اعتذار

2022-10-11 - 1444/03/15

التعريف

الاعتذار لغة:

 

الاعتذار مصدر اعتذر وهو مأخوذ من مادّة (ع ذ ر) الّتي تدلّ على معان كثيرة غير منقادة ومنها: العذر وهو روم الإنسان إصلاح ما أنكر عليه بكلام.

 

يقال منه: عذرته أعذره عذرا من باب ضرب، والاسم: العذر (بالضم) والجمع: أعذار. ويقال: فلان قام قيام تعذير فيما استكفيته، إذا لم يبالغ وقصّر فيما اعتمد عليه فيه. وقد تضمّ الذّال بالإتباع فيقال "عذر".

 

ويقال: اعتذر فلان اعتذارا ومعذرة وعذرة من دينه فعذرته، وهو معذور. وتقول: اعتذر إليّ، طلب قبول معذرته، واعتذر عن فعله أظهر عذره، وأمّا قولك: اعتذرت منه فمعناه شكوته، وعذر الرّجل صار ذا عيب وفساد، ومثله أعذر، وأعذر فيه. أي بالغ في الأمر، ولهذا فإنّ معنى حديث “أعذر اللّه إلى من بلغ من العمر ستّين سنة» أي لم يبق فيه موضعا للاعتذار حيث أمهله طول هذه المدّة ولم يعتذر. وأمّا عذّر الرّجل (بالتّضعيف) فمعناه أنّه اعتذر ولم يأت بشيء، ولم يثبت له عذر. وأعذر (بالألف) يعني ثبت له عذره وجاءت الآية في التّوبة بالقراءتين على كلا المعنيين وهي قوله تعالى: (وَجاءَ الْمُعَذِّرُونَ)[التوبة: 90] فبالتّثقيل معناه أنّهم تكلّفوا العذر ولا عذر لهم، وبالتّخفيف: الّذين لهم عذر، وعلى هذا ورد الأثر عن ابن عبّاس- رضي اللّه عنهما- رحم اللّه المعذّرين ولعن اللّه المعذّرين، ويقال أعذر من أنذر أي بالغ في العذر، أي في كونه معذورا. ومن عذيري من فلان، وعذيرك من فلان. قال عمرو بن معد يكرب:

 

أريد حياته ويريد قتلي *** عذيرك من خليلك من مراد

 

ومعناه: هلمّ من يعذرك منه إن أوقعت به، وذلك لأنّه أهل للإيقاع به، فإن أوقعت به كنت معذورا.

 

وقال بعضهم: أصل العذر من العذرة وهي الشّيء النّجس، ومنه سمّيت القلفة العذرة، فقيل عذرت الصّبيّ إذا طهّرته وأزلت عذرته، وكذا عذرت فلانا: أزلت نجاسة ذنبه بالعفو كقولك غفرت له أي سترت ذنبه (الصحاح:2/737-740، ولسان العرب:2854-2856، والمصباح المنير:398- 399 والمقاييس:4-252، وبصائر ذوي التمييز:4-36 والمفردات للراغب:328).

 

واصطلاحا:

 

قال الجرجانيّ: "الاعتذار: محو أثر الذّنب"(التعريفات:29).

 

وقال الكفويّ: "الاعتذار: إظهار ندم على ذنب تقرّ بأنّ لك فى إتيانه عذرا"(الكليات:308).

 

وقال المناويّ: "الاعتذار: تحرّي الإنسان ما يمحو أثر ذنبه"(التوقيف على مهمات التعاريف (55).

 

وقد سوّى بعض العلماء بين العذر والاعتذار في المعنى. فقال الرّاغب الأصفهانيّ: العذر تحرّي الإنسان ما يمحو به ذنوبه (المفردات:327). وإلى مثل هذا ذهب الفيروزاباديّ (انظر بصائر ذوي التمييز:4-35). وقد فرّق الجرجانيّ بين الأمرين فذكر أنّ الاعتذار هو (تحرّي) محو أثر الذّنب (كما سبق)، وأنّ العذر ما يتعذّر على المعنّى (فعله) على موجب الشّرع إلّا بتحمّل ضرر زائد. (التعريفات:153).

 

 

العناصر

1- الخطأ طبيعة بشرية 

 

2- اعتذار الأنبياء والصحابة الكرام 

 

3- التحرز عن كل ما يُعتذر منه 

 

4- دلالات الاعتذار وآثاره 

 

5- الاعتذار المذموم ومعناه  

 

6- حكم رفض الاعتذار 

 

7- تربية الأبناء على خلق الاعتذار

 

الايات

1- قال الله تعالى: (فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ)[البقرة:37].

 

2- قال تعالى: (وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ)[آل عمران:135].

 

3- قَالَ تَعالَى: (إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوَءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ فَأُوْلَـئِكَ يَتُوبُ اللّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللّهُ عَلِيماً حَكِيماً * وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ وَلاَ الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُوْلَـئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً) [النساء:17-18].

 

4- قال تعالى: (قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ)[الأعراف:23].

 

5- قال تعالى: (وَسْئَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كانَتْ حاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً وَيَوْمَ لا يَسْبِتُونَ لا تَأْتِيهِمْ كَذلِكَ نَبْلُوهُمْ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ * وَإِذْ قالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذاباً شَدِيداً قالُوا مَعْذِرَةً إِلى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ)[الأعراف: 163- 164].

