كيف أعرف أن القرآن من عند الله!

إبراهيم الأزرق

2022-10-05 - 1444/03/09
التصنيفات:

الحمد لله وبعد فإن القرآن الكريم كتاب عظيم قد جاء ببراهين تصدقه، فهو في نفسه دليل على صحته!

 

فهذا الكتاب هو الذي بعث به -صلى الله عليه وسلم- إلى قوم مشركين مكذبين فآمن به أكثر العقلاء ومن تجردوا عن الأهواء؛ وصدت غيرهم عن الإيمان به صوارف ترجع إلى أهواء مختلفة، لكنهم على مر العصور لم يطعنوا فيه بمطعن صحيح أو معتبر، فمن آمن به آمن بما فيه من حجج، ومن صد عنه وكفر به لم يطعن فيما جاء به من حجج! لكنه أعرض، استكبر، صم أذنه، اتبع هواه... وهلم جراً!

 

هلا تساءلت لماذا آمن بهذا الكتاب ملايين البشر؟

 

الجواب باختصار: لأنه كتاب يشتمل على براهين صحته، وصحة ما جاء فيه.

 

النص القرآني يخاطب المشرك الذي لا يؤمن بأن القرآن أنزل من عند الله بخطاب يتضمن حججاً شتى يذعن لها الأسوياء ومن تجردوا عن الأهواء. ولهذا آمن به من آمن، وترك لأجلها ما كان عليه الآباء والأجداد.

 

مثال على ذلك إسلام جبير بن مطعم رضي الله عنه قال: سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- يقرأ في المغرب بالطور فلما بلغ هذه الآية: (أم خلقوا من غير شىء أم هم الخالقون * أم خلقوا السموات والأرض بل لا يوقنون * أم عندهم خزائن ربك أم هم المسيطرون)، قال: "كاد قلبى أن يطير"، وذلك أول ما وقر الإسلام في قلبه.. حجة ظاهرة على أن المستحق للعبادة هو الخالق الرازق المدبر.

 

وتقرير أن الكون بمن فيه مخلوق مربوب لخالق عظيم له من صفات الجلال والكمال أعلاها هو طريقة القرآن في كثير من الآيات وهي طريقة عقلية مسلمة؛ فالفعل لابد له من فاعل، والمخلوق لابد له من خالق، من صفاته أنه أول ليس قبله شيء، قدير، عليم، حكيم.. إلخ لا نعلم كيفيته، ولا يقدح في المسلمة العقلية بوجود الفاعل الخالق عدم علمنا بكنهه وكيفيته. كما لو أحُضِرَ لك طبق طعام محكم، فسوف تجزم أن له صانعاً، ولن تقبل إذا قيل لك وجدت هذه الطبخة صدفة دون أن يحضرها أحد!

 

تجزم بذلك مع جهلك بمن حضرها؟ ومن أين جاء؟ وكيف هو! فكل هذا لا يقدح في المسلمة التي عندك هذا الطعام لابد له من صانع.. وربما استفدت من الطعام وطريقة إعداده وتقديمه بعض صفات صانعه، من نحو خبرته بأمور، ومعرفته بمقادير وأشياء، وهلم جرا، وكذلك يقال في إثبات الخالق لهذا العالم المتسع المحكم وأين هو من طبق طعام لا يمكن أن يقبل العاقل وجوده صدفة! وإن جهل كنه الصانع.

 

وكان القصد مما تقدم ذكر مثال على أن القرآن الكريم جاء ببراهين صدقه، وصحة ما جاء به، ولهذا آمن من آمن قديماً وحديثاً بمجرد سماعه، ولكن مع التدبر، فمن الناس من يسمع وهو لاه معرض عنده أغراض وأهواء، ومن الناس من يسمع متفكراً متعقلاً متدبراً وهذا هو الذي ينتفع بهدايات القرآن.

 

فتصديقنا للقرآن ليس تصديقاً أعمى، ولا قناعتنا به قناعة ناشئة عن مجرد عقيدة سابقة توجب القناعة به.

 

بل لما تضمنه، وتلك أعظم آيات كونه حقاً من عند الله تعالى.

 

والحكم على الشيء من نفسه معقول فلو طالعت رواية.. هل تستطيع الحكم عليها بأنها جيدة أو شيقة أو جميلة أو بخلاف ذلك؟ أو لا يمكنك ذلك ولابد من إقامة برهان أو معجزة من خارجها تبين ذلك؟! الجواب بدهي مضمون الرواية يكفي في حكمك عليها.

 

وكذلك القرآن الكريم بما تضمنه من تشريعات، وأحكام، ومواعظة تدعو إلى الفضائل، وتمنع الرذائل، تبيح النافع، وتحرم الضار، تبني أسس مجتمع قوي مترابط، وتمنع ما يسبب فساده، كل ذلك يجعل العالِم موقناً بأنه كتاب عزيز تنزيل من حكيم حميد، وتدبر فقط تشريعاته في نطاق الأسرة، وما رتبه من حقوق أبوة وأمومة وأسرة من آداب وصلة وكفالة ونفقة وهلم جراً، وانظر أي منهج أرضي قديم أو معاصر جاء بما يقاربه!

 

وتأمل كذلك ما تضمنه من قصص وأخبار ماضية في الأمم، أو آتية نرى تصديقها حيناً بعد حين في الوقائع، أو في الأنفس والآفاق، ألا يقطع معها أنه تنزيل من عليم خبير.

 

أنى لمحمد -صلى الله عليه وسلم- إن كان قد انتحل هذا الكتاب أن يعلم أن أبا لهب عمه سيموت هو وزوجه على الشرك فيعلنها من لحظات الرسالة الأولى: (تبت يدا أبي لهب وتب * ما أغنى عنه ما له وما كسب * سيصلى ناراً ذات لهب * وامرأته حمالة الحطب * في جيدها حبل من مسد)؟! هذه مخاطرة لا يجازف بها صاحب رسالة منتحلة!

 

أنى لمحمد -صلى الله عليه وسلم- وهو الذي لم يخالط أمم المشرق والمغرب  قبل أن يأتي بهذه الرسالة، الأمي الذي قال الله في الذب عما جاء به: (وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ) [العنكبوت: 48]، أنى له أن يعلم تفاصيل خلق الجنين، واتساع الكون، وانفصال الأرض من السديم، وعلاقة الماء بأصل الحياة، وانخفاض القدرة على التنفس عند الارتفاع في السماء، وطبيعة الجبال وكونها أوتاداً وأثرها في الجاذبية، وكروية الأرض، وجريان الشمس.. إلخ ما يقرره أصحاب الإعجاز العلمي الحديث كيف لرجل أمي أن ينتحل ذلك، ويودعه القرآن!

 

بل لايمكن أن يكون محمداً -صلى الله عليه وسلم- قد تلقى هذا القرآن عن أحد من الأمم السالفة، ف إن ما تعلمه الأمم الأخرى كاليهودية والنصرانية، قد جاء محمد -صلى الله عليه وسلم- فيه بتفاصيل محكمة تبين لتلك الأمم ما كانوا يجهلون أو يختلفون فيه، (إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) [النمل: 76]، وقد ثبتت الأحاديث في اختبار أهل الكتاب للنبي -صلى الله عليه وسلم- بسؤاله، فكان إذا قص عليهم الأخبار لم يملكوا إلاّ التسليم والإذعان مع كونهم أحرص الناس على تكذيبه! وقد جاء مع ذلك بما جهلوه من أخبار الأنبياء، كبعض أخبار موسى وأخبار يوسف وغيرهما جاء في القرآن من تفصيلها ما لا علم لبني إسرائيل به، بل جاء بأخبار أمم أخرى لا يعرفونها كأخبار قوم عاد وصالح، لايملكون في كل ذلك إلاّ تصديقه أو الإقرار بجهلهم بما جاء به! وهو يقص أخباراً محكمة في صياغتها لم يعثر على مر التاريخ على ما يكذبها بل الكشوفات تصدق ما جاء به القرآن الكريم من التفصيل، كآثار مدائن صالح، وآثار مساكن عاد بالأحقاف، وآثار قرى سدوم المخسوف بها، ومن ذلك أخبار فرعون وغرقه في البحر، وتأمل مثلاً موازنة موريس بوكاي بين ما ذكر في القرآن من أمر الأجنة وبين ما ذكر في الكتب قبله.

 

والمقصود أخبار القرآن الكونية وغيرها مصدقة له، أخبر بانهزام الروم، وأنهم من بعد غلبهم سيغلبون، فكان ذلك.

 

قال: (لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ) [الفتح: 27]، فكان ذلك.

 

قال للصحابة رضي الله عنهم: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ في الأرض) [النور: 55]، فكان ذلك.

 

قال: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) [الحجر: 9]، فكان ذلك إلى يوم الناس هذا منذ أكثر من 1400 سنة، مع كثرة محاولات القرامطة والباطنية والكفار تحريفه فما قدروا على تغيير حرف واحد! ولم تزل الأجيال تروي عن بعضها أمة عن أمة القرآن الكريم متواتراً.

 

ومن ذلك قوله: (سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ، يولون الدبر) [القمر: 45]، وقوله: (قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ (14) وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) [التوبة]، وقوله في يهود المدينة: (نْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذًى وَإِنْ يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يُنْصَرُونَ (111) ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ) [آل عمران]، فكان كل ذلك.

 

وكذلك قوله: (وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ) فكان ذلك على كثرة أعدائه، وكثرة من رام قتله.

 

ودلائل صدق القرآن وإعجازه تربوا على ذلك، وحسبك ببلاغته وفصاحته ونظمه، تحدى به العرب فصبروا على القتل والضرب ولم يمكن أحداً منهم معارضته بمثله!

 

وفي هذا الرابط بيان وجه ذلك فتأمليه بتمامه:

 

وعامة ما ذكرته فيما تقدم أمور كلية تحت كل منها براهين جزئية  كثيرة تثبت صحة هذا الكتاب وأنه تنزيل من حكيم حميد.

 

فقضاياه التشريعة وحدها على سبيل المثال لا تكاد تحصى، وكلها شاهدة بحسن ما جاء به عند من تصورها على حقيقتها، سواء في ذلك تشريعات الأسرة، أو الأخلاق، أو المعاملات المالية الاقتصادية وغيرها، فضلها على الشرائع الأرضية ظاهر عند علماء الشريعة، ولا يعوزهم بيان ذلك للمعترض عليها ولهم على كل ما انتقد أجوبة وجه الحق فيها ظاهر.. وتأمل مشكلة الأخلاق في العالم المادي، وهل كانت لتكون لو التزمت أخلاق القرآن! تأمل مشكلات الاقتصاد تجدها معاملات حرمت في القرآن، تأمل مشاكل الأسرة وتقطعها في البلدان المادية، بل في بلدان المسلمين بسبب بعدهم عن منهاج القرآن!

 

وأمر القرآن أجل وأعظم فمما يشهد لكونه حق من عند الله تعالى، ما فيه من عجائب قهرية تذعن لها النفوس كطمأنينة نفس من يقبل عليه، ويعتصم به، ومن جرب علم، ومن ذاق عرف!

 

ومن ذلك كونه شفاء لكثير من أمراض النفوس والأبدان وشهادات الناس في هذا لا تحصى كثرة، وقد رأيناه في أنفسنا وفي أهلينا.

 

ومن ذلك كونه رقية، وسبب حفظ، وقد تواترت بهذا أخبار الناس.

 

فأجناس مافي القرآن من براهين صحته كثيرة.

 

وكل ما تقدم برهان عليه من محتواه!

 

وثمة براهين عليه من خارجه، كحال مخبره -صلى الله عليه وسلم-، وما عهد عنه من الأمانة والصدق قبل بعثته، وقد أشير إلى هذا البرهان في القرآن نفسه، قال تعالى: (وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (15) قُلْ لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلَا أَدْرَاكُمْ بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا مِنْ قَبْلِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ) [يونس].

 

فمبلغه هو الصادق الأمين، وما كان ليترك الكذب على الناس ثم يكذب على الله تعالى! وهذا مما استدل به هرقل على صدقه عليه الصلاة والسلام، كما في الصحيح: "وسألتك هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال؟ فذكرت: أن لا! فقد أعرف أنه لم يكن ليذر الكذب على الناس ويكذب على الله"، وهرقل لما كان عاقلاً جمع جملة أمور جعلها قرائن قاطعة الدلالة على أن محمداً -صلى الله عليه وسلم- رسول من عند الله تعالى.

 

وبحث إثبات نبوته -صلى الله عليه وسلم- ودلائلها بحث واسع أتعرض لأصوله إن شاء الله في مقالة أخرى، وفق الله من رام الهدى، وتدبر كتابه، وهدانا جميعاً إلى صراطه المستقيم.

 

المصدر: المسلم

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات