الوصية السادسة : لاَ تَغْضَبْ

فريق النشر - ملتقى الخطباء

2022-10-05 - 1444/03/09
التصنيفات:

 

 

د. بدر عبد الحميد هميسه

 

 

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ:جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، فَقَالَ : مُرْنِي بِأَمْرٍ ، قَالَ : لاَ تَغْضَبْ ، قَالَ : فَمَرَّ ، أَوْ فَذَهَبَ ، ثُمَّ رَجَعَ ، قَالَ : مُرْنِي بِأَمْرٍ ، قَالَ : لاَ تَغْضَبْ ، قَالَ : فَرَدَّدَ مِرَارًا ، كُلَّ ذَلِكَ يَرْجِعُ فَيَقُولُ : لاَ تَغْضَبْ.

- وفي رواية : أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم رَجُلٌ ، فَقَالَ : مُرْنِي بِأَمْرٍ وَلاَ تُكْثِرْ عَلَيَّ حَتَّى أَعْقِلَهُ ، قَالَ : لاَ تَغْضَبْ ، فَأَعَادَهُ عَلَيْهِ ، فَأَعَادَ عَلَيْهِ : لاَ تَغْضَبْ.

- وفي رواية : أَنَّ رَجُلاً قَالَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: أَوْصِنِى ، قَالَ : لاَ تَغْضَبْ ، فَرَدَّدَ مِرَارًا ، قَالَ : لاَ تَغْضَبْ. قال الرجل ففكرت حين قال النبي صلى الله عليه وسلم ما قال فإذا الغضب يجمع الشر كله.

أخرجه البُخاري\" 6116 وأحمد2/362(8729) \" و\"التِّرمِذي\" 2020 . البيهقي في سننه الكبرى ج 10/ ص 105 حديث رقم: 20065.

 

أولاً : ما هو الغضب ؟ :

قال أهل اللغة الغَضَبُ نَقِيضُ الرِّضَا وقد غَضِبَ عليه غَضَباً ومَغْضَبَةً وأَغْضَبْتُه أَنا فَتَغَضَّبَ وغَضِبَ له غَضِبَ على غيره من أَجله وذلك إِذا كان حَيّاً فإِن كان ميتاً قلت غَضِبَ به قال دُرَيْدُ بنُ الصِّمَّة يَرْثِي أَخاه عَبْدَاللّه:

 

فإِن تُعْقِب الأَيامُ والدَّهْرُ فاعْلَمُوا * * * بني قَارِبٍ أَنَّا غِضَابٌ بمَعْبَدِ

 

وقولهم غَضَبَ الخَيْلِ على اللُّجُم كَنَوْا بغَضَبِها عن عَضِّها على اللُّجُم كأَنها إِنما تَعَضُّها لذلك وقوله أَنشده ثعلب

 

تَغْضَبُ أَحْياناً على اللِّجامِ * * * كغَضَبِ النارِ على الضِّرَامِ

 

وجَعَلَ للنار غَضَباً على الاستعارة أَيضاً وإِنما عَنى شِدَّةَ التهابها ( لسان العرب لابن منظور 5/3262).

والغضب: هو حالة نفسية، تبعث على هياج الإنسان و ثورته قولاً أو عملاً، وهو مفتاح الشرور و رأس الآثام.

وقال أحدهم : الغضب: هو تصرف لا شعوري وانفعال يهيج الأعصاب ويحرك العواطف ويعطل التفكير ويفقد الاتزان ويزيد في عمل القلب ويرفع ضغط الدم ويزداد تدفقه على الدماغ وتضطرب الأعضاء ويظهر ذلك بجلاء على ملامح الإنسان فيتغير لونه وترتعد فرائسه وترتجف أطرافه ويخرج عن اعتداله00 وتقبح صورته ويخرج عن طوقه فاٍن لم يكبح جماح نفسه تفلت لسانه فنطق بما يشين من الشتم والفحش بما يندم عليه ولات ساعة مندم , وامتدت يده لتسبقه إلى الضرب والعنف والقتل .

 

ثانياً : أسباب الغضب :

قال الغزالي في الأحياء : الأسباب المهيجة للغضب هي الزهو والعجب والمزاح والهزل والهزء والتعيير والمماراة والمضادة والغدر وشدة الحرص على فضول المال والجاه وهي بأجمعها أخلاق رديئة مذمومة شرعا ولا خلاص من الغضب مع بقاء هذه الأسباب فلا بد من إزالة هذه الأسباب بأضدادها ( الإحياء 3/172 ).

وقال المقدسي :\" من أسباب الغضب الحسد، والحرص، فمتى كان العبد حريصاً على شئ، أعماه حرصه وأصمه، وغطى نور بصيرته التي يعرف بها مداخل الشيطان . وكذلك إذا كان حسوداً فيجد الشيطان حينئذ الفرصة، فيحسن عند الحريص كل ما يوصله إلى شهوته، وإن كان منكراً أو فاحشاً . ( المقدسي : مختصرمنهاج القاصدين 3/1).

وهناك أسباب أخرى منها : المزاح الزائد ,والإعجاب بالنفس , والتعالي على الآخرين., و السخرية والاستهزاء واعتقاد أن الغضب من كمال الرجولة.

 

ثالثاً: أنواع الغضب :

قال ابن عرفة: الغضب من المخلوقين شىءٌ يُداخل قلوبَهم، ويكون منه محمود ومذموم، فالمذموم ما كان في غير الحقِّ. وأَمّا غضب الله عزَّ وجلَّ، فهو إِنكاره على من عصاه فيعاقبه.( بصائر ذوى التمييز في لطائف الكتاب العزيز للفيروز أبادي 1168) .

 

فالغضب نوعان :

الأول : الغضب المحمود :

وهو ما كان لله –تعالى- عندما تنتهك محارمه ، وهذا النوع ثمرة من ثمرات الإيمان إذ أن الذي لا يغضب في هذا المحل ضعيف الإيمان قال تعالى عن موسى -عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام- بعد علمه باتخاذ قومه العجل ( وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفاً قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى الْأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْدَاءَ وَلا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) (الأعراف :150) .

وعن عائشة - رضي الله عنها - قالت : ما ضرب رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم - شيئا قط بيده ، ولا امرأة ، ولا خادما إلا أن يجاهد في سبيل الله ، وما نيل منه شيء قط فينتقم من صاحبه إلا أن ينتهك شيء من محارم الله فينتقم لله -عز وجل- ( رواه مسلم ).

ومن ذلك ما رواه عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما- قال : خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى أَصْحَابِهِ ، وَهُمْ يَخْتَصِمُونَ فِي الْقَدَرِ ، فَكَأَنَّمَا يُفْقَأُ فِي وَجْهِهِ حَبُّ الرُّمَّانِ مِنَ الْغَضَبِ . فَقَالَ : بِهَذَا أُمِرْتُمْ ، أَوْ لِهَذَا خُلِقْتُمْ ؟! تَضْرِبُونَ الْقُرْآنَ بَعْضَهُ بِبَعْضٍ . بِهَذَا هَلَكَتِ الأُمَمُ قَبْلَكُمْ.

قَالَ : فَقَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَمْرٍو : مَا غَبَطْتُ نَفْسِي بِمَجْلِسٍ ، تَخَلَّفْتُ فِيهِ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، مَا غَبَطْتُ نَفْسِي بِذَلِكَ الْمَجْلِسِ ، وَتَخَلُّفِي عَنْهُ ( أخرجه أحمد 2/178(6668) .

قال شوقي في مدح النبي صلى الله عليه وسلم :

 

فإذا غضبت فإنما هي غضبة * * * للحق لا ضغن ولا شحناء

 

الثاني : الغضب المذموم :

وهو ما كان في سبيل الباطل والشيطان كالحمية الجاهلية ، والانتصار للنفس , أو لأمر من أمور الدنيا الزائلة .

وهذه القصة توضح الفرق بين الغضب المحمود الذي لا يكون إلا لله وبين الغضب المذموم الذي يكون من أجل الدنيا .

فقد ذكر حجة الإسلام أبو حامد الغزالي في الإحياء : أن رجلاً عابداً بلغه أن قوماً يعبدون شجرة فخرج لقطعها فقال له إبليس إن قطعتها عبدوا غيرها فارجع إلى عبادتك فقال لا بد من قطعها فقاتله فصرعه العابد فقال أنت رجل فقير فارجع إلى عبادتك وأجعل لك دينارين تحت رأسك كل ليلة ولو شاء الله لأرسل رسولاً يقطعها وما عليك إذا لم تعبدها أنت قال نعم فلما أصبح وجد دينارين في ثاني يوم لم يجد فخرج لقطعها فصرعه إبليس فقال له العابد كيف غلبتك أولاً ثم غلبتني ثانياً فقال لأن غضبك أولاً كان لله وثانياً للدينارين ( الأحياء 3/38).

 

رابعاً : آثار الغضب وأضراره :

آثار الغضب وأضرار كثيرة ، منها ما فيه إضرار بالنفس ومنها ما فيه إضرار بالآخرين .

فمن الأضرار التي تقع على النفس : ما يحدث من الأضرار الجسدية بسبب الغضب وهو أمر خطير كما يصف الأطباء كتجلّط الدم ، وارتفاع الضغط ، وزيادة ضربات القلب ، وتسارع معدل التنفس ، وهذا قد يؤدي إلى سكته مميتة أو مرض السكري وغيره . نسأل الله العافية .

ولو قدر لغاضب أن ينظر إلى صورته في المرآة حين غضبه لكره نفسه ومنظره ، فلو رأى تغير لونه وشدة رعدته ، وارتجاف أطرافه ، وتغير خلقته ، وانقلاب سحنته ، واحمرار وجهه ، وجحوظ عينيه وخروج حركاته عن الترتيب وأنه يتصرف مثل المجانين لأنف من نفسه ، واشمأز من هيئته ومعلوم أن قبح الباطن أعظم من قبح الظاهر ، فما أفرح الشيطان بشخص هذا حاله !.

بل قد يؤدي الغضب إلى سب الدين والعياذ بالله , بل والى الخروج كلية من الملة .

روي أن جبلة بن الأيهم بن أبي شمر الغساني لما أراد أن يسلم ، كتب إلى عمر بن الخطاب يعلمه بذلك ويستأذنه في لقدوم عليه ، فسرّ عمر لذلك والمسلمون ، فكتب إليه : إن أقدم ولك مالنا وعليك ما علينا ، فخرج جبلة في خمسمائة فارس ، فلما دنا من المدينة لبس جبلة تاجه وألبس جنوده ثياباً منسوجة من الذهب والفضة ، ودخل المدينة فلم يبق احد إلا خرج ينظر إليه حتى النساء والصبيان ، فلما انتهى إلى عمر رحَّب به وأدنى مجلسه ! ثم أراد الحج ، فخرج معه جبلة ، فبينا هو يطوف بالبيت إذ وطئ على إزاره رجل من بني فزارة فحلّه ، فالتفت إليه جبلة مغضباً ، فلطمه فهشم أنفه ، فاستعدى عليه الفزاري عمر بن الخطاب ، فبعث إليه فقال : ما دعاك يا جبلة إلى أن لطمت أخاك هذا الفزاري فهشمت انفه ! فقال : إنه وطئ إزاري فحلّه ؟ ولولا حرمة البيت لضربت عنقه ، فقال له عمر : أما الآن فقد أقررت ، فإما أن ترضيه وإلا أقدته منك . قال : أتقيده مني وأنا ملك وهو سوقة ! قال عمر : يا جبلة ، انه قد جمعك وإياه الإسلام فما تفضله بشئ إلا بالتقوى والعافية ، قال جبلة : والله لقد رجوت أن أكون في الإسلام أعز مني في الجاهلية ، قال عمر : دع عنك هذا ، فإنك إن لم ترض الرجل أقدته منك ، قال جبلة : إذن أتنصر ، قال : إن تنصرت ضربت عنقك . فقال جبلة : أخّرني إلى غدٍ يا أمير المؤمنين . قال : لك ذلك ، ولما كان الليل خرج جبلة وأصحابه من مكة ، وسار إلى القسطنطينية فتنصّر ، ثم إن جبلة طال به العهد في الكفر فتفكر في حاله فجعل يبكي وأنشأ يقول:

 

تنصرت الأشراف من عار لطمة * * * وما كان فيها لو صبرت لها ضرر

تكنفني منها لجاج ونخوة * * * وبعت لها العين الصحيحة بالعور

فباليت أمي لم تلدني وليتني * * * رجعت إلى القول الذي قال لي عمر

ويا ليتني أرعى المخاض بقفرة * * * وكنت أسير في ربيعة أو مضر

وباليت لي بالشام أدنى معيشة * * *أجالس قومي ذاهب السمع والبصر

 

( أبو الفداء : المختصر في أخبار البشر 1/111 , تفسير النكت والعيون للماوردي 2/332) .

ومن الأضرار التي تقع على الغير : انطلاق اللسان بالشتم والسب والفحش وتنطلق اليد بالبطش بغير حساب ، وقد يصل الأمر إلى القتل.

روى عن علقمة بن وائل أن أباه رضي الله عنه حدّثه قال : إني لقاعد مع النبي صلى الله عليه وسلم إذ جاء رجل يقود آخر بنسعة ( حبل مضفور ) فقال : يا رسول الله هذا قتل أخي . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أقتلته ؟ قال : نعم قتلته . قال : كيف قتلته ؟ قال : كنت أنا وهو نختبط ( نضرب الشجر ليسقط ورقه من أجل العلف ) من شجرة ، فسبني فأغضبني فضربته بالفأس على قرنه ( جانب الرأس ) فقتلته إلى آخر القصة .

(رواه مسلم في صحيحه 1307 ترتيب عبد الباقي) .

ومن أعظم الأمور السيئة التي تنتج عن الغضب وتسبب الويلات الاجتماعية وانفصام عرى الأسرة وتحطم كيانها ، هو الطلاق . واسأل أكثر الذين يطلقون نساءهم كيف طلقوا ومتى ، فسينبئونك : لقد كانت لحظة غضب .

فينتج عن ذلك تشريد الأولاد ، والندم والخيبة ، والعيش المرّ ، وكله بسبب الغضب . ولو أنهم ذكروا الله ورجعوا إلى أنفسهم ، وكظموا غيظهم واستعاذوا بالله من الشيطان ما وقع الذي وقع ولكن مخالفة الشريعة لا تنتج إلا الخسارة .

فالغضب نزغة من نزغات الشيطان ، يقع بسببه من السيئات والمصائب مالا يعلمه إلا الله .

قال سليمان ابن داود عليهما السلام يا بني إياك وكثرة الغضب فإن كثرة الغضب تستخف فؤاد الرجل الحليم وعن عكرمة في قوله تعالى وسيدا وحصورا قال السيد الذي لا يغلبه الغضب . ( الإحياء 3/164 ).

قال الشاعر :

 

ولم أرَ في الأعداء حين اختبرتهم عدوّاً لعقل المرءِ أعدى من الغضبْ

 

قال الحسن يا ابن آدم كلما غضبت وثبت ويوشك أن تثب وثبة فتقع في النار وعن ذي القرنين أنه لقي ملكا من الملائكة فقال علمني علما ازداد به إيمانا ويقينا قال لا تغضب فإن الشيطان أقدر ما يكون على ابن آدم حين يغضب فرد الغضب بالكظم وسكنه بالتؤدة وإياك والعجلة فإنك إذا عجلت أخطأت حظك وكن سهلا لينا للقريب والبعيد ولا تكن جبارا عنيدا وعن وهب بن منبه أن راهبا كان في صومعته فأراد الشيطان أن يضله فلم يستطع فجاءه حتى ناداه فقال له افتح فلم يجبه فقال افتح فإني إن ذهبت ندمت فلم يلتفت إليه فقال إني أنا المسيح قال الراهب وإن كنت المسيح فما أصنع بك أليس قد أمرتنا بالعبادة والاجتهاد ووعدتنا القيامة فلو جئتنا اليوم بغيره لم نقبله منك فقال إني الشيطان وقد أردت أن أضلك فلم أستطع فجئتك لتسألني عما شئت فأخبرك فقال ما أريد أن أسألك عن شيء قال فولى مدبرا فقال الراهب ألا تسمع قال بلى قال أخبرني أي أخلاق بني آدم أعون لك عليهم فقال الحدة إن الرجل إذا كان حديدا قلبناه كما يقلب الصبيان الكرة ( الإحياء 3/164 ).

قال شوقي :

 

غضبت فضاع أمري من يدي * * * والأمر يخرج من يد الغضبان

 

 

خامساً: علاج الغضب :

جاء في الشريعة الإسلامية ذكرُ واسع لهذا الخلق الذميم ، وورد في القرآن الكريم وفي السنة النبوية علاجات للتخلص من هذا الداء وللحدّ من آثاره ، فمن ذلك :

 

1- الاستعاذة بالله من الشيطان :

قال تعالى : \" وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ \" ( الأعراف 200 -201 ) . وقال : {وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} (36) سورة فصلت.

وعن سليمان بن صرد قال : كنت جالساً مع النبي صلى الله عليه وسلم ، ورجلان يستبّان ، فأحدهما احمرّ وجهه واتفخت أوداجه ( عروق من العنق ) فقال النبي صلى الله عليه وسلم : إني لأعلم كلمة لو قالها ذهب عنه ما يجد ، لو قال أعوذ بالله من الشيطان ذهب عنه ما يجد ( رواه البخاري ، الفتح 6/337 ومسلم/2610 ) .

وقال صلى الله عليه وسلم : إذا غضب الرجل فقال أعوذ بالله ، سكن غضبه ( صحيح الجامع الصغير رقم 695) .

 

2- السكوت :

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : \" إذا غضب أحدكم فليسكت \" ( رواه الإمام أحمد المسند 1/329 وفي صحيح الجامع 693 ، 4027 ) .

وذلك أن الغضبان يخرج عن طوره وشعوره غالباً فيتلفظ بكلمات قد يكون فيها كفر والعياذ بالله أو لعن أو طلاق يهدم بيته ، أو سب وشتم يجلب له عداوة الآخرين .

 

3- التغيير من الهيئة:

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إذا غضب أحدكم وهو قائم فليجلس ، فإن ذهب عنه الغضب وإلا فليضطجع ) . وراوي هذا الحديث أبو ذر رضي الله عنه ، حدثت له في ذلك قصة : فقد كان يسقي على حوض له فجاء قوم فقال : أيكم يورد على أبي ذر ويحتسب شعرات من رأسه ؟ فقال رجل أنا فجاء الرجل فأورد عليه الحوض فدقّه أي كسره أو حطّمه والمراد أن أبا ذر كان يتوقع من الرجل المساعدة في سقي الإبل من الحوض فإذا بالرجل يسيء ويتسبب في هدم الحوض، وكان أبو ذر قائماً فجلس ثم اضطجع فقيل له : يا أبا ذر لم جلست ثم اضطجعت ؟ قال فقال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم .... وذكر الحديث بقصته في( مسند أحمد 5/152 وانظر صحيح الجامع رقم 694 ) .

وفي رواية كان أبو ذر يسقي على حوضٍ فأغضبه رجل فقعد .... ( فيض القدير ، المناوي 1/408 ) .

قال العلامة الخطابي - رحمه الله - في شرحه على أبي داود : ( القائم متهيئ للحركة والبطش والقاعد دونه في هذا المعنى ، والمضطجع ممنوع منهما ، فيشبه أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم إنما أمره بالقعود والاضطجاع لئلا يبدر منه في حال قيامه وقعوده بادرة يندم عليها فيما بعد . والله أعلم ( سنن أبي داود ، ومعه معالم السنن 5/141 ) .

5- الوضوء والصلاة :

عَنْ عَطِيَّةَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:إِنَّ الْغَضَبَ مِنَ الشَّيْطَانِ ، وَإِنَّ الشَّيْطَانَ خُلِقَ مِنَ النَّارِ ، وَإِنَّمَا تُطْفَأُ النَّارُ بِالْمَاءِ ، فَإِذَا غَضِبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَتَوَضَّأْ.أخرجه أحمد 4/226(18148) . وأبو داود (4784).

قال ابن تيمية : \" وَكَذَلِكَ الْغَضَبُ هُوَ غَلَيَانُ دَمِ الْقَلْبِ لِطَلَبِ الِانْتِقَامِ وَهَذَا حَرَكَةُ الدَّمِ ؛ فَإِذَا سَكَنَ غَلَيَانُ الدَّمِ سَكَنَ الْغَضَبُ .( مجموع الفتاوي 5/569).

روي أن معاوية - رضي الله عنه – حبس العطاء يوماً ، فقام إليه أبو مسلم الخولاني –رضي الله عنه- فقال له : \"يا معاوية إنه ليس من كدك ، ولا من كد أبيك ، ولا من كد أمك\" ، فغضب معاوية غضباً شديداً ، ونزل عن المنبر، وقال للناس :\" مكانكم \" ، وغاب عن أعينهم ساعة ثم خرج إليهم وقد اغتسل فقال : \" إن أبا مسلم كلَّمني بكلام أغضبني ، وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلَّم يقول: \" الغضب من الشيطان ، والشيطان خلق من نار ، وإنما تطفأ النار بالماء ، فإذا غضب أحدكم فليغتسل ، وإني دخلت فاغتسلت ، وصدق أبو مسلم ، إنه ليس من كدِّي، ولا من كد أبي فهلموا إلى عطائكم\".( إحياء علوم الدين 2/344).

ولقد اكتشف العلماء في عصر العلم الحالي أن سقوط فوتونات الضوء على رذاذ الماء يعمل على انتشار أيونات سالبة الشحنة من جزيئات الماء المتناثر في الهواء ،وتلك الشحنات السالبة هي شحنات كهرومغناطيسية تؤثر على جسم الإنسان المتوضئ بالماء تأثيرا صحيا حسنا ،فهي تسبب الاسترخاء العضلي كمل تؤثر على نفسية الإنسان تأثيرا شفائيا عجيبا، فتزيل أي توتر عصبي أو انفعالي نفسي أو غضب ، وأكدت الدراسات العلمية أن الاغتسال بالماء في وجود الضوء يسبب الاسترخاء عصبيا ونفسيا ولم يتوصل العلماء إلى السبب الأصيل في قدرة رذاذ الماء في الشفاء النفسي من الغضب ،لذلك علل بعض الناس أن تأثير الماء تأثيرا سحري.

 

4- تذكر وصية الرسول صلى الله عليه وسلم بعدم الغضب :

عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلاً قال للنبي صلى الله عليه وسلم أوصني قال لا تغضب . فردّد ذلك مراراً ، قال لا تغضب ( رواه البخاري فتح الباري 10/456 ) .

وعن علي بن الحسين: أقرب ما يكون العبد من غضب الله إذا غضب.

في التوراة: اذكرني إذا غضبت أذكرك إذا غضبت فلا أمحقك فيمن أمحق، وإذا ظلمت فأصبر وأرض بنصرتي، فإن نصري لك خير من نصرتك لنفسك.

بكر بن عبد الله المزني: أطفئوا الغضب بذكر جهنم.( الزمخشري : ربيع الأبرار 1/144).

 

5- تذكر ثواب من يكظم غيظه :

قال تعالى : {وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ * وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [فصلت: 34- 36].

ومن صفات المؤمنين المتقين : { ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين } وهؤلاء الذين ذكر الله من حسن أخلاقهم وجميل صفاتهم وأفعالهم ، ما تشرئبّ الأعناق وتتطلع النفوس للحوق بهم ، ومن أخلاقهم أنهم : { إذا ما غضبوا هم يغفرون } .

وقال صلى الله عليه وسلم : \" لا تغضب ولك الجنة \" ( حديث صحيح : صحيح الجامع 7374 . وعزاه ابن حجر إلى الطبراني ، انظر الفتح 4/465 ) .

ومما ورد من الأجر العظيم في ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: \" ومن كظم غيظاً ، ولو شاء أن يمضيه أمضاه ، ملأ الله قلبه رضاً يوم القيامة \" ( رواه الطبراني 12/453 وهو في صحيح الجامع 176) .

وأجر عظيم آخر في قوله عليه الصلاة والسلام : ( من كظم غيظاً وهو قادر على أن ينفذه ، دعاه الله عز وجل على رؤوس الخلائق يوم القيامة حتى يخيره من الحور العين ما شاء ) ( رواه أبو داود 4777 وغيره ، وحسنّه في صحيح الجامع 6518 ) .

 

6- تذكر فضل الحلم والعفو :

قال تعالى : {وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ} (37) سورة الشورى.

وعن علي بن الحسين قال إذا كان يوم القيامة نادى مناد ليقم أهل الفضل فيقوم ناس من الناس فيقال انطلقوا إلى الجنة فتتلقاهم الملائكة فيقولون إلى أين فيقولون إلى الجنة قالوا قبل الحساب قالوا نعم قالوا من أنتم قالوا أهل الفضل قالوا وما كان فضلكم قالوا كنا إذا جهل علينا حلمنا وإذا ظلمنا صبرنا وإذا أسى علينا غفرنا قالوا ادخلوا الجنة فنعم أجر العاملين ثم يناد مناد ليقم أهل الصبر فيقوم ناس من الناس فيقال لهم انطلقوا إلى الجنة فتتلقاهم الملائكة فيقال له مثل ذلك فيقولون نحن أهل الصبر قالوا ما كان صبركم قالوا صبرنا أنفسنا على طاعة الله وصبرناها عن معصية الله عز و جل قالوا ادخلوا الجنة فنعم أجر العاملين ( أبو نعيم : حلية الأولياء 3/139 ).

عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس إذ رأيناه ضحك حتى بدت ثناياه فقال له عمر ما أضحكك يا رسول الله بأبي أنت وأمي قال رجلان من أمتي جثيا بين يدي رب العزة فقال أحدهما يا رب خذ لي مظلمتي من أخي فقال الله تبارك وتعالى للطالب فكيف تصنع بأخيك ولم يبق من حسناته شيء قال يا رب فليحمل من أوزاري قال وفاضت عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبكاء ثم قال إن ذاك اليوم عظيم يحتاج الناس أن يحمل عنهم من أوزارهم فقال الله تعالى للطالب أرفع بصرك فأنظر في الجنان فرفع رأسه فقال يا رب أرى مدائن من ذهب وقصورا من ذهب مكللة باللؤلؤ لأي نبي هذا أو لأي صديق هذا أو لأي شهيد هذا قال هذا لمن أعطى الثمن قال يا رب ومن يملك ذلك قال أنت تملكه قال بماذا قال بعفوك عن أخيك قال يا رب فإني قد عفوت عنه قال الله عز وجل فخذ بيد أخيك فأدخله الجنة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك اتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم فإن الله تعالى يصلح بين المسلمين . ( هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه , رواه الحاكم في مستدركه ج 4/ ص 620 حديث رقم: 8718 ) .

وحدَّثوا أن جعفر الصادق كان ذات يوم يصب خادمه على يده الماء، فسقط منه الإبريق، وتناثر الماء على سيده، فنظر جعفر الصادق مُغضَبا، فقال له خادمه: {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ}. فقال: كظمتُ غيظي. قال: {وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ}. قال: عفوتُ عنك. قال: الخادم: {وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}. فقال له جعفر الصادق: اذهب فأنت حُر لوجه الله.

وكان الأحنف بن قيس ممَّن يُضرب به المثل في الحلم، وقيل له ممَّن تعلمتَ الحلم؟ فقال: تعلمتُه من قيس بن عاصم، كانت جارية له تحمل سفُّودا من حديد، فوقع منها على ولده الصغير، فعَقَرَه فمات، فدهشت الجارية واضطربت. فقال الرجل: لا يُسكِّن روعها إلا العتق، فقال لها: اذهبي فأنت حرة لا بأس عليك.

 

7- معرفة أن الرجولة الحقيقة في السيطرة على النفس عند الغضب:

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ( ليس الشديد بالصرعة ، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب ) رواه أحمد 2/236 والحديث متفق عليه .

وكلما انفعلت النفس واشتد الأمر كان كظم الغيظ أعلى في الرتبة . قال عليه الصلاة والسلام : ( الصرعة كل الصرعة الذي يغضب فيشتد غضبه ويحمر وجهه ، ويقشعر شعره فيصرع غضبه ) ( رواه الإمام أحمد 5/367 ، وحسنه في صحيح الجامع 3859) .

فعن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم مرّ بقوم يصطرعون ، فقال : ماهذا ؟ قالوا : فلان الصريع ما يصارع أحداً إلا صرعه قال : أفلا أدلكم على من هو أشد منه ، رجلٌ ظلمه رجلٌ فكظم غيظه فغلبه وغلب شيطانه وغلب شيطان صاحبه ( رواه البزار قال ابن حجر بإسناد حسن . الفتح 10/519 ) .

قال الشاعر :

 

ليس الشجاع الذي يحمي فريسته * * عند القتال ونار الحرب تشتعـل

لكن من كفَّ طرْفًا أو ثَنى قدما * * عن الحرام، فذاك الفارس البطل

 

وقال آخر :

 

 

ليست الأحلامُ في حالِ الرضا إنّما الأحلامُ في حال الغضبْ

 

 

8- التأسي بهديه صلى الله عليه وسلم في الغضب :

وهذه السمة من أخلاقه صلى الله عليه وسلم ، وهو أسوتنا وقدوتنا ، واضحة في أحاديث كثيرة ، ومن أبرزها : عن أنس رضي الله عنه قال : كنت أمشي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وعليه بُرد نجراني غليظ الحاشية ، فأدركه أعرابي فجبذه بردائه جبذة شديدة ، فنظرت إلى صفحة عاتق النبي صلى الله عليه وسلم ( ما بين العنق والكتف ) وقد أثرت بها حاشية البرد ، ثم قال : يا محمد مُر لي من مال الله الذي عندك ، فالتفت إليه صلى الله عليه وسلم فضحك ، ثم أمر له بعطاء ( متفق عليه فتح الباري 10/375) .

عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رجلاً استأذن على عمر رضي الله عنه فأذن له ، فقال له : يا ابن الخطاب والله ما تعطينا الجزل ( العطاء الكثير ) ولا تحكم بيننا بالعدل ، فغضب عمر رضي الله عنه حتى همّ أن يوقع به ، فقال الحر بن قيس ، ( وكان من جلساء عمر ) : يا أمير المؤمنين إن الله عز وجل قال لنبيه ، صلى الله عليه وسلم : ( خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين ) وإن هذا من الجاهلين ، فوالله ما جاوزها عمر رضي الله عنه حين تلاها عليه ، وكان وقافاً عند كتاب الله عز وجل ( رواه البخاري الفتح 4/304 ) .

فهكذا يكون المسلم ، وليس مثل ذلك المنافق الخبيث الذي لما غضب أخبروه بحديث النبي صلى الله عليه وسلم وقال له أحد الصحابة تعوذ بالله من الشيطان ، فقال لمن ذكره : أترى بي بأس أمجنون أنا ؟ اذهب ( رواه البخاري فتح 1/465 ) .

وأسمع رجل أبا الدرداء – رضي الله عنه- كلاما , فقال : يا هذا لا تغرقن في سبنا ودع للصلح موضعا فإنا لا نكافئ من عصى الله فينا بأكثر من أن نطيع الله فيه .

قال المعتمر بن سليمان كان رجل ممن كان قبلكم يغضب فيشتد غضبه فكتب صحائف وأعطى كل صحيفة رجلا وقال للأول إذا غضبت فأعطني هذه وقال للثاني إذا سكن بعض غضبي فأعطني هذه وقال للثالث إذا ذهب غضبي فأعطني هذه فاشتد غضبه يوما فأعطي الصحيفة الأولى فإذا فيها ما أنت وهذا الغضب إنك لست بإله إنما أنت بشر يوشك أن يأكل بعضك بعضا فسكن بعض غضبه فأعطي الثانية فإذا فيها ارحم من في الأرض يرحمك من في السماء فأعطي الثالثة فإذا فيها خذ الناس بحق الله فإنه لا يصلهم إلا ذلك أي لا تعطل الحدود( الإحياء 3/175).

قيل لابن المبارك رحمه الله تعالى اجمع لنا حسن الخلق في كلمة واحدة قال ترك الغضب.

ولقد كان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: ((اللهم إني أسألك خشيتك في الغيب والشهادة، وكلمة الحق في الغضب والرضا، والقصد في الفقر والغنى).

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات