إلى الإيمان والاستقامة أيها الحائرون

فريق النشر - ملتقى الخطباء

2022-10-06 - 1444/03/10
التصنيفات:

محمد حافظ سليمان

 

يقول الله - تبارك وتعالى -: ﴿ وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ﴾ [سورة العصر 1 - 3].

 

لقد جاء الإسلام والناس في جاهليَّتهم قد ضلُّوا الطريق إلى الله؛ فعبَدوا الصَّنمَ والوَثنَ، واتخذ كلٌّ إلهه هواه، ويومئذ كانوا يَتفاخرون بالأنساب، ويتقاتلون لأتفه الأسباب؛ فكانت حياتهم مُضطرِبة.

 

لهذا كان الله لطيفًا بعباده، رحيمًا بخلقه؛ إذ بعث في الأميين رسولاً منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويُهذِّبهم ويُرقِّيهم ويَهديهم إلى صراط مستقيم، ويُبدِّل ظلامَ حياتهم نورًا، وذُلَّهم عزًّا، فكانوا رحماء بينهم؛ قال الله تعالى: ﴿ قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ [المائدة: 15، 16]، ﴿ فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذَلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا * هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا ﴾ [الفتح: 27، 28].

 

لقد أرسل الله خاتَم رسلِه - صلى الله عليه وسلم - للناس كافة بشيرًا ونذيرًا، وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجًا منيرًا، وجعله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر، وذكر الله كثيرًا، وكان بالمؤمنين رؤوفًا رحيمًا، فنصرهم الله نصرًا مُبينًا، وصنع برسالته أمة القرآن التي قال عنها: ﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ ﴾ [آل عمران: 110].

 

لقد صار من بين رُعاة الإبل والغنم قادة الشعوب والأمم، فنشروا الإسلام بالقدوة وبالدعوة التي تُخاطِب العقل والرُّوح بالمنطق والوضوح، وترشدهم إلى الحق بالقرآن والبرهان، فالله - جل جلاله - يقول للناس في شتى العصور والدهور: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1]، ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئًا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ ﴾ [لقمان: 33].

 

هذه سبيل ربك في دعوته الهادئة الهادفة بالبرهان الذي لا يُرهِق العقلَ في الاستدلال على سلامة عقيدة التوحيد من التعقيد، ولهذا دخل الناس في دين الله أفرادًا وأفواجًا.

 

الإسلام نعمة كبرى:

 

ولقد مَنَّ الله على العالم كله بنعمة الإيمان بالله وبالاستقامة في الحياة، فرفع بالإيمان شأنهم، وأعلى بالاستقامة قدْرَهم؛ ﴿ يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ ﴾ [المجادلة: 11]؛ لأن الإيمان والاستقامة قاعدة البُنيان وأساس العمران؛ ﴿ فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ ﴾ [هود: 112]، ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا ﴾ [مريم: 96].

 

والإسلام هو السبيل إلى حياة طيبة كريمة آمنة، مطمئنة في الدنيا، والجزاء الأوفى في الآخرة؛ ﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [النحل: 97].

 

وقد كرَّم الله بني آدم فخاطَبهم بقوله: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ ﴾، وأرسل محمدًا إلى الناس كافة، وجعل رسالته خالدة باقية إلى يوم الدين، تُرشِد إلى الحقِّ وإلى صراط مستقيم، وجعل القرآن محفوظًا ثابتًا لا يتبدَّل ولا يتغيَّر؛ ﴿ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ﴾ [يونس: 64]، فهو نورٌ يُضيء قلوب المؤمنين، يُخاطِب العقل والروح بالمنطق والوضوح، وسيظل إلى يوم الدين يهدي الحائرين، ويُقوِّم أخلاق المعوجِّين، وعنوانه: ﴿ الر كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ ﴾ [إبراهيم: 1].

 

فكان القرآن - ولا يزال - قادرًا على هِداية البشر للتي هي أقوم، قادرًا على أن يُصلِح بالهم وحالهم، ويُقدِّم الأمن لهم والسلام والاطمئنان والاستقرار، فهو يقول للناس:

 

﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا * فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا ﴾ [النساء: 174، 175].

 

إنه قادر على تطهير المجتمعات من رجس الذنوب والطمع والبغي وظُلم الإنسان لأخيه الإنسان، واتباع خُطوات الشيطان؛ لأن الله يقول للناس في سورة الحجرات:

 

﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ﴾ [الحجرات: 13].

 

والناس في شتى العصور والدهور خلَقهم الله من نفْس واحدة، وخَلَق منها زوجها، وقال لهم: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ ﴾:

 

﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1].

 

وما أحوج الناسَ اليوم إلى القُدوة المُثلى والدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة! ولنقرأ قول الله - تبارك وتعالى -:

 

﴿ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا * وَإِذًا لَآتَيْنَاهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْرًا عَظِيمًا * وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا ﴾ [النساء: 66 - 68].

 

الإيمان والأخلاق:

 

الإيمان الصادق لا بد أن تَقترِن به مكارم الأخلاق التي هي ثمرة التوحيد الخالص، الذي يجعل المؤمن موصولاً بخالقه يعبده مُخلصًا له الدين وحده، لا شريك له:

 

﴿ قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ * وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ * قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ * قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَهُ دِينِي ﴾ [الزمر: 11 - 14].

 

والإخلاص سرٌّ بين العبد وربه يجعله من: ﴿ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾ [الزمر: 18].

 

أما علاقة الإنسان بنفسه أو بغيره فتُنظّمها شريعة الإسلام، الذي أكمل الله به المِلَّة، وأتمَّ به النعمة وارتضاه ربنا لنا دينًا، فهو الدين الذي يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربي وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي، فهو ينهى النفس عن الهوى، وعن كل نقيصة وخسيسة ورذيلة؛ والله يقول: ﴿ وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى ﴾ [النازعات: 40، 41].

 

ورسالة الإسلام غايتها تربية النفوس على الفضائل وتنقيتها من رجس الرذائل؛ لتتَّجِه إلى الصفاء والسخاء وحبِّ الخير للغير، وبذْل الإحسان للوالدين وصِلة الأرحام، وتجنُّب الموبقات والمُحرَّمات، واستثمار الأوقات؛ بتأدية الواجبات، والصدق في القول والفعل مع الله ومع الناس ومع النفس، وإسداء النصح بأمانة وذمة.

 

وعلاقة الإنسان بنفسه تكون بأداء العبادات المُخلَصة والطاعات، وكل عملٍ دنيوي صالح نظيف نقيّ يصير عبادة لله، إذا كان صادرًا من نفس مطمئنة واثِقة بربها الذي يعلم ما تكسب كل نفس، والله يقول:

 

﴿ وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا ﴾ [الشمس: 7 - 10].

 

احفظ الله يحفظك:

 

عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: كنتُ خلف النبي - صلى الله عليه وسلم - يومًا فقال: ((يا غلام، احفظ الله يحفظك، احفظ الله تِجده تُجاهك، وإذا سألت فلتسأل الله، وإذا استعنتَ فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك بشيء، لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء، لم يضروك إلا بشيء قد كتَبه الله عليك، جَفَّت الأقلام وطُويت الصحف)).

 

اتقِ الله حيثما كنت:

 

إذا حفظ الناس حدود الله وشريعته حفِظهم الله؛ ﴿ فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا ﴾ [يوسف: 64]، لمَن راقَبَه واتَّقاه أينما حَلَّ وأتى، وجد وسلك سبيل المؤمنين، واستقام على الصراط المستقيم، وأسلَم وجهه لله رب العالمين وهو مُحسِن - فقد صار بهذا في رعاية الله، فإذا سأل فلا يسأل أحدًا إلا الله ولا يستعين بأحد سواه، فإذا سأله أعطاه، وإذا استعان به أعانه؛ فهو المعطي المانع الضار النافع، والله بيده ملكوت كل شيء، والسموات مَطويَّات بيمينه؛ ﴿ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الأعراف: 54].

 

استجابة الدعاء:

 

والله يتقبَّل من المتقين الدعاء؛ لأنه يقول: ﴿ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ﴾ [غافر: 60].

 

ويقول - جل شأنه -: ﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ﴾ [البقرة: 186].

 

﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا ﴾ [الطلاق: 2، 3].

 

إنه مَن يَتَّقِ الله يكون بمنجاة من كل شر؛ لأن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون؛ وذلك لأن الله لا يُخلِف وعده، فهو وليُّهم في الدنيا والآخرة؛ ﴿ أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ [يونس: 62].

 

وفي الحديث الشريف الذي رواه الترمذي: ((لو أنكم كنتُم توكَّلون على الله حق توكُّله، لرُزقتم كما يُرزَق الطير، تغدو خِماصًا وتروح بِطانًا))، وللشاردين من ربهم المنحرفين عن صراطه المستقيم، نقول لهم: إن أردتم أن تتَّسِع أرزاقكم، وتستقيم أعمالكم، فتوبوا إلى الله توبة نصوحًا؛ لأن التوبة واجبة فورًا على العاصي، فمن أخَّرها تَكرَّرت ذنوبه وساء عمله، والتقوى تنفع الذرية وتُعمِّر الديار؛ ﴿ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾ [الأعراف: 96].

 

ومن الخير أن يُراقِب المرء ربه سرًّا وعلانية قبل فوات الأوان، والله - جل شأنه - يقول:

 

﴿ إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا * وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا ﴾ [النساء: 17، 18].

 

والله يَختصُّ برحمته من يشاء: فإذا أحبَّ الله عبده كان سَمْعه الذي يسمع به، وبصره الذي يُبصِر به، ومن كان هذا شأنَه، لم يكن رجلاً عاديًّا، بل تراه يعبد ربه كأنه يراه، فينظر بنور الله الذي يَشِعُّ ضياؤه في قلوب الأبرار الأطهار العارفين بالله، المواظبين على بِرِّه وطاعته، البعيدين كل البُعد عن مُحرَّماته ومُخالَفة أمره.

 

المؤمنون رحماء بينهم:

 

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴾ [الحجرات: 11].

 

وبمقتضى الأخوَّة الإسلامية يجب على المسلمين أجمعين التعاون والتآزر، لا التهاجر والتشاجر.

 

والإسلام يقول للمسلمين: ((لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابُّوا))، والمؤمنون أمتهم واحدة، وإن اختلفت الألوان والأوطان والله يقول: ﴿ إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ ﴾ [الأنبياء: 92].

 

ورسول الله محمد - صلوات الله وسلامه عليه - بعثه ربُّه رحمة للعالمين؛ فهو خاتم رسل الله، وهو صاحب الخُلُق العظيم، وهو القائل: ((إنما بُعِثت لأتمم مكارم الأخلاق))، وبها يَطهُر اللسان وظاهر المسلم وباطنه، فلا يكون خدّاعًا ولا خائنًا، ولا سارقًا ولا قاتلاً، يرتكب المحرمات ويَقترِف السيئات بالعدوان على الأعراض والأموال؛ ((لأن المسلم مَن سلِم المسلمون من لسانه ويده، فكل المسلم على المسلم حرام: دمه، وماله، وعِرْضه)).

 

والتقوى مِنهاج حياة:

 

كثير من الناس يجهلون أن التقوى تنفع المتقين في حياتهم وبعد مماتهم، وتنفع ذريَّاتهم، فهم يجهلون ذلك، ويجهلون أنهم يجهلون، فسارَعوا إلى اتباع أهوائهم وطاعة أنفسهم، وهي التي لا تستحِق الطاعة؛ لأنها أمَّارة بالسوء، فبدَّلوا نعمة الله كفرًا (بها)، وأحلُّوا قومهم دار البوار، وكان ينبغي عليهم أن يتذكَّروا نِعمَ الله عليهم وآلاءه التي بين أيديهم، وهي كثيرة ووفيرة لا تُعَد ولا تُحصى؛ لأن الله أحلَّ لهم الطيباتِ، وحرَّم عليهم الخبائث، وهو الذي يقول:

 

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ * وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلَالًا طَيِّبًا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ ﴾ [المائدة: 87، 88].

 

والإسلام جعل الطيبات من الرزق للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصةً يوم القيامة، ثم هو يقول في كتابه الكريم مبيِّنًا، أنه قد كتب على نفسه الرحمة؛ لأنه هو التواب الرحيم يقول:﴿ وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [الأنعام: 54].

 

وإلى عَبَدةِ الدنيا أقول:

طُبِعتْ على كَدَرٍ وأنت تُريدها

صفوًا من الأقذاء والأكدارِ

ومُكلّف الأيام ضد طِباعها

مُتطلِّب في الماء جذوةَ نارِ

 

 

 

وختامًا أذكِّر بقول الله تعالى: ﴿ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ﴾ [الحجرات: 13].

 

 

 

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات