مِن المحَن تأتي المنَح

فريق النشر - ملتقى الخطباء

2022-10-07 - 1444/03/11
التصنيفات:

 

 

د. بيومي إسماعيل

 

قد يَنظر الإنسانُ إلى الظواهر ويَترك البواطن، فينظر إلى آلام المخاض ويَنسى فرحة الميلاد، إن الذهب حينما يُستخرَج خاماً لا بد أن يُوضع في النار حتى يُنقَّى مِن الشوائب، ويَصير ذا قيمة؛ كذلك تَفعل المحَنُ بالمسلم، قال تبارك وتعالى: ﴿ وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ ﴾ (آل عمران: 141).

 

 

 

وفوائد المحَن كثيرة؛ منها:

 

أنها تُظهِر الصديقَ مِن العدوِّ، وتُعرِّف الإنسانَ محبِّيه مِن مبغِضيه؛ فيَظهَرون وقت الشدَّة، أما المحبُّ فيقف بجانبك منصفًا، وأما المبغِض فيقف وراءك شامتًا، والشماتة ليست مِن خُلق المسلمِ، وفي الأثر: "لا تُظْهر الشماتة لأخيك، فيرحمه اللهُ ويبتليك"، وقد قال الشاعر:

 

جَزى اللهُ الشدائدَ كلَّ خيرٍ ♦♦♦ عرَفتُ بها عدوِّى مِن صدِيقي

 

 

 

وفي المحَن يبحث لك المحبُّون عن عُذر، والمبغِضون يبحثون لك عن عثرة، والمنصِفون يُوازنِون الأمورَ حتى يحكُموا بالعدل... وفي النهاية مِن المحَن تأتي المنَح.

 

 

 

ومِن فوائد المحَن:

 

أنها تؤدِّي إلى مراجعة النفس، ومعرفة مسارها، ومِن أين أُتيت، فيصحِّح الإنسانُ مسارَه، ويُقاوِم عيوبَه؛ فيصبح شخصًا آخر يقرُّ بالحق، ولا يُعاند بالباطل، فيقرُّ بخطئه، ويَعترف بذنبه، ويتوب إلى ربه، وإن هذا المثل كمثَل رجلٍ عنده ولدٌ، فهو يحبُّه لكنه يجده يخطئ ويتنكَّب الطريق، ومازال يتنكَّب حتى يخشى عليه مِن العثرات؛ فهو مِن فرط حبِّه له، وإشفاقه عليه، يقسُو عليه، ويُلزمه بأمور شديدة حتى يصنع منه رجلًا، قال الشاعر:

 

قسَا لِيزدجِروا ومَن يكُ حازمًا ♦♦♦ فلْيَقْسُ أحياناً على مَن يَرْحَم

 

 

 

ومن فوائد المحَن:

 

أنها تعرِّف الإنسانَ قدْرَ النعمة التي هو فيها فيَشكُر اللهَ عليها، ويحافظ عليها، إذِ النِّعَم منسيَّة فإذا فُقِدَت عُرِفَت، فيجتهد بالحفاظ على النعم بطاعة الله، وإتقانِ العمل، وسدِّ الثغراتِ، وإصلاح النيَّة. قال الشاعر:

إذا كنتَ في نعمةٍ فارعَها

فإنَّ الذنوبَ تُزيل النعمْ

صُنها بطاعة ربِّ العبادِ

فَرَبُّ العبادِ سريعُ النقمْ

 

 

 

ومن فوائد المحَن:

 

أنها تُخرج الطاقاتِ الكامنةَ؛ فتظهر قدرة الإنسانِ الحقيقية، وتُعَوِّده الجدَّ بعد أن تَعوَّد الكسل، والنشاطَ بعدَ الخمولِ، والعملَ لِدِين الله بعد أن أَخَذَت الدنيا مَجامِع قلبِه... فمِن المحَن تأتي المنَح.

 

 

 

ومن فوائد المحَن:

 

أنها تُعرِّف الإنسانَ حقيقةَ الدنيا، وأنها بين لحظة وأخرى تنقلب على صاحبها، ألا فليعملْ للهِ؛ فهو ضمانُ الفوز، ولا يشغل نفسَه بالرزق والدنيا فهي آتيةٌ لا محالة. ولقد صدَق القائلُ:

أرى الدّنيا لمَن هي في يديهِ

عذاباً عند مَن كَثُرَتْ لديهِ

تُهين المكْرِمين لها بصُغر

وتُكْرِم كلَّ مَن هانت عليهِ

إذا استَغنَيْتَ عن شيءٍ فَدَعْهُ

وخُذ ما أنتَ مُحْتاجٌ إليهِ

 

 

 

ومن فوائد المحَن:

 

أنها تكفِّر الذنوبَ، وتُقرِّب مِن رب العباد، وفي الحديث: ((لا يزال البلاءُ بالمؤمن حتى يمشي على الأرض ولا خطيئة له)).

 

 

 

ومن فوائد المحَن:

 

أنها تَكْسِر القلبَ لله، وتُزيل الكِبْرَ مِن النفسِ فيعُود العبدُ ذليلًا بين يديِ اللهِ تعالى، وحينئذٍ يعُود القلبُ قريبًا مِن الله، بعيدًا عن الشيطان. روى الإمام أحمد في كتاب (الزهد)؛ أنَّ موسى عليه السلام سألَ اللهَ تعالى يومًا فقال: يا رب، أين أجدُكَ؟ قال عز وجل: "عند المنكسِرةِ قلوبُهم؛ فإنى أدنو منهم كل يومٍ قيراطًا، ولولا ذلك لانصَدَعُوا".

 

 

 

ومن فوائد المحَن:

 

أنها تجعل بين الإنسان وبين الخطأ والزلل حاجزًا نفسيًّا عميقًا، فلا يقع فيه مرة أخرى، وتجعله يتَّخذ بَعده سبيلًا يرفعه ولا يخفضه، يُعزُّه ولا يُذلُّه.

 

 

 

ومن فوائد المحَن:

 

أن الإنسان يحبُّ مَن كان سببًا في تنبيهه مِن غفلته، فلولا أن الله سخَّره لَبَقِيَ الترابُ على السطح، ولظلَّ المعدنُ مدفونًا في الشوائب. دخَلَ النبىُّ صلى الله عليه وسلم على أمِّ السائب، فوجدها تزفزف؛ (يعني: تضطرب وترتعش مِن الحُمَّى)، فقال لها صلى الله عليه وسلم: ((مالك تزفزفين؟))، قالت: إنها الحُمَّى؛ لا بارك الله فيها، فقال صلى الله عليه وسلم: ((لا تسبِّي الحمَّى؛ فإنها تنفي ذنوب ابن آدم)).

 

 

 

وختامًا يُعجبنى دعاءٌ للشيخ الشعراوى، فيه مَعانٍ طيبة؛ حيث يقول رحمه الله: أحمدك ربي على كلِّ قضائك، وجميع قَدَرِكَ، حمد الرضا لحُكْمِك لليقين بِحِكْمَتِك".

 

 

 

والحمد لله أولًا وآخرًا، وهو حسْبُنا، ونعْم الوكيل.

 

 

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات