النجاسة

فريق النشر - ملتقى الخطباء

2022-10-10 - 1444/03/14
التصنيفات:

موقع منارة الإسلام

 

محتويات:

١ النجاسة لغة

٢ النجاسة اصطلاحا

٣ بم يتخلص من النجاسة؟

٤ الفرق بين الرجس والنجس

٥ حكم تناول النجس

٦ الآيات الواردة في «النجاسة»

٦.١ الآيات الواردة في «النجاسة» معنى

٧ الأحاديث الواردة في ذم (النجاسة)

٧.١ الأحاديث الواردة في ذم (النجاسة) معنى

٨ من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في ذم (النجاسة)

٩ من مضار (النجاسة)

 

النجاسة لغة: القذارة، وهي مأخوذة من مادة (ن ج س) التي تدل على خلاف الطهارة، وشيء نجس ونجس: قذر، وليس ببعيد أن يكون منها الناجس: الداء لا دواء له. كأنه إذا طال بالإنسان نجسه (أو نجسه) أي قذره أو قذره «1» .

ويقال: نجسه أي جعله نجسا، ونجسه أيضا أزال نجسه «2» ، وثوب نجس- بالكسر- اسم فاعل وبالفتح وصف بالمصدر، وقوم أنجاس، وتنجس الشيء ونجسته، والنجاسة في عرف الشرع قذر مخصوص وهو ما يمنع جنسه الصلاة كالبول والدم «3» .

 

وتنجس: فعل فعلا يخرج به عن النجاسة، كما قيل:

تأثم، وتحرج وتحنث إذا فعل فعلا يخرج به عن الإثم والحرج والحنث. والتنجيس: اسم شيء كانت العرب تفعله وهو تعليق شيء من القذر أو عظام الموتى، أو خرقة الحائض، كان يعلق على من يخاف عليه من ولوع الجن به، كالصبيان وغيرهم «4» .

 

النجاسة اصطلاحا:

النجاسة في الاصطلاح على ضربين:

الأول: النجاسة الحسية أو العينية، وهي التي تدرك بالبصر.

 

الآخر: النجاسة المعنوية: وهي التي تدرك بالبصيرة «5» وهي النجاسة العقدية.

 

وقد عرف المناوي النوع الأول فقال: النجاسة العينية: كل عين حرم تناولها على الإطلاق مع الإمكان حال الاختيار لحرمتها لا لاستقذارها ولا لضررها في بدن أو عقل «6» .

 

أما النجاسة المعنوية: فهي نجاسة النفس التي لا تدرك إلا بالبصيرة.

 

يقول الراغب: وإياها قصد المولى سبحانه وتعالى بقوله: إنما المشركون نجس (التوبة/ 28) .

 

وبقوله جل من قائل والرجز فاهجر (المدثر/ 5) .

 

والنفس النجسة هي التي تتحرى الخبيث؛ لأن من لم يكن طاهر النفس لم يكن طاهر القول والفعل، فكلإناء بما فيه ينضح، ولهذا قيل من طابت نفسه طاب عمله، ومن خبثت نفسه خبث عمله «1» .

 

وجمع ابن القيم بين نوعي النجاسة فقال:

 

النجاسة: هي المستقذر الذي يطلب مباعدته والبعد منه بحيث لا يلمس ولا يشم ولا يرى «2» .

 

بم يتخلص من النجاسة؟

تطهر النفس وتتخلص من النجاسة بالعلم والعبادات، أما الذي يطهر به البدن فهو الماء وقد نبه المولى سبحانه وتعالى على ذلك فقال: يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم (الأنفال/ 24) فسمى العلم والعبادة حياة من حيث إن النفس إذا فقدتهما هلكت هلاك الأبد، وقال تعالى في صفة الماء وجعلنا من الماء كل شيء حي (الأنبياء/ 30) .

 

وقال ابن عباس- رضي الله عنهما- في قوله- عز وجل- أنزل من السماء ماء فسالت أودية بقدرها (الرعد/ 17) عنى بالماء القرآن؛ إذ كان به طهارة النفس، وبالأودية القلوب التي احتملته بقدر ما وسعته.

 

والذي يلزم تطهيره من النفس هو قوة الفكر بتهذيبها حتى تحصل الحكمة والعلم، وقوة الشهوة بقمعها حتى تحصل العفة والجود، وقوة الحمية بإسلاسها حتى تنقاد للعقل فتحصل الشجاعة والحلم، وجميع الرذائل تنبعث من فساد هذه الثلاث «3» .

 

الفرق بين الرجس والنجس

قال الكفوي: الرجس أكثر ما يقال في المستقذر طبعا. والنجس أكثر ما يقال في المستقذر عقلا وشرعا «4» .

 

حكم تناول النجس

قال ابن حجر الهيتمي: تناول النجس (والمستقذر والمضر) من الكبائر، وقد صرح بذلك بعض المتأخرين من الفقهاء قياسا للنجس على الميتة التي تحرم لنجاستها، وإذا كانت قد حرمت للنجاسة التي أسماها الله فسقا فيلحق بها كل نجاسة غير معفو عنها «5» .

 

[للاستزادة: انظر صفات: أكل الحرام- الشرك- الفجور- شرب الخمر- العصيان- الفسوق- انتهاك الحرمات.

 

وفي ضد ذلك: انظر صفات: الطهارة- أكل الطيبات- النزاهة- تعظيم الحرمات- الإيمان- الصلاة] .

 

الآيات الواردة في «النجاسة»

1- يا أيها الذين آمنوا إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا وإن خفتم عيلة فسوف يغنيكم الله من فضله إن شاء إن الله عليم حكيم (28) «1»

 

الآيات الواردة في «النجاسة» معنى

2- فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما يصعد في السماء كذلك يجعل الله الرجس على الذين لا يؤمنون (125) «2»

 

3- وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى وأقمن الصلاة وآتين الزكاة وأطعن الله ورسوله إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا (33) «3»

 

4- والرجز فاهجر (5) «4»

 

الأحاديث الواردة في ذم (النجاسة)

1-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- أنه قال: لما كان يوم خيبر جاء جاء. فقال: يا رسول الله أكلت الحمر. ثم جاء آخر. فقال: يا رسول الله أفنيت الحمر. فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا طلحة فنادى:

 

«إن الله ورسوله ينهيانكم عن لحوم الحمر.

 

فإنها رجس أو نجس. قال: فأكفئت القدور بما فيها» ) * «1» .

 

الأحاديث الواردة في ذم (النجاسة) معنى

2-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «إن ثلاثة في بني إسرائيل:

 

أبرص «2» وأقرع وأعمى. فأراد الله أن يبتليهم «3» .

 

فبعث إليهم ملكا. فأتى الأبرص فقال: أي شيء أحب إليك؟ قال: لون حسن، وجلد حسن، ويذهب عني الذي قد قذرني الناس. قال: فمسحه فذهب عنه قذره. وأعطي لونا حسنا وجلدا حسنا.

 

قال: فأي المال أحب إليك؟ قال: الإبل (أو قال البقر. شك إسحاق) إلا أن الأبرص أو الأقرع قال أحدهما:

 

الإبل. وقال الآخر: البقر، قال فأعطي ناقة عشراء «4» . قال: بارك الله لك فيها. قال فأتى الأقرع فقال:

 

أي شيء أحب إليك؟ قال: شعر حسن، ويذهب عني هذا الذي قذرني الناس. قال: فمسحه فذهب عنه وأعطي شعرا حسنا. قال: فأي المال أحب إليك؟ قال: البقر. فأعطي بقرة حاملا. فقال: بارك الله لك فيها. قال: فأتى الأعمى فقال: أي شيء أحب إليك؟ قال: أن يرد الله إلي بصري فأبصر به الناس.

 

قال: فمسحه فرد الله إليه بصره. قال: فأي المال أحب إليك؟ قال: الغنم. فأعطي شاة والدا «5» .

فأنتج هذان وولد هذا «6» . قال: فكان لهذا واد من الإبل. ولهذا واد من البقر. ولهذا واد من الغنم.

 

قال ثم إنه أتى الأبرص في صورته وهيئته. فقال: رجل مسكين. قدانقطعت بي الحبال «1» في سفري.

 

فلا بلاغ لي اليوم إلا بالله ثم بك. أسألك، بالذي أعطاك اللون الحسن والجلد الحسن والمال، بعيرا أتبلغ عليه في سفري.

 

فقال: الحقوق كثيرة. فقال له: كأني أعرفك. ألم تكن أبرص يقذرك الناس؟ فقيرا فأعطاك الله؟ فقال: إنما ورثت هذا المال كابرا عن كابر «2» .

 

فقال: إن كنت كاذبا، فصيرك الله إلى ما كنت. قال وأتى الأقرع في صورته فقال له مثل ما قال لهذا، ورد عليه مثل ما رد على هذا. فقال: إن كنت كاذبا فصيرك الله إلى ما كنت.

 

قال وأتى الأعمى في صورته وهيئته فقال:

رجل مسكين وابن سبيل. انقطعت بي الحبال في سفري. فلا بلاغ لي اليوم إلا بالله ثم بك. أسألك بالذي رد عليك بصرك شاة أتبلغ بها في سفري. فقال:

قد كنت أعمى فرد الله إلي بصري. فخذ ما شئت، ودع ما شئت، فو الله لا أجهدك اليوم «3» شيئا أخذته لله.

 

فقال: أمسك مالك. فإنما ابتليتم. فقد رضي عنك وسخط على صاحبيك) * «4» .

 

3-* (عن عبد الله بن أبي أوفى- رضي الله عنهما- عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول: «اللهم لك الحمد ملء السماء وملء الأرض، وملء ما شئت من شيء بعد. اللهم طهرني بالثلج والبرد والماء البارد.

 

اللهم طهرني من الذنوب ونقني منها كما ينقى الثوب الأبيض من الوسخ» ) * «5» .

 

4-* (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- أنه قال: أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأى رجلا شعثا قد تفرق شعره. فقال: «أما كان يجد هذا ما يسكن به شعره؟» ورأى رجلا آخر وعليه ثياب وسخة. فقال:

 

«أما كان هذا يجد ماء يغسل به ثوبه؟» ) * «6» .

 

5-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أرأيتم لو أن نهرا بباب أحدكم يغتسل فيه كل يوم خمسا ما تقول ذلك يبقي من درنه «7» ؟» قالوا: لا يبقي من درنه شيئا. قال:

 

«فذلك مثل الصلوات الخمس يمحو الله به الخطايا» ) * «8» .

 

6-* (عن أبي ثعلبة الخشني- رضي الله عنه- أنه قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله.

 

إنا بأرض قوم من أهل الكتاب. نأكل في آنيتهم.

 

وأرض صيد أصيد بقوسي، وأصيد بكلبي المعلم، أو بكلبي الذي ليس بمعلم. فأخبرني ما الذي يحل لنا من ذلك؟ قال: «أما ما ذكرت أنكم بأرض قوم منأهل الكتاب تأكلون في آنيتهم فإن وجدتم غير آنيتهم فلا تأكلوا فيها، وإن لم تجدوا فاغسلوها ثم كلوا فيها.

 

وأما ما ذكرت أنك بأرض صيد فما أصبت بقوسك فاذكر اسم الله ثم كل، وما أصبت بكلبك المعلم فاذكر اسم الله ثم كل، وما أصبت بكلبك الذي ليس بمعلم فأدركت ذكاته فكل» ) * «1»

 

7-* (عن ابن عباس- رضي الله عنهما- قال: مر رسول الله صلى الله عليه وسلم على قبرين فقال: «إنهما يعذبان وما يعذبان في كبير: أما هذا فكان لا يستنزه من بوله، وأما هذا فإنه كان يمشي بالنميمة، ثم دعا بعسيب رطب فشقه باثنين فغرس على هذا واحدا، وعلى هذا واحدا ثم قال: لعله يخفف عنهما ما لم ييبسا» ) * «2» .

 

8-* (عن عائشة- رضي الله عنها- أنها قالت: وقد سألوها عن الغسل يوم الجمعة: إنما كان الناس يسكنون العالية فيحضرون الجمعة وبهم وسخ، فإذا أصابهم الروح سقطت أرواحهم فيتأذى بها الناس. فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «أو لا يغتسلون؟» ) *» .

 

9-* (عن أبي سعيد الخدري- رضي الله عنه- أنه قال: بينما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بأصحابه إذ خلع نعليه فوضعهما عن يساره فخلعوا نعالهم.

 

فلما قضى صلاته قال: «ما حملكم على إلقائكم نعالكم؟» قالوا: رأيناك خلعت فخلعنا.

 

قال: «إن جبريل أتاني- أو أتى- فأخبرني أن فيهما أذى- أو قذرا- فإذا جاء أحدكم المسجد فليقلب نعليه فإن رأى فيهما أذى فليمط وليصل فيهما» ) * «4» .

 

10-* (عن جبير بن مطعم بن عدي- رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في أسارى بدر: «لو كان المطعم بن عدي حيا ثم كلمني في هؤلاء النتنى لتركتهم له» ) * «5» .

 

11-* (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- أنه قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكل الجلالة وألبانها) * «6» .

 

12-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنه قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الدواء الخبيث «7» ) * «8» .

 

13-* (عن ابن عباس- رضي الله عنهما- أنه قال: أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن المجثمة «1» ولبن الجلالة وعن شرب من في السقاء) * «2» .

 

14-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- أنه قال: بينما نحن في المسجد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاء أعرابي فقام يبول في المسجد فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: مه مه «3» . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تزرموه.

 

دعوه فتركوه حتى بال. ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعاه فقال له: «إن هذه المساجد لا تصلح لشيء من هذا البول، ولا القذر.

 

إنما هي لذكر الله- عز وجل- والصلاة وقراءة القرآن- أو كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم-: فأمر رجلا من القوم فجاء بدلو من ماء فشنه عليه» ) * «4» .

 

15-* (عن أم ولد لإبراهيم بن عبد الرحمن ابن عوف أنها سألت أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم فقالت:

 

إني امرأة أطيل ذيلي وأمشي في المكان القذر فقالت أم سلمة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يطهره ما بعده» ) * «5» .

 

من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في ذم (النجاسة)

1-* (قال ابن عباس- رضي الله عنهما-:

إن وطئت على قذر رطب فاغسله، وإن كان يابسا فلا) * «6» .

 

2-* (أورد ابن حجر في الإصابة في تمييز الصحابة (في ترجمة أم حبيبة زوج النبي صلى الله عليه وسلم) أن أبا سفيان قدم المدينة فأراد أن يزيد في الهدنة فدخل على ابنته أم حبيبة، فلما ذهب ليجلس على فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم طوته دونه، فقال: يا بنية أرغبت بهذا الفراش عني أم بي عنه؟ قالت:

بل هو فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنت امرؤ نجس مشرك. فقال: لقد أصابك بعدي شر) * «7» .

 

3-* (قال ابن إسحاق- رحمه الله تعالى-:

وكان إسلام عمر فيما بلغني أن أخته فاطمة بنت الخطاب وكانت عند سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل كانت قد أسلمت وأسلم زوجها سعيد بن زيد وهم مستخفون بإسلامهم من عمر، وكان نعيم بن عبد الله النحام- رجل من بني عدي قد أسلم أيضا مستخفيا بإسلامه من قومه، وكان خباب بن الأرت يختلف إلىفاطمة بنت الخطاب يقرئها القرآن، فخرج عمر يوما متوشحا سيفه يريد رسول الله صلى الله عليه وسلم ورهطا من أصحابه، فذكروا له أنهم قد اجتمعوا في بيت عند الصفا، وهم قريب من أربعين من بين رجال ونساء، ومع رسول الله صلى الله عليه وسلم عمه حمزة وأبو بكر بن أبي قحافة الصديق وعلي بن أبي طالب- رضي الله عنهم- في رجال من المسلمين ممن كان أقام مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة ولم يخرج فيمن خرج إلى أرض الحبشة.

 

فلقيه نعيم بن عبد الله فقال: أين تريد يا عمر؟ قال: أريد محمدا هذا الصابيء الذي فرق أمر قريش؟ وسفه أحلامها، وعاب دينها، وسب آلهتها فأقتله.

 

فقال له نعيم: والله لقد غرتك نفسك يا عمر. أترى بني عبد مناف تاركيك تمشي على الأرض وقد قتلت محمدا؟ أفلا ترجع إلى أهل بيتك فتقيم أمرهم؟ قال: وأي أهل بيتي؟ قال ختنك وابن عمك سعيد بن زيد وأختك فاطمة فقد- والله- أسلما، وتابعا محمدا صلى الله عليه وسلم على دينه. فعليك بهما.

 

فرجع عمر عائدا إلى أخته فاطمة وعندها خباب بن الأرت معه صحيفة فيها (طه) يقرئها إياها، فلما سمعوا حس عمر تغيب خباب في مخدع لهم، أو في بعض البيت، وأخذت فاطمة بنت الخطاب الصحيفة فجعلتها تحت فخذها، وقد سمع حين دنا إلى الباب قراءة خباب عليها: فلما دخل قال ما هذه الهينمة «1» التي سمعت؟ قالا له:

 

ما سمعت شيئا. قال: بلى والله لقد أخبرت أنكما تابعتما محمدا على دينه، وبطش بختنه سعيد بن زيد.

 

فقامت إليه أخته فاطمة بنت الخطاب لتكفه عن زوجها فضربها فشجها، فلما فعل ذلك قالت له أخته وختنه: نعم قد أسلمنا وآمنا بالله ورسوله فاصنع ما بدا لك.

