جهاد

2022-10-11 - 1444/03/15

التعريف

أولا: تعريفه في اللغة:

 

الجهاد: مصدر جاهد جهاد ومجاهدة، قاتل العدو وجاهد في سبيل الله، وهو من الجهد، أي: المشقة والطاقة. يقال: أجهد دابته إذا حمل عليها في السير فوق طاقتها. والجهد - بالضم- الوسع والطاقة (لسان العرب» لابن منظور (3/134) مادة (جهد) و«المحيط» في اللغة لابن عباد (3/369) و«المصباح المنير» للفيومي ص 112 مادة (جهد). جاء في لسان العرب: الجهاد: المبالغة واستفراغ الوسع في الحرب، أو اللسان أو ما أطاق من شيء (لسان العرب (3/135) مادة (جهد).

 

ثانيا: عند الفقهاء: عرفه الحنفية بأنه: بذل الوسع والطاقة بالقتال في سبيل الله عز وجل بالنفس، والمال، واللسان، أو غير ذلك، أو المبالغة في ذلك (بدائع الصنائع للكاساني (6/57). أو بأنه: الدعاء إلى الدين الحق، وقتال من لم يقبله (اللباب في شرح الكتاب لعبد الغني الميداني (ص114) وتحفة الفقهاء لعلاء الدين السمرقندي (3/293). وعرفه المالكية بأنه: قتال مسلم كافرا غير ذي عهد، لإعلاء كلمة الله تعالى، أو حضوره له، أو دخوله أرضه (بلغة السالك للصاوي (1/354) ومعنى حضوره له أي: حضوره القتال، أو دخوله أرضه، أي: أرض الكفار).

 

وعرفه الشافعية، والحنابلة بأنه: بذل الجهد في قتال الكفار (فتح الباري شرح صحيح البخاري لابن حجر (6/3) والمهذب للشيرازي مع تكملة المجموع (21/121) وشرح منتهى الإرادات لمنصور البهوتي (1/617) والروض المربع للبهوتي ص (295).

 

ونخلص من هذه التعريفات إلى أن الجهاد يأتي بمعنيين:

 

الأول: معنى عام يشمل قتال الكفار بالنفس والمال واللسان، وغير ذلك كما عرفه به الحنفية استنادا على المعنى اللغوي للجهاد، وما جاء في بعض النصوص الشرعية من إطلاق الجهاد على غير قتال الكفار بالنفس كقوله - صلى الله عليه وسلم - «المجاهد من جاهد نفسه في طاعة الله (أخرجه الإمام أحمد في المسند رقم (23840) وصححه ابن حبان، انظر: الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان، باب الهجرة، رقم (4842) وصححه الحاكم في المستدرك كتاب الإيمان، رقم (24) وسكت عنه الذهبي في التلخيص بهامش المستدرك وصححه الألباني: أنظر سلسلة الأحاديث الصحيحة، رقم (549). «جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم» (أخرجه أبو داود في سننه، كتاب الجهاد باب كراهية ترك الغزو، رقم (2504) والنسائي في سننه مع شرح السيوطي، كتاب الجهاد، باب وجوب الجهاد، رقم (3096) والإمام أحمد في المسند (10/398) رقم (12186) وأخرجه الدارمي في سننه، كتاب الجهاد باب في جهاد المشركين باللسان واليد (2/213) والحاكم في المستدرك، كتاب الجهاد، رقم (2427) وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي. انظر التلخيص بهامش المستدرك (2/91) وصححه ابن حبان. انظر: الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان، باب الجهاد، رقم (4688).

 

الثاني: معنى خاص وهو: قتال الكفار بالنفس وهذا ما عرفه به الجمهور، وهذا المعنى للجهاد هو المراد عند الإطلاق ولا ينصرف إلى غير قتال الكفار بالنفس إلا بقرينة. جاء في المقدمات الممهدات: فكل من أتعب نفسه في ذات الله فقد جاهد في سبيله، إلا أن الجهاد في سبيل الله إذا أطلق فلا يقع إلا على مجاهدة الكفار بالسيف حتى يدخلوا في الإسلام، أو يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون (المقدمات الممهدات لابن رشد (1/342).

 

العناصر

1- تعريف الجهاد.

 

2- الحكمة من مشروعية الجهاد.

 

3- منزلة الجهاد في الإسلام.

 

4- فضل الشهادة في سبيل الله وسؤالها.

 

5- فضل الرباط والنفقة في سبيل الله.

 

6- حكم الجهاد وأقسامه.

 

7- مخاطر إهمال الجهاد في سبيل الله عز وجل وترك الاستعداد له.

 

8- آداب الجهاد.

 

9- جهاد الكفار والمنافقين في سبيل الله صورة من صور التعاون في مجال الدعوة ونصرة الدين.

 

10- الصراع بين الحق والباطل قائم إلى قيام الساعة.

 

الايات

1- قال تعالى: ( كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ ) [البقرة: 216 ].

 

2- قوله تعالى: (فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالآخِرَةِ وَمَن يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيُقْتَلْ أَو يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا * وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيرًا * الَّذِينَ آمَنُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُواْ أَوْلِيَاء الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا * أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّواْ أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقَالُواْ رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلا أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتَاعُ الدَّنْيَا قَلِيلٌ وَالآخِرَةُ خَيْرٌ لِّمَنِ اتَّقَى وَلاَ تُظْلَمُونَ فَتِيلاً) [النساء: 74، 77].

 

3- قوله تعالى: (إِلاَّ تَنفِرُواْ يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلاَ تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [التوبة: 39].

 

4- قوله تعالى: (وَلَوْ شِئْنَا لَبَعَثْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَذِيرًا * فَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُم بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا) [الفرقان: 51، 52].

 

5- قوله تعالى: (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) [العنكبوت: 69].

 

6- قوله تعالى: (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ * الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِإلا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ * الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ).[الحج: 39 – 41].

 

7- قوله تعالى: (قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلاَّ إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَن يُصِيبَكُمُ اللّهُ بِعَذَابٍ مِّنْ عِندِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا فَتَرَبَّصُواْ إِنَّا مَعَكُم مُّتَرَبِّصُونَ) [سورة التوبة: 52].

 

8- قوله تعالى: (لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فَضَّلَ اللّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلاًّ وَعَدَ اللّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا * دَرَجَاتٍ مِّنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكَانَ اللّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا) [النساء: 95، 96].

 

9- قوله تعالى: (يَا أيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ ألِيمٍ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً في جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الفَوْزُ العَظِيمُ وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِن اللهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ المُؤمِنينَ) [الصف:10- 13].

 

10- قوله تعالى: : (إنَّ اللهَ اشْتَرَى مِنَ المُؤْمِنِينَ أنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالإنْجِيلِ وَالقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الفَوْزُ العَظِيمُ) [التوبة:111].

 

11- قال الله- تعالى-: (وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نافَقُوا وَقِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا قاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا قالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتالًا لَاتَّبَعْناكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمانِ يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما يَكْتُمُونَ * الَّذِينَ قالُوا لِإِخْوانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطاعُونا ما قُتِلُوا قُلْ فَادْرَؤُا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) [آل عمران: 167- 168].

 

12- قوله -تعالى-: (انْفِرُوا خِفافاً وَثِقالًا وَجاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * لَوْ كانَ عَرَضاً قَرِيباً وَسَفَراً قاصِداً لَاتَّبَعُوكَ وَلكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَوِ اسْتَطَعْنا لَخَرَجْنا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ * عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكاذِبِينَ * لا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يُجاهِدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ * إِنَّما يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَارْتابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ * وَلَوْ أَرادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقاعِدِينَ) [التوبة:41-46].

 

13- قوله -تعالى-: (فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلافَ رَسُولِ اللَّهِ وَكَرِهُوا أَنْ يُجاهِدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقالُوا لا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كانُوا يَفْقَهُونَ * فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا وَلْيَبْكُوا كَثِيراً جَزاءً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ * فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ إِلى طائِفَةٍ مِنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَداً وَلَنْ تُقاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَاقْعُدُوا مَعَ الْخالِفِينَ * وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً وَلا تَقُمْ عَلى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَماتُوا وَهُمْ فاسِقُونَ) [التوبة:81-84].

 

14- قوله -تعالى-: (وَإِذا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ أَنْ آمِنُوا بِاللَّهِ وَجاهِدُوا مَعَ رَسُولِهِ اسْتَأْذَنَكَ أُولُوا الطَّوْلِ مِنْهُمْ وَقالُوا ذَرْنا نَكُنْ مَعَ الْقاعِدِينَ * رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوالِفِ وَطُبِعَ عَلى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ * لكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ جاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَأُولئِكَ لَهُمُ الْخَيْراتُ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ* أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * وَجاءَ الْمُعَذِّرُونَ مِنَ الْأَعْرابِ لِيُؤْذَنَ لَهُمْ وَقَعَدَ الَّذِينَ كَذَبُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) [التوبة:86-90].

 

15- قوله -تعالى-: (لَيْسَ عَلَى الضُّعَفاءِ وَلا عَلَى الْمَرْضى وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ ما يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ * وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذا ما أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لا أَجِدُ ما أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَناً أَلَّا يَجِدُوا ما يُنْفِقُونَ * إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ وَهُمْ أَغْنِياءُ رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوالِفِ وَطَبَعَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَعْلَمُونَ * يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ إِذا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ قُلْ لا تَعْتَذِرُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكُمْ قَدْ نَبَّأَنَا اللَّهُ مِنْ أَخْبارِكُمْ وَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلى عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) [التوبة:91-94].

 

16- قوله -تعالى-: (لَقَدْ تابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي ساعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ ما كادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُفٌ رَحِيمٌ * وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذا ضاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ وَضاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) [التوبة:117-118].

 

17- قوله -تعالى-: (ما كانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ وَلا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ لا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلا نَصَبٌ وَلا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَطَؤُنَ مَوْطِئاً يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلا يَنالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صالِحٌ إِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ * وَلا يُنْفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً وَلا يَقْطَعُونَ وادِياً إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) [التوبة:120-121].

 

18- قوله -تعالى-: (سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرابِ شَغَلَتْنا أَمْوالُنا وَأَهْلُونا فَاسْتَغْفِرْ لَنا يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً إِنْ أَرادَ بِكُمْ ضَرًّا أَوْ أَرادَ بِكُمْ نَفْعاً بَلْ كانَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً * بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلى أَهْلِيهِمْ أَبَداً وَزُيِّنَ ذلِكَ فِي قُلُوبِكُمْ وَظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ وَكُنْتُمْ قَوْماً بُوراً) [الفتح:11-12].

 

19- قوله -تعالى-: (سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انْطَلَقْتُمْ إِلى مَغانِمَ لِتَأْخُذُوها ذَرُونا نَتَّبِعْكُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللَّهِ قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونا كَذلِكُمْ قالَ اللَّهُ مِنْ قَبْلُ فَسَيَقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُونَنا بَلْ كانُوا لا يَفْقَهُونَ إِلَّا قَلِيلًا * قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرابِ سَتُدْعَوْنَ إِلى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ فَإِنْ تُطِيعُوا يُؤْتِكُمُ اللَّهُ أَجْراً حَسَناً وَإِنْ تَتَوَلَّوْا كَما تَوَلَّيْتُمْ مِنْ قَبْلُ يُعَذِّبْكُمْ عَذاباً أَلِيماً) [الفتح:15-16].

 

الاحاديث

1- عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "لئن تركتم الجهاد وأخذتم بأذناب البقر وتبايعتم بالعينة ليلزمنكم الله مذلة في رقابكم لا تنفك عنكم حتى تتوبوا إلى الله وترجعوا على ما كنتم عليه”(رواه الإمام أحمد (5007).

 

2- عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان”(صحيح مسلم مع شرح النووي كتاب الإيمان، باب كون النهي عن المنكر من الإيمان، رقم (49).

 

3- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، فإن فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام، وحسابهم على الله”(صحيح ابن حبان (175) وقال شعيب الأرناؤوط: إسناده صحيح).

 

4- عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا هجرة بعد الفتح، ولكن جهاد ونية، وإذا استنفرتم فانفروا”(البخاري (2783).

 

5- عن أَبي هريرة رضي الله عنه، قَالَ: سُئِلَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: أيُّ العَمل أفْضَلُ؟ قَالَ: "إيمَانٌ بِاللهِ وَرَسُولِهِ" قيلَ: ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: "الجهادُ في سَبيلِ اللهِ" قِيلَ: ثُمَّ مَاذَا؟قَالَ: "حَجٌّ مَبْرُورٌ”(رواه البخاري (1/77).

 

6- عن أنس رضي الله عنه: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، قَالَ: "لَغَدْوَةٌ في سَبيلِ اللهِ، أَوْ رَوْحَةٌ، خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا”(متفقٌ عَلَيْهِ رواه البخاري (2792) ومسلم (1880).

 

7- عن أَبي سعيدٍ الخدريِّ رضي الله عنه، قَالَ: قالَ رَجُلٌ: أيُّ النّاسِ أفْضَلُ؟ يا رَسولَ اللهِ، قالَ: مُؤْمِنٌ يُجاهِدُ بنَفْسِهِ ومالِهِ في سَبيلِ اللهِ، قالَ: ثُمَّ مَن؟ قالَ: ثُمَّ رَجُلٌ مُعْتَزِلٌ في شِعْبٍ مِنَ الشِّعابِ يَعْبُدُ رَبَّهُ ويَدَعُ النّاسَ مِن شَرِّهِ. وفي روايةٍ: بهذا الإسْنادِ، فَقالَ: ورَجُلٌ في شِعْبٍ، ولَمْ يَقُلْ: ثُمَّ رَجُلٌ"(رواه مسلم: ١٨٨٨).

 

8- عن سهل بن سعد رضي الله عنه: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، قَالَ: "رِبَاطُ يَوْمٍ فِي سَبِيلِ اللهِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا عَلَيْهَا، وَمَوْضِعُ سَوْطِ أَحَدِكُمْ مِنَ الجَنَّةِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا عَلَيْهَا، وَالرَّوْحَةُ يَرُوحُهَا العَبْدُ في سَبِيلِ اللهِ تَعَالَى، أَوْ الغَدْوَةُ، خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا عَلَيْهَا”(أخرجه البخاري (2735).

 

9- عن أَبي هريرة رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تَضَمَّنَ الله لِمَنْ خَرَجَ في سَبيلِهِ، لا يُخْرِجُهُ إِلاَّ جِهَادٌ في سَبيلِي، وَإيمَانٌ بِي، وَتَصْدِيقٌ بِرُسُلِي، فَهُوَ عَلَيَّ ضَامِنٌ أنْ أُدْخِلَهُ الجَنَّةَ، أَوْ أُرْجِعَهُ إِلَى مَنْزِلهِ الَّذِي خَرَجَ مِنْهُ بِمَا نَالَ مِنْ أجْرٍ، أَوْ غَنيمَةٍ. وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، مَا مِنْ كَلْمٍ يُكْلَمُ في سَبيلِ اللهِ، إِلاَّ جَاءَ يَوْمَ القِيَامَةِ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ كُلِم؛ لَوْنُهُ لَوْنُ دَمٍ، وَرِيحُهُ ريحُ مِسْكٍ. وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَوْلاَ أنْ يَشُقَّ عَلَى المُسْلِمِينَ مَا قَعَدْتُ خِلاَفَ سَرِيَّةٍ تَغْزُو في سَبيلِ اللهِ أبداً، وَلكِنْ لاَ أجِدُ سَعَةً فأحْمِلُهُمْ وَلاَ يَجِدُونَ سَعَةً، وَيَشُقُّ عَلَيْهِمْ أنْ يَتَخَلَّفُوا عَنِّي. وَالَّذِي نَفْس مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَوَدِدْتُ أنْ أغْزُوَ في سَبيلِ اللهِ، فَأُقْتَلَ، ثُمَّ أغْزُوَ فَأُقْتَلَ، ثُمَّ أغْزُوَ فَأُقْتَلَ”(رواه مسلم (4967).

 

10- عن أَبي هريرة رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لاَ يَلِجُ النَّارَ رَجُلٌ بَكَى مِنْ خَشْيةِ الله حَتَّى يَعُودَ اللَّبَنُ في الضَّرْعِ، وَلاَ يَجْتَمِعُ عَلَى عَبْدٍ غُبَارٌ في سَبيلِ اللهِ وَدُخَانُ جَهَنَّمَ”(رواه الترمذي: 1633، وصححه الألباني).

 

11- عن ابن عباس رضي الله عنهما، قَالَ: سَمِعْتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، يقول: "عَيْنَانِ لاَ تَمسُّهُمَا النَّارُ: عَيْنٌ بَكَتْ مِنْ خَشْيَةِ اللهِ، وَعَيْنٌ بَاتَتْ تَحْرُسُ في سَبيلِ اللهِ”(رواه الترمذي، وصححه الألباني في جامع الترمذي (4/175) رقم (1639).

 

12- عن زيد بن خالد رضي الله عنه: أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، قَالَ: "مَنْ جَهَّزَ غَازياً في سَبيلِ اللهِ فَقَدْ غَزَا، وَمَنْ خَلَفَ غَازياً في أهْلِهِ بِخَيْرٍ فَقَدْ غَزَا”(مسند الإمام أحمد بن حنبل المؤلف: أحمد بن حنبل أبو عبدالله الشيباني الناشر: مؤسسة قرطبة - القاهرة (4/116) رقم: (17086) وقال شعيب الأرنؤوط: إسناده صحيح على شرط الشيخين).

 

13- عن أبي سعيد الخدريّ -رضي اللّه عنه- أنّ رجالا من المنافقين على عهد رسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم- كان إذا خرج رسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم- إلى الغزو تخلّفوا عنه، وفرحوا بمقعدهم خلاف رسول اللّه، فإذا قدم رسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم- اعتذروا إليه وحلفوا، وأحبّوا أن يحمدوا بما لم يفعلوا فنزلت (لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ) [آل عمران: 188] الآية" (رواه البخاري: (4567).

 

14- عن سلمة بن نفيل الكنديّ -رضي اللّه عنه- قال: كنت جالسا عند رسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم- فقال رجل: يا رسول اللّه، أذال النّاس الخيل، ووضعوا السّلاح، وقالوا: لا جهاد، قد وضعت الحرب أوزارها ، فأقبل رسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم- بوجهه وقال: "كذبوا. الآن جاء القتال، ولا يزال من أمّتي أمّة يقاتلون على الحقّ، ويزيغ اللّه لهم قلوب أقوام، ويرزقهم منهم، حتّى تقوم السّاعة، وحتّى يأتي وعد اللّه. الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة، وهو يوحى إليّ: أنّي مقبوض غير ملبّث ، وأنتم تتّبعوني، أفنادا يضرب بعضكم رقاب بعض، وعقر دار المؤمنين الشّام" (رواه أخرجه النسائي (6/ 214 و215). وقال محقق جامع الأصول (2/ 570): إسناده صحيح وقال الألباني في السلسلة الصحيحة (1935) وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم).

 

15- عن أبي بكر -رضي اللّه عنه- قال: قال رسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم-: "ما ترك قوم الجهاد إلّا عمّهم اللّه بالعذاب" (المنذري في الترغيب (2/ 331) وقال: رواه الطبراني بإسناد حسن. وقال محقق "مجمع البحرين في زوائد المعجمين" للهيثمي (5/ 38): رواه الطبراني في "الأوسط وهو حسن الإسناد إن شاء اللّه وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (2663).

 

16- عن أبي أمامة -رضي اللّه عنه- عن النّبيّ -صلّى اللّه عليه وسلّم- قال: "من لم يغز أو يجهّز غازيا أو يخلف غازيا في أهله بخير أصابه اللّه بقارعة". قال يزيد بن عبد ربّه في حديثه: قبل يوم القيامة. (رواه أبو داود (2503). وقال الألباني (2/ 475): حسن).

 

17- عن أبي هريرة -رضي اللّه عنه- قال: قال رسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم-: "من مات ولم يغز، ولم يحدّث به نفسه مات على شعبة من نفاق". قال ابن سهم: قال عبد اللّه بن المبارك: فنرى أنّ ذلك كان على عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم. (رواه مسلم (1910).

 

18- قال ابن عبّاس- رضي اللّه عنهما-: "استنفر رسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم- حيّا من العرب فتثاقلوا عنه فأمسك اللّه عنهم القطر فكان عذابهم" (ابن كثير، مج 2 ص 358 أو 372. ذكره الحاكم في المستدرك 2/ 104 وقال: صحيح الإسناد، ووافقه الذهب).

 

الاثار

1- قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه في أول خطبة له بعد توليه الخلافة: لا يدع قوم الجهاد في سبيل الله إلا ضربهم الله بالذل [رواه الطبري في الرياض النضرة في مناقب العشرة، تحقيق: عيسى عبد الله محمد مانع الحميري، الطبعة الأولى، دار الغرب الإسلامي، بيروت،1996 (2/213) رقم: (416)، والأزدي في الجامع، تحقيق: حبيب الأعظمي (منشور كملحق بكتاب المصنف للصنعاني ج10)،الطبعة الثانية، المكتب الإسلامي، بيروت، 1403 (11/336) رقم (20702)، وتاريخ الطبري (2/238) والسيرة النبوية لابن هشام، تحقيق: طه عبد الرءوف سعد، الطبعة الأولى، دار الجيل، بيروت،1411ه.(6/82).

 

2- عن علي بن أبي طالبٍ قال: بُعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم- بأربعة أسياف: سيف للمشركين (فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ) [التوبة: 9/ 5]، وسيف لكفار أهل الكتاب (قَاتِلُواْ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ) [التوبة: 9/ 29] وسيف للمنافقين: (جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ) [التوبة: 9/ 73] وسيف للبغاة: (فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ) [الحجرات: 49/ 9]، [تفسير القرآن العظيم المحقق: محمود حسن الناشر: دار الفكر الطبعة: الطبعة الجديدة 1414ه/1994م (2/452).

 

3 - قال أبو هريرة رضي الله عنه لأن أرابط ليلة في سبيل الله أحب إلي من أن أوافق ليلة القدر عند الحجر الأسود [مجموع الفتاوى المحقق: أنور الباز - عامر الجزار الناشر: دار الوفاء الطبعة: الثالثة، 1426 هـ / 2005 م (28/418).

 

4- عن الشعبي قال كتب خالد إلى هرمز قبل خروجه مع آزاذبه أبي الزياذبة الذين باليمامة وهرمز صاحب الثغر يومئذ أما بعد فأسلم تسلم أو اعتقد لنفسك وقومك الذمة وأقرر بالجزية وإلا فلا تلومن إلا نفسك فقد جئتك بقوم يحبون الموت كما تحبون الحياة [تاريخ الأمم والرسل والملوك المؤلف: محمد بن جرير الطبري أبو جعفر الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت الطبعة الأولى، 1407 (2/309).

 

5- قال علي بن طلحة الوالبي عن ابن عباس في وقوله تعالى (وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا عسى الله أن يتوب عليهم إن الله هو التواب الرحيم) قال كانوا عشرة رهط تخلفوا عن رسول الله صلى الله عليه و سلم في غزوة تبوك فلما حضروا رجوعه أوسق سبعة منهم أنفسهم بسواري المسجد فلما مر بهم رسول الله قال من هؤلاء قالوا أبا لبابة وأصحاب له تخلفوا عنك حتى تطلقهم وتعذرهم قال وأنا أقسم بالله لا أطلقهم ولا أعذرهم حتى يكون الله عز و جل هو الذي يطلقهم رغبوا عني وتخلفوا عن الغزو مع المسلمين فلما أن بلغهم ذلك قالوا ونحن لا نطلق أنفسنا حتى يكون الله هو الذي يطلقنا فانزل الله عز و جل (وآخرون اعترفوا بذنوبهم...) الآية وعسى من الله واجب فلما أنزلت أرسل إليهم رسول الله فأطلقهم وعذرهم فجاؤا بأموالهم وقالوا يا رسول الله هذه أموالنا فتصدق بها عنا واستغفر لنا فقال ما أمرت أن آخذ أموالكم فأنزل الله (خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم وإن الله سميع عليم) إلى قوله (وآخرون مرجون لأمر الله إما يعذبهم وإما يتوب عليهم) وهم الذين لم يربطوا أنفسهم بالسواري فارجئوا حتى نزل قوله تعالى: (لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والانصار) الذين خلفوا الى آخرها وكذا رواه عطية بن سعيد العوفي عن ابن عباس بنحوه [البداية والنهاية لابن كثير (5/26، 27).

 

6- قال ابن عباس ومجاهدُ وعِكْرِمة، والضحاك وغير واحد: هم الثلاثة الذين خلفوا، أي: عن التوبة، وهم: مرارة بن الربيع، وكعب بن مالك، وهلال بن أمية، قعدوا عن غزوة تبوك في جملة من قعد، كسلا وميلا إلى الدَّعَة والحفظ وطيب الثمار والظلال، لا شكا ونفاقا، فكانت منهم طائفة رَبَطوا أنفسهم بالسواري، كما فعل أبو لُبابة وأصحابه، وطائفة لم يفعلوا ذلك وهم هؤلاء الثلاثة المذكورون، فنزلت توبة أولئك قبل هؤلاء، وأرجى هؤلاء عن التوبة حتى نزلت الآية الآتية، وهي قوله: (لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأنْصَارِ) [التوبة: 117]، [تفسير ابن كثير (4/210).

 

7- قال عمر بن الخطّاب: كرم المؤمن تقواه، ودينه حسبه، ومروءته خلقه، والجرأة والجبن غرائز يضعها اللّه حيث شاء، فالجبان يفرّ عن أبيه وأمّه، والجريء يقاتل عمّا لا يؤوب به إلى رحله، والقتل حتف من الحتوف، والشّهيد من احتسب نفسه على اللّه. [تنوير الحوالك: (2/ 19).

 

8- عن أبي عمران -رضي اللّه عنه- قال: كنّا بمدينة الرّوم فأخرجوا إلينا صفّا عظيما من الرّوم فخرج إليهم من المسلمين مثلهم أو أكثر، وعلى أهل مصر عقبة بن عامر -رضي اللّه عنه- وعلى الجماعة فضالة بن عبيد -رضي اللّه عنه- فحمل رجل من المسلمين على صفّ الرّوم حتّى دخل بينهم، فصاح النّاس، وقالوا: سبحان اللّه يلقي بيده إلى التّهلكة، فقام أبو أيّوب، فقال: أيّها النّاس إنّكم لتؤوّلون هذا التّأويل، وإنّما نزلت هذه الآية فينا معشر الأنصار لمّا أعزّ اللّه الإسلام، وكثر ناصروه، فقال بعضنا لبعض سرّا دون رسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم-: إنّ أموالنا قد ضاعت، وإنّ اللّه تعالى قد أعزّ الإسلام، وكثر ناصروه، فلو أقمنا في أموالنا وأصلحنا ما ضاع منها، فأنزل اللّه تعالى على نبيّه -صلّى اللّه عليه وسلّم- يردّ علينا ما قلنا، (وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) [البقرة: 195]. وكانت التّهلكة الإقامة على الأموال وإصلاحها، وتركنا الغزو، فما زال أبو أيّوب شاخصا في سبيل اللّه حتّى دفن بأرض الرّوم. (رواه الترمذي (2972)، وقال: حديث غريب صحيح. وقال الألباني (2/ 478): صحيح).

 

9- عن شقيق قال: لقي عبد الرّحمن بن عوف الوليد بن عقبة فقال له الوليد: مالي أراك قد جفوت أمير المؤمنين عثمان؟ فقال له عبد الرّحمن:أبلغه أنّي لم أفرّ يوم حنين. قال عاصم: يقول: يوم أحد، ولم أتخلّف يوم بدر، ولم أترك سنّة عمر -رضي اللّه عنه- قال: فانطلق فخبّر ذلك عثمان. قال: فقال: أمّا قوله أنّي لم أفرّ يوم حنين فكيف يعيّرني بذنب وقد عفا اللّه عنه فقال (إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطانُ بِبَعْضِ ما كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ) [آل عمران: 155] وأمّا قوله إنّي تخلفت يوم بدر فإنّي كنت أمرّض رقيّة بنت رسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم- حين ماتت، وقد ضرب لي رسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم- بسهمي، ومن ضرب له رسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم- بسهمه فقد شهد، وأمّا قوله إنّي لم أترك سنّة عمر -رضي اللّه عنه- فإنّي لا أطيقها ولا هو، فأته فحدّثه بذلك. (رواه أحمد: (1/ 68) وقال الشيخ أحمد شاكر (1/ 373): إسناده صحيح. وذكره ابن كثير في تفسيره: (1/419) والهيثمي في مجمع الزوائد: (7/ 226 ، 9/ 83) ونسبه لأبي يعلى والطبراني والبزار).

 

 

القصص

1- عبد الله بن جحش قبل أحد يرفع يديه إلى السماء يا رب أسألك أن ترزقني غدا رجلاً من الكفار شديد القوة أقاتله ويقاتلني فأقتله، ثم أسألك أن ترزقني رجلاً آخر من الكفار أقاتله ويقاتلني فأقتله، ثم اسألك أن ترزقني رجل من الكفار شديد القوة أقاتله ويقاتلني فأقتله، ثم اسألك أن ترزقني رجلاً من الكفار شديد القوة أقاتله ويقاتلني فيقتلني، ويبقر بطني، ويجدع أنفي، ويقطع أذني فآتيك يوم القيامة هكذا، فتقول: فيم حدث هذا، فأقول: فيك، ومن أجلك يا رب، فيقول: صدقت.

 

يقول سعد بن معاذ: والله يا رسول الله لقد رأيته بعد المعركة قد جدع أنفه، وبقر بطنه، وقطعت أذنه، وحوله اثنين من الكفار.

 

2- بعث خالد بن الوليد إلى رستم يقول له: " لقد جئتك بقوم يحبون الموت كما تحبون الحياة ".

 

3- يقول سيدنا كعب: خرج النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- وخرج الجيش وأنا أقول: سألحقهم غدا، ويأتي غدا وأقول: سألحقهم غدا.. حتى أصبح من المستحيل أن ألحق بهم، فمشيت في طرقات المدينة، فلا أجد الا منافقا معلوم النفاق، ومريض قعيد، فلما قفل النبي -صلى الله عليه وسلم- عائدا حضرني بثّي (أي شدة الحزن.. أعلى درجات الحزن)، فقلت لنفسي: ماذا أقول للنبي صلى الله عليه وسلم..؟ كيف أخرج من سخطه غدا؟ فطفقت أتذكر الكذب وأصبحت تحدثني نفسي بالكذب.. فلما عاد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- انزاح عني الباطل فأجمعت صدقه.. فدخل النبي -صلى الله عليه وسلم- المسجد فجلس.. فبدأ المنافقون يدخلون عليه (سامحني يا رسول الله.. اعذرني يا رسول الله) ويحلفون للنبي صلى الله عليه وسلم، ويقبل النبي -صلى الله عليه وسلم- علانيتهم ويستغفر لهم، ويبابعهم ويجدد لهم البيعة ويكل سرائرهم الى الله تعالى، فيخرجون وهم في منتهى السعادة! وجاء دوري فدخلت على النبي -صلى الله عليه وسلم- فتبسّم تبسّم الغضبان وقال لي: "تعال، ما خلفك؟ ألم تكن قد ابتعت ظهرك" "أما اشتريت جملا جديدة..." فقلت يا رسول الله، والله لو جلست عند غيرك من ملوك الدنيا لرأيت أني سأخرج من سخطه بعذر، لقد أوتيت جدلا، ولكن يا رسول الله لئن حدثتك اليوم حديثا ترضى به عني ليوشكن الله أن يسخطك علي، ولئن حدثتك حديث صدق تجد فيه عليّ اني لأرجو من الله فيه عقبى، ووالله ما كان لي من عذر. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "أما هذا فقد صدق، قم حتى يقضي الله فيك" (رواه البخاري رقم: (4418) ومسلم رقم: (6947).

 

4- هذه القصة قالها الشيخ خالد الراشد في شريطه "من حالٍ إلى حال"قال: كان هناك ثلاثة من الشبان يتعاونون على الإثم والمعاصي، فكتب الله الهداية لأحد هؤلاء الثلاثة، فقرر أن يدعو زميليه ويعظهم؛ لعل هدايتهم تكون على يديه، وفعلاً استطاع أن يؤثر عليهم والحمد لله أصبحوا شباباً صالحين، واتفقوا على أن يقوموا بدعوة الشباب الغارقين في بحر المعاصي ليكفروا عن ماضيهم.

 

ومرة من المرات اتفقوا على أن يجتمعوا في المكان الفلاني قبل الفجر بساعة للذهاب إلى المسجد؛ بغية التهجد والعبادة، فتأخر واحد منهم فانتظروه، فلما جاء إليهم كان لم يبق على آذان الفجر إلا نصف ساعة، وبينما هم في طريقهم إلى المسجد إذ بسيارة تكاد تنفجر من صوت الغناء والموسيقى الصاخبة، فاتفقوا على أن يقوموا بدعوة ذلك الشاب؛ لعل الله يجعل هدايته على ايديهم، فأخذوا يشيرون له بأيديهم؛ لكي يقف، فظن ذلك الشاب أنهم يريدون مسابقته، فأسرع بسيارته؛ لكي يسبقهم، فأشاروا إليه مرةً أخرى، فظن ذلك الشاب أنهم يريدون المقاتلة، فأوقف سيارته ونزل منها؛ فإذ بجثة ضخمة ومنكبين عريضين وفتوة وضخامة في العضلات!، وقال لهم بصوت غضب: من يريد منكم المقاتلة؟ فقالوا: السلام عليك، فقال الشاب في نفسه: الذي يريد المقاتلة لا يمكن أن يبدأ بالسلام، فأعاد عليهم السؤال: من منكم يريد المقاتلة؟

 

فأعادوا: السلام عليك، فقال: وعليكم السلام؛ ماذا تريدون؟

 

فقالوا له: ألا تعلم في أي ساعةٍ أنت؟ إنها ساعة النزول الإلهي نزولاً يليق به تعالى إلى السماء الدنيا، فيقول: هل من تائب فأغفر له؟ هل من سائل فأعطيه؟ يا أخانا! اتق الله ألا تخاف من الله؟! ألا تخاف من عقابه؟! ألا تخاف من سوء الخاتمة؟!

 

فقال لهم: ألا تدرون من أنا؟

 

قالوا: من أنت؟

 

قال: أنا حسان الذي لم تخلق النار إلا له.

 

فقالوا: استغفر الله؛ كيف تيأس وتقنط من روح الله؟ ألا تعرف أنه يغفر الذنوب جميعاً؟! ألم يقل ربك: (ان الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر مادون ذلك لمن يشاء)؟!

 

وأخذوا يذكرونه بالله وبواسع رحمته، وبالجنة والثواب العظيم

 

فبكى حسان بكاءً شديداً، وقال: ولكن أنا لم أترك معصية من المعاصي إلا وفعلتها، وأنا الآن سكران؛ فهل يقبل الله توبتي؟

 

فقالوا: نعم بل ويبدلك بها حسنات؛ فما رأيك أن نأخذك معنا إلى المسجد لنصلي الفجر؟

 

فوافق حسان، وبالفعل أخذوه معهم.

 

وفي أثناء الصلاة شاء الله أن يتلوا الإمام قوله تعالى: (قل ياعبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً)

 

فانفجر حسان بالبكاء، ولما انتهت الصلاة قال: لم أشعر بلذة الصلاة منذ سنين، وأخذ كل من في المسجد يهنئونه بتوبته، ولما خرج الأربعة من المسجد، قالوا له: أين أبوك؟

 

قال حسان: إن أبي يصلي في المسجد الفلاني، وهو عادةً يجلس في المسجد إلى شروق الشمس؛ لذكر الله وقراءة القرآن.

 

فلما ذهبوا إلى ذلك المسجد، وكانت الشمس قد أشرقت، أشار حسان إلى والده، وقد كان شيخاً كبيراً ضعيفاً محتاج إلى قوة حسان وشبابه

 

فذهبوا هؤلاء الشباب اليه، وقالوا: ياشيخ إن معنا ابنك حسان

 

فقال الشيخ: حسان!.آآآه الله يحرق وجهك بالنار ياحسان

 

فقالوا له: معاذ الله ياشيخ لماذا تقول هذا؟ إن ابنك قد تاب وأناب إلى ربه.

 

وارتمى حسان على قدم والده وأخذ يقبلها، فبكى والد حسان وضمه إلى صدره، وذهب حسان إلى أمه وقبل يدها وقدمها، وقال لها: سامحيني يا أمي.

 

فبكت العجوز فرحاً بعودة حسان.

 

وفي يوم من الأيام قال حسان في نفسه: لا يكفر ذنوبي إلا أن أجعل كل قطرة دم من دمي في سبيل الله.

 

وقرر الذهاب إلى الجهاد مع زملائه الصالحين، فذهب إلى والده، وقال: يا أبي أريد أن أذهب إلى الجهاد، فقال أبوه: يا حسان نحن فرحنا بعودتك، وأنت تريد أن تحرمنا منك مرة أخرى؟

 

فقال حسان: أرجوك يا أبي لا تحرمني شرف الجهاد والشهادة، فوافق أبوه على ذلك، وذهب إلى أمه، وقبل قدمها، وقال: يا أماه؛ أريد أن أذهب إلى ساحات القتال، قالت: يا حسان فرحنا بعودتك، وأنت تريد أن تذهب إلى الجهاد؟ قال: يا أمي إن كنتم تحبونني فدعوني أجاهد في سبيل الله، فقالت: أنا موافقة، ولكن بشرط أن تشفع لنا يوم القيامة!

 

وبالفعل تدرب حسان على الجهاد، واستعمال السلاح، وأتقن في شهور معدودة أساليب القتال!

 

ولما جاءت اللحظة الحاسمة، ونزل حسان إلى ساحات القتال، ومعه زملاؤه الصالحين، وكان حسان في كهف من الكهوف؛ إذ بقذيفة من طائرات العدو تسقط على قمة الجبل، وتصيب حسان، فسقط حسان من أعلى الجبل، ووقع صريعاً على الأرض، وقد تكسرت عظامه وهو يسبح في بركة من الدماء، فاقترب منه أصحابه، وقالوا: حسان.. ياحسان، فإذ بحسان يقول: اسكتوا؛ فوالله إني لأسمع صوت الحور العين ينادينني من وراء الجبل، ثم لفظ الشهادتين ومات.

 

الاشعار

1- قال وليد الأعظمي:

قوم إذا داعي الجهاد دعاهم *** هبّوا إلى الداعي بغير توان

وبنعمة الإسلام عاشوا إخوة *** شركاء في الأفراح والأحزان

محرابهم بالليل معمور بهم *** يتضرّعون تضرّع الرهبان

وإذا انقضى الليل البهيم وجدتهم *** بنهارهم يا صاح كالفرسان

وهتافهم الله أكبر إنهم *** لم يهتفوا بحياة شخص فان

(موسوعة الرد على المذاهب الفكرية المعاصرة جمع وإعداد: علي بن نايف الشحود الباحث في القرآن والسنة (33/340) وانظر في مرآة الشعر الإسلامي المعاصر عبد القادر عبار (1/24).

 

2- قال عمير بن الحمام رضي الله عنه:

رَكْضًا إِلَى اللهِ بِغَيْرِ زَادِ إِلَّا التُّقَى وَعَمَلَ المَعَادِ 

وَالصَّبْرَ فِي اللَّهِ عَلَى الجِهَادِ وَكُلُّ زَادٍ عُرْضَةُ النَّفَادِ 

غَيْرَ التُّقَىَ وَالبِرِّ والرَّشَادِ

(الاستذكار - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن عبد البر النمري الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت الطبعة الأولى، 1421 - 2000 تحقيق: سالم محمد عطا، محمد علي معوض (5/132).

 

3- رحم الله من قال:

هل من يموت بميدان الجهاد كما *** موت البهائم في الأعطان

تنتحر كلا وربي فلا تشبيه بينهمُ *** قد قالها خالد إذ كان

يحتضر أهل الشهادة في الآثار قد أمنوا *** من فتنةٍ وابتلاءاتٍ إذا قبروا

ويوم ينفخ صور ليس يزعجهم *** والناس قائمةٌ من هوله ذعروا

وما سوى الدّين من ذنب وسيئةٍ *** على الشهيد فعند الله مغتفر

أرواحهم في عُلى الجنات سارحةٌ *** تأوي القناديل تحت العرش تزدهر

وحيث شاءت من الجنات تحملها *** طير مغرّدةٌ ألوانها خضر

إن الشهيد شفيع في قرابته *** سبعين منهم كما في مسندٍ حُصِرُ

والترمذي أتى باللفظ في سنن *** وفي كتاب أبي داود معتبر

مع ابن ماجه والمقدام ناقله *** في ضمن ست خصال ساقها الخبر

ما كل من طلب العلياء نائلها *** إن الشهادة مجد دونه حفر

وقد تردد في الأمثال من زمن *** لا يبلغ المجد حتى يُلعق الصَّبِر

ربي اشترى أنفساً ممن يجود بها *** نعم المبيع ورب العرش ما خسروا

(الخلاصة في أحكام أهل الذمة جمع وإعداد: علي بن نايف الشحود الباحث في القرآن والسنة (3/205).

 

4- قال يحيى بن معاذ:

ومن الدلائل أن تراه مشمرا *** في خرقتين على شطوط الساحل

ومن الدلائل حزنه ونحيبه *** جوف الظلام فما له من عاذل

ومن الدلائل أن تراه مسافرا *** نحو الجهاد وكل فعل فاضل

ومن الدلائل زهده فيما يرى *** من دار ذل والنعيم الزائل

ومن الدلائل أن تراه باكيا *** أن قد رآه على قبيح فعائل

ومن الدلائل أن تراه مسلما *** كل الأمور إلى المليك العادل

ومن الدلائل أن تراه راضيا *** مليكه في كل حكم نازل

ومن الدلائل ضحكه بين الورى *** والقلب محزون كقلب الثاكل

(إحياء علوم الدين للغزالي(6/419).

 

 

متفرقات

1- قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحم الله : وإذا كان أصل القتال المشروع هو الجهاد ومقصوده أن يكون الدين كله لله ،وأن تكون كلمة الله هي العليا فمن امتنع من هذا قوتل باتفاق ، وأما من لم يكن من أهل الممانعة والمقاتلة كالنساء والصبيان والراهب والشيخ الكبير والأعمى والزمنى ونحوهم فلا يقتل عند الجمهور إلا أن يقاتل بقوله أو بفعله ، وإن كان بعضهم يرى مقاتلة الجميع بمجرد الكفر إلا النساء والصبيان لكونهم مالا للمسلمين والأول هو الصواب لأن القتال لمن يقاتلنا إذا أردنا إظهار دين الله كما قال تعالى (وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْوَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِينَ) وفي السنن عنه صلى الله عليه وسلم أنه مر على امرأة مقتولة في بعض مغازيه قد وقف عليها الناس. فقال: ما كانت هذه لتقاتل. (مجموع الفتاوى (28/354).

 

2- قال ابن القيم رحمه الله : فلما بعث الله رسوله صلى الله عليه وسلم استجاب له ولخلفائه من بعده أكثر الأديان طوعا واختيارا، ولم يكره أحدا قط على الدين ، وإنما كان يقاتل من يحاربه ويقاتله. وأما من سالمه وهادنه فلم يقاتله، ولم يكرهه على الدخول في دينه امتثالا لأمر ربه سبحانه حيث يقول: (لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي. وهذا نفي في معنى النهي، أي: لا تكرهوا أحدا على الدين، نزلت هذه الآية في رجال من الصحابة كان لهم أولاد، قد تهودوا وتنصروا قبل الإسلام، فلما جاء الإسلام أسلم الآباء، وأرادوا إكراه الأولاد على الدين، فنهاهم الله سبحانه عن ذلك حتى يكونوا هم الذين يختارون الدخول في الإسلام.

 

والصحيح أن الآية على عمومها في حق كل كافر، وهذا ظاهر على قول من يجوز أخذ الجزية من جميع الكفار، فلا يكرهون على الدخول في الدين، بل إما أن يدخلوا في الدين وإما أن يعطوا الجزية. كما يقوله أهل العراق وأهل المدينة، وإن استثنى هؤلاء بعض عبدة الأوثان، ومن تأمل سيرة النبي صلى الله عليه وسلم تبين له أنه لم يكره أحدا على دينه قط، وإنه إنما قاتل من قاتله. وأما من هادنه فلم يقاتله ما دام مقيماً على هدنته لم ينقض عهده، بل أمره الله تعالى أن يفي لهم بعهدهم ما استقاموا له، كما قال تعالى: (فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم)

 

ولما قدم المدينة صالح اليهود وأقرهم على دينهم، فلما حاربوه ونقضوا عهده وبدؤوه بالقتال قاتلهم، فمن على بعضهم، وأجلى بعضهم، وقتل بعضهم، وكذلك لما هادن قريشا عشر سنين لم يبدأهم بقتال حتى بدءوا هم بقتاله، ونقضوا عهده. فعند ذلك غزاهم في ديارهم، وكانوا هم يغزونه قبل ذلك كما قصدوه يوم أحد، ويوم الخندق، ويوم بدر أيضا، هم جاءوا لقتاله، ولو انصرفوا عنه لم يقاتلهم.

 

و(المقصود) أنه صلى الله عليه وسلم لم يكره أحدا على الدخول في دينه البتة، وإنما دخل الناس في دينه اختيارا وطوعا، فأكثر أهل الأرض دخلوا في دعوته لما تبين لهم الهدى، وأنه رسول الله حقا. (انظر هداية الحيارى في أجوبة اليهود والنصارى (238).

 

3- يقول الأستاذ سيد قطب في بيان معنى قوله تعالى: (وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ) [سورة البقرة: 193].

 

إذا كان النص - عند نزوله- يواجه قوة المشركين في شبه الجزيرة، وهي التي تفتن الناس وتمنع أن يكون الدين لله، فإن النص عام الدلالة مستمر التوجيه، والجهاد ماض إلى يوم القيامة، ففي كل يوم تقوم قوة ظالمة تصد الناس عن الدين وتحول بينهم وبين سماع الدعوة إلى الله، والاستجابة لها عند الاقتناع والاحتفاظ بها في أمان, والجماعة المسلمة مكلفة في كل حين أن تحطم هذه القوة الظالمة وتطلق الناس أحرارًا من قهرها يستمعون ويختارون ويهتدون إلى الله [في ظلال القرآن: 7/ 273].

 

4- قال النووي رحمه الله: أجمع العلماء على تحريم قتل النساء والصبيان إذا لم يقاتلوا، فإن قاتلوا قال جماهير العلماء: يقتلون [شرح صحيح مسلم].

 

5- قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: والمرابطة في سبيل الله أفضل من المجاورة بمكة والمدينة وبيت المقدس والعمل بالرمح والقوس في الثغور أفضل من صلاة التطوع (مجموع الفتاوى).

 

6- قال ابن القيم: الجهاد نوعان: جهاد باليد والسنان، وهذا المشارك فيه كثير. والثاني: الجهاد بالحجَّة والبيان، وهو جهاد الخاصّة من أتباع الرُّسل، وهو جهاد الأئمة وهو أفضل الجهادين لعظم منفعته وشدّة مؤونته وكثرة أعدائه [مفتاح دار السعادة].

 

7- قال محمد بن عبد الوهاب: الجهاد على أربع مراتب:

المرتبة الأولى: جهاد النفس. وهو أيضاً أربع مراتب: أحدهما: أن يجاهدها على تعلم الهدى، الثانية: على العمل به بعد علمه، الثالثة: على الدعوة إليه، وإلا كان ممن يكتمون ما أنزل الله، الرابعة: على الصبر على مشاق الدعوة، ويتحمل ذلك كله لله، فإذا استكمل هذه الأربع صار من الربانيين، فإن السلف مجمعون على أن العالم لا يكون ربانياً حتى يعرف الحق ويعمل به ويعلمه.

 

المرتبة الثانية: جهاد الشيطان، وهو مرتبتان: أحدهما: جهاده على ما يلقي من الشبهات، الثانية: على دفع ما يلقي من الشهوات، فالأولى بعدة اليقين، والثانية بعدة الصبر، قال تعالى: ( وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ ) [السجدة:24].

 

المرتبة الثالثة: جهاد الكفار والمنافقين. وهو أربع مراتب: أحدهما: القلب، الثانية: اللسان، الثالثة: المال، الرابعة: النفس. وجهاد الكفار أخص باليد، وجهاد المنافقين أخص باللسان. المرتبة الرابعة: جهاد أرباب الظلم والمنكرات والبدع، وهو ثلاث مراتب: أحدهما: باليد إذا قدر، الثانية: باللسان إذا عجز عن اليد، الثالثة: بالقلب إذا عجز عن اللسان. فهذه ثلاث عشر مرتبة من الجهاد و " من مات ولم يغز، ولم يحدث نفسه به مات على شعبة من نفاق (رواه مسلم)، (مختصر زاد المعاد).

 

8- قال الحافظ ابن حجر يرحمه الله في قول البخاري: (باب من طلب الولد للجهاد) قال: أي ينوي عند المجامعة حصول الولد ليجاهد في سبيل الله، فيحصل له بذلك أجر وإن لم يقع ذلك (فتح الباري).

 

9- قال الإمام محمد بن عبد الوهاب: ولما كان الجهاد ذروة الإسلام، ومنازل أهله أعلى المنازل في الجنة، كما لهم الرفعة في الدنيا، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في الذروة العليا منه، فاستولى على أنواعه كلها، فجاهد في الله حق جهاده بالقلب والجنان والدعوة والبيان، والسيف والسنان، فكانت ساعاته موقوفة على الجهاد، ولهذا كان أعظم العالمين عند الله قدراً (مختصر زاد المعاد).

 

10 - قال ابن كثير في قول الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا قاتلوا الذين يلونكم من الكفار وليجدوا فيكم غلظة) قال: أمر الله تعالى المؤمنين أن يقاتلوا الكفار أولاً فأول، الأقرب فالأقرب إلى حوزة الإسلام ولهذا بدأ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بقتال المشركين في جزيرة العرب، فلما فرغ منهم وفتح الله عليه مكة والمدينة والطائف واليمن واليمامة وهَجْر وخيبر وحضرموت وغير ذلك من أقاليم جزيرة العرب، ودخل الناس من سائر أحياء العرب في دين الله أفواجاً، شرع في قتال أهل الكتاب، فتجهز لغزو الروم الذين هم أقرب الناس إلى جزيرة العرب وأولى الناس بالدعوة إلى الإسلام لكونهم أهل الكتاب، فبلغ تبوك ثم رجع لأجل جهد الناس وجدب البلاد وضيق الحال وكان ذلك سنة تسع من هجرته عليه السلام. ثم اشتغل في السنة العاشرة بحجته حجة الوداع ثم عاجلته المنية -صلوات الله وسلامه عليه- بعد الحجة بأحد وثمانين يوماً فاختاره الله لما عنده، وقام بالأمر وزيره وصديقه وخليفته أبو بكر -رضي الله عنه- وقد مال الدين ميلة كان أن ينجفل فثبته الله تعالى به، فوطد القواعد، وثبت الدعائم ورد شارد الدين وهو راغم، ورد أهل الردة إلى الإسلام، وأخذ الزكاة ممن منعها من الطغام، وبين الحق لمن جهله، وأدى عن الرسول ما حمله.

