تبرك

2022-10-04 - 1444/03/08

التعريف

تقول: تبرك يتبرك تبركاً. مأخوذ من البركة .

قال أبو منصور: وأصل البركة: الزيادة والنماء. [تهذيب اللغة (10/231) ] .

فالبركة: زيادة ونماء في شيءٍ يريده المتبرك في تبركه بما تبرك به .

وهذه الزيادة والنماء قد تكون في أمكنةٍ، وقد تكون في ذوات، وقد تكون في صفاتٍ، هذا على مقتضى ورودها اللغوي .

كقوله تعالى: (وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا) [فصلت: 10]، وقوله: (وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا )[الأعراف: 137]، وقوله: (لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ) [لأعراف: 96]، وقوله: (وَقُلْ رَبِّ أَنْزِلْنِي مُنْزَلاً مُبَارَكاً) [المؤمنون: 29].كقوله تعالى: (وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَى إِسْحَاقَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِمَا مُحْسِنٌ وَظَالِمٌ لِنَفْسِهِ مُبِينٌ) [الصافات: 113]، وقوله تعالى في قصة نوح: (اهْبِطْ بِسَلامٍ مِنَّا وَبَرَكَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ) [هود: 48].

كقوله تعالى: (فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً) [النور: 61]، وقوله: (وَهَذَا ذِكْرٌ مُبَارَكٌ أَنْزَلْنَاهُ أَفَأَنْتُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ ) [الانبياء: 50]، وإذا تدبرت كتاب الله العزيز وجدت أنه يدل على أن البركة من الله، وتُطلب منه سبحانه وتعالى وحده، وهو يضعها فيمن شاء من خلقه، وفي ما شاء من بريته . قال تعالى: (أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ) [لأعراف: 54]، وقال: (تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ) [الفرقان: 1]

وقال: (تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجاً ) [الفرقان: 61]، وقال: (فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ ) [المؤمنون: 14]، وقال: (تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلالِ وَالْأِكْرَامِ) [الرحمن: 78]، والآيات الواردة بلفظ(تبارك) كثرة .

ولفظ ( تَبَارَكَ ) لم يرد في كتاب الله إلا مسنداً إلى الله، وهي صيغة مفيدة أعظم أنواع معنى البركة، وأكثرها نفعاً، وأعمها متعلقاً وأثراً. فالبركة لله .

العناصر

1- معنى التبرك وتعريفه .

 

2- أنواع التبرك .

 

3- حكم التبرك بآثار النبي - صلى الله عليه وسلم .

 

4- حكم التبرك بذوات الصالحين أو بالشجر أو بالحجر .

 

5- سد الذرائع قاعدة من قواعد الشرع الحنيف قد دلّ عليها القرآن العظيم .

 

6- طلب التبرك بالأمكنة الأرضية خلاف سنة الأنبياء جميعاً قبل نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم .

 

7- التحذير من تعظيم الآثار غير المشروعة .

 

8- صور من التبرك المحرم بالصالحين .

الايات

1- قال تعالى: (وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ) [هود: 117] .

2- قوله تعالى: (أَفَرَأَيْتُمُ اللاَّتَ وَالْعُزَّى وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الأُخْرَى أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الأُنْثَى تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزَى إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى) [النجم: 19 - 23]

3- قوله تعالى: (وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى) [الزمر: 3] .

4- قوله تعالى: (وَهَذَا ذِكْرٌ مُّبَارَكٌ أَنزَلْنَاهُ أَفَأَنتُمْ لَهُمُ نكِرُونَ) [الأنبياء: 50] .

الاحاديث

1- عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، قال: بينا نحن عند النبي صلى الله عليه وسلم جلوس إذا أتي بجمار نخلة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن من الشجر لما بركته كبركة المسلم» فظننت أنه يعني النخلة، فأردت أن أقول: هي النخلة يا رسول الله، ثم التفت فإذا أنا عاشر عشرة أنا أحدثهم فسكت، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «هي النخلة» [أخرجه البخاري في "صحيحه"(9/569) ] .

2- عن أبي واقد الليثي قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حنين، ونحن حدثاء عهد بكفر، وللمشركين سدرة يعكفون عندها وينوطون بها أسلحتهم، يقال لها: ذات أنواط، فمررنا بسدرة، فقلنا يا رسول الله: اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «الله أكبر إنها السنن. قلتم والذي نفسي بيده كما قال بنو إسرائيل لموسى (اجْعَلْ لَنَا إِلَهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ) ، لتركبن سنن من كان قبلكم». [سنن الترمذي 4/475، وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي 1/235 ] .

3- عن عائشة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لا يذهبُ الليل والنهار حتى تُعبَد اللاَّت والعُزَّى» [صحيح مسلم (2907) ] .

4- عن عائشة رضي الله عنها؛ أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «أَلَمْ تَرَيْ أَنَّ قَوْمَكِ حِينَ بَنَوُا الْكَعْبَةَ اقْتَصَرُوا عَنْ قَوَاعِدِ إِبْرَاهِيمَ». قَالَتْ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَفَلَا تَرُدَّهَا عَلَى قَوَاعِدِ إِبْرَاهِيمَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَوْلَا حِدْثَانُ قَوْمِكِ بِالْكُفْرِ؛ لَفَعَلْتُ» [أخرجه البخاري (3/ 439/ 1583) عن عبد الله بن مسلمة، ومسلم (2/ 969 / 1333 - 1399) عن يحى بن يحى، كلاهما عن مالك، وهذا في " الموطأ " (2/ 297 - 300/ 824) ] .

الاثار

1- قال أُسيد بن حُضير في سبب مشروعية التيمم: لقد بارك الله للناس فيكم يا آل أبي بكر [أخرجه البخاري (4608) ] .

2- قالت عائشة - رضي الله عنها - لما تزوج النبي - صلى الله عليه وسلم - جويرية بنت الحارث قالت: فما رأيت امرأة كانت أعظم بركة على قومها منها [أخرجه أحمد في "المسند"(6/277)، وأبو داود في "السنن" بإسناد جيد] .

3- قيل يا أمير المؤمنين! مسجد صلى فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هم يأتون يصلون فيه، فقال: إنما هلك من كان قبلكم بمثل هذا، يتبعون آثار أنبيائهم، فيتخذونها كنائس وبيعاً، من أدركته الصلاة في هذه المساجد فليصل، ومن لا فليمض، ولا يتعمّدها. [أخرجه سعيد بن منصور في "سننه"، وابن أبي شيبة في "المصنف"(2/376)، ومحدث الأندلس محمد بن وضاح القرطبي في "البدع والنهي عنها"(ص41)، بإسناد صحيح] .

4- عن المعرور بن سويد قال: كنت مع عمر بين مكة والمدينة، فصلى بنا الفجر فقرأ (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ) و (لِإِيلافِ قُرَيْشٍ) ، ثمَّ رأى قوماً ينزلون فيُصلُّون في مسجد فسأل عنهم، فقالوا: مسجد صلَّى فيه النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم، فقال: إنَّما هلك مَن كان قبلكم أنَّهم اتخذوا آثار أنبيائهم بيَعا، مَن مرَّ بشيء من المساجد فحضرت الصلاة فليُصلِّ، وإلاَّ فليمض [رواه عبد الرزاق (2/118 ـ 119) وابن أبي شيبة (2/376 ـ 377) بإسناد صحيح]، قال شيخ الإسلام معلِّقاً على هذا الأثر: "فلمَّا كان النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم لم يقصد تخصيصَه بالصلاة فيه، بل صلَّى فيه لأنَّه موضع نزوله، رأى عمر أنَّ مشاركتَه في صورة الفعل من غير موافقة له في قصده ليس متابعة، بل تخصيص ذلك المكان بالصلاة من بدع أهل الكتاب التي هلكوا بها، ونهى المسلمين عن التشبه بهم في ذلك، ففاعل ذلك متشبِّه بالنَبيِّ صلى الله عليه وسلم في الصورة، ومتشبِّه باليهود والنصارى في القصد الذي هو عمل القلب [مجموع الفتاوى (1/281) ] .

5- عن موسى بن عقبة، أنه قال: رأيت سالم بن عبد الله يتحرى أماكن من الطريق، فيصلي فيها، ويحدث أن أباه كان يصلي فيها، وأنه رأى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يصلي في تلك الأمكنة . [صحيح البخاري (40) ] .

القصص

1- عن أسماء : أنها حملت بعبد الله بن الزبير بمكة. قالت : فخرجت وأنا مُتِم، فأتيت المدينة، فنـزلت بقباء، فولدته بقباء، ثم أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوضعه في حجره، ثم دعا بتمرة فمضغها، ثم تفل في فيه، فكان أول شيء دخل جوفه ريق رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم حنّكه بالتمرة، ثم دعا له وبَرَّك عليه، وكان أول مولود وُلد في الإسلام [رواه مسلم في صحيحه (1/237 طـ) الحلبي] .

 

2- عن سهل بن سعد قال: جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم ببردة، فقال سهل للقوم: أتدرون ما البردة ؟ فقال القوم هي شملة. فقال سهل: هي شملة منسوجة فيها حاشيتها. فقالت: يا رسول الله أكسوك هذه فأخذها النبي صلى الله عليه وسلم محتاجا إليها، فلبسها، فرآها عليه رجل من الصحابة، فقال: يا رسول الله، ما أحسن هذه، فاكسنيها. فقال: نعم. فلما قام النبي صلى الله عليه وسلم لامه أصحابه، قالوا: ما أحسنت حين رأيت النبي صلى الله عليه وسلم أخذها محتاجا إليها ثم سألته إياها، وقد عرفت أنه لا يسأل شيئا فيمنعه، فقال: رجوت بركتها حين لبسها النبي صلى الله عليه وسلم لعلي أكفن فيها [أخرجه البخاري في صحيحه (5/2245) ] .

 

3- عن أبى بردة عن أبى موسى قال كنت عند النبى -صلى الله عليه وسلم- وهو نازل بالجعرانة بين مكة والمدينة ومعه بلال فأتى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رجل أعرابى فقال ألا تنجز لى يا محمد ما وعدتنى فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم- « أبشر ». فقال له الأعرابى أكثرت على من « أبشر ». فأقبل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على أبى موسى وبلال كهيئة الغضبان فقال « إن هذا قد رد البشرى فاقبلا أنتما ». فقالا قبلنا يا رسول الله. ثم دعا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بقدح فيه ماء فغسل يديه ووجهه فيه ومج فيه ثم قال « اشربا منه وأفرغا على وجوهكما ونحوركما وأبشرا ». فأخذا القدح ففعلا ما أمرهما به رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فنادتهما أم سلمة من وراء الستر أفضلا لأمكما مما فى إنائكما. فأفضلا لها منه طائفة. [صحيح مسلم (7/169) ] .

الاشعار

الدراسات

متفرقات

1- قال ابن وضاح رحمه الله: وكان مالك بن أنس وغيره من علماء المدينة يكرهون إتيان تلك المساجد، وتلك الآثار للنبي - صلى الله عليه وسلم -،ما عدا قباء وأحداً) [هذه مفاهيمنا صالح بن عبد العزيز بن محمد بن إبراهيم آل الشيخ (ص43) وفي نقل الاعتصام عنه:ما عدا قباء وحده] .

2- قال الشاطبي – رحمه الله-: إلا أنه عارضنا في ذلك أصل مقطوع به في متنه، مشكل في تنزيله، وهو أن الصحابة رضي الله عنهم لم يقع من أحدٍ منهم شيء من ذلك بالنسبة إلى من خلفه، إذ لم يترك النبي - صلى الله عليه وسلم - بعده في الأمة أفضل من أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - فهو كان خليفته، ولم يفعل به شيء من ذلك، ولا عمر رضي الله عنه، وهو كان أفضل الأمة بعده، ثم كذلك عثمان ثم علي ثم سائر الصحابة، الذين لا أحد أفضل منهم في الأمة، ثم لم يثبت لواحدٍ منهم من طريق صحيح معروف أن متبركاً تبرك به على أحد تلك الوجوه أو نحوها، بل اقتصروا فيهم على الاقتداء بالأفعال والأقوال والسير التي اتبعوا فيها النبي - صلى الله عليه وسلم -، فهو إذاً إجماع منهم على ترك تلك الأشياء [الاعتصام (2/6-7) ] .

3- يقول الشيخ صالح بن عبد العزيز آل الشيخ: السنة أن الصحابة كانوا يتبركون بعرقه، ويتبركون بشعره، وإذا توضأ اقتتلوا على وضوئه، إلى آخر ما ورد في ذلك؛ ذلك أن أجساد الأنبياء فيها بركة ذاتية ينتقل أثرها إلى غيرهم، وهذا مخصوص بالأنبياء والرسل، أما غيرهم فلم يرد دليل على أن من أصحاب الأنبياء والرسل مَن بركتهم بركة ذاتية، حتى أفضل هذه الأمة أبو بكر وعمر، فقد جاء بالتواتر القطعي: أن الصحابة والتابعين والمخضرمين لم يكونوا يتبركون بأبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، كما كانوا يتبركون بشعر النبي صلى الله عليه وسلم، أو بوضوئه، أو بنخامته، أو بعرقه أو بملابسه، ونحو ذلك، فعلمنا بهذا التواتر القطعي أن بركة أبي بكر وعمر إنما هي بركة عمل، ليست بركة ذات تنتقل كما هي بركة النبي صلى الله عليه وسلم؛ ولهذا جاء في الحديث الذي رواه البخاري في صحيحه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن من الشجر لَمَا بركته كبركة المسلم» فدل هذا: على أن في كل مسلم بركة، وفي البخاري أيضا قول أسيد بن حضير: «ما هذه بأول بركتكم يا آل أبي بكر». فهذه البركة التي أضيفت لكل مسلم وأضيفت لآل أبي بكر، هي: بركة عمل، هذه البركة راجعة إلى الإيمان، وإلى العلم، والدعوة، والعمل. فكل مسلم فيه بركة، وهذه البركة ليست بركة ذات، وإنما هي بركة عمل، وبركة ما معه من الإسلام والإيمان، وما في قلبه من الإيقان والتعظيم لله - جل وعلا - والإجلال له، والاتباع لرسوله صلى الله عليه وسلم، فهذه البركة التي في العلم، أو العمل، أو الصلاح: لا تنتقل من شخص إلى آخر وعليه فيكون معنى التبرك بأهل الصلاح هو الاقتداء بهم في صلاحهم، والتبرك بأهل العلم هو الأخذ من علمهم والاستفادة منه وهكذا، ولا يجوز أن يُتبرك بهم بمعنى أن يُتمسح بهم، أو يُتبرك بريقهم؛ لأن أفضل الخلق من هذه الأمة وهم الصحابة لم يفعلوا ذلك مع خير هذه الأمة أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وهذا أمر مقطوع به. [الآثار الواردة تجدها في صحيح البخاري (170) و (171) (2731) و (2732) (5444) (334) و (336) ومسلم (1305) انظر التمهيد لشرح كتاب التوحيد ص (127) ] .

4- ويقول أيضاً: وتحقيق المقام: أن التبرك بالشجر، أو بالحجر أو بالقبر، أو ببقاع مختلفة، قد يكون شركا أكبر، وقد يكون شركا أصغر. فيكون شركا أكبر: إذا طلب بركتها، معتقدا أنه بتمسحه بهذا الشجر، أو الحجر أو القبر، أو تمرغه عليه، أو التصاقه به: يتوسط له عند الله. فإذا اعتقد فيه أنه وسيلة إلى الله فهذا: اتخاذ إله مع الله - جل وعلا - وشرك أكبر، وهذا هو الذي كان يعتقده أهل الجاهلية في الأشجار والأحجار التي يعبدونها، وفي القبور التي يتبركون بها؛ يعتقدون أنهم إذا عكفوا عندها، وتمسحوا بها، أو نثروا ترابها على رؤوسهم، فإن هذه البقعة، أو صاحب هذه البقعة، أو الروحانية وهي: الروح التي تخدم هذه البقعة: أنه يتوسط له عند الله - جل وعلا - فهذا الفعل - إذًا - راجع إلى اتخاذ أنداد مع الله - جل وعلا -، وقد قال سبحانه: (وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى) [الزمر: 3] [الزمر 3] . ويكون التبرك شركا أصغر: إذا كان يتخذ هذا التبرك بنثر التراب عليه، أو إلصاق الجسم به، أو التبرك بعين ونحوها، أسبابا لحصول البركة بدون اعتقاد أنها توصل وتقرب إلى الله، يعني: أنه جعلها أسبابا فقط، كما يفعل لابس التميمة، أو الحلقة، أو الخيط؛ فكذلك هذا المتبرك، يجعل تلك الأشياء أسبابا فإذا أخذ - من هذه حاله - تراب القبر، ونثره عليه لاعتقاده أن هذا التراب مبارك، وإذا لامس جسمه فإن جسمه يتبارك به أي: من جهة السببية: فهذا شرك أصغر؛ لأنه لا يكون عبادة لغير الله - جل وعلا - وإنما اعتقد ما ليس سببا مأذونا به شرعا: سببا. وأما إذا تمسح بها كما هي الحال الأولى وتمرغ والتصق بها، لتوصله إلى الله - جل وعلا -، فهذا شرك أكبر مخرج من الملة؛ ولهذا قال الشيخ سليمان كما تقدم: إن كان التبرك شركا أكبر: فظاهر في الاستدلال بالآية وإن كان شركا أصغر: فالسلف يستدلون بما نزل في الأكبر على ما يريدون من الاستدلال، في مسائل الشرك الأصغر. [التمهيد لشرح كتاب التوحيد ص (129) ] .

5- يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: فأمَّا قصدُ الصلاة في تلك البقاع التي صلَّى فيها اتفاقاً، فهذا لم يُنقل عن غير ابن عمر من الصحابة، بل كان أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وسائر السابقين الأوَّلين من المهاجرين والأنصار يذهبون من المدينة إلى مكة حُجَّاجاً وعُمَّاراً ومسافرين، ولَم يُنقل عن أحد منهم أنَّه تحرَّى الصلاة في مصلَّيات النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، ومعلوم أنَّ هذا لو كان عندهم مستحبًّا لكانوا إليه أسبقَ؛ فإنَّهم أعلمُ بسنَّته وأتبعُ لها من غيرهم، وقد قال صلى الله عليه وسلم: "عليكم بسنتي وسنَّة الخلفاء الراشدين المهديِّين من بعدي، تمسَّكوا بها وعضُّوا عليها بالنواجذ، وإيَّاكم ومحدثات الأمور، فإنَّ كلَّ محدثة بدعة، وكلَّ بدعة ضلالة"، وتَحرِّي هذا ليس من سنة الخلفاء الراشدين، بل هو مِمَّا ابتُدع، وقول الصحابي إذا خالفه نظيره ليس بحجة، فكيف إذا انفرد به عن جماهير الصحابة؟! أيضاً فإنَّ تحرِّي الصلاة فيها ذريعةٌ إلى اتِّخاذها مساجد، والتشبُّه بأهل الكتاب مِمَّا نُهينا عن التشبه بهم فيه، وذلك ذريعة إلى الشرك بالله، والشارعُ قد حسَم هذه المادة بالنهي عن الصلاة عند طلوع الشمس وعند غروبها، وبالنهي عن اتخاذ القبور مساجد، فإذا كان قد نهي عن الصلاة المشروعة في هذا المكان وهذا الزمان سدًّا للذريعة، فكيف يُستحبُّ قصد الصلاة والدعاء في مكان اتفق قيامهم فيه، أو صلاتهم فيه ، من غير أن يكونوا قد قصدوه للصلاة فيه والدعاء فيه؟! [اقتضاء الصراط المستقيم (2/278 ـ 279) ] .

التحليلات

الإحالات

1- التبرك أنواعه وأحكامه ناصر الجديع مكتبة الرشد الرياض .

2- التبرك المشروع والتبرك الممنوع – علي بن نفيع العلياني دار الوطن .

3- الشرك ومظاهره مبارك الميلي ص 98 .

4- نزهة الفضلاء تهذيب سير أعلام النبلاء – محمد حسن موسى 1782 دار الأندلس – جدة الطبعة الأولى 1411 .

5- هذه مفاهيمنا صالح بن عبد العزيز آل الشيخ ص 200 1406 .

6- وجاءوا يؤكضون .. مهلاً يا دعاة الضلالة – أبو بكر الجزائري ص 66 .