توضيح لبعض شروط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

فتاوى الشبكة الإسلامية

2022-10-05 - 1444/03/09
التصنيفات:

السؤال

 

لدي استفسار عن أحد شروط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لم أفهمه جيدا، وهو أنه يشترط في الشيء المنكر أن يكون ظاهرا من غير تجسس، وأن يكون قائما في الحال، وألا يكون من الأمور المختلف في حرمتها اختلافا سائغا، وما فهمته من ذلك هو ما أراه من أخطاء المصلين وأنا أصلي مثلا، أو ما يكون قد تهيأ لي أن المصلي قد أخطأ فيه.

وجزاكم الله خيرا.

الإجابــة

 

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

 

فقد ذكرت أيها الأخ الكريم أن شرطا من شروط الأمر بالمعروف لم تفهمه جيدا، وقد ذكرت ثلاثة شروط، ولا ندري أيها الذي لم تفهمه، لكن سننقل لك من كلام العلماء ما يوضح هذه الشروط الثلاثة، فأما ما يتعلق بكون الشيء المنكر ظاهرا من غير تجسس، فقد جاء في شرح مسلم للنووي: وليس للآمر بالمعروف البحث والتنقير والتجسس واقتحام الدور بالظنون، بل إن عثر على منكر غيّره جهده، هذا كلام إمام الحرمين، وقال أقضى القضاة الماوردي: ليس للمحتسب أن يبحث عما لم يظهر من المحرمات، فإن غلب على الظن استسرار قوم بها لأمارة وآثار ظهرت فذلك ضربان أحدهما: أن يكون ذلك في انتهاك حرمة يفوت استدراكها مثل أن يخبره من يثق بصدقه أن رجلا خلا برجل ليقتله أو بامرأة ليزني بها، فيجوز له في مثل هذا الحال أن يتجسس ويقدم على الكشف والبحث؛ حذرا من فوات ما لا يستدرك، وكذا لو عرف ذلك غير المحتسب من المتطوعة جاز لهم الإقدام على الكشف والإنكار. الضرب الثاني: ما قصر عن هذه الرتبة فلا يجوز التجسس عليه ولا كشف الأستار عنه، فإن سمع أصوات الملاهي المنكرة من دار أنكرها خارج الدار لم يهجم عليها بالدخول؛ لأن المنكر ظاهر وليس عليه أن يكشف عن الباطن. اهـ.

 

وأما الشرط الثاني، وهو قيام المنكر في الحال: فقد جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية: أن يكون المنكر موجودا في الحال بأن يكون الفاعل مستمرا على فعل المنكر، فإن علم من حاله ترك الاستمرار على الفعل لم يجز إنكار ما وقع على الفعل، وهو احتراز عن الحسبة على من فرغ من شرب الخمر، واحتراز عما سيوجد، كمن يعلم بقرينة الحال أنه عازم على الشرب في ليلة فلا حسبة عليه إلا بالوعظ، وإن أنكر عزمه عليه لم يجز وعظه أيضا، فإن فيه إساءة ظن بالمسلم وربما صدق في قوله، وربما لا يقدم على ما عزم عليه لعائق، واستثني من ذلك حالتان:

 

الحالة الأولى: الإصرار على فعل الحرام من غير إحداث توبة، فهذا يجب الإنكار عليه، وفي رفعه إلى ولي الأمر خلاف مبني على وجوب الستر واستحبابه، وعلى سقوط الذنب بالتوبة وعدمه.

 

الحالة الثانية: الإنكار على أرباب المذاهب الفاسدة والبدع المضلة. اهـ باختصار.

 

وأما ما يتعلق بالشرط الثالث ـ وهو ألا يكون المنكر مختلفا فيه اختلافا سائغا ـ فقد جاء بيانه في  الموسوعة الفقهية الكويتية كما يلي:  أن يكون المنكر معلوما بغير اجتهاد، فكل ما هو محل للاجتهاد، فلا حسبة فيه، وعبر صاحب الفواكه الدواني عن هذا الشرط بقوله: أن يكون المنكر مجمعا على تحريمه، أو يكون مدرك عدم التحريم فيه ضعيفا وبيان ذلك: أن الأحكام الشرعية على ضربين:

 

أحدهما: ما كان من الواجبات الظاهرة كالصلاة والصيام والزكاة والحج، أو من المحرمات المشهورة كالزنى، والقتل والسرقة، وشرب الخمر، وقطع الطريق، والغصب، والربا، وما أشبه ذلك، فكل مسلم يعلم بها ولا يختص الاحتساب بفريق دون فريق.

 

والثاني: ما كان في دقائق الأفعال والأقوال مما لا يقف على العلم به سوى العلماء، مثل فروع العبادات والمعاملات والمناكحات وغير ذلك من الأحكام، وهذا الضرب على نوعين:

 

أحدهما: ما أجمع عليه أهل العلم، وهذا لا خلاف في تعلق الحسبة فيه لأهل العلم، ولم يكن للعوام مدخل فيه.

 

والثاني: ما اختلف فيه أهل العلم مما يتعلق بالاجتهاد، فكل ما هو محل الاجتهاد فلا حسبة فيه.

ولكن هذا القول ليس على إطلاقه، بل المراد به الخلاف الذي له دليل، أما ما لا دليل له فلا يعتد به، ويقرر هذا الإمام ابن القيم بأن الإنكار إما أن يتوجه إلى القول والفتوى، أو العمل.

أما الأول: فإذا كان القول يخالف سنة أو إجماعا شائعا وجب إنكاره اتفاقا، وإن لم يكن كذلك، فإن بيان ضعفه ومخالفته للدليل إنكار مثله، وأما العمل فإذا كان على خلاف سنة أو إجماع وجب إنكاره بحسب درجات الإنكار، وكيف يقول فقيه لا إنكار في المسائل المختلف فيها، والفقهاء من سائر الطوائف قد صرحوا بنقض حكم الحاكم إذا خالف كتابا أو سنة، وإن كان قد وافق فيه بعض العلماء، وأما إذا لم يكن في المسألة سنة أو إجماع وللاجتهاد فيها مساغ لم تنكر على من عمل بها مجتهدا أو مقلدا، وقال الإمام النووي: ولا ينكر محتسب ولا غيره على غيره، وكذلك قالوا: ليس للمفتي ولا للقاضي أن يعترض على من خالفه إذا لم يخالف نصا أو إجماعا أو قياسا جليا، وهذا الحكم متفق عليه عند الأئمة الأربعة، فإن الحكم ينقص إذا خالف الكتاب أو السنة أو الإجماع أو القياس. اهـ.

 

وراجع عن الإنكار في مسائل الخلاف الفتوى رقم: 228658.

 

والله أعلم.

 

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات