بلاء

2022-10-06 - 1444/03/10

التعريف

للبلاء في اللغة معان أشهرها ما ذكره الإمام القرطبي رحمه الله (عند تفسير الآية الثانية بعد المائة من سوره الصافات في الجزء الخامس عشر من تفسيره).   أولاً: الإنعام، وهو بذل النعمة للغير، كما في قوله تعالى: (إن هذا لهو البلاء المبين) أي النعمة الظاهرة؛ يقال: أبلاه الله إبلاء وبلاء إذا أنعم عليه.   وقد يقال بلاه، كما قال زهير: فأبلاهما خير البلاء الذي يبلو أي: صَنَع بهما خيرَ الصَّنِيع الذي يَبْلُو به عباده.   ثانياً: الاختبار والامتحان بالخير أو الشر، كما في قوله تعالى: (ونبلوكم بالشر والخير فتنة)[الأنبياء: 35]، أي اختباراً وامتحاناً، يُقال: بلاه يبلوه إذا اختبره، ولا يقال من الاختبار إلا بلاه يبلوه. والبلاء بالمعنى الثاني مرادف للابتلاء، فهما بمعنىً، وهو المقصود فيما نحن بصدده. قال ابن منظور [في مادة بَلا من المجلد الرابع عشر من لسان العرب]: (وابْتَلاه الله: امْتَحَنَه، والاسم البَلْوَى والبِلْوَةُ والبِلْيَةُ والبَلِيَّةُ والبَلاءُ، وبُلِيَ بالشيء بَلاءً وابْتُلِيَ؛ والبَلاءُ يكون في الخير والشَّر، والجمع: البَلايا. ويقال: أَبْلاه الله يُبْلِيه إبْلاءً حسناً إذا صنع به صُنْعاً جميلاً. وبَلاه اللهُ بَلاء وابْتَلاه أي: اختَبره. والتَّبالي: الاختبار. والبَلاء: الاختبار...      

العناصر

1- معنى البلاء والابتلاء في اللغة والاصطلاح.  

2- نعمة الابتلاء.  

3- الابتلاء سنّة الله في خلقه.  

4- سلوك المسلم عند الفتن والشدائد.  

5- المسلم بين سنتي الابتلاء والعمل.  

6- الابتــلاء طريق الدعاة إلى الله عز وجل.  

7- النظر إلى ما حلّ بالعبد على أنّه مصيبة ولكنها أهون من غيرها.  

8- أثر الابتلاء في حياة المؤمنين.  

9- صور من ابتلاء الأنبياء والصالحين من السلف.  

الايات

1- قال الله تعالى: (وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آَلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ العَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ) [البقرة:49] .

 

2- قال تعالى: (وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ)[الْبَقَرَةِ: 124].

 

3- قال تعالى: (وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ)[البقرة:142].

 

4- قال الله تعالى: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ)[البقرة: 155-157].

 

5- قال تعالى: (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ)[البقرة: 214].

 

6- قال تعالى: (لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وأَنْفُسِكُمْ ولَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ ومِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذىً كَثِيراً وإِنْ تَصْبِرُوا وتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأمُورِ)[آل عمران:186].

 

7- قال تعالى: (لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وأَنْفُسِكُمْ ولَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ ومِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذىً كَثِيراً وإِنْ تَصْبِرُوا وتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأمُورِ)[آل عمران:186].

 

8- قال تعالى: (وَأَنزَلنَا إِلَيكَ الكِتَابَ بِالحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَينَ يَدَيهِ مِنَ الكِتَابِ وَمُهَيمِنًا عَلَيهِ فَاحكُمْ بَينَهُم بما أَنزَلَ اللهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهوَاءَهُم عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلنَا مِنكُم شِرعَةً وَمِنهَاجًا وَلَو شَاءَ اللهُ لَجَعَلَكُم أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِن لِيَبلُوَكُم فِيمَا آتَاكُم فَاستَبِقُوا الخَيرَاتِ إِلى اللهِ مَرجِعُكُم جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بما كُنتُم فِيهِ تَختَلِفُونَ)[المائدة:48].

 

9- قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ)[المائدة:94].

 

10- قال تعالى: (وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ لَا تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ)[الأعراف: 163].

 

11- قال تعالى: (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلاَئِفَ الأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ)[الأنعام:165].

 

12- قال تعالى: (وَإِذْ أَنْجَيْنَاكُمْ مِنْ آَلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُقَتِّلُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ) [الأعراف:141].

 

13- قال تعالى: (وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ)[الأعراف:168].

 

14- قال تعالى: (فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلَاءً حَسَنًا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)[الأنفال:17].

 

15- قال تعالى: (وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ)[الأنفال:28].

 

16- قال تعالى: (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا ولَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلا رَسُولِهِ وَلا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ)[التوبة:16].

 

17- قال تعالى: (وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا)[هود:7].

 

18- قال تعالى: (وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ أَنْجَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ وَيُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ)[إبراهيم:6].

 

19- قال تعالى: (وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ اللَّهُ بِهِ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ)[النحل:92].

 

20- قال تعالى: (إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا)[الْكَهْفِ:7].

 

21- قال تعالى: (وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ)[الْأَنْبِيَاءِ: 35].

 

22- قال تعالى: (قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ) [النمل:40].

 

23- قال تعالى: (الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ)[العنكبوت:1-3].

 

24- قال تعالى: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ)[الحج:11].

 

25- قال تعالى: (وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيراً)[الفرقان: 20].

 

26- قال تعالى: (وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ)[السجدة:21].

 

27- قال تعالى: (وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ * رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ * فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ * فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ * فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ * وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ * وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ * وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ * سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ * كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ)[الصَّافَّاتِ:99-111].

 

28- قال تعالى: (وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ)[الشورى:30].

 

29- قال تعالى: (وَلَقَدْ نَجَّيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنَ الْعَذَابِ الْمُهِينِ * مِنْ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ كَانَ عَالِيًا مِنَ الْمُسْرِفِينَ * وَلَقَدِ اخْتَرْنَاهُمْ عَلَى عِلْمٍ عَلَى الْعَالَمِينَ * وَآتَيْنَاهُمْ مِنَ الْآيَاتِ مَا فِيهِ بَلَاءٌ مُبِينٌ)[الدُّخَانِ:30-32].

 

30- قال تعالى: (فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ)[محمد:4].

 

31- قال تعالى: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُـجَاهِدِينَ مِنكُمْ والصَّابِرِينَ ونَبْلُوَاْ أَخْبَارَكُمْ)[محمد:31].

 

32- قال تعالى: (مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ)[الحديد: 22].

 

33- قال تعالى: (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ)[الملك:2].

 

34- قال تعالى: (سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ * إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ)[الْقَلَمِ: 16-17].

 

35- قال تعالى: (فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ * وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ * كَلَّا بَلْ لَا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ * وَلَا تَحَاضُّونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ * وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلًا لَمًّا * وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا)[الْفَجْرِ: 15-19].

 

 

الاحاديث

1- عن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ما يصيب المؤمن من شوكة فما فوقها إلا رفعه الله بها درجة أو حط عنه بها خطيئة"(رواه مسلم:6727).

 

2- عن أبي سعيد الخدري وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه"(رواه البخاري:5641).

 

3- عن خباب بن الأرت قال شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو متوسد بردة له في ظل الكعبة فقلنا ألا تستنصر لنا ألا تدعو لنا فقال قد كان من قبلكم يؤخذ الرجل فيحفر له في الأرض فيجعل فيها فيجاء بالمنشار فيوضع على رأسه فيجعل نصفين ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه وعظمه فما يصده ذلك عن دينه والله ليتمن هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله والذئب على غنمه ولكنكم تستعجلون (رواه البخاري:6943).

 

4- ‏ عن صهيب قال قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- "عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله خير وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له"(رواه مسلم:7692).

 

5- ‏ عن ‏عبادة بن الصامت رضي الله عنه أنه قال‏ ‏لابنه: يا بني إنك لن تجد طعم حقيقة الإيمان حتى تعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك، سمعت رسول الله ‏‏يقول: "‏إن أول ما خلق الله القلم فقال له: اكتب. قال: ربِّ! وماذا أكتب ؟ قال: اكتُب مقادير كل شيء حتى تقوم الساعة" يا بُنَيَّ! إني سمعت رسول الله ‏‏يقول: "من مات على غير هذا فليس مني"(رواه أبو داود:4702، وقال الألباني: صحيح).

 

6- عن خالد بن أبي عمران أن ابن عمران قال: قلما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوم من مجلس حتى يدعو بهؤلاء الدعوات لأصحابه «اللهم اقسم لنا من خشيتك ما يحول بيننا وبين معاصيك ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك ومن اليقين ما تهون به علينا مصيبات الدنيا ومتعنا بأسماعنا وأبصارنا وقوتنا ما أحييتنا واجعله الوارث منا واجعل ثأرنا على من ظلمنا وانصرنا على من عادانا ولا تجعل مصيبتنا في ديننا ولا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا ولا تسلط علينا من لا يرحمنا"(سنن الترمذي:3502، وقال الألباني حسن).

 

7- عن أنس بن مالك رضي الله عنه، عن النبي أنه قال: "أن عِظَم الجزاء مع عظم البلاء، وإن الله إذا أحب قوماً ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط"(رواه الترمذي:2396، وقال الشيخ الألباني: حسن صحيح).

 

8- عن مصعب بن سعد عن أبيه قال قلت يا رسول الله: أي الناس أشد بلاء ؟ قال: "الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل فيبتلى الرجل على حسب دينه فإن كان دينه صلبا اشتد بلاؤه وإن كان في دينه رقة ابتلى على حسب دينه فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشى على الأرض ما عليه خطيئة"(رواه الترمذي:2398، وقال الألباني حسن صحيح).

 

9- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تقوم الساعة حتى يقبض العلم وتكثر الزلازل ويتقارب الزمان وتظهر الفتن ويكثر الهرج وهو القتل القتل حتى يكثر فيكم المال فيفيض"(رواه البخاري:1036).

 

10- عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو يُوعَك، فوضعت يدي عليه، فوجدت حرَّهُ بين يدي، فوق اللحاف، فقلت: يا رسول الله، ما أشدَّها عليك، قال: "إنَّا كذلك، يُضعفُ لنا البلاء، ويُضعفُ لنا الأجر"، قلتُ: يا رسول الله، أيُّ الناس أشدُّ بلاءً؟ قال: "الأنبياء"، قلتُ: يا رسول الله، ثمَّ مَن؟ قال: "ثم الصالحون، إن كان أحدهم ليُبتلى بالفقر، حتى ما يجد أحدهم إلا العباءة يحوبها، وإن كان أحدهم ليفرح بالبلاء كما يفرح أحدكم بالرخاء"(أخرجه ابن ماجه:٤٠٢٤، وصححه الألباني).

 

11- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "تَعَوَّذُوا باللهِ مِن جَهْدِ البَلاءِ، ودَرَكِ الشَّقاءِ، وسُوءِ القَضاءِ، وشَماتَةِ الأعْداءِ"(أخرجه البخاري:٦٦١٦، ومسلم:٢٧٠٧).

 

12- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "مَثَلُ المُؤْمِنِ كَمَثَلِ الخامَةِ مِنَ الزَّرْعِ، مِن حَيْثُ أتَتْها الرِّيحُ كَفَأَتْها، فإذا اعْتَدَلَتْ تَكَفَّأُ بالبَلاءِ، والفاجِرُ كالأرْزَةِ، صَمّاءَ مُعْتَدِلَةً، حتّى يَقْصِمَها اللهُ إذا شاءَ"(أخرجه البخاري٥٦٤٤ واللفظ له، ومسلم:٢٨٠٩).

 

13- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "والذي نَفْسِي بيَدِهِ لا تَذْهَبُ الدُّنْيا حتّى يَمُرَّ الرَّجُلُ على القَبْرِ فَيَتَمَرَّغُ عليه، ويقولُ: يا لَيْتَنِي كُنْتُ مَكانَ صاحِبِ هذا القَبْرِ، وليسَ به الدِّينُ إلّا البَلاءُ"(رواه مسلم:١٥٧).

 

14- عن عروة بن الزبير رضي الله عنه أنّهُ سَأَلَ عائِشَةَ رضي الله عنها، زَوْجَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم: أرَأَيْتِ قَوْلَهُ: (حتّى إذا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وظَنُّوا أنّهُمْ قدْ كُذِّبُوا) أوْ كُذِبُوا؟ قالَتْ: بَلْ كَذَّبَهُمْ قَوْمُهُمْ، فَقُلتُ: واللهِ لَقَدِ اسْتَيْقَنُوا أنّ قَوْمَهُمْ كَذَّبُوهُمْ، وما هو بالظَّنِّ، فَقالَتْ: يا عُرَيَّةُ لَقَدِ اسْتَيْقَنُوا بذلكَ، قُلتُ: فَلَعَلَّها أوْ كُذِبُوا، قالَتْ: معاذَ اللهِ، لَمْ تَكُنِ الرُّسُلُ تَظُنُّ ذلكَ برَبِّها، وأَمّا هذِه الآيَةُ، قالَتْ: هُمْ أتْباعُ الرُّسُلِ، الَّذِينَ آمَنُوا برَبِّهِمْ وصَدَّقُوهُمْ، وطالَ عليهمُ البَلاءُ، واسْتَأْخَرَ عنْهمُ النَّصْرُ، حتّى إذا اسْتَيْأَسَتْ مِمَّنْ كَذَّبَهُمْ مِن قَوْمِهِمْ، وظَنُّوا أنّ أتْباعَهُمْ كَذَّبُوهُمْ، جاءَهُمْ نَصْرُ اللهِ (رواه البخاري:٣٣٨٩).

 

15- عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: خَرَجَ النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- يَوْمًا إلى حائِطٍ مِن حَوائِطِ المَدِينَةِ لِحاجَتِهِ، وخَرَجْتُ في إثْرِهِ، فَلَمّا دَخَلَ الحائِطَ جَلَسْتُ على بابِهِ، وقُلتُ: لَأَكُونَنَّ اليومَ بَوّابَ النبيِّ -صلى الله عليه وسلم-، ولَمْ يَأْمُرْنِي، فَذَهَبَ النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- وقَضى حاجَتَهُ، وجَلَسَ على قُفِّ البِئْرِ؛ فَكَشَفَ عن ساقَيْهِ ودَلّاهُما في البِئْرِ، فَجاءَ أبو بَكْرٍ يَسْتَأْذِنُ عليه لِيَدْخُلَ، فَقُلتُ: كما أنْتَ حتّى أسْتَأْذِنَ لَكَ، فَوَقَفَ فَجِئْتُ إلى النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- فَقُلتُ: يا نَبِيَّ اللهِ، أبو بَكْرٍ يَسْتَأْذِنُ عَلَيْكَ، قالَ: "ائْذَنْ له وبَشِّرْهُ بالجَنَّةِ" فَدَخَلَ، فَجاءَ عن يَمِينِ النبيِّ -صلى الله عليه وسلم-، فَكَشَفَ عن ساقَيْهِ ودَلّاهُما في البِئْرِ، فَجاءَ عُمَرُ فَقُلتُ: كما أنْتَ حتّى أسْتَأْذِنَ لَكَ، فَقالَ النبيُّ -صلى الله عليه وسلم-: "ائْذَنْ له وبَشِّرْهُ بالجَنَّةِ" فَجاءَ عن يَسارِ النبيِّ -صلى الله عليه وسلم-، فَكَشَفَ عن ساقَيْهِ فَدَلّاهُما في البِئْرِ، فامْتَلَأَ القُفُّ، فَلَمْ يَكُنْ فيه مَجْلِسٌ، ثُمَّ جاءَ عُثْمانُ فَقُلتُ: كما أنْتَ حتّى أسْتَأْذِنَ لَكَ، فَقالَ النبيُّ -صلى الله عليه وسلم-: "ائْذَنْ له وبَشِّرْهُ بالجَنَّةِ، معها بَلاءٌ يُصِيبُهُ" فَدَخَلَ فَلَمْ يَجِدْ معهُمْ مَجْلِسًا، فَتَحَوَّلَ حتّى جاءَ مُقابِلَهُمْ على شَفَةِ البِئْرِ، فَكَشَفَ عن ساقَيْهِ ثُمَّ دَلّاهُما في البِئْرِ، فَجَعَلْتُ أتَمَنّى أخًا لِي، وأَدْعُو اللهَ أنْ يَأْتِيَ (أخرجه البخاري:٧٠٩٧، ومسلم:٢٤٠٣).

 

16- عن عبدُ اللهِ بنُ عَمْرِو بنِ العاصِ -رضي الله عنه- قال: كُنّا مع رَسولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- في سَفَرٍ، فَنَزَلْنا مَنزِلًا فَمِنّا مَن يُصْلِحُ خِباءَهُ، ومِنّا مَن يَنْتَضِلُ، ومِنّا مَن هو في جَشَرِهِ، إذْ نادى مُنادِي رَسولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: الصَّلاةَ جامِعَةً، فاجْتَمَعْنا إلى رَسولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-، فَقالَ: إنّه لَمْ يَكُنْ نَبِيٌّ قَبْلِي إلّا كانَ حَقًّا عليه أنْ يَدُلَّ أُمَّتَهُ على خَيْرِ ما يَعْلَمُهُ لهمْ، ويُنْذِرَهُمْ شَرَّ ما يَعْلَمُهُ لهمْ، وإنّ أُمَّتَكُمْ هذِه جُعِلَ عافِيَتُها في أوَّلِها، وسَيُصِيبُ آخِرَها بَلاءٌ، وأُمُورٌ تُنْكِرُونَها، وتَجِيءُ فِتْنَةٌ فيُرَقِّقُ بَعْضُها بَعْضًا، وتَجِيءُ الفِتْنَةُ فيَقولُ المُؤْمِنُ: هذِه مُهْلِكَتِي، ثُمَّ تَنْكَشِفُ وتَجِيءُ الفِتْنَةُ، فيَقولُ المُؤْمِنُ: هذِه هذِه، فمَن أحَبَّ أنْ يُزَحْزَحَ عَنِ النّارِ، ويُدْخَلَ الجَنَّةَ، فَلْتَأْتِهِ مَنِيَّتُهُ وهو يُؤْمِنُ باللهِ واليَومِ الآخِرِ، ولْيَأْتِ إلى النّاسِ الذي يُحِبُّ أنْ يُؤْتى إلَيْهِ"(رواه مسلم:١٨٤٤).

 

الاثار

1- قال الحسن البصري: "استوى الناس في العافية، فإذا نزل البلاء تباينوا"(صيد الخاطر:268).

 

2- يقول مسروق الوادعي رحمه الله: "إن أهل البلاء في الدنيا إذا لبثوا على بلائهم في الآخرة إن أحدهم ليتمنى أن جلده كان قرض بالمقاريض"(المحن؛ لأبي العرب التميمي، ص: 283).

 

3- قال عمر بن عبد العزيز رحمه الله: "ما أغبط أحداً لم يصبه في هذا الأمر بلاء"(المحن؛ لأبي العرب التميمي: ص: 283).

 

4- قال كعب الأحبار رحمه الله: "ما كرم عبدٌ على الله إلا زاد البلاء عليه شدة"(حلية الأولياء:5-365).

 

القصص

  1- قال الحافظ ابن كثير: قد ذكر غير واحد أن عروة بن الزبير لما خرج من المدينة متوجهاً إلى دمشق ليجتمع بالوليد، وقعت الأكلة في رجله في واد قرب المدينة، وكان مبدؤها هناك، فظن أنها لا يكون منها ما كان، فذهب في وجهه ذلك فما وصل إلى دمشق إلا وهي قد أكلت نصف ساقه، فدخل على الوليد فجمع له الأطباء العارفين بذلك، فأجمعوا على أنه إن لم يقطعها أكلت رجله كلها إلى وركه، وربما ترَقَّت إلى الجسد فأكلته. فطابَتْ نفسُه بنشرها. وقالوا له: ألا نَسقيك مُرَقِّداً حتى يذهب عقلك منه؛ فلا تُحس بألم النشر ؟ فقال: لا! والله ما كنت أظن أن أحداً يشرب شراباً أو يأكل شيئاً يُذهِب عقله، ولكن إن كنتم لا بد فاعلين فافعلوا ذلك وأنا في الصلاة، فإني لا أحس بذلك، ولا أشعر به. قال: فنشروا رجله من فوق الأكلة، من المكان الحي؛ احتياطاً أنه لا يبقى منها شيء، وهو قائم يصلي، فما تضوّرَ ولا اختلَج، فلما انصرف من الصلاة عزّاه الوليد في رِجله. فقال: اللهم لك الحمد، كان لي أطراف أربعة فأخذت واحداً، فلئن كنت قد أخذت فقد أبقيت، وإن كنت قد أبليت فلطالما عافيت، فلك الحمد على ما أخذت وعلى ما عافيت. قال: وكان قد صحب معه بعض أولاده من جملتهم ابنه محمد، وكان أحبهم إليه، فدخل دار الدواب فرفسته فرس فمات، فأتوه فعزَّوه فيه، فقال: الحمد لله كانوا سبعة فأخذتَ منهم واحداً وأبقيت ستةً، فلئن كنت قد ابتليت فلطالما عافيت، ولئن كنت قد أخذت فلطالما أعطيت. فلما قضى حاجته من دمشق رجع إلى المدينة. قال: فما سمعناه ذكر رجله ولا ولده، ولا شكا ذلك إلى أحد حتى دخل وادي القرى، فلما كان في المكان الذي أصابته الأكلة فيه قال: (لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَباً)[الكهف: 62]، فلما دخل المدينة أتاه الناس يسلمون عليه، ويُعزُّونه في رجله وولده، فبلغه أن بعض الناس قال: إنما أصابه هذا بذنب عظيم أحدثه. فأنشد عروة في ذلك أبياتاً لمعن بن أوس يقول فيها: لعمـرك ما أهويـت كفى لريبـة *** ولا حملتنـي نحو فاحشة رجلي و لا قادني سمعي ولا بصري لها *** ولا دلني رأيي عليها ولا عقلي و لسـت بماش ما حييـت لمنكـر *** من الأمر لا يمشي إلى مثله مثلي و لا مؤثـر نفسي على ذي قرابـة *** وأوثر ضيفي ما أقام على أهلي و أعلـم أني لـم تصبني مصيبـة *** من الدهر إلا قد أصابت فتى مثلي (في البداية والنهاية: 9 / 103)  

الاشعار

1- قال أبو الحسن التهامي:

جُبلت على كَدَرٍ وأنت تريدها *** صفواً من الآلام والأكدارِ

ومُكَلِّفُ الأيامِ ضدَّ طِباعِهـا *** مُتَطَلِّبٌ في الماء جذوةَ نارِ

(موسوعة فقه الابتلاء جمع وإعداد الباحث في القرآن والسنة علي بن نايف الشحود:4-198).

 

2- قال ابن الرعلاء القلابي:

ليس من مات فاستراح بِمَيْتٍ *** إنما المَيْتُ ميِّتُ الأحياء

إنما المَيْتُ من يعيش كئيبـاً *** كاسِفاً بالَهُ قليلَ الرجـاء!

(النكت والعيون المؤلف: 1-385).

 

3- قال أبو الجود محمد منذر سرميني:

تأمَّلتُ في نازلاتِ القدَرْ *** وحكمةَ ربِّيَ فيما أَمرْ 

بلاءٌ هناكَ وهمٌّ هنا *** وسُخطٌ يعمُّ جميعَ البَشرْ 

أقلُّ القليلِ رضيٌّ بِما ارْ *** تضاهُ المُريدُ وطَوعاً صَبرْ 

وجلُّ الكثيرِ عميٌّ عن ال *** مُرادِ، وذاقَ مرارَ الخَورْ 

ولَم يجنِ من ذا البلاءِ دُروساً *** تُرسِّخُ فيهِ مَزِيدَ العِبرْ 

ولكنْ بَدا في الحياةِ يَؤُوساً *** وبانَ عليهِ عناءُ الضَّجرْ 

لأنَّ المُوحِّدَ يعلُو ولا *** يطيقُ حياةً بأرضِ قَفرْ 

فلو كانَ ممَّن يعيشُ رضيًّا *** وصابرَ حتى استطابَ الثَّمرْ 

لدانَ إليهِ الجميعُ ابتهاجاً *** ونالَ ثناءً كريماً أغرّْ 

وراحَ إلى الناسِ في همَّةٍ *** يُلملمُ روحَ ضَيَاعِ الفِكَرْ 

ليرفعَ فيهمْ لواءَ انتصارٍ *** أمامَ بلاءٍ عليهِ اقتدرْ 

ويرسمَ في لوحِ وجدانهمْ *** بشائرَ تُنبي بقربِ الظَّفَرْ 

فيخلعُ عن ذا لَبوسَ اكتئابٍ *** ويزرعُ في ذا نفيسَ الدُّررْ 

ويحيَا بفألٍ يؤجِّجُ عَزماً *** يُزيلُ التردُّدَ لمحَ البَصرْ 

ألاَ إنَّ هولَ البلاءِ مُصابٌ *** كَبيرٌ يهدِّدُ عبداً فَترْ 

عنِ الذِّكرِ.. حين نأى قلبُهُ *** غدا في الحياةِ سقيمَ النَّظرْ 

حنانيكَ ربِّي ولولا مِدادُ *** كَ.. قاسَى الجميعُ أَذاةَ الخَطرْ 

حنانيكَ ربِّي ولولا أمانُ *** كَ حلَّ الدمارُ بأدهَى الصُّورْ 

حنانيكَ ربِّي ولَولا ودادُ *** كَ ضاقَ الرجاءُ على مَن حَضرْ 

لكَ الحُكمُ ربِّي ابتلَيتَ عِبادَ *** كَ حتَّى يَؤوبوا لطيبِ المقرّْ 

لك الحمدُ ربِّي أَعنتَ العبادَ *** على بَذلِ صَبرٍ لنَيلِ الوَطرْ 

لك الحمدُ ربي أَبَنْتَ الحقيقَـ *** ةَ بعدَ انقضاءِ بلاءٍ ظَهرْ: 

بأنَّ البلاءَ محلُّ امتحانٍ *** ونُجحُ الفؤادِ إذا ما شَكرْ 

هو الشكرُ يَنفي اكتئابَ عُبَيدٍ *** ويُنجِي مِن اليَأسِ إمَّا ذكرْ 

ألا إنَّ هذا البلاءَ دليلٌ *** على الصدقِ فيما يريدُ الأَبرّْ 

وليسَ أدلَّ على الصدقِ ممَّنْ *** يُراضي الحَبيبَ إذا ما هَجرْ 

أَيهجرُ؟ حاشا وفي مُهجتي *** هواهُ وحيدٌ لها قد أَسرّْ 

أُحبُّكَ وحدكَ يا خَالقي *** وليسَ سِواكَ فؤادي بَهرْ 

أحبكَ حتى سُويداءِ قَلبي *** تشعُّ بنورِكَ عندَ السَّحرْ 

 

 

 

متفرقات

1- يقول المنبجي: "ليعلم أهل المصائب أنه لولا محن الدنيا ومصائبها أصاب العبد من أدواء الكبر والعجب والفرعنة وقسوة القلب ما هو سبب هلاكه عاجلا، فمن رحمة أرحم الراحمين أن يتفقده في الأحيان بأنواع من أدوية المصائب تكون حمية له من هذه الأدواء، وحفظا لصحة عبوديته، واستفراغا للمواد الفاسدة الرديئة المهلكة، فسبحان من يرحم ببلائه ويبتلي بنعمائه"(تسلية أهل المصائب: ص 34).

 

2- يقول محمد الغزالي: "وقد رتب الله سبحانه الأجر العظيم والثواب الجزيل على طاعته والعمل بمرضاته، وأخبر بذلك في آيات كثيرة في كتابه الكريم، منها: قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا)[الكهف: 107] (خَالِدِينَ فِيهَا لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا)[الكهف: 108]. فإذا علمت النفس ذلك كله كرهت الراحة والبطالة في دار الفناء، رغبة منها في الحصول على الراحة الأبدية في دار البقاء. ولا سيما وأن التريث والمصابرة خصلة تتسق مع سنن الكون القائمة ونظمه الدائمة، فالزرع لا ينبت ساعة البذر، ولا ينضج ساعة النبت، بل لا بد من المكث شهورا حتى يجتنى الحصاد المنشود. والجنين يظل في بطن أمه شهورا حتى يستوي خلقه. وقد أعلمنا الله عز وجل أنه خلق العالم في ستة أيام، وما كان ليعجز أن يقيم دعائمه في طرفة عين أو أقل"(خلق المسلم، ص 135).

 

3- يقول ابن القيم رحمه الله: "ابتلاء العبد بالإعراض عنه: فالله _ عز وجل _ يذيق عبده ألم الحجاب عنه، وزوال ذلك الأنس به، والقرب منه؛ ليمتحن عبده، فإن أقام العبد على الرضا والحال، ولم يجد نفسه تطالبه بحالها الأول مع الله، بل اطمأنت وسكنت إلى غيره _ علم أنه لا يصلح، فوضعه في مرتبته التي تليق به. وإن استغاث استغاثة الملهوف، وتَقَلَّقَ تَقَلُّقَ المكروب، ودعاه دعاء المضطر، وعلم أنه قد فاتته حياته حقَّاً، فهو يهتف بربه أن يرد عليه ما لا حياة له بدونه _ علم أنه موضعٌ لما أُهِّلَ له، فردَّ عليه أحوج ما هو محتاج إليه، فعظمت به فرحته، وكملت به لذته، وتمت به نعمته، واتصل به سروره، وعلم حينئذٍ مقداره، فعضَّ عليه بالنواجذ، وثنَّى عليه بالخناصر؛ فالعبد إذا بُليَ بَعْدَ الأنْسِ بالوحشة، وبعد القرب بنار البعاد _ اشتاقت نفسه إلى لذة تلك المعاملة، فحنَّتْ، وأنَّتْ، وتصدَّعت، وتعرضت لنفحات مَنْ ليس لها عنه عوضٌ أبداً، ولاسيما إذا تذكر برَّه، ولطفه، وحنانه، وقربه"(انظر: مفتاح دار السعادة:1-296).

 

4- ويقول أيضا: "أن الله إذا أراد بعبد خيراً أنساه رؤية طاعاته، ورفعها من قلبه ولسانه: فإذا ابتلي العبد بالذنب جعله نصب عينيه، وجعل همه كله بذنبه، فلا يزال ذنْبه أمامه إن قام أو قعد، أو غدا أو راح، فيكون هذا عين الرحمة في حقه، كما قال بعض السلف: إن العبد ليعمل الخطيئةَ فلا تزال نصبَ عينيه كلما ذكرها بكى، وندم، واستغفر، وتضرع، وأناب إلى الله، وذل وانكسر، وعمل لها أعمالاً فتكون سبباً للرحمة في حقه. ويعمل الحسنة، فلا تزال نصب عينيه، يمن بها، ويراها، ويعتد بها على ربه، وعلى الخلق، ويتكبر بها، ويتعجب من الناس كيف لا يعظمونه، ويكرمونه، ويجلونه عليها، فلا تزال هذه الأمور به حتى تقوى عليه آثارها فتدخله النار"(مفتاح دار السعادة: ص297، 298).

 

5- ذكر الإمام ابن القيم: "أن الله سبحانه ابتلى العباد بالنعم كما ابتلاهم بأنواع النقم وعد ذلك كله ابتلاء، قال تعالى: (وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ)[الأعراف: 168]، وقال: (وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ)[الأنبياء: 35]، وقال: (فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِي)[الفجر:16] (وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِي)، وقال: (إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا)[الكهف:7]، وقال: (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ)[الملك:2] وقال: (وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا)[هود:7]، فأخبر سبحانه وتعالى أنه خلق العالم العلوي والسفلي، وقدر أجل الخلق، وخلق ما على الأرض للابتلاء والاختبار، وهذا الابتلاء إنما هو ابتلاء صبر العباد وشكرهم في الخير والشر، والسراء والضراء، فالابتلاء من النعم من الغنى والعافية والجاه والقدرة، وهي أعظم الابتلاءين، والصبر على طاعة الله أشق الصبرين، كما قال الصحابة رضي الله عنهم: ابتلينا بالضراء فصبرنا وابتلينا بالسراء فلم نصبر، فالرب تعالى يبتلي بنعمه وينعم بابتلائه، غير أن الصبر والشكر حالتان لازمتان للعبد في أمر الرب ونهيه وقضائه وقدره لا يستغنى عنهما طرفة عين، والسؤال عن أيهما أفضل كالسؤال عن الحس والحركة أيهما أفضل، وعن الطعام والشراب أيهما أفضل، وعن خوف العبد ورجائه أيهما أفضل؛ فالمأمور لا يؤدى إلا بصبر وشكر، والمحظور لا يترك إلا بصر وشكر، وأما المقدور الذي يقدر على العبد من البلاء فمتى صبر عليه اندرج شكره في صبره كما يندرج صبر الشاكر في شكره، ومما يوضح هذا أن الله -سبحانه- امتحن العبد بنفسه وهواه وأوجب عليه جهادهما في الله في كل وقت حتى تأتي -أي نفسه- بالشكر المأمور به ويصبر عن الهوى المنهي فلا ينفك العبد عنهما غنيا كان أو فقيرا معافى أو مبتلى وهذه هي مسألة الغني الشاكر والفقير الصابر"(انظر: عدة الصابرين ابن القيم: 1-125).

 

6- يقول الطبري في تفسير قوله تعالى: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ) وقوله: "بشيء من الخوف يعني من الخوف من العدو، وبالجوع وهو القحط، يقول: لنختبركم بشيء من خوف ينالكم من عدوكم وبسنة تصيبكم ينالكم فيها مجاعة وشدة وتعذر المطالب عليكم فتنقص لذلك أموالكم وحروب تكون بينكم وبين أعدائكم من الكفار فينقص لها عددكم وموت ذراريكم وأولادكم وجدوب تحدث فتنقص لها ثماركم كل ذلك امتحان مني لكم واختبار مني لكم فيتبين صادقكم في إيمانه من كاذبيكم فيه ويعرف أهل البصائر في دينهم منكم من أهل النفاق فيه والشك والارتياب كل ذلك خطاب منه لأتباع رسول الله وأصحابه"(جامع البيان الطبري:1-41).

 

7- قال ابن القيم: "إن ابتلاء المؤمن كالدواء له، يستخرج منه الأدواء التي لو بقيت فيه أهلكته، أو أنقصت ثوابه وأنزلت درجته، فيستخرج الابتلاء والامتحان منه تلك الأدواء، ويستعد به لتمام الأجر وعلو المنزلة، ومعلوم أن وجود هذا خير للمؤمن من عدمه"(إغاثة اللهفان 2-88).

 

8- يقول الشيخ محمد عمر البلامبورى - رحمه الله -: متى يعرف أنه الابتلاء لترقية العبد ومتى يعرف أنه ابتلاء عذاب ونقمة؟ إذا كان الابتلاء بعد الطاعة وامتثال الأوامر فهو نعمة لترقية العبد، أولاً يأتى المشقة ثم يأتى الراحة. أما إذا جاء الابتلاء بعد المعصية مثل فرعون... (أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلا... تُبْصِرُونَ)[الزخرف:51]. وقارون (قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي * فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ)[الحج: 78] كانا أولاً في الراحة ثم أتى عليهما المشقة (كلمات مضيئة في الدعوة إلي الله المؤلف: محمد علي محمد إمام).

 

9- قال الطيبي: "المعاصي من أسباب جلب البلاء وخصَّ منها الزنا؛ لأنه أعظمها في ذلك"(إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري:3-76).

 

10- قال العلامة ابن القيم رحمه الله: "قد جعل الله سبحانه نفوس المطمئنين إلى سواه أغراضًا لسهام البلاء؛ ليعلم عباده وأولياءه أن المتعلق بغيره مقطوع، والمطمئن إلى سواه عن مصالحه ومقاصده مصدود وممنوع"، وقال رحمه الله: "قوله تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ﴾ [الرعد: 11]، فدلالة لفظها أنه لا يغيِّر نِعَمَه التي أنعم بها على عباده حتى يُغيروا طاعته بمعصيته؛ كما قال في الآية الأخرى: ﴿ ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ﴾ [الأنفال: 53]، وإشارتها أنه إذا عاقب قومًا وابتلاهم، لم يغير ما بهم من العقوبة والبلاء، حتى يغيروا ما بأنفسهم من المعصية إلى الطاعة؛ كما قال العباس عمُّ رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما نزل بلاء إلا بذنب، ولا رُفع إلا بتوبة"(الروح:277).

 

11- قال الإمام القرطبي رحمه الله: "قيل: كل بلدة فيها أربعة، فأهلها معصومون من البلاء: إمام عادل لا يظلم، وعالم على سبيل الهدى، ومشايخ يأمرون بالمعروف وينهَون عن المنكر، ويُحرضون على طلب العلم والقرآن، ونساؤهم مستورات لا يتبرجن تبرج الجاهلية الأولى"(الجامع لأحكام القرآن: آل عمران آية: 22).

 

12- قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: "الصبر على البلاء، وترك التضجر من الآلام، لئلا يفضي إلى أشدِّ منها"(فتح الباري شرح صحيح البخاري:8-621).

 

13- قال الإمام ابن الجوزي رحمه الله: "للبلايا نهايات معلومةُ الوقت عند الله عز وجل، فلا بد للمبتلَى من الصبر إلى أن ينقضي أوان البلاء، فإن تَقَلْقَلْتَ قبل الوقت لم ينفع التقلقل ... فلا بد من الصبر، والجَزَعُ لا يفيد، بل يفضح صاحبه، فاستعجال زوال البلاء مع تقدير مدته لا ينفع"(صيد الخاطر:121).

 

14- قال ابن القيم رحمه الله: "والصبر على البلاء ينشأ من أسباب عديدة:

 

أحدها: شهود جزائها وثوابها، الثاني: شهود تكفيرها للسيئات ومحوها لها، الثالث: شهود القدر السابق الجاري بها، وأنها مُقدَّرة في أمِّ الكتاب قبل أن تُخلق، فلا بد منها، فجزعه لا يزيده إلا بلاء.

 

الرابع: شهوده حق الله عليه في تلك البلوى، وواجبه فيها، وهو الصبر بلا خلاف بين الأمة ... فهو مأمور بأداء حق الله وعبوديته عليه في تلك البلوى، فلا بد له منه، وإلا تضاعفت عليه.

 

الخامس: شهود ترتُّبِها عليه بذنبه؛ كما قال تعالى: (وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ)[الشورى: 30]، وهذا عامٌّ في كل مصيبة دقيقة وجليلة، فيشغله شهود هذا السبب بالاستغفار الذي هو أعظم الأسباب في رفع تلك المصيبة.

 

السادس: أن يعلم أن الله قد ارتضاها له واختارها وقسمها، وأن العبودية تقتضي رضاه بما رضيَ له به سيده ومولاه.

 

السابع: أن يعلم أن هذه المصيبة هي دواء نافع ساقه إليه الطبيب العليم بمصلحته، الرحيم به، فليصبر على تجرُّعِهِ، ولا يتقيَّؤه بتسخطه وشكواه، فيذهب نفعه باطلًا.

 

الثامن: أن يعلم أن في عُقبى هذا الدواء من الشفاء والعافية، والصحة وزوال الألم ما لا يحصل بدونه، فإذا طالعتْ نفسه كراهية هذا الدواء ومرارته، فلينظر إلى عاقبته وحسن تأثيره؛ قال الله تعالى: (وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ)[البقرة: 216].

 

التاسع: أن يعلم أن المصيبة ما جاءت لتُهلكه وتقتله، وإنما جاءت لتمتحن صبره وتبتليَه، فيتبين حينئذٍ: هل يصلح لاستخدامه وجعله من أوليائه وحزبه أم لا؟ فإن ثبت، اصطفاه واجتباه ... وجعل أولياءه وحزبه خدمًا له وعونًا له، وإن انقلب على وجهه ونكص على عقبيه، طُرِدَ ... وتضاعفت عليه المصيبة، وهو لا يشعر في الحال بتضاعفها وزيادتها، ولكن سيعلم بعد ذلك بأن المصيبة في حقه صارت مصائبَ، كما يعلم الصابر أن المصيبة في حقه صارت نعمًا عديدة، وما بين هاتين المنزلتين المتباينتين إلا صبرُ ساعة، وتشجيع القلب في تلك الساعة.

 

العاشر: أن يعلم أن سبحانه يربِّي عبده على السراء والضراء، والنعمة والبلاء، فيستخرج منه عبوديته في جميع الأحوال؛ فإن العبد على الحقيقة من قام بعبودية الله على اختلاف الأحوال، وأما عبدُالسراء والعافية الذي يعبد الله على حرفٍ، فإن أصابه خير اطمأنَّ به، وإن أصابته فتنة، انقلب على وجهه، فليس من عبيده الذين اختارهم لعبوديته"(طريق الهجرتين وباب السعادتين:276-277).

 

15- قال ابن القيم رحمه الله: "هذه ثلاثة أشياء تبعث على الصبر على البلاء:

أحدها: ملاحظة حسن الجزاء، وعلى حسب ملاحظته والوثوق به ومطالعته يخفُّ حملُ البلاء لشهود العوض.

 

الثاني: انتظار روح الفرج، يعني راحته ونسيمه ولذته؛ فإن انتظاره ومطالعته وترقُّبه يخفف حمل المشقة، ولا سيما عند قوة الرجاء والقطع بالفرج.

 

الثالث: تهوين البلية بأمرين:

أحدهما: أن يعدَّ نعم الله عليه وأياديه عنده، فإن عجز عن عدِّها وأيس من حصرها، هان عليه ما هو فيه من البلاء، ورآه بالنسبة إلى أيادي الله ونعمه كقطرةٍ من بحرٍ.

 

الثاني: أن يذكر سوالف النِّعم التي أنعم الله بها عليه، فهذا يتعلق بالماضي، وتعداد أيادي المنن يتعلق بالحال"( تهذيب مدارج السالكين:324).

 

16- قال الإمام محمد بن عبدالوهاب رحمه الله: "أسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن يتولاك في الدنيا والآخرة، وأن يجعلك مباركًا أينما كنت، وأن يجعلك ممن إذا أُعطيَ شكر، وإذا ابتُلي صبر، وإذا أذنب استغفر؛ فإن هؤلاء الثلاث عنوانُ السعادة"().

 

17- قال ابن رجب رحمه الله: "ولنختم بذكر نبذة يسيرة من لطائف البلايا وفوائدها وحِكَمِها:

فمنها: تكفير الخطايا بها، والثواب على الصبر عليها.

 

ومنها: تذكر العبد بذنوبه، فربما تاب ورجع منها إلى الله عز وجل.

 

ومنها: أنها تُوجب للعبد الرجوع بقلبه إلى الله، والوقوف ببابه والتضرع له والاستكانة، وذلك من أعظم فوائد البلاء، وقد ذمَّ الله من لا يستكين له عند الشدائد؛ قال الله تعالى: (وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ)[المؤمنون:76]، وقال: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ)[الأنعام:42]، وكان بعضهم إذا فُتح له في الدعاء عند الشدائد لم يحبَّ تعجيل إجابته؛ خشية أن ينقطع عما فُتح له.

 

ومنها: أن البلاء يُوصِّل إلى قلبه لذة الصبر عليه، والرضا به، وذلك مقام عظيم جدًّا.

 

ومنها: زوال قسوة القلوب وحدوث رقَّتها.

 

ومنها: أن البلاء يقطع قلب المؤمن عن الالتفات إلى مخلوق، ويوجب له الإقبال على الخالق وحده، فالبلاء يوجب للعبد تحقيق التوحيد بقلبه، وذلك أعلى المقامات وأشرف الدرجات.

 

ومنها: أن المؤمن إذا استبطأ الفرج ويأس منه، ولا سيما بعد كثرة الدعاء وتضرعه، ولم يظهر له أثر الإجابة، رجع إلى نفسه باللائمة، ويقول لها: إنما أتيتُ من قِبلكِ، ولو كان فيكِ خيرٌ لأُجبتُ، وهذا اللوم أحب إلى الله من كثير من الطاعات، فإنه يوجب انكسار العبد لمولاه، واعترافه له بأنه ليس بأهل إجابة دعائه، فلذلك يسرع إليه حينئذٍ إجابة الدعاء وتفريج الكرب؛ فإنه تعالى عند المنكسرة قلوبهم من أجله"(مجموع رسائل الحافظ بن رجب الحنبلي:3-170 وما بعدها).

 

18- قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "الله عنده من المنازل العالية في دار كرامته ما لا ينالها إلا أهل البلاء"(جامع المسائل:3-92).

 

19- قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "النفس لا تزكو وتصلح حتى تمحَّصَ بالبلاء، كالذهب الذي لا يخلص جيِّدُه من رديئه حتى يُفتن في كِير الامتحان"(جامع المسائل:3-257). 

 

20- قال العلامة ابن القيم رحمه الله: "النفوس تكتسبُ من العافية الدائمة والنصر والغِنى طغيانًا وركونًا إلى العاجلة، وذلك مرضٌ يعوقها عن جدِّها في سيرها إلى الله والدار الآخرة، فإذا أراد بها ربها ومالكها وراحمها كرامته، قيَّض لها من الابتلاء والامتحان ما يكون دواءً لذلك المرض العائق عن السير الحثيث إليه، فيكون ذلك البلاء والمحنة بمنزلة الطبيب يسقي العليل الدواء الكريه، ويقطع منه العروق المؤلمة لاستخراج الأدواء منه، ولو تركه لغلبتْهُ الأدواء حتى يكون فيها هلاكه"(زاد المعاد:369).

 

21- قال ابن القيم رحمه الله: "ولهذا كان من إتمام رحمة أرحم الراحمين: تسليط أنواع البلاء على العبد، فإنه أعلم بمصلحته، فابتلاؤه له وامتحانه، ومَنْعُه من كثير من أعراضه وشهواته مِن رحمته به، ولكن العبد لجهله وظُلمه يتهم ربه، ولا يعلم إحسانه إليه بابتلائه وامتحانه ... فمن رحمته: أن نغَّصَ عليهم الدنيا وكدَّرها، لئلا يسكنوا إليها، ولا يطمئنوا إليها، ويرغبوا في النعيم المقيم في دار جواره، فساقهم إلى ذلك بسِياط الابتلاء والامتحان، فمنعهم ليُعطيَهُم، وابتلاهم ليُعافيَهُم، وأماتهم ليُحيِيَهم"(إغاثة اللهفان:2-170).

 

22- قال العلامة ابن القيم رحمه الله: "لو علم العبد أن نعمة الله عليه في البلاء ليست بدون نعمته عليه في العافية، لشغل قلبه بشكره ولسانه بقوله: "اللهم أعنِّي على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك"، وكيف لا يشكر من قَيَّض له ما يستخرج به خَبَثَهُ ونحاسه، ويُصيِّره تِبرًا خالصًا يصلح لمجاورته والنظر إليه في داره؟"(طريق الهجرتين وباب السعادتين:278).

 

23- قال الحافظ ابن حجر: "قال العلماء: وكان في قصة أُحُدٍ وما أُصيب به المسلمون فيها من الفوائد والحكم الربانية أشياء عظيمة: منها: أن الله هيأ لعبـاده المؤمنين منازلَ في دار كرامته لا تبلغها أعمالهم، فقيَّض لهم أسباب الابتلاء والمحن ليصلوا إليها"(فتح الباري:8-296).

 

24- قال ابن حجر رحمه الله: "أُمروا باستدفاع البلاء بالذكر والدعاء، والصلاة والصدقة"(فتح الباري:2-617).

 

25- قال ابن القيم رحمه الله: "ومِن علاجه أن يعلم أن الذي ابتلاه بها أحكم الحاكمين، وأرحم الراحمين، وأنه سبحانه لم يرسل إليه البلاء ليهلكه به، ولا ليعذبه به، ولا ليجتاحه، وإنما افتقده به ليمتحن صبره ورضاه عنه وإيمانه، وليسمع تضرعه وابتهاله، وليراه طريحًا ببابه، لائذًا بجنابه، مكسورَ القلب بين يديه، رافعًا قصص الشكوى إليه"(زاد المعاد:127).

 

26- قال ابن القيم رحمه الله: "الدعاء من أنفع الأدوية، وهو عدو البلاء يدافعه ويعالجه، ويمنع نزوله ويرفعه، أو يخففه إذا نزل، وهو سلاح المؤمن، وله مع البلاء ثلاث مقامات:

 

أحدها: أن يكون أقوى من البلاء فيدفعه.

 

الثاني: أن يكون أضعف من البلاء، فيقوى عليه البلاء، فيُصاب به العبد، ولكن قد يخففه، وإن كان ضعيفًا.

 

الثالث: أن يتقاوما، ويمنع كلُّ واحد منهما صاحبه"(الجواب الكافي:10).

 

27- قال ابن القيم رحمه الله: "من منازل: (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ)[الفاتحة: 5]: منزلة الذِّكر به يستدفعون الآفات، ويستكشفون الكربات، وتهون عليهم به المصيبات، إذا أظلهم البلاءُ فإليه ملجؤهم، وإذا نزلت بهم النوازل فإليه مفزعهم، فهو رياض جنتهم التي فيها يتقلبون، ورؤوس أموال سعادتهم التي بها يتَّجرون، يدعُ القلب الحزين ضاحكًا مسرورًا"(تهذيب مدارج السالكين:414).

 

28- قال ابن القيم رحمه الله: "للصدقة تأثيرٌ عجيب في دفع أنواع البلاء، ولو كانت من فاجر أو ظالم، بل مِن كافر، فإن الله تعالى يدفع بها عنه أنواعًا من البلاءِ، وهذا أمرٌ معلوم عند الناس، خاصتهم وعامتهم، وأهل الأرض كلُّهم مُقِرُّون به؛ لأنهم قد جرَّبوه"(الوابل الصيب:43).

 

29- قال ابن القيم رحمه الله: "في الصدقة فوائدُ ومنافع لا يحصيها إلا الله؛ فمنها أنها تقِي مصارعَ السوء، وتدفع البلاء، حتى إنها لتدفَعُ عن الظالم"(عدة الصابرين:296).

 

30- قال ابن القيم رحمه الله: "النبي صلى الله عليه وسلم أمر في الكسوف بالصلاة، والعتاقة، والمبادرة إلى ذكر الله تعالى، والصدقة؛ فإن هذه الأمور تدفع أسباب البلاء"(الوابل الصيب:194).

 

31- قال ابن القيم رحمه الله: "وقد دخل في قوله: (مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ)[الفلق:2] الاستعاذة من كلِّ شر في أي مخلوق قام به الشر من حيوان، أو غيره، إنسيًّا كان أو جنيًّا، أو هامة أو دابةً أو ريحًا أو صاعقةً، أو أي نوع كان من البلاء"(بدائع الفوائد:1-356).

 

32- قال الحافظ ابن رجب رحمه الله: "قوله صلى الله عليه وسلم: "يغفل عنه الناس بين رجب ورمضان، فيه دليل على استحباب عمارة أوقات غفلة الناس بالطاعة، وفي إحياء الوقت المغفول عنه بالطاعة فوائدُ؛ منها: أن المنفرد بالطاعة عن أهل المعاصي والغفلة قد يُدفعُ به البلاء عن الناس كلهم، فكأنه يحميهم ويدافع عنهم"(لطائف المعارف:156).

 

33- قال العلامة ابن القيم رحمه الله: "والنظر إلى أهل البلاء، وهم أهل الغفلة عن الله والابتداع في دين الله، فهذان الصنفان هم أهل البلاء حقًّا، فإذا رآهم وعلِمَ ما هم عليه، عظمت نعمةُ الله عليه في قلبه، وصَفَتْ له، وعرف قدرها فالضدُّ يُظهرُ حسنه الضِّدُّ"().

 

34- قال الإمام ابن حزم رحمه الله: " رأيت أكثر الناس إلا من عصم الله تعالى وقليل ما هم، يتعجلون الشقاء والهمَّ لأنفسهم في الدنيا ويحتقبون عظيم الإثم الموجب للنار في الآخرة بما لا يحظون معه بنفع أصلاً من نيات خبيثة يضبون عليها من تمني الغلاء المهلك للناس وللصغار ومن لا ذنب له وتمني أشد البلاء لمن يكرهونه وقد علموا يقيناً أن تلك النيات الفاسدة لا تُعجل لهم شيئًا مما يتمنونه، أو يوجب كونه، وأنهم لو صفُّوا نياتهم، وحسنوها لتعجلوا الراحة لأنفسهم، وتفرغوا بذلك لمصالح أمورهم، ولاقتنَوا عظم الأجر في المعاد من غير أن يؤخر ذلك شيئًا مما يُريدونه ويمنع كون،. فأيُّ غبنٍ أعظم من هذه الحال التي نبهنا عليها؟ وأيُّ سعد أعظمُ من الذي دَعَوْنَا إليه؟"(الأخلاق والسير:19).

 

35- قال سفيان الثوري رحمه الله: "لم يفقه مَن لم يعُدَّ البلاء نعمة، والرخاء مصيبة"(المصنف لابن أبي شيبة:12-454).

 

36- قال العلامة ابن القيم رحمه الله: "قيل: إذا استكمل العبدُ حقيقة اليقين صار البلاءُ عنده نعمة، والمحنةُ منحةً"(مفتاح دار السعادة:155).

 

37- قال العلامة ابن القيم رحمه الله: "إذا ابتلى الله عبده بشيء من أنواع البلايا والمحن، فإنْ ردَّه ذلك الابتلاء والامتحان إلى ربه، وجمعه عليه، وطرحه ببابه، فهو علامة سعادته وإرادة الخير به، والشدة بتراءُ لا دوامَ لها، وإن طالت، فتُقلع عنه حين تقلع، وقد عُوِّض منها أجلَّ عوض وأفضله، وهو رجوعه إلى الله بعد أن كان شاردًا عنه، وإقباله عليه بعد أن كان نائيًا عنه، وانطراحه على بابه وقد كان عنه مُعرِضًا، وللوقوف على أبواب غيره متعرضًا.

 

وكانت البلية في حق هذا عين النعمة، وإن ساءته، وكرِهَها طبعه، ونفرت منها نفسه.

 

فربما كان مكروه النفوس إلى *** محبوبها سببًا ما مثله سبـبُ

 

وقوله تعالى في ذلك هو الشفاء والعصمة: (وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ)[البقرة: 216].

 

وإن لم يردَّه ذلك البلاء إليه، بل شرد قلبه عنه، ورده إلى الخلق، وأنساه ذكر ربه، والضراعة إليه، والضراعة إليه، والتذلل بين يديه، والتوبة والرجوع إليه، فهو علامة شقاوته وإرادة الشرِّ به، فهذا إذا أقلع عنه البلاء، ردَّه إلى حكم طبيعته، وسلطان شهواته، ومرحه وفرحه، فجاءت طبيعتهُ عند القدرة بأنواع الأشَرِ والبَطَرِ والإعراض عن شكر المنعم عليه بالسراء، كما أعرض عن ذكره والتضرع إليه في الضراء، فبليةُ هذا وبالٌ عليه وعقوبة ونقص في حقه، وبلية الأول تطهير له ورحمة وتكميل، وبالله التوفيق"(طريق الهجرتين:163).

 

38-  قال الإمام ابن الجوزي رحمه الله: "من نزلت به بليَّة فأراد تمحيقها، فليتصورها أكثر مما هي، تَهُنْ. وليتوهم نزول أعظم منها، يَرَ الربح في الاقتصار عليها. وليتلمح سرعة زوالها؛ فإنه لولا كرب الشدة ما رُجيت ساعات الراحة. وليعلم أن مدة مقامها عنده كمدة مقام الضيف فليتفقد حوائجه في كل لحظة، فيا سرعة انقضاء مقامه، ويا لذة مدائحه وبشره في المحافل، وصف المضيف بالكرم؛ فكذلك الشدة ينبغي أن تراعي الساعات، ويتفقد فيها أحوال النفس، ويتلمح الجوارح؛ مخافة أن يبدو من اللسان كلمة، أو من القلب تسخط، فكأن قد لاح فجر الأجر فانجاب ليل البلاء، ومُدِحَ الساري بقطع الدجی، فما طلعت شمس الجزاء إلا وقد وصل منزل السلامة"(صيد الخاطر:57).

 

39- قال ابن القيم رحمه الله: "إذا تصور العبد أجَلَ ذلك البلاء وانقطاعه، وأجل لقاء المُبتلِي سبحانه - هان عليه ما هو فيه وخفَّ عليه حمله"(شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل:246).

 

40- قال ابن القيم رحمه الله: "المبتلَى إذا قويت مشاهدته للمثوبة، سكن قلبه واطمأنَّ بمشاهدة العوض حتى يستلذ بالبلاء ويراه نعمة، ولا يُستبعد هذا؛ فكثير من العقلاء إذا تحقق نفع الدواء الكريه، فإنه يكاد يلتذَّ به، وملاحظته لنفعه تغنيه عن تألمه بمذاقه"(مدارج السالكين:3-227).

 

41- قال العلامة ابن القيم رحمه الله: "قيل: الشاكر الذي يشكر على العطاء، والشكور الذي يشكر على البلاء"(عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين:124).

 

42- قال الإمام ابن الجوزي رحمه الله: "رأيت من البلاء العجاب، أن المؤمن يدعو فلا يجاب، فيكرر الدعاء وتطول المدة، ولا يرى أثراً للإجابة، فينبغي له أن يعلم أن هذا من البلاء الذي احتاج إلى الصبر. وما يعرض للنفس من الوسواس في تأخير الجواب مرض يحتاج إلى طب. ولقد عرض لي من هذا الجنس، فإنه نزلت بي نازلة، فدعوت وبالغت، فلم أر الإجابة، فأخذ إبليس يجول في حلبات كيده، فتارة يقول: الكرم واسع والبخل معدوم، فما فائدة تأخير الجواب؟ فقلت: اخسأ يا لعين، فما أحتاج إلى تقاضي، ولا أرضاك وكيلاً. ثم عدت إلى نفسي فقلت: إياك ومساكنة وسوسته، فإنه لو لم يكن في تأخير الإجابة إلا أن يبلوك المقدِّر في محاربة العدو لكفى في الحكمة. قالت: فسلني عن تأخير الإجابة في مثل هذه النازلة؟

 

فقلت: قد ثبت بالبرهان أن الله عز وجل مالك، وللمالك التصرف بالمنع والعطاء، فلا وجه للاعتراض عليه.

 

والثاني: أنه قد ثبتت حكمته بالأدلة القاطعة، فربما رأيت الشيء مصلحة والحق أن الحكمة لا تقتضيه، وقد يخفى وجه الحكمة فيما يفعله الطبيب، من أشياء تؤذي في الظاهر يقصد بها المصلحة، فلعل هذا من ذاك.

 

والثالث: أنه قد يكون التأخير مصلحة، والاستعجال مضرة، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يزال العبد في خير ما لم يستعجل، يقول دعوت فلم يستجب لي) .

 

والرابع: أنه قد يكون امتناع الإجابة لآفة فيك، فربما يكون في مأكولك شبهة، أو قلبك وقت الدعاء في غفلة، أو تزاد عقوبتك في منع حاجتك لذنب ما صدقت في التوبة منه. فابحثي عن بعض هذه الأسباب لعلك توقنين بالمقصود.

 

والخامس: أنه ينبغي أن يقع البحث عن مقصودك بهذا المطلوب، فربما كان في حصوله زيادة إثم، أو تأخير عن مرتبة خير، فكان المنع أصلح. وقد روي عن بعض السلف أنه كان يسأل الله الغزو، فهتف به هاتف: إنك إن غزوت أسرت، وإن أسرت تنصرت.

 

والسادس: أنه ربما كان فَقْدُ ما تفقدينه سبباً للوقوف على الباب واللجأ، وحصوله سبباً للاشتغال به عن المسؤول. وهذا الظاهر، بدليل أنه لولا هذه النازلة ما رأيناك على باب اللجأ. فالحق عز وجل علم من الخلق اشتغالهم بالبر عنه، فلذعهم في خلال النعم بعوارض تدفعهم إلى بابه، يستغيثون به، فهذا من النعم في طي البلاء. وإنما البلاء المحض ما يشغلك عنه، فأما ما يقيمك بين يديه، ففيه جمالك ...

 

وإذا تدبرت هذه الأشياء تشاغلت بما هو أنفع لك من حصول ما فاتك من رفع خلل، أو اعتذار من زلل، أو وقوف على الباب إلى رب الأرباب"(صيد الخاطر:55-57).

 

43- قال الإمام ابن الجوزي رحمه الله: "المؤمن ... كلما اشتد البلاء عليه، زاد إيمانه وقوي تسليمه، وقد يدعو فلا يرى للإجابة أثرًا، وسيره لا يتغير، لأنه يعلم أنه مملوك، وله مالك يتصرف بمقتضى إرادته ... فإن اختلج في قلبه اعتراض، خرج من مقام العبودية إلى مقام المناظرة، كما جرى لإبليس. والإيمان القوي يَبِين أثره عند قوة الابتلاء ... فهناك يبين معنى قوله: (وَرَضُوا عَنْهُ)[المائدة: 119]"(صيد الخاطر:268).

 

44- قال الإمام القرطبي: "الرؤيا الصادقة قد تكون منذرة من قِبل الله تعالى لا تسرُّ رائيها، وإنما يريها الله تعالى المؤمن رفقًا به ورحمة، ليستعد لنزول البلاء قبل وقوعه، فإن أدرك تأوَّلها بنفسه، وإلا سأل عنها من له أهلية ذلك، وقد رأى الشافعي رضي الله عنه وهو بمصر رؤيا لأحمد بن حنبل، تدل على محنته، فكتب إليه بذلك ليستعد لذلك"(الجامع لأحكام القرآن: سورة يوسف آية 5).

 

45- قال الحافظ ابن رجب رحمه الله: "المؤمن يمشي مع البلاء كيفما مشي به ... فتكون عاقبته العافية من البلاء، وحسن الخاتمة، ويُوقَى مِيتة السوء. ومن تواضع لعظمة الله وصبر على بلائه، كانت عاقبته الجنة، وسلِم في الدنيا والآخرة"(مجموع رسائل ابن رجب الحنبلي:1-220).

 

 

الإحالات

1- أحاديث الفتن والفقه المطلوب – مأمون جرار.  

2- آداب البلاء؛ عبد الحميد البلالي.  

3- أصحاب الأخدود؛ رفاعي سرور.  

4- الابتلاء؛ أحمد فائز.  

5- الابتلاء في طريق الدعوة إلي الله؛ عبد الله معتوق المعتوق.  

6- الابتلاء وأثره في حياة المؤمنين كما جاء في القرآن الكريم؛ عبد الله ميرغني محمد.  

7- الابتلاء والمحن في الدعوات؛ محمد عبد القادر أبو فارس.  

8- الاستبصار عند المحن؛ محمد العبدة.  

9- اشتداد الفتن علي مر الزمن؛ مشهور حسن سلمان.  

10- تسلية المصاب؛ جمع أحمد فريد.  

11-غاية النفع شرح حديث تمثيل المؤمن بخامة الزرع – ابن رجب تحقيق: إبراهيم العرف- مكتبة السوادي الطبعة الأولى 1408.  

12- الفتن في الاثار والسنن؛ جزاع الشمري.  

13- الفتن وعوامل التغير؛ مشهور حسن سلمان.  

14- الفتنة وكيف نواجهها؛ محمد عبد الفتاح.  

15- نظرات في مواقف المؤمنين عند المحن – عبد الحميد السحيباني – مكتبة ابن خزيمة.

الحكم

1- قال الحسن البصري: "استوى الناس في العافية، فإذا نزل البلاء تباينوا"(صيد الخاطر:268).

 

2- "بعد البلاء يكون الثناء"(مجمع الامثال:1-206).