أهمية الاجتهاد في النوازل

رجاء بنت صالح باسودان

2022-10-12 - 1444/03/16
التصنيفات:

أهمية الاجتهاد في النوازل

تشهد المجتمعات الحالية تطوّراً علميّاً وتحوّلاً كبيراً في المجتمع من شأنه أن يحدث نوازل جديدة غير مألوفة تستدعي الاجتهاد فيها ، فالحاجة قائمة لتجدّد وتحوّل المجتمعات وفي هذا المقام يقول الإمام الشاطبي[1]"إن الوقائع في الوجود لا تنحصر ، فلا يصح دخولها تحت الأدلة المنحصرة ، ولذلك احتيج إلى فتح باب الاجتهاد من القياس وغيره ، فلا بدّ من حدوث وقائع لا تكون منصوصاً على حكمها ، ولا يوجد للأّولين فيها اجتهاد ؛ وعند ذلك فإمّا أن يترك الناس فيها مع أهوائهم ، أو ينظر فيها بغير اجتهاد شرعي ، وهو أيضاً اتّباع للهوى ، وذلك كلّه فساد"[2]

 

وتبرز أهمية الاجتهاد في النوازل في الآتي :

1-  تحكيم الشريعة في جميع جوانب الحياة :

إنّ من أبرز آثار الاجتهاد - فضلاً عن شمول نصوص الشريعة لكثير من جوانب الحياة - الحفاظ على العقيدة بتطبيق قواعد شريعتها على ما يحدث لها من نوازل ، وبالتّالي قطع الطريق على من يريد العمل بالقوانين الوضعية .  وهذا ما يؤكد عليه بعض المعاصرين ، حيث يقول الدكتور مسفر بن علي القحطاني[3]: "كانت المسائل الجديدة التي لم تبحث وليست لها أحكاماً معلومة في الشريعة من أهم ما يتذرّع به دعاة القوانين ، فإذا قام العلماء بالاجتهاد والبحث في أحكام الجديد من النوازل والوقائع لم يكن هناك مسوّغ للأخذ بالقوانين المستوردة"[4]ويضيف الدكتور عابد السفياني[5]قائلاً : "فالأمّة التي تتّخذ من الاجتهاد قاعدة لها لمواجهة الحوادث التي تنزل بها ، يكون هذا الاجتهاد من مقوّمات بقائها ، مما يرفع في معنوية أبناء هذه الأمة ويزيد إيمانهم بالمنهج الرباني"[6]

2 - صلاحية الشريعة الإسلامية لكل زمان ومكان :

لقد دأب أعداء الإسلام على إثارة العديد من الشبه ، منها : شبهة عدم صلاحية تطبيق الشريعة في هذا الزمان ، وذلك بالتشكيك في نصوصها وقدرتها على احتواء التغيير الحادث على مرّ الأزمنة والعصور .  ويردّ الدكتور يوسف القرضاوي[7]على هؤلاء : بأن الأصل في أوامر الله وأحكامه هو الثبات والبقاء .  وأنّ هذا التطوّر المستمر يقتضي ظهور وقائع جديدة في حياة الناس تقتضي حكماً شرعياً لها ، ما دام من المقطوع به أن الشريعة محيطة بأفعال المكلفين ، ولا يكون ذلك إلا بالاجتهاد[8]قال الإمام الشافعي[9]: "فليست تنزل بأحد من أهل دين الله نازلة إلا وفي كتاب الله الدّليل على سبيل الهدى فيها"[10]، ويمكن وصف الاجتهاد بأنه وعاء النوازل وبه نميّز حكمها في الشرع[11].

3 -  تجديد الفقه الإسلامي :

كان الصحابة – رضوان الله عليهم - بعد عصر النبوة إذا حدثت لهم حادثة ، ولم يجدوا لها في كتاب الله ، أو سنة رسوله شيئاً ، اجتهدوا واشتهر عنهم ذلك ، فكانوا يحاولون قدر جهدهم حلّ ما يعترضهم في حياتهم من مشكلات ، فسهّل طريق الاجتهاد لمن جاء بعدهم لأن يقتفوا أثرهم ، فقعّدوا القواعد ، ووضعوا الأسس ، وأرسوا الأصول ، ودوّن الفقه، وحفظت لنا المصنّفات والمؤلّفات القيّمة ، ويتجدّد الفقه بتجدّد النوازل والحوادث .  يشير الدكتور "القحطاني" إلى هذا بقوله : "فالاجتهاد والبحث في أحكام النوازل له دوره الكبير في تجديد وتنمية الفقه في النّفوس ، وفي واقع حياة الناس .  وأنّ الاجتهاد في بحث أحكام النوازل قد يلجئ المجتهد والفقيه على التأليف والتصنيف في قضايا ومسائل لم تكن مدوّنة من قبل في كتب الفقه الأولى ، كمسائل المعاملات المصرفية ، وقضايا التأمين ، والمسائل الطّبية المعاصرة وغيرها.ولا شكّ أنّ هذا الأمر يثري حركة الفقه الإسلامي ، ويزيدها نموّاً وتجدّداً نحو معالجة أوسع لحاجات النّاس والمجتمع"[12]

ويضيف الدكتور محمد فاروق النبهان[13]بأنه : سوف يظلّ فقه النوازل - وهو فقه الفتاوى - السّاحة الرّحبة لنمو قاعدة الاجتهاد ، التي تغني فكرنا الإسلامي بالجديد من الآراء الفقهية[14]

4-  رفع الحرج عن الأمة :

يقصد بالحرج : "كلّ ما أدّى إلى مشقّة زائدة في البدن أو النّفس أو المال حالاً أو مآلاً"[15]فيكون رفع الحرج : "إزالة ما يؤدّي إلى هذه المشاق"[16]

ومن الأدّلة التي دلّت على هذا الأصل قوله تعالى : {... وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ... }[17]

 

ورفع الحرج أصل كليّ تعود إليه جملة من الأحكام ، فهو قاعدة عامّة من أصول الدين يتكئ عليها من تردّد في نازلة ، واشتبه عليه الأمر[18]

 

تعد هذه أبرز الأمور المتعلّقة بأهمية الاجتهاد في النوازل ، وهي تحتاج إلى صدق المتابعة للجيل القدوة - من المجتهدين - والإخلاص والتجرّد ، حتى ييّسر الله لها أن تتحصّن بذلك الحصن الآمن ، فلا تضلّ بها الأهواء[19]

باحثة في الفقه الإسلامي ومهتمة بقضايا فقهية معاصرة.

الهوامش والمراجع

 

 

[1] أبو إسحاق إبراهيم بن موسى بن محمد اللخمي الغرناطي المالكي الشهير بالشاطبي . الإمام الحافظ الجليل المجتهد ، من مؤلفاته : الموافقات في أصول الشريعة ، الاعتصام ، توفي سنة 790هـ . (انظر : نيل الابتهاج بتطريز الديباج لأحمد بابا التنبكتي ، ص 46-  الفكر السامي 2/ 291-292)

[2] الموافقات في أصول الشريعة ، 4/ 476

[3] أستاذ الدراسات الإسلامية المشارك في جامعة الملك فهد للبترول والمعادن

[4] منهج استنباط أحكام النوازل الفقهية المعاصرة ، ص 117

[5] الأستاذ المساعد بكلية الشريعة والدراسات الإسلامية بجامعة أم القرى بمكة المكرمة . (انظر : www.islamtoday)

[6] الثبات والشمول في الشريعة الإسلامية ، د. عابد  السفياني ، ص 223

[7] يوسف عبد الله القرضاوي ، عميد كلية الشريعة والدراسات الإسلامية بجامعة قطر ، ولد عام 1926م وحفظ القرآن وهو دون العاشرة ، التحق بالأزهر حتى تخرج من الثانوية ، حصل على العالمية من كلية أصول الدين بجامعة الأزهر عام 1953م ، وحصل على دبلوم معهد الدراسات العربية العالية في اللغة والأدب عام 1958م ، والدراسة التمهيدية العليا المعادلة للماجستير في شعبة علوم القرآن والسنة من كلية أصول الدين ، وفي عام 1973م حصل على الدكتوراه من نفس ا لكلية ، من مؤلفاته : الزكاة وأثرها في حل المشاكل الاجتماعية . (انظر : www.ar.wikipidia.org)

[8] الفتوى بين الانضباط والتسيب ، ص 278

[9] أبو عبدالله محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع ، يجتمع مع النبي عليه الصلاة والسلام في عبد مناف ، ولد بغزة سنة 150هـ ونشأ بمكة ، ساد أهل زمانه في الفقه فكان عالم عصره ، صنف في أصول الفقه وفروعه ، كان من أشعر الناس ، من مؤلفاته: الرسالة ، الأم ، توفي سنة 204هـ (انظر: طبقات الفقهاء ، ص 60 - الفكر السامي 1/464)

[10] الرسالة ، ص 20

[11] انظر : منهج استنباط أحكام النوازل الفقهية المعاصرة ، د. مسفر القحطاني ، ص 94 ، 95

[12] المرجع السابق ، ص 119-120

[13] محمد فاروق النبهان ، ولد في مدينة حلب عام 1940م ، تخرج من كلية الشريعة جامعة دمشق عام 1962م ، وحصل على الماجستير من جامعة القاهرة كلية الآداب عام 1965م ، وحصل على الشهادة العالمية الدكتوراه من الجامعة نفسها عام 1968م ، من مؤلفاته : المدخل للتشريع الإسلامي ، مبادئ الثقافة الإسلامية ، أبحاث في الاقتصاد الإسلامي . (انظر : www.hqw7.com)

[14] انظر : أثر الفتاوى والنوازل في إثراء الفقه الإسلامي ، د. محمد فاروق نبهان ، ص 25

[15] رفع الحرج في الشريعة الإسلامية ، د. صالح بن حميد ، ص 47

[16] المرجع السابق ، ص 48

[17] الحج ، آية (78)

[18] انظر : وجوب تطبيق الشريعة ، د. محمد الأمين مصطفى الشنقيطي ، ص 30 ، 79

[19] انظر : الثبات والشمول في الشريعة الإسلامية ، د. عابد السفياني ، ص 227

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات
عضو نشط
أبو عبدالله
01-06-2020

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته هذا المقال ليس للشيخ صالح الفوزان وإنما للكاتية رجاء صالح با سودان وشكراً لكم

سلمك الله هل يمكن تزويدنا برابط المقال للكاتبة

عضو نشط
أبو عبدالله
03-07-2020

إليكم الرابط وفقكم الله https://majles.alukah.net/t172397/