إلى ناقري "الكيبورد"!

فريق النشر - ملتقى الخطباء

2022-10-05 - 1444/03/09
التصنيفات:

معتز شاهين

 

الكيبورد هو مفتاح الدخول لعالم الاتصالات متناهية السرعة، وهي باب للولوج لعالم تًكتب فيه الكلمة في شرق الكرة الأرضية  ليقرأها من في الغرب بعد أجزاء من الثانية الواحدة من كتابتها، أنه عالم القرية الصغيرة بل هو صار أصغر من تلك القرية؛ حتى أنه يمكن لنا أن نطلق على العالم الآن (البيت الصغير).

نعم هي مجرد نقرات بسيطة تجعلك داخل عالم من المعلومات المتدفقة؛ منها الغث والسمين الملفق والصحيح، كل ذلك يجعل منا في تحدي خطير نحو انقاذ عقولنا؛ وعقول من نحب من ذلك الكم من المعلومات الذي يؤثر على اتجاهاتنا الفكرية شئنا أم أبينا ذلك.

 

فلو نظرنا نظرة إحصائية لجمهور الشبكة العنكبوتية منذ لحظة وجودها في مسرح عمليات الجنس البشري؛ لوجدنا أن الشبكة العنكبوتية ( الانترنت ) أكثر المخترعات الحديثة انتشارًا، ففي حين احتاج الراديو إلى 38 عامًا للحصول على 50 مليون مستخدم لاستقبال برامجه، واحتاج التلفزيون إلى 13 عامًا للوصول إلى العدد نفسه، فلم تحتاج شبكة الإنترنت سوى إلى 5 أعوام للوصول إلى ذلك العدد، وأقلّ من 10 أعوام للوصول إلى 500 مليون مستخدم!

 

وواقع الحال في العالم العربي يؤكد على نمو الاهتمام بهذا الجانب التكنولوجي بشكل صارخ، حيث حقق مستخدمو الإنترنت الذين يتكلمون اللغة العربية أكبر وتيرة نموّ في العالم كله في الفترة 2000 ـ 2007، حيث بلغت نسبتها 931.8% ! مما يعد أكبر دليلا على الاهتمام العربي بتلك الوسيلة التكنولوجية الهامة في تبسيط الحياة وجعلها أكثر سهولة.
ورغم هذا النمو المطرد في أعداد مستخدمي الانترنت في العالم العربي؛ إلا أنه يقدّر عدد مستخدمي الإنترنت المتكلمين باللغة العربية حوالي 28 مليونا ونصف المليون فقط! أي حوالي 2.5% من تعداد المستخدمين في العالم، وهي المرتبة العاشرة في العالم!
ولكن لكل شيء جانب ايجابي وسلبي، ومن أهم الجوانب السلبية لانتشار الافكار والمعلومات داخل الشبكة العنكبوتية هي وجود كائنات تعيش على النقر على الكيبوردات، بدون النظر لما يكتبه؟ ولماذا يكتبه؟ ولمن يكتبه؟ وفي حق من يكتب؟

 

إنها ظاهرة (النقد اللاواعي) أو النقد الغير موضوعي بلا سبب سوى النقد في حد ذاته، تلك الظاهرة التي تعيشها مجتمعاتنا الآن، فالكل يمسك في يده سوط لسانه ليقرع من يشاء كيفما يشاء، ويرى الباحث والمؤرخ البريطاني توينبي بأن انهيار الأمم والشعوب قد يكون من داخلها وليس لوجود مؤامرة خارجية لإسقاطها كما جرت العادة، فيما سماه ( انتحار الأمم ).

 

ويكون ذلك حينما تنشغل النخب المسيطرة على تلك الأمة في حالة نزاع دائم؛ فتعجز عن ابتكار حلول تحظى بالإجماع المجتمعي لمشكلاتها الحياتية المتراكمة والمتأزمة، وحالة النزاع الدائم تلك مع العقم عن إيجاد الحلول؛ يدفع الناس العاديين إلى تقبل الحكم الأجنبي في المرحلة الأولى ثم الانحلال في آخر الأمر، ويؤكد هذا ما جاء في القرآن الكريم في قوله تعالى ( وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ... ) [ سورة الأنفال: الآية 46 ]

 

فالآية الكريمة توضح أن الاختلاف والشقاق هو سبب من أسباب البعد عن الجماعة ثم هلاك تلك الجماعة، وقوله – صلى الله عليه وسلم – في التعصب ( دعوها فإنها منتنة )، فالعقد الاجتماعي – كما يطلق عليه علماء الاجتماع المعاصرين - والذي يربط بين أواصر المجتمع وأفراده ينحل بتلك الاختلافات والنزاعات.

 

مفهوم النقد :

النقد هو النظر في كلام الناس وأفعالهم وتمييز الصحيح منها، وهو أيضًا بذل جهد لوصف العمل وذكر سلبياته وإيجابياته بوجه منضبط، وهو أيضًا النظر في الأقوال والأفعال وتمييز صحيحها وحسنها من سقيمها ومعيبها، وإخراج الزّيف منها والإبقاء على الصحيح الحسن مع تثبيته والتركيز عليه.

 

وإن لم يكن قد ذكر لفظ النقد في القرآن إلا أن آياته الكريمات تتطل علينا في أكثر من موقف بوعظ الله سبحانه وتعالى أقواماً في عقائدهم وسلوكيّاتهم وبيّن زيف ما يعتقدون، قال تعالى ( كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم ثم إليه ترجعون ) [ البقرة : 28 ]، وقوله تعالى ( أولم ير الإنسان أنا خلقناه من نطفة فإذا هو خصيم مبين، وضرب لنا مثلا ونسي خلقه قال من يحيي العظام وهي رميم، قل يحييها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم) [ يس: الآيات 77: 79 ]، والعديد من الآيات التي تفند وترد وتنتقد هؤلاء الأقوام عقائدهم ومعتقداتهم الفاسدة وبيان زيفها وتهافتها.
وللنقد نوعان : أولهما : نقد ذاتي : وفيه ينقد الفرد أفعاله وسلوكه من باب ( حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا ) .. وثانيهما : نقد الغير .. وهو الشائع والمعروف.

وقبل الولوج في آداب النقد ومباحاته .. يبادر إلى ذهننا سؤال لماذا يظهر منا تجاه الآخرين مواقف تفسر على أنها نقد غير بناء أو نقد لاواعي؟ .. يرجع ذلك إلى عدة أمور:

- عدم النظر للطرف الآخر كمنافس من حقه أن يحقق ذاته.

- عدم النظر في تراث الآخر ثقافياً وفكرياً.

- عدم الانسجام مع مواقف الآخر مع ما تحمله من إيجابية والنظر لكل ماهو سلبي منه فقط.

- لذت يكون النزاع والشقاق هو النتيجة والمحصلة الطبيعية لكل ما سبق.
وعلى الناقد قبل أن يبادر إلى نقده أن يضع نصب عينه تلك النقاط المهمة حتى لا يكون النقد غير موضوعي أو نقدا هادما لما بناه الآخرون:

 

- اجعل نقدك يتمحور حول فكرة موضوعية يمكن رصدها وقياسها وفقاً للمعطيات الفكرية والأيدلوجية، ولا تجعل نقدك يتوجه ناحية النيات والمقاصد فتلك لا يعلمها ولا يحاسب عليها سوى الله – عز وجل -، كما أن النقد لنقطة جوهرية يمكن رصدها تجعل هناك فرصة لإيجاد نقاط للتواصل بين الطرفين وإيجاد مساحة حوار مشترك بينهما.
- انتقد الفكرة وليس الشخص فابتعد عن النقد الشخصي، ويُستثنى من ذلك أهل البدع الداعين إليها فإنّ المطلوب مواجهتهم والتعريف بهم وتوهينهم كي لا يتأثر بهم النّاس، ولا يُداهنوا على حساب الدين بحجّة النقد الموضوعي.

 

- الأصل في النقد أن يكون متجردًا من أي إتباع للهوى أو التعصب، فالناقد لابد أن يبتعد عن الأحكام المسبقة وأن يتسم بالتجرد والإنصاف ولا يقلل من مجهود بذل مهما قل أو خالف رأيه، فكم من نقد أدى لنزاعات لأنه تطرق للهوى، فحاول أن يكون نقدك مبني على قواعد علمية صحيحة حتى تنفي عنك اتباع الهوى أو الجهل.

 

- لو أن نقدك سيؤدي لمشكلة أكبر، فالأولى ترك هذا النقد، فقد يكون هذا النقد سببًا في نشر أفكار مغرضة أو خبيثة، فكم من شخص أراد أن تنتشر فكرته فطلب من غيره نقدها لتنتشر.

- لا تتصدر للنقد إلا فيما تعلمه، فبعلمك للموضوع الذي تنقده تحول كلامك من مجرد وجهة نظر لرأي علمي مبني على علم وليس تخمينات أو هوى شخصيا

- لن تهتم بنقد شيء إلا إذا شد انتباهك، فحاول أن تبدأ نقدك بالإشادة بمجهود من تنتقده، ... ( أنزلوا الناس منازلهم )

- الأصل في النقد أنك تريد به بيان الحق وليس الانتصار لذاتك أو لرأيك، فابحث عن نقاط الاتفاق قدر الإمكان مع من تنتقده، فذلك الأمر يجعل من تنتقده يشعر بموضوعيتك لأنك قدمت الاتفاق عن الاختلاف، فأكثر من ألفاظ الاتفاق ولا تكن كالذبابة لا تقع إلا على الجروح.

- الأصل التريث في النقد فلا نحكم على الفكرة أو القول أو الفعل من أول نظرة، بل ننظر في الجوانب المحيطة به والملابسات التي أدت لذلك.

وفي النهاية النقد ليس غاية في ذاته فلا تنشغل بعيوب الناس وتتناسى عيوبك، صعد رسول الله - صلى الله عليه و سلم - المنبر فنادى بصوت رفيع فقال: ( يا معشر من أسلم بلسانه ولم يفض الإيمان إلى قلبه ، لا تؤذوا المسلمين ولا تعيروهم ولا تتبعوا عوراتهم ، فإنه من يتبع عورة أخيه المسلم تتبع الله عورته ، ومن يتبع الله عورته يفضحه ولو في جوف رحله ).

تَعَمَّدني بِنُصْحِكَ في انْفِرَادِي      وجنِّبني النصيحة َ في الجماعة
فَإِنَّ النُّصْحَ بَيْنَ النَّاسِ نَوْعٌ        من التوبيخِ لا أرضى استماعه
وَإنْ خَالَفْتنِي وَعَصَيْتَ قَوْلِي      فَلاَ تَجْزَعْ إذَا لَمْ تُعْطَ طَاعَة

 

المصدر: المسلم

 

 

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات