آنية الكفار

فريق النشر - ملتقى الخطباء

2022-10-05 - 1444/03/09
التصنيفات:

دبيان محمد الدبيان

 

اختلف الفقهاء في حكم آنية الكفار، ومثلها ثيابهم، هل يحكم بطهارتها؛ بناء على أن أصلها الطهارة، أو يحكم بنجاستها؛ بناء على أن الظاهر منهم عدم توقيهم النجاسة؟ اختلف الفقهاء في ذلك:

فقيل: يكره استعمال أواني المشركين وثيابهم قبل غسلها، وهو مذهب الحنفية[1].

 

وقيل: يجب غسل ما استعملوه من الآنية والثياب، ولا يجب غسل ما صنعوه ولم يستعملوه، وهو مذهب مالك[2].

 

وقيل: إن تيقن طهارتها لم يكره له استعمالها، وإن لم يتيقن طهارتها كره له استعمالها مطلقًا حتى يغسلها، سواء كان الكافر كتابيًّا أو غيره، وسواء كان يتدين باستعمال النجاسة أم لا، وهو مذهب الشافعية[3].

 

وقيل: يباح استعمالها حتى يعلم نجاستها، وهو المشهور من مذهب الحنابلة[4].

 

وقيل: يجب غسل أواني من لا تحل ذبيحته من المشركين كالمجوس والوثنيين، ونحوهم، بخلاف أهل الكتاب، وهو قول في مذهب الحنابلة[5].

 

دليل من قال بالكراهة:

(123) استدل بما رواه البخاري، قال: حدثنا عبدالله بن يزيد، حدثنا حيوة، قال: أخبرني ربيعة بن يزيد الدمشقي، عن أبي إدريس، عن أبي ثعلبة الخشني، قال: قلت يا نبي الله، إنَّا بأرض قوم من أهل الكتاب، أفنأكل في آنيتهم؟ وبأرض صيد أصيد بقوسي، وبكلبي الذي ليس بمعلَّم، وبكلبي المعلم، فما يصلح لي؟ قال: ((أما ما ذكرت من أهل الكتاب، فإن وجدتم غيرها فلا تأكلوا فيها، وإن لم تجدوا فاغسلوها وكلوا فيها، وما صدت بقوسك فذكرتَ اسم الله، فكُلْ، وما صدت بكلبك المعلم فذكرت اسم الله، فكل، وما صدت بكلبك غير معلم فأدركت ذكاته، فكل))[6].

 

وجه الاستدلال من الحديث:

قالوا: نهى عن استعمالها مع وجود غيرها، وهذا مطلق، سواء تيقنا طهارتها أم لا، والأصل في النهي أنه للمنع، لكن لما قال - سبحانه وتعالى -: ( وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ)[7]، ومعلوم أن طعامهم مصنوع بأيديهم ومياههم، وفي أوانيهم، فدل ذلك على طهارة ذلك كله، وأكل النبي -صلى الله عليه وسلم- طعام أهل الكتاب، في أحاديث صحيحة، فدل على أن النهي ليس للتحريم، وإنما هو للكراهة، والله أعلم.

 

دليل المالكية على التفريق بين ما استعملوه وبين ما نسجوه:

استدلوا بحديث أبي ثعلبة المتقدم على وجوب غسل ما استعملوه، فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- أمر بغسلها، والأصل في الأمر الوجوب.

 

ولأن الغالب على آنية الكفار وثيابهم النجاسة؛ لأنهم يطبخون فيها لحوم الخنزير ويأكلون فيها الميتة، وإذا تعارض الأصل، وهو كونها طاهرة، مع الغالب، وهو استعمال النجاسة فيها، قدم الغالب على الأصل، فكل ما غلب على ظننا نجاسته، حكمنا بنجاسته.

ووجه التفريق عند المالكية بين ما استعملوه وبين ما نسجوه، أن ما نسجوا يتقون فيه بعض التوقي؛ لئلا يفسد عليهم، بخلاف ما لبسوه.

 

وأجاب ابن العربي على ما ورد عن الصحابة - رضي الله عنهم - أنهم كانوا يصيبون من آنية المشركين وأسقيتهم، فلا يعيب ذلك عليهم، قال: إن صح، فمحمول على أنهم كانوا يستعملون ذلك بشرطه، وهو الغسل، أو يكون محمولاً على استعمال الأواني التي لا يطبخ فيها. اهـ[8].

 

دليل من قال: يباح استعمال آنية المشركين:

 

الدليل الأول:

(124) ما رواه مسلم، قال: حدثنا شيبان بن فروخ، حدثنا سليمان - يعني: ابن المغيرة - حدثنا حميد بن هلال، عن عبدالله بن مغفل قال: أصبت جرابًا من شحم يوم خيبر قال: فالتزمته. فقلت: لا أعطي اليوم أحدًا من هذا شيئًا. قال: فالتفت فإذا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- متبسمًا. ورواه البخاري وهذا اللفظ لمسلم[9].

 

فالجراب آنية من آنياتهم، ولو كان غسل الإناء واجبًا لنجاسته، لتنجس الظرف وما فيه.

 

الدليل الثاني:

(125) ما أخرجه البخاري بسنده من حديث أبي هريرة، في قصة وضع اليهود السم للرسول -صلى الله عليه وسلم- وفيه: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((هل أنتم صادقي عن شيء إن سألتكم؟))، قالوا: نعم. قال: ((هل وضعتم في هذه الشاة سمًّا؟))، قالوا: نعم. قال: ((ما حملكم على ذلك؟))، قالوا: أردنا إن كنت كاذبًا نستريح منك، وإن كنت نبيًّا لم يضرك[10].

 

وجه الاستدلال:

أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يأكل من طعامهم في آنيتهم.

 

الدليل الثالث:

 

(126) ما رواه أحمد، قال: حدثنا عبدالأعلى، عن برد، عن عطاء، عن جابر، قال: كنا نغزو مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فنصيب من آنية المشركين وأسقيتهم، فنستمتع بها، فلا يعاب علينا[11].

 

[إسناده حسن، والحديث صحيح لغيره] [12].

 

 

الدليل الثالث:

 

(127) ما أخرجه البخاري من حديث عمران بن حصين الطويل، وقد جاء فيه أن النبي وأصحابه شربوا من مزادة امرأة مشركة، وأن أحد الصحابة كان مجنبًا فاغتسل من ذلك الماء. والحديث في صحيح مسلم دون قصة اغتسال الجنب[13].

 

 

الدليل الرابع:

 

(128) ما رواه الشافعي في الأم، قال: أخبرنا سفيان بن عيينة، عن زيد بن أسلم، عن أبيه، أن عمر بن الخطاب توضأ من ماء نصرانية في جرة نصرانية[14].

 

[رجاله ثقات، إلا أن ابن عيينة لم يسمعه من زيد بن أسلم] [15].

 

 

 

الدليل الخامس:

 

قالوا: الأصل في أواني المشركين الطهارة والحل، حتى يقوم دليل على المنع أو على النجاسة، ولم يقم دليل على ذلك، ولا يحكم بنجاستها بمجرد الشك، والشك لا يقضي على اليقين.

 

 

لكن يشكل على هذا القول حديث أبي ثعلبة الخشني - رضي الله عنه - حيث نهاهم عنها مع وجود غيرها، فإن لم يوجد إلا هي أذن لهم باستعمالها بعد غسلها.

 

 

 

وأجابوا عن ذلك بوجهين:

 

الأول: أن الغسل هو من باب الاحتياط والاستحباب.

 

 

الثاني: أن حديث أبي ثعلبة الخشني في قوم كانوا يأكلون في آنيتهم الميتة والخنزير، ويشربون فيها الخمر؛ ولذا أمر بغسلها إن لم يوجد غيرها، أما من يعلم أنهم لا يأكلون فيها الميتة ولا يشربون فيها الخمر، فآنيتهم كآنية المسلمين.

 

 

(129) ويدل على هذا ما رواه أبو داود الطيالسي، قال: ثنا حماد بن زيد، عن أيوب، عن أبي قلابة، أن أبا ثعلبة الخشني قال: يا رسول الله إنى بأرضٍ أهلها أهل الكتاب، يأكلون لحم الخنزير، ويشربون الخمر، فكيف بآنيتهم وقدورهم؟ فقال: دعوها ما وجدتم منها بدًّا، فإذا لم تجدوا منها بدًّا فارحضوها بالماء، أو قال: اغسلوها ثم اطبخوا فيها وكلوا. قال: وأحسبه قال: واشربوا[16].

 

 

[أبو قلابة لم يسمع من أبي ثعلبة الخشني، واختلف في ذكر زيادة لحم الخنزير وشرب الخمر، والحديث في الصحيحين وليس فيه هذه الزيادة][17].

 

دليل من فرق بين أهل الكتاب وغيرهم:

 

قالوا: إن غير أهل الكتاب ذبيحتهم ميتة، فهم يطبخونها في آنيتهم، فتتنجس، بخلاف أهل الكتاب فإن ذبيحتهم طاهرة إذا كانت مما يحل أكله.

 

 

 

وهذا القول ضعيف أيضًا، فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه شربوا من آنية مزادة امرأة مشركة كما سبق تخريجه من حديث عمران بن حصين، وكانوا يساكنون المشركين الوثنيين في مكة كثيرًا، وربما كان المسلم يعيش بين أبوين كافرين، وكان يدعو بعضهم بعضًا إلى الطعام، ولم ينقل أنهم كانوا يدَعون ذلك ويتحاشونه، ولو وُجد لنُقل، والله أعلم.

 

 

الراجح من الخلاف:

 

الذي ظهر لي من الأدلة أن حديث أبي ثعلبة الخشني فيه النهي عن استعمالها، والأمر بغسلها إذا لم يوجد غيرها، وكان من الممكن حمل النهي على ظاهره، وأنه للتحريم لولا الأحاديث الكثيرة من فعله -صلى الله عليه وسلم- وفعل أصحابه من أكلهم في آنية أهل الكتاب، وتطهرهم منها، مما يجعل النهي ليس على ظاهره، وإنما يحمل على الكراهة، وأن الأمر بغسلها لم يكن للوجوب، وهذا يجري على القاعدة الفقهية النافعة: بأن النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا أمر بشي، ثم تركه، ولم يأتِ دليل يدل على الخصوصية، دل ذلك على أن الأمر لم يكن للوجوب، وإنما هو للندب، وإذا نهى عن شيء ثم فعله، ولم يكن فيه دليل يدل على الخصوصية، دل ذلك على أن النهي ليس للتحريم؛ وإنما هو للكراهة، والله أعلم.

 

 

[1] البحر الرائق (8/232)، والمبسوط (1/97)، وتارة يعبر الحنفية بقولهم: ولا بأس بالأكل في آنية المجوس، وغسلها أفضل، انظر المبسوط (24/27)، وعمدة القاري (21/96).

 

[2] الكافي في فقه أهل المدينة (ص: 187)، التاج والإكليل (1/121)، مختصر خليل (ص: 11)، مواهب الجليل (1/121).

 

وجاء في البيان والتحصيل (1/50، 51): وسئل - يعني: مالكًا - عن الرجل يشتري من النصراني الخفين: أيلبسهما؟ قال: لا حتى يغسله. قيل له: فما ينسجون، فإنه يبلون الخمر، ويحركونه بأيديهم، ويسقون به الثياب قبل أن تنسج، وهم أهل نجاسة؟ قال: لا بأس بذلك، ولم يزل الناس يلبسونها قديمًا. وانظر الخرشي (1/97)، والشرح الكبير (1/61).

 

وفي حاشية الدسوقي: يجب الغسل عند مالك في الحالات التالية:

 

الأولى: إذا جزم بعدم الطهارة.

 

الثانية: إذا ظن عدم الطهارة.

 

الثالثة: إذا شك في الطهارة.

 

ففي هذه الحالات الثلاث يجب غسلها عند مالك، ولا يجب غسلها في حالتين:

 

الأولى: إذا تحققت طهارة الثياب والأواني.

 

الثانية: إذا ظن طهارتها. انظر حاشية الدسوقي (1/61) بتصرف يسير.

 

[3] المهذب (1/12)، المجموع (1/319، 320)، تحفة المحتاج (1/127)، مغني المحتاج (1/31)، قال النووي في المجموع (1/320): "وإذا تطهر من إناء كافر، ولم يعلم طهارته ولا نجاسته، فإن كان من قوم لا يتدينون باستعمال النجاسة، صحت طهارته بلا خلاف، وإن كان من قوم يتقربون باستعمال النجاسة، فوجهان: الصحيح منهما باتفاق الأصحاب في الطريقتين أنه تصح طهارته، وهو نصه في الأم.

 

ثم قال: والوجه الثاني: لا تصح طهارته، وهو قول أبي إسحاق، وصححه المتولي. اهـ

 

[4] المغني (1/62)، الإنصاف (1/85)، المحرر (1/7)، المبدع (1/69)، الكافي (1/18)، كشاف القناع (1/53).

 

[5] المغني (1/62)، الإنصاف (1/85)، المحرر (1/7).

 

[6] صحيح البخاري (5478)، ومسلم (1930).

 

[7] المائدة: 5.

 

[8] عارضة الأحوذي شرح سنن الترمذي (7/298).

 

[9] صحيح مسلم (1772)، البخاري (5508).

 

[10] البخاري (3169).

 

[11] مسند أحمد (3/379).

 

[12] رجاله ثقات إلا برد بن سنان، فإنه صدوق، جاء في ترجمته:

 

قال إسحاق بن منصور الكوسج عن يحيى بن معين أنه قال: برد أبو العلاء ثقة. الجرح والتعديل (2/422).

 

وقال ابن معين أيضًا في رواية الدوري: ليس بحديثه بأس. تهذيب التهذيب (1/375).

 

وقال أبو حاتم الرازي: كان صدوقًا، وكان قدريًّا. الجرح والتعديل (2/422).

 

وقال أبو زرعة: لا بأس به بصري. المرجع السابق.

 

وقال عبدالله بن أحمد بن حنبل: سألت أبي عن برد بن سنان فقال: صالح الحديث. المرجع السابق.

 

وقال دحيم وابن خراش والنسائي: ثقة. تهذيب التهذيب (1/375).

 

وقال النسائي مرة: ليس به بأس. المرجع السابق.

 

وقال ابن حبان: كان رديء الحفظ. مشاهير علماء الأمصار (1228).

 

وقال الدارمي عن علي بن المديني: برد بن سنان ضعيف. تهذيب التهذيب (1/375).

 

وفي التقريب: صدوق رمي بالقدر.

 

وقد توبع برد بن سنان، تابعه سليمان بن موسى - كما سيأتي بيانه في التخريج إن شاء الله تعالى.

 

تخريج الحديث:

 

الحديث رواه أبو داود (3838) ومن طريقه أخرجه البيهقي (10/11) قال: حدثنا عثمان بن أبي شيبة ثنا عبدالأعلى به.

 

وأخرجه البيهقي (1/32) من طريق علي بن المديني، نا عبدالأعلى به.

 

وأخرجه ابن أبي شيبة (5/127) رقم 24386، وأبو داود (3838) والطبراني في مسند الشاميين (374) من طريق إسماعيل بن عياش به.

 

وإسماعيل بن عياش روايته عن أهل بلده مقبولة، وبرد بن سنان شامي من بلد إسماعيل.

 

وأخرجه الطبراني في مسند الشاميين أيضًا (375) من طريق العلاء بن برد بن سنان، عن أبيه به.

 

وقد تابع سليمان بن موسى بردَ بن سنان، فأخرجه أحمد (3/327) حدثنا أبو النضر، حدثنا محمد بن راشد، عن سليمان بن موسى، عن عطاء، عن جابر بن عبدالله، قال: كنا نصيب مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في مغانمنا من المشركين الأسقية والأوعية، فنقسمها، وكلها ميتة.

 

ورواه أحمد (3/343) عن حسن بن محمد، وأخرجه (3/389) عن سريج.

 

وأخرجه الطحاوي في شرح معاني الآثار (1/473) من طريق إسماعيل بن مالك أبي غسان، ثلاثتهم عن محمد بن راشد به.

 

وسليمان بن موسى فيه كلام لا ينزله عن رتبة الصدق، وقد حررت الكلام فيه في كتاب الحيض والنفاس، فالحديث صحيح لغيره - إن شاء الله تعالى.

 

[13] البخاري (3571)، صحيح مسلم (682).

 

[14] الأم (1/8)، ومن طريق الشافعي رواه ابن المنذر في الأوسط (1/314)، والبيهقي في السنن الكبرى (1/32).

 

ورواه عبدالرزاق في المصنف (254) عن ابن عيينة به مطولاً.

 

[15] فقد رواه البيهقي في السنن الكبرى (1/32) والصغرى (1/166) من طريق سعدان بن نصر، ثنا سفيان، قال: حدثونا عن زيد بن أسلم ولم أسمعه، عن أبيه، عن عمر، فذكره في حديث.

 

وقد ذكره البخاري معلقًا في كتاب الوضوء بصيغة الجزم، قال: توضأ عمر بالحميم ومن بيت نصرانية. قال الحافظ في الفتح (1/299): وهذا الأثر وصله الشافعي وعبدالرزاق وغيرهما عن ابن عيينة، عن زيد بن أسلم، عن أبيه به. ولفظ الشافعي: توضأ من ماء في جرة نصرانية، ولم يسمعه ابن عيينة من زيد بن أسلم، فقد رواه البيهقي من طريق سعدان بن نصر عنه، قال: حدثونا عن زيد بن أسلم فذكره مطولاً، ورواه الإسماعيلي من وجه آخر عنه بإثبات الواسطة، فقال: عن ابن زيد بن أسلم، عن أبيه به، وأولاد زيد هم: عبدالله وأسامة وعبدالرحمن، وأوثقهم وأكبرهم عبدالله، وأظنه هو الذي سمع ابن عيينة منه ذلك؛ ولهذا جزم به البخاري، والله أعلم.

 

[16] سنن أبي داود الطيالسي (1014).

 

[17] زيادة: وهم يأكلون الخنزير، ويشربون الخمر، اختلف في ذكرها على النحو التالي:

 

فجاء ذكرها من طريق معمر كما في مصنف عبدالرزاق (8503) وأحمد (4/193).

 

ومن طريق حماد بن زيد كما في مسند أبي داود الطيالسي (1014)، والمستدرك للحاكم (502)، كلاهما عن أيوب، عن أبي قلابة، عن أبي ثعلبة. وهذا سند منقطع؛ أبو قلابة لم يسمع من أيوب.

 

ورواه شعبة، عن أيوب، واختلف على شعبة:

 

فرواه محمد بن جعفر كما في مسند أحمد (4/193).

 

والنضر بن شميل كما في مسند ابن الجعد (1193).

 

وأبو داود الطيالسي كما في مسند ابن الجعد أيضًا (1194).

 

وعمر بن مرزوق كما في مستدرك الحاكم (1/143) أربعتهم رووه عن شعبة، عن أيوب، عن أبي قلابة، عن أبي ثعلبة بدون ذكر الخنزير والخمر.

 

وخالفهم سلم بن قتيبة كما في سنن الترمذي (1560، 1796) فرواه عن شعبة، عن أيوب به. بذكر لحم الخنزير وشرب الخمر.

 

وسلم بن قتيبة صدوق، إلا أن له أوهامًا، قال أبو حاتم الرازي: ليس به بأس، كثير الوهم، يكتب حديثه.

 

وقال يحيى بن سعيد القطان: ليس أبو قتيبة من الجمال التي تحمل المحامل.

 

ولو خالف سلم بن قتيبة محمد بن جعفر، لرد عليه؛ لأن محمد بن جعفر من أثبت الناس في شعبة، فكيف وقد خالف مع محمد بن جعفر جماعة من الرواة رووه عن شعبة بدون ذكر لحم الخنزير وشرب الخمر؟ كما أن رواية محمد بن جعفر وأصحابه عن شعبة موافقة لرواية الصحيحين من طريق أبي إدريس عن أبي ثعلبة.

 

ورواه سعيد بن أبي عروبة، عن أيوب به. أخرجه الطبراني في الكبير (22/230) رقم 604، قال: حدثنا عبيد بن غنام ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا محمد بن بشر ثنا سعيد بن أبي عروبة عن أيوب به. وفيه زيادة أن أبا ثعلبة طلب من الرسول أن يكتب له أرضًا بالشام، لم يظهر عليها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حينئذٍ، وليس في هذه الرواية ذكر لحم الخنزير والخمر، فهي موافقة لرواية محمد بن جعفر، عن شعبة، عن أيوب.

 

ورواه حماد بن سلمة، عن أيوب، عن أبي قلابة، عن أبي أسماء الرحبي، عن أبي ثعلبة، كما في مسند أحمد (4/195)، وسنن الترمذي (1797)، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (2631)، والمستدرك (505)، والطبراني في المعجم الكبير (22/217) رقم 580، فوصله حماد بن سلمة، فزاد في الإسناد أبا أسماء الرحبي، وليس فيها الزيادة المذكورة، إلا أن رواية حماد بن زيد، ومعمر، وشعبة، عن أيوب بدون ذكر أبي أسماء الرحبي، فالرواية المنقطعة أرجح منها، خاصة وأن رواية حماد بن سلمة عن أيوب فيها كلام، وحماد بن زيد وحده مقدم على حماد بن سلمة، فكيف وقد اتفق حماد بن زيد وشعبة ومعمر على عدم ذكر أبي أسماء الرحبي؟

 

ورواه خالد الحذاء، عن أبي قلابة، واختلف على خالد:

 

فرواه الطبراني (22/218) رقم 581 من طريق محمد بن عيسى الطباع وسريج بن يونس.

 

والحاكم (506) ومن طريقه البيهقي (1/33) من طريق يحيى بن يحيى ثلاثتهم عن هشيم، عن خالد، عن أبي قلابة، عن أبي أسماء، عن أبي ثعلبة. وقد صرح هشيم بالتحديث في طريق الطبراني، فزاد في الإسناد أبا أسماء كرواية حماد بن سلمة.

 

وخالف سفيان هشيمًا فرواه الطبراني (22/230) رقم 630 من طريق محمد بن يوسف الفريابي، والحاكم (504) من طريق أبي أحمد، كلاهما عن سفيان، عن خالد، عن أبي قلابة، عن أبي ثعلبة الخشني، بدون ذكر أبي أسماء. ومع الاختلاف على خالد في إسناده فإنه لم يذكر في كلا الطريقين زيادة لحم الخنزير وشرب الخمر، فلفظه موافق لرواية الصحيحين.

 

ورواه النضر بن معبد أبو قحذم، عن أبي قلابة، فخالف فيه جميع من سبق، فقد أخرجه الطبراني في الكبير (22/227) رقم 599 قال: حدثنا أحمد بن زهير التستري، ثنا عبدالله بن محمد بن يحيى بن أبي بكير، ثنا يحيى بن السكن، ثنا أبو قحذم، عن أبي قلابة، عن أبي الأشعث الصنعاني، أن أبا ثعلبة الخشني أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله، إنا بأرض أهلها أهل كتاب، يأكلون لحوم الخنازير ويشربون الخمر، فكيف تأمرنا في آنيتهم وقدورهم؟ قال: إن وجدتم غيرها فخذوها، وإلا فارحضوها بالماء، ثم كلوا فيها.

 

فجعل أبو قحذم الواسطة بين أبي قلابة وبين أبي ثعلبة جعل أبا الأشعث الصنعاني، وأبو قحذم ضعيف، قال فيه النسائي: ليس بثقة. وقال يحيى بن معين: ليس بشيء، وقال أبو حاتم: يكتب حديثه، انظر لسان الميزان (6/165).

 

هذا فيما يتعلق بطريق أبي قلابة، عن أبي ثعلبة. فإن رجحنا الرواية المتصلة، والتي فيها رواية أبي أسماء الرحبي، فليس فيها زيادة أكل الخنزير، وشرب الخمر.

 

وإن رجحنا الرواية المنقطعة، وهي رواية شعبة ومعمر، وحماد بن زيد، والتي لم تذكر أبا أسماء الرحبي، فهي مع كونها منقطعة، فقد اختلف في الحديث على أيوب في ذكرها، وأولاها بالتقديم رواية شعبة، عن أيوب، عن أبي قلابة، عن أبي ثعلبة؛ أولاً: لإمامة شعبة.

 

وثانيًا: لموافقتها رواية الصحيحين في عدم ذكر لحم الخنزير وشرب الخمر.

 

وقد روي الحديث من غير طريق أبي قلابة، فمن ذلك طريق مسلم بن مشكم، عن أبي ثعلبة، رواه أبو داود (3839)، ومن طريقه البيهقي (1/33) حدثنا نصر بن عاصم.

 

وأخرجه الطبراني في مسند الشاميين (783) من طريق محمود بن خالد، كلاهما عن محمد بن شعيب، عن عبدالله بن العلاء بن زبر، عن أبي عبيدالله مسلم بن مشكم، عن أبي ثعلبة. بذكر الخنزير والخمر.

 

وأخرجه الطبراني في الكبير (22/219) رقم 584، قال: حدثنا إبراهيم بن دحيم الدمشقي، حدثني أبي، ثنا الوليد بن مسلم، عن عبدالله بن العلاء بن زبر به. بذكر الخنزير والخمر.

 

ونصر بن عاصم فيه ضعف، لكنه قد توبع، كما أن الوليد بن مسلم قد عنعن.

 

وأما طريق عمير بن هانئ، فأخرجه الطبراني في الكبير (22/223) رقم 592 من طريق إبراهيم بن دحيم.

 

وأخرجه البيهقي (1/33)، و(10/10) من طريق أبي بكر محمد بن إسماعيل، كلاهما عن دحيم الدمشقي، عن محمد بن شعيب، عن عبدالرحمن بن زيد بن جابر، عن عمير بن هانئ، عن أبي ثعلبة الخشني.

 

وإبراهيم بن دحيم لم أقف له على ترجمة، وقد توبع كما في سند البيهقي، وباقي رجاله ثقات، وقد جاء في هذا الطريق النص على لحم الخنزير وشرب الخمر.

 

كما روي من طريق عروة بن رويم، أخرجه ابن ماجه (2831) والطبراني في الكبير (22/226) رقم 597 من طريق أبي فروة يزيد بن سنان، حدثني عروة بن رويم اللخمي، عن أبي ثعلبة الخشني به. وليس فيه زيادة الخنزير والخمر. وهذا سند ضعيف؛ فيه أبو فروة يزيد بن سنان، كما أن عروة لم يلق أبا ثعلبة، انظر الجرح والتعديل (3/396).

 

ورواه أبو رجاء العطاردي، عن أبي ثعلبة، رواه الطبراني في الكبير (22/228) رقم 600 من طريق محمد بن الفرح، مولى بني هاشم، ثنا علي بن غراب، ثنا علي بن منصور، حدثني أبو رجاء العطاردي، عن أبي ثعلبة الخشني. وفيه النص على لحم الخنزير، وشرب الخمر، ولم أقف على ترجمة محمد بن الفرح، وعلي بن منصور.

 

هذا ما وقفت عليه من طرق حديث أبي ثعلبة الخشني في زيادة أكل لحم الخنزير وشرب الخمر، وقد تبين لي أنها وردت في أكثر من طريق إلا أن هذه الطرق لا تسلم من اختلاف في إيرادها من عدمه، والله أعلم.

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات