د.جابر قميحة يتحدث عن: الاستعمار اللغوي!

فريق النشر - ملتقى الخطباء

2022-10-05 - 1444/03/09
التصنيفات:

 

 

الدكتور جابر قميحة

اللغة العربية هي لغة القرآن الكريم، وهي الوعاء الذي حفظ تراثنا، بل كثيرا من تراث العالم الذي ترجم إلى اللغة العربية، وضاعت أصوله في لغاته، ومع هذه القيمة الشامخة للغة العربية نرى ظاهرة..

 

اللغة العربية هي لغة القرآن الكريم، وهي الوعاء الذي حفظ تراثنا، بل كثيرا من تراث العالم الذي ترجم إلى اللغة العربية، وضاعت أصوله في لغاته، ومع هذه القيمة الشامخة للغة العربية نرى ظاهرة مؤسفة وهي تسلل كثير من الكلمات الأجنبية إلى لغة وسائل الإعلام وخصوصا في الإذاعة والتلفاز.

ولو كانت هذه الظاهرة تمثل مصطلحات علمية، لقلنا ربما رجع السبب إلى المجمع اللغوي الذي لم يترجم، أو يعرب هذه المصطلحات. ولكن المؤسف حقا أنها كلمات عادية من لغة التعامل، ولها في اللغة العربية مقابل، وأكثر من مقابل، ولا أستطيع أن أفسر ذلك إلا بأنه من رواسب "عقدة الخواجة" ، وأن وراءه شعورا بالنقص أو الإفلاس اللغوي، مما دفع المتحدث إلى أن يفزع إلى توظيف بعض الكلمات الأجنبية للتغطية عليه، ولإيهام الآخرين بأهمية ذاته.

 

ومن مشاهداتي القليلة للتلفاز المصري ـ وكان الموضوع "المكتبات الجامعية" أنقل العبارات التالية التي جاءت على لسان ضيف الحلقة، وهو دكتور أستاذ كبير جدا:

-      "... والمكتبات الجامعية عندنا الوقتي حاجة تكسف فري بور very poor".

-      ".. تسألني عن الحل: أقول لك: الحل فري ايزي very easy".

-      لكن الليفل level مش هوه!!!.

 

وفي برنامج آخر في "التلفاز" المصري كان ضيفه شخصية معروفة التقطت منه العبارة الآتية:

-      .... والعريش بيتش beach بالذات كل شيء فيه blue.. سما.. ومية...

وقلت لنفسي: لا حول ولا قوة إلا بالله!! أخلت لغتنا من الكلمات الآتية: "فقيرة جدا - الحل سهل للغاية- المستوى- الشاطئ الأزرق والزرقة والزرقاء" حتى يلجأ مفكرونا إلى الاقتراض من اللغة الإنجليزية؟! وأكرر القول بأنها بقايا "عقدة الخواجة" والشعور بالنقص والإفلاس اللغوي عند المتحدث.

 

وفي الصحف كثيرًا ما نقرأ الكلمات الآتية، وهي النطق العربي لكلمات أجنبية:

ريبورتاج reportage بدلاً من تحقيق صحفي أو تحقيق مصور.

مانشيت manchette بدلاً من العنوان الكبير

فيتو veto بدلاً من حق النقض

كامب camp بدلاً من مخيم

كاميرا camera بدلاً من آلة التصوير

 

ويكثر مثل ذلك في الإعلانات المنشورة في الصحف، وقد يكون الإعلان من أوله إلى آخره باللغة الإنجليزية في صحيفة عربية لا يقرؤها الأجانب.

ومثل هذه الكلمات الأجنبية في الإعلانات التلفازية أكثر من أن تحصى، وقد يكون الإعلان كله أحيانا باللغة الإنجليزية مع أنه يخاطب عربا لا أجانب. وهذه الإعلانات تكون "مخدومة" فنيا وجماليا مما يدفع الأطفال إلى حفظها، والحرص عليها.

 

وللأسف وصل التقليد الأعمى إلى القرية المصرية، فحلت كلمة "بوتيك" محل "دكان" أو محل، وقد رأيت صاحب محل صغير لبيع الأدوات الصحية البسيطة في إحدى قرى الدقهلية (شمال مصر)، وقد كتب عليه "بوتيك سنو وايت"، فسألته عن معنى هذا العنوان، فأجاب: مش عارف.. لكن حلو.. ملعوب.. ابني شافه في البندر فنقله.

 

إن الأمة التي تحترم نفسها، وتحرص على تحقيق هويتها يجب عليها أن تحترم لغتها، ولا تسمح بمثل هذا الاستعباد اللغوي، ولننظر إلى الفرنسيين الذين يرفضون بشدة استخدام لغة غير الفرنسية في الخطاب والتعامل، بل فرضت عليهم الدولة عقوبات على من يفعل ذلك، ولا تسمح بالترخيص لأي محل أو شركة أو مؤسسة لا تحمل اسما فرنسيا.

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات