بسبب دسائس ودعوات متطرفة ضد وجودها اللغة العربية تعاني الإهمال والجحود في المغرب

فريق النشر - ملتقى الخطباء

2022-10-05 - 1444/03/09
التصنيفات:

 

 

حسن الأشرف

 

 

تعاني لغة القرآن الكريم، اللغة العربية من الجحود والتضييق عليها في العديد من البلدان الإسلامية لاعتبارات أيديولوجية وسياسية ولغوية وثقافية.. جعلت من هذه اللغة الحيوية والحية لغة "مضطهدة" عند الكثيرين حتى من بعض أهل الثقافة والأدب والعلم، لكنها بفضل الله ما تزال قائمة ويتحدث بها الملايين من الناس عبر العالم، وهناك العديد من الأوروبيين والأمريكيين من تركوا لكنتهم الفرنسية ولغتهم الإنجليزية وغيروهما ليتعلموا اللغة العربية.. أما عندنا نحن في بلادنا الإسلامية، فما تزال هذه اللغة الجميلة تئن من فرط إهمالها عن قصد وعن غير قصد أيضا، وزاد الاهتمام الرسمي باللهجات المحلية في بعض البلاد الإسلامية مثل المغرب على حساب العربية الطين بلة؛ بغية تقويض الوظائف الأساسية للغة العربية، اتساقا مع بعض الطروحات المقتبسة من الطرح الاستعماري البغيض.

 

 

لغة الحياة والإسلام

 

 

ولعل من يحارب اللغة العربية ويعمل على التضييق عليها أو إهمالها بشتى الوسائل إنما يحارب الحضارة الإسلامية أو يعمل على استئصال أمة بأكملها عاشت باللغة العربية، وفتحت أجيالها المتوالية عيونها على هذه اللغة الرشيقة والمرنة داخل عالم لغوي متعدد ومتجدد يتجاوز عدد اللغات فيه 6 آلاف لغة، ومن ثَم يبدو أنه من المُلِح الدفاع عن اللغة العربية وإحاطتها بشتى أنواع الرعاية والدعم والتشجيع؛ حتى تظل صامدة في زمن طغت فيه العولمة الكاسحة، ولا يبقى فيها إلا من كان قويا يمتلك بذور استمراريته وتفوقه..

 

واللغة العربية بسبب ما تتعرض له من تضييق وإهمال على يد الآخرين وعلى يد أبنائها أحيانا قد لا تقوى على الصمود في عالم يمتلك هذه الملامح الشرسة.. لكن الآمال معقودة على أبناء الأمة الإسلامية وشبابها الطموح والغيور على لغته العربية الأصيلة من أجل إزالة غبار الإهمال من على لغته العربية ومحاولة استعادة أمجادها ودفعها لتكون اللغة الرئيسة في خطاباته ودراساته وفكره وعقيدته ولسانه.

 

ويكاد يتفق العلماء والمختصون على أن اللغة العربية " لغة الحياة؛ فهي تختزل حياة الأمة العربية وتاريخها في تقدمها وازدهارها، وتحمل ذاتيتها وخصوصيتها، وبالتالي يستحيل إلغاؤها، إلا إذا ألغى المسلمون ذاتيتهم وحضارتهم وتاريخهم"، وفوق كل هذا وذاك، هي اللغة التي ترتبط ارتباطا وثيقا بالإسلام، فهي لغة دستور المسلمين: القرآن الكريم، الذي جعل منها لغة خالدة؛ لأن القرآن خالد في الزمان إلى حين البعث، فضلا عن أن تعلم وممارسة الشعائر الإسلامية من صلاة وأذكار وقراءة لكتاب الله تعالى وغير ذلك لا تكون أكمل إلا إذا تمت تأديتها باللغة العربية.

 

 

مظاهر تدهور العربية

 

 

ولا تخطئ العين ملاحظة مدى تدهور اللغة العربية في بلداننا الإسلامية ومن ضمنها المغرب "أنموذجا"؛ حيث تعرف هذه اللغة الرشيقة تدهورا كبيرا على صعيد العديد من المستويات والمجالات: سياسية وتعليمية وتربوية وإعلامية وإدارية، جعلت من هذه اللغة تئن وتستغيث بمن ينقذها من واقعها المزري الحالي.

 

ويحدد الدكتور عبد الفتاح الفاتحي، مستشار الجمعية المغربية لحماية اللغة العربية (هيئة مدنية غير حكومية تدافع عن اللغة العربية)، في حديث مطول خص به مجلة الفرقان، مجالات ومظاهر تدهور العربية بالمغرب خاصة ونموذجا فيما يلي:

 

> في المجال السياسي: يعد الفاتحي أن مكانة اللغة العربية تدهورت؛ لعدم مواكبة المؤسسات التشريعية بالمغرب استصدار القوانين والتشريعات الملزمة والكفيلة بحماية هذه اللغة من المخاطر التي تتهددها، فضلاً عن تزايد النزعات غير المحسوبة لعدد من السياسيين المغاربة لإلقاء كلماتهم باللغات الأجنبية داخليا وفي المنتديات الدولية، حالهم في ذلك كحال باقي القادة العرب، حتى إن منظمة الأمم المتحدة فكرت في حذف ميزانية الترجمة "من وإلى" اللغة العربية، كما يسجل لديهم رطانة في الأداء اللغوي وتردد لساني في قراءة الخطب؛ فلم تعد الخطابات السياسية نموذجا للسلامة اللغوية والفصاحة التعبيرية".

 

> في المجال التعليمي: يرى الدكتور الفاتحي أن تدهور اللغة العربية يبرز واضحا في ضعف الأداء اللغوي لخريجي المؤسسات التعليمية والجامعات المغربية، وحتى في صفوف طلبة تخصص اللغة العربية والدراسات الإسلامية.

 

 

في الإعلام والإدارة

 

 

> أما في المجال الإعلامي فيتجلى تدهور العربية واضحا، وفق الفاتحي، في مستوى أداء المذيعين والمذيعات؛ ذلك أن غالبيتهم لم يعودوا يمتلكون لغة عربية سليمة نطقا ونحوا، كما يُسجل تراجع حصة اللغة العربية في الإعلام العمومي والخاص لصالح اللهجة العامية؛ ويغزو الحرف اللاتيني الشوارع وشرفات المؤسسات العامة، في غياب للحرف العربي حتى إن المتجول في شوارع الرباط والدار البيضاء "يحسب أنه في أحد الشوارع الأوروبية وليس في بلد عربي"، على حد تعبير د. الفاتحي.

 

وتكاد تكون لغة التخاطب بين شباب اليوم هي اللغة الفرنسية، ولاسيما أوساط الفتيات والنساء سواء في الجامعات والثانويات أم في البنوك والشركات وباقي مقرات العمل، ممزوجة بشيء من اللهجة المحلية، في مظهر صارخ من مظاهر الاغترار باللغات الأجنبية والتحمس لها مقابل التنكر للغة العربية، حتى صار من الممكن نعت كل من يتحدث باللغة العربية أو الفصحى بكونه "رجعي" وينتمي إلى قرون خلت، ولا يمت إلى واقع هذا العصر "الحداثي" بصلة، وهذا مما يؤسف له كثيرا لدى الشباب في بلداننا الإسلامية.

 

 

دسائس ضد العربية

 

 

وتزداد الخطورة على اللغة العربية بالمغرب حين تتأكد مشاريع ودعوات تنسج خيوط لعبة غير شريفة ضد استمرارية هذه اللغة وتطورها من خلال الاهتمام المتزايد بالفرنسية في وسائل الإعلام وفي الخطابات الرسمية وأيضا الاهتمام باللهجات "الدارجة" المحلية في البلاد على حساب تأهيل اللغة العربية.

 

ويسجل الدكتور الفاتحي في حديثه لـ «الفرقان» بروز دعوات متطرفة تحوك الدسائس زورا ضد اللغة العربية: يتوهم الطابور الخلفي للاستعمار من "الفرانكفونيين" المحليين الجدد رؤية تختزل اللغة في بعدها التواصلي اليومي فقط، وهم بذلك يدعون إلى تعويض العربية بالبديل اللهجي، وبالتالي تقويض الوظائف الأساسية للعربية، وهذه الطروحات مقتبسة من الطرح الاستعماري الفرنسي، كما جاء به

 

ويؤكد الفاتحي أن هذه الادعاءات تعززت باستمرار ضغوط استعمارية خارجية، إلى درجة وصف فيها "وزير فرنسي" تطبيق قانون تعميم استعمال اللغة العربية، بأنه عدوان على الناطقين بالفرنسية، مردفا أن "هذا الضغط تقوى بتواطؤ مع مسامير "الفرانكفونية" الذين يدعون المواطنة بين ظهرانينا، فزكيت الشرعية القانونية للغة الفرنسية بالإدارة والتعليم والإعلام، حفاظا على مصالحهم".

 

 

العض بالنواجذ على "العربية"

 

 

وتساءل المتحدث: كيف يتأتى للصهاينة أن يحيوا العبرية من توابيت التاريخ السحيق، لتمسي في وقت وجيز لغة الإعلام والسياسة والتعليم في كل مراحله، وهي اللغة التي تدين في صرفها وتركيبها ونحوها دينونة كاملة للغة العربية، ولم تقدم للحضارة الإنسانية شيئاً من الحضارة كما فعلت العربية؟!

 

وزاد الفاتحي قائلا لـ «الفرقان»:"شكلت العربية على الدوام لغة مشتركة لكل المغاربة في وطن تتعدد لغاته، بحسب الأغراض التواصلية والوظائف الاجتماعية اللسانية المختلفة، هي: العربية الفصحى لغة رسمية للدولة، والدارجة المغربية بتقسيماتها اللهجية المختلفة، والأمازيغية بتشكيلاتها الثلاثة «الريفية، الأمازيغية، الشلحة».

 

وقال الفاتحي إن منطق الرؤية الشمولية للغة العربية يجب أن يتماشى ونتائج علماء اللغة، فـ"فرغسون" يرى أن لغات المجتمع تتكامل بحسب الانتماء "الجيني" والتوزيع التكاملي لوظائفهما، معتبرا أنه من الطبيعي وجود لغة عالية المستوى للتعبير عن الثقافي والروحي.. وعن مظاهر فكرية وعلمية ووظيفية كـ «اللغة العربية»، ولغة ذات مستوى وضيع تستخدم في الاستعمال اليومي، مثل «حالة اللهجات المحلية»، وبذلك تكون الأولى لغة نخبة المجتمع ولها حظوة معينة، فيما تكون الثانية لغة العامة؛ وعليه فإنه من السذاجة الدعوة إلى "تلهيـج" كل شيء".

 

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات