اللّه- رضي اللّه عنهما- قال: جاءت ملائكة إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم وهو نائم، فقال بعضهم: إنّه نائم، وقال بعضهم: إنّ العين نائمة والقلب يقظان، فقالوا: إنّ لصاحبكم هذا مثلا، قال: فاضربوا له مثلا، فقال بعضهم: إنّه نائم، وقال بعضهم: إنّ العين نائمة والقلب يقظان. فقالوا: مثله كمثل رجل بنى دارا، وجعل فيها مأدبة، وبعث داعيا، فمن أجاب الدّاعي دخل الدّار وأكل من المأدبة، ومن لم يجب الدّاعي لم يدخل الدّار ولم يأكل من المأدبة، فقالوا: أوّلوها له يفقهها، فقال بعضهم: إنّه نائم، وقال بعضهم: إنّ العين نائمة والقلب يقظان، فقالوا: فالدّار الجنّة، والدّاعي محمّد صلّى اللّه عليه وسلّم، فمن أطاع محمّدا صلّى اللّه عليه وسلّم فقد أطاع اللّه، ومن عصى محمّدا صلّى اللّه عليه وسلّم فقد عصى اللّه، ومحمّد فرّق بين النّاس.(رواه البخاري: (7281).

 

8- عن بريدة- رضي اللّه عنه- قال: كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، إذا أمّر أميرا على جيش أو سريّة ، أوصاه في خاصّته بتقوى اللّه ومن معه من المسلمين خيرا، ثمّ قال: “اغزوا باسم اللّه، في سبيل اللّه، قاتلوا من كفر باللّه. اغزوا ولا تغلّوا ولا تغدروا ، ولا تمثلوا ، ولا تقتلوا وليدا ، وإذا لقيت عدوّك من المشركين فادعهم إلى ثلاث خصال (أو خلال)، فأيّتهنّ ما أجابوك فاقبل منهم وكفّ عنهم، ثمّ ادعهم إلى الإسلام ، فإن أجابوك فاقبل منهم وكفّ عنهم، ثمّ ادعهم إلى التّحوّل من دارهم إلى دار المهاجرين، وأخبرهم أنّهم إن فعلوا ذلك فلهم ما للمهاجرين وعليهم ما على المهاجرين، فإن أبوا أن يتحوّلوا منها، فأخبرهم أنّهم يكونون كأعراب المسلمين، يجري عليهم حكم اللّه الّذي يجري على المؤمنين، ولا يكون لهم في الغنيمة والفيء شيء، إلّا أن يجاهدوا مع المسلمين، فإن هم أبوا فسلهم الجزية، فإن هم أجابوك فاقبل منهم وكفّ عنهم، فإن هم أبوا فاستعن باللّه وقاتلهم، وإذا حاصرت أهل حصن، فأرادوك أن تجعل لهم ذمّة اللّه وذمّة نبيّه، فلا تجعل لهم ذمّة اللّه ولا ذمّة نبيّه، ولكن اجعل لهم ذمّتك وذمّة أصحابك ... الحديث”(رواه مسلم (1731).

 

9- عن أبي هريرة- رضي اللّه عنه- قال:كنت أدعو أمّي إلى الإسلام، وهي مشركة فدعوتها يوما فأسمعتني في رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ما أكره، فأتيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وأنا أبكي قلت: يا رسول اللّه إنّي كنت أدعو أمّي إلى الإسلام فتأبى عليّ، فدعوتها اليوم فأسمعتني فيك ما أكره، فادع اللّه أن يهدي أمّ أبي هريرة، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: “اللّهمّ اهد أمّ أبي هريرة”، فخرجت مستبشرا بدعوة نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فلمّا جئت فصرت إلى الباب فإذا هو مجاف ، فسمعت أمّي خشف قدميّ ، فقالت: مكانك يا أبا هريرة، وسمعت خضخضة الماء ، قال: فاغتسلت، ولبست درعها، وعجلت عن خمارها، ففتحت الباب، ثمّ قالت: يا أبا هريرة أشهد أن لا إله إلّا اللّه، وأشهد أنّ محمّدا عبده ورسوله، قال: فرجعت إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فأتيته، وأنا أبكي من الفرح، قال: قلت: يا رسول اللّه أبشر قد استجاب اللّه دعوتك، وهدى أمّ أبي هريرة، فحمد اللّه وأثنى عليه، وقال خيرا، قال:قلت: يا رسول اللّه ادع اللّه أن يحبّبني أنا وأمّي إلى عباده المؤمنين، ويحبّبهم إلينا، قال: فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: “اللّهمّ حبّب عبيدك هذا- يعني أبا هريرة- وأمّه إلى عبادك المؤمنين، وحبّب إليهم المؤمنين”، فما خلق مؤمن يسمع بي، ولا يراني إلّا أحبّني. (رواه مسلم (2491).

 

10- عن عبد اللّه بن عمرو- رضي اللّه عنهما- أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: “بلّغوا عنّي ولو آية، وحدّثوا عن بني إسرائيل ولا حرج، ومن كذب عليّ متعمّدا فليتبوّأ مقعده من النّار”(رواه البخاري- (3461).

 

11- عن أبي مسعود الأنصاريّ- رضي اللّه عنه- قال: جاء رجل إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فقال: إنّي أبدع بي ، فاحملني، فقال: “ما عندي”، فقال رجل:يا رسول اللّه، أنا أدلّه على من يحمله، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: “من دلّ على خير فله مثل أجر فاعله”(رواه مسلم (1893).

 

12- عن عبد الرّحمن بن عبد ربّ الكعبة قال: دخلت المسجد فإذا عبد اللّه بن عمرو بن العاص جالس في ظلّ الكعبة، والنّاس مجتمعون عليه، فأتيتهم، فجلست إليه، فقال: كنّا مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في سفر، فنزلنا منزلا، فمنّا من يصلح خباءه، ومنّا من ينتضل، ومنّا من هو في جشره إذ نادى منادي رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: الصّلاة جامعة ، فاجتمعنا إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فقال: “إنّه لم يكن نبيّ قبلي إلّا كان حقّا عليه أن يدلّ أمّته على خير ما يعلمه لهم، وينذرهم شرّ ما يعلمه لهم” ... الحديث (رواه مسلم (1844).

 

13- عن ابن عبّاس- رضي اللّه عنهما- قال: صعد النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم الصّفا ذات يوم فقال: “يا صباحاه”، فاجتمعت إليه قريش، قالوا: مالك؟، قال: “أرأيتم لو أخبرتكم أنّ العدوّ يصبّحكم أو يمسّيكم أما كنتم تصدّقونني؟”. قالوا: بلى، قال: “فإنّي نذير لكم بين يدي عذاب شديد”، فقال أبو لهب: تبّالك ألهذا جمعتنا؟ فأنزل اللّه تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ. (رواه البخاري: (4801).

 

14- عن أبي هريرة- رضي اللّه عنه- قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم لعمّه: “قل لا إله إلّا اللّه، أشهد لك بها يوم القيامة”، قال: لولا أن تعيّرني قريش، يقولون: إنّما حمله على ذلك الجزع، لأقررت بها عينك، فأنزل اللّه: (إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ)، (رواه البخاري: (4772)، ومسلم (25) واللفظ له).

 

15- عن أبي هريرةةرضي اللّه عنه أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: “من دعا إلى هدى، كان له من الأجر مثل أجور من تبعه، لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا. ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه، لا ينقص ذلك من آثامهم شيئا”(رواه مسلم (2674).

 

16- عن زيد بن ثابت قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول “نضر الله امرأ سمع منا حديثا فبلغه غيره فرب حامل فقه إلى من هو أفقه منه ورب حامل فقه ليس بفقيه ثلاث لا يغل عليهن قلب م سلمٍ: إخلاصُ العملِ للهِ، ومِنّا صِحَّةُ وُلاةِ الأَمْرِ، ولُزومُ الجَماعةِ فإنّ دَعوتَهم تُحيطُ مِن ورائِهم، ومَن كانتِ الدُّنيا نِيَّتَه فَرَّقَ اللهُ عليه أمْرَه وجعَلَ فَقْرَه بين عَيْنَيْه ولم يأتِه مِنَ الدُّنيا إلّا ما كُتِبَ له، ومن كانتِ الآخِرةُ نِيَّتَه جَمَعَ اللهُ أمْرَه وجعَلَ غِناهُ في قَلبِه وأَتَتْهُ الدُّنيا وهي راغِمةٌ”(رواه ابن حبان: ٦٨٠، وقال شعيب الأرنؤوط: إسناده صحيح).

 

 

الاثار

1- قيل لبعض العلماء: ما خير المكاسب؟ قال: خير مكاسب الدنيا طلب الحلال؛ لزوال الحاجة، والأخذ منه؛ للقوة على العبادة، وتقديم فضلة الزائد ليوم القيامة، وأما خير مكاسب الآخرة؛ فعلم معمول به نشرته، وعمل صالح قدمته، وسنة حسنة أحييتها “(إيقاظ أولي الهمم العالية للسلمان).

 

2- عن الحسن البصريّ رحمه اللّه أنّه تلا هذه الآية: (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صالِحاً وَقالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ)، فقال: هذا حبيب اللّه، هذا وليّ اللّه، هذا صفوة اللّه، هذا خيرة اللّه، هذا أحبّ أهل الأرض إلى اللّه، أجاب اللّه في دعوته، ودعا النّاس إلى ما أجاب اللّه فيه من دعوته، وعمل صالحا في إجابته، وقال إنّني من المسلمين، هذا خليفة اللّه”(تفسير ابن كثير (4-101).

 

3- عن قتادة رحمه اللّه في قوله تعالى: (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صالِحاً وَقالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ)، قال: هذا عبد صدق قوله، وعمله، ومولجه، ومخرجه، وسرّه، وعلانيته، ومشهده، ومغيبه”(الدر المنثور للسيوطي (7-325).

 

4- عن أبي هريرةَ رضي الله تعالى عنه أنه قال: “مثلُ علمٍ لا يُعمَلُ به كمثلِ كَنزٍ لا يُنفَقُ منه في سبيلِ اللهِ عزَّ وجلَّ”(قال الألباني: إسناده موقوف لا بأس به).

 

5- قال سعيد بن جبير رحمه الله تعالى: “لو كان المرء لا يأمر بالمعروف، ولا ينهى عن المنكر حتى لا يكون فيه شيء ما أمر أحد بمعروف، ولم ينه أحد عن المنكر”(الجامع لأحكام القرآن، الإمام القرطبي، 1-367).

 

6- قال الإمام الشافعي: “من وعظ أخاه بفعله كان هاديًا”().

 

7- قال ربعي بن عامر: “إن الله ابتعثنا لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة”().

 

القصص

1- يقول ابن إسحاق: حدثني الزهري أنه - أي الرسول صلى الله عليه وسلم - أتى بني عامر بن صعصعة فدعاهم إلى الله، وعرض عليهم نفسه فقال له رجل منهم يقال له بحيرة بن فراس: والله لو أني أخذت هذا الفتى من قريش لأكلت به العرب. ثم قال له: أرأيت إن نحن تابعناك على أمرك ثم أظهرك الله على من يخالفك أيكون لنا الأمر من بعدك؟ قال: الأمر لله يضعه حيث يشاء. قال: فقال له: أفنهدف نحورنا للعرب دونك فإذا أظهرك الله كان الأمر لغيرنا! لا حاجة لنا بك”(البداية والنهاية 3/139، 140).

 

2- قال عبد الواحد بن زيد: “ما بلغ الحسن في الناس ما بلغ إلا لكونه إذا أمر الناس بشيء كان أسبقهم إليه، وإذا نهاهم عن شيء كان أبعدهم منه”.

 

3- عن إبراهيم بن الأشعث قال: “كنا إذا خرجنا مع الفضيل في جنازة لا يزال يعظ، ويذكر ويبكي، حتى لكأنه يودِّعُ أصحابه ذاهبا إلى الآخرة، حتى يبلغ المقابر، فيجلس فكأنه بين الموتى حتى يقوم، ولكأنه رجع من الآخرة يخبر عنها”.

 

4- قال جعفر بن برقان: كتب إلينا عمر بن عبد العزيز، وقال في كتابه: “ومُرْ أهل الفقه من جندك، فلينشروا ما علمهم الله في مساجدهم ومجالسهم، والسلام”().

 

 

الاشعار

1- قال بعض السلف:

النصح أرخص ما باع الرجال فلا *** تردد على ناصح نصحا ولا تلـم

إن النصائح لا تخفى مناهلــها *** على الرجال ذوي الألباب والفهم 

 

2- وقال آخر:

إذا نصحت لذي عجب لترشــده *** فلم يطعك فلا تنصح له أبـدا 

فإن ذا العجب لا يعطيك طاعـته *** ولا يجيب الى إرشاده أحــــدا

وما عليك وإن غاو غوى حقبــا *** إن لم يكن لك قربى أو يكن ولدا

(المنتخب من الشعر والبيان لأمير بن محمد المدري).

 

3- قال د. محمد منير الجنباز:

نهج الدعاة يعيد مجد بلادي *** ويجدد التاريخ بعد رقادِ

ذهب الذي أغفى لوزر مثقل *** وطواه دهر كالدجى المتمادي

وتفتق الفجر البهي فأسفرت *** جنباته عن دعوة وجهاد

مهما سما الفكر الوضيء محلقاً *** لا بد من شرح الهدى لعباد

تحيا الخلائق والغويُّ يشدها *** نحو الضلال لحمأةٍ وفساد

يسعى بهم أهل الدهاء بمكرهم *** ليجنبوهم منهج الإرشاد

لا يفترون عن الوسائل للهوى *** مهما رأوا من شدةٍ وعناد

حملوا النفوس على الغواية والأذى *** وتعمقوا في الزيغ والإفساد

وجدوا على الساحات مرتع فكرهم *** فالنور فيها خافت الإيقاد

والمسلمون المتعبون تراجعوا *** واستسلموا للنوم بعد سهاد

لما نأى أهل الصلاح بفكرهم *** وتقوقعوا عزفاً مع الزهاد

لعبت شياطين الدنى من حولهم *** ومضت تغذي الناس بالأحقاد

ما الدين أن نعيا ونيأس مرةً *** وندير أظهرنا إلى الأوغاد

ما الدين أن نحيا بذل خانع *** وأذى القنوط مقطع الأكباد

فاليأس من نصر الإله مكفر *** مهما رأينا صولة الإلحاد

لا يدفع الظلم العتي بغفلةٍ *** بل بالصمود وعدةٍ وعتاد

هذا هو الإسلام يرقى بالذي *** ملأ الفؤاد بنوره الوقاد

يرعى ويبني لا يخاف مكابراً *** يبغي الوصول لمبتغى ومراد

شأن الإمام محمدٍ في سعيه *** ارسى دعائم منهج الأجداد

لم يخش من عاتٍ ولا متجبرٍ *** أنى رأى بدلاً دعا لرشاد

شد العزيمة صابراً لمكاره *** متجاوزاً لمكائد الحساد

حتى استقام الغرس في بستانه *** وغدا شديد الساق والأعواد

وتناول الإصلاح كل مدينةٍ *** في السهل والهضبات والأوهاد

ما عاد يحجر فكرنا مستعمر *** فالفكر حطم قسوة الأصفاد

هذي الديار ومن رعاها عزة *** جمعت على حب ونهج سداد

سمعت نداء الحق فانشدت له *** والإثم لن لم تستجب لعناد

فرض علينا أن نقوم بدعوة *** ونبلغ الحق الوضيء لصادِ 

فالله وحد قصدنا بشريعةٍ *** تهدى من الأجداد للأحفاد 

ولئن صبرنا بعد طول مشقةٍ *** نلنا من المزروع خير حصاد

فتعلموا نعم الفتى متعلماً *** وتزودوا نعم التقى من زاد

 

4- قال محمد فاضيلي:

همس سجي خافت ناداني *** في صحوتي مستقرعا آذاني

مثل النسيم عادل في حكمه *** باللين حسا، فاتحا أجفاني

يقول لي مستنهضا همتي *** يا سادرا في زمرة الغفلان

يلهو ويفني الدهر في لذاته *** لا يرعوي أو يقتدي بالفاني

إن الحياة زهرة قد أوشكت *** على الرحيل للزمان الثاني

العمر يمضي للفناء والبقا *** والفوز بالفضل كما الرضوان

لكنه يبغي بدارا بالتقى *** والغرف من منابع الإيمان

والدعوة الكريمة بالحسنى *** لله حبا في بني الإنسان

الدعوة دين يقرب من *** مجالس الأنس بالرحمان

معراج وترياق للعلا *** مفتاح قصر شامخ الأركان

ستر يقيك القصم والأذى *** ويحجب عنك لظى النيران

كداك الرسل في دعواتهم *** للخير والبر والإحسان

نجوما بسمتهم يقتدى *** أئمة في البذل والإتقان

يدعون للفضائل والعلا *** والتوبة النصوح للديان

والذكر والمحبة والهدى *** والهجر للرذائل والأوثان

رسول الله أوصى صاحبا *** يدعى عليا سيد الخلان

قال إن الدعوة مكرمة *** وخير من أحمر النعمان

أوصاه إكثارا في الدنى *** من معارف الأهل والإخوان

كي ينال في الأخرى قرى *** وكرامة من خلص الشفعان

والمرشد المحبوب علمنا *** أن الدعوة من شعبة الإيمان

بها يحيى المرء منعما *** بالعز والغنم والإيمان

وينصح الدعاة دوما بالأنا *** ة والرفق بالفتى الظمآن

يا أيها الأحباب قوموا *** لنصرة المظلوم واللهفان

ولتعلموا أن الأمة عطشى *** للحب والعدل والإيمان

فقلت إني للدعوة ند *** وفارس يصول في الميدان

فهل من رفيق يحمل الهم *** لقوم غابوا عن الأذهان

قوم يرتضون العيش في الهوى *** والسبح في حمأة العصيان

غفل عن الرحيل والهدى *** والقبر ونهمة الديدان

والبعث والحساب وهولهما *** والنشر والصراط والميزان

والملك الغليظ وشدته *** والخبط في مهيع الشيطان

حيث الخلاعة والخنا *** والجرم والغرم بالإدمان

أي ربنا حقق أمانينا *** واصرفنا لخدمة القرآن

والدعوة للخير والعلا *** يا واسع الجود والإحسان

 

5- قال أحدهم:

كُنْ مشعلاً في جُنْح ليلٍ حالكٍ *** يهدي الأنَامَ إلى الهدى ويُبيِّنُ

وانشط لدينك لا تكنْ متكاسلاً *** واعمل على تحريك ما هو ساكنُ

وابدأ بأهلك إنْ دعَوَتَ فإنهم *** أولى الورى بالنصح منك وأَقْمَنُ

والله يأمر بالعشيرة أوَّلا *** والأمر من بعد العشيرة هَيِّنُ

 

متفرقات

1- قال ابن القيّم -رحمه اللّه- في سياق قوله تعالى: (قُلْ هذِهِ سَبِيلِي) [يوسف: 108]: إنّ اللّه سبحانه أمر رسوله أن يخبر أنّ سبيله الدّعوة إلى اللّه، فمن دعا إلى اللّه تعالى فهو على سبيل رسوله صلّى اللّه عليه وسلّم، وهو على بصيرة، وهو من أتباعه، ومن دعا إلى غير ذلك فليس على سبيله، ولا هو على بصيرة، ولا هو من أتباعه، فالدّعوة إلى اللّه تعالى هي وظيفة المرسلين وأتباعهم، وهم خلفاء الرّسل في أممهم، والنّاس تبع لهم، واللّه سبحانه قد أمر رسوله أن يبلّغ ما أنزل إليه من ربّه، وضمن له حفظه وعصمته من النّاس، وهؤلاء المبلّغون عنه من أمّته لهم من حفظ اللّه وعصمته إيّاهم بحسب قيامهم بدينه، وتبليغهم له، وقد أمر النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم بالتّبليغ عنه ولو آية، ودعا لمن بلّغ عنه ولو حديثا، وتبليغ سنّته إلى الأمّة أفضل من تبليغ السّهام إلى نحور العدوّ؛ لأنّ تبليغ السّهام يفعله كثير من النّاس، وأمّا تبليغ السّنن فلا يقوم به إلّا ورثة الأنبياء وخلفاؤهم في أممهم، جعلنا اللّه منهم بمنّه وكرمه”(التفسير القيم لابن القيم (431).

 

2- قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: “الدعوة إلى الله تجب على كل مسلم، لكنها فرض على الكفاية، وإنما يجب على الرجل المعين من ذلك ما يقدر عليه، إذا لم يقم به غيره”().

 

3- قال أبو محمد بن حزم رحمه الله تعالى: :أوجب النبي صلى الله عليه وسلم الإيمان به على من سمع بأمره صلى الله عليه وسلم، فكل من كان في أقاصي الجنوب والشمال، والمشرق، وجزائر البحور والمغرب، وأغفال الأرض من أهل الشرك، فسمع بذكره صلى الله عليه وسلم، ففرض عليه البحث عن حاله، وإعلامه، والإيمان به”().

 

4- قال الحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى في تفسير قوله تعالى: ﴿ وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ [آل عمران: ١٠٤] المقصود في هذه الآية أن تكون فرقة من هذه الأمة متصدية لهذا الشأن وإن كان ذلك واجباً على كل فرد من الأمة بحسبه، كما ثبت في صحيح مسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان)”().

 

5- قال الشّيخ عبد العزيز بن باز- حفظه اللّه-: الواجب على جميع القادرين من العلماء وحكّام المسلمين والدّعاة الدّعوة إلى اللّه- عزّ وجلّ- حتّى يصل البلاغ إلى العالم كافّة في جميع أنحاء المعمورة، وهذا هو البلاغ الّذي أمر اللّه به، قال اللّه تعالى لنبيّه (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ) [المائدة: 67 ]فالرّسول صلّى اللّه عليه وسلّم عليه البلاغ، وهكذا الرّسل جميعا عليهم البلاغ صلوات اللّه وسلامه عليهم، وعلى أتباع الرّسل أن يبلّغوا، قال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: “بلّغوا عنّي ولو آية”، وكان إذا خطب النّاس يقول: “فليبلّغ الشّاهد الغائب، فربّ مبلّغ أوعى من سامع”. فعلى جميع الأمّة حكّاما وعلماء وتجّارا وغيرهم أن يبلّغوا عن اللّه وعن رسوله صلّى اللّه عليه وسلّم هذا الدّين وأن يشرحوه للنّاس بشتّى اللّغات الحيّة المستعملة”(مجموع فتاوى ومقالات الشيخ عبد العزيز بن باز (1-333).

 

6- وقال أيضا -حفظه اللّه-:ليس الخافي على كلّ من له أدنى علم أو بصيرة أنّ العالم الإسلاميّ اليوم، بل العالم كلّه في أشدّ الحاجة إلى الدّعوة الإسلاميّة الواضحة الجليّة الّتي تشرح للنّاس حقيقة الإسلام، وتوضّح لهم أحكامه ومحاسنه، وبذلك يتّضح لكلّ مسلم طالب علم أنّ الدّعوة إلى اللّه من أهمّ المهمّات، وأنّ الأمّة في كلّ زمان ومكان في أشدّ الحاجة إليها بل في أشدّ الضّرورة إلى ذلك، فالواجب على أهل العلم أينما كانوا أن يبلّغوا دعوة اللّه، وأن يصبروا على ذلك، وأن تكون دعوتهم نابعة من كتاب اللّه وسنّة رسوله الصّحيحة، عليه الصّلاة والسّلام، وعلى طريق الرّسول صلّى اللّه عليه وسلّم وأصحابه، ومنهج السّلف الصّالح رضي اللّه عنهم”(مجموع فتاوى ومقالات الشيخ عبد العزيز بن باز (1-248).

 

7- قال القرطبي: (إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ): "كلمة تحذير، أي إنما يريد محمد صلى الله عليه وسلم بما يقول الانقياد له ليعلو علينا ونكون له أتباعًا فيتحكم فينا بما يريد، فاحذروا أن تطيعوه"(القرطبي 15/151، 152).

 

8- قال ابن تيمية: "الدعوة إلى الله: هي الدعوة إلى الإيمان به، وبما جاءت به رسله، بتصديقهم فيما أخبروا به، وطاعتهم فيما أمروا"(الفتاوى 15-157).

 

9- قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله -: "فواجب على الأمة أن يبلغوا ما أُنزل إليه (أي النبي صلى الله عليه وسلم) ويُنْذِروا كما أَنْذَرَ، قال الله تعالى: (فلولا نَفَر من كل فِرْقَةٍ منهم طائفةٌ ليتفقوا في الدين ولينذِروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يَحْذرون)، والجنُّ لما سمعوا القرآن: (وَلّوْا إلى قومهم منذرين).

