إيثار

2022-10-06 - 1444/03/10

التعريف

الإيثار في اللغة :

الإِيثار: آثَرْتُك إِيثاراً أَي فَضَّلْتُك وفلان أَثِيرٌ عند فلان وذُو أُثْرَة إِذا كان خاصّاً ويقال قد أَخَذه بلا أَثَرَة وبِلا إِثْرَة وبلا اسْتِئثارٍ أَي لم يستأْثر على غيره ولم يأْخذ الأَجود وقال الحطيئة يمدح عمر رضي الله عنه ما آثَرُوكَ بها إِذ قَدَّموكَ لها لكِنْ لأَنْفُسِهِمْ كانَتْ بها الإِثَرُ أَي الخِيَرَةُ والإِيثارُ [ابن منظور ،لسان العرب] .

والمأثَرة :بفتح الثاء وضمها المكرمة. فالإيثار إذن يأتي في اللغة بمعنى التفضيل والتكريم [الرازي،مختار الصحاح] .

 

الإيثار في الاصطلاح :

1- عرف القرطبي الايثار بأنه: هو تقديم الغير على النفس وحظوظها الدنياوية، ورغبة في الحظوظ الدينية [القرطبي،تفسيره] .

وقال: وذلك ينشأ عن قوة اليقين، وتوكيد المحبة، والصبر على المشقة.

2- وعرفه الشوكاني بأنه: تقديم الغير على النفس في حظوظ الدنيا رغبة في حظوظ الآخرة [الشوكاني، فتح القدير] .

3- وعرفه الشاطبي بأنه: تقديم الغير على حظ النفس في حظوظ الدنيا رغبة في حظوظ الآخرة[الشاطبي الموافقات] .

4- وعرفه الجرجاني بأنه: أن يقدم غيره على نفسه في النفع له والدفع عنه، وهو النهاية في الأخوة [الجرجاني،التعريفات] .

5- وعرفه الزركشي بأنه: أن يؤثر غيره بالشيء مع حاجته إليه [الزركشي،المنثور في القواعد] .

العناصر

1- تعريف الإيثار .

 

 

2- فضيلة الإيثار والمواساة , واستحباب خلط الزاد في السفر وفي الإقامة .

 

 

3- صور من إيثار النبي صلى الله عليه وسلم .

 

 

4- الإيثار من علامات الإيمان .

 

 

5- صور من الإيثار في مجتمع الصحابة رضوان الله عليهم .

 

 

6- في الصيام إيثار لمحاب الله على شهوات الجسد، وتعويد للمسلم على معاني الإخلاص .

 

 

7- علامة مَحبة الله إيثار طاعته وتجنب معاصيه ومُتابعة رسوله - صلى الله عليه وسلم -.

 

 

8- خطورة إيثار الدنيا ومتاعها على الآخرة .

 

 

9- إيثار المعصية على الطاعة إنما يحمل عليه الجهل .

 

 

10- أهمية أن يتصف المجتمع المسلم بروح الإيثار والتخلي عن السعي إلي الربح بطريقة تتعارض مع مصلحة المجتمع ككل .

 

الايات

1- قَالَ الله تَعَالَى: (وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ) [الحشر: 9].

الاحاديث

1- عن أبي هريرة- رضي اللّه عنه- أنّ رجلا أتى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فبعث إلى نسائه فقلن: ما معنا إلّا الماء. فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «من يضمّ- أو يضيف- هذا؟» فقال رجل من الأنصار: أنا. فانطلق به إلى امرأته فقال: أكرمي ضيف رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقالت: ما عندنا إلّا قوت صبياني. فقال: هيّئي طعامك وأصبحي سراجك ونوّمي صبيانك إذا أرادوا عشاء، فهيّأت طعامها وأصبحت سراجها ونوّمت صبيانها، ثمّ قامت كأنّها تصلح سراجها فأطفأته فجعلا يريانه أنّهما يأكلان فباتا طاويين فلمّا أصبح غدا إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقال: «ضحك اللّه اللّيلة- أو عجب من فعالكما- فأنزل اللّه (وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ) (وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)» [البخاري- الفتح 7 (3798) واللفظ له، ومسلم (2054)].

 

2- عن أبيه عن سهل ، رضي الله عنه ، أن امرأة جاءت النبي صلى الله عليه وسلم ببردة منسوجة فيها حاشيتها - أتدرون ما البردة قالوا الشملة قال نعم قالت نسجتها بيدي فجئت لأكسوكها فأخذها النبي صلى الله عليه وسلم محتاجا إليها فخرج إلينا وإنها إزاره فحسنها فلان فقال اكسنيها ما أحسنها قال القوم ما أحسنت لبسها النبي صلى الله عليه وسلم محتاجا إليها ثم سألته وعلمت أنه لا يرد قال إني والله ما سألته لألبسها إنما سألته لتكون كفني قال سهل فكانت كفنه [رواه البخاري رقم (1277)].

 

3- عن أبي هريرة- رضي اللّه عنه- عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، قال: «أنا أولى النّاس بالمؤمنين في كتاب اللّه- عزّ وجلّ-، فأيّكم ما ترك دينا أو ضيعة فادعوني فأنا وليّه. وأيّكم ما ترك مالا فليؤثر بماله عصبته من كان» [مسلم رقم (1619)].

 

4- عن عائشة- رضي اللّه عنها- أنّها قالت: جاءتني مسكينة تحمل ابنتين لها فأطعمتها ثلاث تمرات، فأعطت كلّ واحدة منهما تمرة ورفعت إلى فيها تمرة لتأكلها فاستطعمتها ابنتاها فشقّت التّمرة الّتي كانت تريد أن تأكلها بينهما، فأعجبني شأنها، فذكرت الّذي صنعت لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقال: «إنّ اللّه قد أوجب لها بها الجنّة أو أعتقها بها من النّار» [مسلم رقم (2630)].

 

5- عن أبي موسى الأشعريّ- رضي اللّه عنه- قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «إنّ الأشعريّين إذا أرملوا في الغزو أو قلّ طعام عيالهم بالمدينة جمعوا ما كان عندهم في ثوب واحد، ثمّ اقتسموه بينهم في إناء واحد بالسّويّة، فهم منّي، وأنا منهم» [البخاري- الفتح 5 (2486)، ومسلم (2500) متفق عليه].

 

6- عن جابر بن عبد اللّه- رضي اللّه عنهما- قال: إنّا يوم الخندق نحفر فعرضت كدية شديدة فجاءوا النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فقالوا: هذه كدية عرضت في الخندق فقال: «أنا نازل» ثمّ قام وبطنه معصوب بحجر ولبثنا ثلاثة أيّام لا نذوق ذواقا فأخذ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم المعول فضرب في الكدية فعاد كثيبا أهيل أو أهيم فقلت: يا رسول اللّه ائذن لي إلى البيت، فقلت لامرأتي: رأيت في النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم شيئا ما كان في ذلك صبر فعندك شيء؟ فقالت: عندي شعير وعناق فذبحت العناق وطحنت الشّعير حتّى جعلنا اللّحم بالبرمة. ثمّ جئت النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم والعجين قد انكسر والبرمة بين الأثافيّ قد كادت أن تنضج. فقلت: طعيّم لي فقم أنت يا رسول اللّه ورجل أو رجلان. قال: «كم هو؟» فذكرت له فقال: «كثير طيّب» قال: «قل لها لا تنزع البرمة ولا الخبز من التّنّور حتّى آتي، فقال: «قوموا». فقام المهاجرون والأنصار فلمّا دخل على امرأته. قال: ويحك جاء النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم بالمهاجرين والأنصار ومن معهم، قالت: هل سألك؟ قلت: نعم. فقال: «ادخلوا ولا تضاغطوا». فجعل يكسر الخبز ويجعل عليه اللّحم ويخمّر البرمة والتّنّور إذا أخذ منه، ويقرّب إلى أصحابه ثمّ ينزع فلم يزل يكسر الخبز ويغرف حتّى شبعوا وبقي بقيّة. قال: «كلي هذا وأهدي فإنّ النّاس أصابتهم مجاعة» [البخاري ( 7/4101)].

 

7- عن أنس بن مالك- رضي اللّه عنه- قال: قدم عبد الرّحمن بن عوف فآخى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم بينه وبين سعد بن الرّبيع الأنصاريّ وعند الأنصاريّ امرأتان فعرض عليه أن يناصفه أهله وماله، فقال: بارك اللّه لك في أهلك ومالك دلّوني على السّوق، فأتى السّوق فربح شيئا من أقط وشيئا من سمن فرآه النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم بعد أيّام وعليه وضر من صفرة، فقال: مهيم يا عبد الرّحمن ؟ فقال: تزوّجت أنصاريّة. قال: «فما سقت؟». قال: وزن نواة من ذهب قال: «أو لم ولو بشاة» [البخاري- الفتح 9 (5072) واللفظ له، ومسلم (1427)].

 

8- عن أنس بن مالك- رضي اللّه عنه- قال: كان أبو طلحة أكثر الأنصار بالمدينة مالا من نخل- وكان أحبّ أمواله إليه بيرحاء، وكانت مستقبلة المسجد، وكان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يدخلها ويشرب من ماء فيها طيّب. قال أنس: فلمّا أنزلت هذه الآية: (لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ) [آل عمران: 92] قام أبو طلحة إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقال: يا رسول اللّه، إنّ اللّه تبارك وتعالى يقول لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وإنّ أحبّ أموالي إليّ بيرحاء، وإنّها صدقة للّه أرجو برّها وذخرها عند اللّه، فضعها يا رسول اللّه حيث أراك اللّه. قال: فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «بخ ذلك مال رابح. ذلك مال رابح، وقد سمعت ما قلت، وإنّي أرى أن تجعلها في الأقربين». فقال أبو طلحة: أفعل يا رسول اللّه. فقسمها أبو طلحة في أقاربه وبني عمّه [البخاري- الفتح 3 (1461) واللفظ له، ومسلم (998)].

الاثار

1- عن عائشة رضي الله عنها قالت: دخلت امرأة معها ابنتان لها تسأل فلم تجد عندي شيئا غير تمرة فأعطيتها إياها، فقسمتها بين ابنتيها ولم تأكل منها ثم قامت فخرجت، فدخل النبي صلى الله عليه وسلم علينا فأخبرته، فقال: «من ابتلي من هذه البنات بشيء كن له سترا من النار » [صحيح البخاري الزكاة (1418)، صحيح مسلم البر والصلة والآداب (2629)، سنن الترمذي البر والصلة (1915)، مسند أحمد بن حنبل (6/ 88) ] .

 

2- عن إبراهيم بن سعد عن أبيه عن جده قال: لما قدموا المدينة آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين عبد الرحمن بن عوف وسعد بن الربيع، فقال لعبد الرحمن: إني أكثر الأنصار مالا فأقسم مالي نصفين، ولي امرأتان فانظر أعجبهما إليك فسمها لي أطلقها، فإذا انقضت عدتها فتزوجها. قال: بارك الله لك في أهلك ومالك، أين سوقك؟ فدلوه على سوق بني قينقاع فما انقلب إلا ومعه فضل من أقط وسمن ثم تابع الغدو ثم جاء يوما وبه أثر صفرة فقال النبي صلى الله عليه وسلم «مهيم؟ قال تزوجت قال: كم سقت إليها قال نواة من ذهب أو وزن نواة» [صحيح البخاري المناقب (3780) ] .

 

3- عن قيس رضي الله عنه قال: رأيت يد طلحة رضي الله عنه شلاء وقى بها النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد .

 

4- عن أنس رضي الله عنه قال: لما كان يوم أحد انهزم الناس عن النبي صلى الله عليه وسلم وأبو طلحة بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم مجوب عليه بحجفة له، وكان أبو طلحة رجلا راميا شديد النزع كسر يومئذ قوسين أو ثلاثا، وكان الرجل يمر معه بجعبة من النبل فيقول: انثرها لأبي طلحة قال: ويشرف النبي صلى الله عليه وسلم ينظر إلى القوم، فيقول أبو طلحة: بأبي أنت وأمي لا تشرف يصبك سهم من سهام القوم، نحري دون نحرك، ولقد رأيت عائشة بنت أبي بكر وأم سليم وأنهما لمشمرتان أرى خدم سوقهما تنقزان القرب على متونهما تفرغانه في أفواه القوم، ثم ترجعان فتملآنها ثم تجيئان فتفرغانه في أفواه القوم، ولقد وقع السيف من يد أبي طلحة إما مرتين أو ثلاثا [صحيح البخاري ص 253 ـ 254 ج7] .

 

5- عن علي رضي الله عنه قال: ما سمعت النبي صلى الله عليه وسلم جمع أبويه لأحد إلا لسعد بن مالك فإني سمعته يقول يوم أحد: «يا سعد ارم فداك أبي وأمي » [صحيح البخاري المغازي (4059)، صحيح مسلم فضائل الصحابة (2411)، سنن الترمذي الأدب (2829)، سنن ابن ماجه المقدمة (129)، مسند أحمد بن حنبل (1/ 92) ] .

 

6- عن أبي هريرة- رضي الله عنه-: أنّ رجلا أتى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فبعث إلى نسائه فقلن: ما معنا إلّا الماء. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: من يضمّ- أو يضيف- هذا؟ فقال رجل من الأنصار: أنا. فانطلق به إلى امرأته فقال: أكرمي ضيف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقالت: ما عندنا إلّا قوت صبياني. فقال: هيّئي طعامك وأصبحي سراجك ونوّمي صبيانك إذا أرادوا عشاء، فهيّأت طعامها وأصبحت سراجها ونوّمت صبيانها، ثمّ قامت كأنّها تصلح سراجها فأطفأته فجعلا يريانه أنّهما يأكلان فباتا طاويين فلمّا أصبح غدا إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: ضحك الله اللّيلة- أو عجب من فعالكما- فأنزل الله (وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) [الحشر:9]، [رواه البخاري (3798)] .

 

7- يقول حذيفة العدويّ، انطلقت يوم اليرموك أطلب ابن عمّ لي ومعي شيء من ماء وأنا أقول: إن كان به رمق سقيته ومسحت به وجهه، فإذا أنا به، فقلت: أسقيك؟ فأشار إليّ أن نعم. فإذا رجل يقول آه. فأشار ابن عمّي إليّ أن انطلق به إليه فجئته فإذا هو هشام بن العاص فقلت: أسقيك؟ فسمع به آخر فقال: آه. فأشار هشام: انطلق به إليه فجئته فإذا هو قد مات. فرجعت إلى هشام فإذا هو قد مات، فرجعت إلى ابن عمّي فإذا هو قد مات. رحمة الله عليهم أجمعين .

 

8- لما طعن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنهما قال لابنه عبدالله: (اذهب إلى أمّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها- فقل: يقرأ عمر بن الخطّاب عليك السّلام، ثمّ سلها أن أدفن مع صاحبيّ. قالت كنت أريده لنفسي فلأوثرنّه اليوم على نفسي. فلمّا أقبل قال له: ما لديك؟ قال: أذنت لك يا أمير المؤمنين. قال: ما كان شيء أهمّ إليّ من ذلك المضجع فإذا قبضت فاحملوني، ثمّ سلّموا ثمّ قل: يستأذن عمر ابن الخطّاب فإن أذنت لي فادفنوني، وإلّا فردّوني إلى مقابر المسلمين [رواه البخاري (1392) من حديث عمرو بن ميمون رحمه الله] .

 

9- أخذ عمر بن الخطّاب رضي الله عنه أربعمائة دينار، فجعلها في صرّة، ثمّ قال للغلام: اذهب بها إلى أبي عبيدة بن الجرّاح، ثمّ تلكّأ ساعة في البيت حتّى تنظر ماذا يصنع بها. فذهب بها الغلام إليه فقال: يقول لك أمير المؤمنين: اجعل هذه في بعض حاجتك، فقال: وصله الله ورحمه، ثمّ قال: تعالي يا جارية اذهبي بهذه السّبعة إلى فلان، وبهذه الخمسة إلى فلان، حتّى أنفدها. فرجع الغلام إلى عمر، فأخبره فوجده قد أعدّ مثلها لمعاذ بن جبل. وقال: اذهب بهذا إلى معاذ بن جبل، وتلكّأ في البيت ساعة حتّى تنظر ماذا يصنع، فذهب بها إليه فقال: يقول لك أمير المؤمنين: اجعل هذه في بعض حاجتك، فقال: رحمه الله ووصله، وقال: يا جارية، اذهبي إلى بيت فلان بكذا وبيت فلان بكذا، فاطّلعت امرأة معاذ فقالت: ونحن والله مساكين فأعطنا. ولم يبق في الخرقة إلّا ديناران فنحا بهما إليها. فرجع الغلام إلى عمر فأخبره فسرّ بذلك عمر وقال: إنّهم إخوة! بعضهم من بعض [رواه ابن المبارك في (الزهد) (1/ 178)، وأبو نعيم في (الحلية) (1/ 237)، وابن عساكر في (تاريخ دمشق) (58/ 436) من حديث مالك الدار. قال المنذري في (الترغيب والترهيب) (2/ 83): رواته إلى مالك الدار ثقات مشهورون ومالك الدار لا أعرفه. وقال الهيثمي في (مجمع الزوائد) (3/ 127): [فيه] مالك الدار لم أعرفه وبقيه رجاله ثقات. وقال الألباني في (صحيح الترغيب) (926): حسن موقوف] .

 

10- عن أبي الحسن الأنطاكيّ: أنّه اجتمع عنده نيّف وثلاثون رجلا بقرية من قرى الرّيّ، ومعهم أرغفة معدودة لا تشبع جميعهم، فكسروا الرّغفان، وأطفئوا السّراج، وجلسوا للطّعام، فلمّا رفع فإذا الطّعام بحاله لم يأكل منه أحد شيئا، إيثارا لصاحبه على نفسه [موسوعة الأخلاق الإسلامية إعداد: مجموعة من الباحثين بإشراف الشيخ عَلوي بن عبد القادر السقاف الناشر: موقع الدرر السنية على الإنترنت dorar.net (1/113) ] .

القصص

1- قال ابن الأعرابي : استشهد باليرموك عكرمة بن أبي جهل وسهيل بن عمرو والحارث بن هشام وجماعة من بني المغيرة فأتوا بماء وهم صرعى فتدافعوه حتى ماتوا ولم يذوقوه. قال : أتي عكرمة بالماء فنظر إلى سهيل بن عمرو ينظر إليه فقال : ابدؤوا بذا فنظر سهيل إلى الحارث بن هشام ينظر إليه فقال : ابدؤوا بهذا فماتوا كلهم قبل أن يشربوا فمر بهم خالد بن الوليد فقال : بنفسي أنتم [مختصر تاريخ دمشق المؤلف : ابن منظور (1/1428)].

 

2- أخذ عمر بن الخطاب رضي الله عنه أربعمائة دينار، فجعلها في صرة ثم قال لغلامه: اذهب بها إلى أبي عبيدة بن الجراح ثم تَشَاغَلْ في البيت ساعة حتى تنظر ما يصنع، فذهب بها الغلام إليه.. فقال: يقول لك أمير المؤمنين: اجعل هذه في بعض حاجتك، فقال أبو عبيدة: وصل الله عمر ورحمه، ثم قال: تعاليْ يا جارية، اذهبي بهذه السبعة إلى فلان، وبهذه الخمسة إلى فلان، وبهذه الخمسة إلى فلان.. حتى أنفذها، ورجع الغلام إلى عمر فأخبره، فوجده قد أعد مثلها لمعاذ بن جبل، فقال: اذهب بها إلى معاذ وتشاغل في البيت حتى تنظر ماذا يصنع، فذهب بها إليه، فقال: يقول لك أمير المؤمنين: اجعل هذه في حاجتك، فقال: رحمه الله ووصله، تعاليْ يا جاريه، اذهبي إلى بيت فلان بكذا، اذهبي إلى بيت فلان بكذا.. فاطلعت امرأة هي امرأة معاذ وقالت: نحن والله مساكين فأعطنا، فلم يبق في الخرقة إلا ديناران فرمى بهما إليها، ورجع الغلام إلى عمر فأخبره، فسرّ بذلك فقال: "إنهم إخوة بعضهم من بعض [معجم الطبراني الكبير وانظر مجلة مجمع الفقه الإسلامي (2/21880)].

 

3- قال شقيق بن إبراهيم البلخى قال لي إبراهيم بن أدهم: أخبرني عما أنت عليه؟ قلت: إن رُزقت أكلتُ، وإن مُنعتُ صبرتُ، قال: هكذا تعمل كلاب بلخ، فقلت: كيف تعمل أنت؟ قال: إن رزقت آثرتُ، وإن منعت شكرتُ [المستطرف في كل فن مستظرف - شهاب الدين محمد بن أحمد أبي الفتح الأبشيهي الناشر : دار الكتب العلمية – بيروت الطبعة الثانية ، 1986 تحقيق : د.مفيد محمد قميحة (1/160)].

 

4- اشتهى بعض الصالحين من السلف طعاماً، وكان صائماً، فوضع بين يديه عند فطوره، فسمع سائلا يقول: من يقرض الملي الوفي الغني؟ فقال: عبده المعدم من الحسنات. فقام فأخذ الصحفة فخرج بها إليه، وبات طاوياً. وجاء سائل إلى الإمام أحمد، فدفع إليه رغيفين كان يعدهما لفطره، ثم طوى وأصبح صائماً [المصدر السابق نفس الصفحة].

 

5 - عن الواقدي، أن سليمان بن بلال أخبره، قال: خرج يحيى بن سعيد إلى إفريقية في ميراث له، فطلب له ربيعة بن أبي عبد الرحمن البريد، فركبه إلى إفريقية، فقدم بذلك الميراث، وهو خمس مائة دينار. فأتاه الناس يسلمون عليه، وأتاه ربيعة أغلق الباب عليهما، ودعا بمنطقته، فصيرها بين يدي ربيعة، وقال: يا أبا عثمان، والله ما غيبت منها دينارا إلا ما أنفقناه في الطريق. ثم عد مائتين وخمسين دينارا، فدفعها إلى ربيعة، وأخذ هو مثلها قاسمه [سير أعلام النبلاء - شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد الذَهَبي المحقق : مجموعة محققين بإشراف شعيب الأرناؤوط (10/83)].

 

6- قال جاء فضيل بن مرزوق وكان من أئمة الهدى زهدا وفضلا إلى الحسن بن صالح بن حي وكان جاره فكان لا يأتيه ولا يعلمه أنه ليس عنده شيء إلا عن ضيق شديد فيأتيه فيخبره فأتاه ذات يوم فأخبره أنه ليس عنده شيء فقام الحسن بن صالح وأخرج ستة دراهم وأخبره أنه ليس عنده غيرها فقال فضيل سبحان الله ليس عندك غيرها وأنا آخذها وأبى الحسن إلا أن يأخذها كلها وأبى فضيل حتى ناصفه فأخذ ثلاثة وترك ثلاثة [الزيادات في كتاب الجود والسخاء - سليمان بن أحمد بن أيوب بن مطير اللخمي الشامي، أبو القاسم الطبراني المحقق: عامر حسن صبري الناشر: دار البشائر الإسلامية الطبعة: الأولى، 1423ه - 2003م (1/266)].

 

7- عن الواقدي قال: أضقت مرة، وأنا مع يحيى بن خالد، وحَضَر عيد، فجاءتني الجارية فقالت: ليس عندنا من آلة العيد شيء، فمضيت إلى تاجر صديق لي ليقرضني، فأخرج إلي كيساً مختوماً فيه ألف دينار، ومائتا درهم، فأخذْته، فما استقررت في منزلي حتى جاءني صديق لي هاشمي، فشكا إلي تأخر غلته وحاجته إلى القرض، فدخلت إلى زوجتي، فأخبرتها، فقال: على أي شيء عزمت؟ قلت: على أن أقاسمه الكيس، قالت: ما صنعت شيئاً، أتيت رجلاً سوقة، فأعطاك ألفاً ومائتي درهم، وجاءك رجل من آل رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، تعطيه نصف ما أعطاك السوقة؟! فأخرجتُ الكيس كله إليه فمضى، فذهب صديقي التاجر على الهاشمي -وكان صاحبه- فسأله القرض، فأخرج الهاشمي إليه الكيس بعينه فعرفه التاجر، وانصرف إلي، فحدثني بالأمر. قال: وجاءني رسول يحيى يقول: إنما تأخر رسولنا عنك لشغلي، فركبت إليه، فأخبرته أمر الكيس، فقال: يا غُلام هات تلك الدنانير، فجاءه بعشرة آلاف دينار، فقال: خذ ألفي دينار لك، وألفي دينار للتاجر، وألفين للهاشمي، وأربعة آلاف لزوجتك، فإنها أكرمكم [سير أعلام النبلاء - شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد الذَهَبي المحقق : مجموعة محققين بإشراف شعيب الأرناؤوط (17/492)].

 

8- قال الخلال: حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، قال: قال أبو سيعد بن أبي حنيفة المؤدب: كنت آتي أباك فيدفع إلي الثلاثة دراهم وأقل وأكثر ويقعد معي، فيتحدث، وربما أعطاني الشيء، ويقول: أعطيتك نصف ما عندنا. فجئت يوماً، فأطلت القعود أنا وهو. قال: ثم خرج ومعه تحت كسائه أربعة أرغفة. فقال: هذا نصف ما عندنا. فقلت: هي أحب إلي من أربعة آلاف من غيرك [المصدر السابق (21/260)].

 

9- جاءه أبو سعيد الضرير، وكان قال قصيدة في ابن أبي دؤاد، فشكا إلى أبي عبد الله أحمد بن حنبل فقال: يا أبا سعيد، ما عندنا إلا هذا الجذع. فجيء بحمال، قال: فبعته بتسعة دراهم ودانقين. وكان أبو عبد الله شديد الحياء، كريم الأخلاق، يعجبه السخاء [المصدر السابق (21/261260)].

 

10- قال المروذي: سمعت أبا الفوارس ساكنَ أبي عبد الله، يقول: قال لي أبو عبد الله: يا محمد، ألقى الصبي المقراض في البئر، فنزلت فأخرجته، فكتب لي إلى البال: أعطه نصف درهم. قلت: هذا لا يسوى قيراط، والله لا أخذته. قال: فلما كان بعد دعاني، فقال: هذا لا يسوى قيراط، والله لا أخذته. قال: فلما كان بعد، دعاني، فقال: كم عليك من الكراء؟ قلت ثلاثة أشهر. قال: أنت في حل. ثم قال أبو بكر الخلال: فاعتبروا يا أولي الألباب والعلم، هل تجدون أحداً بلغكم عنه هذه الأخلاق؟ ![المصدر السابق (21/261260)].

الاشعار

1- قال أبو خراش الهذلي:

أَرُدُّ شُجَاعَ الجُوعِ قَدْ تَعْلَمِينَهُ *** وَأُوثِرُ غَيْرِي مِنْ عِيالِكِ بِالطُّعْمِ

[المذاكرة في ألقاب الشعراء - النشابي الإربلي (1/33)].

 

2- قال دريد بن الصِمَّة:

تَرَاهُ خَمِيصَ البَطْنِ وَالزَّادُ حَاضِرٌ *** عَتِيدٌ وَيَغْدُو فِي الْقَمِيصِ الْمُقَدَّرِ

وَإِنْ مَسَّهُ الإقْوَاءُ وَالْجَهْدُ زَادَهُ *** سَمَاحًا وَإِتْلافًا لِمَا كَانَ فِي الْيَدِ

[ديوان الحماسة (1/339)].

 

3- رحم الله من قال:

وتركي مواساة الأخلاء بالذي *** تنال يدي ظلم لهم وعقوق

وإني لأستحيي من الله أن أرى *** بحال اتساع والصديق مضيق

[موسوعة الأخلاق الإسلامية لخالد بن جمعة الخراز (ص 388)].

الدراسات

متفرقات

1- قال ابن القيم:.. فالإيثار ضد الشح؛ فإن المؤثر على نفسه تارك لما هو محتاج إليه والشحيح، حريص على ما ليس بيده، فإذا حصل بيده شيء شح عليه، وبخل بإخراجه؛ فالبخل ثمرة الشح، والشح يأمر بالبخل [مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين الناشر : دار الكتاب العربي – بيروت الطبعة الثانية ، 1393 – 1973 تحقيق : محمد حامد الفقي (2/291)].

 

2- قال ابن القيّم- رحمه اللّه-: الإيثار على درجات: الأولى: أن تؤثر الخلق على نفسك فيما لا يخرم عليك دينا، ولا يقطع عليك طريقا، ولا يفسد عليك وقتا. يعني أن تقدّمهم على نفسك في مصالحهم، مثل أن تطعمهم وتجوع، وتكسوهم وتعرى، وتسقيهم وتظمأ، بحيث لا يؤدّي ذلك إلى ارتكاب إتلاف لا يجوز في الدّين. وكلّ سبب يعود عليك بصلاح قلبك ووقتك وحالك مع اللّه فلا تؤثر به أحدا، فإن آثرت به فإنّما تؤثر الشّيطان على اللّه وأنت لا تعلم. الثّانية: إيثار رضا اللّه على رضا غيره وإن عظمت فيه المحن وثقلت فيه المؤن وضعف عنه الطّول والبدن وإيثار رضا اللّه- عزّ وجلّ- على غيره: هو أن يريد ويفعل ما فيه مرضاته، ولو أغضب الخلق وهي درجة الأنبياء. وأعلاها للرّسل عليهم صلوات اللّه وسلامه. وأعلاها لأولي العزم منهم وأعلاها لنبيّنا صلّى اللّه عليه وسلّم وعليهم؛ فإنّه قاوم العالم كلّه، وتجرّد للدّعوة إلى اللّه، واحتمل عداوة البعيد والقريب في اللّه تعالى، وآثر رضا اللّه على رضا الخلق من كلّ وجه، ولم يأخذه في إيثار رضاه لومة لائم بل كان همّه وعزمه وسعيه كلّه مقصورا على إيثار مرضاة اللّه وتبليغ رسالاته، وإعلاء كلماته، وجهاد أعدائه؛ حتّى ظهر دين اللّه على كلّ دين وقامت حجّته على العالمين وتمّت نعمته على المؤمنين، فبلّغ الرّسالة، وأدّى الأمانة ونصح الأمّة، وجاهد في اللّه حقّ جهاده وعبد اللّه حتّى أتاه اليقين من ربّه فلم ينل أحد من درجة هذا الإيثار ما نال- صلوات اللّه وسلامه عليه. هذا وقد جرت سنّة اللّه- الّتي لا تبديل لها- أنّ من آثر مرضاة الخلق على مرضاته: أن يسخط عليه من آثر رضاه، ويخذله من جهته، ويجعل محنته على يديه، فيعود حامده ذامّا، ومن آثر مرضاته ساخطا، فلا على مقصوده منهم حصل، ولا إلى ثواب مرضاة ربّه وصل. وهذا أعجز الخلق وأحمقهم. قال الشّافعيّ- رحمه اللّه-: رضا النّاس غاية لا تدرك فعليك بما فيه صلاح نفسك فالزمه. ومعلوم أن لا صلاح للنّفس إلّا بإيثار رضا ربّها ومولاها على غيره، ولقد أحسن من قال:

فليتك تحلو والحياة مريرة *** وليتك ترضى والأنام غضاب

وليت الّذي بيني وبينك عامر *** وبيني وبين العالمين خراب

إذا صحّ منك الودّ فالكلّ هيّن *** وكلّ الّذي فوق التّراب تراب

الثّالثة: أن تنسب إيثارك إلى اللّه دون نفسك، وأنّه هو الّذي تفرّد بالإيثار لا أنت، فكأنّك سلّمت الإيثار إليه، فإذا آثرت غيرك بشيء؛ فإنّ الّذي آثره هو الحقّ لا أنت فهو المؤثر على الحقيقة، إذ هو المعطي حقيقة الأسباب التي تعين على الإيثار:

(1) تعظيم الحقوق: فإن عظمت الحقوق عنده، قام بواجبها ورعاها حقّ رعايتها واستعظم إضاعتها، وعلم أنّه إن لم يبلغ درجة الإيثار لم يؤدّها كما ينبغي فيجعل إيثاره احتياطا لأدائها.

(2) مقت الشّحّ: فإنّه إذا مقته وأبغضه التزم الإيثار؛ فإنّه يرى أنّه لا خلاص له من هذا المقت البغيض إلّا بالإيثار.

(3) الرّغبة في مكارم الأخلاق: وبحسب رغبته فيها يكون إيثاره؛ لأنّ الإيثار أفضل درجات مكارم الأخلاق [مدارج السالكين لابن القيم (3/ 303)- 304) بتصرف].

 

3- قال الغزاليّ: والإيثار أعلى درجات السّخاء [إحياء علوم الدين للعزالي (3/ 258)].

 

4- للإيثار فوائد عظيمة وثمار جليلة يجنيها أصحاب هذا الخلق العظيم منها:

1. دخولهم فيمن أثنى الله عليهم من أهل الإيثار، وجعلهم من المفلحين.

2. الإيثار طريق إلى محبة الله تبارك وتعالى والتعرض لمحبته. 

3. تحقيق الكمال الإيماني, فالإيثار دليل عليه وثمرة من ثماره فقد قال المصطفى صلى الله عليه وسلم: «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه» [رواه البخاري (13)، ومسلم (45) من حديث أنس رضي الله عنه] والنفي هنا لا يقصد به نفي الأصل وإنما نفي الكمال كما هو مقرر عند أهل العلم, وعليه يفهم من الحديث أن من أحب لأخيه ما يحب لنفسه تحقق فيه الإيمان الكامل.

4. ومن أعظم الثمار والفوائد أن التحلي بخلق الإيثار فيه اقتداء بالحبيب محمد صلى الله عليه وسلم.

5. أن المؤثر يجني ثمار إيثاره في الدنيا قبل الآخرة وذلك بمحبة الناس له وثناؤهم عليه, كما أنه يجني ثمار إيثاره بعد موته بحسن الأحدوثة وجمال الذكر فيكون بذلك قد أضاف عمراً إلى عمره.

6. الإيثار يقود المرء إلى غيره من الأخلاق الحسنة والخلال الحميدة كالرحمة وحب الغير والسعي لنفع الناس, كما أنه يقوده إلى ترك جملة من الأخلاق السيئة والخلال الذميمة كالبخل وحب النفس والأثرة والطمع وغير ذلك.

7. وهو جالب للبركة في الطعام والمال والممتلكات.

8. وجود الإيثار في المجتمع دليل على وجود حس التعاون والتكافل والمودة, وفقده من المجتمع دليل على خلوه من هذه الركائز المهمة في بناء مجتمعات مؤمنة قوية ومتكاتفة.

9. بالإيثار تحصل الكفاية الاقتصادية والمادية في المجتمع فطعام الواحد يكفي الاثنين وطعام الاثنين يكفي الثلاثة, والبيت الكبير الذي تستأثر به أسرة واحدة مع سعته يكفي أكثر من أسرة ليس لها بيوت تؤويها وهكذا [موسوعة الأخلاق الإسلامية إعداد: مجموعة من الباحثين بإشراف الشيخ عَلوي بن عبد القادر السقاف (1/104)].

 

5- ذكر الإمام الهروي رحمه الله في كتابه منازل السائرين أن للإيثار ثلاثة درجات: - الدرجة الأولى: أن تؤثر الخلق على نفسك فيما لا يحرم عليك دينا ولا يقطع عليك طريقا ولا يفسد عليك وقتا [منازل السائرين لعبدالله الأنصاري الهروي (ص57)].

قال ابن القيم رحمه الله في شرحه لهذه الدرجة: يعني: أن تقدمهم على نفسك في مصالحهم مثل أن تطعمهم وتجوع وتكسوهم وتعرى وتسقيهم وتظمأ بحيث لا يؤدي ذلك إلى ارتكاب إتلاف لا يجوز في الدين [مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين لابن القيم (2/ 297)]. - الدرجة الثانية: إيثار رضى الله تعالى على رضى غيره وإن عظمت فيه المحن وثقلت به المؤن وضعفت عنه الطول والبدن [منازل السائرين لعبدالله الأنصاري الهروي (ص58)].

قال ابن القيم رحمه الله: هو أن يريد ويفعل ما فيه مرضاته ولو أغضب الخلق وهي درجة الأنبياء وأعلاها للرسل عليهم صلوات الله وسلامه وأعلاها لأولي العزم منهم وأعلاها لنبينا صلى الله عليه وسلم [مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين لابن القيم (2/ 299)]. - الدرجة الثالثة: إيثار إيثار الله تعالى فإن الخوض في الإيثار دعوى في الملك ثم ترك شهود رؤيتك إيثار الله ثم غيبتك عن الترك [منازل السائرين لعبدالله الأنصاري الهروي (ص58)].

قال الإمام ابن القيم رحمه الله: يعني بإيثار إيثار الله: أن تنسب إيثارك إلى الله دون نفسك وأنه هو الذي تفرد بالإيثار لا أنت فكأنك سلمت الإيثار إليه فإذا آثرت غيرك بشيء فإن الذي آثره هو الحق لا أنت فهو المؤثر حقيقة.... وقوله: ثم ترك شهود رؤيتك إيثار الله يعني أنك إذا آثرت إيثار الله بتسليمك معنى الإيثار إليه: بقيت عليك من نفسك بقية أخرى لابد من الخروج عنها وهي أن تعرض عن شهودك رؤيتك أنك آثرت الحق بإيثارك وأنك نسبت الإيثار إليه لا إليك... وقوله: ثم غيبتك عن الترك يريد: أنك إذا نزلت هذا الشهود وهذه الرؤية: بقيت عليك بقية أخرى وهي رؤيتك لهذا الترك المتضمنة لدعوى ملكك للترك وهي دعوى كاذبة إذ ليس للعبد شيء من الأمر ولا بيده فعل ولا ترك وإنما الأمر كله لله [مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين لابن القيم (2/ 302)].

التحليلات

الإحالات

1- مجلة البحوث الإسلامية - مجلة دورية تصدر عن الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد المؤلف: الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد عدد الأجزاء: 95 جزءا ( 14/42 -55، 87/369) .

2- مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين المؤلف : محمد بن أبي بكر أيوب الزرعي أبو عبد الله الناشر : دار الكتاب العربي – بيروت الطبعة الثانية ، 1393 – 1973 تحقيق : محمد حامد الفقي (ص 291 ـ 304 ج2 ) .

3- موسوعة الأخلاق الإسلامية إعداد: مجموعة من الباحثين بإشراف الشيخ عَلوي بن عبد القادر السقاف الناشر: موقع الدرر السنية على الإنترنت

dorar.net (1/103) . 4- فصل الخطاب في الزهد والرقائق والآداب المؤلف: محمد نصر الدين محمد عويضة عدد الأجزاء: 10(6/330 -348) .

5- موسوعة الأخلاق والزهد والرقائق (قصص تربوية من حياة الأنبياء والصحابة والتابعين والصالحين) المؤلف: ياسر عبد الرحمن الناشر: مؤسسة اقرأ للنشر والتوزيع والترجمة، القاهرة الطبعة: الأولى، 1428 هـ - 2007 م عدد الأجزاء: 2(1/261) .

6- شخصية المسلم كما يصوغها الإسلام في الكتاب والسنة المؤلف: الدكتور محمد علي الهاشمي الناشر: دار البشائر الإسلامية الطبعة: العاشرة، 1423هـ - 2002م (1/290) .

7- موسوعة فقه القلوب المؤلف: محمد بن إبراهيم بن عبد الله التويجري الناشر: بيت الأفكار الدولية (3/2656) .

8- صحيح ابن حبان بترتيب ابن بلبان المؤلف: محمد بن حبان بن أحمد بن حبان بن معاذ بن مَعْبدَ، التميمي، أبو حاتم، الدارمي، البُستي (المتوفى: 354هـ) المحقق: شعيب الأرنؤوط الناشر: مؤسسة الرسالة – بيروت الطبعة: الثانية، 1414 – 1993 - ذكر ما يستحب للمرء إيثار الأضياف على إشباع عياله إذا علم أن ذلك لا يضرهم ، (2/175- 177) .