 

6- قوله تعالى: (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّما كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآياتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِؤُنَ * لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طائِفَةً بِأَنَّهُمْ كانُوا مُجْرِمِينَ)[التوبة: 65- 66].

 

7- قال تعالى: (وَجاءَ الْمُعَذِّرُونَ مِنَ الْأَعْرابِ لِيُؤْذَنَ لَهُمْ وَقَعَدَ الَّذِينَ كَذَبُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ)[التوبة: 90].

 

8- قال تعالى: (إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ وَهُمْ أَغْنِياءُ رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوالِفِ وَطَبَعَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَعْلَمُونَ * يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ إِذا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ قُلْ لا تَعْتَذِرُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكُمْ قَدْ نَبَّأَنَا اللَّهُ مِنْ أَخْبارِكُمْ وَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلى عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ)[التوبة:93-94].

 

9- قال تعالى: (قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ ۖ وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُن مِّنَ الْخَاسِرِينَ)[هود: 47].

 

10- قال تعالى: (قَالُواْ تَاللّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللّهُ عَلَيْنَا وَإِن كُنَّا لَخَاطِئِينَ * قَالَ لاَ تَثْرَيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) [يُوسُفَ:91-92].

 

11- قال تعالى: (قَالُواْ يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ * قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّيَ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) [يوسف:97-98].

 

12- قال تعالى: (وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّواْ لَهُ سُجَّداً وَقَالَ يَا أَبَتِ هَـذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقّاً وَقَدْ أَحْسَنَ بَي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاء بِكُم مِّنَ الْبَدْوِ مِن بَعْدِ أَن نَّزغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِّمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ)[يوسف:100].

 

13- قال تعالى: (لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلَا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا)[الكهف:73].

 

14- قال تعالى: (قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)[النمل:44].

 

15- قال تعالى: (هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُّضِلٌّ مُّبِينٌ . قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ)[القصص:15-16].

 

16- قال تعالى: (يَوْمَ لا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ)[غافر:52].

 

17- قال تعالى: (بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ * وَلَوْ أَلْقى مَعاذِيرَهُ)[القيامة: 14-15].

 

18- قال تعالى: (هذا يَوْمُ لا يَنْطِقُونَ * وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ)[المرسلات: 35-36].

 

الاحاديث

1- عن المغيرة بن شعبة- رضي اللّه عنه- قال: قال سعد بن عبادة: لو رأيت رجلا مع امرأتي لضربته بالسّيف غير مصفح عنه فبلغ ذلك رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم. فقال: "أتعجبون من غيرة سعد، فواللّه لأنا أغير منه، واللّه أغير منّي، من أجل غيرة اللّه حرّم الفواحش ما ظهر منها وما بطن، ولا شخص أغير من اللّه، ولا شخص أحبّ إليه العذر من اللّه، من أجل ذلك بعث اللّه المرسلين مبشّرين ومنذرين، ولا شخص أحبّ إليه المدحة من اللّه، من أجل ذلك وعد اللّه الجنّة"(رواه ومسلم:1499).

 

2- عن أنس بن مالك- رضي اللّه عنه- أنّه قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "إيّاك وكلّ أمر يعتذر منه"(ذكره الألباني في صحيح الجامع:1/ 520 (2671 وفي الصحيحة له:1-354، وقال: حسن وعزاه للمختارة ونقل قول المناوي عزوه للديلمي والحاكم والطبراني في الأوسط من حديث جماعة آخرين من الصحابة).

 

3- عن ابن عمر- رضي اللّه عنهما- أنّه قال: بعثنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في سريّة، فلمّا لقينا العدوّ انهزمنا في أوّل عادية، فقدمنا المدينة في نفر ليلا، فاختفينا، ثمّ قلنا: لو خرجنا إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم واعتذرنا إليه، فخرجنا، فلمّا لقيناه قلنا: نحن الفرّارون يا رسول اللّه، قال: " بل أنتم العكّارون وأنا فئتكم". قال أسود بن عامر: وأنا فئة كلّ مسلم. (رواه أحمد:2/ 70، 99، 100، 111). وقال أحمد شاكر:7-203، 8/ 89 (153): صحيح).

 

4- عن ابن عبّاس -رضي اللّه عنهما- قال: كان رجل من الأنصار أسلم، ثمّ ارتدّ ولحق بالشّرك، ثمّ تندّم فأرسل إلى قومه: سلوا لي رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم. هل لي من توبة؟ فجاء قومه إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقالوا: إنّ فلانا قد ندم، وإنّه أمرنا أن نسألك هل له من توبة؟ فنزلت: (كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْماً كَفَرُوا بَعْدَ إِيمانِهِمْ إلى قوله: غَفُورٌ رَحِيمٌ فأرسل إليه، فأسلم) (رواه النسائي:4068، وقال الألباني: صحيح الإسناد).

 

5- عن كعب بن مالك- رضي اللّه عنه- وهو أحد الثّلاثة الّذين تيب عليهم أنّه لم يتخلّف عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فى غزوة غزاها قطّ غير غزوتين... الحديث وفيه: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: " يا أمّ سلمة تيب على كعب" قالت: أفلا أرسل إليه فأبشّره؟ قال: " إذا يحطمكم النّاس، فيمنعونكم النّوم سائر اللّيلة". حتّى إذا صلّى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم صلاة الفجر، آذن بتوبة اللّه علينا، وكان إذا استبشر استنار وجهه حتّى كأنّه قطعة من القمر وكنّا أيّها الثّلاثة الّذين خلّفوا عن الأمر الّذي قبل من هؤلاء الّذين اعتذروا حين أنزل اللّه لنا التّوبة. (رواه البخاري:4677).

 

6- عن أنس -رضي اللّه عنه- قال: غاب عمّي أنس بن النّضر عن قتال بدر، فقال: يا رسول اللّه، غبت عن أوّل قتال قاتلت المشركين، لئن اللّه أشهدني قتال المشركين ليرينّ اللّه ما أصنع. فلمّا كان يوم أحد، وانكشف المسلمون، قال: اللّهمّ إنّي أعتذر إليك ممّا صنع هؤلاء، يعني أصحابه، وأبرأ إليك ممّا صنع هؤلاء، يعني المشركين. ثمّ تقدّم فاستقبله سعد بن معاذ، فقال: يا سعد بن معاذ، الجنّة وربّ النّضر، إنّي أجد ريحها من دون أحد. قال سعد: فما استطعت يا رسول اللّه ما صنع. قال أنس: فوجدنا به بضعا وثمانين ضربة بالسّيف، أو طعنة برمح أو رمية بسهم، ووجدناه قد قتل وقد مثّل به المشركون فما عرفه أحد إلّا أخته ببنانه. قال أنس: كنّا نرى- أو نظنّ- أنّ هذه الآية نزلت فيه وفي أشباهه (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ... إلى آخر الآية)[الأحزاب: 23]، (رواه البخاري:2805).

 

7- عن عائشة- رضي اللّه عنها- زوج النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قالت: كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إذا أراد أن يخرج سفرا، أقرع بين نسائه. فأيّتهنّ خرج سهمها، خرج بها رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم معه. قالت عائشة: فأقرع بيننا في غزوة غزاها. فخرج فيها سهمي. فخرجت مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم. وذلك بعد ما أنزل الحجاب. فأنا أحمل في هودجي، وأنزل فيه، مسيرنا. حتّى إذا فرغ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم من غزوه، وقفل، ودنونا من المدينة، آذن ليلة بالرّحيل. فقمت حين آذنوا بالرّحيل. فمشيت حتّى جاوزت الجيش. فلمّا قضيت من شأني أقبلت إلى الرّحل. فلمست صدري فإذا عقدي من جزع ظفار قد انقطع. فرجعت فالتمست عقدي فحبسني ابتغاؤه. وأقبل الرّهط الّذين كانوا يرحلون لي فحملوا هودجي. فرحلوه على بعيري الّذي كنت أركب. وهم يحسبون أنّي فيه. قالت: وكانت النّساء إذ ذاك خفافا. لم يهبّلن ولم يغشهنّ اللّحم. إنّما يأكلن العلقة من الطّعام. فلم يستنكر القوم ثقل الهودج حين رحلوه ورفعوه، وكنت جارية حديثة السّنّ. فبعثوا الجمل وساروا. ووجدت عقدي بعد ما استمرّ الجيش. فجئت منازلهم وليس بها داع ولا مجيب. فتيمّمت منزلي الّذي كنت فيه. وظننت أنّ القوم سيفقدوني فيرجعون إليّ. فبينا أنا جالسة في منزلي غلبتني عيني فنمت. وكان صفوان بن المعطّل السّلميّ، ثمّ الذّكوانيّ، قد عرّس من وراء الجيش فأدلج. فأصبح عند منزلي. فرأى سواد إنسان نائم.فأتاني فعرفني حين رآني. وقد كان يراني قبل أن يضرب الحجاب عليّ. فاستيقظت باسترجاعه حين عرفني، فخمّرت وجهي بجلبابي... قالت: فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وهو على المنبر: " يا معشر المسلمين؛ من يعذرني من رجل قد بلغ أذاه في أهل بيتي. فواللّه ما علمت على أهلي إلّا خيرا. ولقد ذكروا رجلا ما علمت عليه إلّا خيرا. وما كان يدخل على أهلي إلّا معي". فقام سعد بن معاذ الأنصاريّ فقال: أنا أعذرك منه يا رسول اللّه، إن كان من الأوس ضربنا عنقه. وإن كان من إخواننا الخزرج أمرتنا ففعلنا أمرك... الحديث. (رواه مسلم:2770).

 

8- عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ما نقصت صدقة من مال، وما زاد الله عبدًا بعفوٍ إلا عزًا، وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله"(رواه مسلم).

 

9- عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: "التّأنّي من الله، والعجلة من الشّيطان، وما أحد أكثر معاذير من الله، وما من شيء أحبّ إلى الله من الحمد"(أخرجه الحارث بن أبي أسامة كما في بغية الباحث:٨٦٨، وأبو يعلى:٤٢٥٦، والبيهقي في شعب الإيمان:٤٠٥٨، وحسنه الألباني).

 

10- عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: "صلِّ صلاةَ مُودِّعٍ كأنّكَ تَراهُ، فإنْ كُنتَ لا تَراهُ فإنّه يَراكَ، و ايْأَسْ مِمّا في أيْدِي الناسِ تَعِشْ غنيًّا، و إيّاكَ وما يُعتَذَرُ مِنهُ"(أخرجه ابن عساكر في «معجم الشيوخ» (٣٢٣)، والطبراني في «المعجم الأوسط» (٤٤٢٧)، والبيهقي في «الزهد الكبير» (٥٢٨)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (٣٧٧٦) وفي رواية: "انظرْ إلى ما تَعتذِرُ منه من القولِ والفعلِ؛ فاجتنبْهُ"(حسنه الألباني في السلسلة الصحيحة:٤‏-٥٤٥).

 

الاثار

1- قال عمرُ -رضي اللهُ عنه-: "أعقَلُ الناسِ أعذَرُهم"(مداراة الناس؛ لابن أبي الدنيا:41).

 

2- قال جعفرُ بنُ محمدٍ: "إذا بَلَغَك عن أخيك الشيءُ تُنْكِرُه؛ فالتمسْ له عذرًا واحدًا إلى سبعينَ عذرًا، فإنْ أصبْتَه، وإلا قُلْ: لعلَّ له عذرًا لا أعرفُه"(شعب الإيمان:8344).

 

القصص

1- كان بإحدى الغابات فيل مغرور، تشتكي منه الأرانب والطيور، الأرانب قتل بعضها، والطيور كسر بيضها: وكان لأحد العصافير؛ عش هش صغير، بمقربة من غدير، وهو بحيرة صغيرة فيها ماء كثير، وكان يمر من هذا الطريق فيل كبير، فمر ذات يوم فأعجبه ذلك المكان المليء بالأشجار والعشب؛ فأكل منها وشرب مما فيه من الماء العذب، فانهدم عش هذا العصفور المسكين وتحطم، وسقط بيضه على الأرض وتهشم، فذهب شاكيا باكيا إلى جماعة الطيور؛ وحكى ما جرى من ذلك الفيل المغرور؛ فالتفوا حوله يواسونه وينسونه، ثم ذهبوا إلى ذلك الفيل المغرور يعاتبونه؛ فسخر منهم وخاطبهم باستهزاء، ولم يقدم للعصفور أي اعتذار أو عزاء؛ فقررت الطيور أن تنتقم لهذا العصفور؛ فاجتمعت الغربان والنسور والصقور، وانقضوا ينقرون عين ذلك الفيل المغرور؛ حتى صار أعمى لا يرى، يأكل الثرى، ويندم لما جرى، وأقبلت الأرانب في ابتهاج وسرور وكان الفيل قد هدم لها بعض الجحور، وقتل منها أعدادا كثيرة فحفرت في طريقه حفرة كبيرة؛ حتى سقط فيها أعمى البصر والبصيرة!! (بتصرف واختصار من كتاب كليلة ودمنة وانظر موسوعة الرقائق والأدب المؤلف: ياسر بن أحمد بن محمود بن أحمد بن أبي الحمد الكويس الحمداني:1-201).

 

3- هذا سواد بن عزيّة يوم غزوة أحد واقف في وسط الجيش فقال النبي صلى الله عليه وسلم للجيش: (استووا.. استقيموا)، فينظر النبي صلى الله عليه وسلم فيرى سوادًا لم ينضبط، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (استوِ يا سواد) فقال سواد: نعم يا رسول الله، ووقف ولكنه لم ينضبط، فجاء النبي بسواكه ونغز سوادًا في بطنه قال: (استوِ يا سواد)، فقال سواد: أوجعتني يا رسول الله، وقد بعثك الله بالحق فأقدني! فكشف النبي صلى الله عليه وسلم عن بطنه الشريفة وقال: (اقتص يا سواد). فانكب سواد على بطن النبي صلى الله عليه وسلم يقبلها، فقال صلى الله عليه وسلم: (ما حملك على هذا يا سواد؟)، قال: يا رسول الله، حضرني ما ترى، ولم آمن القتل، فأردت أن يكون آخر العهد بك أن يمس جلدي جلدك، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم له بخير (انظر معرفة الصحابة لأبي نعيم الأصبهاني:3133).

 

4- مرّ عمر بن الخطاب رضي الله عنه بباب قوم وعليه سائل يسأل: شيخ كبير ضرير البصر، فضرب عضده من خلفه وقال: من أي أهل الكتاب أنت؟ قال: يهودي، قال: فما ألجأك إلي ما أرى؟ قال: أسأل الجزية والحاجة والسن، قال: فأخذ عمر بيده وذهب به إلى منزله فرضخ له بشيء من المنزل، ثم أرسل إلى خازن بيت المال فقال: انظر هذا وأمثاله فو الله ما أنصفناه، أن أكلنا شبيبته ثم نخذله عند الهرم "إنما الصدقات للفقراء والمساكين" والفقراء هم المسلمون، وهذا من المساكين من أهل الكتاب، ووضع عنه الجزية وعن أمثاله (كتاب الخراج، أبو يوسف:126).

 

1- قدّم إلى الحجّاج أسرى ليقتلوا فقدّم رجل ليضرب عنقه فقال: واللّه لئن كنّا أسأنا في الذّنب لما أحسنت في العقوبة فقال الحجّاج: أفّ لهذه الجيف أما كان فيها أحد يحسن مثل هذا؟ وأمسك عن القتل. (الآداب الشرعية:1/350-351).

 

2- اعتذر رجل إلى الحسن بن سهل من ذنب كان له، فقال له الحسن: تقدّمت لك طاعة، وحدثت لك توبة، وكانت بينهما منك نبوة، ولن تغلب سيّئة حسنتين (الآداب الشرعية:1-351).

 

3- قال ابن كثير رحمه الله: سئل عبد الله بن الحسن رحمه الله عن مسألة فأخطأ في الجواب، فقال له قائل: الحكم فيها كذا وكذا فأطرق ساعة، ثم قال: إذا أرجع وأنا صاغر، لأن أكون ذنبا في الحق أحب إلي من أن أكون رأسا في الباطل"(البداية والنهاية:10-217).

 

قال ابن الجوزي رحمه الله: "كان يقرأ عند الوزير أبي المظفر ابن هبيرة رحمه الله الحديث في كل يوم بعد العصر فحضر فقيه مالكي فذكر مسألة فخالف فيها ذلك الفقيه فاتفق الوزير وجميع العلماء على شيء وذلك الفقيه يخالف فبدر من الوزير أن قال له أحمار أنت؟! أما ترى الكل يخالفونك وأنت مصر!، فلما كان في اليوم الثاني قال الوزير للجماعة: جرى مني بالأمس ما لا يليق بالأدب حتى قلت له تلك الكلمة فليقل لي كما قلت له، فما أنا إلا كأحدكم، فضج المجلس بالبكاء وأخذ ذلك الفقيه يعتذر ويقول: أنا أولى بالاعتذار، والوزير يقول: القصاص القصاص، فقال يوسف الدمشقي: يا مولانا إذا أبى القصاص فالفداء. فقال الوزير: له حكمه، فقال الرجل: نعمك علي كثيرة فأي حكم بقي لي، قال: لا بد، قال: علي بقية دين مائة دينار، فقال: يعطى مائة دينار لإبراء ذمته ومائة لإبراء ذمتي فأحضرت في الحال فلما أخذها قال الوزير: عفا الله عنك وعني وغفر لك ولي"(المنتظم:18/168-169).

 

وقع بين أبي مسلم رحمه الله وبين قائد له كلام، فأربى عليه القائد إلى أن قال له: يا لقيط! فأطرق أبو مسلم، فلما سكتت عنه فورة الغضب ندم وعلم أنه قد أخطأ واعتذر وقال: أيها الأمير، والله ما انبسطت حتى بسطتني ولا نطقت حتى أنطقتني فاغفر لي. قال: قد فعلت. فقال: إني أحب أن أستوثق لنفسي. فقال أبو مسلم: سبحان الله! كنت تسيء وأحسن، فلما أحسنت أسيء"(عيون الأخبار:3-109).

 

قال الأستاذ جاسم المطوع: "أنه أثناء تقديمه لدورة مهارات التعامل مع الأبناء وكيفية استيعابهم أنه رأى رجلاً في الدورة أثناء الحوار والنقاش قد نغير لونه وانحدرت دمعة من عينه على خده وخلال فترة الراحة جاءني هذا الرجل وحدثني علي انفراد قائلاً: هل تعلم لماذا تأثرت بموضوع الدورة ودمعت عيناي؟

قلت له: لا والله ! فقال: إن لي ابناً عمره سبعة عشر سنة وقد هجرته منذ خمس سنوات لأنه لا يسمع كلامي، ويخرج مع صحبة سيئة، ويدخن السجائر، وأخلاقه سيئة مع أمه وفي البيت، فقاطعته ومنعت عنه المصروف وبنيت له غرفة خاصة على السطح، ولكنه لم يرتدع، ولا أعرف ماذا أعمل، ولكن كلامك عن الحوار وأنه حل سحري لعلاج المشاكل أثر بي، فماذا تنصحني؟

هل أستمر بالمقاطعة أم أعيد العلاقة؟ وإذا قلت لي ارجع إليه فكيف السبيل؟

قلت له: عليك أن تعيد العلاقة اليوم قبل الغد.

وإن ما عمله ابنك خطأ، ولكن مقاطعتك له خمس سنوات خطأ أيضاً، أخبره بأن مقاطعتك له كانت خطأ وعليه أن يكون ابناً باراً بوالديه، ومستقيما ًفي سلوكه، فرد علي الرجل قائلاً: أنا أبوه أعتذر منه؟ .. نحن لم نتربى على أن يعتذر الأب من ابنه!

قلت: يا أخي الخطأ لا يعرف كبيراً ولا صغيراً وإنما على المخطئ أن يعتذر، فلم يعجبه كلامي، وتابعنا الدورة وانتهي اليوم الأول.

وفي اليوم الثاني للدورة جاءني الرجل مبتسماً فرحاً ففرحت لفرحه، وقلت له: ما الخبر؟

قال: طرقت علي ابني الباب في العاشرة ليلاً وعندما فتح الباب قلت له: يا ابني إني أعتذر من مقاطعتك لمدة خمس سنوات، فلم يصدق ابني ما قلت و أرتمى برأسه علي صدري، وظل يبكي فبكيت معه.. ثم قال: يا أبي أخبرني ماذا تريدني أن أفعل، فإني لن أعصيك أبداً".

 

 

الاشعار

1- قال محمّد بن إسماعيل الإسحاقيّ:

إذا اعتذر الجاني محا العذر ذنبه *** وكان الّذي لا يقبل العذر جانيا

(مساوىء الأخلاق ومذمومها:312).

 

2- قال الشّافعي رحمه الله:

يا لهف قلبي على مال أجود به *** على المقلّين من أهل المروءات

إنّ اعتذاري إلى من جاء يسألني *** ما ليس عندي لمن إحدى المصيبات

(الإحياء:3-251).

 

3- وقال أيضا رحمه الله:

قيل لي قد أساء إليك فلان *** ومقام الفتى على الذل عار

قلت قد أتى وأحدث عذراً *** دية الذنب عندنا الاعتذار

 

4- قال عبد الرّحمن بن المبارك اليزيديّ - مؤدّب ولد يزيد بن منصور الحميريّ- يعتذر إلى المأمون لأنّه امتنّ عليه بتأديبه إيّاه:

أنا المذنب الخطّاء والعفو واسع *** ولو لم يكن ذنب لما عرف العفو

(الآداب الشرعية:1-351).

 

5- قال بعضهم:

لك الحق إن تعتب علي لأنني *** جفوت وإما تغتفر فلك الفضل

(عيون الأخبار 3-106)

 

6- قال بعضهم: 

لو كنت تعلم ما أقول عذرتني *** أو كنت أجهل ما تقول عذلتكا

لكن جهلت مقالتي فعذلتني * وعلمت أنك جاهل فعذرتكا

(عيون الأخبار:3-106)

 

7- قال بعضهم:

إذا ما امرؤ من ذنبه جاء تائبا *** إليك فلم تغفر له فلك الذنب

(عيون الأخبار:3-108)

 

الدراسات

حول أسباب عدم الاعتذار:

 

1- التنشئة الاجتماعية ورفض فكرة الاعتذار عموماً، فالطفل ينشأ ولم يتعود على الاعتذار كفضيلة فهو لا يرى تطبيق عملي لهذه الفضيلة من حوله.

 

2- النظر إلى الاعتذار على أنه ضعف، أو أنه سلوك لا ينتج عنه سوى إهدار الكرامة والتقليل منها.

 

3- الجهل بفضيلة الاعتذار ،و أنها من مكارم الأخلاق.

 

4- وجود صفة اللامبالاة لدى الشخص المخطئ.

 

5- الظن بأن الاعتذار أمر غير ضروري.

 

6- التأثر بعادات الآخرين و البيئة المحيطة،في إهمال الاعتذار.

 

7- خوف الشخص المخطئ من الحرج، أو التأنيب والسخرية أو ربما معاقبة الآخرين.

 

8- كثرة الأخطاء وتكرارها تولّد التعود عليها، وعدم الاعتذار منها.

 

9- عدم إحساسه بحال الطرف الآخر الذي أخطأ في حقه، ولم يعتذر له. 

 

http://www.a-quran.com/showthread.php?t=6603

 

متفرقات

1- قال ابنُ الجوزيِّ مُعَلِّقًا على قولِ النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- الذي رواه البخاريُّ في صحيحِه: "قِيلَ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ: (وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ)[البقرة: 58]، فَبَدَّلُوا، فَدَخَلُوا يَزْحَفُونَ عَلَى أَسْتَاهِهِمْ، وَقَالُوا: حَبَّةٌ فِي شَعَرَةٍ" قال: "مَن تأملَ هذا الحديثَ عَلِمَ فَرْقَ ما بين أُمَّتِنا وبني إسرائيلَ، فإنَّ أولئك لما أذنبوا دُلُّوا على طريقِ التوبةِ وأَتَوْها متلاعبين بالدِّينِ، وهذا يدلُّ على أنَّ الذنوبَ ما آلمتْهم، ولا دَخَلَ خوفُ الجزاءِ عليها في قلوبِهم، ولا اكْترثوا بالتحذيرِ من عواقبِها، ولا سُرُّوا بالدلالةِ على طريقِ النجاةِ من شرِّها. ومن كان تلاعبُه في أصْلِ دينِه ومع نبيِّه وفي بابِ توبتِه، فهو في غايةِ البُعْدِ. وهذه الأُمَّةُ إذا أذنبَ مُذنِبُهم انكسرَ وبكى واعتذرَ، ثم لا يزالُ يَنْصِبُ ذنبَه بين عينيه، ويَوَدُّ أنْ لو مُحِيَ بكلِّ ما يَقْدِرُ عليه، فالحمدُ للهِ الذي جعلنا من هذه الأمَّةِ"(كشف المشكل لابن الجوزي على صحيح البخاري:4-340).

 

2- قال ابنُ القيمِ: "مَن أساءَ إليك، ثم جاءَ يعتذِرُ مِن إساءتِه؛ فإنَّ التواضعَ يوجبُ عليك قبولَ معذرتِه، حقًّا كانت أو باطلاً، وتَكِلُ سريرتَه إلى اللهِ -تعالى-، كما فعَلَ رسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- في المنافقين الذين تخلَّفوا عنه في الغزوِ، فلما قَدِمَ جاؤوا يَعْتذرون إليه، فقَبِلَ أعذارَهم، ووَكَلَ سرائرَهم إلى اللهِ -تعالى-. وعلامةُ الكرمِ والتواضعِ: أنك إذا رأيتَ الخللَ في عذرِه لا توقِفُه عليه، ولا تحاجُّه، وقلْ: يمكنُ أنْ يكونَ الأمرُ كما تقولُ، ولو قُضِيَ شيءٌ لكان، والمقدورُ لا مَدْفَعَ له، ونحوَ ذلك"( مدارج السالكين:3-72).

 

3- يقول حسان أحمد العماري: لقد قص الله علينا قصة آدم وحواء في الجنة، لنتعلم منهما فقه الاعتذار و مراغمة الشيطان؛ فلما أخطأ أبونا آدم وأخطأت أمنا حواء، لم يتبجحا ولم يستكبرا، إنما تعلما من الله معنى التوبة، وطريق الاعتذار، نعم لقد تلقيا من الله كلمات ميسورة الألفاظ، لكنها عميقة النتائج: (فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ)[البقرة: 37].

 

4- يقول حسان أحمد العماري: "إننا بحاجة إلى تربية نفوسنا على ثقافة الاعتذار وطلب العفو والتسامح ممن قصرنا أو أخطأنا في حقهم بقصد أو بدون قصد حتى يستمر العطاء وتزداد الروابط وتطيب النفوس وتنجز الأعمال ويُعرف مكان الخطأ حتى يتجنب الجميع تكراره ويسلم المرء والمجتمع من تبعات العناد والكبر والإصرار على الخطأ الذي قد يدمر مجتمعات وأمم وشعوب وحضارات وأهم من ذلك كله أن المرء ينجو باعتذاره عما بدر منه تجاه الآخرين من تبعات السؤال بين يدي الله يوم القيامة.. فلا تتأخروا أو تثاقلوا عن الاعتذار حين يكون هو الحل وهو العلاج"

 

https://saaid.net/rasael/724.htm

 

7- يقول الشيخ محمد صالح المنجد جواباً عن سؤال: من عظيم أخلاق المؤمن أنه يقبل العذر من المعتذر ويصفح عن المتعمد للخطأ في حقه ، وليس ذلك بواجب حتمي عليه لكنه من كمال أخلاق المؤمنين ، قال تعالى ( وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى )[البقرة: 237]، وقال تعالى (وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ)[النور: 22] وقال تعالى ( فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ )[الشورى: 40].

 

ويجب على من أخطأ في حق أخيه أن يبادر إلى الاعتذار له ويطلب منه العفو والصفح ؛ فإنه بذلك يحقق مقاصد للشرع جليلة ، من الألفة والمحبة وإزالة البغضاء والحقد من القلوب ، وفي الاعتذار وطلب الصفح علاج للنفس من داء الكِبر والعُجب. قال ابن حبان رحمه الله : الاعتذار يُذهب الهموم ويجلي الأحزان ويدفع الحقد ويُذهب الصد ، والإقلال منه تستغرق فيه الجنايات العظيمة والذنوب الكثيرة ، والإكثار منه يؤدي إلى الاتهام وسوء الرأي ، فلو لم يكن في اعتذار المرء إلى أخيه خصلة تُحمد إلا نفي العجب عن النفس في الحال ، لكان الواجب على العاقل أن لا يفارقه الاعتذار عند كل زلة (انتهى من روضة العقلاء:186).

 

8- والمسلم يقبل توبةَ المسيء المتعمد ، وطلبه للصفح والعفو ، ولو غلب على ظنه عدم صدقه في اعتذاره ، فعلى المخطئ المبادرة إلى التوبة وطلب الصفح بصدق وإخلاص ، وعلى المُساء إليه أن يصفح ويعفو. قال ابن حبان رحمه الله : لا يجب للمرء أن يعلن عقوبة من لم يعلن ذنبه ، ولا يخلو المعتذر في اعتذاره من أحد رجلين : إما أن يكون صادقاً في اعتذاره أو كاذباً ، فإن كان صادقاً فقد استحق العفو ؛ لأن شر الناس من لم يقل العثرات ولا يستر الزلات ، وإن كان كاذباً فالواجب على المرء إذا علم من المعتذر إثم الكذب وريبته ، وخضوع الاعتذار وذلته ، أن لا يعاقبه على الذنب السالف ؛ بل يشكر له الإحسان المحدث الذي جاء به في اعتذاره ، وليس يعيب المعتذر أن ذل وخضع في اعتذاره إلى أخيه (انتهى من روضة العقلاء ( ص 184 ، 185 ).

 

9- ثانياً: وأما ما رواه عبد الله بن عباس رضي الله عنهما ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، ضمن حديث طويل ، وفيه : “ أَلَا أُنْبِئُكُمْ بِشِرَارِكُمْ؟ قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ قالَ: مَنْ نَزَلَ وَحْدَهُ وَمَنَعَ رِفْدَهُ وَجَلَدَ عَبْدَهُ. قَالَ: أَفَلَا أَنْبِئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ هَذَا؟ قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ ، قَالَ: من يبغض الناس ويبغضونه ، قال: أفلا أنبئكم بشر من هذا؟ قالوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: مَنْ لَمْ يُقِلْ عَثْرَةً وَلَمْ يَقْبَلْ مَعْذِرَةً وَلَمْ يَغْفِرْ ذَنْبًا ، قَالَ: أَفَلَا أُنْبِئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ هَذَا؟ قالوا: بلى يا رسول الله قال: من لم يرج خيره ولم يؤمن شره “(الحديث فقد رواه العقيلي في الضعفاء (4/324) وقال : وليس لهذا الحديث طريق يثبت. وينظر : نصب الراية للزيلعي (3/63) ، وإتحاف الخيرة" للبوصيري (7/407) وهكذا عامة ما وقفنا عليه في هذا المعنى من الأحاديث ، وقد ذكرنا هذه الأحاديث المروية في ذلك وخرَّجناها وبينَّا ضعفها في جواب السؤال رقم ( 116388 ) فانظرها هناك).

 

ثالثاً: وما ذكرناه من العفو والصفح هو في حق المسيء المتعمد ، وأما من أخطأ من غير قصد فلا ينبغي التردد في قبول اعتذاره ، إذ ليس له إرادة في الخطأ والإساءة ، ولم يترتب في ذمته حق للمُساء إليه ، فإذا لم يُقبل اعتذاره فلن يلحقه حرج ولا عتب ، وإنما اعتذاره يقوم في مقام البيان عن حاله لصاحبه ، هذا مع أن خطأه هذا وعدم قصده لا يعفيه من تحمل المسؤولية المالية لصاحبه ، إن كان ترتب على خطئه ضياع شيء من حقوقه المالية ، أو تلف شيء من مال أخيه ؛ فالعذر وعدم الذنب ، لا يعفيه من تحمل الضمان المالي لأخيه. وعلى المخطئ المسيء في حق أخيه – العامد منهم وغير عامد – أن يسلك السبيل الأقوم في الاعتذار لأخيه ، ويكون ذلك بتحقيق أمور :

 

1. الإخلاص لله تعالى في اعتذاره.

 

2. الصدق في الاعتذار.

 

3. اختيار الوقت المناسب عند أخيه لتقديم اعتذاره.

 

4. اختيار الكلمات المناسبة للاعتذار.

 

5. ويفضل أن يكون بين يدي اعتذاره هدية مناسبة، فإن لم يتيسر له فيكثر من الثناء عليه والدعاء له بين يديه ومن خلفه والله أعلم

https://islamqa.info/ar/175439

 

الإحالات

1- موسوعة الأخلاق الإسلامية إعداد: مجموعة من الباحثين بإشراف الشيخ عَلوي بن عبد القادر السقاف (2/242، 243) . 2- زاد المعاد في هَدْي خير العباد المؤلف : محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد شمس الدين ابن قيم الجوزية (3/480) . 3- مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين المؤلف : محمد بن أبي بكر أيوب الزرعي أبو عبد الله الناشر : دار الكتاب العربي – بيروت الطبعة الثانية ، 1393 – 1973 تحقيق : محمد حامد الفقي (1/184) . 4- فتح الباري شرح صحيح البخاري المؤلف : أحمد بن علي بن حجر أبو الفضل العسقلاني الشافعي الناشر : دار المعرفة - بيروت ، 1379 (11/240)، باب من بلغ ستين سنة فقد اعذر الله إليه في العمر . 5- تهذيب الرياسة وترتيب السياسة المؤلف: أبو عبد الله القلعي دار النشر : مكتبة المنار - الأردن الزرقاء عدد الأجزاء1 - الطبعة : الأولى تحقيق : إبراهيم يوسف ـ مصطفى عجو (ص113) . 6- غزوة فتح مكة دروس وعبر تأليف:أمير بن محمد المدري (ص 39) . 7- موسوعة البحوث والمقالات العلمية جمع وإعداد الباحث في القرآن والسنة حوالي خمسة آلاف وتسعمائة مقال وبحث علي بن نايف الشحود – خلق الاعتذار (179/1) . 8- البدر في فضل سلامة الصدر جمع وترتيب: د. نايف بن أحمد الحمد القاضي في المحكمة العامة بالرياض (ص 39) . 9- داء الحسد وأثره على طلبة العلم إعداد : هاني بن الشيخ بن جمعة بن سهل السودان - أم درمان . 10- سلسلة القصص المؤلف : محمد صالح المنجد - قبول اعتذار المخطئ (6/14) . 11- الجامع الصحيح للسنن والمسانيد المؤلف: صهيب عبد الجبار (7/733) . 12- موسوعة الأخلاق والزهد والرقائق (قصص تربوية من حياة الأنبياء والصحابة والتابعين والصالحين) المؤلف: ياسر عبد الرحمن الناشر: مؤسسة اقرأ للنشر والتوزيع والترجمة، القاهرة الطبعة: الأولى، 1428 هـ - 2007 م .

الحكم

1- قال إسحاقُ الموصليُّ: "كان يُقالُ: الاعترافُ يَهْدِمُ الاقترافَ"(الجامع لشعب الإيمان:10-558).

 

2- قيل: "أمران لا يَسْلمان من الكذبِ: كثرةُ المواعيدِ، وشدةُ الاعتذارِ"(البيان والتبيين؛ للجاحظ:2-137).

 

3- قال ابنُ حزْمٍ: "اللِّقَاءُ يَذْهَبُ بالسخائمِ -أي: الضغائنِ-؛ فَكَأَنَّ نظرَ الْعينِ للعينِ يُصْلِحُ الْقُلُوبَ"(الأخلاق والسير؛ لابن حزم:50).