 

ثم شرع في تجهيز الجيوش الإسلامية إلى الروم عبدة الصلبان، وإلى الفرس عبدة النيران، ففتح الله ببركة سفارته البلاد، وأرغم أنف كسرى وقيصر ومن أطاعهما من العباد، وأنفق كنوزهما في سبيل الله، كما أخبر بذلك رسول الله. وكان تمام الأمر على يدي وصيه من بعده وولي عهده، الفاروق الأواب -شهيد المحراب- أبي حفص عمر بن الخطاب، فأرغم الله به أنوف الكفرة الملحدين، وقمع الطغاة والمنافقين، واستولى على الممالك شرقاً وغرباً، وحُملت إليه خزائن الأموال من سائر الأقاليم، بعداً أو قرباً، ففرقها على الوجه الشرعي، والسبيل المرضي. ثم لما مات شهيداً وقد عاش حميداً أجمع الصحابة من المهاجرين والأنصار على خلافة أمير المؤمنين عثمان بن عفان شهيد الدار، فكسا الإسلام رياسة حُلةٍ سابغة. وأمدت في سائر الأقاليم على رقاب العباد حجة الله البالغة، وظهر الإسلام في مشارق الأرض ومغاربها، وعلت كلمة الله وظهر دينه وبلغت الأمة الحنيفية من أعداء الله غاية مآربها، فكلما علو أمة انتقلوا إلى من بعدهم ثم الذين يلونهم من العتاة الفجار؛ امتثالاً لقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ قَاتِلُواْ الَّذِينَ يَلُونَكُم مِّنَ الْكُفَّارِ) [التوبة: 123]، (تفسير ابن كثير).

 

11- قال ابن النحاس رحمه الله: فإن مما يجب اعتقاده أن الأجل محتوم، وأن الرزق مقسوم، وأن ما أخطأ لا يصيب، وأن سهم المنيّة لكل أحد مصيب وأن كل نفس ذائقة الموت، وأن الجنة تحت ظلال السيوف، وأن الريّ الأعظم في شُرب كؤوس الحتوف، وأن من اغبرّت قدماه في سبيل الله حرمه الله على النار، وأن الشهداء عند الله من الأحياء، وأن أرواحهم في جوف طير خضر تتبوأ من الجنة حيث تشاء، وأن الشهيد يغفر له جميع ذنوبه وخطاياه، وأنه يشفع في سبعين من أهل بيته ومن والاه، وأنه يأمن يوم القيامة من الفزع الأكبر، وأنه لا يجد كرب الموت ولا هول المحشر، وأنه لا يحس ألم القتل إلا كمس القرصة، وكم للموت على الفراش من سكرةٍ وغصّة، وأن الطاعم النائم في الجهاد أفضل من الصائم القائم في سواه، ومن حرس في سبيل الله لا تبصر النار عيناه، وأن المرابط يجري له أجر عمله إلى يوم القيامة، وأن ألف يوم لا تساوي يوماً من أيامه، وأن رباط يوم خير من الدنيا وما فيها، وأنه يُأمّن من فتنة القبر وعذابه، وأن الله يكرمه يوم القيامة بحسن مآبه، فوا عجباً كيف أن ذروة السنام قد درست آثاره فلا ترى! وطمست أنواره بين الورى! وأعتم ليله بعد أن كان مُقمَراً! وأظلم نهاره بعد أن كان نيّراً! وذوى غصنه بعد أن كان مورقاً! وانطفأ حسنه بعد أن كان مشرقاً! وقفلت أبوابه فلا تطرق، وأهملت أسبابه فلا ترمق، وصفنت خيوله فلا تركض، ورُبطت أسوده فلا تنهض، وامتدت أيدي الكفرة الأذلاء إلى المسلمين فلا تُقبض، وأغمدت السيوف من أعداء المسلمون إخلاداً إلى حياة الدعة والأمان، وخرس لسان النفير إليهم فصاح نفيرهم في أهل الإيمان، ونامت عروس الشهادة إذ عدمت الخاطبين، وأهمل الناس الجهاد كأنهم ليسوا به مخاطبين، فلا نجد إلا من طوى بساط نشاطه عنه، أو تركه جزعاً من الموت وهلعا، أو جهل ما فيه من الثواب الجزيل، ورضي بالحياة الدنيا من الآخرة، وما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلا قليل، وقد أخبرنا الله عن حياة الشهداء عنده فقال تعالى وهو أصدق القائلين (وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُواْ بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ * يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ) [آل عمران: 169-171].

 

هؤلاء الشهداء الذين قتلوا في سبيل الله قد أمنوا من عظيم الأهوال والكربات، وسكنوا في أجل المحالّ في أعلى الغرفات، وكرعوا من النعيم أكواباً، وادرعوا من التنعيم أثواباً، ومتعوا بجنان الفردوس مستقراً ومآباً، وتمتعوا بحورٍ عينٍ كواعب أتراباً، أرواحهم في جوف طير خضر تجول في الجنان تأكل وتشرب، وتأوي إلى قناديل معلقة في عرش الرحمن، يتمنون الرجوع إلى هذه الدار ليقتلوا في سبيل الله مرات ومرات، لما بهرهم من ثواب الله الجزيل، فما أقبح العجز عن انتهاز مثل هذه الفرص، وما أنجح الاحتراز بالجهاد عن مقاساة تلك الغصص، وليت شعري بأي وجه يلقى الله غداً من فر اليوم من أعدائه، وماطله بتسليم نفسه بعد عقد شرائه، ودعاه إلى جنته ففر وزهده في لقائه، وبأي عذر يعتذر بين يديه من هو عن سبيله ناكب، وعمّا رغّبه فيه من الفوز العظيم راغب، قال -صلى الله عليه وسلم-: ((إن للشهيد عند ربه سبع خصال، أن يغفر له في أول دفعة في دمه، ويرى مقعده من الجنة، ويحلّى حلية الإيمان، ويجار من عذاب القبر، ويأمن الفزع الأكبر، ويوضع على رأسه تاج الوقار، الياقوتة منه خير من الدنيا وما فيها، ويزوج اثنتين وسبعين من الحور العين، ويشفّع في سبعين من أقاربه (مشارع الأشواق إلى مصارع الأشواق لابن النحاس).

 

12- قال الشيخ عبد العزيز بن باز: الحياة في سبيل الله أصعب من الموت في سبيل الله.

 

13- قال الإمام ابن حجر: من الكبائر ترك الجهاد عند تعيّنه بأن دخل الحربيّون دار الإسلام أو أخذوا مسلما وأمكن تخليصه منهم وترك النّاس الجهاد من أصله، وترك أهل الإقليم تحصين ثغورهم بحيث يخاف عليها من استيلاء الكفّار بسبب ترك ذلك التّحصين. (نضرة النعيم(9/ 4146).

 

14- قال ابن كثير في تفسير قوله -تعالى-: (وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلا تَفْتِنِّي) [التوبة:49] أي إن كان إنمّا يخشى من نساء بني الأصفر وليس ذلك به فما سقط فيه من الفتنة بتخلّفه عن رسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم- والرّغبة بنفسه عن نفس رسول اللّه أعظم، وهكذا روي عن ابن عبّاس ومجاهد وغير واحد أنّها نزلت في الجدّ بن قيس. [تفسير ابن كثير (2/ 363).

 

15- قال القرطبيّ في تفسير قوله -تعالى-: (اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ) [التوبة: 38] قال المفسّرون: معناه اثّاقلتم إلى نعيم الأرض. وهو توبيخ على ترك الجهاد وعتاب على التّقاعد عن المبادرة إلى الخروج، وهو نحو من أخلد إلى الأرض. [تفسير القرطبي (8 / 90) ط. دار الكتب العلمية].

 

16- وقال -رحمه اللّه- في تفسير قوله -تعالى-: (إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذاباً أَلِيماً) [التوبة: 39]... وهذا تهديد ووعيد مؤكّد في ترك النّفير. (تفسير القرطبي (8 / 91) ط. دار الكتب العلمية).

 

17- وقال أيضا: "إنّ المراد بهذه الآية وجوب النّفير عند الحاجة وظهور الكفرة واشتداد شوكتهم"(تفسير القرطبي (8 / 91).

 

 

الإحالات

1- فقه الجهاد لشيخ الإسلام الإمام ابن تيمية.

 

2- الجهاد أحكامه ومن يدعو إليه؛ لعبد المحسن بن محمد بن عبد المحسن المنيف.