مكانة الفتيا في الإسلام .. معالي الشيخ صالح اللحيدان حفظه الله

فريق النشر - ملتقى الخطباء

2022-10-05 - 1444/03/09
التصنيفات:

 

 

مكانة الفتيا في الإسلام وقال فضيلته:

الفتوى لها شأنها في الإسلام، فالمفتي من يبلغ حكم الله جل وعلا لعباده فإنما يتحدث باقرار بأن هذا حلال وهذا حرام فهو محتاج لأن يحسب للموقف حسابه ويتصور ويتذكر العرض يوم لا ينفع مال ولا بنون الا من اتى الله بقلب سليم، ومن يتذكر ما كان عليه السلف في مقام الفتيا وكيف كانوا يتدافعون عن الفتيا.

 

وقد تحدثوا عن الفتوى وما ينبغي ان يكون عليه المفتي وما يعتمد عليه في فتاواه، وحمدوا لمن لا يتطلع لها، والله جل وعلا اخبر انه يفتي عباده (ويستفتونك قل الله يفتيكم) وأفتى النبي صلى الله عليه وسلم وأفتى الصحابة بعده وهم القدوة بعده صلى الله عليه وسلم وهم الذين بلغوا هذا الدين ونقلوه.

 

التطلع للفتيا: وتناول فضيلته التطلع للفتيا والسعي لها واثار ذلك وقال: إذا تطلع الإنسان للفتيا ورغب ان يشار اليه بأنه مفتي فهذا حري الا يحالفه التوفيق، واذا ابتلي واحتسب واتقى الله جل وعلا وتأمل سير السابقين ومواقفهم في مجالات الافتاء واتخذ منهم قدوة، حري ان يوفق ثم ان الإنسان في كل مواقفه، محتاج الى ان يستعين بالله ويلجأ اليه.

 

وقد ذكر العلماء أهمية هذا المنصب واشترطوا لمن يقوم به ان يتصف بالعلم والتقى والأمانة والصبر على الناس، يؤخذ عنه ويوثق به، واذا كلف به الرجل واستعان بالله سبحانه وتعالى فهو حري بالتوفيق .

 

ويروى عن أبي ليلى يقول أدركت ومائة وعشرين من الصحابة يسألون فيسأل هذا فيردها على هذا الى ان ينتهي الأمر بأن تعود الى الاول كلهم يتدافعونها ويروى ان ربيعة بن عبدالرحمن شيخ مالك بن انس دخل عليه رجل وهو يبكي فقال ما الذي حدث لك أمصيبة؟ فقال: هل في الإسلام أمر يفتى من ليس أهلا للفتيا ثم قال كلمة لهؤلاء أولى بالسجن من اللصوص وابن القيم رحمه وصف المفتين والقضاة بأنهم الموقعون عن رب العالمين.

 

وينبغي للإنسان ان يتروى ويتزود بالزاد الذي يؤهله للفتوى فيما يسأل عنه، واشترط السلف في المفتي ان يكون مجتهدا عارفا بالسنة، مطلعا على الكثير من الاحاديث، حتى ان الذين رأوا ان الذي يريد الاختصار فيما يحفظه اذا اراد ان يفتي ان يحفظ الفاً ومائتي حديث، وان يعرف الخاص والعام من القرآن الكريم والمطلق والمقيد وغير ذلك لاشك ان هذا في هذا الوقت أمر عسر جدا، ولكن من يتق الله يجعل له مخرجا .

 

والنبي -صلى الله عليه وسلم- قال ان الله لا ينزع العلم انتزاعا من قلوب العلماء ولكن بموت العلماء، حتى اذا لم يبق عالم اتخذ الناس رؤوسا جهالا فافتوا بغير علم فضلوا واضلوا، في هذا الزمن الذي ضعف فيه الوازع الديني كثر التجرؤ على الفتيا، وكثر المتحدثون في أمر الفتيا وان كان كثير منهم له إطلاع لكن الأمر يحتاج إلى ترو، والى نظر والى وزن الأمور وتقدير هذا، الى معرفة حالة البلد فاذا كان في بلد ليس من أهلها فعليه ان يعرف مقاصدهم في الكلام .

 

منع الفتيا: وللفتيا سورها وبابها ومن تسور الفتيا من غير بابها كان حري ان يضر نفسه وان يضر الآخرين، وكان الناس في القديم ربما منعوا الشخص من الفتيا، روي ان ابن ابي ليلى منع أبا حنيفة من الفتيا وكتب للوالي بمنعه ويروي ان ابا حنيفة لما استفتنه ابنته قال لها يا بنية ان الوالي منعني من الفتيا، سلي اخاك وان لم تكن هذه الرواية بسند صحيح الا انها تروى عنه وعن منعه، بل كان الرجل من أهل العلم الراسخين فيه اذا منع من الفتيا في باب من أبواب العلم لا يتحدث به .

 

هكذا اذا كان يفتي الناس في اموالهم ونسائهم وحل ذلك وتحريمه ماذا عند الله جل وعلا؟ ان لم يكن اهلا لذلك وصدر الناس عن قوله ووردوا على غير عد .

 

وربما يأتي السائل ويستفتي رجلا من اهل العلم يتردد السائل فيتذمر ذلك السائل فيذهب الى طالب من طلاب ذلك العالم فيفتيه .

 

ولذلك فمن يجرؤ على الفتيا فإنما يدل ذلك على قلة علمه أو قلة بصيرته وضعف تفكيره في الآخرة .

 

هذا الموقف ينبغي ان يخاف الله الإنسان اذا ابتلي به .

ويتصور موقفه اذا قال هذا حلال وهذا حرام وسأله ربه جل وعلا كيف قلت لكذا حلال وهو ليس كذلك، فينبغي ان يعد الإنسان عدته فهو مسؤول عن كل شيء .

 

هذا العمل الهام البالغ الخطورة ينبغي ان يقرر الإنسان في مزاولته وقبوله وعدم قبوله متصورا المسألة يوم لا ينفع مال ولا بنون الا من أتى الله بقلب سليم .

 

خطورة الفتوى بغير علم: قال الشيخ اللحيدان: والمرء يحزن اذا رأى كثرة من يقول عن الحلال والحرام وهو غير مؤاخذ في ذلك ويخشى شر بسبب ذلك وان تسنم هذا المنصب لمن ليس أهلا لذلك من ضياع العلم والدين؛ فيكون رؤساء يفتون بغير علم فيضلون ويضلون، وفي بلادنا وفي بلاد العالم الاسلامي نسمع فتاوى تصدر وتبث على وسائل الاعلام من مقروء ومسموع وغيره، والامر يحتاج الى ضبط سلطاني حتى لا يتجرأ على الحمى، واذا تجرأ على الحمى فقد هيبته فتجرأ الآخرون فاتسع الخرق وانتشر الشر، الإنسان اذا قرأ ما كتبه المتقدمون عن شأن المفتي وشأن القاضي يجد انهم يقاربون فيما بينهم الا ان القاضي ملزم بقضائه والقاضي لا سبيل له الى ان يقول لا أستطيع أو لن اقضي، لابد ان يقضي، فاذا كان المفتي له ان يعتذر واذا سأل لأنه غير ملزم.

 

والأمور تحتاج الى وقفة ولقد اثيرت منذ 25 سنة قيل لو وضعت حدود لا تجتاز وابواب لا تدخل الا بإذن، وكلما مر الزمن كلما صعب ايقاف الناس عن القول على الله جل وعلا وعلى شرعه، وفي هذا الوقت وجد من يقول عن الشريعة وعن الشرع واحكام الشريعة ولم يكن من أهلها .

 

مع أن كثيرا من الأعمال لا يسمح لأحد ان يتكلم بها الا اذا كان من أهلها المفترضين والمتخصصين بشأنها، فيبدو ان من ضعف التدين كثرة جرأة المتجرئين على الدين فاذا لم يحصل مانع ولا وازع وجب على الناس ان يتحروا لأنفسهم فيما يسألون فكل انسان مخاطب فيما يتدين به ومحاسب على تصرفه أو تفويضه، فعلى الناس الا يسألوا الا من عرفوا بالعلم وتثبتوا وتورعوا في اصدار الفتاوى .

 

فالقاضي اذا عين فالناس يتقاضون عنده اختيارا أو اجبارا لكن المفتي لا يجبرون على الاستفتاء فعليهم ان يتحروا ويسألوا والمستفتي عليه ان يسأل عمن يسأله هل هو من أهل الفتيا، هل هو جرئ على القول ام يتورع .

 

ويتحرى، فليس كل احد يقوم هذا المقام ويهتم هذا الاهتمام فينبغي أن يكون هناك تعاون بين الناس بقدر المستطاع, وفي القديم عندما ألفوا الكتب في وصف المفتي، كتبوا كلاما يسأل الواحد منا هل يطبقه على نفسه أو أنه لا يستطيع.

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات