السيدة خديجة بنت خويلد رضي الله عنها

فريق النشر - ملتقى الخطباء

2022-10-07 - 1444/03/11
التصنيفات:

 

مريم امرابط

 

السيدة خديجة بنت خويلد رضي الله عنها هي أم المؤمنين، زوج نبينا الكريم محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم، تزوجها صلى الله عليه وسلم زمن الجاهلية، وأقاما معًا رابطة زواج ملهمة دامت خمسًا وعشرين سنة، جسدت أرقى معاني الإنسانية في علاقة الرجل بالمرأة.

 

 

 

نشا محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم يتيم الأب والأم بمكة عند عمه أبي طالب، لكنه تميز بخلقه صلى الله عليه وسلم الذي فاق كل من صحبه وعايشه، وكان يعرف آنذاك عندهم "بالصادق الأمين".

 

 

 

قال ابن إسحاق: وكانت خديجة بنت خويلد امرأة تاجرة ذات شرف ومال، تستأجر الرجال على مالها مضاربة، فلما بلغها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بلغها من صدق حديثه وعِظم أمانته وكرَمِ أخلاقه، بعثت إليه فعرَضت عليه أن يخرج لها في مالها تاجرًا إلى الشام، وتعطيه أفضل ما تعطي غيره من التجار مع غلام لها يقال له: ميسرة، فقبله رسول الله صلى الله عليه وسلم منها، وخرج في مالها ذاك[1].

 

 

 

لقد أدركت خديجة رضي الله عنها خلال تعاملها مع محمد بن عبدالله الرسول صلى الله عليه وسلم، ما جعلها رضي الله عنها ترغب فيه صلى الله عليه وسلم.

 

 

 

قال ابن كثير: "وكانت أوسط نساء قريش نسبًا، وأعظمهن شرفًا، وأكثرهن مالًا، كل قومها كان حريصًا على ذلك منها لو يقدر عليه، فلما قالت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ذكر ذلك لأعمامه، فخرج معه عمه حمزة حتى دخل على خويلد بن أسد، فخطبها إليه، فتزوجها عليه الصلاة والسلام)[2].

 

 

 

لقد صدق محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم في زواجه بخديجة رضي الله عنها، وكان أمينًا عليها وعلى مالها، وكانت له سكنًا وحصنًا، فقد عرفت قدره صلى الله عليه وسلم، وعظُمت قربه واحتوته بكل ما أوتيته من قلب طاهر ومال طيب وهِمة عالية، حتى إذا جاءها بما هو غير مألوف، صدَّقته ومضت في تعزيز قوله وشخصه صلى الله عليه وسلم.

 

 

 

قال ابن القيم: وبادر إلى الاستجابة له صلى الله عليه وسلم صديقة النساء: خديجة بنت خويلد، وقامت بأعباء الصديقية، وقال لها: (لقد خشيت على نفسي، فقالت له: أبشر؛ فوالله لا يخزيك الله أبدًا)، ثم استدلت بما فيه من الصفات الفاضلة والأخلاق والشيم على أن من كان كذلك لا يُخزى أبدًا، فعلمت بكمال عقلها وفطرتها أن الأعمال الصالحة والأخلاق الفاضلة والشيم الشريفة - تناسب أشكالها من كرامة الله وتأييده وإحسانه، ولا تناسب الخزي والخِذلان، وإنما يناسبه أضدادها، فمن ركبه الله على أحسن الصفات، وأحسن الأخلاق والأعمال، إنما يليق به كرامته وإتمام نعمته عليه، وبهذا العقل والصديقية استحقت أن يرسل إليها ربُّها بالسلام منه مع رسوليه جبريل ومحمد صلى الله عليه وسلم)[3].

 

 

 

كان زواجهما مكرمة أكرمهما الله ببعضهما البعض من خلاله؛ قال ابن القيم رحمه الله: "من خواص خديجة رضي الله عنها: أنها لم تسؤه قط، ولم تغاضبه، ولم ينلها منه إيلاء ولا عتب قط ولا هجر، وكفى بهذه منقبة، ومن خواصها أنها أول امرأة آمنت بالله من هذه الأمة"[4].

 

 

 

قال الذهبي: "ومن كرامتها عليه صلى الله عليه وسلم أنه لم يتزوج امرأة قبلها، وجاءه منها عدة أولاد، ولم يتزوج عليها قط، ولا تسرَّى إلى أن قضت نحبَها، فوجد لفقدها، فإنها كانت نعم القرين"[5].

 

 

 

توفيت خديجة رضي الله عنها قبل الهجرة بثلاث سنين، ودُفنت بالحجون، وقد بشَّرها زوجها النبي محمد صلى الله عليه وسلم ببيت من قصب لا صخب فيه ولا نصب؛ قال السهيلي: "وإنما بشرها ببيت في الجنة من قصب - يعني: قصب اللؤلؤ - لأنها حازت قصب السبق إلى الإيمان، لا صخب فيه ولا نصب؛ لأنها لم ترفع صوتها على النبي صلى الله عليه وسلم، ولم تتعبه يومًا من الدهر، فلم تصخب عليه يومًا، ولا آذته أبدًا"[6].

 

 

 

إن رابطة الزوجية التي جمعت النبي محمدًا صلى الله عليه وسلم بخديجة رضي الله عنها، كان عنوانها الصدق، وذلك ما أدى إلى انتفاعهما من هذه الرابطة الجليلة، لقد صدقوا فيها، لذلك بذلوا من أجلها ما يبقيها ويثريها حبًّا وتعظيمًا، حتى إذا ولَّت هذه الرابطة كان صلى الله عليه وسلم يتذكرها لأنها عزيزة عليه، وواصل عليه الصلاة والسلام الوفاء لكل من له علاقة بخديجة، لأنه يذكِّره بها رضي الله عنها من أهلها وصويحباتها وأشيائها.

 

 

 

عن عائشة رضي الله عنها قالت: "ما غرتُ على أحدٍ من نساء النبي صلى الله عليه وسلم، ما غرت على خديجة، وما رأيتُها، ولكن كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر ذكرها، وربما ذبح الشاة، ثم يقطعها أعضاءً، ثم يبعثها في صدائق خديجة، فربما قلت له: كأنه لم يكن في الدنيا امرأة إلا خديجة، فيقول: إنها كانت وكانت"[7].

 

[1] (البداية والنهاية، ابن كثير، تزويجه عليه الصلاة والسلام خديجة بنت خويلد).

 

[2] (البداية والنهاية، تزويجه عليه الصلاة والسلام خديجة بنت خويلد).

 

[3] (زاد المعاد؛ ابن القيم الجوزية، فصل في ذكر السابقين إلى الإسلام).

 

[4] (لوامع الأنوار البهية، فضل ذكر الصحابة الكرام رضي الله عنهم، عائشة وخديجة).

 

[5] (سير أعلام النبلاء، الصحابة رضوان الله عليهم، خديجة أم المؤمنين).

 

[6] (البداية والنهاية؛ لابن كثير، فصل في وفاة خديجة بنت خويلد، وذكر شيء من فضائلها ومناقبها).

 

[7] (فتح الباري، كتاب مناقب الأنصار، باب تزويج النبي صلى الله عليه وسلم خديجة وفضلها رضي الله عنها).

 

 

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات