الحرب على الهوية واللغة العربية وخطر التغريب في بلاد المغرب

فريق النشر - ملتقى الخطباء

2022-10-05 - 1444/03/09
التصنيفات:

 

ثروت البطاوي

 

تناضل الشعوب العربية والإسلامية في بلاد المغرب، ضد دعاوى التغريب، وتواجه حربا ضروسا، تستهدف الهوية الإسلامية واللغة العربية، بعد ان استطاع الاستعمار الفرنسي، الذي ابتليت به بلاد المغرب عشرات السنين، أن يهيمن بلغته وثقافته، على بعض النخب والطبقات النفاذة في المجتمع المغربي، فلم يكن ذلك الاستعمار مستهدفا نهب وسرقة موارد وثروات تلك البلاد فحسب، وإنما كان استعمارا ثقافيا بامتياز، مستهدفا لهوية وثقافة تلك الشعوب الأصيلة، ولم يترك هذا الاستعمار الفرنسي البغيض، بلاد المغرب العربي، إلا بعد أن جند الكثيرين من أبناء تلك البلاد، لخدمة مشروعه الثقافي، ولمحاولة محو الهوية الإسلامية والعربية، وفرض اللغة والثقافة الفرنسية على المجتمعات المغربية، لكن الإسلام واللغة العربية وقفا ضد هذا المشروع الاستعماري، الذي تبنته القوى العلمانية، التي ضمت أحزابا وسياسيين ومثقفين وأدباء، نشروا دعاوى التغريب، وأعلنوا الحرب على الإسلام واللغة العربية، وحاولا أن يقضوا على هوية بلاد المغرب، وجعلها مجرد حديقة خلفية لفرنسا، لكن الشعوب المتمسكة بدينها ولغتها الأصيلة، وقفت تناضل ضد المشروع العلماني التغريبي، وتصدت له، ومازالت حتى لحظة كتابة تلك السطور، في مواجهة مفتوحة مع نخبة علمانية استعمارية، تملك الثروة والسطوة والأبواق الإعلامية، ولا تكل أو تمل عن نشر دعاوى التغريب، والحرب على الهوية العربية الإسلامية.

 

وفي السطور التالية، نستعرض نموذجين صارخين لدعاوى التغريب والحرب على اللغة العربية، في المغرب وموريتانيا، فبينما تصدت الحكومة الإسلامية في المغرب، للدعوة الخبيثة، باستعمال اللهجة  العامية  في التعليم،  خرجت دعاوى من بعض القوى السياسية، تطالب بمراجعة أحكام الميراث، وتنادي بضرورة المساواة بين المرأة والرجل، فيما كانت موريتانيا تحتفل باليوم العالمي للغة العربية، واصلت اللغة الفرنسية السيطرة على مؤسسات الدولة، وتصاعد الصراع  بين دعاة التعريب، والنخبة الفرنكفوانية الرافضة لذلك.

 

العامية في المغرب

 

أثارت دعوة رجل الأعمال والناشط الجمعوي، نور الدين عيوش، لاستعمال تلك اللهجة العامية بدل اللغة العربية، في مناهج التعليم بالمغرب، لإصلاح هذا القطاع، جدلا كبيرا.

 

وجاءت دعوة عيوش،  ضمن توصيات رسمية صدرت في أعقاب ندوة دولية، تتبنى فكرة اعتماد اللهجة العامية، لغة تدريس في المغرب، وإخراج التعليم الأولي، مما وصفه بالطابع الديني المتمثل في الكتاتيب القرآنية.

 

في المقابل، فإن رئيس الحكومة المغربية، عبد الإله بن كيران، هاجم الدعوات التي ظهرت مؤخرا لتبني اللهجة العامية في مجال التدريس بالمغرب، معتبرا أن ذلك يمس بوحدة البلاد.

 

وشدد بن كيران، في كلمته أمام الجلسة الافتتاحية، للمؤتمر الوطني الأول للغة العربية، على أن "اللغة العربية شكلت على الدوام، إحدى مكونات الوحدة بين المغاربة، إلى جانب الدين الإسلامي، والملكية الدستورية، والمذهب المالكي".

 

وتساءل بن كيران، عن الأسباب الحقيقية وراء الهجوم، الذي تتعرض له اللغة العربية، مذكرا في الوقت نفسه، بأن المغاربة من أصول أمازيغية، هم الذين حافظوا - حسب تعبيره - على هذه اللغة في المغرب.

 

كما حذر المدير العام للمنظمة الإسلامية للتربية والثقافة والعلوم (إيسيسكو)، عبد العزيز التويجري، من أن الخطر حول الاستقرار اللغوي بالمغرب: "أصبح قادما من الداخل وليس من الخارج"، وأكد  أن الإرادة السياسية مهمة لإدراك أهمية ودور المسألة اللغوية، في حماية الجبهة الداخلية للبلاد، معتبرا أن الاهتمام باللغة العربية، "لا يعني وجود تعصب قومي أو انغلاق حضاري".

 

مراجعة المواريث

 

الهجوم في المغرب لا يستهدف اللغة العربية فحسب، فهو هجوم علماني، يستهدف إعلان الحرب على الإسلام في الأساس، وها هو إدريس لشكر، الكاتب الأول لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية المعارض، يدعو لإعادة وضع تقاسم الإرث بين الرجال والنساء، في خانة مطالب المساواة على أساس حقوق الإنسان، مطالبا بمراجعة أحكام الإرث بين المرأة والرجل، وتجريم تعدد الزوجات في المغرب.

 

في المقابل، فإن نائب رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، أحمد الريسوني، رأى أن دعوة لشكر "من الناحية السياسية، لا تعدو أن تكون ملأ للفراغ، وتعويضاً عن الإفلاس الأيديولوجي والفكري، لهذا الفصيل اليساري سابقاً".

 

وقال إنها "موجهة للاستهلاك الذاتي وللاستقطاب العائلي، داخل الصف الحداثي، الذي فقد الثقة في السيد لشكر وحزبه".

 

كما  قال رئيس حركة التوحيد والإصلاح، محمد الحمداوي، إن دعوة لشكر "بائسة ويائسة بالنسبة للشعب المغربي، الذي حسم ثوابته واختياراته الكبرى".

 

أزمة العربية في موريتانيا

 

رغم مرور أكثر من عشرين سنة، على اعتماد العربية لغة رسمية لموريتانيا، بنص الدستور، ما تزال الفرنسية حاضرة بقوة، في الوثائق والعمل الإداري اليومي، ومسيطرة إلى حد كبير، على المناهج التربوية.

 

وباستثناء وزارتين أو ثلاث، ما تزال المراسلات والتعليمات المكتوبة والتقارير الإدارية كلها بالفرنسية، وإن صحبت أحيانا بترجمات تقريبية، حين يتعلق الأمر بالتقارير المرفوعة إلى مجلس الوزراء أو إلى البرلمان.

 

وعلى مستوى البرلمان (الجهة المسئولة عن التشريع)، يتدخل بعض النواب والوزراء في جلسات علنية باللغة الفرنسية، كما تتم ترجمة مداخلات النواب بالعربية، إلى الفرنسية بشكل فوري وإجباري.

 

وفي المجال التربوي، تبدو الفرنسية سيدة الموقف، من حيث التوقيت وعدد وطبيعة المواد التي تدرس بها، فعدد ساعات تدريس اللغتين متساوية، والتدريس بالعربية، يقتصر على مواد العلوم الإنسانية، بينما تدرس المواد العلمية بالفرنسية.

 

ووفق الخبراء التربويين بالمفتشية العامة للتعليم، فإن الإصلاح التربوي، الذي صدر سنة 1999،  أعطى سيطرة مطلقة للغة الفرنسية في المناهج التربوية.

 

وبلغة الأرقام، يؤكد مفتشو التعليم، المسئولون عن المناهج، أن عدد الساعات التي يتعلمها التلميذ بالفرنسية في مختلف مراحل التعليم، تفوق تلك التي يتعلمها بالعربية، ففي السنة النهائية من التعليم الأساسي، يدرس التلميذ 16 ساعة في الأسبوع بالفرنسية، مقابل 14 ساعة باللغة العربية.

 

وفي السنة الأخيرة من المرحلة المتوسطة، يدرس التلميذ 14 ساعة في الأسبوع باللغة الفرنسية مقابل 13 ساعة بالعربية.

 

أما في السنة النهائية من المرحلة الثانوية، فيبلغ عدد الساعات المدرسة بالفرنسية، في الشعبة العلمية، 23 ساعة أسبوعيا، مقابل 16 ساعة بالعربية، في نفس السنة من الشعبة الأدبية، وهي الشعبة الوحيدة التي تحضر فيها العربية بشكل بارز.

 

ويرى كثيرون نوعا من الغرابة والمفارقة، في نص الدستور بين رسمية اللغة العربية، وسيطرة الفرنسية على واقع الحياة العملية والتربوية.

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات