تنبيهات ودروس من كورونا الفيروس

فريق النشر - ملتقى الخطباء

2022-10-05 - 1444/03/09
التصنيفات:

اقتباس

وفي المقابل من قدرة الله -عز وجل- العظيمة يظهر ضعف هذا الإنسان المتكبر المتجبر فهو على إمكانياته المادية والتقنية والعلاجية يقف ضعيفًا خاسئا وهو حسير، لا يملك أن يدفع أو يرفع مثل هذه...

عبدالعزيز ناصر

 

الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وآله وصحبه أما بعد:

 

فلا يخفى ما يعيشه اليوم العالم بأسره من الهلع والترقب وتناقل الأخبار في القنوات والإذاعات والصحف عن ما يسمى (بفيروس كورونا المستجد) حتى أصبح هو حديث الناس وكأن لا يوجد من الكوارث والمصائب غيره، حيث نسي الناس تلكم الحروب والمآسي التي يتعرض لها المسلمون في الصين والهند وبورما وأفغانستان واليمن وبلاد الشام وليبيا وغيرها والتي تحصد من الأرواح الأضعاف المضاعفة لما يحصده (فيرس كورونا) من الإصابات والوفيات.

 

ومما يلفت الانتباه في هذا الحدث المبالغة والتهويل بشكل لم يسبق له نظير في ما سبق من أحداث وأمراض حتى أصبح يتصدر الأخبار وكل يوم في ازدياد وتهويل، كما ظهر ذلك -أيضاً- في هلع الناس والدول وبث الرعب والهلع والشائعات.

 

وأود أن أسجل في هذا الحدث أعني ( فيروس كورونا المستجد) بعض التنبيهات والعبر أجملها فيما يلي:

أولاً: إن من أصول الإيمان الثابتة التي لا يصح إيمان العبد إلا بها: الإيمان بالقضاء والقدر وهو اليقين بأن الله -عز وجل- قد علم الأشياء قبل وقوعها وكتبها عنده وأرادها وخلقها وأن شيئاً في ملكه سبحانه لا يكون إلا بإذنه وإرادته وعلمه وحكمته، ومن ذلك جميع الأحداث العلوية والسفلية دقيقها وجليلها. وبناء على ذلك فإن ظهور هذا الفيروس وانتشاره بهذه السرعة والنشاط إنما حدث بعلم الله -عز وجل- وإرادته لذلك وإيجاده له، وأن له سبحانه الحكمة البالغة من ذلك وأن من يتعرض له من المسلمين فهو رحمة وكفارة لهم وهذا مقتضى فضله ورحمته ومن يتعرض له من الكفار والمنافقين فهو عقوبة ورجز من الله -عز وجل- على كفرهم وظلمهم وهذا مقتضى عدله وحكمته؛ (وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا).

 

إن ما نزل بالصين وتلاه من انتشار المرض في العالم لهو رجز وعذاب من الله -عز وجل- وإعذار وإنذار منه لكل من كفر وظلم وعصى وغفل؛ قال تعالى: (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ)، وقال تعالى: (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَىٰ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَٰكِن كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ)، وقال سبحانه: (وَتِلْكَ الْقُرَىٰ أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِم مَّوْعِدًا)، وقال سبحانه: (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ).

 

فسبحان القوي العزيز كيف تحول الأمر في الصين إلى حجْر وسجن للناس الملاحدة بحجة الحجر الصحي فهم حبيسو بيوتهم؛ حيث بلغ المحجوز عليهم أكثر من سبعين مليون من السكان، وهذا من جزاء ما فعلوه بالمسلمين الأيجور، وكذا الحال في بقية دول العالم الظالمة المستكبرة، ومن العقوبات التي حلت بالصين ومثيلاتها في العالم الانهيارات الاقتصادية في الأسهم والمصانع والبنوك والشركات التي تجاوزت مئات المليارات.

 

ثانيًا: وبناء على الإيمان بالقضاء والقدر نوقن أن خالق الأسباب ومسبباتها هو الله -عز وجل- ونذكر في ذلك بقوله -صلى الله عليه وسلم- "لا عدوى ولا طيرة"، وقوله -صلى الله عليه وسلم- عن الإبل التي أصابها الجرب بوجود بعير مجروب "فمن أعدى الأول"، وهذا لا ينافي الأخذ بأسباب الوقاية والابتعاد عن ما جعله الله سببًا حسًا أو شرعًا في الإصابة بالمرض وبذلك نجمع بين قوله -صلى الله عليه وسلم-: "لا عدوى ولا طيرة"، وبين قوله -صلى الله عليه وسلم- "فر من المجذوم فرارك من الأسد"، وذلك بأن نأخذ بأسباب الوقاية والاحتراز مع يقيننا أن المرض لا يعدي بنفسه استقلالًا وإنما بإذن الله -تعالى- وإلا كيف نجد من يتعرض لمثل هذه الأمراض ثم لا يصيبه شيء منها وهذا لا يعني التهوين من شأن هذا الفيروس وآثاره وأخذ الاحترازات منه، وإنما المقصود تجريد التوكل على الله -عز وجل- خالق كل شيء، وأنه هو القادر على دفعه ورفعه، وأن لا نتكل ونتعلق بالأسباب.

 

ثالثاً: وبناء على ما سبق فالواجب على المسلمين الذين يفقهون سنة الله -عز وجل- في أخذه للظالمين بذنوبهم أن يبادروا بالتوبة والتضرع إلى الله -عز وجل-، والإقلاع عن الذنوب ومظالم العباد فهذا هو العلاج والدواء لهذه الكوارث والأمراض قال الله -عز وجل-: (فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُم بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)، وقال سبحانه: (أَفَلَا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ)؛ فهذا والله طريق العلاج الذي تدفع وترفع به الكوارث والأمراض، وهذا لا يعني عدم الأخذ بالأسباب من وسائل الوقاية والعلاج وفرض بعض الاحترازات التي تحد من انتشار المرض، وإنما التنبيه الى أهمية التوكل على الله -عز وجل- والاستعانة به ودعائه في كشف الشرور والكروب، وأن يكون هذا حاضرًا في قلوب الناس وأذهانهم.

 

رابعًا: ومن هذه العبر معرفة الله -عز وجل- بأسمائه الحسنى وسننه التي لا تتبدل؛ ومن ذلك أسمائه (العزيز، الحكم، القوي، القدير، العليم، الرحيم، اللطيف)؛ فلقد أرانا الله -عز وجل- جانبًا من قوته وقدرته حيث سلط على الناس أضعف جنوده وخلقه، ذلكم الفيروس الذي لا يرى إلا بالميكروسكوب الدقيق، ومع ذلك قتل من الناس قتلا كثيرا؛ بل تسبب في انهيارات اقتصادية عالمية وهلع ورعب بين الناس؛ فكيف لو سلط الله -عز وجل- أكبر من ذلك وأشد فتكا.

 

وفي المقابل من قدرة الله -عز وجل- العظيمة يظهر ضعف هذا الإنسان المتكبر المتجبر فهو على إمكانياته المادية والتقنية والعلاجية يقف ضعيفًا خاسئا وهو حسير، لا يملك أن يدفع أو يرفع مثل هذه الأمراض، وهذا يجعل المسلمين يعيدون النظر في انبهارهم بقوة الأعداء وأنهم لا شيء بجانب قوة الله -عز وجل-، كما أنه يطرد اليأس والإحباط عن قلوب المسلمين الذين يأسوا من نصر الله أمام قوة الكفرة الهائلة، وكما يلفتهم إلى تحقيق شروط نصر الله والتمكين في الأرض؛ ليسخر الله لهم جنود السموات والأرض؛ إذ لا قدرة للبشر بكل ما يملك من إمكانيات أن يواجهوا جنود الله -عز وجل- وأولياءه.

 

خامسًا: وفي مقابل هذه الكوارث وما ترتب عليها من انهيارات وأمراض ووفيات وتعطيل أعمال؛ فقد ظهر لنا جانبًا من حكمة الله -عز وجل- في تقديرها وما تضمنته من رحمته وألطافه بعباده المؤمنين، والطاعة وما ظهر فيها من المصالح وما خفي عنا من الألطاف أكثر ومن ذلك:

- توقف السياحة في وإلى كثير من الدول وما يحصل فيها من الفساد العظيم في الدين والأخلاق والقيم حتى أصبحت الأماكن السياحية خالية.

 

- إلغاء المباريات وجنون الكرة ودورات الألعاب حتى أصبحت المدارج الرياضية اليوم خالية.

 

- الكوارث الاقتصادية والبشرية التي أنزلها الله -عز وجل- بدول الكفر والإفساد.

 

سادسًا: وهنا سؤال: هل هناك سر وراء هذا التهويل والمبالغات؟ هل ركبت بعض الدول هذا الزخم الإعلامي وهذا التهويل في تسييس هذا المرض واستثماره في تحقيق أهداف سياسية أو اقتصادية أو اعلامية أو أمنية أو تصفية حسابات بين الدول وشعوبها أو بين الدول مع بعضها وكأن هذا المرض بيئة مناسبة لها؟

هذا مجرد تساؤل واستفهام لا نملك عليه الدليل ولكننا في زمان لا يستغرب فيه مثل هذا السؤال.

 

سابعًا: يجب على المسلم أن يسعى جاهدًا في توعية إخوانه المسلمين بداية من الأهل والأولاد والأقارب إلى من تربطه بهم روابط اجتماعية، وأن يبين لهم ما سبق بيانه في التنبيهات السابقة؛ وأن يربط الناس بربهم -سبحانه- فهو الذي يدبر ملكه العظيم وإليه تصير وترجع الأمور بحكمته وعلمه وقدرته ورحمته ولطفه، كما يجدر في هذه المناسبة الحذر من الإرجاف والإشاعات التي تبث في الناس الرعب والتعلق بالأسباب الذي ينسيهم التوكل على الله -عز وجل- وضرورة اللجوء اليه سبحانه والاستعانة به وحده في كشف الكروب ورفع المصائب، وذلك بالدعاء والتوبة الى الله -سبحانه- والإقلاع من الذنوب؛ فما وقعت مصيبة إلا بذنب ولا رفعت إلا بتوبة.

 

ثامنًا: كان من دعائه -صلى الله عليه وسلم- قوله: "ولا تجعل مصيبتي في ديني" وهذا يلفت انتباهنا إلى أن المصيبة العظمى على الإنسان أن يصاب في دينه وينحرف عن الصراط المستقيم لأن مآل ذلك سخط الله -عز وجل- وعذابه، أما مصيبة الدنيا من أمراض جسدية أو فقر أو غير ذلك من المصائب فهي هينة عند مصيبة الدين وغايتها الموت أو فقد متع الدنيا وهذا لا يضيره إذا سلم الله -عز وجل- له دينه وأخلاقه كما قال الشاعر:

وكل كسر فإن الله يجبره *** وما لكسر قناة الدين جبران

 

وهذا لا يعني عدم الأخذ بالأسباب في دفع المصائب والأمراض، وإنما المقصود بيان خطر الفيروسات التي تأكل الدين وتفتك به من فيروسات الشبهات والشهوات التي إذا تمكنت من الإنسان أوبقت عليه دينه وتعرض لعذاب الله وسخطه، وأن ننبه الناس إلى أن خطر فيروسات الدين والأخلاق أعظم بكثير من فيروسات الأجساد، والحاصل والواقع الذي نشاهده من أحوالنا هذه الأيام العناية بالوقاية من فيروس كورونا مع الإهمال الشديد لما نراه من نقص في أدياننا وأخلاقنا، ثم لا يكون له هذا الهلع والخوف والمقاومة، وهذا يقودنا إلى الفقرة التالية.

 

تاسعًا: إن ما يتخذ من أسباب احترازية لمكافحة فيروس كورونا ينطلق من قاعدة سد الذرائع وهو أن ما كان ذريعة للفساد وانتشار المرض فإنه يسد ويمنع، وأن ما كان ذريعة الى تقليص الفساد والأمراض فيؤخذ به، وهو ما نراه اليوم من أسباب وذرائع واحترازات للحد من خطر هذا المرض. وأيضا يعمل بها فيما هو أعظم منها وهو فساد الدين والأخلاق.

 

اسأل الله -عز وجل- أن يجنبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن وأن يرزقنا التوبة النصوح الذي يرفع الله -عز وجل- بها عنا البلاء والفساد.

 

والحمد لله رب العالمين.

 

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات