وسائل الأعداء في محاربة اللغة

فريق النشر - ملتقى الخطباء

2022-10-12 - 1444/03/16
التصنيفات:

 

 

سلك أعداء الإسلام وخصوم الفصحى سبلاً شتى وطرقاً مختلفة في حربهم للغة القرآن ، ومن تلك الوسائل :

1-الدعوة إلى العامية وإحياء اللهجات المحلية :

اهتم أعداء الفصحى بالدعوة إلى هجر الفصحى وإقصائها من حياتهم ، لأنها سبب تأخرهم والعائق دون تقدمهم ولحاقهم لركب الحضارة ن ودعوا في الوقت نفسه إلى إحياء العامية واستخدامها في التأليف والمخاطبة ، وألقوا في ذلك المحاضرات ، وعقدوا الندوات ن وألفوا الكتب ، وكتبوا التقارير .

وأول من دعا إلى ذلك والف فيه الدكتور / ولهم اسبيتا .. الألماني الجنسية والذي كان مديراً لدار الكتب المصرية . ففي سنة 1880م وضع كتاباً عنوانه " قواعد العربية العامية في مصر "(3)[AM1] وهذا الكتاب يعده الباحثون أول محاولة جدية لدراسة لهجة من اللهجات العربية المحلية ، ودعا سبيتا في كتابه إلى اتخاذ العامية لغة أدبية بحجة صعوبة اللغة العربية الفصحى ، وأشار بطريقة ما كرة إلى فتح العرب لمصر ، ونشر لغتهم العربية بين أهلها وقضائها على اللغة القبطية لغة البلاد الأصلية. وهو يحاول بهذا إثارة العنصرية العرقية المصرية ضد اللغة العربية .

وقد تلا مستر سبيتا في الدعوة إلى العامية { اللورد دوفرين} الوزير البيطاني الذي قام بزيارة مصر لإي أول سنوات الاحتلال وبالتحديد عام 1882م. فرفع بعد زيارته تقريراً إلى وزير الخارجية البريطاني دعا فيه إلى معارضة الفصحى ، وتشجيع لهجة مصر العامية .ويعد (( ويلكوكس )) الذي مات عام 1932مبعد أن قضى من عمره في مصر 49عاماً في عمل دائب وجهد متواصل من أجل دعوته على مهاجمة اللغة العربية والتبشير بدينه الفاسد.

ويعد (( ويلكوكس )) من أطول المبشرين نفساً وأكثرهم إلحاحاً، فقد بذل جهوداً كبيرة بين التأليف والمحاضرات من أجل دعوته ، فمثلاً في سنة 1926م نشر " ويلكوكس" رسالة بعنوان :" سوريا ومصر وشمال أفريقيا تتكلم البونية لا العربية ". وقد وجه الدعوة في هذه الرسالة إلى ضرورة اتخاذ العامية لغة للتعليم بدل العربية الفصحى . واقترح تحديد مدة زمنية مقدارها عشر سنوات ، ورأى أن هذه المدة كفيلة بتخليص المصريين من الصخرة الثقيلة التي يعانون منها باستخدام العربية الفصحى .

وقد تلا (( ويلكوكس )) القاضي الإنجليزي (( سلدن ولمور )) وبعده الإنجليزي ((باول )) عام1926م الذي اشترك مع زميله (( فيليوت )) أستاذ اللغات الشرقية بجامعة (كمبردج) في وضع كتاب باللغة الإنجليزية أسمياه ( المقتضب في عربية مصر ) وهو يتناول الدعوة إلى اتخاذ العامية بدلا من الفصحى . وقد حاولا في كتابهما أن يضعا قواعد لتسهيل تعليم اللغة العامية .. ولم ينسيا أن يذكرا بألم وحرقة ما تعانيه اللغة العربية من صعوبة.

ولم يقف الأمر عند هذه الجهود الفردية ، بل إن حكومات الاحتلال قد سعت وشجعت إنشاء جرائد باللغة الدارجة ، وقد صدر منها عام 1900م وحده سبع عشرة جريدة.(4)[AM2]

لقد تبنى عدد من العرب الذين يحملون الحقد لهذا الدين من المأجورين والمستغربين أمثال " سلامة موسى " الذي أثنى على" ويلكوكس"وأشاد بجهوده وعده أحد المخلصين لمصرثم قام بعده " أحمد لطفي السيد "(5)[AM3] الذي يعد من أوائل المصريين الذين حملوا لواء الدعوة إلى العامية بعد أن مهد لها أعداء الإسلام واللغة من المستشرقين.

وقد دعا إلى تمصير اللغة العربية ، وكتب في ذلك عدداً من المقالات نشرت عام 1913م في صحيفة "الجريدة" ، ثم جاء بعدذلك قاسم أمين ، والخوري مارون غصن ، ومحمود تيمور ، وسعيد عقل ، وأنيس فريحة ، ولويس عوض .. وغيرهم ( 6).[AM4]

ولعل من المناسب أن نشير إلى أقطاب دعاة العامية في العالم العربي لم يجرؤ أحد منهم على كتابة آرائه وأفكاره في أي من كتبه باللهجة العامية ، لأنه يعلم قبل غيره أنه بذلك يحكم عليه بالموت شنقاً ساعة الولادة .فهذا – مثلاً – سلامة موسى ظل يدعو إلى هجر اللغة العربية الفصحى والكتابة باللغة العامية ما يزيد على خمسين سنة ، ولم يجرب يوماً أن يكتب بها مقالاً واحداً ، مع أن له مئات المقالات ، فهم أول من يتنكر لها ، ولكنهم يهدفون إلى شئ آخر هو عزل المسلمين عن مصادر عزتهم ومجدهم وفصلهم عن دينهم وتراثهم.

2-- إلغـاء الحرف العربي والكتابـة بالحرف اللاتيني :

ومن الوسائل التي سلكها أعداء الفصحى الدعوة إلى إلغاء الحرف العربي والاستعاضة عنهخ بالحرف اللاتيني ، وذلك بعد أن شعر اعداء الإسلام بأن الدعوة إلى العامية لم تجد قبولاً مناسباً ، ففكروا في طريقة أخرى تحقق لهم ما يريدون ، فجاءت ه الفكرة الشيطانية.

وقد افتتح هذه الدعوة المستشرق الفرنسي" لويس ماسينون" عندما ألقى محاضرة في جمع من الشباب العربي في باريس عام 1929م، ومما جاء في محاضرته:ط إنه لا حياة للغة العربية إلا إن كتبت بحروف لاتينية"(7)[AM5]وقد تحمس لهذه الفكرة وتبناها عبد العزيز فهمي ، فدعا إلى استبدال الحروف العربية بالحروف اللاتينية ، وطرح فكرته هذه في الجلسة التي عقدها مجمع اللغة العربية في 3 مايو سنة 1943م.(8)[AM6]

ولنستمع إلى تفنيد هذه البدعة من باحث غربي هو "إدوارد بنسون"(9)[AM7] مدير مدرسة اللغات الشرقية في لندن ، حيث قال : حذار من ا يعني استعمال الحروف اللاتينية في كتابة اللغة العربية ..لأن الحروف العربية هي حروف لغة القرآن ، وإذا مسستم الحروف العربية مسستم القرآن ، بل هدمتم صرح وحدة الإسلام لأن الإسلام أساسه اللغة العربية ، فإذا ضاعت ضاع الإسلام.

ويقول الأستاذ / عبدالقادر حمزة(10) [AM8] "فأولى للذين يقولون بالحروف اللاتينية أن يكشفوا القناع عن وجوههم ، وأن يقولوا : إنهم يريدون في الحقيقة هدم اللغة العربية.

والهدف الذي يعلنونه إنما هو تسهيل اللغة العربية وتخفيفها ، ولكن الهدف الذي يرمون إليه – ولكنهم يخفونه – إنما هو تضييع اللغة وتدميرها ، لأنه لو تمت الكتابة بالحرف اللاتيني فإن اثني عشر حرفا من حروف العربية ستضيع لعدم وجود الحرف المقابل لها في الحرف اللاتيني ، وهذه الحروف هي : الثاء والجيم والحاء والدال والذال والصاد والضاد والطاء والظاء والعين والغين والقاف ، لأنه لايوجد في الحروف اللاتينية ما يقابلها بنصها، وسوف تدخل في حروف أخرى وتضيع الحروف الأصلية ، وهذا هو هدف أعداء الإسلام . ثم ماذا سيكون مصير ذلك التراث العلمي الضخم الذي انتجته العقول المسلمة على مدار التاريخ؟؟ وماذا سيكون مصير القرآن والسنة؟؟ إن الهدف هو هدم العرب وتدمير الإسلام.

3-المناداة باللغة الوسطى:

بعد أن جرب الأعداء الدعوة إلى العامية وإحياء اللهجات وهجر الفصحى ُم الدعوة إلى الكتابة بالحرف اللاتيني، ورأوا أن تأثيرهما محدود فكروا في وسيلة ثالثة وهي اتخاذ لغة وسطى، وهي لغة الصحافة دون الفصحى وفوق العامية ، وهي محاولة ماكرة هدفها فصل اللغة العربية الفصحى عن لغة الكتابة والتحدث لتكون تمهيدا لاستخدام العامية ، فأرادوا التدرج في ذلك. وقد حمل لواء هذه الدعوة منهم : فريد أبوحديد ، وأميتن الخولي ، وتوفيق الحكيم.

4- قضية تطوير اللغــة:

بعد أن سلك الأعداء شتى السبل لهدم الفصحى وجدوا أن النتائج التي توصلوا لها لم تكن مرضية ومشجعة ، ففكروا في وسائل أخرى أكثرتأثيراً فخرج من ينادي بتطوير اللغة وإصلاحها وتهذيبها وتيسيرها، وكلها أسماء ومصطلحات براقة وجذابة ، والهدف المعلن جميل ونبيل ، وهذه الدعوة أو هذه الوسيلة من أخطر الوسائل كما يقول د/ محمد محمد حسين في كتاب حصوننا مهددة من داخلها ص:213 :"....وليس الخطر الكبير في الدعوة إلى العامية ولا هو في الدعوة إلى الحروف اللاتينيةأو الدعوة إلى إبطال النحو وقواعد الإعراب أو إسقاط بعضها فالداعون بهذه الدعوات من ضغار الهدامين ومغفليهم الذين ليس لهم خطر العتاة ممن يعرفون كيف يخدعون الصيد بإخفاء الشراك، وكيف يستدرجون الناس بتزوير الكلام إن الخطر الحقيقي في الدعوات التي يتولاها خبثاء الهدامين ممن يخفون أغراضهم الخطيرة ، ويضعونها في أحب الصور إلى الناس، ولا يطمعون في كسب عاجل ولا يطلبون انقلاباً سريعاً.

الخطر الحقيقي هو في قبول مبدأ التطوير نفسه لأن التسليم به والأخذ فيه لا ينتهي عند حد معين ، ولأن التزحزح عن الحق قيد أنملة مرة واحدة يهون عليه أمثالها مرة ثم مرات ، حتى يسقط إلى الحضيض. ومن اعتراه شك في حقيقة ما يراد بقرآننا وبلغته وبإسلامنا وكل تراثه فليقرأ قول طه حسين في كتابه : " مستقبل الثقافة في مصر":

" وفي الأرض أمم متدنية كما يقولون ، وليست أقل منا إيثاراً لدينها ، ولا احتفاظاً به ، ولا حرصاً عليه . ولكنها تقبل في غير مشقة ولا جهد أن تكون لها لغتها الطبيعية المألوفة التي تفكر بها وتصطنعها لتأدية أغراضها . ولها في الوقت نفسه لغتها الدينية الخالصة التي تقرأ بها كتبها المقدسة وتؤدي فيها صلواتها..."

وقد تولى كبر هذه الدعوة وتصدى لها الدكتور/ طه حسين . والهدف المنشور من وراء مبدأ التطوير إنما هو التحلل من قواعد النحو واللغة والتخلص من قوانينها وأصولها الثابتة... وهذا يعني أن تراثنا العلمي الضخم في كل الفنون والعلوم سيُحكَمُ عليه بالفناء وسيكون مجرد أطلال نقف عليها للبكاء.

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات