ترف

2022-10-11 - 1444/03/15

التعريف

الترف التاء والراء والفاء ، الترفة في اللغة النعمة والطعام الطيب ، ورجل مترف يعني منعم وترفه أهله إذا نعموه بالطعام الطيب والشيء يخص به ، صبي مترف في لسان العرب إذا كان منعم البدن مدللاً والمترف الذي قد أبطرته النعمة وسعة العيش ، والإرفاء والتنعم والدعة ومظاهرة الطعام على الطعام واللباس على اللباس هذا هو الإرفاء ، يطلق الترف على معاني أخرى مثل التنعم والترفه والرفاهية ويقابله الزهد والتقلل والخشونة .

الترف : هو مجاوزة الحد في الاعتدال ، والإكثار من النعم التي يحصل بها الترف فالمترفون إذن أبطرتهم النعمة وسعة العيش وهم حريصون على الزيادة في أحوالهم وعوائدهم والساعون إلى بلوغ الغاية في حاجات النفس الحسية من المآكل والمشارب والمساكن والمراكب .

هذا الترف قائم على الغنى ومبني عليه لكنه ليس بلازم له فكم من غني بخيل يعيش حياته حياة البؤس والعوز ، وكم من فقير حرص على تحصيل النعم وتحصيل الشهوات واللذات من كل طريق يعيش بأكثر من دخله فتركبه الديون [سلسلة الآداب للشيخ محمد المنجد (8/2) ] .

العناصر

1- تعريف الترف .

2- ذم الترف والتحذير منه .

3- خطورة تعلق القلب بالترف وبلاء الإنسان بالانغماس في متع الحياة وملذاتها .

4- نهي الشرع الحنيف عن مظاهر الترف والحث على تركه والانصراف عنه إلى ما هو خير في الدارين .

5- خطر الترف على الدعوة والدعاة .

6- أسباب الترف .

7- مظاهر الترف .

8- طرق ووسائل لعلاج الترف .

 9- الآثار المترتبة على الترف .

الايات

1- قال الله تعالى في وصف الكفار: (وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ) [هود: 116] .

 

2- قوله تعالى: (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً) [مريم:59].

 

3- قوله تعالى: (وَكَمْ قَصَمْنَا مِنْ قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنْشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْماً آخَرِينَ * فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا إِذَا هُمْ مِنْهَا يَرْكُضُونَ * لا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلَى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَاكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ) [الأنبياء: 11- 13] .

 

4- قوله تعالى: (حَتَّى إِذَا أَخَذْنَا مُتْرَفِيهِمْ بِالْعَذَابِ إِذَا هُمْ يَجْأَرُونَ) [المؤمنون:64] .

 

5- قوله تعالى: (فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ) [القصص:79] .

 

6- قوله تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ) [سبأ:34] .

 

7- قوله تعالى: (وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ) [الزخرف:23] .

 

8- قوله تعالى: (وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلاً) [المزمل:11] .

 

9- قوله تعالى: (فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلافَ رَسُولِ اللَّهِ وَكَرِهُوا أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَالُوا لا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرّاً لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ) [التوبة:81] .

 

10- قوله تعالى: (وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً) [الإسراء:16] .

 

11- قوله تعالى: (فَلا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ) [التوبة:55] .

 

12- قوله تعالى: (وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَأُولَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ) [سبأ:37] .

الاحاديث

1- عن أبى سعيد الخدري قال جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر وجلسنا حوله فقال: « إن مما أخاف عليكم بعدى ما يفتح عليكم من زهرة الدنيا وزينتها ». فقال رجل أويأتي الخير بالشر يا رسول الله قال فسكت عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقيل له ما شأنك تكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يكلمك قال ورئينا أنه ينزل عليه فأفاق يمسح عنه الرحضاء وقال: « إن هذا السائل - وكأنه حمده فقال - إنه لا يأتي الخير بالشر وإن مما ينبت الربيع يقتل أو يلم إلا آكلة الخضر فإنها أكلت حتى إذا امتلأت خاصرتاها استقبلت عين الشمس فثلطت وبالت ثم رتعت وإن هذا المال خضر حلو ونعم صاحب المسلم هو لمن أعطى منه المسكين واليتيم وابن السبيل أو كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنه من يأخذه بغير حقه كان كالذي يأكل ولا يشبع ويكون عليه شهيدا يوم القيامة » [صحيح مسلم (2470) ] .

 

2- عن أبى سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « إن الدنيا حلوة خضرة وإن الله مستخلفكم فيها فينظر كيف تعملون فاتقوا الدنيا واتقوا النساء فإن أول فتنة بنى إسرائيل كانت فى النساء ». وفى حديث ابن بشار « لينظر كيف تعملون »[صحيح مسلم (7124) ] .

 

3- عن عروة بن الزبير أن المسور بن مخرمة أخبره أن عمرو بن عوف وهو حليف بني عامر بن لؤي وكان شهد بدرا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبره أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعث أبا عبيدة بن الجراح إلى البحرين يأتي بجزيتها وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- هو صالح أهل البحرين وأمر عليهم العلاء بن الحضرمي فقدم أبو عبيدة بمال من البحرين فسمعت الأنصار بقدوم أبى عبيدة فوافوا صلاة الفجر مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم انصرف فتعرضوا له فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم حين رآهم ثم قال: « أظنكم سمعتم أن أبا عبيدة قدم بشيء من البحرين ». فقالوا أجل يا رسول الله قال: « فأبشروا وأملوا ما يسركم فو الله ما الفقر أخشى عليكم. ولكنى أخشى عليكم أن تبسط الدنيا عليكم كما بسطت على من كان قبلكم فتنافسوها كما تنافسوها وتهلككم كما أهلكتهم » [صحيح مسلم (7614) ] .

 

4- عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « يؤتى بأنعم أهل الدنيا من أهل النار يوم القيامة فيصبغ في النار صبغة ثم يقال يا ابن آدم هل رأيت خيرا قط هل مر بك نعيم قط فيقول لا والله يا رب. ويؤتى بأشد الناس بؤسا في الدنيا من أهل الجنة فيصبغ صبغة في الجنة فيقال له يا ابن آدم هل رأيت بؤسا قط هل مر بك شدة قط فيقول لا والله يا رب ما مر بي بؤس قط ولا رأيت شدة قط » [صحيح مسلم (2766) ] .

 

5- عن عبد الحميد ابن جعفر الأنصاري حدثني الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليهم السلام أن أمة الله فاطمة بنت حسين حدثته أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « إن من شرار أمتي الذين غذوا بالنعيم ، الذين يطلبون ألوان الطعام و ألوان الثياب ، يتشدقون بالكلام» [أخرجه أحمد في الزهد ( ص - 77 ) و ابن أبي الدنيا في الجوع ( ق 9 / 1 ) و ابن عدي في الكامل ( ق 249 / 1 ) و أبو الحسين الأبنوسي في الفوائد ( ق 14 / 1 - 2 ) وصححه الألباني رحمه الله بمجموع طرقه انظر السلسلة الصحيحة (1891) ] .

 

6- عن معاذ بن جبل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما بعث به إلى اليمن قال: «إياي والتنعم ! فإن عباد الله ليسوا بالمتنعمين» [مسند أحمد (22158) وقال الألباني في السلسلة الصحيحية: صحيح (353) ] .

 

7- عن أبي أمامة الحارثي أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال : « البذاذة من الإيمان» [أخرجه الإمام أحمد في مسنده وابن ماجه والحاكم في المستدرك وصححه الشيخ الالباني في صحيح الجامع (2879) ] .

الاثار

1- قال الحسن في قوله تعالى: (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً): عطلوا المساجد ، ولزموا الضيعات (وهي المزارع والدكاكين والثمار والأشجار) وقال كعب الأحبار: (والله إني لأجد صفة المنافقين في كتاب الله عز وجل شرابين للقهوات، تراكين للصلوات، لعابين بالكعبات " أي بالنرد الزهر الذي يلعب به في كثير من الألعاب وهو محرم والحديث (من لعب بالنرد فقد عصى الله ورسوله ) (من لعب بالنردشير فكأنما غمس يده في لحم الخنزير ودمه) " رقادين عن العتمات " يعني صلاة العشاء " مفرطين في الغزوات ، تراكين للجمعات ثم تلا هذه الآية : (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً) [مريم:59] .

 

2- قال أبو (مجبذ) ليتفقدن أقواماً حسنات كانت لهم في الدنيا فيقال لهم : أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا واستمتعتم بها .

 

3- قالت حفصة بنت عمر لأبيها رضي الله عنهما يا أمير المؤمنين : إنه قد أوسع الله عليك الرزق وفتح عليك الأرض وأكثر من الخير فلو طعمت طعاماً ألين من طعامك ولبست لباساً ألين من لباسك فقال سأخاطبك إلى نفسك : أما تذكرين ما كان رسول الله ( حفصة زوجة النبي كانت معه في بيته ) يلقى من شدة العيش فما زال يذكرها حتى أبكاها ثم قال : إني قد قلت لك إني والله لئن استطعت لأشاركنهما في عيشهما الشديد لعلي ألقى معهما عيشهما الرخي ( يعني الرسول صلى الله عليه وسلم وأبو بكر صلى الله عليه وسلم ) .

القصص

1- كان حفص بن أبي العاص يكثر غشيان عمر وكان إذا قرب طعامه اتقاه فقال له عمر : مالك وطعامنا ؟ قال : يا أمير المؤمنين إن أهلي يصنعون لي طعاماً هو ألين من طعامك فأختار طعامهم على طعامك ، قال : ثكلتك أمك أما تراني لو شئت أمرت بشاة سمينة فألقي عنها شعرها ثم أمرت بدقيق فنخل في خرقة فجعل خبزاً مرققاً وأمرت بصاع من زبيب فجعل في سمن حتى يكون كدم الغزال ، قال حفص : إني أراك تعرف لين الطعام ( عندك خبرة فيه ) قال : ثكلتك أمك والذي نفسي بيده لولا كراهية أن ينقص من حسناتي يوم القيامة لأشركتكم في لين طعامكم .

 

2- عن عبد الله بن بريدة أن رجلا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم رحل إلى فضالة بن عبيد وهو بمصر فقدم عليه فقال: أما إني لم آتك زائرا ولكنى سمعت أنا وأنت حديثا من رسول الله صلى الله عليه وسلم رجوت أن يكون عندك منه علم. قال وما هو قال كذا وكذا قال فما لي أراك شعثا وأنت أمير الأرض قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ينهانا عن كثير من الإرفاه. قال فما لي لا أرى عليك حذاء قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يأمرنا أن نحتفي أحيانا[سنن أبي داود (4162) وقال الألباني صحيح] .

الاشعار

1- قال الشاعر:

ليسَ أمرُ المرءِ سهلاً كله *** إِنَّما الأمرُ سهولٌ وحزونْ

ربما قرَّتْ عيونٌ بشجى *** مُرْمضٍ قد سخنتْ عنه عيونْ

تطلبُ الراحةَ في دارِ العنا *** خابَ من يطلبُ شيئاً لا يكونْ

[مجمع الحكم والأمثال المؤلف: أحمد قبش.

الدراسات

متفرقات

1- قال الشافعي: لا يطلب هذا العلم أحد بالملك وعزة النفس فيفلح لكن من طلبه بذلة النفس وضيق العيش وخدمة العلم وتواضع النفس أفلح [الآداب الشرعية – ابن مفلح الحنبلي 2/27 ] .

 

2- قال ابن جرير رحمه الله في تفسير قوله تعالى: (وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ): إن الله تعالى أخبر أن الذين ظلموا أنفسهم من كل أمة سلفت فكفروا بالله اتبعوا ما أترفوا فيه من لذات الدنيا فاستكبروا وكفروا فاستكبروا عن أمر الله وصدوا عن سبيله وذلك أن المترف في كلام العرب هو المنعم الذي قد غذي باللذات .

 

3- قال الشيخ محمد حسين يعقوب في مقال له يذكر علاج الترف:

أولاً : التوحيد وصحة الاعتقاد ليصح اليقين والإيمان .

ثانيًا : إشغال القلب بالآخرة ، بكثرة سماع المحاضرات العلمية التي تحض على ذلك ، وقراءة الكتب ، والاتعاظ بحال من كنت تعرف وداهمهم الموت ، وعيادة المرضى والمحتضرين ، وزيارة القبور والنظر لمآلك بعد هذه الحياة .

ثالثًا : تخليص القلب من حب الدنيا ، الذي هو سبب للعجز والوهن الذي أصاب المسلمون هذه الأيام ، وهذا يحصل عندما تعاين حقارتها ، وقد ضرب الله الأمثلة الكثيرة للدنيا ومدى خستها ، وبيَّن النبي صلى الله عليه وسلم أنها لا تعدل عند الله جناح بعوضة ، وارجع إن شئت لكتاب " عدة الصابرين " في الباب الثالث والعشرين فقد كتب في آخره فصلاً تحت اسم : في ذكر أمثلة تبين حقيقة الدنيا وتحته اثنان وعشرون مثلاً فبها اعتبر .

رابعًا : عدم الاختلاط بأهل الدنيا فإنَّ خلطتهم كالداء العضال .

قال الله تعالى : " ولا تمدنَّ عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم زهرة الحياة الدنيا لنفتنهم فيه ورزق ربك خير وأبقى " فالناس ثلاث طبقات : طبقة كالغذاء لا يستغنى عنه ، وهؤلاء هم أهل العلم والفضل ، أهل الإيمان والصلاح ، فاستكثر منهم ، ولا تفارق مجالسهم ، فإنها رياض الجنة ، وطبقة كالدواء يحتاج إليه أحياناً ، وهؤلاء من تحتاجهم عند الضرورة ولابد لك من مخالطتهم كمن تخالطهم في طلب الرزق أو شراء طعام ونحوه ، فتخالطهم بقدر ولا تجمح في مصاحبتهم ، وطبقة كالداء لا يحتاج إليه أبداً وهؤلاء هم سفلة الناس من خلان الدنيا ، هؤلاء هم المترفون الذين لا يصدقون بيوم الدين ، فإياك وهم ، وإنْ ازدانوا وتزخرفوا وأظهروا سعادة لم يبطنوها ـ علم الله ـ فخلطة هؤلاء تثير حسد الفقير المعوز ، وتشقي الغني الذي يسعى لمشاكلتهم ، وربَّما يزدري نعمة الله عليه مقارنة بمن يعلوه في الدنيا .

خامسًا : الأخوة الإيمانية فإنَّها نعم المعين ، فعليك برفقة الصالحين ومخالطتهم وحبهم ومنافستهم في الطاعة (وفي ذلك فليتنافس المتنافسون)

سادسًا : التقيد بمنهج تربوي فلابد لك من مربٍ يتابعك ويكشف لك عيوبك ، ويبصرك بالطريق ، كما قالوا : لولا المربي بعد ربي ما عرفت ربي ، وإن كانت الساحة تفتقد لهؤلاء ولكن اجتهد وأخلص النية ، ولسوف يعطيك ربك فترضى .

 

4- وقال أيضاً: إلى هؤلاء اللاهين اللاعبين المترفين أقول : قال الله تعالى: (وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الآخِرَةُ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ) فالترف مفسد أي مفسد ، إذ يتعلق قلب صاحبه بالدنيا ، وللأسف الشديد إنَّ أكثر الأمة اليوم يعيش ترفًا غريبًا عجيبًا دخيلاً علينا . فالفقراء يحاولون أن يفتعلوا الترف ، ولو في بعض الأشياء ، تجده لا يجد إلا قوته الضروري ، ولكنه يقتطع منه من أجل أن يقتني المحمول ، ويشتري أفخر الأثاث ، ويشتري أحدث الأجهزة ، ليشتري الدش فيدخل الفساد على أهله ويقره في بيته دياثة ، وهذا يقتطع من قوت أطفاله لكي يصيّف هنا أو هناك ، والقائمة طويلة تعرفونها جيدًا ، وإلى الله المشتكى .

ترف وللأسف الشديد أمر يخجل ، فلأجل الله يشح ويبخل ، ويقدم لك الاعتذارات لضيق الوقت وضيق ذات اليد و … و… الخ لكن للدنيا وللشهوات يحارب ويدبر ويفكر . إنه التنافس على الدنيا ، وكأنه لو لم يحصل هذه الأمور سيعيش في الضنك ، وسيبلغ به الحرج المدى ، ولا والله فما الزيادة في الدنيا إلا زيادة في الخسران .

فالغني يصاب بالبطر والكبر ، ويصبح ماله نقمة عليه في الآخرة فيصرخ يوم القيامة : (مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيهْ هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيهْ خُذُوهُ فَغُلُّوهُ ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ إِنَّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هَاهُنَا حَمِيمٌ وَلَا طَعَامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ لَا يَأْكُلُهُ إِلَّا الخاطئون) [ الحاقة: 28-37]

والفقير يحلق دينه بالحقد والحسد ، ناهيك عمَّن يتكبر وهو معوز فيدخل في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم وآله وسلم : « ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولا ينظر إليهم ولهم عذاب أليم شيخ زان وملك كذاب وعائل مستكبر » [أخرجه مسلم (107) كتاب الإيمان، باب بيان غلظ تحريم إسبال الإزار والمن بالعطية وتنفيق السلعة بالحلف وبيان الثلاثة الذين لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم].

فرجل كبير السن يزني ، وملك يكذب على رعيته ولا يحتاج لذلك فإذا كذب غش ، فهنا ـ كما يقول العلماء ـ ضعف الداعي ، وتم الفعل ، فعظم الوزر ، وهذا عائل أي فقير وهو مع هذا مستكبر ، فأن يطغى الغني بالمال هذا أمر معروف قال تعالى : (إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَى أَن رَّآهُ اسْتَغْنَى) [ العلق /6-7 ] لكن فقير يتكبر فلماذا ـ يا عبد الله ـ ؟ !! وكذلك فقير مترف هذا شيء يبغضه الله تعالى .

 

5- قال فيصل البعداني في مقال له بعنوان: الترف .. وخطره على الدعوة والدعاة للترف مظاهر كثير، من أبرزها ما يلي:

* الإفراط في تناول الطعام والشراب وتوفير متطلبات النفس مما لذ وطاب، مما جعل الجم الغـفـيــر من الناس - دعاة وغيرهم - يعانون بسبب ذلك من السمنة وكثيرٍ من الأمراض الناشئة عن التخمة.

* جعل المال في الملابس الراقية، والاكتفاء بلبس الجديد والفاخر، حتى كثرت بسبب ذلك الملابس غير المستخدمة في المنازل، وتكدست مع وجود تنوع في الاستعمال حسب تعدد فصول العام، واختلاف أوقات اليوم، ويبرز الترف في هذا الجانب لدى النساء.

* صرف الأموال الكثيرة في السيارات والحرص على ضخامتها وتعددها حسب أحجامها وأنواعها، وتسليم بعضها لمراهقين يستخدمونها - غالباً - في غير ما وضعت له.

* صرف الأموال الضخمة في بناء المنازل والدور، والتباهي في إعدادها وتصاميمها البديعة في الشـكــل الخارجي والداخلي، مع الحرص على تعدد مواقعها فبعضها للشتاء والآخر للصيف، وبعضها للسكن وبعضها للنزهة، ومع الحرص على سعتها وكثرة غرفها ووجود ملحقات لها ووفرة وسائل الترفيه فيها مع أن الذي يكفي الإنسان من ذلك الشيء القليل.

* نعومة الأجساد وطراوتها وترهل الأطراف ونعومتها والتهاون أثناء أداء الأعمال مما أدى إلى أمراض حديثة ولدتها هذه الظواهر.

* الاسـتـكـثـار مــن وسائل الزينة والاعتناء الزائد بالنفس، والإفراط في التدهن والتطيب والترجيل للشعر، ونـحــــو ذلك من أمور الناس حتى إن بعضهم ليزيد إنفاقه على زينته وبعض مظاهر الترف الأخــــرى على دخله، مما يضطره إلى الاقتراض أو إلى تعاطي أمور أخرى لا تحمد عقباها.

* جعل المال في الفرش الوثيرة والأواني الفاخرة والمتاع الراقي، أو الإكثار من ذلك - وإن لم يكن الشيء غالي الثمن - كثرة تقصر معها أيام العمر وتأبى أن تتسع للعبد لكي ينتفع بها ويستخدمها.

* عــدم قـيـام الإنسان بحاجاته الذاتية والاجتماعية التي يتمكن من القيام بها والمجيء بالخدم رجالاً ونـســــاء، لكي يقوموا بذلك من غير حاجة وإنما رغبة منه في ترفيه نفسه وتقديم الراحة لأهله وأولاده، وحباً منه في التفاخر والتباهي والظهور بمظهر المتميز أمام بقية أفراد المجتمع.

* كثرة استخدام وسائل الترويح عن النفس من مزاح وألعاب ونزهة وزيارات كثيرة تخرج بالترويح عن الأمر الذي شرع له، وتصبح في حياة كثير من الناس كأنها هي الأصل والجد هو الفرع.

* ضياع الأوقات وانتشار البطالة في حياة بعض من الدعاة والمصلحين، حيث تكثر ساعات نومهم ويتتابع فناء أعمارهم دون أن يقضوا شيئاً منها في أمر ينفعهم في دينهم أو دنياهم.

* الـتـعـلـق بالتوافه، وضعف التفكير، وغياب القدرة على النقد البناء، وانتشار التقليد، والتسرع فـي الحـكـم عـلـى الأشـيــــاء بناءً على ظواهرها، وإمكانية التلاعب بالشخص واستدراجه إلى ما يراد من قبل الآخــرين بيسر وسهولة وبدون عناء أو مشقة.

* عدم الحرص على الطاعة، والتواني عن القيام بما يقِّرب في الآخرة سواء أكان ذلك فيما يتعلق بذات الشخص كصلاة النفل وصيام التطوع، أو فيما يتعلق بشؤون الدعوة، إذ تكثر عند التنفيذ المشاغل وتتعدد المبررات للتقاعس عن العمل أو التأخر في أدائه، وفي المقابل توجد - لدى ذلك الصنف - عجله في تحصيل وسائل الترف، وسرعة في تحقيق مطلوبات النفس وشهواتها.

* تتبع أقوال أهل العلم للأخذ بالأيـســـر مـنهـا، ويرجع ذلك إلى أن كثرة النعم تقود إلى الدعة والراحة، وتلك تقود إلى اقتحام سبيل الشهوات والانغماس في الملذات، التي قد لا يجد العبد متنفساً له فيما أحل الله فيقرر الأخذ بما يراه حراماً، ولكن لكي يزيل الحرج عن نفسه، ويدفع عنه لوم الآخرين - إن وجد - يقــــوم بتتبع أقوال أهل العلم في الأمر الذي قرر إتيانه إلى أن يجد له عالماً في القديم أو الـحــديث يقول بجواز فعله، فيفرح به ويبدأ بإعلانه ونشره لا اعتقاداً بصحة ذلك القول والرغبة في إذاعته، ولكن حباً في رفع الحرج عن النفس نظراً لموافقة ذلك القول لما قد عزمت نفسه على فعله [من مقال على موقع صيد الفوائد http://www.saaid.net/aldawah/139htm] .

التحليلات

الإحالات

1- الآداب الشرعية – ابن مفلح الحنبلي (2/251) مؤسسة قرطبة.

2- نصيحة الملوك – الماوردي – تحقيق خضر محمد خضر ص 68 مكتبة الفلاح الطبعة الأولى 1403.

3- الترف.. مظاهره وأسبابه وعلاجه المؤلف: فضيلة الشيخ محمد حسين يعقوب.

4- إعانة المستفيد بشرح كتاب التوحيد المؤلف: صالح بن فوزان بن عبد الله الفوزان الناشر: مؤسسة الرسالة الطبعة: الطبعة الثالثة، 1423ه 2002م (1/152).

5- الإيمان حقيقته، خوارمه، نواقضه عند أهل السنة والجماعة المؤلف:مراجعة وتقديم فضيلة الشيخ الدكتور عبد الرحمن بن صالح المحمود إعداد عبد الله بن عبد الحميد الأثري (1/175).

6- المهذب في ثمرات الإيمان جمع وإعداد الباحث في القرآن والسنَّة علي بن نايف الشحود الطبعة الأولى 1430 ه 2009 م ماليزيا بهانج - دار المعمور (1/70).

7- الإسلام المفتري عليه بين الشيوعيين والرأسماليين المؤلف: محمد الغزالي الناشر: دار نهضة مصر الطبعة: الأولي (1/51).

8- الحوالي...العلمانية في طورها الجديد فضيلة الشيخ / سفر بن عبدالرحمن الحوالي (1/21)

9- الخطر اليهودي بروتوكولات حكماء صهيون محمد خليفة التونسي أول ترجمة عربية أمينة كاملة مع مقدمة تحليلية في مائة صفحة تقدير الكتاب وترجمته للأستاذ الكبير: عباس محمود العقاد الطبعة الخامسة 1400ه 1980م نحن اليهود لسنا إلا سادة العالم ومفسديه. ومحركي الفتن فيه وجلاديه". الدكتور أوسكار ليفي (1/142). 10- مذاهب فكرية معاصرة - محمد قطب (1/206).

11- التحرير والتنوير المعروف بتفسير ابن عاشور المؤلف: محمد الطاهر بن محمد بن محمد الطاهر بن عاشور التونسي (المتوفى: 1393ه) الناشر: مؤسسة التاريخ العربي، بيروت – لبنان الطبعة: الأولى، 1420ه/2000م (11/347).

12- التفسير المنير في العقيدة والشريعة والمنهج المؤلف: وهبة بن مصطفى الزحيلي الموضوع: فقهى وتحليلي القرن: الخامس عشر الناشر: دار الفكر المعاصر مكان الطبع: بيروت دمشق سنة الطبع: 1418 ق (4/226).

13- في ظلال القرآن المؤلف: سيد قطب (2/106).

14- فتح الباري المؤلف: أبو الفضل أحمد بن علي بن محمد بن أحمد بن حجر العسقلاني (المتوفى: 852ه) المحقق: عبد العزيز بن عبد الله بن باز ومحب الدين الخطيب رقم كتبه وأبوابه وأحاديثه وذكر أطرافها: محمد فؤاد عبد الباقي الناشر: دار الفكر (5/374).