مسائل يكثر السؤال عنها في الحج ( 1 )

فريق النشر - ملتقى الخطباء

2022-10-11 - 1444/03/15
التصنيفات:

الشيخ عبد الله الفوزان

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين ، نبينا محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه أجمعين ، ومن سار على نهجه واقتفى أثره إلى يوم الدين ..

أما بعد :

ففي موسم الحج من كل عام تكثر أسئلة الناس عن أحكام الحج ومناسكه ، سواء كان ذلك قبل الحج أو في أيامه ، وقد تبين لي من خلال ذلك أن هناك مسائل يتكرر السؤال عنها ، ومثلها في أحكام العمرة ، مما يدل على شدة الحاجة إليها ، وكان يتردد في ذهني بين حين وآخر أن أجمع شيئاً من هذه المسائل وأبين أحكامها ، وشجعني على ذلك بعض الأخوة  – أثابهم الله – فعزمت – متوكلاً على الله تعالى – وجمعت هذه المسائل بعد حج عام ( 1422هـ ) وأضفت إليها ما رأيت – حسب اجتهادي – أن الحاجة داعية إلى ذكره ، كل ذلك بعبارة واضحة ، مقرونة بالدليل معتمداً على أظهر الأقوال فيما فيه خلاف .

وهذه المسائل قابلة للإضافة والزيادة ، وقد تختلف وجهات النظر فيما يوصف باحتياج الناس إليه ، وأنا لا أدعي استيفاء كل ما يحتاجه الناسك ، ولكن هذا ما تيسر الآن .

ومناسك الحج كغيرها من أحكام الشريعة مبنية على التيسير والتسهيل ، بل ذلك صفة واضحة فيها ، ولكن ليس معنى ذلك أن يتساهل المسلم في أداء المناسك مما قد يصل إلى حد الإخلال بها أو بشيء منها ، مما يجعل بعض الناس يلجأ إلى من يفتيه فيما فعل .

 

ثـمـان وصايا

 

قبل أن أبدأ بالمسائل الفقهية أحببت أن أقدم  هذه الوصايا لعل الله تعالى أن ينفع بها :

 

الوصية الأولى : إخلاص العبادة لله تعالى .

إخلاص العبادة لله تعالى وحده شرط لقبولها ، وذلك بأن تكون أعمال العبد كلها لله تعالى من صلاة ودعاء وطواف وسعي وغير ذلك من أقواله وأفعاله ونفقاته ، بعيداً عن الرياء والسمعة ، لأن الله  تعالى لا يقبل من الأعمال إلا ما كان خالصاً لوجهه الكريم ، كما قال تعالى : ] فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً [ [الكهف/110] ، وقال تعالى : ]وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّين [ [البينة/5] ، وإذا نوى العبد التقرب إلى الله تعالى في جميع أحواله صار ذلك سبباً في زيادة حسناته وتكفير سيئاته ، كما دلت السنة على  ذلك.

الوصية الثانية : معرفة صفة الحج .

يجب على من عزم على الحج أن يعرف أحكامه وصفة أدائه ، فيعرف صفة الإحرام ، وكيفية الطواف ، وصفة السعي ، وهكذا بقية المناسك ، لأن شرط قبول العمل : أن يكون خالصاً لوجه الله تعالى – كما تقدم – وموافقاً لما شرعه في كتابه أو على لسان نبيه r  ، فمعرفة أحكام الحج لمن أراد الحج من الأهمية بمكان ؛ ليعبد المؤمن ربه على بصيرة ، ويحقق متابعة النبي r ، وقد قال النبي  r : ( لتأخذوا مناسككم ) أخرجه مسلم (1297) .

ووسيلة ذلك أن يسأل أهل العلم عن كيفية أداء المناسك ، أو يقرأ في كتب المناسك – إن كان ممن يقرأ ويفهم – أو يصحب رفقة فيهم طالب علم يستفيد منه .

ومن الناس من يقع في الخطأ في أداء الشعيرة العظيمة ، كصفة الإحرام أو صفة الطواف أو السعي أو غيرهما  لأسباب :

  • الجهل وعدم تعلم أحكام المناسك .
  • عدم سؤال أهل العلم الموثوق بعلمهم وورعهم .
  • سؤال من ليس من أهل العلم .
  • تقليد الناس بعضهم بعضاً .

والواجب على المسلم أن يحرص على ما يبرئ ذمته من تبعة واجبات الدين ، وأن يتعلم كيف يعبد ربه ، وكيف يعامل عباده ؟ فإن هذا العلم فرض عين على كل مسلم ومسلمة ، ليعبد الله تعالى على علم وبصيرة .

الوصية الثالثة : التأسي بالنبي r في أداء الماسك .

على المسلم أن يتأسى بالنبي r في أداء المناسك ، ويفعل كما كان يفعل صلوات الله وسلامه عليه ، لأنه قال : ( لتأخذوا مناسككم ، فإني لا أدري لعلي لا أحج بعد حجتي هذا ) رواه مسلم ، وعند النسائي (5/270) بلفظ : ( يا أيها الناس خذوا مناسككم ، فإني لا أدري لعلي لا أحج بعد عامي هذا ) .

ويحذر من البدع التي ألصقها بعض الناس بالمناسك مما ليس له أصل في دين الله تعالى .

الوصية الرابعة : تعظيم شعائر الله تعالى .

يتأكد في حق الحاج أن يعظم شعائر الله تعالى ، ويستشعر فضل المشاعر وقيمتها ، فيؤدي مناسكه على صفة التعظيم والإجلال والمحبة والخضوع لله رب العالمين ، وعلامة ذلك أن يؤدي شعائر الحج بسكينة ووقار ، ويتأنى في أفعاله وأقواله ، ويحذر من العجلة التي عليها كثير من الناس في هذا الزمان ، ويُعَوِّد نفسه على الصبر في طاعة الله تعالى ، فإن هذا أقرب إلى القبول وأعظم للأجر .

الوصية الخامسة : في الحج المبرور .

ورد عن أبي هريرة t أن رسول الله r قال : ( العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما ، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة ) أخرجه البخاري (1683) ومسلم (1349) .

والحج المبرور ما أجتمع فيه أربعة أوصاف :

الأول : أن تكون النفقة من مال حلال ، قال النبي r : ( إن الله تعالى طيب لا يقبل إلا طيباً … ) أخرجه مسلم (1015) .

الثاني : البعد عن المعاصي والآثام ، والبدع والمخالفات ، لأن ذلك إذا كان يؤثر على أيِّ عمل صالح ؛ وقد يكون سبباً في عدم قبوله ففي الحج أولى .

الثالث : أن يجتهد في المحافظة على واجبات الحج وسننه ، ويتأسى بالنبي r في ذلك ، وأن يعظم شعائر الله تعالى – كما تقدم –  .

الرابع : حسن الخلق ، ولين الجانب ، والتواضع في مركبه ومنزله وتعامله مع الآخرين وجميع أحواله ، كما كان عليه النبي r في حجته .

وما أحسن ما قاله ابن عبد البر :  كما في « التمهيد » (22/39) : ( وأما الحج المبرور فقيل : هو الذي لا رياء فيه ولا سمعة ، ولا رفث ولا فسوق ، ويكون بمالٍ حلال ... ) .

الوصية السادسة : في الاستفادة من الوقت .

على المسلم أن يستفيد من أوقاته ويستغرقها في طاعة الله تعالى من صلاة وتلاوة قرآن وذكر ، وقراءة في الكتب النافعة ، ومدارسة للعلم ، وهذا يتم باختيار الرفقة الصالحة ، فإن الحاج ما خرج من بلده وترك أهله إلا لطلب الأجر والثواب ، وهو يرجو أن يعود وقد غفر الله له ذنبه ، فعليه أن يغتنم الأوقات الفاضلة في الأماكن المقدسة ، وعليه أن يحذر من إضاعة الوقت فيما لا نفع فيه ، وعليه أن يجتنب المعاصي والآثام طوال دهره ، وفي المواضع الفاضلة والأزمنة الشريفة تكون التبعة أعظم ، وقد يؤثر ذلك على الطاعة وينقص ثوابها.

الوصية السابعة : في التوبة النصوح وقضاء الدين .

يتكرر في كلام أهل العلم – رحمهم الله – وصية من أراد الحج بالتوبة من جميع المعاصي ، والخروج من مظالم العباد ، وقضاء ما أمكنه من الديون ، وذلك لأنه لا يدري ما يعرض له في سفره .

وهذا أمر ليس له اعتبار عند كثير من الناس ، فترى الواحد منهم يذهب إلى الحج ويرجع وهو متلبس بذنوبه ، متدنس بخطاياه ، وقد يستمر في ارتكاب ذلك حتى في الأزمنة الفاضلة ، والأماكن المقدسة ، لا يحدث نفسه بتوبة ، ولا يجري على باله إقلاع وندم ، وهذا أمر ينبغي التفطن له، وعليك يا أخي أن تتأمل قوله تعالى :] فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجّ [ [البقرة/197] .

إن التوبة في الأزمنة الفاضلة لها شأن عظيم ، لأن الغالب إقبال النفوس على الطاعات ورغبتها في الخير ، فيحصل الاعتراف بالذنب والندم على ما مضى ، وإلا فالتوبة واجبة على الفور في جميع الأزمان ؛ لأن الإنسان لا يدري في أيِّ لحظة يموت ، ولا سيما من يتعرض للأسفار والأخطار ، ولأن السيئات تجر أخواتها ، وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – في مجموع الفتاوى (34/180) أن المعاصي في الأيام المفضلة والأماكن المفضلة تُغلَّظ ، وعقابها بقدر فضيلة الزمان والمكان .

أما بالنسبة للدَّين فكلام أهل العلم على أنه ما نع من الاستطاعة المشروطة في وجوب الحج ، سواء كان الدين لله تعالى كالنذور والكفارات ، أو لآدمي كقرض وأجرة وثمن مبيع ونحو ذلك ، فإن كان عند المدين مال يكفي للحج وقضاء الدين فلا بأس أن يحج ، لكن عليه أن يبادر بقضاء دينه إن كان حالاً مسارعة لإبراء ذمته ، لأنه لا يدري ما يعرض له ، فإن كان مؤجلاً أبقى من ماله ما يكفيه لقضاء دينه ، وأوصى بذلك ، ومثل ذلك من كان بينه وبين الناس معاملات له حقوق وعليه حقوق ، فهذا له أن يحج ، لكن عليه أن يبين ماله وما عليه  .

أما إذا كان المال قليلاً لا يكفي لحجه ولقضاء دينه ، فقضاء الدين مقدم ، فيكون غير مستطيع ، فلا يدخل في عموم قوله تعالى : ] وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً [ [آل عمران/97] ، ولا يكفي في ذلك استئذان صاحب الدين ، لأن المقصود براءة الذمة ، لا استئذان صاحب الحق ، فإنه لو أذن لم تبرأ ذمته بهذا الإذن ما لم يبرئه منه .

الوصية الثامنة : آداب عامة .

للحج آداب عامة تتعلق بالإنسان مع نفسه وآداب تتعلق بالإنسان مع غيره ، ومن أهمها ما يلي :

  • التأدب بآداب السفر من الدعاء عند الركوب وعند توديع الأهل والأصدقاء ، وعند النزول ، والتكبير إذا علا مرتفعاً ، والتسبيح إذا هبط وادياً ، وعدم النزول في الطريق أو قرب الطريق ، والرفق بسيارته ، وتفقد أجزائها لتظل صالحة لركوبه وبلاغ غايته .
  • الصبر وتوطين النفس على تحمل المشقة ، فلا يتأفف من طول طريق أو حرٍّ أو زحام أو قلة طعام أو نحو ذلك ، فإن الحج فيه مشقة ، وفيه تعب ، وإن كانت الطرق ممهدة ، ووسائل النقل ميسرة .
  • عليك أيها الأخ الكريم أن تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر ، وتعلم الجاهل ، وترشد الضال ، وأن تحرص على فعل المعروف وإسداء النفع للآخرين ما استطعت إلى ذلك سبيلاً .
  • أن تطيع الأمير ولا تنفرد عن رفقتك برأي تصرُّ على تنفيذه ، وأن تكون محباً لخدمة رفقتك حريصاً على راحتهم .
  • احفظ لسانك من القيل والقال ، ومن اللغو والكلام الباطل ، وتجنب الإفراط في المزح ، فأوقاتك شريفة ، وساعاتك غالية ، فلا ترخصها بمثل ذلك .

 

مسائل يحتاج إليها الحاج والمعتمر

حج الزوجة والأولاد :

ينبغي للمستطيع من الأباء والأولياء العمل على حج من تحت ولايتهم من الأبناء والبنات ، لعموم قوله r : ( كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته ) أخرجه البخاري (7138) ومسلم (1829) .

ويتأكد ذلك في حق البنت قبل زواجها ، لأن حجها قبل أن تتزوج سهل وميسور ، بخلاف ما إذا تزوجت فقد يعتريها الحمل والإرضاع والتربية ، فحجها قبل زواجها في غاية المناسبة .

وليس للزوج أن يمنع زوجته من حجة الإسلام لأنها واجبة بأصل الشرع ، وينبغي للزوج إن كان قادراً أن يبادر بحج زوجته ، ولا سيما من كان حديث عهد بزواج ، فيسهل مهمتها إما بسفره معها ، أو بالإذن لأحد اخونها أو غيرهم من محارمها بالحج بها ، وعليه أن يخلفها في حفظ الأولاد ، والعناية بالمنزل ، فهو بذلك مأجور .

الاستنابة في الحج:

تجوز الاستنابة في أداء فريضة الحج في حق المستطيع بماله العاجز ببدنه ، بحيث لا يقوى على السير إلى مكة لضعفه ، أو مرضه الذي لا يرجى برؤه ، أو كبر سنه ، وكذا لو قدر على السير ولكن بمشقة شديدة .

وكذا الميت يجب الحج عنه من تركته ، أوصى أو لم يوصِ ، إذا تمكن من الحج في حياته ولم يحج ، لأن هذا دَيْنُ لله تعالى، ودَيْنُ الله أحق أن يقضى ، كما ثبت في السنة .

أما من مات قبل استطاعة الحج ، لعدم تحقق شروطه ، فهذا لا إثم عليه ، ولا دَيْنَ لله تعالى عليه .

وهذا في حج الفريضة ، وأما الاستنابة في حج التطوع ، فمن أهل العلم من منع ذلك ، لأن الحج عبادة ، والأصل فيها التوقيف ، ولم يرد في الشرع ما يدل على جواز الاستنابة في التطوع ، ومنهم من أجاز ذلك قياساً على الفريضة .

وشرط النائب عن غيره أن يكون قد حج عن نفسه حجة الإسلام . ولا يلزم أن يكون حَجُّ النائب من بلد من أنابه ، بل لو أناب من يحج عنه من أهل مكة جاز , وتحج المرأة عن الرجل ، والرجل عن المرأة .

ولا ينبغي أن يكون قصد النائب كسب المال ، فإن الارتزاق بأعمال البر ليس من شأن الصالحين ، بل ينبغي أن يكون قصده الإحسان إلى أخيه بإبراء ذمته ، مع قصد رؤية المشاعر والتعبد فيها ، فهذا محسن ، والله تعالى يحب المحسنين .

وما يعطاه من المال فهو له ، فينفق منه ما يليق به في أكله وشربه ومركبه ، فإن بقي منه شيء أخذه ، وعليه عمل الناس اليوم ، وللفقهاء تفاصيل لا حاجة إلى ذكرها .

وصفة النسك أن ينوي بقلبه الإحرام عن فلان – وهو من أنابه – ثم يقول : لبيك عمرة عن فلان ، أو لبيك حجاً وعمرة – حسب النسك الذي طُلب منه – فإن نسي اسم من قَصَدَ الحج له لم يضرَّه ، وتكفي النية .

ويجب على النائب أن يتقي الله ، ويحرص على تكميل النسك ، ولا يتساهل في شيء منه ، لأنه مؤتمن على ذلك.

ثياب الإحرام :

الإحرام هو نية الدخول في النسك ، وليس هو لبس ثياب الإحرام ، لأن لبسها تهيؤٌ للإحرام الذي لا ينعقد إلا بالنية .

ويستحب إحرام الرجل في إزار ورداء أبيضين نظيفين ، تأسياً بالنبي r ، ولأمره بذلك ، كما في حديث ابن عمر رضي الله عنهما ، عند أحمد (8/500) وغيره ، بإسناد صحيح .

والإزار : ما يستر أسفل البدن ، ويُشدُّ على الحَقْوَيْنِ (1) ، والرداء : ما يستر أعلى البدن ويوضع على المنكبين .

وأما ما ظهر في الأسواق أخيراً من الإزار المخيط فالذي يظهر أنه لا ينبغي استعماله ، لأنه لما خيط خرج عن كونه إزاراً ، لأمرين :

الأول : من جهة اللغة ، فقد ذكر في ( تاج العروس ) (3/11) أن الإزار غير مخيط ، ويؤيد ذلك قول الشاعر :

 

النازلين بكل معتركٍ والطيبين معاقد الأُزُرِ

فالإزار يعقد على الحقوين ولا يخاط .

الثاني : حديث جابر t أن النبي r قال له : ( إن كان الثوب واسعاً فخالف بين طرفيه ، وإن كان ضيقاً فاتزر به ) متفق عليه .

فبين له r كيفية لباس الصلاة ، وهو أنه إن كان الثوب واسعاً ستر به جميع البدن ، وإن كان ضيقاً اكتفى بستر أسفل البدن ، ومعلوم أنه لو كان مخيطاً لما أمكن فيه ذلك ، فدل على أن الإزار اسم لما يستر أسفل البدن وليس مخيطاً .

ما يجتنبه المحرم من اللباس:

عن ابن عمر ب أن رسول الله r سئل : ما يلبس المحرم من الثياب ؟ فقال: « لا تلبسوا القُمُص ، ولا العمائم ، ولا السراويلات ، ولا البرانس ، ولا الخفاف ، إلا أحد لا يجد النعلين فليلبس الخفين ، وليقطعهما أسفل من الكعبين ، ولا تلبسوا شيئاً من الثياب مسَّه الزعفران ولا الورس » أخرجه البخاري (1542) ومسلم ( 1177) واللفظ له .

هذا الحديث من جوامع الكلم ، فإنه r سُئل عما يلبس المحرم . فأجاب بما لا يلبس ، لبيان أن كل ما عدا هذه المذكورات وما يشابهها فإنه يلبسه المحرم ، وقد ذكر فيه ستة أنواع :

1 – القُمُص : وهو جمع قميص ، وهو الثوب ذو الأكمام ، ويلحق به ما يشبهه مثل : الكوت ، والقباء ، والفنيلة .

2 – العمائم : وهي جمع عمامة ، وهي ما يلف على الرأس ، ويقاس عليها الطاقية وما في معناها .

3 – السراويلات : وهي جمع سراويل ، وه المئزر ذو الأكمام ، ويقاس عليه التبان ، وهو سروال قصير ، ويجوز لبس السراويل لعدم الإزار ، كما ثبت في حديث ابن عباس ب .

4 – البرانس : وهي جمع برنس ، وهو الثوب الشامل للبدن والرأس ، ويلحق به العباءة .

5 – الخفاف : وهي جمع خف ، وهو ما يلبس على القدم ساتراً لها من جلد . ويجوز لبسه لعادم النعلين ، ولا يلزم قطعهما أسفل الكعبين ، لأن الأمر بذلك منسوخ . وهذه الأنواع الخمسة خاصة بالذكور .

6 – الثياب المطيبة بزعفران ، أو ورس « وهو نبت طيب الرائحة ، لونه أحمر » ، ويقاس عليهما بقية أنواع الطيب ، وهذا محرم على الذكور والإناث .

وضابط ما تقدم أن كل ما خيط على قدر البدن أو على جزء منه ، أو عضو من أعضائه فالمحرم ممنوع منه .

وقد اشتهر في كتب المناسك لفظ « المخيط » وهذا لم يرد في السنة ، وإنما جرى على لسان بعض التابعين([1]) حتى كثر استعماله في كتب الفقه ، فطن كثير من الناس أن المقصود به كل ما فيه خيط ، فطنوا أنه لا يجوز لبس الرداء الموصَّل لقصره ، أو لضيقه ، أو ما خيط لشقٍّ فيه ، وكذا الأحذية والأحزمة التي فيها خيوط ، وهذا غير صحيح ، بل المراد به ما تقدم ، وليس المراد ما فيه خيط ، ولو اقتصر الفقهاء على ما ورد في السنة ، وأُلحق به ما أشبهه لكان أوضح ، وأبعد عن الإيهام .

ما تجتنبه المرأة من اللباس :

وأما المرأة فتحرم بما شاءت من الثياب ، من غير تقيد بلون معين ، بشرط ألا تكون ملابس زينة تلفت النظر ، أو فيها تشبه كالثوب الأبيض ، وتمنع من شيئين :

الأول : النقاب ، وهو ما يُنقب فيه للعينين ، فلا يجوز لها لبسه .

الثاني : القفاز ، وهو غلاف ذو أصابع تُدخل فيه الكف ، وهو المعروف بشراب اليدين ، لقوله r : ( ولا تنتقب المرأة المحرمة ولا تلبس القفازين ) أخرجه البخاري (1542) ومسلم (1177) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما ، وهذا لفظ البخاري (1838) .

أما ما تفعله بعض النساء من لبس النقاب وفوقه الحجاب ، لقصد رؤية الطريق فالظاهر – والله أعلم – أن عموم النهي عن النقاب يشمله ، لتحقق لبسه ، فإن قيل : ألا يجوز للحاجة ، ولكونه غير ظاهر ؟ فالجواب : أن ما فُعل من محظورات الإحرام للحاجة ففيه الفدية ، وكونه غير ظاهر قد لا يؤثر في الحكم ، لما تقدم .

ويجوز لكل من الرجل والمرأة تبديل ثياب الإحرام وغسلها بعد الإحرام ، وأما ظن بعض النساء أن المحرمة تبقى على ثياب إحرامها ، وليس لها تبديلها أو غسلها ، فكل ذلك لا أصل له ، والله أعلم .

الأنساك الثلاثة:

نقل ابن قدامة :  في « المغني » (5/82) إجماع أهل العلم على جواز الإحرام بأيّ الأنساك الثلاثة شاء، وإنما الخلاف في الأفضل .

وأفضل الأنساك في حق من لم يسق الهدي هو التمتع – وهو أن يحرم بالعمرة في أشهر الحج ، ثم يَحِلُّ منها، ثم يحرم بالحج في اليوم الثامن - .

وأما من ساق الهدي فالأفضل في حقه القِران – وهو أن يحرم بالعمرة والحج معاً من الميقات - ، وهو نسك النبي r ، لأنه r أمر أصحابه بالتمتع ، وقال : « لولا أن معي الهدي لأحللت » وفي لفظ : « ولولا هديي لحللت كما تَحِلُّون » أخرجه البخاري (1651-7367) ومسلم (1216) فإن أحرم بالقِران وليس معه هدي جاز ، لكن عليه هدي على أحد القولين لأهل العلم ، قياساً على المتمتع ، لأنه في معناه .

ولا فرق في حكم التمتع والقِران بين أهل مكة وغيرهم من أهل الآفاق ، إلا أن أهل مكة لا هدي عليهم ، لكونهم حاضري المسجد الحرام ، على أحد الأقوال ، وهو أن الإشارة في قوله تعالى :â y7Ï9ºsŒ `yJÏ9 öN©9 ô`ä3tƒ ¼ã&é#÷dr& “ÎŽÅÑ$ym ωÉfó¡yJø9$# ÏQ#tptø:$# á  راجعة إلى الهدي والصوم .

أما من أحرم بالحج وحده – وهو المفرد –  وكذا القارن الذي لم يسُق الهدي ، فإنه يستحب في حقه أن يفسخه إلى عمرة ، كما هو مذهب الإمام أحمد :  ، وذهب جماعة من أهل العلم إلى وجوب الفسخ ، لأن النبي r أمر أصحابه بذلك .

فإن ضاق الوقت كمن أحرم صبح يوم عرفة فهذا يُحتمل أن يقال : بإمكان تمتعه ، ويحتمل أن يقال : بأن يحرم مفرداً أو قارناً ، وهذا هو الأظهر ، لأن صورة التمتع غير ظاهرة في حقه ، لقوله تعالى : â `yJsù yì­GyJs? Íot÷Kãèø9$$Î/ ’n<Î) Ædkptø:$# á وعلى هذا فيبقى على نسكه ، ولا يشرع له الفسخ ، لضيق الوقت ، ولأن الإفراد أحد الأنساك الثلاثة ، ولا سيما في حق من يفرد للعمرة سفراً مستقلاً ، والله تعالى أعلم . والمتمتعة التي أحرمت بالعمرة إذا حاضت قبل الطواف و خافت فوات الحج بأن لم تطهر حتى يوم عرفة فإنها تحرم بالحج وتصير قارنة ، وهكذا لو خشي غيرها فوات الحج أحرم وصار قارناً ، لفعل عائشة ل .

صلاة الإحرام  :

يرى أكثر أهل العلم استحباب ركعتين قبل الإحرام ، تأسياً بالنبي r ، فإنه أحرم في حجة الوداع بعد فريضة ، والذي يظهر – والله أعلم – أنه إن وافق الإحرام وقت فريضة فأحرم بعدها فحسن ، وكذا لو أحرم بعد صلاة تطوع اعتادها كركعتي الضحى ، وإلا فليس للإحرام صلاة تخصه ، فيحرم بدون صلاة ؛ لأنه لم يرد عن النبي r في ذلك شيء ، لكن من أحرم من ذي الحليفة سُنَّ له أن يصلي ركعتين ؛ لحديث عمر t   قال : سمعت رسول الله r بوادي العقيق ، يقول : ( أتاني الليلة آتٍ من ربي ، فقال : صلِّ في هذا الوادي المبارك ، وقل : عمرةٌ في حجة ) أخرجه البخاري (1534) .

وظاهر هذا أن هذه الصلاة خاصة بهذا المكان ، لبركته ، لا لخصوص الإحرام ، فإنه يحتمل أن المراد صلاة الفريضة لا صلاة ركعتي الإحرام ، ويحتمل أن المراد الصلاة لأجل الإحرام ، لكن لا يثبت هذا الحكم في المواقيت الأخرى ، والله أعلم .

استعمال الصابون للمحرم:

يجوز للمحرم أن يستعمل الصابون لإزالة الوسخ أو الدسم ونحو ذلك ، لأنه لا يسمى طيباً ، ولا يُعَدُّ مستعمله متطيباً ، وكذا يجوز له أن يستعمل في غسل رأسه المستحضرات الحديثة ، وقد أجاز الفقهاء شمَّ ما نبت بنفسه مما له رائحة طيبة ، كالشيح والخزامى ونحوهما مما لا يُتخذ طيباً ، أو ما ينبته الآدمي كالريحان الفارسي – وهو الحَبَقُ – ومثله النعناع .

وأما الزعفران فهو طيب ، لذا فالأحوط تركه في القهوة ما دام محرماً ، وقد ورد نهي المحرم عن الثوب الذي مسَّه زعفران . وله استعمال الهيل والقرنفل في القهوة ، لأنهما لا يدخلان في مسمى الطيب .

ويجوز للمحرم الادهان في بدنه بالزيت ونحوه من المستحضرات الحديثة ، وأما دهن رأسه ففيه خلاف مشهور ، وتركه أولى .

الاضطباع :

هو أن يجعل وسط ردائه تحت إبطه الأيمن ، وطرفيه على عاتقه الأيسر ، وهذا من سنن طواف القدوم – وهو أول طواف يأتي به القادم إلى مكة – والاضطباع محله إذا أراد الطواف ، وليس كما يفعله كثير من المحرمين ، من الاضطباع منذ أن يحرم إلى أن يخلع ثياب الإحرام ، فهذا لا أصل له ، فينبغي التنبه له ، والتنبيه عليه ، قال ابن عابدين في « حاشيته » (2/512) : ( والمسنون الاضطباع قبيل الطواف إلى انتهائه لا غير ) .

اشتراط الطهارة للطواف :

ذهب الجمهور من أهل العلم إلى اشتراط الطهارة في الطواف لحديث ابن عباس – رضي الله عنهما – أن النبي r قال : ( الطواف بالبيت صلاة إلا أن الله أباح فيه الكلام ) أخرجه الترمذي (960) والدارمي (1/374) وابن خزيمة (4/222) والحاكم (1/409) (2/267) وهو حديث مختلف في رفعه ووقفه .

ولقول عائشة – رضي الله عنها – : ( إن أول شيء بدأ به النبي r حين قدم أنه توضأ ثم طاف ) أخرجه البخاري (1536) ومسلم (1235) ، وهذا وإن كان من قبيل الفعل إلا أنه قد يكون بياناً لقوله تعالى : ] وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ [ [الحج/29] عند من يقول به ، ولم ينقل عن النبي r أنه أمر بالطهارة للطواف ، ولا نهى المحدث عن الطواف ، ولكنه طاف طاهراً ، ونهى الحائض عن الطواف ، ومَنْعُ الحائض لا يستلزم منع المحدث ، ولا ريب أن الطواف بطهارة أفضل وأحوط وأبرأ للذمة ، وفيه اتباع للنبي r ، وقد قال : ( لتأخذوا مناسككم ) ، لكن لو أحدث في أثناء الطواف ولا سيما في آخره وفي زحام شديد كأيام الحج فالقول بأنه يلزمه أن يذهب ويتوضأ ويبدأ طوافه فيه مشقة ، وما كان كذلك وليس فيه دليل بين فإلزام الناس به فيه نظر ، ومناسك الحج مبنية على التيسير ، والله أعلم .

إذا أقيمت الصلاة أثناء الطواف :

إذا أقيمت الصلاة أو حضرت جنازة أثناء الطواف فإنه يصلي ثم يبدأ بعد الصلاة من موضعه الذي وقف فيه ، ويعتد ببعض الشوط الذي فعله قبل قطع الطواف ، ولا يلزمه أن يبدأ من الحجر الأسود ، وهذا هو الراجح من قولي أهل العلم ، لأنه قطع معفو عنه ، ولا دليل على بطلان أول هذا الشوط .

أما إذا أحدث في الطواف بريح أو غيره وأراد أن يذهب ويتطهر فإنه إذا رجع استأنف الطواف من أوله – على الراجح من قولي أهل  العلم –  قياساً على الصلاة ، والطواف من جنس الصلاة في الجملة ، كما أفتى بذلك الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله – ( الفتاوى 17/216).

(1) الحَقْوُ : موضع شد الإزار ، وهو الخاصرة .

([1])   ذكر ابن عثيمين :  في « الشرح الممتع » (7/147) أنه يذكر أن أول من عبر بالمخيط إبراهيم النخعي ، وقد بحثت عن ذلك فلم أجده ، ووجدت في « المبسوط » للسرخسي (4/138) أن زُفر بن الهذيل عبر بذلك ، وهو من أصحاب أبي حنيفة ، مات سنة (158هـ ) .

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات