كلمة السرّ في حُسن البرّ

عامر الهوشان

2022-10-05 - 1444/03/09
التصنيفات:

 

رغم طروء ظاهرة عقوق الوالدين على المجتمعات الإسلامية بسبب ابتعادها عن دينها ولهاثها وراء تقليد الغرب وظهور أشكال وألوان من العقوق لم يعهدها المسلمون من قبل ....إلا أن البر ما زال شائعا في ديار الإسلام والبارّون من الكثرة والانتشار بمكان .

 

تختلف مستويات ودرجات البر في عصرنا الحاضر وتتنوع , وتنقل وسائل الإعلام بين الفينة والأخرى صورا مشرقة ونماذج مبهرة لأشخاص بررة عرفوا مكانة ومنزلة بر الوالدين في كتاب الله وسنة رسوله الخاتم صلى الله عليه وسلم فراحوا يتنافسون ويتسابقون في هذا الميدان ويلجون بابا من أبواب الجنة يغفل عنه الكثير من الناس .

 

تبقى كلمة السر في الارتقاء ببر الوالدين والوصول بهذه الطاعة والعبادة إلى أعلى المستويات في إخلاص نية البار وتجريد إحسانه من الرياء وعمله من حب الظهور والتفاخر أمام الناس .

 

نعم.....قد يحسن بعض الناس إلى والديه فلا تسمع منه كلمة "أف" ولا ترى منه أي مظهر من مظاهر العقوق والعصيان ولا تجد في سلوكه سوى الطاعة والبر والإحسان....إلا أنه يفعل ذلك كله رئاء الناس وابتغاء مدح وثناء  يطرق الآذان وذكر وسمعة يملأ المجالس وينتشر بين الركبان .

 

يغفل هذا النوع من الناس عن أمر في غاية الأهمية والخطورة ألا وهو أن قبول الطاعات والعبادات مرهون بنص القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة بالإخلاص والبعد عن الرياء , قال تعالى : { فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا } الكهف/110 وقال تعالى : { وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ } البينة/5

 

وفي الحديث القدسي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : ( أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنْ الشِّرْكِ مَنْ عَمِلَ عَمَلًا أَشْرَكَ فِيهِ مَعِي غَيْرِي تَرَكْتُهُ وَشِرْكَهُ ) صحيح مسلم برقم /2985

 

صنف آخر من المسلمين قد لا يلتفت إلى أعين الناس وهو يقوم بعبادة بر الوالدين وقد لا يستطيع الشيطان أن يغويه بالرياء والسمعة حب الظهور التي سقط فيها الكثير من عباد الله ..... إلا أنه يفتقر إلى استحضار نية التقرب إلى الله والتزام أوامره واجتناب نواهيه ورجاء ثوابه أثناء قيامه ببر والديه , فتراه يستثقل مستلزمات البر وتكاليفه ويؤدي ما عليه من واجب الطاعة دون أن يجد لتلك العبادة الجليلة متعة أولذة .

 

انقلاب العبادة إلى عادة وفقدان استحضار الشعور بكونها أعظم الأبواب التي يمكن أن تُوصل العبد إلى الجنة و الغفلة عن كلمة السر في حسن بر الوالدين... هي مشكلة هذا الصنف من الناس , وحلها بسيط وفي متناول اليد يتمثل في استحضار نية طاعة الله والتزام أمره أثناء أداء عبادة بر الوالدين .

 

جاء في الحديث المتفق عليه : ( إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى......) وفي حديث آخر عن أبي ذر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (لاَ أَجْرَ إِلاَّ عَنْ حِسْبَةٍ وَلاَ عَمَلَ إِلاَّ بِنِيةٍ ) أورده الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة برقم/2415

 

وفي ثنايا الحديث عن كلمة السر في حسن البر لا ينبغي إغفال التطرق إلى ظاهرة قد تكون منتشرة في بعض المجتمعات الإسلامية ألا وهي نظرة بعض الإخوة لعبادة بر الوالدين وكأنها عبء يتأفف الواحد منهم إن تمّ تحميله أكثر من نصيبه المتفق عليه بينهم .

 

كثيرا ما يطرق الأسماع في مثل تلك الحالات عبارات الاتهامات المتبادلة بين الإخوة بالتقصير وعدم الالتزام بدوره فيما يتعلق ببر الوالدين والعناية بهما أو شعور أحدهم بأنه يتحمل ما لا يقوم بمثله بقية إخوته خصوصا في حالة بلوغ أحد الوالدين أو كليهما حدا من الكبر في السن أو العجز عن القيام بمستلزمات الحياة اليومية بمفرده .

 

صحيح أن العناية بالوالدين والإحسان إليهما في جميع مراحل حياتهما ينبغي أن يتشارك فيه جميع الأبناء , ولا بأس أن يتفقوا بهذا الخصوص على ترتيب معين يتناسب مع عمل كل واحد منهم ومسؤولياته الكثيرة في الحياة .... إلا أن تقصير أحدهم أو قيام آخر بأكثر مما هو مطلوب منه حسب الاتفاق لا ينبغي أن يكون مثار تأفف أو سخط أو خلاف أو شجار بين الإخوة بقدر ما ينبغي أن يكون محل تنافس وميدان تسابق لتحصيل أكبر قدر من الحسنات واغتنام فرصة سماع تلك الدعوات التي تخرج من قلب أحد الوالدين حين تكون الخدمة بصدق والبر بحب والإحسان بود .

 

فرق كبير وبون شاسع بين من يبر والديه ويقوم على خدمتهما ورعايتهما في وقت صحتهما ومرضهما وهو يطالب إخوته أن يقوموا بمثل ما قام به أو يمنّ على أبويه بما يصنع أو تقرأ على قسمات وجهه أمارات التذمر والشكوى....وبين من يجد في بر والديه راحة وسعادة و مكسبا ومغنما وميدانا يتسابق فيه مع إخوته بصدق و تواضع لنيل الثواب العظيم الذي وعد الله تعالى به البار .

 

المصدر: المسلم

 

 

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات