التواصل المجتمعي وأثره في حياة النبي -صلى الله عليه وسلم-

صبحي الشلمة

2022-10-05 - 1444/03/09
التصنيفات:

 

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

 

فالمتتبع لحياة النبي -صلى الله عليه وسلم- وخاصة في المواقف الفاصلة مِن حياة الدعوة يرى واضحًا جليًّا أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان اجتماعيًّا متواصلًا مع المجتمع بأسره، وكافة طبقاته وأطيافه؛ يتضح ذلك مِن خلال ثلاثة مواقف نذكرها لنبيِّن أن الدعوة الحقة لا تقوم لها قائمة ولا تصل إلى الناس إلا مِن خلال التواصل مع المجتمع، وتبليغ الحق للخلق، وإسماع الناس المنهج السلفي الحق الذي كان عليه النبي والصحب الكرام.

 

الموقف الأول: ولك أن تحكم... في أصعب موقف تعرض له رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وبعد تعرضه لحادثة هي الأولى مِن نوعها في حياته فأصيب بالهلع والجزع، وذلك عندما نزل عليه جبريل في غار حراء، وضمه وجذبه إليه، وقال له: اقرأ. فيذهب إلى خديجة -رضي الله عنها- ويقول لها: زملوني زملوني. فطمأنته وهدأت مِن روعه، ولكن انظر ماذا قالت له؟

 

قالت: "والله لا يخزيك الله أبدًا!". لماذا؟

 

- لأنك تصل الرحم: (تواصل مع مجتمع العائلة والأقارب: الأب والأم، والعم والعمة، والخال والخالة، وأولادهم وأولاد أولادهم).

 

- وتصدق الحديث: (تواصل بصدق المنطق، ولين الكلام، وعذب المقال مع جميع الناس).

 

- وتحمل الكل: وهو العاجز؛ تقضي مسألته، وترحم زلته، وتسعد قلبه (تواصل على مستوى فئة مِن الناس تستحق العطف والشفقة).

 

- وتقرى الضيف: (تواصل مع عطاء وكرم، وبذل خصال كريمه لابد وأن يتحلى بها الداعية).

 

- وتعين على نوائب الدهر: فالمصائب كثيرة وتتوالى مع الأيام وكثرة العدد (تواصل مع البؤساء؛ يعيش آلامهم ويخفف عنهم، ويتحمل معهم، فيواسيهم بالمال والمقال ومعايشة الحال)، والغريب العجيب أن هذه الصفات اتصف بها النبي -صلى الله عليه وسلم- قبْل البعثة؛ فما بالك وقد أضاء الله قلبه بالقرآن والحكمة، وهو الرحمة المهداة متتم مكارم الأخلاق؟!

 

الموقف الثاني: ولك أن تحكم... أول كلمات قالها النبي -صلى الله عليه وسلم- عندما قدِم المدينة في الهجرة، ماذا قال؟ قال عبد الله بن سلام -رضي الله عنه- كان أول شيء سمعته تكلم به أن قال:

 

- أيها الناس أفشوا السلام: (تواصل مجتمعي عام مع مَن عرفت، ومَن لم تعرف "إلقاء السلام وإفشاء السلام"؛ فالسلام مِن أعظم أسباب المحبة وهو سبب لاستجلاب المودة، وهو سبب دخول الجنة).

 

- وأطعموا الطعام: (تواصل مجتمعي مبني على الكرم والعطاء، فالطعام قوام الحياة وببذله على حبه تأسر النفوس وتكفيها، ولا تعرضها للمسألة فتعيش كريمة آمنة في مجتمعٍ متكافلٍ متحابٍ).

 

- وصلوا الأرحام: (تواصل مجتمعي مع الأقارب، وهم أولى الناس بالبر والإحسان، والزيارة والدعوة، وكل أوجه الصلة).

 

- وصلوا بالليل والناس نيام تدخلوا الجنة بسلام: (تواصل مع الله ليعينه على التواصل مع الناس، وأن يتبعوا شرعته وهديه).

 

الموقف الثالث: ولك أن تحكم... في فتح مكة وقد دخل النبي الكريم مكة وقد فتحها الله عليه بعد أن طُرد منها شر طردة، ومُنع مِن دخولها سنوات، وقتل أصحابه في الوصول إليها، ولكن أن تتخيل ما حدث عندما دخلها النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ دخل متواضعًا لله! وفي ذات الوقت اجتمع صناديد قريش مترقبين ما يحدث لهم، فجاءهم النبي -صلى الله عليه وسلم- وقال لهم: ما تظنون أني فاعل بكم؟ فماذا قالوا؟ قالوا: خيرًا، أخ كريم وابن أخ كريم. فقال: لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم، اذهبوا فانتم الطلقاء! (تواصل مع مجتمع بأسره؛ فقيره وغنيه، رئيسه ومرؤوسه؛ عفو شامل، يشمل الجميع لكريم أخلاق النبي -صلى الله عليه وسلم-، فكانت النتيجة أن أسلم أهل مكة كلهم جميعًا، ودخلوا الإسلام عن بكرة أبيهم، وانتشر الإسلام بعدها في ربوع الجزيرة العربية).

 

ونحن في النهاية: وبعد أن ظهر لنا واضحًا جليًّا مِن خلال هذه المواقف الفارقة مِن حياة المصطفى -صلى الله عليه وسلم- أنه كان متواصلًا مع الناس لم يكن معزولًا عنهم، بل كان يعيش أحلامهم، وأفراحهم وأتراحهم، ويحمل همومهم؛ فعلينا نحن معاشر الإخوة الدعاة أن ننطلق بأخلاقنا وقيمنا بيْن الناس، نتواصل مع الغني والفقير، والرئيس والمرؤوس، والوجهاء والنقباء والمسؤولين وغيرهم؛ نبيِّن لهم دعوتنا ومنهجنا وطريقنا كي يسمعوا منا لا عنا.

 

والله هو الهادي إلى سواء السبيل، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

 

المصدر : الفتح

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات