الإسلام واللغة العربية في مواجهة التحديات الاستعمارية بغرب إفريقيا

فريق النشر - ملتقى الخطباء

2022-10-10 - 1444/03/14
التصنيفات:

 

الهادي المبروك الدالي

 

الحمد لله الذي جعل التاريخ يفيض موعظةً وعلماً  و بياناً وتوضيحاً ويُذهب هماً , أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له المُلك وله الحمد وهو على كل شيء قدير ، وأشهد أن سيدنا وحبيبنا ومولانا وقرة أعيننا محمد بن عبد الله الرسول الأمين عليه أفضل الصلاة والسلام.

 

وبعد

 

فلقد شد اهتمامي منذ سنوات عندما كنت أُحضر درجة الماجستير ، حول العلاقات العربية الإفريقية ، قضية الإسلام ، واللغة العربية ، وحركات التبشير في غرب إفريقيا التي تشهدها المنطقة . إن الظروف قد مكنتني من زيارة بعض مناطق غرب إفريقيا , منها : تنبكت، وجاو ، وأروان ، وجني ، وأقدز وغيرها من المناطق التي تتنافس عليها حركات التبشير ، ورأيت الحركات التبشيرية تجوب هذه المناطق طولاً وعرضاً ، تحت اسم الإغاثة من الجفاف ولكن في الحقيقة كان هدفها الأول محاربة الإسلام واللغة العربية ومحاولة تقليصهما بتمسيح  المنطقة ومسخ الشخصية الإفريقية المسلمة، وهدم المساجد ،وبناء الكنائس ، والشيء الذي أثر في نفسي كثيراً أن من يدخل المسيحية من أبناء أفريقيا توضع له إشارة صليب على جبهته وكتفه الأيمن .

 

إن موقف الكنيسة الكاثوليكية من انتشار اللغة العربية والدين الإسلامي في غرب إفريقيا موقف عدائي، منذ القدم ، وهذا التقرير الذي نورده مثال على العداء المستمر للغة العربية والإسلامية ، الذي بعث به السيد باريبي المسئول عن البعثات التبشيرية في السنغال بتاريخ 29/5/1856 م إلى السيد مايسترو مدير المستعمرات الفرنسية .

 

يؤكد السيد باريبي في هذا التقرير على استعمال وسائل جدية للقضاء على المساجد والمحاكم الإسلامية وعرقلة فكرة تثقيف البيئة الأفريقية ثقافة عربية إسلامية , بل الوقوف ضد هذه الفكرة والقضاء عليها نهائياً . كما يقترح على وزير المستعمرات الفرنسية طرد معلمي الكتاتيب القرآنية من السنغال  وتقليص الأحياء التي تدرس فيها اللغة العربية في كل من السنغال عامة ومدينة سان لويس خاصة .

 

ويعتبر السيد باريبي معلمي الكتاتيب مصدراً من المصادر المشاغبة التي تحدث بلبلة في مدينة سان لويس وتشكل عائقاً كبيراً أمام انتشار الحضارة الغربية في السنغال.

 

ويمثل هذا التقرير جزءاً من مئات التقارير التي تحارب بها القوى الاستعمارية انتشار اللغة العربية والإسلام في غرب إفريقيا . فيا له من قدر صار فيه الحفاة العراة يتطاولون على بناة الحضارة العربية الإسلامية الخالدة .

 

وقد صدق الشاعر بقوله :

 

يستخشن الخز حين يلبسه     ....      وكان يبرى بظفره القلم

 

كل هذا كان له بالغ الأثر في نفسي وصار شغلي الشاغل ، فعند زيارتي للجزائر في نهاية عام 1992 التقيت بإخوتي أساتذة قسم التاريخ بجامعة الجزائر وتجاذبنا أطراف الحديث ، وكان جانب من هذا الحديث حول ما يتعرض له الإسلام من حركات التبشير في غرب إفريقيا ، والتي يزيد عددها على أكثر من عشرين حركة تبشيرية هدفها تضييق الخناق على اللغة العربية والإسلام  ومحاولة إزالته من المنطقة لأنها تمثل ثقلاً استراتيجياً تتحرك من خلاله القوى الإستعمارية إلى باقي المناطق في افريقيا . وقد اقترحت على أخي الدكتور عمار هلال فكرة مشروع كتاب مشترك يؤكد دور اللغة العربية والإسلام في غرب إفريقيا ويعري أباطيل المستعمرين وزيفهم بحقائق دامغة من كتاب عرب ، فوجدت فيه من الحماس مثل الذي يخالجني ، على أن يكون مشروع الكتاب:

 

(الإسلام واللغة العربية في مواجهة التحديات الاستعمارية في غرب إفريقيا من 1850-1914م) .

 

والمتتبع للموضوع يدرك بسهولة أن قضية الثقافة العربية في إفريقيا ماضياً وحاضراً ومستقبلاً  لا تطرح جزافاً ، ولا بمعزل عن قضايا الساعة  والتطورات السياسية التي شهدتها القارة الإفريقية ، و بالأخص منها الهجمة البربرية الشرسة التي يتعرض لها العالم العربي  ومحاولة تفتيته وتشتيته من قبل الإمبريالية الأوروبية لا لسبب إلا للحفاظ على مصالحها المادية والامتيازات التي منحتها لنفسها في غياب الطرف العربي الذي هو أحق وأولى بها منها. ولا يضيع حق وراءه مطالب ... وكتابنا هذا لا يندرج في سياق آخر غير هذا السياق.

 

هذا من جهة ومن جهة أخرى فإن طلابنا في الجامعات العربية وخاصة منهم الذين يدرسون في مرحلة التدرج ليسانس التاريخ لا يجدون مراجع خاصة بإفريقيا سوى تلك التي نشرت من قبل  ، ومحتواها العلمي لا يتطابق وبرامجنا الجامعية.

 

والموضوع في حد ذاته يحاول أن يتطرق إلى توطيد ركائز الإسلام ولغته العربية في غرب أفريقيا ، منذ زمن بعيد ، مبيناً علاقة الأفارقة بالدين الإسلامي واللغة العربية ، ومما تجدر الإشارة إليه أن الأفارقة المسلمين لا يفرقون بين الدين الإسلامي والثقافة العربية الإسلامية ، فهذه العوامل بالنسبة إليهم متكاملة لا تتجزأ.

 

ومن جهة أخرى يحاول الموضوع أن يتطرق إلى المسخ الذي تعرضت له الثقافة العربية بصفة عامة واللغة العربية بصفة خاصة في إفريقيا بفعل الاحتلال الفرنسي.

 

وقد شرع الفرنسيون في محاولة طرد لغتنا من إفريقيا عام1911 ، وذلك بصدور قرار الحاكم العام الفرنسي لأفريقيا الغربية ، أي ما كان يعرف سابقاً بالمستعمرات الفرنسية في غرب إفريقيا (L.A.O.W) . فقد منع هذا القرار استعمال اللغة العربية في المحاكم الإسلامية في المنطقة،  وتحويل المحاكم الإسلامية إلى محاكم فرنسية ، وطرد القضاة المسلمين منها وإبدالهم بقضاة فرنسيين . وفي أقل من خمسين سنة استطاع الفرنسيون في غرب إفريقيا أن يكونوا نخبة إفريقية موالية لهم فكراً ولغةً، وثقافةً، وديناً ، بإيجادهم مدرسة فرنسية قوية في المنطقة مدعمة بالإرساليات التبشيرية ، التي كثيراً  ما عمدت إلى تنصير الأفارقة بالقوة والإكراه.

 

وما تناولناه من تطور اللغة العربية في غرب أفريقيا ليس إلاّ صرخة قوية ، نريد بها جلب انتباه أهل الحل والعقد إلى الوضيعة المتدهورة التي تعيشها لغة القرآن الكريم في إفريقيا بين التجمعات الإسلامية ، كما نتمنى النهوض باللغة العربية وتعليمها وإتقانها على الوجه الأكمل ، و إذا كان بعض الطلبة الأفارقة الموسرين أو المحظوظين يستطيعون الانتقال من بلدانهم الأصلية إلى الجامعات لدراسة هذه اللغة منهم يفتقرون إلى الإمكانيات الضرورية لشد رحالهم إلى الجامعات العربية لتعلم هذه اللغة والتمكن منها . فعوضاً عن أن يذهب الطلاب الأفارقة بعيداً عن ديارهم لتعلمها، ألا يجب علينا أن نفكر في الوسائل والطرق التي من شأنها أن تنقل تعليم اللغة العربية إليهم؟

 

وإذا علمنا أن الطلاب المسلمين الأفارقة ينتقلون في وقتنا هذا إلى الجامعات الأوروبية لا ليدرسوا لغات هذه الجامعات وإنما ليدرسوا اللغة العربية هناك ندرك مدى تعطش هؤلاء لهذه اللغة ومدى تعلقهم بدراستها وتعلمها .

 

وكلمة للتاريخ أقولها : إن الجامعات الليبية  والمغربية  قد فتحت أبوابها للطلاب الأفارقة  للدراسة بأقسامها المختلفة منذ تأسيسها، وأزداد اهتمام  ليبيا بالطلاب الأفارقة منذ قيام الثورة عام 1969 ، بل استحدثت لتدريس اللغة العربية والثقافة الإسلامية كلية الدعوة الإسلامية النواة الأولى في  الوطن العربي  التي يحتضن رحابها أعداداً  هائلة من طلاب أفريقيا لدراسة اللغة العربية والدين الإسلامي .

 

نأمل أن تحدو بقية الدول العربية والإسلامية حدو ليبيا والمغرب ، وتسهل لأبناء أفريقيا مهام دراستهم وسفرهم وتنقلهم حتى نستطيع أن نُكون جيلاً من أبناء هذه القارة قادراً على مواجهة التحديات الاستعمارية التي تشهدها المنطقة اليوم .

 

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات