ظاهرة الفصل والاعتراض في النحو العربي

فريق النشر - ملتقى الخطباء

2022-10-07 - 1444/03/11
التصنيفات:

 

يهتمُّ هذا البحث بالتراكيب الَّتي ترد في السـياق فتقطع الاتِّصال والتجاور بين عنصـرين من عناصره قبل تمام الفائدة على خلاف الأصـل ، وهذه التراكيب تكون دون الجملة فيُسـمَّى ورودها ( الفصل ) ، وتكون جملة فيُسـمَّى ورودها ( الاعتراض ) .

مفهوم الفصل :

 

 

يُراد بالفصل أن يأتي عنصر دون الجملة – أي غير مستقلٍّ بالإفادة – لا ينتمي إلى السياق الأصليِّ للتركيب ، فيقع فيه بين عنصرين متلازمين – بجامع الصـلة ، أو الإسناد ، أو المجازاة ، أو نحو ذلك – مخالفًا بذلك مطلب التضامّ .

 

ويتنوَّع عنصـر الفصل إلى أنواع ، أشهرها : القَسَـم ، والظرف ، والجارُّ والمجرور ، والنداء ( وإن لم يعتدّ به ابن جنِّي فاصلاً ؛ لكثرته في الكلام ) .

 

والعنصران اللذان يقع الفصل بينهما قد يكونان اسمين ( كالفاعل والمفعول ) ، أو فعل ومطلوبه ( كالفعل والفاعل ) ، أو حـرف وما دخل عليه ( كحرف العطف والمعطوف ) ، ولهذا التنوُّع تفرَّق حديث النحاة عن ظاهرة الفصل في أبواب النحو بحسب هذه العناصر .

 

والفصل من حيث هو مصطلح نحويٌّ يختلف عن الفصل البلاغيّ الَّذي يتحقَّق بعدم اسـتعمال حرف العطف ، والَّذي يقابلون بينه وبين الوصل بعطف الجمل بعضها على بعض .

 

مفهوم الاعتراض :

 

الاعتراض كالفصل ، إلاَّ أنَّ الفاصل فيه يكون جملةً مسـتقلَّة بالإفادة ، سواء كانت خبريَّة أو إنشـائيَّة ، ولا يكون لها محلٌّ من الإعراب ، لكنَّها لا تنفكُّ عن الجملة الأصليَّة الَّتي دخلها الاعتراض ، ولا تزول عنها من حيث معناها .

 

ويمكن تعريف الاعـتراض بأنَّه : اعتراض مجرى النمط التركـيبيّ للجـملة بتركيبٍ مستقلٍّ يَحُول دون اتِّصال عناصر الجملة بعضها ببعض اتِّصالاً تتحقَّق به مطالبُ التضامِّ النحويِّ فيما بينها .

 

وحاصل الاعتراض أنَّه جملةٌ لا محلَّ لها من الإعراب " تتوسَّـط بين أجزاء جملة مستقلَّة أخرى " .

 

وتقع الجملة المعترضة في عدَّة مواضع أحصى منها ابن هشام سبعة عشر موضعًا ، كالمعترضة بين الفعل ومرفوعه ، وبين المبتدإ وخبره ، وبين ما أصله المبتدأ والخبر ، وبين الشـرط وجوابه ، وبين القسَـم وجوابه ، وبين الموصول وصلته ....

 

قواعد الفصل :

للفصـل قواعد وأحكـام منثورة في كتب النحو ، لكنَّ كلاًّ منها مخصـوص بموضعه ، فلا يوجد من القواعد العامَّة لهذه الظاهرة سوى النزر اليسير ، كقول ابن جنِّي : " وعلى الجملة فكلَّما ازداد الجزءان اتِّصـالاً قَوِيَ قُبْحُ الفصل بينهما " ، وقول العكبَريّ : " الفصل بين العامل والمعمول بالأجنبيّ لا يجوز " ، أمَّا ما عدا ذلك فهي أحكام خاصَّـة بمواضعها من أبواب النحو الَّتي يقع فيها الفصل ، كباب الإضـافة ، وباب النعت ، وباب العطف ، وغيرها ، وهي أحكام تبيِّن ما يجـوز الفصل به في موضعٍ ما وما لا يجوز من ذلك ، والقاعدة الأسـاسيَّة في ذلك اتِّصال الفاصل بمعنى الجملة بألاَّ يكون أجنبيًّا .

 

قواعد الاعتراض :

 

قد ذكر النحاة من قواعد الاعتراض وشـروطه ثلاثة أمور ، فاشترطوا في الجملة المعترضة :

 

1-أن تكون مناسـبةً للجملة الَّتي دخلها الاعتراض ، بحيث تكون كالتأكيد أو التنبيه على حالٍ من أحوالها ، وهذا مؤدَّاه أن تكون متَّصلةً بها في المعنى ، وقد ذكر ابن هشام أنَّ الجملة المعترضة تفيد الكلام " تقويةً وتسديدًا أو تحسينًا " ، فاتِّصالها بمعنى الكلام يزيد فيه ويحسِّـنه ، وإذا لم يُراع هذا الاتِّصـال فسـد المعنى ، وهذا ما لاحظه ابن الأثير حين جعل الاعتراض على قسمين : أحدهما لا يأتي في الكـلام إلاَّ لفائدة فيجري مجرى التوكـيد ، والآخر يأتي لغير فائدة فيكون دخوله كخروجه أو يؤثِّر في تأليفه نقصًا وفي معناه فسادًا .

2-أن لا تكون معمولةً لشـيءٍ من أجزاء الجملة الَّتي دخلها الاعـتراض ؛ لأنَّ " الاعتراض لا موضع له من الإعراب ، ولا يعمل فيه شـيءٌ من الكلام المعترَض به بين بعضـه وبعض " ، ولهذا يصحُّ سقوط الجملة الاعتراضيَّة ولا يؤدِّي سقوطها إلى اختلاف في التركيب ولا في أصل المعنى .

 

 

3- أن يكون الفصل بها بين الأجزاء المنفصلة بذاتها ، ويظهر معنى هذا الشرط بالنظر إلى بعض الحروف الَّتي تتَّصل بما تدخل عليه فيكونان كالكلمة الواحدة ، كما في أل التعريف ، وسـين التنفيس ، وبعض حروف الجـرِّ كالباء واللام ، فالاعتراض بينها وبين مدخولها لا يصحُّ ولا يستقيم .

 

قيمة الفصل والاعتراض :

 

يبدو في ظاهرتي الفصل والاعتراض شـيءٌ من الغربة ؛ ففيهما خروج على النظام الأصـليِّ للتضامِّ بين أجزاء الجملة أو التركيب ، وهذا الخروج لا بدَّ له من علَّة ؛ لأنَّ سير السياق النحويِّ للكلام بالترتيب الَّذي يوصل إلى تأدية معناه من غير معوِّقات أمرٌ مهمٌّ في البيان ، وليس بالشـيء الهيِّن الَّذي تُستباح مخالفته ما لم تكن فائدةٌ تُجتنى من وراء المخالفة .

 

ويبدو في الفصل والاعتراض شَـبَهٌ بالتقديم ، وابن عصـفور يعدُّ الفصل من التقديم صراحة ، يقول : " وأمَّا تقديم بعض الكلام على بعض فمنه : الفصل بين المضاف والمضاف إليه " ، ويجعله ابن جنِّي من الحمل على المعنى ، إلاَّ أنَّه يصله بالتقديم والتأخير لما يبدو في ظاهره منه ؛ إذ " يمكن وصـف معظم صور الفصل بأنَّها من قبيل التقديم والتأخير للمعمولات " ، لكنَّه تقديمٌ من نوعٍ آخر ؛ فهو يخضع بالدرجة الأولى لذوق المتكلِّم الَّذي يرى في تعجيل ورود تركيبٍ ما ضرورةً مُلِحَّة ، فيأتي به قبل تمام فائدة الكلام الأوَّل .

 

والفرق الواضح بين الفصـل والتقديم أنَّ التقـديم مرتبطٌ بمبدإ الرتبة ، حيث يكون لكلٍّ من المقدَّم والمؤخَّر فيه رتبة ، محفوظةً كانت أو غير محفوظة ، في حين يرتبط الفصل بما هو حُرُّ الرتبة ، ومن أبرز الأمثلة على ذلك :

الفصل بالظرف وبالجارِّ والمجرور ، اللذَيْن يُتوسَّع فيهما ما لا يُتوسَّع في غيرهما ، ويكفل النظام النحويُّ لهما حرِّيَّة الحركة بالتقديم والتأخير .

 

وما من شكٍّ في أنَّ التركيب الوارد فاصلاً أو معترِضًا يكون غريبًا وقلِقًا في موضعه من الكـلام ، ولعلَّ هذا ما يجعله بارزًا واضـحًا ، " يثير الانتباه ، ويلفت التفكـير " ، فتظهر قـيمته البيانيَّة والمعنويَّة الَّتي عبَّر عنها ابن جـنِّي في باب الاعتراض حيث قال : " والاعتراض في شـعر العرب ومنثورها كـثيرٌ وحسَن ، ودالٌّ على فصاحة المتكلِّم وقوَّة نفْسه وامتداد نفَسـه ... " ، وقد أكَّد على كثرته وجريانه مجرى التأكيد بقوله : " اعلم أنَّ هذا القبيل من هذا العلم كثير ، قد جاء في القرآن وفصيح الشعر ومنثور الكلام ، وهو جارٍ عند العرب مجرى التأكيد " .

 

وإنَّما كـان الاعتراض جاريًا مجرى التأكـيد لأنَّه في معناه ، فهو كـالتنبيه القويِّ للسـامع إلى شيءٍ يريده المتكلِّم ، كدعاءٍ ، أو قسَـمٍ ، أو قيدٍ بشرطٍ ، أو نفيٍ ، أو وعـدٍ ، أو أمرٍ ، أو نهيٍ ، أو غير ذلك ، فشـأنه في ذلك شـأن التقديم للأهمِّيَّة .

 

 

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات
عضو نشط
زائر
25-12-2020

هل يجوز الفصل بين الحال وصاحبه بالمنادي

 

وَلَقدْ تركْتُ أبَاكَ يا ابنَ مُسَحَّبٍ                                   حَطِمَ القَوائِمِ داميَ السِّيساءِ