 

فلما رأى عمر ما بأخته من الدم ندم على ما صنع، وارعوى «2» ، وقال لأخته: أعطيني هذه الصحيفة التي كنتم تقرأون آنفا أنظر ما هذا الذي جاء به محمد- وكان عمر كاتبا- فلما قال ذلك قالت له أخته: إنا نخشاك عليها.

 

قال لا تخافي وحلف لها بآلهته ليردنها إذا قرأها إليها. فلما قال ذلك طمعت في إسلامه فقالت: يا أخي إنك نجس على شركك، وإنه لا يمسه إلا المطهرون. فقام عمر فاغتسل فأعطته الصحيفة وفيها (طه) ، فقرأها فلما قرأ منها صدرا قال:

 

ما أحسن هذا الكلام وأكرمه! فلما سمع ذلك خباب ابن الأرت خرج إليه فقال له: والله يا عمر إني لأرجو أن يكون الله قد خصك بدعوة نبيه صلى الله عليه وسلم؛ فإني سمعته أمس وهو يقول: «اللهم أيد الإسلام بأبي الحكم بن هشام أو بعمر بن الخطاب» .

 

فالله الله يا عمر. فقال عند ذلك: فدلني يا خباب على محمد حتى آتيه فأسلم. فقال له خباب: هو في بيت عند الصفا معه نفر من الصحابة. فأخذ عمر سيفه فتوشحه ثم عمد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه فضرب عليهم الباب، فلما سمعوا صوته قام رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فنظر من خلل الباب فإذا هو بعمر متوشحا بالسيف فرجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو فزع. فقال: يا رسول الله:

 

هذا عمر بن الخطاب متوشحا بالسيف. فقال حمزة:

فأذن له، فإن كان جاء يريد خيرا بذلناه، وإن كان يريد شرا قتلناه بسيفه. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ائذن له» فأذن له الرجل ونهض إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى لقيه في الحجرة فأخذ بحجزته أو بمجمع ردائه، ثم جذبه جذبة شديدة فقال: «ما جاء بك يا ابن الخطاب؟ فو الله ما أرى أن تنتهي حتى ينزل الله بك قارعة «1» » فقال عمر: يا رسول الله جئتك لأومن بالله ورسوله وبما جاء من عند الله.

 

قال: فكبر رسول الله صلى الله عليه وسلم تكبيرة فعرف أهل البيت أن عمر قد أسلم، فتفرق أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكانهم وقد عزوا في أنفسهم حين أسلم عمر مع إسلام حمزة، وعلموا أنهما سيمنعان رسول الله صلى الله عليه وسلم، وينتصفون بهما من عدوهم، قال ابن إسحاق: فهذا حديث الرواة من أهل المدينة عن إسلام عمر حين أسلم رضي الله عنه) * «2» .

 

4-* (قال ابن زيد- رحمه الله تعالى- في معنى قوله تعالى وثيابك فطهر: كان المشركون لا يتطهرون فأمره الله تعالى أن يتطهر، وأن يطهر ثيابه) * «3» .

 

5-* (قال ابن تيمية- رحمه الله تعالى-: «الخطايا توجب للقلب حرارة، ونجاسة وضعفا» ) * «4» .

 

6-* (قال ابن القيم- رحمه الله تعالى-: «من تطهر في الدنيا ولقي الله طاهرا من نجاساته دخل الجنة بغير معوق، ومن لم يتطهر في الدنيا- فإن كانت نجاسته عينية. كالكافر- لم يدخلها بحال، وإن كانت نجاسته كسبية عارضة دخلها بعد ما يتطهر في النار من تلك النجاسة ثم لم يخرج منها» ) * «5» .

 

7-* (قال ابن كثير- رحمه الله تعالى- في تفسير قوله تعالى يا أيها الذين آمنوا إنما المشركون نجس (التوبة/ 28) أمر تعالى عباده المؤمنين الطاهرين دينا وذاتا بنفي المشركين الذين هم نجس دينا عن المسجد الحرام وأن لا يقربوه بعد نزول هذه الآية- وكان نزولها في سنة تسع- وقال: دلت هذه الآية الكريمة على نجاسة المشرك كما ورد في الصحيح «المؤمن لا ينجس» ) * «6» .

 

من مضار (النجاسة)

(1) النجاسة المعنوية تمنع من دخول الجنة وقد تحرم منها بالكلية.

 

(2) يبغضها الرحمن ويحبها الشيطان.

 

(3) تورث مقت الناس وازدراءهم.

 

(4) تسبب ضيق الصدر وتعاسة النفس.

 

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات