خطابة

2022-10-05 - 1444/03/09

التعريف

خطب الرجل على الْمِنْبَر يخْطب خطْبَة، وَالْجمع خطب، وَهُوَ اسْم كَلَام الخطباء. [درة الغواص في أوهام الخواص (1/265) ] .

الْمُخَاطَبَةُ: مُفاعَلة، مِنَ الخِطَاب والمُشاوَرة، تَقُولُ خَطَبَ يَخْطُبُ خُطْبَةً بِالضَّمِّ فَهُوَ خَاطِبٌ وخَطِيبٌ؛ أَرَادَ: أَأَنْتَ مِنَ الَّذِينَ يَخْطُبُونَ الناسَ ويَحُثُّونهم عَلَى الخُروج وَالِاجْتِمَاعِ لِلْفِتَن؟ [النهاية في غريب الحديث والأثر (2/46) ] .

(الْخَطْبُ) سَبَبُ الْأَمْرِ تَقُولُ: مَا خَطْبُكَ؟. قُلْتُ: قَالَ الْأَزْهَرِيُّ: أَيْ مَا أَمْرُكَ؟ وَتَقُولُ هَذَا خَطْبٌ جَلِيلٌ وَخَطْبٌ يَسِيرٌ وَجَمْعُهُ (خُطُوبٌ) انْتَهَى كَلَامُ الْأَزْهَرِيِّ. وَ (خَاطَبَهُ) بِالْكَلَامِ (مُخَاطَبَةً) وَ (خِطَابًا) .

وَ (خَطَبَ) عَلَى الْمِنْبَرِ (خُطْبَةً) بِضَمِّ الْخَاءِ وَ (خَطَابَةً) . وَ (خَطَبَ) الْمَرْأَةَ فِي النِّكَاحِ (خِطْبَةً) بِكَسْرِ الْخَاءِ (يَخْطُبُ) بِضَمِّ الطَّاءِ فِيهِمَا وَ (اخْتَطَبَ) أَيْضًا فِيهِمَا. وَ (خَطُبَ) مِنْ بَابِ ظَرُفَ صَارَ (خَطِيبًا) [مختار الصحاح (1/92) ] .

(خ ط ب) : خَاطَبَهُ مُخَاطَبَةً وَخِطَابًا وَهُوَ الْكَلَامُ بَيْنَ مُتَكَلِّمٍ وَسَامِعٍ وَمِنْهُ اشْتِقَاقُ الْخُطْبَةِ بِضَمِّ الْخَاءِ وَكَسْرِهَا بِاخْتِلَافِ مَعْنَيَيْنِ فَيُقَالُ فِي الْمَوْعِظَةِ خَطَبَ الْقَوْمَ وَعَلَيْهِمْ مِنْ بَابِ قَتَلَ خُطْبَةً بِالضَّمِّ وَهِيَ فُعْلَةٌ بِمَعْنَى مَفْعُولَةٍ نَحْوُ نُسْخَةٍ بِمَعْنَى مَنْسُوخَةٍ وَغُرْفَةٍ مِنْ مَاءٍ بِمَعْنَى مَغْرُوفَةٍ وَجَمْعُهَا خُطَبً مِثْلُ: غُرْفَةٍ وَغُرَفٍ فَهُوَ خَطِيبٌ وَالْجَمْعُ الْخُطَبَاءُ وَهُوَ خَطِيبُ الْقَوْم إذَا كَانَ هُوَ الْمُتَكَلِّمَ عَنْهُمْ [المصباح المنير في غريب الشرح الكبير (1/173) ].

العناصر

1- أهمية الخطابة .

 

2- خطبة الجمعة وأثرها في إصلاح المجتمع .

 

3- أصول الخطابة .

 

4- من صفات الخطيب:

• العلم والإطلاع.

• طلاقة اللسان.

• رباطة الجأش.

• جهارة الصوت وحسنه.

• سرعة البديهة.

• رجاحة العقل

 

5- من الآداب التي يحسن أن يتحلى بها الخطيب:

• الإخلاص .

• موافقة العمل للقول وتصديقه له.

• الحلم وسعة الصدر.

• التواضع.

• ضبط النفس واحتمال المكاره.

• القناعة والعفة.

• الورع واتقاء الشبهات.

• علو الهمة.

 

6- - عيوب في الخطيب ينبغي عليه تجنبها:

• اللحن.

• ضعف الصوت.

• عدم التفاعل مع الخطبة.

• التشدق وتتبع الغريب والوحشي.

• الجفاء والغلظة والقسوة على المخاطبين.

• عدم الاعتناء بالهيئة.

• الصوت النمطي المطرد على وتيرة واحدة.

• الطول الممل والقصر المخلّ.

الايات

1- يقول الله تعالى: (الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللَّهَ) [الأحزاب:39] .

 

2- قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ * إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) [البقرة:159-160].

 

3- قوله تعالى: (فَلَوْلا نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَائِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إذَا رَجَعُوا إلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ) [التوبة: 122] .

 

4- قوله تعالى: وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [آل عمران:104]

 

5- قوله تعالى: (وعِظْهُم وَقلْ لهمْ في أنفسِهِمْ قولاً بليغاً) 

الاحاديث

1- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يحملُ هذا العِلْمَ من كل خَلَفٍ عدولُه ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين» [المستدرك، للحاكم وصححه: 8571/279، ووافقه الذهبي] .

 

2- عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: «كان جذع يقوم إليه النبي صلى الله عليه وسلم فلما وضع له المنبر سمعنا للجذع مثل أصوات العشار حتى نزل النبي صلى الله عليه وسلم ووضع يده عليه» [رواه البخاري في صحيحه (918) ] .

 

3- عن جابرر ضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن من أحبكم إلي وأقربكم مني مجلسا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا، وإن أبغضكم إلي وأبعدكم مني مجلسا يوم القيامة الثرثارون والمتشدقون والمتفيهقون»، قالوا: يا رسول الله، قد علمنا الثرثارون والمتشدقون فما المتفيهقون؟ قال: «المتكبرون» [سنن الترمذي (2018) وقال الألباني صحيح] .

 

4- قال أبو وائل: خطبنا عمار، فأوجز وأبلغ، فلما نزل قلنا: يا أبا اليقظان لقد أبلغت وأوجزت، فلو كنت تنفست فقال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: «إن طول صلاة الرجل، وقصر خطبته، مئنة من فقهه، فأطيلوا الصلاة، واقصروا الخطبة، وإن من البيان سحرا» [صحيح مسلم (47) ] .

الاثار

1- يقول النعمان بن بشير :كنت في السوق - سوق المدينة الزوراء والرسول عليه الصلاة والسلام يخطب فرفع صوته ووعظ وأنذر وحذر حتى سقطت خميصته من عليه. [أصول الخطابة عائض القرني ص 220] .

 

2- يقول أنس : وعظنا رسول الله عليه الصلاة والسلام فالتفت في المسجد إلى الصحابة وكل قد وضع رأسه بين ركبتيه ولهم حنين من البكاء . [أصول الخطابة عائض القرني ص 220] .

 

3- يقول جابر : كان صلى الله عليه وسلم إذا خطب اشتد غضبه، وعلا صوته، واحمرت وجنتاه، وكأنه منذر جيشٍ، يقول: صبحكم ومساكم. [أصول الخطابة عائض القرني ص 220] .

 

4- كان بعض الصالحين يمرغ وجهه في التراب قبل أن يصعد ويقول: (اللهم ثبت قلبي وسدد لساني) [أصول الخطابة عائض القرني ص 220] .

 

5- عن أَبُي هُرَيْرَةَ قَالَ: بَيْنَمَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَخْطُبُ النَّاسَ يَوْمَ الجمعة إذْ دَخَلَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ؛ فَعَرَّضَ بِهِ عُمَرُ، فَقَالَ: مَا بَالُ رِجَالٍ يَتَأَخَّرُونَ بَعْدَ النِّدَاءِ، فَقَالَ عُثْمَانُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ! مَا زِدْتُ حِينَ سَمِعْتُ النِّدَاءَ أَنْ تَوَضَّأْتُ، ثُمَّ أَقْبَلْتُ، فَقَالَ عُمَر: وَالْوُضُوءَ أَيْضاً؟ أَلَمْ تَسْمَعُوا رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: إِذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ إِلَى الْجُمُعَةِ فَلْيَغْتَسِل؟» [صحيح البخاري كتاب العلم: 10، وصحيح ابن ماجه: 183/222/ج/1/92] .

 

6- عن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال: كنت أصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فكانت صلاته قصداً وخطبته قصداً.

 

7- عن صفوان بن يعلي عن أبيه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ على المنبر (ونادوا يا مالك) بل ربما بأكملها فعن أخت لعمارة قال: أخذت (ق والقرآن المجيد) من في رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة وهو يقرأ بها على المنبر في كل جمعة.

القصص

الاشعار

1- رحم الله من قال:

ومنطق كضيــاء الشمس تحسبه *** يدب في الجسم مثل البرء لو نظمت

من حسنه سحر هاروت وماروت *** ألـــفاظـــه قـــلت هـــذا عــــقد يــاقوت

الدراسات

1- تتبّعت خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوجدت أوائل أكثرها: «الحمد لله نحمده ونستعينه ونؤمن به ونتوكل عليه ونستغفره ونتوب إليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلّ له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له» . ووجدت في بعضها: «أوصيكم، عباد الله، بتقوى الله وأحثّكم على طاعته» . ووجدت في خطبة له بعد حمد الله والثناء عليه: أيها الناس، إنّ لكم معالم فانتهوا إلى معالمكم، وإنّ لكم نهاية فانتهوا إلى نهايتكم؛ إن المؤمن بين مخافتين: بين أجل قد مضى لا يدري ما الله صانع به، وبين أجل قد بقي لا يدري ما الله قاض فيه؛ فليأخذ العبد لنفسه من نفسه، ومن دنياه لآخرته، ومن الشبيبة قبل الكبر، ومن الحياة قبل الموت؛ والذي نفس محمد بيده ما بعد الموت مستعتب ولا بعد الدنيا دار إلا الجنة أو النار، ووجدت كلّ خطبة مفتاحها الحمد إلا خطبة العيد فإن مفتاحها التكبير. وتكبير الإمام قبل أن ينزل عن المنبر أربع عشرة تكبيرة. [عيون الأخبار (2/251) ] .

 

2- إن الخطابة إحدى وسائل الدعوة إلى الله جل وعلا، وهي من أهم وسائل التربية والتوجيه والتأثير، لذا فقد كانت جزءًا من مهمة الأنبياء عليهم السلام في دعوة أقوامهم إلى توحيد الله عز وجل وطاعته، وتحذيرهم من غضبه وبطشه، وأليم عقابه، ليقلعوا عما هم عليه من ضلال وفساد عقدي، وخلقي، واجتماعي. وما زالت الخطابة ـ أيضًا ـ وسيلة ناجحة من الوسائل التي يلجأ إليها المصلحون، والعلماء، والدعاة، والقادة في كل العصور لتحريك العقول، وبعث الثقة في النفوس للدفاع عن فكرة معينة، أو النهوض بمهمة معينة. [دليل الواعظ إلى أدلة المواعظ - موضوعات للخطب بأدلتها من القرآن الكريم والسنة الصحيحة مع ما تيسر من الآثار والقصص والأشعار المؤلف: شحاتة محمد صقر (1/3) ] .

 

3- ازدهرت الخطابة في فجر الإسلام وكانت مدرسة الرسول صلى الله عليه وسلم الخطابية خير مدرسة بلغت رسالة الإسلام العظمى إلى أرجاء المعمورة قاطبة وكان من فرسانها الصديق والفاروق والإمام علي رضي الله عنهم ثم هؤلاء القادة المسلمون الذين دوخوا الأكاسرة والقياصرة . ولقد بلغت الخطابة على عهد الخلفاء الراشدين أوج أهميتها، ولم تعد قاصرة على وقت الجمعة، بل أصبحت تلقى كلما دعت إلى ذلك حاجة، وكان لها من الأهمية ما يجعل الخطبة البليغة تسكن فتنة أو تنفي فرقة أو تهدئ ثائرة أو تثير حربًا يقوم لها الناس ويقعدون. وكان موقف الخطابة موقفًا عظيمًا في نفوس الأئمة وفي نفوس السامعين حتى كان الخلفاء يقومون بها بأنفسهم، ولا يوكلونها إلى غيرهم في قواعد الملك وحواضره، وبقي الحال كذلك فترة طويلة من الزمن، ولم يتخل الخلفاء عن خطابة الجمعة إلا بعد وفاة الخليفة المأمون بن هارون الرشيد فقد كان آخر الخلفاء المجيدين للخطابة وقد حفظت كتب الأدب والتاريخ مجموعة قيمة من خطبه، وبعده أخذ الخلفاء ينيبون عنهم من يقوم بها، وظل شأنها منذ ذلك الوقت في إدبار، فكثير من الخطب لا تحيي في قلوب السامعين إيمانا، ولا توطد توحيدًا، ولا تفيد المؤمنين معرفة، ولا تذكرهم بأيام الله، ولا تبعث في النفوس محبة الله تعالى، ولا تثير فيها الشوق إلى لقائه بالجهاد أو الاستشهاد وكثيرًا ما يخرج السامعون كما دخلوا فإنا لله وإنا إليه راجعون. [خطب مختارة المؤلف: اختيار وكالة شئون المطبوعات والنشر بوزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد (1/16) ] .

متفرقات

1- روي عن مالك رضي الله عنه أنه قال مجيباً العمري العابد لما كتب له يحضه على الانفراد والعمل، ويرغب به عن الاجتماع إليه في العلم؛ حيث قال له: «إن الله قسم الأعمال كما قسم الأرزاق: فرُبَّ رجل فُتح له في الصلاة ولم يُفتح له في الصوم، وآخر فُتح له في الصدقة ولم يفتح له في الصيام، وآخَر فُتح له في الجهاد ولم يُفتح له في الصيام؛ ونشرُ العلم وتعليمه من أفضل البر، وقد رضيت بما فتح الله لي فيه من ذلك، وما أظن ما أنا فيه دون ما أنت فيه، وأرجو أن يكون كلانا على خير، ويجب على كل واحد منا أن يرضى بما قُسِمَ له. والسلام [التمهيد لابن عبد البر: 7/ 185] .

 

2- قال محمد كاتب المهدي وكان شاعراً رواية وطالباً للنحو علامة قال: سمعت أبا داود يقول وجرى شيء من ذكر الخطب وتحبيرها فقال: رأس الخطابة الطبع وعمودها الدربة وجناحاها رواية الكلام وحليها الإعراب وبهاؤها تخير الألفاظ والمحبة مقرونة بالشكر.[البيان الزاهر في فرسان المنابر ص 22] .

 

3- وقال ايضاً: تلخيص المعاني رفق والاستعانة بالغريب عجز والتشادق في غير أهل البادية نقص والنظر في عيون الناس عيّ ومسح اللحية هلك والخروج عما بني له الكلام إسهاب. [المصدر السابق ص 23] .

 

4- يقول الشيخ عبد الرحمن الأحمد: إصلاح المنبر لا يكون بزخرفته وتشييده وإنما بالنهوض به وإصلاح من يرتقيه وهو الخطيب, يكون بتبصير الخطيب برسالته ودوره وأثره يكون بإشعاره بمكانة الثغر الذي يقف عليه وتحذيره من أن تؤتى الأمة من قبله. يكون بتكاتف الأمة ولاة وعلماء ودعاة ومصلحين وخطباء وعامة بتكاتف هؤلاء جميعاً وجهودهم للنهوض بالخطبة والخطيب من خلال الدراسات الشرعية التي تعنى بذلك من خلال إنشاء المعاهد والجامعات التي تخرج الخطباء النجباء من خلال تنظيم الدورات التدريبية والمؤتمرات الدورية والتناصح بين الأئمة والعلماء والخطباء وتبادل التجارب والخبرات يكون بالعمل على تحقيق كفاية الخطباء وتوفير سبل الحياة الكريمة لهم وتوفير حرية الصدع بالكلمة دون خوف أو ضرر وهذه الدراسة تمثل خطوة من خطوات النهوض بالخطيب ورسالته, لكن لا يخفي أن هذه الدراسة وغيرها لا تنشئ مستقلة خطيباً مفوّهاً ومتحدّثاً مصقعاً فهي لا تجعل من العيي فصيحاً, ولكنها نبراس ومنار يستضيء فلا يخفاك أن السراج المنير لا يستفيد منه غير البصير بل أرسطو واضع كتاب الخطابة, لم يكن خطيباً بل قال فيه الجاحظ أنه كان بكئ اللسان أي قل كلامه خلقة. [البيان الزاهر في فرسان المنابرص 23،24] .

 

5- يقول الماوردي: ويستحب للإمام من حسن الهيئة وجمال الزي أكثر مما يستحب للمأموم لأن يتبع. البيان الزاهر في فرسان المنابر ص 44] .

 

6- قال الإمام النووي: ويستحب للإمام أكثر مما يستحب لغيره من الزينة وغيرها. [المصدر السابق ص 44] .

 

7- يقل أمير بن محمد المدري: وأما مقدار ما يأخذ الخطيب من الشعر فهو قدر ما يأخذ الطعام من الملح أو الشاي من السكر، حتى لا يكون الخطيب شاعراً وتكون الخطبة كلها إثارة [المنتخب من الشعر والبيان ص3] .

 

8- يقول الشيخ عائض القرني: أصول الخطابة عشرة أصول:

الأصل الأول: الإخلاص، أن يكون العمل خالصاً لوجه الله. اليابانيون اليونانيون والصينيون يتعلمون الخطابة ويؤثرون في الناس إما لأجل الانتخاب أو لأجل الاقتصاد، أو لسحب الرأي العام، أو لاجتلاب محبة وكسب أصدقاءٍ، أما نحن فلتبيين الحق الذي بعث به عليه الصلاة والسلام، ولا يحق لي أن أجلس هنا أنا ولا غيري لنتكلم نحن عن عظمتنا، وذواتنا، ومقامنا، وذكائنا، وعبقريتنا، إنما أتينا هنا لنتكلم عن عظمة العظيم، وعن حكمة الحكيم، ونعرف به خلقه فقط، ليس لنا شيء، فهو الذي خلق اللسان والحبال الصوتية والصوت، فالمنة له، فالإخلاص: أن يكون العمل خالصاً لله (أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ) [الزمر:3].

الأصل الثاني: العلم، إن من المآسي أن يتأخر طلبة الشريعة، وحملة القضاء، وأهل الميثاق عن المنابر ثم يصلون مأمومين أمام عوام يخطبون فيسيئون للشريعة وصاحب الشرع عليه الصلاة والسلام.

الأصل الثالث: الإلقاء وليس مقصودي بالإخوة الثمانية أن يتكلموا بأي كلام، ولذلك قد تلاحظون مني ومنهم أن الواحد منا يريد أن يلقي أي شيء، ولذلك ابن القيم يحبذ في مدارج السالكين أن تؤثر في الناس في الإلقاء، كيف تشير؟ كيف تختار العبارة القوية؟ متى ترفع صوتك؟ متى تخفض صوتك؟ ومتى تغضب؟ متى تهدئ من الصوت؟ ومتى تستفهم؟ ومتى تقف؟ ومتى تضغط على الكلمة؟ ومن أحسن ما سمعت خطيباً في هذا العصر - لولا بعض الملاحظات-: عبد الحميد كشك، ولذلك تسمع كيف يضغط على الكلمة، وكيف يحرك الجماهير، وكيف يهدأ يهدأ حتى كأنه الليل في آخره ثم يثور يثور كأنه السيل أقبل، ثم يتصدع قلبه ثم يستفهم ثم يلقي الشعر، ويحبس أنفاسه عند آخر القصيدة، ثم ينتزع الناس حتى لا يملك الناس مشاعرهم، هذه خطبة وتأثير، حقاً ولذلك لك أن تسمع أشرطته، ولك أن تقلد الخطباء البارعين ولو ببراعة نسبية. وليس المقصود أن تقرأ على الناس قراءة فإن الناس كلهم يستطيعون أن يقرءوا، لكن كيف تستطيع أن تؤثر وتوصل المعلومة؟ يقول النعمان بن بشير: كنت في السوق - سوق المدينة الزوراء والرسول عليه الصلاة والسلام يخطب فرفع صوته ووعظ وأنذر وحذر حتى سقطت خميصته من عليه. ويقول أنس: وعظنا رسول الله عليه الصلاة والسلام فالتفت في المسجد إلى الصحابة وكل قد وضع رأسه بين ركبتيه ولهم حنين من البكاء. ويقول جابر: كان صلى الله عليه وسلم إذا خطب اشتد غضبه، وعلا صوته، واحمرت وجنتاه، وكأنه منذر جيشٍ، يقول: صبحكم ومساكم. هذه الكلمة، لا أن تأتيني بوعظ بارد، وتأتي لي بزجر وتجعله في سهولة ويسر، لا. نحن أمام فن خطابة. وفن الإلقاء أن تكون متفنناً في إلقائك، ولا تخف، ولا تقل: رياءً أو سمعة، أو ظهوراً أو شهرة، لا. أنت صاحب الأسلوب واقصد به وجه الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى.

الأصل الرابع: معرفة الواقع الذي نعيش فيه، فللبادية خطبة، وللحاضرة خطبة، ولأساتذة الجامعات خطبة، ولطلبة العلم خطبة، ولكبار السن كلام، لأن من أوتى الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً، وكان عليه الصلاة والسلام يحدث الناس على قدر عقولهم.

الأصل الخامس: اجتناب الأحاديث الموضوعة، أما أن تأتي بحديث وهو موضوع وتحمل تبعة العمل به، فأنت المسئول عند الله، ويصبح البعيد كاذباً يتبوأ مقعده من النار؛ لأنه يعلم الناس الكذب على منبر الرسول صلى الله عليه وسلم.

الأصل السادس: أن يكون الخطيب عاملاً بما يقول، ولذلك أُبطلت مصداقية كثير من الخطباء، في كثير من الأمكنة بسبب أنهم خالفوا ما دعو إليه، كأن يحذر الخطيب من شهادة الزور ثم يشهد على جيرانه بها، ويحذر من قطيعة الرحم ويكون أول قاطع للرحم، ويحذر من أخذ أراضي الناس ظلماً وعدواناً، ويعرف الناس في المسجد أنه أخذ أراضيهم، فلذلك يبكي على المنبر ولا يبكون، يقولون: أراضينا عندك!!

الأصل السابع: ترك التجريح، فلا يستخدم المنبر ليشفي غليله ولينتقم لنفسه فإن بعضهم يأخذ هذا، فتجده إذا تكلم لقبيلته أو جماعته أو حيه أو مستمعيه لا يحترمهم، ربما لأمور في نفسه يثور عليهم وينتقم منهم ويقول: أنتم تفعلون كذا وكذا وكأنه يبرئ نفسه، وسمعت أن أحد الخطباء فيه حمق وقف يقول: يا أيها الناس! لا تركنوا إلى أنفسكم، ولا تأمنوا مكر الله، والله لا أضمن أنا، وهو أنا لا أضمن لنفسي الجنة! أو كما قال، وأحفظ من هذا الكثير، فترك التجريح مطلوب، كان صلى الله عليه وسلم يقول: «ما بال أقوامٍ يفعلون كذا وكذا» ويقول: «يا بني عبد الله! إن الله أحسن اسم أبيكم، فأحسنوا العمل والاستجابة».

الأصل الثامن: الجذب، أن تكون جذاباً بأسلوبك، فلا بأس أن تدخل الخطبة بقصة، ثم لا تخبر من هو بطل القصة، انظر هؤلاء المنحرفين كيف ملكوا أسماع الناس وأبصارهم بالتأثير العالمي، بالأساليب وبالأطروحات، تأتي بقصة ولا تذكر بطلها، وتبدأ بقصيدة ولا تذكر صاحبها، وأحياناً تبدأ مستفهماً متأثراً، أحياناً تبدأ هادئاً ثم تثور بصوتك، فالجذب فن، ولم أجعل مثل هذه الندوة ولا يجعل زملائي وإخواني مثل هذه الندوات إلا لتعليم فن الخطابة، ولا أعرف أن هناك جهة تتولى تعليم الناس الخطابة، مع أن في تركيا معهد الخطباء، قابلنا ما يقارب 400 منهم خطباء مؤثرين بلغتهم، وفي الدول الشرقية والغربية معاهد وجامعات للخطابة وأقسام ليؤثروا في الناس.

الأصل التاسع: إجادة اللغة العربية، ألا تلحن، واللحن خدش في الوجه، ولا أعلم أحداً الآن إلا ويلحن لا من العلماء ولا من الخطباء، لكن قليلاً قليلاً. سامحن بالقليل من غير عذْل ربما أحسن القليل وأرضى ونحن لا نقول للخطيب: إنك تستطيع أن تكون كـ علي بن أبي طالب رضي الله عنه أو كـ زياد بن أبيه، لا. لكن يقلل من اللحن خاصة في كتاب الله عز وجل، وفي سنة الرسول عليه الصلاة والسلام، وأحد الخطباء يقول: واتقوا يومٌ ترجعون فيه إلى الله، (يومٌ) هل يحل له أن يصرف كتاب الله عز وجل ويلعب به على المنبر، ولو لحن في الكلام المجرد لكان سهلاً، أما في كتاب الله فلا.

الأصل العاشر: أن يكون مستغفراً داعياً لله منيباً إليه قبل أن يصعد إلى الناس؛ لأن الموقف صعب، وكان بعض الصالحين يمرغ وجهه في التراب قبل أن يصعد ويقول: (اللهم ثبت قلبي وسدد لساني) ورأيت في ترجمة شيخ الإسلام رحمه الله أنه قبل أن يتكلم في مجلس درسه كان يقول: (اللهم بك أصول وبك أجول وبك أقاتل) ويدعو الله ويبتهل كثيراً، وكان من عادة ابن تيمية كما ذكر ذلك ابن عبد الهادي في كتاب العقود الدرية أنه إذا أراد أن يتحدث للناس بعد العصر، ويزدحم الناس عليه، الخطباء والعلماء، والأصوليون والمفسرون، والنحاة والفقهاء، فكان إذا أراد أن يتكلم أغلق عينيه؛ لأنه كان يغرف من بحر وما كان يتلعثم ولا يتوقف، مثل البحر إذا أقبل هائجاً مائجاً، ولذلك أثر في مسار التاريخ، ولا أعلم الآن عالماً أثر في مسار التاريخ مثل ابن تيمية بسبب قوته وحجته وبيانه، وهو يقول في اقتضاء الصراط المستقيم أصول النبوغ بين الأمم جميعاً: " البيان والحفظ والفهم ". البيان: أن يكون لك لسان تؤدي رسالة الله به، والحفظ: أن تحفظ النصوص الشرعية، والفهم: أن تستنبط، فهذا من أصول الخطابة. وأذكر أن أبا معاذ الرازي الخطيب العظيم كان إذا صعد المنبر دعا الله وبكى ثم جلس قليلاً ثم بدأ كلامه، وكان لا يبدأ كلامه إلا بهذا البيت يقول: وغير تقي يأمر الناس بالتقى طبيب يداوي الناس وهو عليل فيبكي الناس. أيضاً: أن يكون مستهلاً خطبه بما يسمى براعة الاستهلال، فإن أول الخطابة لها دور في استثارة الناس، أن تبدأ مع الناس ببراعة حتى تجذبهم إليك، المنذر بن سعيد البلوُّطي عالم الأندلس كان خطيباً في الزهراء، والزهراء كانت لـ الناصر بناها ومكث فيها سنوات حتى أصبحت من مشاهير مدن الدنيا، فأراد أن يعظ هذا السلطان فيوم الجمعة بعد أن انتهى من البناء وعمل حفلاً للناس أجمعين ليحضروا في المدينة، فقام المنذر فحمد الله والتفت إلى الخليفة وقال، قال الله تعالى: (أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ * وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ * وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ) [الشعراء:128 - 130] فتأثر الناس، لأن هذا مطلع عظيم.

التحليلات

الإحالات

1- التأثير في الجماهير عن طريق الخطابة – ديل كارنيجي .

2- الخطابة العربية – أشرف موسى مكتبة الخانجي .

3- عيون الأخبار – ابن قتيبة – يوسف طويل 2/251 دار الكتب العلمية الطبعة الولى 1406 .

4- فن الخطابة – علي محفوظ دار الاعتصام .

5- فن الخطابة – أحمد الحوفي .

6- البيان الزاهر إلى فرسان المنابر – عبد الرحمن الأحمد