 

10- قال ابن القيم رحمه الله: "وتبليغ سنته صلى الله عليه وسلم إلى الأمة أفضلُ من تبليغ السهام إلى نحور العدو، لأن تبليغ السهام يفعله كثير من الناس، وأما تبليغ السنن فلا يقوم به إلا ورثة الأنبياء وخلفاؤهم في أممهم، جعلنا الله تعالى منهم بمنه وكرمه"().

 

11- قال الغزالي رحمه الله: ”اعلم أن كل قاعد في بيته ـ أينما كان ـ فليس خاليا في هذا الزمان عن مُنْكر، من حيث التَّقاعد عن إرشاد الناس وتعليمهم وحمْلهم على المعروف، فأكثر الناس جاهلون بالشرع في شروط الصلاة في البلاد، فكيف في القرى والبوادي ومنهم الأعرابُ والأكْراد والتُّرْكُمانِية، وسائرُ أصناف الخلْق، وواجبٌ أن يكون في كل مسجدٍ ومَحَلَّةٍ من البلد فقيهٌ يعلّم الناس دينَهم وكذا في كل قرية، وواجب على كل فقيه - فرغ من فرض عينه لفرض الكفاية - أن يخرج إلى ما يجاور بلده من أهل السواد ومن العرب والأكراد وغيرهم، ويعلِّمَهم دينهم وفرائض شرعهم"().

 

قال ابن عثيمين رحمه الله: ”دعوة إلى مكارم الأخلاق، ومحاسن الأعمال، وحفظ الحقوق، وإقامة العدل بين الناس بإعطاء كل ذي حق حقه وتنزيله من المنازل ما يستحقه، فترتفع العقائد الكاملة والأحكام الشرعية، وتزهق العقائد الباطلة والقوانين الجاهلية والأحكام الوضعية"().

 

وقال الشيخ صالح بن حميد: "يمكن بالنظر والتأمل تعريف الدعوة بأنها: (قيام المسلم ذي الأهلية ـ في العلم والدين ـ بتبصير الناس بأمور دينهم، وحثهم على الخير، وإنقاذهم من شر واقع، وتحذيرهم من سوء متوقع، على قدر الطاقة، ليفوزوا بسعادة العاجل والآجل”(معالم في منهج الدعوة 9).

 

 

الإحالات

1- الدعوة الى الله في أقطار مختلفة - محمد تقي الدين الهلالي.

 

2- فقه الدعوة في صحيح الإمام البخاري دراسة دعوية من أول الصحيح إلى نهاية كتاب الوضوء؛ لخالد بن عبد الرحمن القريشي.

 

3- فقه الدعوة في صحيح الإمام البخاري دراسة دعوية من أول كتاب فضائل المدينة إلى نهاية كتاب الشفعة؛ لمحمد بن إبراهيم بن سليمان الرومي.

 

4- الدعوة إلى الله وفقه النصح والإرشاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ لعبد الرحمن حسن حبنكة الميداني.

 

5- أصول الدعوة؛ المؤلف: عبد الكريم زيدان.

 

6- كيف دعوة عصاة المسلمين إلى الله تعالى في ضوء الكتاب والسنة؛ لسعيد بن علي بن وهف القحطاني.

 

7- الأربعون حديثا النبوية في منهاج الدعوة السلفية ويليه دعوتنا؛ لسعيد محمد موسى حسين إدريس السلفي، ومحمد ناصر الدين الألباني.

 

8- أسس الدعوة لأبي بكر الجزائري.

 

9- معالم في منهج الدعوة؛ لصالح بن حميد.

 

الحكم

قال حكيم: الناس في الخير أربعة: فمنهم من يفعله ابتداء، ومنهم من يفعله اقتداء، ومنهم من يتركه حرماناً، ومنهم من يتركه استحساناً؛ فمن يفعله ابتداء كريم، ومن يفعله اقتداء حكيم، ومن يتركه استحساناً غبي، ومن يتركه حرماناً شقي.

 

قيل أيضًا: “من لم ينفعك لحظه لم ينفعك لفظه”.