شيوع الألفاظ والتراكيب الأعجمية وأثره في اللغة العربية

فريق النشر - ملتقى الخطباء

2022-10-10 - 1444/03/14
التصنيفات:

 

 

بقلم الدكتور محمود فجال

 

 

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على عباده الذين اصطفى. وبعد:

 

فإن اللغة العربية واسعة، وألفاظها كثيرة، والإحاطة بها مقصد صعب، ومرام عسر. وإن مفرداتها كثرت وتنوعت وتطورت. بتأثير اللغات فيها ( واللغات التي أثرت في العربية في الزمان القديم: الفارسية والحبشية والآرامية. فقد كانت لغات الأقوام المجاورة للعرب في القرون السابقة للهجرة. فاللغة الآرامية على اختلاف لهجاتها كانت سائدة في كل بلاد فلسطين وسوريا وبين النهرين، وفي بعض العراق. واللغة الفارسية كانت مجاورة للآرامية والعربية في العراق. وكان نفوذها قوياً في شرق جزيرة العرب وجنوبها. واللغة الحبشية ومعها اللغة العربية الجنوبية، والمقاربة جداً للحبشية، كانت تجاور العربية الشمالية في جزيرة العرب نفسها. فإن تجار مكة كانوا يتجرون مع الآراميين في دمشق، ومع الفرس في الحيرة والمدائن، ومع سبأ وحمير في اليمن، وقوافل هذه الأقوام كانت تجتاز جزيرة العرب من جهة إلى أخرى ) فلا عجب أن أثرت تلك اللغات تأثيراً في اللغة العربية، وفي غيرها. ولقد اخترع العرب كلمات جديدة لا تحصى، لتسمية الأشياء، والمعاني الجديدة التي لم تعرفها العرب قبل ظهور شمس النبوة، وقبل فتوحات الإسلام، وهذا التطور لم يزل إلى يومنا هذا. فإنا إذا نظرنا في كتاب جديد، أو صحيفة يومية عثرنا في كل سطر على الكتب الجديدة، أو الكلمات القديمة ولها معنى جديد، وإن كانت أبنيتها وتركيباتها لا تختلف عما كان مألوفاً في اللغة العربية. فـ " القرآن الكريم " نزل بلغة فصحى، تعلو عن مستوى العامة من العرب، لذلك أخذ الناس في الصدر الأول للإسلام، يسألون كبار الصحابة عن تفسير آياته، وغريب ألفاظه. وتحدثنا الروايات بأن الصحابي الجليل ( عبد الله بن عباس ) ـ رضي الله عنهما ـ كان يسأل عن معنى ألفاظ معينة من القرآن الكريم فيفسرها للناس، ويستشهد على تفسيرها بأبيات من الشعر العربي. ( وبذلك يمكننا أن نعد تفسير ( ابن عباس ) للقرآن الكريم على هذا النحو نواةً للمعاجم العربية.

 

 

( أ ) ومع كل هذا نجد الألفاظ ( المعربة ) في شعر الجاهليين، وشعر صدر الإسلام كما نجدها في القرآن الكريم، حتى قال بعض السلف: إن في القرآن الكريم من كل لغة من اللغات، مثل: المشكاة، والإستبرق، والسجيل، والقسطاس، والياقوت، والأباريق، والتنور. وهذا لا يتنافى مع قوله تعالى: ( إنا أنزلناه قرءاناً عربياً ) يوسف: 2. وقوله جل ذكره: ( ولو جعلناه قرءاناً أعجمياً لقالوا لولا فصلت ءايته ءاعجمي وعربي ) فصلت: 44 ). لأنها وقعت للعرب فعربتها بألسنتها وحولتها عن ألفاظ العجم إلى ألفاظها، فصارت عربية، ثم نزل القرآن الكريم، وقد اختلطت هذه الحروف بكلام العرب، فهي أعجمية في الأصل، عربية في الحال.

 

 

(ب) كما تشرفت الكلمات المعربة بلسان الحبيب محمد ـ صلوات الله وسلامه عليه فقد عقد ( البخاري ) في صحيحه في ( كتاب الجهاد ) باباً في ( من تكلم بالفارسية والرطانة.. ) وورد في الأحاديث الشريفة ألفاظ معربة مثل: سور ( بمعنى الصنيع من الطعام الذي يدعى إليه )، وسنه سنه ( بمعنى حسنة )، وكخ كخ ( يراد بها الزجر عما يستقذر )، واشكمت درد ( بمعنى أتشتكي بطنك ؟ لأن أشكم بمعنى بطن، ودرد بمعنى وجع ). وسرقة ( هي قطعة من جيد الحرير )، والآنك ( هو الرصاص )، والألوة ( هو العود الذي يتبخر منه )، وجنابذ ( هي القباب ).

 

 

( ج) كما انطلقت الكلمات الأعجمية على ألسنة الشعراء الجاهليين والإسلاميين فعربوها بألسنتهم. مثل: الآجرون ( لغة في الآجر )، والبالة ( هو وعاء الطيب ) والقم ( صبغ أحمر )، والجربان ( هو جيب القميص )، والنيازك ( هي الرماح القصيرة ). وقد جمع ( الأعشى في بيت واحد أربع كلمات أعجمية، وهو:

 

 

لنا جلسان عندها وبنفسج **** وسيسنبر والمرزجوش منمنما

 

 

( د ) ولقد دخلت في اللغة العربية في عصرنا الحاضر مئات الكلمات التي معظمها من لغات أوربا، وذلك بسبب تفوقها العلمي والصناعي، كما دخلت كلمات عديدة من اللغة التركية طوال الحكم التركي للبلاد العربية، ولقد استقرت هذه الكلمات في لغتنا في الكتابة والتخاطب دون تعريب. وهذا من أسباب الضعف اللغوي الذي نعانيه في هذه الأيام، حيث اختلط في لغتنا الأعجمي بالفصيح. فالألفاظ مثل: بروفه، ديكور، صالصة، كاريكاتير، وردية. والتراكيب مثل: عنق الزجاجة، يصطاد في الماء العكر، لعب دوراً هاماً، الطابور الخامس، عالموضه.

 

والحل لهذه المشكلة هو ما يأتي:

 

(أ‌) الأخذ بقراري ( مجمع اللغة العربية ) وهما: (1) يجيز ( المجمع ) أن يستعمل بعض الألفاظ الأعجمية ـ عند الضرورة ـ على طريقة العرب في تعريبهم. (2) يفضل اللفظ العربي القديم على المعرب إلا إذا اشتهر المعرب. ( واللغة لا تفسد بالدخيل، بل حياتها في هضم هذا الدخيل ؛ لأن مقدرة لغة على تمثل الكلام الأجنبي، تعد مزية وخصيصة لها، إذاً هي صاغته على أوزانها، وصبته في قوالبها، ونفخت فيه من روحها، وتركت عليه بصماتها )، ويقول ( عبد القادر المغربي ): إن " الكلمات العربية التي وقعت للعرب، فعربوها بألسنتهم، وحولوها عن ألفاظ العجم إلى ألفاظها، تصبح عربية، فيجري عليها من الأحكام ما يجري على تلك، فتتوارد عليها علامات الإعراب، إلا في بعض الأحوال، وتعرف بـ( أل)، وتضاف ويضاف إليها، وتثنى وتجمع، تذكر وتؤنث. وفوق ذلك كله تصرف أهل اللغة في الكلمة المعربة، وإعمالهم مباضع الاشتقاق في بنتها ".

 

(ب‌) لا بد من البحث عن الكلمة بأن يفحص عن أصلها، واشتقاقها، ودرجة قدمها، أتكون أصلية مما يشترك فيه اللغة مع أخواتها ؟ أم مخترعة حديثة ؟ أم دخيلة ؟ فإذا كان كذلك فمن أي لغة هي ؟ ويفحص عن زمان اختراعها، أو استعارتها، ثم عن تغيرات لفظها ومعناها. فيكون لكل كلمة تاريخ وترجمة لحياتها. وتضم في معجم قوامه مجموع هذه الأشياء والتواريخ. وإذا عثر الناطقون على شيء جديد، لم يكونوا يعرفونه من قبل، من الأشياء المادية، وكذلك من المعاني، اضطروا إلى تسميته، فإما أن يستعينوا على ذلك بكلمة موجودة قديمة، معناها قريب من المطلوب، أو أن يخترعوا كلمة جديدة، أو أن يستعيروا كلمة أجنبية، وأكثر ذلك إذا كان الشيء أجنبياً أيضاً يأتيهم من خارج بلادهم واسمه معه.

 

( ج ) أن يتجه متخصصون في اللغات، وبخاصة اللغة العربية، فيجمعون المعرب، والمولد، والدخيل. ثم تقوم المجامع اللغوية بدورها الرائد في تعريب الألفاظ والتراكيب الأعجمية التي لا وجود لها في معاجمنا، ولا نصوصنا الأدبية، والتاريخية، والعلمية. ويحسن أن يصاحب دخول المخترع الأجنبي إلى البلاد العربية وضع لفظ عربي له، وعناية وسائل الإعلام والصحافة بالدعاية له؛ لأن ذلك أجدى في استعماله قبل شيوع اللفظ الأجنبي على كل لسان. وفي ذلك محافظة على لغتنا العربية الفصحى.

 

وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات