انقياد

2022-10-08 - 1444/03/12

التعريف

الانقياد: الخضوع.

تقول: قدته فانقاد واستقاد لي إذا أعطاك مقادته. انقاد، خضع.

انقادَ لـ ينقاد، انْقَدْ، انقيادًا، فهو مُنْقَاد، والمفعول مُنْقَاد له

انقاد الطَّريقُ: سهُل واستقام سَهْل الانقياد: متبعٌ للتعليمات ومطيعٌ للأوامر.

انقاد للهَوى: مُطاوع قادَ: لان وضَعُفَ أمامه، أو أذعن واستسلم له، خضع وذلَّ "هو ينقاد بسهولة- انقاد لميوله/ لأوامر الآخرين-

انقاد السجينُ لأوامر الحارس"? الرَّأي العامّ المُنقاد: الرَّأي الذي تمثّله الأكثريّة السّاحقة من جمهور الأمِّيِّين وغيرهم من الذين نالوا قدرًا ضئيلاً من الثقافة، وهؤلاء يُؤمنون بكلّ ما يُشاع أو يُنشر ولا يحاولون التفكير فيما يحتويه من صواب أو خطأ أو حقّ أو باطل.

[ انظر تكملة المعاجم العربية المؤلف: رينهارت بيتر آن دُوزِي (المتوفى: 1300هـ) نقله إلى العربية وعلق عليه: جـ 1 - 8: محمَّد سَليم النعَيمي جـ 9، 10: جمال الخياط الناشر: وزارة الثقافة والإعلام، الجمهورية العراقية الطبعة: الأولى، من 1979 - 2000 م عدد الأجزاء: 11وانظر أيضاً معجم اللغة العربية المعاصرة المؤلف: د أحمد مختار عبد الحميد عمر (المتوفى: 1424هـ) بمساعدة فريق عمل الناشر: عالم الكتب الطبعة: الأولى، 1429 هـ - 2008 م (3/1868].

العناصر

1- تعريف الانقياد.

2- أنواع الانفياد.

3- وجوب انقياد القلب وإذعانه وتصديقه الجازم، بالإيمان المجمل.

4- الفرق بين الانقياد لأمر الله الكوني والانقياد لأمر الله الشرعي.

5- انقياد القلب لله تعالى يسنلزم انقياد الجوارح.

6- الأثار المترتبة على الانقياد لله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم .

الايات

1- قَالَ الله تَعَالَى: (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً) [النساء: 65].
2- قال تعالى: (كِتَابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ لِتُنْذِرَ بِهِ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ) [الأعراف:2].
3- قَالَ تَعَالَى: (إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) [النور:51].

الاحاديث

1- عن أَبي هريرة رضي الله عنه، قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ عَلَى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: (للهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَو تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللهُ) [البقرة:283] اشْتَدَّ ذلِكَ عَلَى أصْحَابِ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم، فَأتَوا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم ثُمَّ بَرَكُوا عَلَى الرُّكَبِ، فَقَالُوا: أيْ رسولَ الله، كُلِّفْنَا مِنَ الأَعمَالِ مَا نُطِيقُ: الصَّلاةَ والجِهَادَ والصِّيامَ والصَّدَقَةَ، وَقَدْ أُنْزِلَتْ عَلَيْكَ هذِهِ الآيَةُ وَلا نُطيقُها. قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: "أتُرِيدُونَ أنْ تَقُولُوا كَمَا قَالَ أَهْلُ الكتَابَينِ مِنْ قَبْلِكُمْ: سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا؟ بَلْ قُولُوا سَمِعنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ المَصِيرُ" فَلَمَّا اقْتَرَأَهَا القومُ، وَذَلَّتْ بِهَا ألْسنَتُهُمْ أنْزَلَ اللهُ تَعَالَى في إثرِهَا: (آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ) [البقرة: 285] فَلَمَّا فَعَلُوا ذلِكَ نَسَخَهَا اللهُ تَعَالَى، فَأنزَلَ الله عز وجل: (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا) [البقرة:286] قَالَ: نَعَمْ (رَبَّنَا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا) قَالَ: نَعَمْ (رَبَّنَا وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِه) قَالَ: نَعَمْ (وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ) قَالَ: نَعَمْ. [رواه مسلم رقم (344)].

الاثار

1- قال ابن عباس رضي الله عنه: "أول شيء كتبه الله في اللوح المحفوظ : أنا الله لا إله إلا أنا، محمد رسولي، فمن استسلم لقضائي، وصبر على بلائي، وشكر نعمائي، كتبته صديقاً، وبعثته مع الصديقين، ومن لم يستسلم لقضائي، ولم يصبر على بلائي، ولم يشكر نعمائي، فليتخذ رباً سوائي" [تفسير القرطبي : (19/298)].

 

2- قال أبو الدرداء رضي الله عنه: "ذروة الإيمان أربع خصال الصبر للحكم والرضاء بالقدر والإخلاص للتوكل والاستسلام للرب" [كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال - علي بن حسام الدين المتقي الهندي الناشر : مؤسسة الرسالة - بيروت 1989 م رقم (69)].

 

3- قال ابن تيمية رحمه الله: "فمن الممتنع أن يكون الرجل مؤمناً إيماناً ثابتاً في قلبه، بأن الله فرض عليه الصلاة، والزكاة، والصيام، والحج، ويعيش دهره لا يسجد لله سجدة، ولا يصوم من رمضان، ولا يؤدي لله زكاة، ولا يحج إلى بيته، فهذا ممتنع، ولا يصدر هذا إلا مع نفاق في القلب، وزندقته لا مع إيمان صحيح، ولهذا إنما يصف – سبحانه – بالامتناع من السجود الكفّار كقوله – تعالى – (( يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ، خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ)" [مجموع الفتاوى (7/611)].

 

4- يقول إسحاق بن راهويه: "وقد أجمع العلماء أن من دفع شيئاً أنزله الله، وهو مع ذلك مقر بما أنزل الله، أنه كافر" [التمهيد لابن عبد البر ( 4 / 226 ) باختصار].

 

5- يقول ابن القيم: "إن قوله: ( فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ ) نكرة في سياق الشرط تعمّ كل ما تنازع فيه المؤمنون من مسائل الدين دقّه وجلّه، جليله وخفيه، ولو لم يكن في كتاب الله ورسوله، بيان حكم ما تنازعوا فيه، ولم يكن كافياً لم يأمر بالرد إليه، إذ من الممتنع أن يأمر – تعالى – بالرد عند التنازع إلى من لا يوجد عنده فصل النزاع. ومنها أنه جعل هذا الرد من موجبات الإيمان ولوازمه، فإذا انتفى هذا الرد من انتفى الإيمان، ضرورة انتفاء الملزوم لانتفاء لازمه، ولا سيما التلازم بين هذين الأمرين، فإنه من الطرفين، وكل منهما ينتفي بانتفاء الآخر، ثم أخبرهم أن هذا الرد خير لهم، وأن عاقبته أحسن عاقبة" [ أعلام الموقعين (1/49، 50)].

 

6- يقول ابن كثير: "فما حكم به كتاب الله وسنة رسوله، وشهد له بالصحة، فهو الحق، وما ذا بعد الحق إلا الضلال ؟ ولهذا قال -تعالى-: (إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) أي ردوا الخصومات والجهالات إلى كتاب الله وسنة رسوله، فتحاكموا إليهما فيما شجر بينكم، فدلّ على أن من لم يتحاكم في محل النزاع إلى الكتاب والسنة، ولا يرجع إليهما في ذلك، فليس مؤمناً بالله، ولا باليوم الآخر" [تفسير ابن كثير (3/209)].

 

7- يقول محمد رشيد رضا عند تفسيره لقوله -تعالى-: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللهُ): "والآية ناطقة بأن من صدّ، وأعرض عن حكم الله ورسوله عمداً، ولا سيما بعد دعوته إليه وتذكيره به، فإنه يكون منافقاً لا يعتدّ بما يزعمه من الإيمان، وما يدّعيه من الإسلام" [تفسير المنار (5/227)].

 

8- يقول ابن حزم رحمه الله - عند قوله تعالى: (اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ): "لما كان اليهود والنصارى يُحرّمون ما حرّم أحبارهم ورهبانهم، ويحلّون ما أحلّو، كانت هذه ربوبية صحيحة، وعبادة صحيحة، قد دانوا بها، وسمّى الله -تعالى- هذا العمل اتّخاذ أرباب من دون الله وعبادة،وهذا هو الشرك بلا خلاف" [الفصل (3/266)].

 

9- قال محمد رشيد رضا – في بيان معنى الشرك في الربوبية: "وهو إسناد الخلق، والتدبير إلى غير الله – تعالى – معه أو أن تؤخذ أحكام الدين في عبادة الله – تعالى – والتحليل والتحريم عن غيره، أي غير كتابه ووحيه الذي بلغه عنه رسله" [تفسير المنار (2/55)، وانظر : تفسير المنار (3/326)].

 

10- قال الشيخ السعدي: "فإن الربّ والإله هو الذي له الحكم القدري، والحكم الشرعي، والحكم الجزائي، وهو الذي يُؤلَّه ويُعبد وحده لا شريك له، ويُطاع طاعة مطلقة، فلا يعصى بحيث تكون الطاعات كلها تبعاً لطاعته" [القول السديد في مقاصد التوحيد - الشيخ عبد الرحمن بن ناصر بن سعدي دراسة وتحقيق: المرتضى الزين أحمد الناشر: مجموعة التحف النفائس الدولية الطبعة الثالثة (1/149)].

 

11- قال سيّد قطب في قوله -تعالى-: (وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللَّهِ ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ) [المائدة:43]: "فهي كبيرة مستنكرة أن يحكموا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فيحكم بشريعة الله، وعندهم -إلى جانب هذا- التوراة فيها شريعة الله، فيتطابق حكم رسول الله، -صلى الله عليه وسلم- وما عندهم في التوراة، مما جاء القرآن مصدقاً ومهيمناً عليه، ثم يتولون من بعد ذلك ويعرضون، سواءً كان التولي بعدم التزام الحكم، أو بعدم الرضا به. ولا يكتفي السياق بالاستنكار، ولكن يقرر الحكم الإسلامي في مثل هذا الموقف ( وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ)، فما يمكن أن يجتمع الإيمان، وعدم تحكيم شريعة الله، أو عدم الرضى بحكم هذه الشريعة، والذين يزعمون لأنفسهم، أو لغيرهم أنهم (مؤمنون) ثم هم لا يحكمون بشريعة الله في حياتهم، أو لا يرضون حكمها إذا طبق عليهم، إنّما يدّعون دعوى كاذبة، وإنّما يصطدمون بهذا النص القاطع (وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ)" [في ظلال القرآن (2/894،895)].

 

12- قال الشنقيطي: "الإشراك بالله في حكمه، والإشراك به في عبادته، كلها بمعنى واحد، لا فرق بينهما ألبتة، فالذي يتبع نظاماً غير نظام الله، وتشريعاً غير تشريع الله، كالذي يعبد الصنم، ويسجد للوثن، لا فرق بينهما ألبتة بوجه من الوجوه، فهما واحد، وكلاهما مشرك بالله" [الحاكمية في تفسير أضواء البيان لعبد الرحمن السديس ص 52، 53 باختصار، وانظر : أضواء البيان للشنقيطي (7/162)].

 

13- قال أيضاً: "ومن أصرح الأدلة في هذا أن الله -جل وعلا- في سورة النساء، بيّن أن من يريدون أن يتحاكمون إلى غير ما شرعه الله، يتعجّب من زعمهم أنهم مؤمنون، وما ذلك إلا لأن دعواهم الإيمان مع إرادة التحاكم إلى الطاغوت بالغة من الكذب ما يحصل منه، وذلك في قوله - تعالى - (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ) [النساء: 60]" [أضواء البيان (83/4)].

القصص

1- عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- قال: "سرنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى نزلنا واديا أفيح فذهب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقضي حاجته. فاتبعته بأداوة من ماء. فنظر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى إحداهما فأخذ بغصن من أغصانها. فقال: انقادي علي بإذن الله فانقادت معه كالبعير المخشوش مما بينهما، لأم بينهما (يعني جمعهما) فقال: التئما علي بإذن الله فالتأمتا"... وبعد أن انتهى من قضاء حاجته يقول جابر: فإذا أنا برسول الله - صلى الله عليه وسلم - مقبلا وإذا الشجرتان قد افترقتا فقامت كل واحدة منهما على ساق" [انظر صحيح مسلم كتاب الزهد والرقائق (4: 2306)].

الاشعار

1- قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه:

هوِّن عليك فإن الأمور *** بكفِّ الإله مقاديرها

فليس بآتيك منهيها *** ولا قاصر عنك مأمورها

[إعراب القرآن وبيانه - محيي الدين بن أحمد مصطفى درويش (المتوفى : 1403هـ) الناشر : دار الإرشاد للشئون الجامعية - حمص - سورية، (دار اليمامة - دمشق - بيروت)، ( دار ابن كثير - دمشق - بيروت) الطبعة : الرابعة، 1415 هـ (7/154)].

 

2- أنشد أبو الفوارس حنيف بن أحمد بن حنيف الطبري :

العبد ذو ضجر والرب ذو قدر *** والدهر ذو دول والرزق مقسوم

والخير أجمع في ما اختار خالقنا *** وفي اختيار سواه اللوم والشوم

[الكشف والبيان ـ موافق للمطبوع المؤلف: أبو إسحاق أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي النيسابوري دار النشر: دار إحياء التراث العربي- بيروت - لبنان - 1422 هـ الطبعة : الأولى تحقيق : الإمام أبي محمد بن عاشور مراجعة وتدقيق: الأستاذ نظير الساعدي (7/258)].

الدراسات

متفرقات

1- يقول الشيخ صالح المغامسي: أما إذعان القلوب لعلام الغيوب تبارك وتعالى فإن من دلائل إذعان القلوب لربها تبارك وتعالى أمور ثلاثة: أولها: الاستسلام لأمره والانقياد له، وثانيها: التواضع له تبارك وتعالى، وثالثها: خشيته جل وعلا في الغيب والشهادة. أما الاستسلام لأمر الله والانقياد له: فإن الله تبارك وتعالى ضرب لهذا الأمر مثلاً في القرآن في أبي الأنبياء وسيد الحنفاء إبراهيم عليه الصلاة والسلام، فقال تبارك وتعالى عنه: (وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ * إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ) [البقرة:130 - 131].

لم يتردد عليه الصلاة والسلام برهة واحدة ولم يسأل ربه كيف أسلم؟ وإلى من أتوجه؟ وعند من أدون اسمي؟ وعلام؟ وما الجزاء وعلام أذهب؟ وإلى من أغدو؟ (إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ) [البقرة:131]، وهذا الأثر القرآني الذي حكاه الله عن انقياد إبراهيم واستسلامه أيدته السنة كما روى البخاري في صحيحه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إن الله جل وعلا أمر إبراهيم أن يختتن»، فبادر إبراهيم عندما أمره الله أن يختتن بادر عليه الصلاة والسلام إلى القدوم ثم اختتن به. وقد ورد في بعض الآثار كما ذكر ذلك الكثير من شراح هذا الحديث: أن إبراهيم عليه الصلاة والسلام لما بادر إلى القدوم واختتن به أوجعه أشد الإيجاع، فأوحى الله تعالى إليه: «يا إبراهيم لم عجلت حتى يأتيك وحيي؟!

فقال: يا رب! خشيت أن أؤخر أمرك»، فما أن أمره الله جل وعلا بالأمر إلا وأذعن واستسلم له وانقاد إليه دون أن يتردد عليه الصلاة والسلام برهة واحدة في الإذعان لربه علام الغيوب جل جلاله. وهذا من أعظم الدلائل على ما فطر عليه إبراهيم عليه الصلاة والسلام من الاستسلام لله، بعد هذا لا غرو ولا عجب أن نسمع في القرآن ثناء الله تبارك وتعالى على إبراهيم ونسمع في القرآن أن الله جل وعلا أخبر: (إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) [النحل:120]، ونسمع من رسولنا صلى الله عليه وسلم: (أن إبراهيم أول من يكسى من الخلائق يوم القيامة)، فهذا الثناء العطر الذي أبقاه الله لإبراهيم في الآخرين، وما له عند الله جل وعلا يوم القيامة من منزلة عظيمة إنما نالها هذا العبد الصالح وهذا النبي التقي بإذعانه وانقياده واستسلامه لرب العالمين تبارك وتعالى. ومما يؤيد أن القلوب المؤمنة إنما تمتثل لأمر الله دون تردد أنه ورد في الآثار كما هو معلوم: أن الله جل وعلا خلق آدم من تراب قال الله تبارك وتعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنتَشِرُونَ) [الروم:20] 

ورد في الآثار مما جاء في تفسير هذه الآية الكريمة: أن الله جل وعلا لما أراد أن يخلق آدم من قبضة من الأرض بعث ملكاً من الملائكة ليقبض له قبضة من الأرض، فلما قدم هذا الملك إلى الأرض قالت له الأرض: أعوذ بالله منك، فقال: لقد عذت بعظيم! وعاد إلى ربه دون أن يقبض من الأرض شيئاً، فلما سأله ربه وهو أعلم بما صنع قال: يا رب! لقد استعاذت بك فأعذتها. فبعث الله ملكاً آخر فلما وصل إلى الأرض وهم أن يقبض منها قبضاً كما أمره الله، قالت له الأرض: أعوذ بالله منك، فرجع إلى ربه، فلما سأله ربه وهو أعلم، قال: يا رب! استعاذت بك فأعذتها، فبعث الله ملكاً ثالثاً: فلما هم بأن يقبض من الأرض قالت: أعوذ بالله منك، فقال لها: وأنا أعوذ بالله ألا أنفذ أمره، فأخذ قبضة من الأرض وعرج بها إلى السماء. والمقصود منه: الإذعان لأمر رب العالمين تبارك وتعالى. والذي ينبغي أن تفطر عليه قلوبنا وأفئدتنا وجوارحنا أن تستسلم لله وأمره، وأن تعظم ربها تبارك وتعالى، يحكي الله جل وعلا في القرآن عن تعظيم ملائكته له فيقول تبارك وتعالى عنهم: (وَلا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ) [سبأ:23]

قال بعض الأئمة في تفسيرها: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله إذا أراد أن يتكلم بالوحي أخذت السموات منه رجفة شديدة، فإذا سمع بذلك أهل السموات صعقوا، فيكون أول من يرفع رأسه جبرائيل عليه السلام، فإذا رفع رأسه أوحى الله إليه بالأمر بما شاء، فيمضي جبرائيل بالأمر على كل سماء، كلما مر على سماء سأله ملائكتها: ماذا قال ربنا يا جبريل؟! فيقول: قال الحق وهو العلي الكبير». والغاية من هذا كله يا أخي! أن تذعن قلوبنا لعلام الغيوب جل جلاله، فنسمع النداء: حي على الصلاة! حي على الفلاح! فنبادر إلى المسجدن كما تقول عائشة لما سئلت عن رسولنا صلى الله عليه وسلم: «ما كان يصنع في بيته؟ قالت: كان في مهنة أهله، فإذا سمع النداء مر كأنه لا يعرفنا»، أي: أنه يبادر ويسارع إلى الصلاة، نسمع أمر الله جل وعلا لنا بأن نذكره: (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ) [البقرة:152]، فلا نعرج على ألسنتنا بالقيل والقال، ولا بالغيبة في المسلمين، ولا بالنميمة بينهم، ولا نردد قول فلان وفلان! من أهل الفن أو من غيرهم، وإنما نذكر ربنا جل وعلا مبادرة ومسارعة؛ لأنه بذلك أمرنا تبارك وتعالى. يسمع أهل الثراء منا أمر الله جل وعلا بالإنفاق: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خُلَّةٌ وَلا شَفَاعَةٌ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ) [البقرة:254]فيبادرون إلى الإنفاق طمعاً فيما عند الله، وإذعاناً لأمره تبارك وتعالى في المقام الأول.

 

2- بقول الشيخ ياسر برهامي: أصل العبادة: كمال الذل وكمال الحب، فهما ركنان لا تقوم العبادة إلا بهما. فلابد للإنسان الذي يقول: أنا أعبد الله أن يكون عارفاً بالركنين في الجملة إجمالاً، ويحققهما في ذات نفسه، أما من يدعي أنه يحب الله ولا يخضع له، فهذا لم يحقق العبودية لله عز وجل، وهذا موجود في تصورات قطاع كبير من البشر، فإن ملايين من البشر يقولون: نحن نحب ربنا، ولكن لا يلزم أن نسمع كلامه، ومعظم الغرب يقرون بوجود الله، ولكن لا يوجد منهم خضوع له، ولا انقياد لشرعه، وعلى هذا فليس عندهم عبودية لله سبحانه وتعالى، حتى لو أحبوه.

فالركنان اللذان لا تقوم العبادة إلا بهما: كمال الحب، مع كمال الذل. فخضوع الانقياد هو أن العبد لا يمكن أن يضحي بأمر الله أمام أي مقابل، كما أنه لا يمكن أن يقدم على حبه لله عز وجل أي حب. والعبادة كذلك لا تصح إلا بالحب والخوف والرجاء، فلابد من العبادة في كل عمل من الأعمال، فلابد للعبد في كل عمل من أعماله أن يكون محباً لربه جل وعلا، قال تعالى: (وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ) [البقرة:165]، وأن يكون خائفاً من ربه، خوف المقام بين يديه، وخوف وعيده. قال تعالى: (ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ) [إبراهيم:14]، وقال سبحانه: (وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ) [الرحمن:46]، وفيهما معنيان: الأول: الذي سبق وهو خوف المقام بين يدي الله. وأما الثاني فالمراد: أنه خاف مقام الرب عليه بالاطلاع، فهي مضافة إلى الفعل، والمعنيان صحيحان.

التحليلات

الإحالات

1- الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي المؤلف: محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد شمس الدين ابن قيم الجوزية (المتوفى: 751هـ) حققه: مُحَمَّد أجمل الإصْلاَحي خرج أحاديثه: زائد بن أحمد النشيري الناشر: مجمع الفقه الإسلامي بجدة، ط دار عالم الفوائد بجدة الطبعة: الأولى، 1429(1/477) .

2- موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام إعداد: مجموعة من الباحثين بإشراف الشيخ عَلوي بن عبد القادر السقاف الناشر: موقع الدرر السنية على الإنترنت dorar.net عدد الأجزاء: 10 (3/91، 7/131) .

3- مجلة البحوث الإسلامية - مجلة دورية تصدر عن الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة الإرشاد المؤلف: الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد عدد الأجزاء: 95 جزءا (1/71، 30/247، 71/142، 78/101) .

4- فصل الخطاب في الزهد والرقائق والآداب المؤلف: محمد نصر الدين محمد عويضة عدد الأجزاء: 10(1/131، 5/466) .

5- موسوعة الأخلاق والزهد والرقائق (قصص تربوية من حياة الأنبياء والصحابة والتابعين والصالحين) المؤلف: ياسر عبد الرحمن الناشر: مؤسسة اقرأ للنشر والتوزيع والترجمة، القاهرة الطبعة: الأولى، 1428 هـ - 2007 م عدد الأجزاء: 2(1/108) .

6- موسوعة فقه القلوب المؤلف: محمد بن إبراهيم بن عبد الله التويجري الناشر: بيت الأفكار الدولية عدد الأجزاء: 4(2/1339) .

7- شرح الدروس المهمة لعامة الأمة مؤلف الأصل: عبد العزيز بن عبد الله بن باز (المتوفى: 1420هـ) الشارح: عبد الكريم بن عبد الله بن عبد الرحمن بن حمد الخضير (1/14) .

8- الموسوعة العقدية إعداد: مجموعة من الباحثين بإشراف الشيخ عَلوي بن عبد القادر السقاف الناشر: موقع الدرر السنية على الإنترنت dorar.net عدد الأجزاء: 11. 9- مجمل أصول أهل السنة المؤلف: ناصر بن عبد الكريم العلي العقل مصدر الكتاب: دروس صوتية قام بتفريغها موقع الشبكة الإسلامية http://www.islamweb.net (6/9) . 10- الْعَقَائِدُ الْإِسْلاَمِيَّةِ مِنَ الْآيَاتِ الْقُرْآنِيَّةِ وَالْأَحَادِيثِ النَّبَوِيَّةِ المؤلف: عبد الحميد محمد بن باديس الصنهاجي (المتوفى: 1359هـ) رواية: محمد الصالح رمضان دار النشر: مكتبة الشركة الجزائرية مرازقه بو داود وشركاؤهما، الجزائر الطبعة: الثانية عدد الأجزاء: 1 (1/43) .