اللحن في اللغة العربية

فريق النشر - ملتقى الخطباء

2022-10-11 - 1444/03/15
التصنيفات:

اللحن في اللغة هو تغيير شكل الحرف ، وهو مستقبح من كلّ من يفهم العربية الصحيحة ، والأعراب الذين لم يعرفوا اللحن، لا يفهمون مراد المتكلّم إذا لحن ، وكان ابن عمر وابن عباس يضربان أولادهما على اللحن وقد قال عبد الملك بن مروان : اللحن في الكلام أقبح من التفتيق في الثوب والجدري في الوجه.

دخل رجلُ على زياد فقال له : إن أبينا هلك ، وإن أخينا غصبنا على ميراثنا من أبانا

. فقال زياد : ما ضيّعت من نفسك أكثر مما ضاع من مالك .

قال حماد بن سلمة : من لحن فلا يحدث عني .

وقال همام : ما حدثتكم عن قتادة ملحوناً فاعربوه ، فإن قتادة كان لا يلحن .

وقال ابن شبرمة : ما رأيت لباساً على رجل أحسن من فصاحة ، وإن الرجل ليتكلّم فيُعرب فكأن عليه الخز الأدكن ، وإن الرجل ليتكلّم فيلحن فكأن عليه أسمالاً وإن أحببت أن تعظم في عين من كنت في عينه صغيراً ، ويصغر في عينك من كان فيها كبيراً فتعلّم النحو . البيان والتبيين 1/141

قال ابن حبّان :ما يستوي عند أولي النهى ، ولا يكون سيّان عند ذوي الحجى رجلان : أحدهما يلحن ، والآخر لا يلحن . وقال ابن هبيرة :والله ما استوى رجلان حسبهما واحد ، ومروءتهما واحدة ، أحدهما يلحن والآخر لا يلحن ، إلا أن أفضلهما في الدنيا والآخرة الذي لا يلحن . فقال سالم بن قتيبة : أصلح الله الأمير، هذا أفضل في الدنيا لفضل فصاحته وعربيّته ، أرأيت في الآخرة ، ما باله فُضِّل فيها ؟ قال : إنه يقرأ كتاب الله على ما أنزل ، والذي يلحن يحمله لحنه على أن يُدخل في كتاب الله ما ليس فيه ، ويُخرج منه ما هو فيه قال سالم : صدق الأمير وبرّ . روضة العقلاء صـ 220

وقال شعبة: مثل الذي يطلب الحديث ولا يتعلّم النحو مثل البرنس لا رأس له . بهجة المجالس 1/62

قال الأصمعي : أخوف ما أخاف على طالب العلم إذا لم يعرف النحو أن يدخل فيما قال النبي صلى الله عليه وسلم : “من كذب عليّ متعمّداً فليتبوّأ مقعده من النار” لأنه عليه الصلاة والسلام لم يكن لحّاناً ، ولم يحلن في حديثه ، فمهما رويت عنه ولحنت فيه كذبت عليه . روضة العقلاء صـ223

وكان أيوب السختياني يقول : تعلّموا النحو فإنه جمالٌ للوضيع ، وتركه هجنة للشريف . البيان والتبيين صـ323

قالوا : العربية تزيد في المروءة . وقالوا : من أحب أن يجد في نفسه الكبر فليتعلم النحو . بهجة المجالس 1/66

وقال يحيى بن خالد : ما رأيت رجلاً قط إلا هبته حتى يتكلّم ، فإن كان فصيحاً عَظُمَ في صدري ، وإن كان قصّر سقط من عيني . المستطرف في كل فن مستظرف1/66

تعددت مظاهر اللحن فمنها :

أولا: اللحن في الحركات الإعرابية ، فلا يصححون أواخر الكلمات ، كما تقتضيه قواعد النحو ، وذلك كما في لحن ابنة أبي الأسود الدؤلي ، إذ قالت له يوماً : يا أبت ما أحسنُ السماء فقال : أي بنيه ، نجومها ، فقالت : إني لم أرد : أي شيء منها أحسن ؟ إنما تعجب من حسنها ، قال : إذا فقولي ما أحسنَ السماء ! - وسمع أعرابي مؤذناً يقول : اشهد أن محمداً رسولَ الله ـ بنصب رسول ـ فقال الأعرابي : ويحك! يفعل ماذا ؟

ثانيا: اللحن في بنية الكلمة ، قيل لنبطي : لم اشتريت هذه الأتان ؟ فقال : اركبها وتلد لي، بفتح اللام من تلد .

ثالثا: اللحن في تركيب الجمل ، قال الجاحظ : قلت لخادم لي : في أي صناعة أسلموا هذا الغلام ؟ قال : في أصحاب سند نعال ، يريد في أصحاب النعال السندية.

رابعا: اللحن في نطق الأصوات ، وذلك يحدث عندما لا يستطيع المتكلم إخراج الصوت من مخرجه ، فيبدله بآخر قريب منه ، وهذا يحدث مع الأعاجم ، وهو المعروف باللكنة ، والتي هي عجمة في اللسان وعِيُّ ، ومن ذلك : ما رُوي من قول قيل لزياد : أهدوا لنا هُمَارَ وَهْشٍ ، فقال : ما تقول ؟ ويلك ! يقصد : حمار وحشٍ (أي الحمار الوحشي) لكنه أبدل الحاء هاء. ونظراً لانتشار اللحن على ألسنة الخاصة والعامة ، انطلق العلماء إلي البوادي يستنطقون الأعراب ، ويحفظون عنهم ، ويدونون في أوراقهم ما تسمعه آذانهم ، وكان هدفهم ـ كما قلنا سابقاً ـ الحفاظ على لغة القرآن الكريم ، فكان أن جمعوا من ذلك كثيراً ، ومن هذا كله تكونت الرسائل اللغوية والمعاجم

سمع عبد الله بن أبي إسحاق الحضرمي (117 هـ) الفرزدق عندما مدح عبد الملك بن مروان في قوله:

إليك أميرالمؤمنينرمت بنا هموم المنى و الهوجل المتعسف

وعض زمان يا ابن مروان لم يدع من المال إلا مسحتا أو مجلف

فسأله الحضرمي: على أي شيء ترفع أو (مجلف ) فأجابه الفرزدق: على ما يسوؤك وينوؤك علينا أن نقول وعليكم أن تحتجوا" (نقد الشعر عند العرب في الطور الشفوي، الدكتور عبد العزيز جسوس، ط2، المطبعة والوراقة الوطنية الداوديات مراكش، المغرب، ،2008 ص 14)

و كذلك أنكر عليه في قوله :

مستقبلين شمال الشام تضربنا بحاصبٍ كنديف القطن منثورٍ

عَلَى عمائمنا تلقى وأرحلنا عَلَى زواحف تزجى مخها رير

كان عبد الله بن أبي إسحاق الحضرمي يكثر الرد على الفرزدق حتى هجاه الفرزدق ، فقال فيه :

فلو كَانَ عَبْد اللَّهِ مولى هجوته ولكن عَبْد اللَّهِ مولى مواليا

فقال له ابن أبي إسحاق و قد لحنت كذلك و إنما مولى موال

قال شيخ الإسلام ابن تيميّة رحمه الله '' إنّ اللغةَ العربيّةَ من الدِّين، ومعرفتُها فرضٌ وواجبٌ، فإنَّ فهم الكِتابِ والسُّنةِ فرضٌ، ولا يُفْهمُ إلاّ باللغةِ العربيةِ، وما لا يتُّمُ الواجبُ إلاّ بهِ فهو واجبٌ ''

وقوله أيضاً: « وليس أثر اعتياد اللغة الفصحى مقصوراً على اللسان ، بل يتعمق حتى يؤثر في العقلوالخلق والدين تأثيرا قوياً بيِّناً، ويؤثر أيضاً في مشابهة صدر هذه الأمة منالصحابة والتابعين، ومشابهتهم تزيد العقل والدين والخلق''

و قال شيخ الإسلام ابن تيميّة رحمه الله :'' يدلّ على مراد الله ورسوله من الألفاظ ، وكيف يُفهَم كلامُه . فمعرفة العربية التي خُوطبنا بها ممّا يُعين على أن نفقه مرادَ اللهِ ورسولِه بكلامِه ، وكذلك معرفة دلالة الألفاظ على المعاني ، فإنّ عامّة ضلال أهم البدع كان بهذا السبب ، فإنّهم صاروا يحملون كلامَ اللهِ ورسولِه على ما يَدّعون أنّه دالٌّ عليه ، ولا يكون الأمر كذلك''

الرطانة :

التكلم باللغات الأجنبية:

عَنْ سفْيَانَ الثَّورِيِّ عَنْ ثَوْرِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ دِينَارٍ قَالَ : قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : لَا تَعَلَّمُوا رَطَانَةَ الْأَعَاجِمِ وَلَا تَدْخُلُوا عَلَى الْمُشْرِكِينَ فِي كَنَائِسِهِمْ يَوْمَ عِيدِهِمْ فَإِنَّ السَّخْطَةَ تَنْزِلُ عَلَيْهِمْ .

والرَّطَانة [بالفتح]:والرِّطَانة[بالكسر]كلام لا يَفْهمه الجمهور ,والعرب تَخُص بها غالبا كلامَ العجم وعليه فالرطانة التكلم بالعجمية

قال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ ... وَأَمَّا الرَّطَانَةُ وَتَسْمِيَةُ شُهُورِهِمْ بِالْأَسْمَاءِ الْأَعْجَمِيَّةِ فَقَالَ حَرْبٌ : ( بَابُ تَسْمِيَةِ الشُّهُورِ بِالْفَارِسِيَّةِ ) قُلْتُ : لِأَحْمَدَ فَإِنَّ لِلْفُرْسِ أَيَّامًا وَشُهُورًا يُسَمُّونَهَا بِأَسْمَاءِ لَا تُعْرَفُ فَكَرِهَ ذَلِكَ أَشَدَّ الْكَرَاهَةِ وَرَوَى فِيهِ عَنْ مُجَاهِدٍ حَدِيثًا أَنَّهُ كَرِهَ أَنْ يُقَالَ أذرماه وذماه قُلْتُ : فَإِنْ كَانَ اسْمَ رَجُلٍ أُسَمِّيهِ بِهِ فَكَرِهَهُ ، وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ ، وَقَدْ اسْتَدَلَّ بِنَهْيِ عُمَرَ عَنْ الرَّطَانَةِ مُطْلَقًا .))

((وفي لفظٍ آخرَ عَن عُمَر: تعَلَمُوا العَربيةَ فإنها مِنَ دينِكُمْ، وتعلموَا الفرائضَ فإنَها مِنْ دِينِكُمْ.

وأما الرطَانَة : التي هي التَكلمُ بغير العربيةِ تشبهًا بالأعاجم، فقد قالَ عمرُ بنُ الخَطَّابِ: إيَّاكم وَرَطَانة الأعاجم. وأنْ تدخلوا على المشركينَ يومَ عيدهم في كنائسهم.

وفي لفظ آخر عن عمرَ - رضي الله عنه - لا تَعَلّموَا رَطَانَةَ الأعاجمِ، ولا تدخلوَا على المشركين في كنائسهم يوَم عيدهم فإن السخطة تنزلُ عليهم.

وقالَ الإِمامُ مالك فيما رواه ابنُ القاسم في (المُدونة) : لا يُحرِمُ بالأعِجمية، ولا يَدعُو بها، وَلا يحلف.

وقال : نهَى عمَر - رضي الله عنه - عن رطانةِ الأعاجم.

وَكَرِهَ الإِمامُ الشافعي لمن يعرف العربيةَ أن يتكلم بها خالطاً بالعجمية وهو ظاهرُ كلامِهِ فيما حكاه عنه ابن عبدِ الحكم.

وقد روى السَلَفِيًّ بإسناده عن نافع عن ابن عِمر قال : قال رسوَل الله - ( - : (مَنْ يحسن أن يتكلمَ بالعربيةِ فلا يتكلم بالعجمية فإنَّه يُورثُ النِّفاق).

ورواه أيضا بإسناد آخر عن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال رسوَل الله - ( - : (مَنْ كان يحسن أن يتكلم بالعربية فلا يتكلم بالفارسية فإنَها تورث النِّفاق).

وهذان الحديثان يقتضيان ِتحريم الكلام بالعجمية لقادر على العربية إلا لحاجةٍ. والمختارُ أن ذلكَ مكروه. ))

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات
عضو نشط
نجيب الشرقي
03-01-2020

ابتليت في الأحياء التي سكنتها بخطباء لايحسنون من الخطبة سوى تكسير الاعراب وتحطيم القوافي في خطب الجمعة حتى بت اعتقد ان خطباء الجمعة اكثر الناس لحنا من الصحفيين والسياسيين والمعضلة غير المفهومة انهم يحفظون القران ومع ذلك ينصبون الفاعل ويرفعون المفعول به وينصبون المجزوم ويجزمون المنصوب رحم الله لغتنا العربية من جهل هؤلاء فقد تتحول يوما الى لغة عبرية