إصلاح

2022-10-05 - 1444/03/09

التعريف

الصلح في اللغة :

اسم بمعنى المصالحة والتصالح ، خلاف المخاصمة والتخاصم [المغرب للمطرزي ( ط . حلب ) 1 / 479 ، وانظر طلبة الطلبة للنسفي ص 292] . قال الراغب : والصلح يختص بإزالة النفار بين الناس . يقال : اصطلحوا وتصالحوا [المفردات في غريب القرآن ( ط . الأنجلو المصرية ) ص 420] وعلى ذلك يقال : وقع بينهما الصلح ، وصالحه على كذا ، وتصالحا عليه واصطلحا ، وهم لنا صلح ، أي مصالحون [أساس البلاغة للزمخشري مادة صلح ص 257] .

 

وفي الاصطلاح :

معاقدة يرتفع بها النزاع بين الخصوم ، ويتوصل بها إلى الموافقة بين المختلفين [تبيين الحقائق 5 / 29 ، البحر الرائق 7 / 255 ، الدر المنتقى صرح الملتقى 2 / 307 ، تكملة فتح القدير مع العناية والكفاية ( الميمنية ) 7 / 375 ، روضة الطالبين 4 / 193 ، نهاية المحتاج 4 / 371 ، والفتاوى الهندية 4 / 228 ، أسنى المطالب 2 / 214 ، كفاية الأخيار 1 / 167 ، شرح منتهى الإرادات 2 / 260 ، كشاف القناع 3 / 378 ، المغني ( ط . مكتبة الرياض الحديثة ) 4 / 527] .

فهو عقد وضع لرفع المنازعة بعد وقوعها بالتراضي [انظر م 1531 من مجلة الأحكام العدلية و م 1026 من مرشد الحيران] ، وهذا عند الحنفية . وزاد المالكية على هذا المدلول : العقد على رفعها قبل وقوعها - أيضا - وقاية ، فجاء في تعريف ابن عرفة للصلح : أنه انتقال عن حق أو دعوى بعوض لرفع نزاع ، أو خوف وقوعه [مواهب الجليل 5 / 79 ، الخرشي على خليل 6 / 2 ، والبهجة شرح التحفة 1 / 219 ، وانظر للشافعية أسنى المطالب 2 / 215 ، نهاية المحتاج 4 / 372 ، روضة الطالبين 4 / 194] . ففي التعبير ب ( خوف وقوعه ) إشارة إلى جواز الصلح لتوقي منازعة غير قائمة بالفعل ، ولكنها محتملة الوقوع .

 

والمصالح : هو المباشر لعقد الصلح [ م 1532 من المجلة العدلية] والمصالح عنه : هو الشيء المتنازع فيه إذا قطع النزاع فيه بالصلح (4) والمصالح عليه ، أو المصالح به : هو بدل الصلح [م 1533 من المجلة العدلية] .

العناصر

1- أهمية السعي الدائم لإصلاح النفس والتغلب على ما أصابها.

 

2- ضرورة معرفة السنن والقوانين لإصلاح الأفراد والمجتمعات لتحقيقها في الواقع.

 

3- المفهوم الصحيح للإصلاح.

 

4- فضل الإصلاح وأهله.

 

5- فضل إصلاح ذات البين.

 

6- مجالات الإصلاح ومظاهره

 

7- وجوب معرفة المصلحين طرق الإصلاح وشروطه وآدابه.

 

8- أهمية العناية بإصلاح البيت.

 

9- وسائل إصلاح البيت.

 

الايات

1- قال الله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَالْهُدى مِنْ بَعْدِ ما بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتابِ أُولئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ * إِلَّا الَّذِينَ تابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ)[البقرة:159-160].

 

2- قال تعالى: (كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ * فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * فَمَنْ خافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفاً أَوْ إِثْماً فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ)[سورة البقرة:180-182].

 

3- قال تعالى: (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ)[البقرة: 220].

 

4- قال تعالى: (لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً)[النساء:114].

 

5- قال تعالى: (وَلا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * لا يُؤاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ)[سورة البقرة:224-225].

 

6- قوله تعالى: (وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ ما خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذلِكَ إِنْ أَرادُوا إِصْلاحاً وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)[البقرة:228].

 

7- قال تعالى: (الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ بِما فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ وَبِما أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوالِهِمْ فَالصَّالِحاتُ قانِتاتٌ حافِظاتٌ لِلْغَيْبِ بِما حَفِظَ اللَّهُ وَاللَّاتِي تَخافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيًّا كَبِيراً * وَإِنْ خِفْتُمْ شِقاقَ بَيْنِهِما فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِها إِنْ يُرِيدا إِصْلاحاً يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُما إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيماً خَبِيراً)[النساء: 34-35].

 

8- قَالَ تَعَالَى: (وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزاً أَوْ إِعْرَاضاً فَلاَ جُنَاْحَ عَلَيْهِمَا أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحاً وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الأَنفُسُ الشُّحَّ وَإِن تُحْسِنُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً * وَلَن تَسْتَطِيعُواْ أَن تَعْدِلُواْ بَيْنَ النِّسَاء وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلاَ تَمِيلُواْ كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ وَإِن تُصْلِحُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً)[النساء:128-129].

 

9- قال تعالى: (وَقَالَ مُوسَى لِأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ)[الأعراف:142].

 

10- قال تعالى: (وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتابِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ)[الأعراف: 170].

 

11- قَالَ تَعَالَى: (فَاتَّقُوا اللهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ)[الأنفال:1].

 

12- قال تَعَالَى: (قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ)[هود:88].

 

13- قال تَعَالَى: (وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ)[هود:116-117].

 

14- قال تعالى: (وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها فَمَنْ عَفا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ)[الشورى: 40].

 

15- قال تعالى: (وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ )[الحجرات:9-10].

 

الاحاديث

1- عن أَبي هريرة رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: "كُلُّ سُلاَمَى مِنَ النَّاسِ عَلَيهِ صَدَقَةٌ، كُلَّ يَوْمٍ تَطْلُعُ فِيهِ الشَّمْسُ: تَعْدِلُ بَيْنَ الاثْنَينِ صَدَقَةٌ، وَتُعينُ الرَّجُلَ في دَابَّتِهِ فَتَحْمِلُهُ عَلَيْهَا، أَوْ تَرْفَعُ لَهُ عَلَيْهَا مَتَاعَهُ صَدَقَةٌ، وَالكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقةٌ، وَبِكُلِّ خَطْوَةٍ تَمشِيهَا إِلَى الصَّلاةِ صَدَقَةٌ، وَتُميطُ الأَذى عَنِ الطَّريقِ صَدَقَةٌ"(رواه البخاري:2707، ومسلم:1009).

 

2- عن أمّ كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط- وكانت من المهاجرات الأول اللّاتي بايعن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم أخبرته أنّها سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وهو يقول: "ليس الكذّاب الّذي يصلح بين النّاس، ويقول خيرا وينمي خيرا"(رواه البخاري:2692، ومسلم:2605).

 

3- عن أبي موسى قال سمعت الحسن يقول: "استقبل واللّه الحسن بن عليّ معاوية بكتائب أمثال الجبال، فقال عمرو بن العاص: إنّي لأرى كتائب لا تولّي حتّى تقتل أقرانها، فقال له معاوية- وكان واللّه خير الرّجلين-: أي عمرو، إن قتل هؤلاء هؤلاء وهؤلاء هؤلاء من لي بأمور النّاس؟ من لي بنسائهم؟ من لي بضيعتهم؟ فبعث إليه رجلين من قريش من بني عبد شمس- عبد الرّحمن بن سمرة وعبد اللّه بن عامر بن كريز- فقال: اذهبا إلى هذا الرّجل فاعرضا عليه وقولا له واطلبا إليه، فأتياه فدخلا عليه، فتكلّما وقالا له وطلبا إليه، فقال لهما الحسن بن عليّ: إنّا بنو عبد المطّلب؛ قد أصبنا من هذا المال، وإنّ هذه الأمّة قد عاثت في دمائها. قالا: فإنّه يعرض عليك كذا وكذا، ويطلب إليك ويسألك. قال: فمن لي بهذا؟ قالا: نحن لك به، فما سألهما شيئا إلّا قالا: نحن لك به، فصالحه: فقال الحسن: ولقد سمعت أبا بكرة يقول: رأيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم على المنبر والحسن بن عليّ إلى جنبه وهو يقبل على النّاس مرّة وعليه أخرى ويقول: "إنّ ابني هذا سيّد، ولعلّ اللّه أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين"(رواه البخاري:2704).

 

4- عن أبي الدّرداء- رضي اللّه عنه- قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "ألا أخبركم بأفضل من درجة الصّيام والصّلاة والصّدقة؟ قالوا: بلى، قال: صلاح ذات البين، فإنّ فساد ذات البين هي الحالقة"(رواه أبو داود:4919، والترمذي، 2509).

 

5- عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدّه رضي اللّه عنهما- أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم كتب كتابا بين المهاجرين والأنصار على أن يعقلوا معاقلهم، وأن يفدوا عانيهم بالمعروف، والإصلاح بين المسلمين (رواه أحمد:1-271 واللفظ له. وقال الشيخ أحمد شاكر: إسناده صحيح).

 

6- عن أبي هريرة -رضي اللّه عنه- أنّ رسول اللّه -صلى الله عليه وسلم- قال: "تفتح أبواب الجنّة يوم الاثنين، ويوم الخميس فيغفر لكلّ عبد لا يشرك باللّه شيئا إلّا رجلا كانت بينه وبين أخيه شحناء فيقال: أنظروا هذين حتّى يصطلحا. أنظروا هذين حتّى يصطلحا. أنظروا هذين حتّى يصطلحا"(رواه مسلم:2565). 

 

7- عن سهل بن سعد- رضي اللّه عنه- أنّ أهل قباء اقتتلوا حتّى تراموا بالحجارة، فأخبر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بذلك، فقال: "اذهبوا بنا نصلح بينهم"(رواه البخاري:2693).

 

8- عن عبد الله بن عمرو بن عوف عن أبيه عن جده قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "الصلح جائز بين المسلمين إلا صلحاً حرّم حلالاً أو أحلّ حراماً"(رواه ابن ماجه:2353، وصححه الألباني).

 

9- عن جابر قال: سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: "إن الشيطان قد أيس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب ولكن في التحريش بينهم"(رواه مسلم:2812).

 

10- عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أفضل الصدقة إصلاح ذات البين"(أخرجه المنذري في الترغيب والترهيب:2817، وصححه الألباني).

 

11- عن أم سلمة -رضي الله عنها- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "إنما أنا بشر وإنكم تختصمون إليّ، ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض فأقضي على نحو ما أسمع، فمن قضيت له بحق أخيه شيئاً فلا يأخذه، فإنما أقطع له قطعة من النار"(أخرجه البخاري:7169، ومسلم:1713).

 

 

الاثار

1- قال أنس رضي الله عنه: "من أصلح بين اثنين أعطاه الله بكل كلمة عتق رقبة"(تفسير القرطبي).

 

2- قال عمر رضي الله عنه: "ردوا الخصوم حتى يصطلحوا فإن فصل القضاء يحدث بين القوم الضغائن"(سنن البيهقي الكبرى:6-66).

 

3- يقول الأوزاعي -رحمه الله-: "ما خطوة أحب إلى الله عز وجل من خطوة في إصلاح ذات البين، وَمَنْ أَصْلَحَ بَيْنَ اثْنَيْنِ كَتَبَ اللَّهُ لَهُ بَرَاءَةً مِنَ النَّارِ"(تفسير القرطبي:5-385).

 

4- قال أبو أمامة: "امش ميلاً وعد مريضاً ، وامش ميلين وزر أخاً في الله ، وامش ثلاثة أميال وأصلح بين اثنين"(شرح الأربعين النووية:1-77).

 

5- عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَنَّهُ قَالَ: "مَنْ أَرَادَ فَضْلَ الْعَابِدِينَ فَلْيُصْلِحْ بَيْنَ النَّاسِ"(أنوار البروق في أنواع الفروق:6-442).

 

6- قال ابن شهاب: "ولم أسمع يرخص في شيء مما يقول الناس كذب إلا في ثلاث: الحرب، والإصلاح بين الناس ، وحديث الرجل امرأته وحديث المرأة زوجها"(رواه البخاري:٢٦٩٢).

 

7- عن موسى بن عقبة أن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه كتب إلى أبي موسى أو معاوية: " أما بعد فالزم خمس خلال يسلم لك دينك، وتظفر بأفضل حظك: عليك بالبينة العادلة، والأيمان القاطعة وإدناء الضعيف حتى يبسط لسانه، ويقوى قلبه، وتعهد الغريب فإنه إذا طال احتباسه ترك حقه ولحق بأهله، وإنما أبطل حقه من أرجأ أمره، ولم يرفع به رأساً، واحرص على الصلح بين الناس ما لم يتبين لك وجه القضاء، والسلام (أنساب الأشراف:3-422).

 

8- كتب عمر إلى معاوية: "احرص على الصلح بين الناس ما لم يستبن لك القضاء"(أخبار القضاة لوكيع:1-75).

 

9- قال ابن بابويه: إنّ اللّه- عزّ وجلّ- أحبّ الكذب في الإصلاح، وأبغض الصّدق في الفساد (منهاج الصالحين للبليق (420).

 

10- قال الفضيل: "إذا أتاك رجل يشكو إليك رجلا فقل يا أخي اعف عنه فإنّ العفو أقرب للتّقوى، فإن قال: لا يحتمل قلبي العفو ولكن أنتصر كما أمرني اللّه- عزّ وجلّ- قل: فإن كنت تحسن تنتصر مثلا بمثل وإلّا فارجع إلى باب العفو فإنّه باب أوسع؛ فإنّه من عفا وأصلح فأجره على اللّه، وصاحب العفو ينام اللّيل على فراشه، وصاحب الانتصار يقلّب الأمور"(حلية الأولياء:5-112).

 

القصص

1- روي أنّ ابن أبي عذرة الدّؤليّ - وكان في خلافة عمر- رضي اللّه عنه- كان يخلع النّساء اللّاتي يتزوّج بهنّ، فطارت له في النّاس من ذلك أحدوثة يكرهها، فلمّا علم بذلك أخذ بيد عبد اللّه بن الأرقم حتّى أتى به إلى منزله، ثمّ قال لامرأته: أنشدك باللّه هل تبغضينني؟ قالت: لا تنشدني، قال: فإنّي أنشدك اللّه، قالت: نعم. فقال لابن الأرقم: أتسمع؟ ثمّ انطلقا حتّى أتيا عمر- رضي اللّه عنه- فقال: إنّكم لتحدّثون أنّي أظلم النّساء وأخلعهنّ فاسأل ابن الأرقم. فسأله فأخبره، فأرسل إلى امرأة ابن أبي عذرة فجاءت هي وعمّتها، فقال: أنت الّتي تحدّثين لزوجك أنّك تبغضينه؟ فقالت: إنّي أوّل من تاب وراجع أمر اللّه تعالى. إنّه ناشدني فتحرّجت أن أكذب. أفأكذب يا أمير المؤمنين؟ قال: نعم. فاكذبي، فإن كان إحداكنّ لا تحبّ أحدنا فلا تحدّثه بذلك؛ فإنّ أقلّ البيوت الّذي بني على الحبّ ولكنّ النّاس يتعاشرون بالإسلام والأحساب (رواه البخاري:2693).

 

2- عن حبيب بن الشهيد قال كنت جالسا عند إياس بن معاوية فأتاه رجل فسأله مسألة فطول فيهم فقال إياس إن كنت تريد الفتيا فعليك بالحسن معلمي ومعلم أبي وان كنت تريد القضاء فعليك بعبد الملك ابن يعلى وان كنت تريد الصلح فعليك بحميد الطويل وتدري ما يقول لك يقول لك حط شيئا ويقول لصاحبك زده شيئا حتى نصلح بينكما وان كنت تريد الشغب فعليك بصالح السدوسي وتدري ما يقول لك يقول لك أجحد ما عليك ويقول لصاحبك ادع ما ليس لك وادع بينة غيبا [فن الإصلاح بين الناس].

 

3- قال محمد بن المنكدر: تنازع رجلان في ناحية المسجد فملت إليهما، فلم أزل بهما حتى اصطلحا، فقال أبو هريرة: من أصلح بين اثنين استوجب ثواب الشهيد.

 

 

الاشعار

1- قال المقنع الكندي:

وإن الذي بيني وبين بني أبي *** وبين بني عمي لمختلف جدا

إذا قدحوا لي نار حرب بزندهم *** قدحت لهم في كل مكرمة زندا

وإن أكلوا لحمي وفرت لحومهم *** وإن هدموا مجدي بنيت لهم مجدا

ولا أحمل الحقد القديم عليهمُ *** وليس رئيس القوم من يحمل الحقدَا

(الإيمان لابن منده ص34).

 

متفرقات

1- قال محمد بن محمد المختار الشنقيطي: وأجمع العلماء وأئمة الإسلام عليهم رحمة الله عز وجل على مشروعية الصلح وفضله، وأن من أعظم وأجل الطاعات وأحبها إلى الله سبحان وتعالى إصلاح ذات البين، وأن فعلها مندوب إليه ومرغَّبٌ فيه، وقد يجب على المسلم في بعض الأحيان أن يُصلِح إذا كان مقبول القول ومأمون الفتنة بالدخول في الصلح، وإذا لم يُصلِح ترتب على عدم صلحه قطيعة الأرحام، أو حصول ضررٍ عظيم كسفك الدماء وانتهاك الأعراض، واغتصاب الأموال، فما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب؛ فإذا غلب على ظنه أنه لو دخل في هذه الخصومة أن الله يصلح ذات بين المسلمين، وأن الله يدفع هذه الشرور وهذه الفتن، وليس ثم ضرر عليه بالدخول؛ فإنه يتعين عليه أن يسعى، ويتعين عليه أن يصلح بين المسلمين [شرح زاد المستقنع للشنقيطي باب الصلح].

 

2- قال محمد بن محمد المختار الشنقيطي: أمور يجب مراعاتها في الصلح بين الناس فننبه على مسائل ينبغي لمن يريد أن يُصلح بين الناس أن يراعيها: الإخلاص لله منها: أن يعلم أولاً أنه يتردد بين نيتين إذا دُعي للصلح بين طرفين، فإما أن تكون نيته لله والدار الآخرة، وإما أن تكون للدنيا، فالشخص ينبعث للصلح بين الناس لعلمه بعظيم الثواب عند الله، وهو يستشعر قول الله سبحانه وتعالى: (وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا) [النساء:114]، ويستشعر قول الله سبحانه وتعالى: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ) [البقرة:207].

 

فإذا انبعث بهذه النية الصالحة، فإن الله عز وجل يُعظِم له الأجر، ويجعل جميع ما يقع من العناء والتعب والنصب في ميزان حسناته، وهذا بخير المنازل عند الله عز وجل. وكذلك -أيضاً- بحسن النية يُوفَّق إلى السداد، وقل أن يُصلح نيته إلا ألهمه الله عز وجل أصلح الأمور. فمن أمثلة ذلك: إذا دخل في الصلح فأصلح ما بينه وبين الله بحسن النية؛ أصلح الله ما بينه وبين الناس، فعصَم لسانه عن الزلل، وعصم فعله عن الخلل، ووجهه وسدده، وكان له المعين والظهير معيناً على الخير، وظهيراً له على الطاعة والبر.

 

أولاً: فالنية هي الأساس والمنبعث الذي ينبعث به الإنسان للصلح.

 

ثانياً: هذه النية لها عوارض، فمنها حب الشرف، وحب الجاه، فإن الذي يدخل في الصلح ينتزعه الشيطان إلى نية الدنيا؛ لأن الناس يقولون: فلان أصلح بين فلان وفلان، وفلان وجه الخير، وفلان كذا، ينتظر من الخصمين أن لا يجلسا في مجلس فيطرأ ذكر الخصومة إلا قالوا: فلان هو الذي أصلح. فالصلح إذا دخل الإنسان فيه بنية السمعة هلك، وصرفه الله عز وجل، ولذلك تجده يتأثر في حدود السمعة، فلو كان أحد الطرفين قوياً أو له مكانة، مال إليه والعياذ بالله أكثر من الضعيف، وإذا دخل بنية الرياء والسمعة انحرف عن صراط الله، فإذا كان أحد الخصمين ممن ليس له مكانة في قلبه ضغط عليه وأحرجه، وألجأه إلى أمور لا تُحمد عقباها؛ فهذا لا يأمن أن يكون بصلحه مفسداً، فهو يظن أنه مصلح والواقع أنه -والعياذ بالله- مفسد. الحذر من الحمية والعصبية وكذلك أيضاً: ينبغي لمن يريد أن يصلح بين الناس أن ينتبه للحمية والعصبية، فإنه في غالب الأحوال إذا دخل في الصلح بين القرابة، تنتزعه نوازع الحمية والعصبية، فينبغي أن يحذر منها، وأن لا يجعل العادات والأمور التي هي من شأن الجاهلية محكمة له في صلحه، بل عليه أن يجعل نصب عينيه مرضاة الله. العلم بالقضية علماً تاماً ومنها العلم بالقضية علماً تاماً كاملاً، فلا تدخل للصلح بين طرفين حتى تكون على إلمام تام بالقضية، وهذا يستلزم منك أن تسمع القضية كاملة.

 

وإذا جاءك خصم وقد فُقئت عينه فلا تعجلن، فلعل خصمه قد فُقِئت عيناه، فلذلك ينبغي أن تسمع القضية كاملة، وحينئذٍ يتحتم عليك قواعد وأصول تنتبه لها، أولاً: تسمع القضية كاملة من الأصل، وهو الشخص المتّهم صاحب الحق المدَّعِي، وتعطيه حرِّيته في أن يقول جميع ما عنده، ثم تنتقل إلى الطرف الثاني بكل أمانة ونزاهة، فتسمع جميع ما عنده، ولا تقاطعه إلا إذا حصل استفهام أو سؤال، ولا تحاول أن تشككه فيما يقول، أو تميل للطرف الثاني ضده. العدل بين الخصمين كذلك أيضاً مما ينبغي أن يُتنبَّه له في الصلح: أن يُبنى على تقوى الله عز وجل بالعدل بين الطرفين، فإذا دخلت في القضية وأنت ترجو ما عند الله، وتصوَّرتَها تصوراً كاملاً ثم استشرت العلماء وقالوا لك: فلان المخطئ، وفلان المصيب، وفلان أخطأ في كذا وأصاب في كذا، والآخر أخطأ في كذا وأصاب في كذا، وأخذت نتيجة الأمر؛ فحينئذٍ إما أن تحل القضية حلاً وسطاً؛ بالجمع بين الطرفين بالحل الوسط، وهذا ما يكون به الصلح. وأما إذا بينت لكل ذي حق حقه، وأردت أن تفصل بينهم بذلك، فالذي يفعل هذا يسمى حَكَمَاً، وهو الذي يعرف حق كل واحد من الطرفين، ثم يعطي كل ذي حقٍ حقه.

 

لكن المصلح دائماً يُحدِث قولاً وسطاً بين الطرفين، وهذا يستلزم تنازل صاحب الحق عن شيءٍ من حقه، كأن تعرف أن المرأة مظلومة وأن الزوج ظالم، فتذهب إلى الزوج وتبيِّن له ظلمه، وتذهب إلى الزوجة، وتقول لها: نعم أنتِ مظلومة وأنت صاحبة حق؛ لأن الله يقول، ورسوله عليه الصلاة والسلام يقول، لكن يا فلانة هذا زوجك وبعلك، إن صبرت عليه واحتسبتِ فلك الأجر عند الله؛ يا فلانة! الله سبحانه وتعالى لا تخفى عليه خافية، فإن صبرتِ صبَّركِ الله، وإن احتسبتِ الأجر عند الله أثابكِ الله، ونحو ذلك من الكلام الطيب؛ فتلين قلبها للعفو، وتجعل قلبها ليناً للإصلاح وفي هذه الكلمات مثوبة الله، والأجر من الله، وإذا خرجت من قلب صادق فإنها تقع في الأذن وتقع في القلب، فالكلمة التي تخرج من القلب تلامس شغاف القلب.

 

اختيار الألفاظ المناسبة وعدم الإحراج فإذا عرفتَ الحق وأردت أن يتنازل صاحب الحق عن جزءٍ من حقه حتى يقع الصلح؛ فينبغي أن يكون بطريقة مناسبة، فلا ينبغي إحراج الناس، وظلم الضعفاء والإضرار بمصالحهم. في بعض الأحيان يدخل الرجل في صلح بين طرفين، وأحد الطرفين قوي ظالم، والطرف الثاني ضعيف مظلوم، وقد يكون الخصم الضعيف أيتاماً أو أرامل، فيأتي المصلح إلى الضعيف فيستغل نقاط ضعفه، ويضغط عليه من جهة هذه النقاط حتى يتنازل عن بعض حقه، قال بعض العلماء: لا يأمن من يفعل ذلك من الإثم في صلحه.

 

كذلك أيضاً: إذا فرضنا أن عاملاً اشتغل وكد فأصبح له حق عند صاحب العمل، وصاحب العمل رجل غني وثري، وثبت أن هذا العامل له خمسون ألفاً عند هذا الرجل الثري الغني الذي لا تضره الخمسون الألف شيئاً، وهذا الرجل جلس السنة والسنتين في عمله وكدِّه وتعبه ونصبه، ولربما كان عليه ديون وحقوق للناس، فنأتي إلى العامل ونضغط عليه حتى يتنازل عن جزء من المبلغ، أو عن جملة من حقوقه، ولربما أُخذت أطراف من قرابته وجماعته ممن يستحي منهم، فأُخذت الأموال بسيف الحياء، فمثل هذا لا يبعد أن يبوء صاحبه بالإثم، وهذا ليس بصلح، بل إفساد ومعونة على الإفساد.

 

فينبغي النظر في أحوال الناس، والنظر في حدود إمكاناتهم وطاقاتهم والأشياء التي يمكن أن يضحوا بها، فما كان في وسعهم سألناهم أن يعفوا، ويكون السؤال بطريقة طيبة مهذبة، لا بطريقة الإلحاح والإزعاج والإحراج، ففي بعض الأحيان يبلغ بالصلح أن الشخص يأخذ أطرافاً أقوياء، لا يمكن أن يرد الشخص شفاعتهم، وفي بعض الأحيان يكون المصلح رجلاً له مكانة وجاه، فإذا جاء إلى ابن عمه وقريبه؛ قال له: طلبتك، وإذا طلبتك فلا تردَّني وهذا الكلام لا يصلح! كيف تطلبني شيئاً فيه إجحاف وإضرار بي، ولربما فيه إجحاف بأهلي وعرضي وزوجي وقرابتي، فهذا لا يصلح وينبغي أن يكون هناك شيء من التعقل والبصيرة، فنعرف ماذا نجني إذا أصلحنا، ولو حصلت غلطة أو هفوة أو زلة من رجل معروف في الصلاح والاستقامة، وأقلناه فمن باب قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم)، أو علمنا أن الرجل غلط ثم ندم، وممكن أن يُصلح، أو كانت الغلطة في إمكان الشخص أن يعفو عنها، فهذا ممكن، لكن أن ندخل بالإجحاف والإحراج فلا.

 

وأيضاً قد يُختار أشخاص لا يمكن أن يتكلم الإنسان معهم، فقد يأتيه بعمه أو بخاله، فيأتي العم أو الخال ويدخل بكلمات يُحرج بها قريبه، وهذا لا يجوز، وإذا رفض يقول له: أهنتني أمام الناس، ليس لي عندك قدر ولا وجه، فهذا لا ينبغي، ومثل هذه العبارات ينبغي أن تُصرف عن الصلح، وينبغي أن يكون الصلح بشيء من الرضا، فالأخذ بالإحراج لا يجوز، أو أن يستعمِل القوة كأن يكون موظفاً عند مديره، فيأخذ مديره من أجل أن يعفو، فهذا لا يجوز، بل لا يجوز للمدير أن يدخل إذا علم أن في مثل هذا ظلماً؛ لأن هذا إساءة في استخدام مكانة الإنسان، ونعمة الله التي أنعم عليه، فينبغي أن يكون دخول الإنسان بالتي هي أحسن. ولذلك ثبت في الحديث الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في قصة بريرة عندما أُعتِقت فأصبح لها الخيار في البقاء تحت زوجها أو تركه إذا كان عبداً فاختارت بريرة الفسخ، فلقيها النبي صلى الله عليه وآله وسلم فسألها أن تعود لزوجها، فقالت: (يا رسول الله! أتأمرني؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إنما أنا شافع) أي: لا أملك إلا الشفاعة، فما قال لها: من حقي عليك أو أحرجها، بل قال لها: (إنما أنا شافع)، أي: لا أُكرهك على عِشرة لا تريدينها، ولا أُكرهك على شيءٍ لا ترغبين فيه. وهذا هو الإنصاف والعدل والقسط الذي أمر الله به، ولذلك يقول الله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ} [الأنفال:1]. سماحة النفس إذا لم يقبل صلحه ينبغي أن يكون الصلح بتقوى الله، وأن يكون في حدود طاقة الناس، ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها، وعلى المصلح إذا لم تقبل شفاعته أن لا يحقد، وأن لا يحمل في نفسه على من رد شفاعته، فإن الإمام مالكاً رحمه الله يقول قولته المشهورة: (ليس كل الناس يستطيع أن يُبدي عذراً) فلربما كان هذا الرجل يحبك ويكرمك.

 

بل إن واحداً من مشايخنا رحمة الله عليهم دخل في قضية فشفع فلم يُشفَّع، وكان الرجل صريحاً معه، فلما رجع قال له بعض طلابه: إن فلاناً أساء برد شفاعتك، فقال له: لا تغتب، والله إني أحببته لصدقه. وهذا شأن العقلاء: إن فلاناً له ظرف كذا وكذا وذكر ظرفه فالإنسان العاقل الحكيم يقدِّر ظروف الناس، والعالم علِم بعذر هذا الرجل دون أن يحدِّثه الرجل فقدَّر ظرفه، فينبغي لمن رُدَّت شفاعته في الصلح أن لا يحقد وأن لا يحمل في نفسه على من سأله أن يعفو فلم يفعل (شرح زاد المستقنع للشنقيطي باب الصلح باختصار).

 

3- قال ابن القيم رحمه الله عن الصلح: فالصلح الجائز بين المسلمين هو أن يعتمد فيه رضا الله سبحانه ورضا الخصمين فهذا أعدل الصلح وأحقه وهو يعتمد العلم والعدل فيكون المصلح عالماً بالوقائع عارفاً بالواجب قاصداً العدل، فدرجة هذا أفضل من درجة الصائم القائم [الإيمان لابن منده ص 34].

 

4- قال النووي: قال ابن شهاب: ولم أسمع يرخص في شيء مما يقول الناس كذب إلا في ثلاث: الحرب والإصلاح بين الناس وحديث الرجل امرأته وحديث المرأة زوجها [صحيح مسلم].

 

5- قال العلاَّمة السعدي رحمه الله: "عنوان سعادة العبد: فعنوان سعادة العبد إخلاصه للمعبود، وسعيه في نفع الخلق، كما أن عنوان شقاوة العبد عدم هذين الأمرين منه، فلا إخلاص ولا إحسان"(تفسير السعدي).

 

6- قال العلماء: "لا تخلو الفئتان من المسلمين في اقتتالهما، إمّا أن يقتتلا على سبيل البغي منهما جميعا أو لا، فإن كان الأوّل؛ فالواجب في ذلك أن يمشى بينهما بما يصلح ذات البين، ويثمر المكافّة والموادعة. فإن لم يتحاجزا ولم يصطلحا وأقامتا على البغى صير إلى مقاتلتهما، وأمّا إن كان الثّاني وهو أن تكون إحداهما باغية على الأخرى، فالواجب أن تقاتل فئة البغي إلى أن تكفّ وتتوب؛ فإن فعلت أصلح بينها وبين المبغيّ عليها بالقسط والعدل، فإن التحم القتال بينهما لشبهة دخلت عليهما وكلتاهما عند أنفسهما محقّة، فالواجب إزالة الشّبهة بالحجّة النّيّرة والبراهين القاطعة على مراشد الحقّ. فإن ركبتا متن اللّجاج ولم تعملا على شاكلة ما هديتا إليه ونصحتا به من اتّباع الحقّ بعد وضوحه لهما فقد لحقتا بالفئتين الباغيتين"(الجامع لأحكام القرآن الكريم:16-208).

 

7- قال ابن حجر رحمه الله : "والصلح أقسام: صلح المسلم مع الكافر، والصلح بين الفئة الباغية والعادلة، والصلح بين المتغاضبين كالزوجين، والصلح في الجراح كالعفو على مال، والصلح لقطع الخصومة إذا وقعت المزاحمة في الأملاك"(فتح الباري:٥-٣٥١).

 

"اتفق الحكماء الذين أكرمهم الله تعالى بوظيفة الأخذ بيد الأمم في بحثهم عن المهلكات والمنجيات على أن فساد الأخلاق يخرج الأمم عن أن تكون قابلة للخطاب، وأن معاناة إصلاح الأخلاق من أصعب الأمور وأحوجها إلى الحكمة البالغة، والعزم القوي، وذكروا أن فساد الأخلاق يعم المستبد وأعوانه وعماله، ثم يدخل بالعدوى إلى كل البيوت، ولاسيما بيوت الطبقات العليا التي تتمثل بها السفلى، وهكذا يغشو الفساد، وتمسي الأمة يبكيها المحب، ويشمت بها العدو، وتبيت وداؤها عياء يتعاصى على الدواء.

 

وقد سلك الأنبياء عليه السلام في إنقاذ الأمم من فساد الأخلاق مسلك الابتداء أولًا بفك العقول من تعظيم غير الله، والإذعان لسواه؛ وذلك بتقوية حسن الإيمان المفطور عليه وجدان كل إنسان، ثم جهدوا في تنوير العقول بمبادئ الحكمة، وتعريف الإنسان كيف يملك إرادته؛ أي حريته في أفكاره، واختياره في أعماله، وبذلك هدموا حصون الاستبداد، وسدوا منابع الفساد.

 

ثم بعد إطلاق زمام العقول صاروا ينظرون إلى الإنسان بأنه مكلف بقانون الإنسانية، ومطالب بحسن الأخلاق، فيعلمونه ذلك بأساليب التعليم المقنع وبث التربية التهذيبية.

 

والحكماء السياسيون الأقدمون اتبعوا الأنبياء عليه السلام في سلوك هذا الطريق وهذا الترتيب؛ أي بالابتداء من نقطة دينية فطرية تؤدي إلى تحرير الضمائر، ثم باتباع طريق التربية والتهذيب بدون فتورٍ ولا انقطاع"(طبائع الاستبداد؛ للكواكبي:١٠٦).

 

 

 

 

الإحالات

1- الإصلاح بالإسلام؛ لمحمد عمارة.

 

2- في سبيل الإصلاح؛ لعلي الطنطاوي.

 

الحكم

"كن مصلحا إذا تفاسدوا، ومقربا بينهم إذا تباعدوا"(محمد بن سيرين).

 

"ابدؤوا بإصلاح الأخلاق فإنها أول الطريق"(علي الطنطاوي؛ كتاب صور وخواطر).

 

"إزالة الرواسي، أيسر من تأليف القلوب"( الإمتاع والمؤانسة؛ لأبي حيان التوحيدي:345). 2022).

 

"أصلح نفسك يصلح لك الناس"(العادل عمر بن عبد العزيز؛ لعبد السلام العشري:43)

 

"أصلح غيث ما أفسد البرد" مثل مشهور يضرب لمن يصلح ما أفسده غيره (مجمع الأمثال؛ للميداني:1-372)

 

"الفساد يهبط من أعلى إلى أدنى، والاصلاح يصعد من أدنى الى أعلى"(محاضرات الشيخ محمد الغزالي في إصلاح الفرد والمجتمع:139).

 

"من عجز عن إصلاح نفسه، كيف يكون مصلحاً لغيره؟"(خاطرات جمال الدين الافغاني الحسيني)

 

سُئِل حكيم: بم ينتقم الإنسان من عدوه؟ فقال: بإصلاح نفسه (سراج الملوك:2-472).