الدعوة إلى العامية

فريق النشر - ملتقى الخطباء

2022-10-10 - 1444/03/14
التصنيفات:

 

* تاريخ الدعوة إلى العامية :

هناك مذهب يقول إن جذور الدعوة إلى العامية تمتد إلى عهود الدول المتتابعة وذهب أصحاب هنا المذهب يقدمون الشواهد والأمثلة من الأدب الشعبي .

وقد يبدو صحة هذا الرأي من أول وهلة ، لكن إذا أنعمنا النظر في الظروف والملابسات التي أحاطت بمواقع الحياة العربية تبين لنا بطلان هذا الرأي .

وحقيقة الأمر ، أن لم يكن هناك دعوة إلى العامية ولا دعاة مسخرون ولم يحدث أن ظهرت بوادر تخطيط للقضاء على الفصحى التي بقيت في ذلك العهد متمتعة بقدسيتها ومنزلتها في نفوس العرب والمسلمين قاطبة .

وهنا نؤكد أن تفاقم الأساليب العامية عبر العصور المتتابعة منذ فساد السليقة لم يكن بدافع إعلان الحرب على الفصحى ، بدليل أن أساليب الفصحى بقيت – خلال هذه العهود قوية في أقلام وألسنة الخطباء وخواطر الشعراء . (1)

وكانت الدعوة إلى العامية مرتبطة بالاستشراق ، إذ أصبحت من أهداف المستشرقين الذين يريدون ضرورة معارضة اللغة الفصحى لغة القرآن ، وتقدم جماعة من الغربيين ما بين مهندسين وقضاة للتأليف بالعامية وجمع التراث المزيف حتى تنتقل الدعوة من الكلام عن اللهجة إلى ما يطلق عليه لغة عامية في هذه المناطق قبل الإسلام .(2)

* أسباب الدعوة إلى العامية :

تبرز أسباب في الدعوة إلى العامية ، وتلك الأسباب مرتبطة بالاستشراق وأهدافه الخبيثة التي من خلالها يريد هدم الأمة الإسلامية .

وكانت الدعوة إلى العامية سبيلاً لتحقيق الهدف الكبير وهو إقصاء القرآن أساساً ، ولا يتم إقصاء القرآن حتى تتوارى اللغة العربية وذلك لا يتم إلا عن طريق وسائل التعليم .

وهذه- أعني الدعوة إلى العامية – محاولة لإيقاف نمو اللغة العربية عن التوسع والحيلولة دون حركتها مع انتشار الإسلام خاصة في قلب أفريقيا وجنوب شرق آسيا ، وفي المناطق الجديدة التي دخل الإسلام إليها .

ولا يشك عاقل في مدى التلازم الوثيق والارتباط المحكم بين اللغة والدين والأمة . وهذا ما أدركه العلماء في القديم والحديث ، حيث ربطوا ربطاً محكماً بين اللغة العربية والإسلام .

ولقد أدرك أعداء الإسلام والعربية أهمية اللغة وخطرها على مطامع الاستعمار ، وخطرها في وحدة الأمة وتماسكها وارتباط حاضرها بماضيها .

ولذا كانت الدعوة إلى العامية لتفتيت وحدة الأمة وتجرئنها وجعلنا دويلات متناحرة لأجل أن تستمر التبعية لهم ، فشرعوا جاهدين إلى هذا المقصد .

وغاية تلك الدعوات هو تفريق المسلمين عامة والعرب خاصة ، وذلك بتفريقهم في الدين واللغة والثقافة وقطع الطريق على توسع اللغة العربية المحتمل بين مسلمي العالم .

وقطع ما بين المسلمين وبين قديمهم والحكم على كتابهم بالموت ، لأن هذا القديم المشترك هو الذي يربطهم ويضم بعضهم إلى بعض . (1)

* ما تعللوا به للدعوة إلى العامية :

من الأسباب التي تعللوا بها لدعوتهم إلى العامية ، أن اللغة الفصحى لغة صعبة وأنها تقصر الأمة العربية عن التطور والتقدم الحضاري .

كذلك هجوم المستشرقين على الحرف العربي زاعمين أنه حرف معقد وهو عامل في حجب الفكر والأدب الحقيقي عن التطور .

وما تعللوا به هو أن اللغة الفصحى هي التي عاقت المصريين عن الاختراع ، وأن اللغة العربية ماتت بسبب جمودها وصعوبتها ومن الذين دعوا إلى العامية ذهبوا إلى أن اللغة العربية الفصيحة فقيرة في المعاني الجديدة والمصطلحات العلمية وغناها بالمعاني والمسميات القديمة .(2)

إذاً ، ومن خلال ما سبق تبين لنا أن جملة ما تعللوا به هو عجز اللغة الفصيحة وقصورها عن الوفاء بمتطلبات العصر ، وهم في ذلك يقدمون دعوى لا برهان لها ولا سلطان .

 

* المنادون بهذه الدعوة :

ينقسم الداعون إلى العامية والمروجون لأهدافها إلى قسمين :

القسم الأول : قسم لا ينتمي أصلاً إلى العربية وليس بنيه وبين العرب أي صلة حب ووداد.

القسم الآخر : قسم ينتمي إلى العرب ، ولكنه انتماء بالاسم فقط ، فهو في جوهر أفكاره ومعتقداته ونفسيته وعواطفه غربي محض .

ومما يزيد الحال غرابة أن معظم الداعين إلى هذه الدعوة من غير المتخصصين في الدارسات اللغوية.

وسأسرد الآن بعضاً من الذين ادعوا هذه الدعوة وأخذوا أفكارها .

  • فلعلم سينا : له كتاب ( قواعد اللغة العامية في مصر ) وبدأ دعوته في الفترة بين 1818 – 1883م .
  • يعقوب صروف 3) يعقوب صنوع       4) رفاعة الطهطاوي   5) وليام ويلككس

6) كارل فولرس      7) سلدن ولمور         8) اللورد دفرين البريطاني

9) أحمد لطفي السيد   10) سلامة موسى 11) أنيس فريحة

12) لويس عوض     13) أنطوان مطر      14) سعيد عقل .

* علاقة الدعوة إلى العامية بالاستشراق :

كانت تلك الحفريات التي قام بها ويلكوكس ، ويلمور وسبيتا وغيرهم مقدمات لمخطط الاستشراق بالنسبة للغة العربية الذي لم يلبث أن ظهر واضحاً على أبدي جماعة المستشرقين في العالم والذي تكشف صريحاً في الدعوات التي دعا إليها لويس وكولان وبروكلمان .

وهناك غاية خفية هي الباعث على خدمات المستشرفين للغة العربية ، لأن اهتمام المستشرفين باللغة العربية كان يراد به التمهيد للحملات الاستعمارية .

فعلاقة الدعوة إلى العامية بالاستشراق علاقة وطيدة أتت كسلسلة متوالية من مخططات الاستشراق للغة العربية ، وإذا كان الاستشراق عدو اللغة العربية أساساً لما يرتبط من هدف باستبقاء النفوذ الاستعماري فإنه المستشرقين من ناحية أخرى يعجزون عن فهم البيان العربي وهم يخطئون في فهم البلاغة العربية .

فكانت علاقة الاستشراق بالعربية علاقة عداء ، لأنها لغة دين ولأنها معارضة لنفوذ الاستعمار ، فلذلك كانت هذه الحرب أقصد الدعوة إلى العامية .

* أضرار الدعوة إلى العامية أو خطر تقعيد العامية :

عندما تُقَّعد العامية ويقوم المختصون بنشرها وتدريسها فهناك مخاطر سوف تحصل ، فمن ذلك أنه سوف تبدأ عملية التحويل في جهاز اللغة ، وتفريغ طاقة اللسان من الألفاظ والأساليب الفصيحة وملئها بالأساليب التي لا تلبث أن تفقد الإنسان العربي كثيراً من خصائص عروبته وروابطه الفكرية والنفسية والاجتماعية والتاريخية بماضية وحياة أسلافه ، فتقعيد العامية خطب جسيم وشر مستطير ، لا يتأتى منه خير للفصحى .

* الفرق بين العامية عند محمود تيمور والعامية في عصرنا الحاضر :

يقول محمود تيمور إن العامية أقدم من الفصحى كانت لهجات القبائل والعشائر والفصحى هي القالب المختار لمختلف اللهجات ، اللهجات بقيت تتنقل على ألسنة الناس أشكال اللهجات كل شكل منها يدعى لغة عامية . (1)

إذاً ، ومن خلال ما تبين يرى محمود تيمور أن عامية القدماء هي اللهجات وليست العامية التي بمعناها الحاضر ، فالعامية عند محمود تيمور هي لهجات القبائل .

وذكر لنا أحمد عبد الغفور عطار الفرق بين عاميتنا والعامية القديمة في رسالة له إذ يقول : " أما العامية في العصور الأولى فلم تكن تعدو حالات شاذة محدودة منها الخروج على القواعد العربية السليمة التي لا تأويل فيها ولا التواء ... وعدم المبالاة بمخارج بعض الحروف .

ثم ذكر لنا كنه عاميتنا فيقول : " أما العامية الآن فهي شر مستطير ومن هذا الشر : ترك الإعراب وتسكين أو آخر الكلمات " .

 

وبهذا الكلام اتضح المقصود ، وعلى الله التكلان والتوفيق

 

(1)  ينظر : الفصحى في مواجهة التحدياث ، نذير مكتبي صـ 93 – 110 ،

(2)  ينظر : الفصحى لغة القرآن . أنور الجندي ، صـ 126 – 127 .

(1)  ينظر : فقه اللغة ، محمد الحمد ، صـ 445 – 449 .

(2) ينظر: الفصحى في مواجهة التحديات0ص 111-133

(1)  مشكلات اللغة العربية ، صـ 158 .

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات