عام الحزن - وفاة السيدة خديجة

راغب السرجاني

2022-10-12 - 1444/03/16
التصنيفات:

 

 

لقد حدثت مصيبة أخرى عظيمة في عام الحزن، تلك الفترة الزمنيَّة العصيبة نفسها التي شاهد فيها الرسول صلى الله عليه وسلم أشد الصعاب وفقدان السند والأحباب،

 

أهم مقتطفات المقال

 

لا شكَّ أنَّ درجة الحزن التي شعر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم لا نستطيع أن نصفها، ولعلَّ الشيء الوحيد الذي كان يُثلج صدره ويُصبِّره على مصيبته، أنَّه يعلم يقينًا أنَّها من أهل الجنَّة، وأنَّه عمَّا قليل ستنتهي الحياة، وسيكون اللقاء هناك.

 

لقد حدثت مصيبةٌ أخرى عظيمة في هذه الفترة الزمنيَّة العصيبة نفسها، التي بدأت بالحصار في شعب أبي طالب، ثم المحاولات الكثيفة والمفاوضات السخيفة من قريش لإغراء النبي لوقف الدعوة، ثم وفاة أبي طالب عم الرسول ومناصره في مكة، ولقد كانت تلك المصيبة من الصدمات التي لم ينسها رسول الله صلى الله عليه وسلم طَوَال حياته، ألا وهي مصيبة موت زوجته الوفيَّة خديجة بنت خويلد رضي الله عنها!

 

ولئن كان أبو طالب هو السند الاجتماعي والسياسي لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنَّ خديجة رضي الله عنها كانت بلا شكٍّ السند العاطفي والقلبي؛ بل المالي له؛ فعن عائشة رضي الله عنها قالت: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا ذَكَرَ خَدِيجَةَ أَثْنَى عَلَيْهَا، فَأَحْسَنَ الثَّنَاءَ، قَالَتْ: فَغِرْتُ يَوْمًا، فَقُلْتُ: مَا أَكْثَرَ مَا تَذْكُرُهَا حَمْرَاءَ الشِّدْقِ[1]، قَدْ أَبْدَلَكَ اللهُ عز وجل بِهَا خَيْرًا مِنْهَا. قَالَ: «مَا أَبْدَلَنِي اللهُ عز وجل خَيْرًا مِنْهَا، قَدْ آمَنَتْ بِي إِذْ كَفَرَ بِي النَّاسُ، وَصَدَّقَتْنِي إِذْ كَذَّبَنِي النَّاسُ، وَوَاسَتْنِي بِمَالِهَا إِذْ حَرَمَنِي النَّاسُ، وَرَزَقَنِي اللهُ عَزَّ وجلَّ وَلَدَهَا إِذْ حَرَمَنِي أَوْلَادَ النِّسَاءِ»[2].

 

ولقد اختلف المؤرِّخون في تحديد الذي مات أولًا؛ هل هو أبو طالب، أم خديجة رضي الله عنها؟ فمنهم مَنْ قدَّم موت أبي طالب لأنَّه حدث بعد الخروج من الشِّعْب بستَّة أشهر؛ أي أنَّه حدث في رجب من السنة العاشرة، ثمَّ كانت وفاة خديجة رضي الله عنها؛ لأنَّه اشتُهر أنَّه حدث في رمضان من السنة العاشرة للنبوَّة. ومنهم مَنْ قدَّم وفاة خديجة رضي الله عنها، وجعل موت أبي طالب في شوال بعد خديجة بخمسة وثلاثين يومًا كما جاء في بعض الروايات[3]، والمسألة فيها تفصيل وبحوث وإن كانت لا تهمُّ كثيرًا؛ لأنَّ المصيبتين حدثتا في وقتٍ قريبٍ جدًّا من بعضهما البعض، وكانت آثارهما مشتركة.

 

والموت بصفةٍ عامَّةٍ مصيبةٌ كما سمَّاه الله عزَّ وجلَّ في كتابه؛ قال تعالى: ﴿فَأَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةُ المَوْتِ﴾ [المائدة: 106] ولكن موت هذين السندين الكبيرين جعل المصيبة أعظم؛ خاصَّةً لقرب موتهما من بعضهما البعض؛ ممَّا جعل المؤرخين يُطلقون على العام العاشر من النبوَّة: «عامَ الحزن»، وذكر بعضهم[4] أنَّ الرسول صلى الله عليه وسلم هو الذي أطلق هذه التسمية، ولكنِّي لم أجد دليلًا بسندٍ صحيحٍ يُؤَكِّد ذلك.

 

مكانتها وفضائلها

 

لم تكن خديجة رضي الله عنها مجرَّد زوجة للرسول صلى الله عليه وسلم، أو أُمًّا لأولاده؛ إنَّما كانت وزيرَ صِدْقٍ بحقٍّ، وكانت المستشار الأمين، وكانت الرأي الحكيم، إنَّها كانت وكانت! هكذا ذكرت عائشة رضي الله عنها وهي تصف كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم عن خديجة رضي الله عنها! فعن عائشة رضي الله عنها، قالت: مَا غِرْتُ عَلَى أَحَدٍ مِنْ نِسَاءِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مَا غِرْتُ عَلَى خَدِيجَةَ، وَمَا رَأَيْتُهَا، وَلَكِنْ كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُكْثِرُ ذِكْرَهَا، وَرُبَّمَا ذَبَحَ الشَّاةَ ثُمَّ يُقَطِّعُهَا أَعْضَاءً، ثُمَّ يَبْعَثُهَا فِي صَدَائِقِ[5] خَدِيجَةَ، فَرُبَّمَا قُلْتُ لَهُ: كَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي الدُّنْيَا امْرَأَةٌ إِلَّا خَدِيجَةُ. فَيَقُولُ: «إِنَّهَا كَانَتْ، وَكَانَتْ، وَكَانَ لِي مِنْهَا وَلَدٌ»[6].

 

وإذا كنَّا نعرف أنَّ مُتَعَ الدنيا لا تُحصى ولا تُعَدُّ؛ فإنَّنا نُدرك يقينًا أنَّ أفضل مُتَع الدنيا قاطبةً هي المرأة الصالحة! وسبب اليقين أنَّ هذا هو إخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم لنا؛ عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: «الدُّنْيَا مَتَاعٌ، وَخَيْرُ مَتَاعِ الدُّنْيَا الْمَرْأَةُ الصَّالِحَةُ»[7]. وخديجة رضي الله عنها لم تكن مجرَّد امرأة صالحة؛ إنَّما كانت من الصالحات المعدودات في تاريخ الإنسانيَّة كلها! فعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «حَسْبُكَ مِنْ نِسَاءِ العَالَمِينَ: مَرْيَمُ ابْنَةُ عِمْرَانَ، وَخَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ، وَفَاطِمَةُ بِنْتُ مُحَمَّدٍ، وَآسِيَةُ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ»[8]. وعن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: خَطَّ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي الأَرْضِ أَرْبَعَةَ خُطُوطٍ، قَالَ: «تَدْرُونَ مَا هَذَا؟» فَقَالُوا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «أَفْضَلُ نِسَاءِ أَهْلِ الجَنَّةِ: خَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ، وَفَاطِمَةُ بِنْتُ مُحَمَّدٍ، وَآسِيَةُ بِنْتُ مُزَاحِمٍ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ، وَمَرْيَمُ ابْنَةُ عِمْرَانَ»[9].

 

لقد عاشت هذه المرأة العظيمة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسة وعشرين عامًا متصلة، وهذه أطول مدَّة عاشتها زوجة من زوجاته صلى الله عليه وسلم معه، ولم تنقل كتب السيرة في هذه المدَّة الطويلة أيَّ خلافٍ حدث بينها وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا قبل البعثة ولا بعدها، فلم نسمع عن غضب أو هَجْر؛ بل لم نَرَ طلبًا طلبته خديجة رضي الله عنها لنفسها! لقد عاشت لرسول الله صلى الله عليه وسلم، تُؤَازره في أحرج أوقاته، وتُعينه على إبلاغ رسالته، وتهُوِّن عليه الصراع الذي دار مع كفار مكة، وتُواسيه بمالها ونفسها، وتُجاهد معه بحقٍّ كجهاد الرجال أو أشد.

 

وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يشعر بمعاناتها، ويرى تضحيَّاتها، ويُقَدِّر صبرها على ابتلاءاتها؛ خاصَّةً في سنواتها العشر الأخيرة، وهي سنوات النبوَّة؛ فقد مرَّت خديجة رضي الله عنها بأصعب ظروفٍ يُمكن أن تمرَّ بها زوجة! كانت تعيش لحظات الخوف والترقُّب والقلق على زوجها صلى الله عليه وسلم، وكان قلبها يعتصر ألـمًا وهي تراه -وهو أكرم الناس- يعود إليها وقد سَخِر منه سفيه، أو تعدَّى عليه كافر، وكانت تسمعهم وهم يَصِفُونه بالجنون والكذب وهو أعقل البشر وأصدق الخلق، وكان يعود إليها وقد نثر أحدهم التراب في وجهه أو شُجَّت رأسه، فلا تملك عندها إلَّا العبرات، وسمعت غير مرَّة عن محاولات قتله، فباتت الليالي وَجِلَة، لا تدري من أين تأتي المصيبة، وشهدت موت ولديها الذكور القاسم وعبد الله، وسمعت الكفار يَشْمَتون في أبيهما صلى الله عليه وسلم ويُلَقِّبونه بالأبتر، ثُمَّ ختمت حياتها بثلاث سنواتٍ كاملةٍ محاصَرةً في الشِّعْب مع زوجها وأهله، ترتفع أصوات أطفالها من الجوع، ولا تملك لهم شيئًا، ونسيت في هذه السنوات أيَّام غناها وثروتها؛ فقد ذهب المال كلُّه خدمةً لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ورعايةً للإسلام وأهله، ويوم ماتت لم يرث رسول الله صلى الله عليه وسلم منها شيئًا؛ فقد أنفقت مالها كلَّه في سبيل الله!

 

شاهد رسول الله صلى الله عليه وسلم كلَّ ذلك وعايشه؛ لذلك كان من المحال أن ينساها، وكان من المحال كذلك أن يُقَدِّم عليها أحدًا، وعندما نضع هذه الخلفيَّات في أذهاننا، ونتفهَّم هذه التضحيَّات التي ذكرناها نُدرك تفسير كثيرٍ من المواقف التي روتها عائشة رضي الله عنها، وهي تصف حبَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم لخديجة رضي الله عنها، وكون هذه الروايات تأتي عن طريق عائشة رضي الله عنها له دلالته الخاصَّة؛ حيث إنَّه من المعروف أنَّ عائشة رضي الله عنها كانت أحبَّ الناس إلى قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم[10]، فإذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم يُبْدِي لعائشة رضي الله عنها حبَّه لخديجة رضي الله عنها بهذه الصورة، فهذا مِن بابِ أولى يحدث مع كلِّ نسائه صلى الله عليه وسلم، وهو دليلٌ على أنَّ خديجة رضي الله عنها كانت الأقربَ إلى قلبه مطلقًا، وأنَّه لم يذكر أنَّ عائشة رضي الله عنها أحبُّ الناس إلى قلبه إلَّا بعد وفاة خديجة رضي الله عنها.

 

فعن عائشة، رضي الله عنها، قالت: «مَا غِرْتُ عَلَى امْرَأَةٍ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، مَا غِرْتُ عَلَى خَدِيجَةَ، هَلَكَتْ[11] قَبْلَ أَنْ يَتَزَوَّجَنِي، لِمَا كُنْتُ أَسْمَعُهُ يَذْكُرُهَا، وَأَمَرَهُ اللهُ أَنْ يُبَشِّرَهَا بِبَيْتٍ[12] مِنْ قَصَبٍ[13]، وَإِنْ كَانَ لَيَذْبَحُ الشَّاةَ فَيُهْدِي فِي خَلَائِلِهَا[14] مِنْهَا مَا يَسَعُهُنَّ[15]»[16].

 

وعنها -أيضًا- قالت: «مَا غِرْتُ عَلَى امْرَأَةٍ مَا غِرْتُ عَلَى خَدِيجَةَ مِنْ كَثْرَةِ ذِكْرِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِيَّاهَا». قَالَتْ: «وَتَزَوَّجَنِي بَعْدَهَا بِثَلَاثِ سِنِينَ، وَأَمَرَهُ رَبُّهُ عز وجل أَوْ جِبْرِيلُ عليه السلام أَنْ يُبَشِّرَهَا بِبَيْتٍ فِي الجَنَّةِ مِنْ قَصَبٍ»[17].

 

وعنها -أيضًا- قالت: اسْتَأْذَنَتْ هَالَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ أُخْتُ خَدِيجَةَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَعَرَفَ اسْتِئْذَانَ خَدِيجَةَ فَارْتَاحَ لِذَلِكَ؛ فَقَالَ: «اللَّهُمَّ هَالَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ». فَغِرْتُ فَقُلْتُ: وَمَا تَذْكُرُ مِنْ عَجُوزٍ مِنْ عَجَائِزِ قُرَيْشٍ، حَمْرَاءِ الشِّدْقَيْنِ، هَلَكَتْ فِي الدَّهْرِ فَأَبْدَلَكَ اللهُ خَيْرًا مِنْهَا[18].

 

وعن عائشة رضي الله عنها -أيضًا- هذه الرواية العجيبة! فقد ذكرت رضي الله عنها «أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُكْثِرُ ذِكْرَ خَدِيجَةَ رضي الله عنها» فَقُلْتُ: لَقَدْ أَخْلَفَكَ اللهُ -وَرُبَّمَا قَالَ حَمَّادٌ: أَعْقَبَكَ اللهُ- مِنْ عَجُوزٍ مِنْ عَجَائِزَ قُرَيْشٍ حَمْرَاءَ الشِّدْقَيْنِ هَلَكَتْ فِي الدَّهْرِ الأَوَّلِ. قَالَ: «فَتَمَعَّرَ[19] وَجْهُهُ تَمَعُّرًا مَا كُنْتُ أُرَاهُ إِلَّا عِنْدَ نُزُولِ الْوَحْيِ وَإِذَا رَأَى مَخِيلَةَ[20] الرَّعْدِ وَالْبَرْقِ حَتَّى يَعْلَمَ أَرَحْمَةٌ هِيَ أَمْ عَذَابٌ»[21].

 

ووجه العجب أنَّ تَغيُّر وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم عند الإساءة لخديجة رضي الله عنها كان مساويًا لتغيُّر وجهه عند الأمور العظيمة كنزول الوحي، والخوف من نزول العذاب على قومه، وفي هذا دلالةٌ على عِظَم غضبه صلى الله عليه وسلم.

 

وعن عائشة رضي الله عنها كذلك قالت: مَا غِرْتُ عَلَى نِسَاءِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، إِلَّا عَلَى خَدِيجَةَ وَإِنِّي لَمْ أُدْرِكْهَا، قَالَتْ: وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا ذَبَحَ الشَّاةَ، فَيَقُولُ: «أَرْسِلُوا بِهَا إِلَى أَصْدِقَاءِ خَدِيجَةَ». قَالَتْ: فَأَغْضَبْتُهُ يَوْمًا. فَقُلْتُ: خَدِيجَةَ[22]. فَقَالَ: رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم «إِنِّي قَدْ رُزِقْتُ حُبَّهَا»[23].

 

وعنها في موقفٍ آخر قالت: جَاءَتْ عَجُوزٌ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ أَنْتِ؟» قَالَتْ: أَنَا جَثَّامَةُ الْمُزَنِيَّةُ. قَالَ: «بَلْ أَنْتِ حَسَّانَةُ الْمُزَنِيَّةُ كَيْفَ أَنْتُمْ؟ كَيْفَ حَالُكُمْ؟ كَيْفَ كُنْتُمْ بَعْدَنَا؟» قَالَتْ: بِخَيْرٍ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللهِ. قَالَتْ: فَلَمَّا خَرَجَتْ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، تُقْبِلُ عَلَى هَذِهِ الْعَجُوزِ هَذَا الإِقْبَالَ؟ قَالَ: «إِنَّهَا كَانَتْ تَأْتِينَا زَمَنَ خَدِيجَةَ، وَإِنَّ حُسْنَ الْعَهْدِ مِنَ الإِيمَانِ»[24].

 

وإنَّ كثرة هذه الروايات والمواقف لدالَّة على أنَّ الموقف كان يتكرَّر كثيرًا، وهذا ذكرته عائشة رضي الله عنها تصريحًا حين وصفت حال رسول الله صلى الله عليه وسلم بقولها: «كَانَ يُكْثِرُ ذِكْرَ خَدِيجَةَ رضي الله عنها». فلقد كانت خديجة رضي الله عنها تملأ حياته حتى بعد مماتها، فكيف كانت في حياتها؟! ثم كيف يمكن أن تكون لحظة فراقها؟!

 

هذه المرأة -بهذا القدر والقيمة- فارقت الحياة، وفي هذا الوقت الصعب، والظروف المعقَّدة، فأيُّ مصيبةٍ وقعت بموتها!

 

لا شكَّ أنَّ درجة الحزن التي شعر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم لا نستطيع أن نصفها، ولعلَّ الشيء الوحيد الذي كان يُثلج صدره ويُصبِّره على مصيبته، أنَّه يعلم يقينًا أنَّها من أهل الجنَّة، وأنَّه عمَّا قليل ستنتهي الحياة، وسيكون اللقاء هناك، فهذا ما بَشَّره به جبريل عليه السلام قبل ذلك! فعن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: «أَتَى جِبْرِيلُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، هَذِهِ خَدِيجَةُ قَدْ أَتَتْ مَعَهَا إِنَاءٌ فِيهِ إِدَامٌ، أَوْ طَعَامٌ أَوْ شَرَابٌ، فَإِذَا هِيَ أَتَتْكَ فَاقْرَأْ عَلَيْهَا السَّلَامَ مِنْ رَبِّهَا، وَمِنِّي، وَبَشِّرْهَا بِبَيْتٍ فِي الجَنَّةِ مِنْ قَصَبٍ، لَا صَخَبَ فِيهِ، وَلَا نَصَبَ»[25].

 

[1] حمراء الشِّدق: الشدق جانب الفم ممَّا تحت الخد؛ والمعنى: أنها عجوز كبيرة جدًّا حتى قد سقطت أسنانها من الكبر ولم يبقَ لشدقها بياض شيء من الأسنان إنما بقي فيه حمرة لثاتها. انظر: النووي: المنهاج 15/202، وبدر الدين العيني: عمدة القاري 16/282.

 

[2] أحمد (24908) واللفظ له، وقال شعيب الأرناءوط: حديث صحيح وهذا سند حسن في المتابعات. وقال ابن كثير: تفرَّد به أحمد... وإسناده لا بأس به. انظر: البداية والنهاية 3/158، وقال السهيلي: روى الإمام أحمد بسند جيد عن عائشة رضي الله عنها. وذكر الحديث. انظر: سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد 11/158.

 

[3] نقل البيهقي عن ابن إسحاق، قال: «ثم إن خديجة بنت خويلد وأبا طالب ماتا في عام واحد فتتابعت على رسول الله صلى الله عليه وسلم المصائب بهلاك خديجة وأبي طالب، وكانت خديجة وزيرة صدق على الإسلام، كان يسكن إليها. قلتُ -أي البيهقي-: وبلغني أن موت خديجة كان بعد موت أبي طالب بثلاثة أيام، والله أعلم». انظر: البيهقي: دلائل النبوة 2/352، وقال ابن سعد: «عن محمد بن صالح وعبد الرحمن بن عبد العزيز قالا: توفيت خديجة لعشر خلون من شهر رمضان وذلك قبل الهجرة بثلاث سنين وهي يومئذٍ بنت خمس وستين سنة... وعن عروة عن عائشة رضي الله عنها قالت: توفيت خديجة قبل أن تفرض الصلاة. وذلك قبل الهجرة بثلاث سنين». انظر: الطبقات الكبرى 8/14. وقال النووي: «قال ابن فارس: مات أبو طالب ولرسول الله صلى الله عليه وسلم تسع وأربعون سنة وثمانية أشهر وأحد عشر يومًا وتوفيت خديجة أم المؤمنين رضي الله عنها بعد موت أبي طالب بثلاثة أيام». النووي: المنهاج 1/215. وقال العراقي: «توفيت قبل الهجرة بثلاث سنين على الصحيح المشهور بعد وفاة أبي طالب بثلاثة أيام». انظر: طرح التثريب في شرح التقريب 4/186، وقال بدر الدين العيني: «ماتت قبل الهجرة بثلاث سنين على الأصح، وقيل: بخمس. وقيل: بأربع. فأقامت معه أربعًا وعشرين سنة وستة أشهر ثم توفيت، وكانت وفاتها بعد وفاة أبي طالب بثلاثة أيام». انظر: عمدة القاري شرح صحيح البخاري 1/63. وقال أيضًا: «وزعم الواقدي أنهما ماتا قبل الهجرة بثلاث سنين عام خرجوا من الشعب، وأن خديجة توفيت قبل أبي طالب بخمس وثلاثين ليلة، وقال بعضهم: والصحيح أن أبا طالب توفي في شوال سنة عشر من النبوة بعد خروج النبي -عليه السلام- من الحصر بثمانية أشهر وأحد وعشرين يومًا، وكان عمره بضعًا وثمانين سنة، ثم توفيت خديجة بعد أبي طالب بثلاثة أيام، وكان موتها قبل الهجرة بنحو ثلاث سنين». انظر: بدر الدين العيني: شرح سنن أبي داود 6/171. وقال ابن سعد: «أخبرنا محمد بن عمر الأسلمي (الواقدي) قال: توفي أبو طالب للنصف من شوال في السنة العاشرة من حين نبئ رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يومئذٍ ابن بضع وثمانين سنة، وتوفيت خديجة بعده بشهر وخمسة أيام، وهي يومئذٍ بنت خمس وستين سنة». انظر: ابن سعد: الطبقات الكبرى 1/100، ونقله عنه ابن عساكر في تاريخ دمشق 66/345، وقال ابن الأثير: «توفي أبو طالب وخديجة قبل الهجرة بثلاث سنين وبعد خروجهم من الشعب، فتوفي أبو طالب في شوال أو في ذي القعدة، وعمره بضع وثمانون سنة، وكانت خديجة ماتت قبله بخمسة وثلاثين يومًا، وقيل: كان بينهما خمسة وخمسون يومًا، وقيل: ثلاثة أيام». الكامل في التاريخ 1/685.

 

[4] قال ثعلب: «مات أبو طالب وخديجة عليهما السلام في عامٍ واحد وهو عام الهجرة، فسمَّاه رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الحزن». انظر: أبو حيان التوحيدي: البصائر والذخائر 4/179، وقال ابن سيده: «وعام الحزن: العام الذي ماتت فيه خديجة وأبو طالب فسمَّاه رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الحزن حكى ذلك ثعلب عن ابن الأعرابي». انظر: المحكم والمحيط الأعظم 3/225، وقال القسطلاني: «وكان صلى الله عليه وسلم يُسمِّي ذلك العام عام الحزن، فيما ذكر صاعد». المواهب اللدنية بالمنح المحمدية 1/157.

 

[5] صدائق: جمع صديقة.

 

[6] البخاري: كتاب فضائل الصحابة، باب تزويج النبي صلى الله عليه وسلم خديجة وفضلها رضي الله عنها (3607).

 

[7] مسلم: كتاب الرضاع، باب خير متاع الدنيا المرأة الصالحة (1467)، واللفظ له، والنسائي (5344)، وابن ماجه (1855)، وأحمد (6567).

 

[8] الترمذي: كتاب المناقب، باب فضل خديجة رضي الله عنها (3878)، وقال: هذا حديث حسن صحيح. وأحمد (12414)، وقال شعيب الأرناءوط: إسناده صحيح على شرط الشيخين. وصححه الألباني، انظر: صحيح الجامع (3138).

 

[9] النسائي (8364)، وأحمد (2668)، واللفظ له، وقال إسناده صحيح رجاله ثقات رجال الصحيح. وابن حبان (7010) قال شعيب الأرناءوط: إسناده صحيح. وأبو يعلى (2722)، وقال حسين سليم أسد: إسناده صحيح. والحاكم (4754)، وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي، والطبراني: المعجم الكبير (18871)، وقال الهيثمي: رواه أحمد، وأبو يعلى، والطبراني، ورجالهم رجال الصحيح. انظر: مجمع الزوائد 9/223، وصححه الألباني، انظر: السلسلة الصحيحة (1508).

 

[10] عن عَمْرِو بْنِ العَاصِ رضي الله عنه، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، بَعَثَهُ عَلَى جَيْشِ ذَاتِ السُّلَاسِلِ، فَأَتَيْتُهُ فَقُلْتُ: «أَيُّ النَّاسِ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ: «عَائِشَةُ». فَقُلْتُ: مِنَ الرِّجَالِ؟ فَقَالَ: «أَبُوهَا». قُلْتُ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: «ثُمَّ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ». فَعَدَّ رِجَالًا». البخاري: كتاب فضائل الصحابة، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: «لَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلًا»، (3462)، ومسلم: كتاب فضائل الصحابة عز وجل، باب من فضائل أبي بكر الصديق رضي الله عنه، (2384).

 

[11] هلكت أي: ماتت.

 

[12] قال السهيلي: وأمَّا الخطابي، فقال: البيت ها هنا عبارة عن قصر، وقد يُقال لمنزل الرجل بيته. والذي قاله صحيح... ولكن لذكر البيت ها هنا بهذا اللفظ ولقوله: «بِبَيْتٍ». ولم يقل: بقصر. معنى لائق بصورة الحال؛ وذلك أنَّها كانت ربَّة بيت إسلام لم يكن على الأرض بيت إسلام إلَّا بيتها حين آمنت، وأيضًا فإنَّها أوَّل مَنْ بنى بيتًا في الإسلام بتزويجها رسول الله صلى الله عليه وسلم ورغبتها فيه، وجزاء الفعل يُذكر بلفظ الفعل، وإن كان أشرف منه لما جاء: «مَنْ كَسَا مُسْلِمًا عَلَى عُرْيٍ كَسَاهُ اللهُ مِنْ حُلَلِ الْجَنَّةِ، وَمَنْ سَقَى مُسْلِمًا عَلَى ظَمَأ سَقَاهُ اللهُ مِنَ الرَّحِيقِ». ومن هذا الباب قوله عليه السلام: «مَنْ بَنَى للهِ مَسْجِدًا، بَنَى اللهُ لَهُ مِثْلَهُ فِي الْجَنَّةِ». (البخاري: أبواب المساجد، باب من بنى مسجدًا (439)، ومسلم: كتاب الزهد والرقائق، باب فضل بناء المساجد (533)) لم يُرد مثله في كونه مسجدًا، ولا في صفته؛ ولكن قابل البنيان بالبنيان؛ أي كما بنى يُبنى له، كما قابل الكسوة بالكسوة، والسقيا بالسقيا، فها هنا وقعت المماثلة لا في ذات المبني أو المكسو، وإذا ثبت هذا، فمن ها هنا اقتضت الفصاحة أن يُعَبِّر لها عمَّا بُشِّرَتْ به بلفظ: البيت. وإن كان فيه ما لا عينٌ رأته ولا أذنٌ سمعته ولا خطر على قلب بشر، ومن تسمية الجزاء على الفعل بالفعل في عكس ما ذكرناه قوله تعالى: ﴿نَسُوا اللهَ فَنَسِيَهُمْ﴾ [التوبة: 67]، ﴿وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللهُ﴾ [آل عمران: 54]. انظر: السهيلي: الروض الأنف 2/277. وقال ابن حجر: وفي ذكر البيت معنى آخر؛ لأنَّ مرجع أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم إليها؛ لما ثبت في تفسير قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ﴾ [الأحزاب: 33]. قالت أم سلمة: لما نزلت دعا النبي صلى الله عليه وسلم فاطمة وعليًّا والحسن والحسين فجللهم بكساء، فقال: «اللَّهُمَّ هَؤُلَاءِ أَهْلُ بَيْتِي...». الحديث أخرجه الترمذي وغيره، ومرجع أهل البيت هؤلاء إلى خديجة؛ لأنَّ الحسنين من فاطمة، وفاطمة بنتها، وعليٌّ رضي الله عنه نشأ في بيت خديجة وهو صغير، ثم تزوَّج بنتها بعدها، فظهر رجوع أهل البيت النبوي إلى خديجة دون غيرها. انظر: ابن حجر العسقلاني: فتح الباري 7/138.

 

[13] قال النووي: قال جمهور العلماء: المراد به قصب اللؤلؤ المجوف كالقصر المنيف. وقيل: قصب من ذهب منظوم بالجوهر. قال أهل اللغة: القصب من الجوهر ما استطال منه في تجويف، قالوا: ويقال لكل مجوف: قصب. وقد جاء في الحديث مفسرًا ببيت من لؤلؤة مُحَيَّاةٍ وفسروه بِمُجَوَّفَةٍ. النووي: المنهاج 15/200، وقال ابن حجر: قَصَب: قال ابن التين: المراد به لؤلؤة مجوفة واسعة كالقصر المنيف. قلتُ: عند الطبراني في الأوسط من طريق أخرى عن ابن أبي أوفى يعني: قصب اللؤلؤ. وعنده في الكبير من حديث أبي هريرة: بيت من لؤلؤة مجوفة. وأصله في مسلم وعنده في الأوسط من حديث فاطمة قالت: قلت: يا رسول الله؛ أين أمي خديجة؟ قال: في بيت من قصب. قلت: أمن هذا القصب؟ قال: لا من القصب المنظوم بالدر واللؤلؤ والياقوت. وقال ابن حجر أيضًا: في القصب مناسبة أخرى من جهة استواء أكثر أنابيبه وكذا كان لخديجة من الاستواء ما ليس لغيرها؛ إذ كانت حريصة على رضاه بكل ممكن، ولم يصدر منها ما يغضبه قط كما وقع لغيرها. ابن حجر العسقلاني: فتح الباري 7/138. وقال السهيلي: وأمَّا قوله: «مِنْ قَصَبٍ». ولم يقل: من لؤلؤ. وإن كان المعنى واحدًا، ولكن في اختصاصه هذا اللفظ من المشاكلة المذكورة والمقابلة بلفظ الجزاء للفظ العمل أنها رضي الله عنها كانت قد أحرزت قصب السبق إلى الإيمان دون غيرها من الرجال والنسوان، والعرب تسمي السابق محرزًا للقصب... فاقتضت البلاغة أن يعبر بالعبارة المشاكلة لعملها في جميع ألفاظ الحديث فتأمله. انظر: الروض الأنف 2/278، وقيل للسابق: أحرز القصب لأن الغاية التي يسبق إليها تُذرع بالقصب، وتركز تلك القصبة عند منتهى الغاية؛ فمن سبق إليها حازها واستحقَّ الخطر (أي ما وضع لمن يسبق ويفوز). ابن منظور: لسان العرب، 1/674.

 

[14] خلائلها: خلائل جمع خليلة وهي الصديقة.

 

[15] ما يسعهن: ما يكفيهنَّ.

 

[16] البخاري: كتاب فضائل الصحابة، باب تزويج النبي صلى الله عليه وسلم خديجة وفضلها رضي الله عنها (3605)، واللفظ له، ومسلم: كتاب فضائل الصحابة رضي الله عنهم، باب فضائل خديجة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها (2435).

 

[17] البخاري: كتاب فضائل الصحابة، باب تزويج النبي صلى الله عليه وسلم خديجة وفضلها رضي الله عنها (3606).

 

[18] البخاري: كتاب فضائل الصحابة، باب تزويج النبي صلى الله عليه وسلم خديجة وفضلها رضي الله عنها (3610)، ومسلم: كتاب فضائل الصحابة رضي الله عنهم، باب فضائل خديجة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها (2437).

 

[19] تمعَّر وجهه أي: تغيَّر، وأصله قلة النضارة وعدم إشراق اللون.

 

[20] المخيلة: السحابة، وأخيلت السماء: تهيأت للمطر فرعدت وبرقت.

 

[21] أحمد (25212)، وقال شعيب الأرناءوط: إسناده صحيح على شرط مسلم. والحاكم (7771) واللفظ له، وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي، وابن حبان (7008)، وصححه الألباني، انظر: التعليقات الحسان 10/119.

 

[22] قال سبط ابن الجوزي: وفي رواية عن عائشة قالت: أغضبت رسول الله يومًا وقلت: خُدَيْجَة بالتصغير فزجرني. وقال: «إِنِّي رُزِقْتُ حُبَّهَا». انظر: تذكرة الخواص ص593. وقال ابن الأثير: وفي -رواية- أخرى: «وكان إذا ذبح الشاة يقول: أرسلوا بها إلى أصدقاء خديجة، قالت: فأغْضَبْتُه يومًا، فقلت: خديجة عجوز. فقال: إِنِّي رُزِقْتُ حُبَّهَا». انظر: ابن الأثير: جامع الأصول في أحاديث الرسول 9/122.

 

[23] مسلم: كتاب فضائل الصحابة رضي الله عنهم، باب فضائل خديجة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها، (2435).

 

[24] الحاكم (40) واللفظ له، وقال: حديث صحيح على شرط الشيخين فقد اتفقا على الاحتجاج برواته في أحاديث كثيرة وليس له علة. ووافقه الذهبي. والبيهقي: شعب الإيمان (8701)، ومعجم ابن الأعرابي 1/401 (774)، وصححه الألباني، انظر: السلسلة الصحيحة (216).

 

[25] البخاري: كتاب فضائل الصحابة، باب تزويج النبي صلى الله عليه وسلم خديجة وفضلها رضي الله عنها، (3609)، ومسلم: كتاب فضائل الصحابة رضي الله عنهم، باب فضائل خديجة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها، (2432).

 

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات