استئذان

2022-10-10 - 1444/03/14

التعريف

أ- التعريف اللغوي: ذكر علماء اللغة للإذن استعمالات شتى، وأظهرها أنه يفيد معنى "العلم أو الإعلام"، يُقال: أذن به إذنًا وأذانة: أي علم [المعجم الوسيط (1/11) مادة «أذن»]. وقال ابن منظور: وآذنه الأمر أعلمه، وأذنت أكثرت الإعلام، والأذان الإعلام. وقوله تعالى: ( وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ ) [التوبة: 3]. 

أي إعلام. وأذِن له في الشيء إذنًا: أباحه له. وأذن تأذينًا: أكثر الإعلام لسان العرب (13/9) مادة «أذن». وقال الفيروزآبادي: أذن بالشيء: علم به، واستأذنه: طلب منه الإذن [القاموس المحيط (1516) مادة «أذن»] .

ووجه التعبير عن الاستئذان بالاستئناس: أنه مثله في معنى الاستعلام [ أحكام القرآن لابن العربي (3/1359) ] ويفسر الإذن في القرآن الكريم بما يتناسب مع السياق، فقوله تعالى: ( قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ )[البقرة: 97]. أي بعلمه وإرادته وتسهيله وتيسيره [فتح القدير للشوكاني (1/117)] . وقوله تعالى: ( وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ ) [آل عمران: 145]. أي بأمره وقدره.

وقال تعالى: ( وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ ) [النساء: 64]. أي بأمره وتوفيقه. وكلمة الاستئذان تفيد الطلب؛ لأن السين والتاء تدلان على الطلب. وملخص القول: أن كلمة الإذن ذات معانٍ كثيرة يعنينا في هذا البحث أهمها وأظهرها، وهي: العلم والإعلام والإباحة والأنس والنداء [أدب الاستئذان (17) ] .

 

ب- التعريف الاصطلاحي:

الاستئذان في اصطلاح الفقهاء هو: فك الحجر وإطلاق التصرف لمن كان ممنوعًا شرعًا [التعريفات (15)] .

ويمكننا أن نصوغ تعريفًا للإذن من الحيثية التي تعنينا، فنقول هو: التماس الإذن تأدبًا خشية الاطلاع على عورة. أو هو استباحة المحظور على وجه مشروع [أدب الاستئذان (18) ] . ويمكننا أن نقول إنه: طلب الإذن في الدخول لمحل لا يملكه المستأذن [فتح الباري (11/5)].

العناصر

1-تعريف الاستئذان، وحكمته التشريعية .

2- حكم الاستئذان .

3- أنواع الاستئذان .

4- صيغ الاستئذان .

5- الاستئذان على المحارم .

6- الاطلاع على دار الغير بغير إذن، وما يترتب على ذلك .

7- هلْ رسول الرجل إلى الرجل إذنه ؟

8-آداب الاستئذان في القرآن والسنة المطهرة .

9- خلو آيات الاستئذان من النسخ .

10- الاطلاع على دار الغير بغير إذن، وما يترتب على ذلك .

الايات

1- قال تَعَالَى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِن قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُم مِّنَ الظَّهِيرَةِ وَمِن بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاء ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَّكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُم بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ وَإِذَا بَلَغَ الأَطْفَالُ مِنْكُم الحُلُمَ فَلْيَسْتَأذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) [النور:58-59].
2- قَالَ الله تَعَالَى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ *‏ فَإِن لَّمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَداً فَلَا تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِن قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ * لَّيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيهَا مَتَاعٌ لَّكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ) [النور: 27-29].

الاحاديث

1- عن أَبي موسى الأشعري رضي الله عنه. قَالَ: قَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم:"الاسْتِئْذَانُ ثَلاثٌ فَإنْ أُذِنَ لَكَ وَإِلاَّ فَارْجِعْ" [صحيح مسلم (21/54)]. 

 

2- عن سهلِ بنِ سعدٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إنَّمَا جُعِلَ الاسْتِئذَانُ مِنْ أجْلِ البَصَرِ" [صحيح البخاري (6241)].

 

3- عن رِبْعِيِّ بن حِرَاشٍ. قَالَ: حَدَّثَنَا رَجُلٌ مِنْ بَنِي عَامِرٍ أنَّهُ اسْتَأذَنَ عَلَى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ في بيتٍ. فَقَالَ: أألِج؟ فَقَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم لِخَادِمِهِ:"أُخْرُجْ إِلَى هَذَا فَعَلِّمهُ الاسْتِئذَانَ. فَقُلْ لَهُ: قُلِ: السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ. أأدْخُل؟" فَسَمِعَهُ الرَّجُلُ. فَقَالَ: السَّلامُ عَلَيْكُمْ. أَأَدْخُل؟ فَأذِنَ لَهُ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم فدخلَ. [رواه أَبُو داود (5177) و قال الشيخ الألباني: صحيح].

 

4- عن كِلْدَةَ بن الحَنْبل رضي الله عنه. قَالَ: أتَيْتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم. فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ وَلَمْ أُسَلِّمْ. فَقَالَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم:"ارْجِعْ فَقُلْ: السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ. أَأَدْخُل؟" [رواه أَبُو داود (2710) وقال الشيخ الألباني صحيح].

 

5- عن أنس رضي الله عنه في حديثه المشهور في الإسراءِ. قَالَ: قَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم:" ثُمَّ صَعَدَ بي جِبْريلُ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا فَاسْتَفْتَحَ. فقِيلَ: مَنْ هذَا؟ قَالَ: جِبْريلُ، قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ. ثُمَّ صَعَدَ إِلَى السَّمَاءِ الثَّانِيَةِ فاسْتَفْتَحَ. قِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: جِبْريل. قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ وَالثَّالِثَةِ وَالرَّابِعَةِ وَسَائِرِهنَّ وَيُقَالُ فِي بَابِ كُلِّ سَمَاءٍ: مَنْ هَذَا؟ فَيَقُولُ: جِبْريلُ" [جزء من حديث الإسراء وهو عند البخاري (7079)، ومسلم (162)].

 

6- عن جابر رضي الله عنه. قَالَ: أتَيْتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم فَدَقَقْتُ البَابَ. فَقَالَ:"مَنْ هَذَا؟" فَقُلتُ: أَنَا. فَقَالَ:"أنَا. أنَا!" كَأنَّهُ كَرِهَهَا. [أخرجه أحمد في المسند وقال المحققون إسناده صحيح على شرط الشيخين. وانظر (14185)].

الاثار

1- قال ابن جريج: سمعت عطاء بن أبي رباح يخبر عن ابن عباس رضي اللَّه عنهما قال: ثلاث أيات جحدهنّ الناس، قال اللَّه تعالى: (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عَندَ ?للَّهِ أَتْقَاكُمْ)، قال ويقولون: إن أكرمكم عند اللَّه أعظمكم بيتًا، إلى أن قال: والأدب كلّه قد جحده الناس، قال: قلت: أستأذن على أخواتي أيتام في حجري معي في بيت واحد؟ قال: نعم، فرددت عليه ليرخّص لي فأبى، فقال: تحب أن تراها عريانة؟ قلت: لا، قال: فاستأذن، قال: فراجعته، فقال: أتحب أن تطيع اللَّه؟ قال: قلت: نعم، قال: فاستأذن [أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن - محمد الأمين بن محمد المختار بن عبد القادر الجكني الشنقيطي الناشر: دار الفكر للطباعة و النشر و التوزيع بيروت - لبنان عام النشر: 1415 ه - 1995 م].

 

2- عن نافع كان ابن عمر إذا بلغ بعض ولده الحلم لم يدخل عليه إلا بإذن [الأدب المفرد للبخاري، (ص 364)، برقم (1058)، وصحح إسناده الشيخ الألباني في صحيح الأدب المفرد، برقم (433)].

 

3- عن موسى بن طلحة قال: دخلت مع أبي على أمي فدخل، واتبعته فدفع في صدري، وقال: تدخل بغير إذن؟ [فتح الباري (11/25)].

 

4- عن عطاء سألت ابن عباس أستأذن على أختي؟ قال: نعم، قلت: إنها في حجري؟ قال: أتحب أن تراها عريانة؟![فتح الباري (11/25)].

 

5- روي: أن من اطلع في بيت فقد مر [محاضرات الأدباء للراغب الأصفهاني (1/96)]. ومعناه: أنه حكمه حكم الداخل.

 

6- قال عبد الله بن مسعود: "عليكم الإذن على أمهاتكم" [تفسير ابن كثير دار طيبة (6/39)].

 

7- قال عطاء سمعت أبا هريرة رضي الله عنه يقول: إذا قال: أأدخل ولم يسلم فقل: لا حتى تأتي بالمفتاح، قلت: السلام؟ قال: نعم [الأدب المفرد رقم (1083) وقال الشيخ الألباني صحيح].

 

8- قال ابن جريج: وأخبرني ابن طاوس عن أبيه، قال: ما من امرأة أكره إليّ أن أرى عورتها من ذات محرم، قال: وكان يشدد في ذلك [تفسير ابن كثير (6/39)].

 

9- كان سعيد بن جبير -رضي الله عنه- قد قال: إن ناسًا يقولون: نُسخت هذه الآية - آية الاستئذان-، لا والله ما نُسخت، ولكنها مما تهاون بها الناس [تفسير السراج المنير (1/228)].

 

10- قال قتادة: "كان يقال: الاستئذان ثلاث فمن لم يؤذن له فليرجع أما الأولى فيسمع، وأما الثانية فيأخذوا حذرهم، وأما الثالثة فإن شاءوا أذنوا و إن شاءوا ردوا" [شعب الإيمان - أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت الطبعة الأولى، 1410 تحقيق: محمد السعيد بسيوني زغلول برقم (8820)].

القصص

1- عن أبي موسى رضي الله عنه قال: استأذنت على عمر رضي الله عنه فلم يؤذن لي ثلاثاً فأدبرت فأرسل إليَّ، فقال: يا عبد الله اشتد عليك أن تحتبس على بابي؛ اعلم أن الناس كذلك يشتد عليهم أن يحتبسوا على بابك، فقلت: بل استأذنت عليك ثلاثاً، فلم يؤذن لي فرجعت، وكنا نؤمر بذلك، فقال: ممن سمعت هذا؟، فقلت سمعته من النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال أسمعت من النبي صلى الله عليه وسلم ما لم نسمع؛ لئن لم تأتني على هذا ببينة لأجعلنك نكالاً، فخرجت حتى أتيت نفراً من الأنصار جلوساً في المسجد، فسألتهم، فقالوا: أو يشك في هذا أحد، فأخبرتهم ما قال عمر رضي الله عنه، فقالوا: لا يقوم معك إلا أصغرنا، فقام معي أبو سعيد الخدري أو أبو مسعود إلى عمر، فقال: خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم وهو يريد سعد بن عبادة حتى أتاه فسلم فلم يؤذن له، ثم سلم الثانية، ثم الثالثة فلم يؤذن له، فقال: قضينا ما علينا، ثم رجع فأدركه سعد، فقال: يا رسول الله والذي بعثك بالحق ما سلمت من مرة إلا وأنا أسمع وأردُّ عليك، ولكن أحببت أن تكثر من السلام علي وعلى أهل بيتي، فقال أبو موسى: والله إن كنت لأميناً على حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: أجل، ولكن أحببت أن أستثبت [الأدب المفرد - محمد بن إسماعيل أبو عبدالله البخاري الجعفي الناشر: دار البشائر الإسلامية - بيروت الطبعة الثالثة، 1409 - 1989 رقم (1073) وقال الشيخ الألباني: صحيح].

 

2- تقول زينب زوجة عبد الله بن مسعود - رضي الله عنهما-: "كان عبد اللَّه إذا جاء من حاجة فانتهى إلى الباب تنحنح كراهة أن يهجم على أمر يكرهه" [زهرة التفاسير - محمد بن أحمد بن مصطفى بن أحمد المعروف بأبي زهرة (المتوفى: 1394ه) دار النشر: دار الفكر العربي (7/3870)].

 

3- دقت امرأة على الإمام أحمد الباب دقا فيه عنف - وكانت تريد أن تسأله عن مسألة من أمور الدين - فخرج وهو يقول: "هذا دق الشرط. والصحابة كانوا يقرعون باب رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأظافر [رواه البخاري في الأدب المفرد وانظر موسوعة البحوث والمقالات العلمية جمع وإعداد الباحث في القرآن والسنة حوالي خمسة آلاف وتسعمائة مقال وبحث علي بن نايف الشحود].

 

4- عن أبي العلانية قال: أتيت أبا سعيد الخدري فسلمت فلم يؤذن لي ثم سلمت فلم يؤذن لي ثم سلمت الثالثة فرفعت صوتي وقلت السلام عليكم يا أهل الدار فلم يؤذن لي فتنحيت ناحية فقعدت فخرج إلي غلام فقال ادخل فدخلت فقال لي أبو سعيد أما إنك لو زدت لم يؤذن لك. فسألته عن الأوعية فلم أسأله عن شيء إلا قال حرام حتى سألته عن الجف فقال حرام فقال محمد: يتخذ على رأسه آدم فيوكأ [الأدب المفرد رقم (1077) وقال الشيخ الألباني صحيح].

الاشعار

لا تدخلن بيوت قوم حضر *** إلا بنحنحة أو استئذان
[القحطاني]

الدراسات

متفرقات

1- قال ابن كثير: وقال ابن جريج: قلت لعطاء: أيستأذن الرجل على امرأته؟ قال: لا،. . ثم قال ابن كثير: وهذا محمول على عدم الوجوب، وإلا فالأولى أن يعلمها بدخوله ولا يفاجئها به؛ لاحتمال أن تكون على هيئة لا تحبّ أن يراها عليها [تفسير القرآن العظيم المؤلف: أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي الدمشقي (المتوفى: 774ه) المحقق: محمود حسن الناشر: دار الفكر الطبعة: الطبعة الجديدة 1414ه/1994م (3/342)].

 

2- يقول الحافظ ابن كثير في قوله تعالى: (يَأَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَدْخُلُواْ بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتّىَ تَسْتَأْنِسُواْ وَتُسَلّمُواْ عَلَىَ أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لّكُمْ لَعَلّكُمْ تَذَكّرُونَ فَإِن لّمْ تَجِدُواْ فِيهَآ أَحَداً فَلاَ تَدْخُلُوهَا حَتّىَ يُؤْذَنَ لَكُمُ وَإِن قِيلَ لَكُمْ ارْجِعُواْ فَارْجِعُواْ هُوَ أَزْكَىَ لَكُمْ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ لّيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَدْخُلُواْ بُيُوتاً غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيهَا مَتَاعٌ لّكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ [النور: 27-29]: هذه آداب شرعية، أدب الله بها عباده المؤمنين، وذلك في الاستئذان أمرهم أن لا يدخلوا بيوتاً غير بيوتهم حتى يستأنسوا، أي يستأذنوا قبل الدخول ويسلموا بعده [تفسير القرآن العظيم المؤلف: أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي الدمشقي (المتوفى: 774ه) المحقق: محمود حسن الناشر: دار الفكر الطبعة: الطبعة الجديدة 1414ه/1994م (3/339)].

 

3- قال ابن كثير في قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ. . .) [النور:58-59]: هذه الآيات الكريمة اشتملت على استئذان الأقارب بعضهم على بعض، وما تقدم في أول السورة، فهو استئذان الأجانب بعضهم على بعض، فأمر الله تعالى المؤمنين أن يستأذنهم خدمهم مما ملكت أيمانهم، وأطفالهم الذين لم يبلغوا الحلم منهم في ثلاثة أحوال: الأول: من قبل صلاة الغداة، لأن الناس إذ ذاك يكونون نياماً في فرشهم الثاني: (وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُم مِّنَ الظَّهِيرَةِ) أي في وقت القيلولة، لأن الإنسان قد يضع ثيابه في تلك الحال مع أهله، الثالث: (وَمِن بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاء) لأنه وقت النوم، فيؤمر الخدم والأطفال أن لا يهجموا على أهل البيت في هذه الأحوال، لما يخشى من أن يكون الرجل على أهله، أو نحو ذلك من الأعمال، ولهذا قال: (ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَّكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ) أي إذا دخلوا في حال غير هذه الأحوال، فلا جناح عليكم في تمكينكم من ذلك إياهم ولا عليهم إن رأوا شيئاً في غير تلك الأحوال لأنه قد أذن لهم في الهجوم, ولأنهم طوافون عليكم أي في الخدمة وغير ذلك. ويغتفر في الطوافين ما لا يغتفر في غيرهم [تفسير القرآن العظيم المؤلف: أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي الدمشقي (المتوفى: 774ه) المحقق: محمود حسن الناشر: دار الفكر الطبعة: الطبعة الجديدة 1414ه/1994م (3/368)].

 

4- قَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم:" لَا يَحِلُّ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَصُومَ وَزَوْجُهَا شَاهِدٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ وَلَا تَأْذَنَ فِي بَيْتِهِ إِلَّا بِإِذْنِهِ وَمَا أَنْفَقَتْ مِنْ نَفَقَةٍ عَنْ غَيْرِ أَمْرِهِ فَإِنَّهُ يُؤَدَّى إِلَيْهِ شَطْرُهُ". قال ابن بطال: قال المهلب: قوله: (لا تأذن في بيت زوجها إلا بإذنه) يعني: لا لرجل ولا لامرأة يكرهها زوجها، فإن ذلك يوجب سوء الظن، ويبعث الغيرة التي هي سبب القطيعة [شرح صحيح البخاري لابن بطال دار النشر: مكتبة الرشد - السعودية / الرياض - 1423ه - 2003م الطبعة: الثانية تحقيق: أبو تميم ياسر بن إبراهيم (7/317)]. قال النووي: فيه إشارة إلى أنه لا يفتات على الزوج وغيره من مالكي البيوت وغيرها بالإذن في أملاكهم إلا بإذنهم، وهذا محمول على ما يعلم رضا الزوج ونحوه به، فإن علمت المرأة ونحوها رضاه به جاز [المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج المؤلف: أبو زكريا يحيى بن شرف بن مري النووي الناشر: دار إحياء التراث العربي - بيروت الطبعة الطبعة الثانية، 1392 (7/115)].

 

5- قال الشنقيطي: اعلم أن المستأذن إن تحقق أن أهل البيت سمعوه لزمه الانصراف بعد الثالثة، لأنهم لما سمعوه، ولم يأذنوا له دل ذلك على عدم الإذن، وقد بينت السنة الصحيحة عدم الزيادة على الثلاثة، خلافاً لمن قال من أهل العلم: إن له أن يزيد على الثلاث مطلقاً، وكذلك إذا لم يدر هل سمعوه أولاً، فإنه يلزمه الانصراف بعد الثالثة. والذي يظهر لنا رجحانه من الأدلة، أنه إن علم أن أهل البيت، لم يسمعوا استئذانه لا يزيد على الثالثة، بل ينصرف بعدها لعموم الأدلة، وعدم تقييد شيء منها بكونهم لم يسمعوه خلافاً لمن قال له الزيادة، ومن فصل في ذلك. والصواب إن شاء الله تعالى هو ما قدمنا من عدم الزيادة على الثلاث؛ لأنه ظاهر النصوص ولا يجوز العدول عن ظاهر النص إلا بدليل يجب الرجوع إليه، كما هو مقرر في الأصول [أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن المؤلف: محمد الأمين بن محمد المختار بن عبد القادر الجكني الشنقيطي (المتوفى: 1393ه) الناشر: دار الفكر للطباعة و النشر و التوزيع بيروت - لبنان عام النشر: 1415 ه - 1995 م (5/498)].

 

6- قال الشنقيطي: اعلم أن المستأذن إذا قال له رب المنزل: من أنت، فلا تجوز له أن يقول له: أنا، بل يفصح باسمه وكنيته إن كان مشهوراً به؛ لأن لفظه: أنا يعبر بها كل أحد عن نفسه، فلا تحصل بها معرفة المستأذن، وقد ثبت معنى هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم ثبوتاً لا مطعن فيه [أضواء البيان (5/499)].

 

7- قال الشنقيطي: اعلم أن الأظهر الذي لا ينبغي العدول عنه أن الرجل يلزمه أن يستأذن على أمه وأخته وبنيه وبناته البالغين، لأنه إن دخل على من ذكر بغير استئذان فقد تقع عينه على عورات من ذكر، وذلك لا يحل له [أضواء البيان (5/500)].

 

8- قال الشنقيطي: اعلم أن أقوى الأقوال دليلاً وأرجحها فيمن نظر من كوّة إلى داخل منزل قوم ففقأوا عينه التي نظر إليهم بها، ليطّلع على عوراتهم أنه لا حرج عليهم في ذلك من إثم ولا غرم دية العين ولا قصاص، وهذا لا ينبغي العدول عنه لثبوته عن النبيّ صلى الله عليه وسلم ثبوتًا لا مطعن فيه. . إلى أن قال: وثبوت هذا عن النبيّ صلى الله عليه وسلم كما رأيت يدلّ على أنه لما تعدّى وانتهك الحرمة، ونظر إلى بيت غيره دون استئذان، أن اللَّه أذن على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم في أخذ عينه الخائنة، وأنها هدر لا عقل فيها، ولا قود، ولا إثم، ويزيد ما ذكرنا توكيدًا وإيضاحًا ما جاء عنه صلى الله عليه وسلم منه أنه هم أن يفعل ذلك [أضواء البيان (5/502)].

التحليلات

الإحالات

1- أحكام الاستئذان في السنة والقرآن - أحمد بن سليمان العريني .

2- أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن المؤلف : محمد الأمين بن محمد المختار بن عبد القادر الجكني الشنقيطي (المتوفى : 1393هـ) الناشر : دار الفكر للطباعة و النشر و التوزيع بيروت – لبنان عام النشر : 1415 هـ - 1995 مـ (4/193)، (5/491 – 506، 542 ) وانظر آيات الاستئذان في كتب التفسير .

3- تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي المؤلف : محمد عبد الرحمن بن عبد الرحيم المباركفوري أبو العلا الناشر : دار الكتب العلمية – بيروت (7/385- 407) وانظر كتاب الاستئذان من كتب السنة وشروحها .

4- دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين المؤلف : محمد علي بن محمد بن علان بن إبراهيم البكري الصديقي الشافعي (المتوفى : 1057هـ) (باب الاستئذان) .

5- مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح للعلامة الشيخ ولي الدين أبي عبد الله محمد بن عبد الله الخطيب العمري التبريزي مع شرحه مرعاة المفاتيح للشيخ أبي الحسن عبيدالله بن العلامة محمد عبدالسلام المباركفوري حفظه الله – باب الاستئذان .

6- تطريز رياض الصالحين المؤلف: فيصل بن عبد العزيز بن فيصل ابن حمد المبارك الحريملي النجدي (المتوفى: 1376هـ) المحقق: د. عبد العزيز بن عبد الله بن إبراهيم الزير آل حمد الناشر: دار العاصمة للنشر والتوزيع، الرياض الطبعة: الأولى، 1423 هـ - 2002 م – باب الاستئذان وآدابه .

7- الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع المؤلف : أحمد بن علي بن ثابت الخطيب البغدادي أبو بكر الناشر : مكتبة المعارف - الرياض ، 1403 تحقيق : د. محمود الطحان - باب ادب الاستئذان على المحدث .

8- مجموع فتاوى العلامة عبد العزيز بن باز رحمه الله المؤلف : عبد العزيز بن عبد الله بن باز (المتوفى : 1420هـ) أشرف على جمعه وطبعه : محمد بن سعد الشويعر - حكم الاستئذان من العمل لحاجة ماسة .

9- الموسوعة الفقهية الكويتية صادر عن : وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية – الكويت (34/130) .

10- الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار وعلماء الأقطار فيما تضمنه الموطأ من معاني الرأي والآثار وشرح ذلك كله بالإيجاز والإختصار.المؤلف: أبو عمر يوسف بن عبد الله بن عبد البر النمري القرطبي 368هـ - 463هـ تحقيق: عبدالمعطي امين قلعجي. الناشر: دار قتيبة - دمشق | دار الوعي – حلب – باب الاستئذان .