خشوع

2022-10-05 - 1444/03/09

التعريف

الخشوع لغة:

مصدر خشع يخشع وهو مأخوذ من مادّة (خ ش ع) الّتي تدلّ كما يقول ابن فارس على معنى واحد هو التّطامن، يقال خشع فلان إذا تطامن وطأطأ رأسه وهو قريب المعنى من الخضوع، إلّا أنّ الخضوع في البدن وهو الإقرار بالاستخذاء، والخشوع في البدن والصّوت والبصر، قال تعالى: خاشِعَةً أَبْصارُهُمْ (القلم: 43) ، قال ابن دريد: الخاشع: المستكين والرّاكع، وقال الرّاغب: الخشوع الضّراعة، وأكثر ما يستعمل الخشوع فيما يوجد على الجوارح، والضّراعة أكثر ما تستعمل فيما يوجد في القلب ولذلك قيل فيما روي: إذا ضرع القلب خشعت الجوارح.

وذكرت كتب اللّغة أنّ الخشوع هو الخضوع، يقال خشع يخشع خشوعا، واختشع وتخشّع: رمى ببصره نحو الأرض، وغضّه وخفض صوته، وقوم خشّع: متخشّعون، وخشع بصره: انكسر، ولا يقال اختشع بصره، قال ذو الرّمّة: تجلّى السّرى عن كلّ خرق كأنّه *** صفيحة سيف، طرفه غير خاشع واختشع إذا طأطأ صدره وتواضع، وقوله تعالى: وَخَشَعَتِ الْأَصْواتُ لِلرَّحْمنِ (طه: 108) أي سكنت، وكلّ ساكن خاضع خاشع. والخاشع: الرّاكع، في بعض اللّغات، والتّخشّع: تكلّف الخشوع، والتّخشّع لله: الإخبات والتّذلّل. وقوله تعالى: وَمِنْ آياتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خاشِعَةً (فصلت: 39) .

قال الزّجّاج: الخاشعة المتغيّرة المتهشّمة، وأراد المتهشّمة النبات، وبلدة خاشعة: أي مغبرّة لا منزل بها، وإذا يبست الأرض ولم تمطر قيل: قد خشعت. قال تعالى: (وَمِنْ آياتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خاشِعَةً فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ) (فصلت: 39) والعرب تقول: رأينا أرض بني فلان خاشعة هامدة ما فيها خضراء و قال الفيروزابادي: الخشوع: الخضوع كالاختشاع -والفعل كمنع- أو قريب من الخضوع. أو هو في البدن والخشوع في الصوت والبصر.

والخشوع: السكون والتذلّل. وقال الراغب: الخشوع: الضراعة. وأكثر ما يستعمل الخشوع فيما يوجد على الجوارح، والضراعة أكثر ما تستعمل فيما يوجد في القلب.

وقال الفيّومي في المصباح المنير: خشع خشوعاً إذا خضع. وخشع في صلاته ودعائه: أقبل بقلبه على ذلك، وهو مأخوذ من خشعت الأرض إذا سكنت واطمأنت. [مقاييس اللغة لابن فارس (2/ 182) ، والمفردات، للراغب (148) ، والصحاح للجوهري (3/ 1204) ، والنهاية لابن الأثير (2/ 34) ، ولسان العرب لابن منظور (8/ 71) ] .

 

واصطلاحا:

قيام القلب بين يدي الرّبّ بالخضوع والذّلّ وقيل: هو الانقياد للحقّ . قال ابن رجب: أصل الخشوع لين القلب ورقته وسكونه وخضوعه وانكساره وحرقته. فإذا خشع القلب تبعه خشوع جميع الجوارح والأعضاء، لأنها تابعة له [الخشوع: لابن رجب ص17] .

العناصر

1- معنى الخشوع .

2- فضل الخشوع .

3- فضل الخاشعين .

4- أسباب عدم الخشوع في العبادة .

5- مظاهر عدم الخشوع في العبادة .

6- الوسائل التي تعين المرء على التحلي بالخشوع .

7- علامات الخشوع .

8- ثمرة الخشوع .

الايات

1- قال الله تعالى: (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ َاشِعُونَ)[المؤمنون: 1، 2].

 

2- قوله تعالى: (أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَما نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلُ فَطالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ) [الحديد: 16 ] .

 

3- قوله تعالى: (وَلَقَدْ جاءَهُمْ مِنَ الْأَنْباءِ ما فِيهِ مُزْدَجَرٌ * حِكْمَةٌ بالِغَةٌ فَما تُغْنِ النُّذُرُ * فَتَوَلَّ عَنْهُمْ يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلى شَيْءٍ نُكُرٍ * خُشَّعاً أَبْصارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ كَأَنَّهُمْ جَرادٌ مُنْتَشِرٌ * مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ يَقُولُ الْكافِرُونَ هذا يَوْمٌ عَسِرٌ) [القمر: 4- 8].

 

4- قوله تعالى: (يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ * خاشِعَةً أَبْصارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سالِمُونَ) [القلم: 42- 43 ] .

 

5- قوله تعالى: (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّها لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخاشِعِينَ * الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ راجِعُونَ) [البقرة: 45- 46 ] .

 

6- قوله تعالى: (قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لا تُؤْمِنُوا إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذا يُتْلى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ سُجَّداً * وَيَقُولُونَ سُبْحانَ رَبِّنا إِنْ كانَ وَعْدُ رَبِّنا لَمَفْعُولًا * وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً) [الإسراء: 107- 109 ] .

 

7- قوله تعالى: (إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِماتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ وَالْقانِتِينَ وَالْقانِتاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِراتِ وَالْخاشِعِينَ وَالْخاشِعاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِماتِ وَالْحافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحافِظاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِراتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً) [الأحزاب: 35] .

 

8- قوله تعالى: (وَمِنْ آياتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خاشِعَةً فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْياها لَمُحْيِ الْمَوْتى إِنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [فصلت: 39] .

 

9- قوله تعالى: (وَزَكَرِيَّا إِذْ نادى رَبَّهُ رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْداً وَأَنْتَ خَيْرُ الْوارِثِينَ * فَاسْتَجَبْنا لَهُ وَوَهَبْنا لَهُ يَحْيى وَأَصْلَحْنا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كانُوا يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ وَيَدْعُونَنا رَغَباً وَرَهَباً وَكانُوا لَنا خاشِعِينَ) [الأنبياء: 89- 90] .

 

10- قوله تعالى: (إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ * وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ * وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ وَلِيٍّ مِنْ بَعْدِهِ وَتَرَى الظَّالِمِينَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذابَ يَقُولُونَ هَلْ إِلى مَرَدٍّ مِنْ سَبِيلٍ * وَتَراهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْها خاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ وَقالَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ الْخاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَلا إِنَّ الظَّالِمِينَ فِي عَذابٍ مُقِيمٍ * وَما كانَ لَهُمْ مِنْ أَوْلِياءَ يَنْصُرُونَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ سَبِيلٍ ) [الشورى: 42- 46] .

 

11- قوله تعالى: (وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ خاشِعِينَ لِلَّهِ لا يَشْتَرُونَ بِآياتِ اللَّهِ ثَمَناً قَلِيلًا أُولئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسابِ) [آل عمران: 199] .

 

12- قوله تعالى: (لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ عَلى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) [الحشر: 21] .

الاحاديث

1- عن عثمان- رضي اللّه عنه- قال: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: «ما من امرئ مسلم تحضره صلاة مكتوبة، فيحسن وضوءها وخشوعها وركوعها. إلّا كانت كفّارة لما قبلها من الذّنوب. ما لم يؤت كبيرة. وذلك الدّهر كلّه» [مسلم (228) ] .

 

 

2- عن أبي هريرة- رضي اللّه عنه- قال:

سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: «مثل المجاهد في سبيل اللّه- واللّه أعلم بمن يجاهد في سبيله- كمثل الصّائم القائم الخاشع الرّاكع السّاجد» [النسائي (6/ 18) واللفظ له، وصححه الألباني، صحيح سنن النسائي (2930)، وهو في صحيح الجامع (5850). وهو بسياق مقارب في «الصحيحين» من حديث أبي هريرة. انظر «جامع الأصول» (9/ 476 و481) ] .

 

 

3- عن أبي هريرة- رضي اللّه عنه- قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «إنّ اللّه لا ينظر إلى صوركم وأموالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم» [مسلم (2564) ] .

 

 

4- سئل ابن عبّاس- رضي اللّه عنهما- عن استسقاء رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقال: إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم خرج متبذّلا  متواضعا متضرّعا حتّى أتى المصلّى فلم يخطب خطبتكم هذه، ولكن لم يزل في الدّعاء والتّضرّع والتّكبير، وصلّى ركعتين كما كان يصلّي في العيد. [الترمذي (558) واللفظ له، وقال: هذا حديث حسن صحيح، وابن ماجة (1266) وحسنه الألباني ] .

 

 

5- عن عبد اللّه بن الشّخّير- رضي اللّه عنه- قال: «رأيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يصلّي وفي صدره أزير كأزير الرّحى من البكاء صلّى اللّه عليه وسلّم» [أبو داود (904) واللفظ له، النسائي (3/ 13)، وقال محقق جامع الأصول (5/ 435): حديث صحيح ] .

 

 

6- عن عبد اللّه بن مسعود- رضي اللّه عنه- قال: قال لي النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: «اقرأ عليّ». قلت: آقرأ عليك وعليك أنزل؟. قال: «فإنّي أحبّ أن أسمعه من غيري». فقرأت عليه سورة النّساء حتّى بلغت (فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً) قال: «أمسك». فإذا عيناه تذرفان . [البخاري- الفتح 8 (4582) واللفظ له، وفيه «بعض الحديث عن عمرو بن مرّة»، ومسلم (800) ] .

 

الاثار

1- روي عن علي بن الحسين أنه كان إذا توضأ اصفرَّ لونه، فيقول له أهله: ما هذا الذي يعتريك عند الوضوء؟ فيقول: أتدرون بين يدي من أقوم؟ [الإحياء 1/ 157] .

 

2- يروى عن حاتِم الأصمّ أنه سئل عن صلاته فقال: إذا حانت الصلاة أسبغت الوضوء، وأتيت الموضع الذي أريد الصلاة فيه، فأقعد فيه حتى تجتمع جوارحي، ثم أقوم إلى صلاتي، وأجعل الكعبة بين حاجبي، والصراط تحت قدمي، والجنة عن يميني، والنار عن شمالي، وملك الموت ورائي، وأظنُّها آخر صلاتي، ثم أقوم بين الرجاء والخوف، وأكبر تكبيراً بتحقيق، وأقرأ قراءةً بترتيل، وأركع ركوعاً بتواضع، وأسجد سجوداً بتخشع .. وأتبعها الإخلاص، ثم لا أدري أقبلت أم لا؟ [الإحياء 1/ 157] .

 

3- قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: من تواضع لله تخشّعا، رفعه الله يوم القيامة، ومن تطاول تعظّما، وضعه الله يوم القيامة [الزهد للإمام وكيع بن الجراح (2/ 467) ] .

 

4- عن عمر بن الخطّاب رضي الله عنه أنّه رأى رجلا طأطأ رقبته في الصّلاة. فقال: يا صاحب الرّقبة ارفع رقبتك، ليس الخشوع في الرّقاب إنّما الخشوع في القلوب [مدارج السالكين (1/ 559) ] .

 

5- عن عليّ رضي الله عنه قال: الخشوع في القلب أن تلين كنفك للرّجل المسلم وأن (لا تلتفت) في الصّلاة [الزهد للإمام وكيع بن الجراح (2/ 599) ] .

 

6- عن ابن عمر رضي الله عنهما في قوله تعالى (الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ) [المؤمنون: 2] قال: كانوا إذا قاموا في الصّلاة، أقبلوا على صلاتهم، وخفضوا أبصارهم إلى موضع سجودهم. وعلموا أنّ الله يقبل عليهم فلا يلتفتون يمينا ولا شمالا [الدر المنثور للسيوطي (6/ 84) ] .

 

7- عن ابن عمر رضي الله عنهما أنّه كان إذا تلا هذه الآية (أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ) [الحديد: 16] . قال: بلى يا ربّ، بلى يا ربّ [الدر المنثور للسيوطي(8/ 59) ] .

 

8- عن قرظة بن كعب قال: بعثنا عمر ابن الخطّاب إلى الكوفة وشيّعنا. فمشى معنا إلى موضع يقال له صرار. فقال: أتدرون لم مشيت معكم؟. قال: قلنا: لحقّ صحبة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ولحقّ الأنصار. قال: لكنّي مشيت معكم لحديث أردت أن أحدّثكم به، فأردت أن تحفظوه لممشاي معكم. إنّكم تقدمون على قوم للقرآن في صدورهم هزيز كهزيز المرجل. فإذا رأوكم مدّوا إليكم أعناقهم وقالوا: أصحاب محمّد. فأقلّوا الرّواية عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ثمّ أنا شريككم [ابن ماجة (28) ] .

 

9- قال مجاهد رحمه الله في قوله تعالى (سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ) [الفتح: 29] . قال: هو الخشوع والتّواضع [الدر المنثور (7/ 542) ] . 10- قال الفضيل بن عياض: كان يكره أن يري الرّجل من الخشوع أكثر ممّا في قلبه [مدارج السالكين (1/ 559) ] .

القصص

1- قال الحافظ ابن كثير- رحمه اللّه-:

قد ذكر غير واحد أنّ عروة بن الزّبير لمّا خرج من المدينة متوجّها إلى دمشق ليجتمع بالوليد، وقعت الأكلة في رجله في واد قرب المدينة، وكان مبدؤها هناك فظنّ أنّها لا يكون منها ما كان، فذهب في وجهه ذلك، فما وصل إلى دمشق إلّا وهي قد أكلت نصف ساقه، فدخل على الوليد فجمع له الأطبّاء العارفين بذلك، فاجتمعوا على أن يقطعها وإلّا أكلت رجله كلّها إلى وركه، وربّما ترقّت إلى الجسد فأكلته، فطابت نفسه بنشرها، وقالوا: ألا نسقيك مرقّدا حتّى يذهب عقلك منه فلا تحسّ بألم النّشر؟ فقال: لا واللّه ما كنت أظنّ أنّ أحدا يشرب شرابا أو يأكل شيئا يذهب عقله، ولكن إن كنتم لا بدّ فاعلين فافعلوا ذلك وأنا في الصّلاة، فإنّي لا أحسّ بذلك، ولا أشعر به. قال: فنشروا رجله من فوق الأكلة من المكان الحيّ، احتياطا أنّه لا يبقى منها شيء، وهو قائم يصلّي، فما تضوّر ولا اختلج، فلمّا انصرف من الصّلاة عزّاه الوليد في رجله، فقال: اللّهمّ لك الحمد، كان لي أطراف أربعة فأخذت واحدا فلئن كنت قد أخذت فقد أبقيت، وإن كنت قد ابتليت فلطالما عافيت، فلك الحمد على ما أخذت وعلى ما عافيت قال: وكان قد صحب معه بعض أولاده من جملتهم ابنه محمّد، وكان أحبّهم إليه، فدخل دار الدّوابّ، فرفسته فرس فمات، فأتوه فعزّوه فيه، فقال الحمد للّه كانوا سبعة فأخذت منهم واحدا وأبقيت ستّة، فلئن كنت قد ابتليت فلطالما عافيت، ولئن كنت قد أخذت فلطالما أعطيت. فلمّا قضى حاجته من دمشق رجع إلى المدينة ... فبلغه أنّ بعض النّاس قال: إنّما أصابه هذا بذنب عظيم أحدثه، فأنشد عروة في ذلك، والأبيات لمعن بن أويس:

 

لعمرك ما أهويت كفّي لريبة *** ولا حملتني نحو فاحشة رجلي

 

ولا قادني سمعي ولا بصري لها *** ولا دلّني رأيي عليها ولا عقلي

 

ولست بماش ما حييت لمنكر *** من الأمر لا يمشي إلى مثله مثلي

 

ولا مؤثر نفسي على ذي قرابة *** وأوثر ضيفي ما أقام على أهلي

 

وأعلم أنّي لم تصبني مصيبة *** من الدّهر إلّا قد أصابت فتى قبلي

 

البداية والنهاية لابن كثير (9/ 102، 103).

 

الاشعار

1- قال عبد الله بن المبارك رحمه الله تعالى:

إذا ما اللّيل أظلم كابدوه *** فيسفر عنهم وهم ركوع

أطار الخوف نومهم فقاموا *** وأهل الأمن في الدّنيا هجوع

[التخويف من النار (38، 39) ] .

 

2- قال عبد الله بن المبارك رحمه الله تعالى:

وما فرشهم إلّا أيامن أزرهم *** وما وسدهم إلّا ملاء وأذرع

وما ليلهم فيهنّ إلّا تخوّف *** وما نومهم إلّا عشاش مروّع

وألوانهم صفر كأنّ وجوههم *** عليها كساء وهو بالورس مشبع

[التخويف من النار (38، 39) ].

 

3- قال عبّاد بن زياد التّيميّ، يرثي إخوة له متعبّدين:

فتية يعرف التّخشّع فيهم *** كلّهم أحكم القران غلاما

قد برى جلده التّهجّد حتّى *** عاد جلدا مصفّرا وعظاما

تتجافى عن الفراش من الخوف *** إذا الجاهلون باتوا نياما

بأنين وعبرة ونحيب *** ويظلّون بالنّهار صياما

يقرؤون القرآن لا ريب فيه *** ويبيتون سجّدا وقياما 

[التخويف من النار لابن رجب (29، 30) ] .

 

4- قال عبد الله بن المعمار:

رقّة في الجنان فيها حياء *** فيهما هيبة وذاك خشوع

ليس حال ولا مقام وإن فا *** ضت عليه من العيون دموع

[ بصائر ذوي التمييز للفيروز ابادي (2/ 542) ] .

الدراسات

متفرقات

1- قال ابن القيّم رحمه الله: الخشوع هو الاستسلام للحكمين: الدّينيّ الشّرعيّ، بعدم معارضته برأي أو شهوة، والقدريّ بعدم تلقّيه بالتّسخّط والكراهية والاعتراض. والاتّضاع لنظر الحقّ، وهو اتّضاع القلب والجوارح وانكسارها لنظر الرّبّ إليها، واطّلاعه على تفاصيل ما في القلب والجوارح، وخوف العبد الحاصل من هذا يوجب له خشوع القلب لا محالة.

وكلّما كان أشدّ استحضارا له كان أشدّ خشوعا، وإنّما يفارق الخشوع القلب إذا غفل عن اطّلاع الله عليه ونظره إليه.

وممّا يورث الخشوع: ترقّب آفات النّفس والعمل، ورؤية فضل كلّ ذي فضل عليك وهذا المعنى أي انتظار ظهور نقائص نفسك وعملك وعيوبها لك يجعل القلب خاشعا لا محالة، لمطالعة عيوب نفسه وأعماله ونقائصهما: من الكبر، والعجب، والرّياء، وضعف الصّدق، وقلّة اليقين، وتشتّت النّيّة وعدم إيقاع العمل على وجه يرضاه الله تعالى وغير ذلك من عيوب النّفس.

وأمّا رؤية كلّ ذي فضل عليك: فهو أن تراعي حقوق النّاس فتؤدّيها، ولا ترى أنّ ما فعلوه فيك من حقوقك عليهم، فلا تعارضهم عليها؛ فإنّ هذا من رعونات النّفس وحماقاتها، ولا تطالبهم بحقوق نفسك. وتعترف بفضل ذي الفضل منهم وتنسى فضل نفسك.

وقد قال شيخ الإسلام ابن تيميّة رحمه الله: العارف لا يرى له على أحد حقّا ولا يشهد له على غيره فضلا؛ ولذلك لا يعاتب ولا يطالب، ولا يضارب» [مدارج السالكين (1/ 560- 561) ].

التحليلات

الإحالات

1- ترتيب أحاديث صحيح الجامع الصغير وزيادته – عوني الشريف، علي حسن عبد الحميد 1/248 مكتبة المعارف الطبعة الأولى 1406 .

2- تفسير وبيان مفردات القرآن – محمد حسن الحمصي ص 260 دار الرشيد مؤسسة الإيمان .

3- التقريب- بكر ابو زيد ص 113 مطابع دار الهلال الطبعة الأولى 1401 .

4- التقريب لعلوم ابن القيم – بكر ابيو زيد ص 138 دار الراية الطبعة الأولى 1411 .

5- تهذيب مدارج السالكين – عبد المنعم العزي ص 275 وزارة العدل والشئون الإسلامية بالإمارات .

6- الخشوع في الصلاة – ابن رجب المكتبة القيمة الطبعة الثانية 1403 .

7- الخشوع وأثره في بناء الأمة – سليم الهلالي دار ابن الجوزي الطبعة الأولى 1410 .

8- خطب مختارة ص 255، 266 الإفتاء 1407 .

9- الخطب الطوالع والحكم الجوامع – إبراهيم الناصر ص 28 الطبعة الثانية 1403 .

10- رهبان الليل سيد العفاني 1/227 مكتبة ابن تيمية الطبعة الأولى 1410 .

11- الروح – ابن القيم تحقيق عبد الفتاح محمود عمر ص 314 دار الفكر عمان 1985 .

12- سلاح اليقظان لطرد الشيطان – عبد العزيز السلمان ص 206 الطبعة الأولى 1408 .

13- الضياء اللامع من الخطب الجوامع – ابن عثيميين ص 132 الرئاسة العامة الطبعة الثانية 1400 .

14- كتاب الزهد – وكيع بن الجراح تحقيق عبد الرحمن الفريوائي 2/595 مكتبة الدار الطبعة الأولى 1404 .

15- الكلام على مسألة السماع – ابن القيم تحقيق راشد الحمد ص 190، 212 دار العاصمة الطبعة الأولى 1409 .

16- مجموع الفتاوى – ابن تيمية 36/4 الطبعة الأولى 1398 .

17- مدارج السالكين – ابن القيم تحقيق محمد حامد الفقي 1/521 دار الكتاب العربي 1392 .

18- مصائب الإنسان من مصائد الشيطان – ابن مفلح ص 118، 133 دار الكتب العلمية الطبعة الأولى 1404 .

19- المنتقى النفيس من تلبيس إبليس – ابن الجوزي – علي حسن علي عبد الحميد ص 385 دار ابن الجوزي الطبعة الأولى 1410 .

20- المناهل الحسان في دروس رمضان – عبدالعزيز السلمان ص 188 – 1409 .

21- موارد الظمآن لدروس الزمان – عبد العزيز السلمان 1/187،1/232 الطبعة الثامنة عشرة 1408 .

22- نزهة الفضلاء تهذيب سير أعلام النبلاء – محمد حسن موسى ص 1673 دار الأندلس الطبعة الأولى 1411 .

23 - الوابل الصيب ورافع الكلم الطيب – ابن القيم تحقيق بشير محمد عيون ص 35 مكتبة دار البيان .

24- الوصايا – المحاسبي ص 136 دار الكتب العلمية الطبعة الأولى 1406 .