تجديد

2022-10-09 - 1444/03/13

التعريف

التجديد في الإسلام يعني: إحياء وبعث معالم الدِّين العلميّة بحفظ النُّصوص الصَّحيحة نقيّة، وتمييز ما هو من الدِّين ممَّا هو ملتبس به، وتنقيته من الانحرافات والبدع النَّظريّة والعمليّة والسُّلوكيّة، وبعث مناهج النَّظر والاستدلال لفهم النُّصوص على ما كان عليه السَّلف الصَّالح، وبعث معالمه العمليّة بالسَّعي لتقريب واقع المجتمع المسلم في كُلّ عصر إلى المجتمع النَّموذجيّ الأوّل من خلال "وضع الحلول الإسلاميّة لكُلّ طارئ، وجعل أحكام الدِّين نافذة مهيمنة على أوجه الحياة، ووضع ضوابط لاقتباس النَّافع الصَّالح من كُلّ حضارة، على ما أبانته نصوص الكتاب والسُّنَّة بفهم السَّلف الصَّالح (الموسوعة الميسرة: 2-1002).

 

يقول المودوديّ: التَّجديد في حقيقته هو تنقية الإسلام من كُلّ جزء من أجزاء الجاهليّة، ثُمَّ العمل على إحيائه خالصاً محضاً على قدر الإمكان وفي سياق آخر يرى أنَّ التَّجديد عملية كبيرة، تستلزم جملة من الأمور، منها ما يلي: السَّعي لإحداث الانقلابي الفكريّ والنَّظريّ؛ أي تغيير أفكار النَّاس، وطبع عقائدهم ومشاعرهم ووجهة نظرهم الخُلُقيّة بطابع الإسلام، وإصلاح نظام التَّعليم والتَّربيّة، وإحياء العلوم والفنون الإسلاميّة، وبالجملة بعث العقليّة الإسلاميّة من جديد. 

 

محاولة الإصلاح العمليّ، وذلك كإبطال التَّقاليد الجاهليّة، وتزكية الأخلاق، وإشباع النفوس حُبّاً لاتباع الشَّريعة من جديد (موجز تاريخ تجديد الدّين وإحيائه، وواقع المسلمين وسبيل النّهوض بهم، للمودوديّ:51-52).

 

العناصر

1- معنى التجديد.

 

2- أهمية التجديد للأمة.

 

3- شروط المجدِّد.

 

4- صور التجديد في مجال العقيدة.

 

5- ثمار التجديد. 

 

الايات

1- قال الله تعالى: (وكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ ولِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ المُجْرِمِينَ) [الأنعام:55].

الاحاديث

1- عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها”(رواه أبو داود وصححه الألباني).

 

2- عن عبد الله بن عمر قال: قال صلى الله عليه وسلم: “أرأيتم ليلتكم هذه؟ على رأس مائة سنة منها لا يبقى ممن هو على ظهر الأرض أحدِ”(رواه البخاري).

 

3- عن معاوية بن قرة عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لا تزال طائفة من أمتي على الحق لا يضرهم من خالفهم حتى يأتي أمر الله”(رواه البخاري).

 

الاثار

1- قال بعض السلف: "إن قدم الإسلام لا تثبت إلا على قنطرة التسليم"(رسالة عقيدة السلف وأصحاب الحديث للأمام الصابوني، ضمن مجموعة رسائل المنيرية:1-120).

الاشعار

1- قال الشاعر أحمد رفيق المهدوي الليبي:

فإذا أحب الله باطن عبده *** ظهرت عليه مواهب الفتاح

وإذا صفت لله نية مصلح *** مال العباد عليه بالأرواح

(عمر بن عبد العزيز، معالم التجديد والإصلاح الراشدي على منهاج النبوة المؤلف: علي محمد محمد الصلابي:1-19).

 

متفرقات

1- قال ابن الأثير: "وإنما المراد بالذكر من: انقضت المائة وهو حي، عالم مشهور مشار إليه"(جامع الأصول:11-324).

 

2- قال السيوطي: "والشرط في ذلك أن تمضي المائة... وهو على حياته بين الفئة يشار بالعلم إلى مقامه... وينصر السنة في كلامه"(منظومة للسيوطي التي سماها: تحفة المهتدين بأخبار المجدِّدين).

 

3- قال الإمام البخاري في ترجمته على الحديث: "باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق، وهم أهل العلم"(فتح الباري:13-293).

 

4- قال الإمام أحمد: "إن لم تكن هذه الطائفة المنصورة أصحاب الحديث فلا أدري من هم؟"(فتح الباري:13-295).

 

5- قال الإمام النووي في شرحه لهذا الحديث: "ويحتمل أن هذه الطائفة مفرقة بين أنواع المؤمنين؛ منهم شجعان مقاتلون، ومنهم فقهاء، ومنهم محدثون، ومنهم زهّاد، وآمرون بالمعروف وناهون عن المنكر، ومنهم أهل أنواع أخرى من الخير، ولا يلزم أن يكونوا مجتمعين، بل قد يكونون متفرقين في أقطار الأرض"(شرح النووي على مسلم:13-66). 

 

6- نقل ابن حجر كلام النووي ثم زاد في آخره: "ويجوز أن يجتمعوا في البلد الواحد، وأن يكونوا في بعضٍ منه دون بعض، ويجوز إخلاء الأرض كلها من بعضهم أولاً فأولاً، إلى أن لا يبقى إلا فرقة واحدة ببلد واحد فإذا انقرضوا جاء أمر... الله"(فتح الباري:13-295).

 

7- قال الإمام المحدث الشيخ أبو عثمان الصابوني: "ويرون المسارعة إلى أداء الصلوات وإقامتها في أوائل الأوقات أفضل من تأخيرها إلى آخر الأوقات ويوجبون قراءة الفاتحة خلف الإمام ويأمرون بإتمام الركوع والسجود حتماً واجباً، ويعدون إتمام الركوع والسجود بالطمأنينة فيهما، والارتفاع من الركوع والانتصاب منه والطمأنينة فيه وكذلك الارتفاع من السجود والجلوس بين السجدتين مطمئنين فيه من أركان الصلاة التي لا تصح إلا بها ويتواصون بقيام الليل للصلاة بعد المنام وبصلة الأرحام، وإفشاء السلام، وإطعام الطعام والرحمة على الفقراء والمساكين والأيتام والاهتمام بأمور المسلمين، والتعفف في المأكل والمشرب والملبس والمنكح والمصرف، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والبدار إلى فعل الخيرات أجمع ويتحابون في الدين ويتباغضون فيه... الخ"(عقيدة السلف وأصحاب الحديث ضمن الرسائل المنيرية:1-131).

 

8- يقول الإمام الحافظ ابن حجر -رحمه الله- بعد سياق الخلاف في المجدّد: "أفرد أم جماعة؟ -: ولكنّ الذي يتعين فيمن تأخر المحملُ على أكثر من الواحد؛ لأن في الحديث إشارة إلى أن المجدّد المذكور يكون تجديده عاماً في جميع أهل ذلك العصر، وهذا ممكنٌ في حقّ عمر بن عبد العزيز جداً، ثم في حق الشافعي. أما من جاء بعد ذلك، فلا يعدم من يشاركه في ذلك"(توالي التأسيس:24-25).

 

9- وقال أيضاً: "لا يلزم أن يكون في رأس كل مائة سنة واحدٌ فقط؛ بل يكون الأمر فيه كما ذكر في الطائفة، وهو متجهٌ؛ فإن اجتماع الصفات المحتاج إلى تجديدها لا ينحصر في نوعٍ من أنواع الخير، ولا يلزم أن جميع خصال الخير كلها في شخص واحد، إلا أن يدَّعي ذلك في عمر بن عبد العزيز فإنه كان القائم بالأمر على رأس المائة الأولى باتصافه بجميع صفات الخير، وتقدمه فيها؛ ومن ثم أطلق أحمد أنهم كانوا يحملون الحديث عليه. وأما من جاء بعده؛ فالشافعي - وإن كان متصفاً بالصفات الجميلة - إلا أنه لم يكن القائم بأمر الجهاد، والحكم بالعدل. فلعل هذا كل من كان متصفاً بشيءٍ من ذلك عند رأس المائة هو المراد؛ سواء تعدَّد أم لا"(فتح الباري:13-295).

 

10- قال ابن الأثير: "لا يلزم منه أن يكون المبعوث على رأس المائة رجلاً واحداً وإنما قد يكون واحداً، وقد يكون أكثر منه؛ فإن لفظة (مَنْ) تقع على الواحد والجمع. وكذلك لا يلزم منه أن يكون أراد بالمبعوث: الفقهاءَ خاصة - كما ذهب إليه بعض العلماء - فإن انتفاع الأمة بالفقهاء، وإن كان نفعاً عاماً في أمور الدين، فإنّ انتفاعهم بغيرهم أيضاً كثير مثل: أولي الأمر، وأصحاب الحديث، والقراء والوعاظ، وأصحاب الطبقات من الزهاد؛ فإن كل قومٍ ينفعون بفن لا ينفع به الآخر؛ إذ الأصل في حفظ الدين حفظ قانون السياسة، وبث العدل والتناصف الذي به تحقن الدماء، ويُتمكن من إقامة قوانين الشرع، وهذا وظيفة أولي الأمر. وكذلك أصحاب الحديث ينفعون بضبط الأحاديث التي هي أدلة الشرع، والقرّاء ينفعون بحفظ القراءات وضبط الروايات، والزهاد ينفعون بالمواعظ والحث على لزوم التقوى والزهد في الدنيا. فكل واحد ينفع بغير ما ينفع به الآخر.. فإذا تحمل تأويل الحديث على هذا الوجه كان أولى، وأبعد من التهمة، وأثبه بالحكمة.. فالأحسن والأجدر أن يكون ذلك إشارة إلى حدوث جماعةٍ من الأكابر المشهورين على رأس كل مائة سنة، يجددون للناس دينهم"(جامع الأصول:11/320-324).

 

11- قال الحافظ ابن كثير: "وقد ذكر كل طائفة من العلماء: بل الصحيح أن الحديث يشمل كل فرد من آحاد العلماء من هذه الأعصار ممن يقوم بفرض الكفاية في أداء العلم عمن أدرك من السلف إلى من يدركه من الخلف كما جاء في الحديث من طرق مرسلةٍ وغير مرسلة: يحمل هذا العلم من كل خلفٍ عدوله ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين، وهذا موجود ولله الحمد والمنة إلى زماننا... هذا"(البداية والنهاية:6-89).

 

12- يقول ابن حجر العسقلاني: "إن إجمّاع الصفات المحتاج إلى تجديدها لا ينحصر في نوع من أنواع الخير، ولا يلزم أن جميع خصال الخير كلها في شخص واحد، إلا أن يدعى ذلك في عمر بن عبد العزيز، فإنه كان القائم بالأمر على راس المائة الأولى باتصافه بجميع صفات الخير وتقدمه فيها ومن ثم أطلق أحمد أنهم كانوا يحملون الحديث عليه، وأما من جاء بعده فالشافعي، وإن كان متصفاً بالصفات الجميلة إلا أنه لم يكن القائم بأمر الجهاد والحكم بالعدل"(فتح الباري:13-295).

 

13- يقول الدكتور علي الصلابي: "من شروط المجدد وصفاته:

أ ـ أن يكون المجدد معروفاً بصفاء العقيدة وسلامة المنهج:

وذلك لأن من أخص مهمات التجديد إعادة الإسلام صافياً نقياً من كل العناصر الدخيلة، وهذا لا يحصل إلا إذا كان المجدد من السائرين على منهج الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام، ومن الطائفة الناجية المنصورة التي جاء وصفها بأنها فرقة من ثلاث وسبعين فرقة وأنها تلزم ما كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه في عقيدته، ومنهجه وتصوراته.

 

ب ـ أن يكون عالماً مجتهداً:

والمهم أن نعلم أن المجدد يشترط فيه أن يكون محيطا بمدارك الشرع، قادراً على الفهم والاستنباط مطَّلعاً على أحوال عصره، فقيها بواقعة، يقول المناوي: إن على المجدد أن يكون: قائماً بالحجة، ناصراً للسنة، له ملكة رد المتشبهات إلى المحكمات، وقوة استنباط الحقائق والنظريات، من نصوص الفرقان وإرشاداته ودلالاته واقتضاءاته من قلب حاضر وفؤاد يقظان ويقول العظيم آبادي: إن المجدد للدين لابد أن يكون عالماً بالعلوم الدينية الظاهرة والباطنة، ناصراً للسنة، قامعاً للبدعة، ويقول المودودي: من الخصائص التي لابد أن يتصف بها المجدد هي: الذهن الصافي، والبصر النفاذ، والفكر المستقيم بلا عوج والقدرة النادرة على تبيين سبيل القصد بين الإفراط والتفريط، ومراعاة الاعتدال بينهما، والقوة على التفكير المجرد عن تأثير الأوضاع الراهنة، والعصبيات الراسخة على طول القرون، والشجاعة والجرأة على مزاحمة سير الزمان المنحرف، ويقول في تعداده لعمل المجدد: الاجتهاد في الدين، والمراد به أن يفهم المجدد كليات الدين، ويتبين اتجاه الأوضاع المدنية والرقي العمراني في عصره ويرسم طريقاً لإدخال التعبير والتعديل على صورة التمدن القديمة المتوارثة، يضمن للشريعة سلامة روحها وتحقيق مقاصدها، ويمكّن الإسلام من الإمامة العالمية في رقي المدينة الصحيح.

 

ج ـ أن يشمل تجديده ميداني الفكر والسلوك في المجتمع:

وذلك لأن تصحيح الانحراف من أخص المهمات التي ينبغي أن يقوم بها المجدد، ومعلوم أن الانحراف يطرأ على السلوك كما يطرأ على الفكر، بل إن غالب الانحرافات السلوكية منشؤها الخرافات فكرية، فيقوم المجدد بتصويب الأفهام والأفكار، وتخليصها مما داخلها من شكوك وشبهات، ويحيى العلم النافع، والفهم الصحيح للإسلام، ويبثه بين الناس، وينشره بالتدريس، وتأليف الكتب، وغير ذلك من الوسائل المتاحة، ثم يعمد إلى إصلاح سلوك الناس وتقويم أخلاقهم، وتزكية نفوسهم، وإبطال التقاليد المخالفة للشريعة، وإعلان الحرب على البدع والخرافات، والمنكرات المتفشية في حياة الناس، ومواجهة الفساد بمختلف أشكاله وصوره، وخاصة الفاسد في الحكم والإمارة، بهذا يكون المجدد قد جمع بين القول والفعل، والعلم والعمل، قد أثار السلف إلى هذا الشرط بقولهم عن المجدد إنه ينصر السنة ويقمع البدعة.

 

س ـ أن يعم نفعه أهل زمانه:

 

وذلك لأن المجدِّد رجل مرحلة زمنية، تمتد قرناً من الزمن، فلابد إذن من أن يكون منارة يستضيء بها الناس ويسترشدون بهداها، حتى مبعث المجدد الجديد على الأقل، وهذا يقتضي أن يعم علم المجدد ونفعه أهل عصره، وأن تترك جهوده الإصلاحية أثراً بيناً في فكر الناس وسلوكهم، وغالباً ما يتم تحقيق ذلك عبر من يربيهم من تلامذة، وأصحاب أوفياء، يقومون بمواصلة مسيرته الإصلاحية وينشرون كتبه وأفكاره ويؤسسون مدارس فكرية تترسم خطاه في الإصلاح والتجديد"(عمر بن عبد العزيز، معالم التجديد والإصلاح الراشدي على منهاج النبوة لعلي محمد محمد الصلابي).

 

14- يقول الدكتور علي الصلابي: الدروس والعبر والفوائد المستنيطه من قوله صلى الله عليه وسلم: “إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها»: يعد هذا الحديث إحدى البشائر بحفظ الله لهذا الدين مهما تقادم الزمان وبكفالته سبحانه إعزاز هذه الأمة ببعثة المجددين الربانيين الذين يحيونها بعد موات، ويوقظونها من سبات، بما يحملونه من الهدى والنور، وأن هذا الحديث يمنح المسلم طاقة من الأمل الأكيد، بأن المستقبل للإسلام مهما تكاثرت قوى الشر، وتعاظم طغيان أهل الباطل، وبأن النور سيسطع مهما احلولك الليل، واشتد الظلام، ونحن في الوقت الحاضر بحاجة ماسّة لتأكيد هذا المعنى، ونشره بين الناس، حتى نقاوم موجات اليأس والقنوط التي عمَّت النفوس، فجعلتها تستسلم للذل والخضوع والخنوع، بحجة أننا في آخر الزمان وأنه لا فائدة ولا رجاء من كل جهود الإصلاح التي تبذل لأن، الإسلام في إدبار والكفر في إقبال، وها قد ظهرت علامات الساعة الصغرى، ونحن في انتظار العلامات الكبرى التي سيعقبها قيام الساعة، وقد يستدل أصحاب هذا الاتجاه ببعض الأحاديث، ويفهمونها على غير الوجه المراد منها، من ذلك استدلا لهم ببعض الأحاديث، ويفهمونها على غير الوجه المراد منها.

 

من ذلك استدلا لهم بحديث أنس رضي الله عنه عند البخاري: «لا يأتي عليكم زمان إلا والذي بعده شرُّ منه حتى تلقوا ربكم»، وحديث «بدأ الإسلام غريباً وسيعود قريباً كما بدأ، فطوبى للغرباء». وينسون أنه لا يجوز أن نفهم هذه الأحاديث بمعزل عن الأحاديث الأخرى التي تحمل البشرة والأمل للأمة، مثل حديث: «مثل أمتي مثل المطر لا يدري أوله خير أو آخره»، وفي قوم دون غيرهم، وفي زمن دون زمن، كما ذكر ابن القيم وفي قوله صلى الله عليه وسلم: إن الله يبعث لهذه الأمة: إن هذا المبعوث لم يعد همه نفسه فقط، بل تجاوز ذلك ليعيش لهذه الأمة، فهو صاحب عزيمة وهمة يعيش هموم أمته ويبذل قصارى جهده مواصلاً عمل النهار بالليل، لينقذ هذه الأمة من وهدتها، ويعيد لها ثقتها بدينها، ويردها إلى المنهج الصحيح، مصابراً على ما يعترض سبيله من عقبات ومغالباً كل المشقات والتحديات، ليصل إلى رفعة هذه الأمة وعودة مجدها قوله: على رأس كل مائة سنة الرأس في اللغة يمكن أن يراد به أول الشيء، كما أن يمكن أن يراد به آخره، وقد اختلف العلماء في المراد من الرأس في هذا الحديث، فقال بعضهم: المراد: أول المائة وقال آخرون: المراد آخرها، وهذا ما اختاره ابن حجر، والطيبي، والعظيم آبادي، وقد احتج العظيم آبادي لاختياره بكون الإمامين الزهري وأحمد بن حنبل وغيرهما من الأئمة المتقدمين والمتأخرين، اتفقوا على أن من المجددين على رأس المائة الأولى عمر بن عبد العزيز رحمه الله، وعلى رأس المائة الثانية الإمام الشافعي رحمه الله، وقد توفي عمر بن عبد العزيز سنة احدى ومائة، وله أربعون سنة، ومدة خلافته سنتان ونصف، وتوفي الشافعي سنة أربع ومائتين، ولا يمكن عد عمر بن عبد العزيز مجدد المائة الأولى اعتباره أولها لأنه لم يكن مولوداً أولها فضلاً عن أن يكون مجددها وكذا الإمام الشافعي لم تكن ولادته بداية المائة الثانية فضلاً عن أن يكون مجددها يلاحظ المتأمل في قوله صلى الله عليه وسلم (من يجدد لها دينها) أنه أضاف الدين إلى الأمة ولم يقل يجدد لها الدين، وذلك لأن الدين بمعنى المنهج الإلهي الذي بعث الله به رسوله صلى الله عليه وسلم، وما إشتمل عليه من عقائد وعبادات وأخلاق وشرائع تنظم علاقة العبد بربه وعلاقته بغيره من بني جنسه، ثابت كما أنزله الله لا يقبل التغيير ولا التجديد، وأما دين الأمة بمعنى علاقة الأمة بالدين ومدى تمسكها وتخلقها به وترجمتها له واقعاً ملموساً على الأرض، فهو المعنى القابل للتجديد ليعيد الناس إلى المستوى الذي ينبغي أن يكونوا عليه بعلاقتهم مع الدين"(عمر بن عبد العزيز، معالم التجديد والإصلاح الراشدي على منهاج النبوة لعلي محمد محمد الصلابي).

 

 

 

 

الإحالات

1- الأصالة والتجديد في الفكر الإسلامي؛ لراشد بن سعيد شهوان – رسالة ماجستير.

 

2- التجديد في الإسلام - المنتدى الطبعة الثانية1411.

 

3- مفهوم التجديد؛ لمحمود الطحان.

 

4- مفهوم تجديد الدين؛ لبسطامي محمد سعيد.

 

التعريف

التجديد في الإسلام يعني: إحياء وبعث معالم الدِّين العلميّة بحفظ النُّصوص الصَّحيحة نقيّة، وتمييز ما هو من الدِّين ممَّا هو ملتبس به، وتنقيته من الانحرافات والبدع النَّظريّة والعمليّة والسُّلوكيّة، وبعث مناهج النَّظر والاستدلال لفهم النُّصوص على ما كان عليه السَّلف الصَّالح، وبعث معالمه العمليّة بالسَّعي لتقريب واقع المجتمع المسلم في كُلّ عصر إلى المجتمع النَّموذجيّ الأوّل من خلال "وضع الحلول الإسلاميّة لكُلّ طارئ، وجعل أحكام الدِّين نافذة مهيمنة على أوجه الحياة، ووضع ضوابط لاقتباس النَّافع الصَّالح من كُلّ حضارة، على ما أبانته نصوص الكتاب والسُّنَّة بفهم السَّلف الصَّالح (الموسوعة الميسرة: 2-1002).

 

يقول المودوديّ: التَّجديد في حقيقته هو تنقية الإسلام من كُلّ جزء من أجزاء الجاهليّة، ثُمَّ العمل على إحيائه خالصاً محضاً على قدر الإمكان وفي سياق آخر يرى أنَّ التَّجديد عملية كبيرة، تستلزم جملة من الأمور، منها ما يلي: السَّعي لإحداث الانقلابي الفكريّ والنَّظريّ؛ أي تغيير أفكار النَّاس، وطبع عقائدهم ومشاعرهم ووجهة نظرهم الخُلُقيّة بطابع الإسلام، وإصلاح نظام التَّعليم والتَّربيّة، وإحياء العلوم والفنون الإسلاميّة، وبالجملة بعث العقليّة الإسلاميّة من جديد. 

 

محاولة الإصلاح العمليّ، وذلك كإبطال التَّقاليد الجاهليّة، وتزكية الأخلاق، وإشباع النفوس حُبّاً لاتباع الشَّريعة من جديد (موجز تاريخ تجديد الدّين وإحيائه، وواقع المسلمين وسبيل النّهوض بهم، للمودوديّ:51-52).