حكم الوصية ومتى تكون مكروهة ومحرمة

فريق النشر - ملتقى الخطباء

2022-10-12 - 1444/03/16
التصنيفات:

 

 

الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح

 

 

تعريف الوصيَّة:

الوصيَّة في اللغة: مأخوذة من وصيت الشيء إذا وصلته، وسميت بذلك؛ لأن الموصِي وصل بعض التصرف الجائز له في حياته ليستمر بعد موته[1].

 

والوصِيَّة في اصطلاح الفقهاء: هي الأمر بالتصرف بالشيء بعد الموت، أو بعبارة أخرى: هي التبرع بالمال بعد الموت.

 

حكم الوصيَّة: نقل ابن قدامة -رحمه الله- الإجماع على جواز الوصيَّة، فقال: " وأجمع العلماء في جميع الأمصار والأعصار على جواز الوصية"[2] والوصيَّة تكون مستحبة، وواجبة، ومكروهة، ومحرمة.

 

فالوصيَّة المستحبة: هي الوصيَّة بشيء من مالِه يُصرف في سبيل الخير، والإحسان؛ ليصل إليه ثوابه بعد وفاته، وهذا إذا كان له مال كثير وورثته أغنياء، وهذا مما أذن فيه الشارع؛ ليكون فرصة له في تكثير الأعمال الصالحة بعد الممات على ألَّا تتعدى الوصية ثلث المال -كما سيأتي-.

 

 

 

ومما يدلّ على مشروعية الوصيَّة حديث ابن عمر-رضي الله عنهما- أنَّ النَّبيّ -صلى الله عليه وسلم- قال: "مَا حَقُّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ لَهُ شَيْءٌ يُوصِي فِيهِ، يَبِيتُ لَيْلَتَيْنِ، إِلَّا وَوَصِيَّتُهُ مَكْتُوبَةٌ عِنْدَهُ "[3].

 

فـائدة: ذكر الليلتين في الحديث ليستا تحديداً، وإنما المراد ألَّا يمر عليه زمن قصير، إلا ووصيته مكتوبة عنده.

 

والوصيَّة الواجبة: هي الوصيَّة بما عليه من حقوق، سواء كانت هذه الحقوق لله -تعالى-؛ كزكاة لم يُخرجها، أو حج وجب عليه وفرَّط فيه، أو كفَّارة، ونحوها مما يجب عليه بأصل الشرع.

 

أو كانت هذه الحقوق للآدميين؛ كالدَّيْن، وأداء الأمانات، فهذه الوصيَّة واجبة لا سُنَّة، لأنه يتعلَّق بها حقوق واجبة، لاسيما إذا لم يعلم بهذه الحقوق أحد، والقاعدة أن: [ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب].

 

فـائدة: تجب الوصيَّة للأقربين الذين ليس لهم حق في الإرث، وكانوا فقراء، والموصي غني، فهُنا تجب الوصيَّة لهؤلاء الأقارب.

 

 

 

ويدلّ على ذلك: قوله تعالى:( كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ) [البقرة: 180]، قوله ( كُتِبَ عَلَيْكُمْ) أي: فُرِضَ عليكم، وقوله ( إِنْ تَرَكَ خَيْرًا) أي:

 

ترك مالاً كثيراً، فيجب عليه أن يُوصي لوالديه إن كانا ممنوعين من الإرث، وأقرب الناس إليه بالمعروف.

 

وذهب جمهور المفسرين -رحمهم الله- على أنَّ هذه الآية منسوخة، والصواب: عدم نسخها؛ لعدم الدليل الصحيح على النسـخ[4].

 

وتكون الوصيَّة مكروهة: إذا كان مال الموصِي قليلاً وورثته محتاجون؛ لأنه بهذه الوصيَّة ضيَّق على الورثة، وخالف قول النَّبيّ -صلى الله عليه وسلم- لسعد بن مالك - رضي الله عنه -، بعدما أراد أن يُوصي بنصف ماله، نهاه النَّبيُّ -صلى الله عليه وسلم- وقال له: "الثُّلُثُ يَا سَعْدُ، وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ، إِنَّكَ أَنْ تَذَرَ ذُرِّيَّتَكَ أَغْنِيَاءَ، خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَذَرَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ"[5].

 

وتكون الوصيَّة محرَّمة في حالتين:

الأولى: إذا زاد في وصيته على الثلث من ماله؛ لورود النَّهي عن ذلك، كما في حديث سعد -رضي الله عنه- الذي تقدَّم، إلَّا إذا رضِي الورثة؛ لأن ما زاد عن الثلث حق لهم، فإذا تنازلوا عنه جاز ذلك.

 

والثانية: إذا أوصى لوارث؛ لورود النّهي عن ذلك أيضا، فعن أنس بن مالك -رضي الله عنه - قال النَّبيُّ -صلَّى الله عليه وسلَّم-:

 

"وَلَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ"[6]، ولا وصية لوارث بالاتفاق[7].

 

ويُستثنى من ذلك: إذا رضي الورثة كلهم بالوصية، بأكثر من الثلث، أو الوصية لأحد الورثة، فإن الوصيَّة حينئذ تصح؛ لأنه حق لهم تنازلوا عنه، ومع ذلك لا ينبغي للموصِي أن يفعل ذلك حتى لو عَلِم أنَّ الورثة سيرضون للأضرار التي ربما تلحق بعد ذلك.

 

مستلة من: "فقه الانتقال من دار الفرار إلى دار القرار"

[1] انظر: لسان العرب/ مادة (وصي) (15 /320).

[2] انظر: المغني (8 /390).

[3] رواه البخاري برقم (2783)، رواه مسلم برقم (1627).

[4] انظر: تفسير السعدي لهذه الآية.

[5] رواه البخاري برقم (3936)، رواه مسلم برقم (1628).

[6] رواه أحمد برقم (17763)، وأبو داود برقم (2870)، رواه ابن ماجة برقم (2713)، وصححه الألباني في الإرواء (6 /87).

[7] انظر حاشية الروض (6 /47).

 

 

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات