إجراء العقود بوسائل الاتصالات الحديثة

إدارة منارات الدعوة

2022-10-11 - 1444/03/15
التصنيفات:

بعد هذه الثورة في عالم الاتصالات، وبعد انتشار الشبكة العنكبوتية وسهولة التواصل بالصوت والصورة مهما تباعدت المسافات ظهرت طرق أخرى للخطبة والنكاح فيدخل الشاب أو الرجل أيا كان سنه ويتجول عبر هذه الشبكة ليصطاد فارسة أحلامه، وفي كثير من الأحيان يكون هو هدفا للنساء اللاتي يبحثن عن الزوج أو الصاحب أو العشيق، ويتعرف الناس عبر الانترنت ويقضون الساعات الطوال، سواء أكانوا جادين أم هازلين.. يتبادلون الصور والأخبار، وتنشأ هذه العلاقات عبر هذا الكون الفسيح، وربما تكتشف المرأة بعد هذا التعلق أن من كانت تحدثه طوال هذه الفترة وتسمعه أحلى كلام في العشق والغرام هي امرأة قامت بدور الرجل، وربما يكتشف الرجل أن فتاة أحلامه التي سهر الليل وأضاع العمر والمال والجهد من أجلها هي رجل مثلُه مثَّلَ عليه دور المرأة المتعلقة به العاشقة له.

وقد يكون المتحدث يهوديا أو نصرانيا أو ملحدا يحدث فتاة مسلمة، وتكتشف هذا بعد تعلقها به، قد يكون هذا الكلام بين شباب مراهق لم يخض غمار الحياة الزوجية أو بين امرأة أهملها زوجها فراحت تبحث عن كلام العشق والغرام عبر هذا الوهم، أو بين رجل لم تعطه زوجته ما يتخيل وما يريد ففر من واقعه التعس إلى خيال أشد تعاسة.

كل هذا جعل الأسئلة تكثر وتتنوع منها على سبيل المثال: هل تصح الخطبة عبر الانترنت ؟؟ وهل يجوز الزواج بناء على هذه الخطبة؟ وما دور الولي هنا ؟ وما الآداب التي ينبغي للمسلم مراعاتها عند التعامل مع الجنس الأخر ؟ وهل يجوز للمرأة أن تدعو رجلا أو العكس عبر الانترنت كل ذلك كان ينبغي أن نتصدى له ونقدم الإجابة عنه بصورة متزنة لا تغلق الباب أمام الجميع في كل الحالات ولا تفتحه دون رابط أو ضابط.

ثم ماذا عن العقود التي تعقد عبر وسائل الاتصالات الحديثة ومن أهمها الانترنت الآن ؟ هل تصح هذه العقود جملة وتفصيلا بعد هذه الثورة الهائلة والتحكم التقني الذي يقوم مقام التوثيق وينتفي من خلاله الغرر والجهالة والضرر ؟ أم تحرم جملة وتفصيلا حتى لا يقع المتعاقدون تحت رحمة القراصنة الذين يخترقون الحجب ويطلعون على المستور ويستولون على ممتلكات الناس وأموالهم ؟ أم أن الأمر فيه تفصيل نظرا لاختلاف وسيلة التعاقد واختلاف العقد نفسه وما يحيط به من أركان وشروط ؟؟

هذا ما سنتعرف عليه في الصفحات التالية بمشيئة الله تعالى .

ولأن هذا الكتاب مخصص للمعاملات المالية فقط بمعناها الذي وضحناه في الجزء الأول سنقتصر هنا على ما يخص العقود التي تتصل بالمال فقط، ولن ندخل فيما يخص الأحوال الشخصية الآن .

– المجامع الفقهية ورأيها في إبرام العقود عبر وسائل الاتصال الحديثة

أولا: مجمع الفقه الإسلامي بجدة .

في مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنعقد في دورة مؤتمره السادس بجدة في المملكة العربية السعودية من 17-23 شعبان 1410هـ الموافق 14-20 آذار (مارس) 1990م.

تقدم تسعة من الباحثين ببحوثهم في هذا الموضوع ويمكن تصنيفها إلى ثلاثة أصناف( ): منهم من أطال وفصَّل في المقال ومنهم من أوجز ومنهم من توسط. وملخصها هو : أن التعاقد إما أن يتم بين متعاقدين حاضرين، ويشترط حينئذٍ اتحاد مجلس العقد، فلا يصح الإيجاب في مجلس والقبول في آخر. ولا بد من تحقق أركان العقد والشرائط الأخرى وذلك في غير الوصية وعقود أخرى كعقد الوكالة . وإما أن يتم التعاقد بين متعاقدين غائبين لا يجمعهم مكان واحد، ولا يرى أحدهم الآخر، ولا يسمع كلامه وطريق الاتصال بينهما: إما الكتابة وإما الرسول، ويلحق بالكتابة الوسائل المستجدة كالتلغراف والتلكس والفاكس وما يستجد من ذلك. وإما أن يتم التعاقد بين متعاقدين حاضرين غائبين في آن واحد بمعنى أن يكون في مكانين متباعدين أوفي بلدين، ولكن يسمع كل منهما كلام الآخر، وربما يشاهده كالاتصالات التي تتم بواسطة التليفون واللاسلكي والراديو أو التلفزيون، وما يستجد من وسائل. أما الصورة الأولى فليست محل البحث. وأما الثانية وهي التعاقد عن طريق الكتابة. والكاتب إما أن يكتب بنفسه وإما أن يستكتب من يكتب له، والتلغراف من هذا القبيل إذ يقوم المرسل بكتابة ما يريد ثم يقوم مكتب البريد بإرساله إلى بلد المرسل إليه، وهناك يقوم موظف بريد بكتابة ذلك على ورقة خاصة ثم يسلمها ساع إلى المرسل إليه. والتلكس يتم الاتصال فيه من خلال جهازين مرتبطين بوحدة تحكم دولي ينقل كل واحد منهم إلى الآخر المعلومات المكتوبة دون توسط شيء آخر بطرق فنية. وأما الفاكس فيتم الاتصال فيه من خلال جهازين مرتبطين بالخطوط التليفونية حيث يضع المرسِل الورقة المكتوبة في الجهاز، ويضرب أرقام الجهاز الثاني فتنطبع صورة تلك الورقة على الورقة الموجودة في الجهاز الثاني لتظهر للمرسَل إليه. والفرق بين هذه الصورة والصورة الأولى أنه في الصورة الأولى يتعين عدم الفصل بين الإيجاب والقبول، أما في الصورة الثانية فإنه يجوز أن يتراخى القبول عن المجلس لأن التراخي مع غيبة المشتري، مثلًا لا يدل على إعراضه عن الإيجاب بخلاف ما لو كان حاضرًا.

حكم التعاقد بالكتابة: لا خلاف في الجملة في جواز التعاقد عن طريق الكتابة وما في معناها .

قال المالكية: إن البيع ينعقد بما يدل على الرضى من المتعاقدين من قول منهما أو فعل أو قول من أحدهما وفعل من الآخر أو إشارة منهما أو من أحدهما وقول أو فعل من الآخر.( )

وكذلك الحنفية قالوا : إن التعاقد عن طريق الكتابة ومثلوا له بقولهم : أن يكتب شخص إلى آخر : أما بعد، فقد بعت منك كذا بكذا، فبلغه الكتاب فقال في مجلسه : اشتريت. انعقد العقد بينهما ويكون كأن الموجب حضر بنفسه وخاطب الآخر بالإيجاب وقبل منه الآخر في المجلس. وقال ابن عابدين : ويكون بالكتابة من الجانبين فإذا كتب : اشتريت كذا بكذا، فكتب إليه البائع : قد بعتك. فهذا بيع، كما في التترخانية.

قال: وقوله: فيعتبر مجلس بلوغهما، أي بلوغ الرسالة أو الكتابة. ونقل عن المبسوط: ينعقد سائر التصرفات بالكتابة أيضًا.

وتجدر الإشارة إلى أن الحنفية قد أوردوا رأيًا آخر قاسوا فيه البيع على النكاح في انعقاده في مجلس آخر( ).

وهنا مسألة تجدر الإشارة إليها، وهي هل يجوز للموجب أن يرجع عن إيجابه ؟ قالوا: لو كتب شطر العقد ثم رجع صح رجوعه. فها هنا أولى. وكذا لو أرسل رسولا ثم رجع، لأن الخطاب بالرسالة لا يكون فوق المشافهة، وذا محتمل الرجوع فها هنا أولى. ولكنهم اشترطوا في الرجوع بأن لا يصل كتابه إلى المكتوب إليه، ولم يشترطوا لصحة الرجوع علم الآخر به. وقالوا : لا يصح الرجوع بعد قبول المكتوب إليه لأن العقد قد تم وخرج الأمر من يد الكاتب. وكذلك الحكم في الرسول. ( )

أما المالكية فإنهم يقولون : إن الإيجاب ملزم للموجب وليس له الرجوع عنه. وعلى ذلك يتم العقد بمجرد إعلان القبول على هذين المذهبين . وهما لا يقولان بخيار المجلس، فليس لهما بعد ذلك حق في الرجوع.

أما الشافعية فقد اشترطوا أن يقبل المكتوب إليه بمجرد اطلاعه على الكتاب، في الرأي الأصح عندهم. وفي وجه ضعيف أنه لا يشترط القبول بل يكفي التواصل اللائق بين الكتابين.( )

حكم الخيار في التعاقد بين الغائبين :

قال الغزالي: إذا صححنا البيع بالمكاتبة، فكتب إليه فقبل المكتوب إليه ثبت له خيار المجلس ما دام في مجلس القبول، قال: ويتمادى خيار الكاتب إلى أن ينقطع خيار المكتوب إليه، حتى لو علم أنه رجع عن الإيجاب قبل مفارقة المكتوب إليه مجلسه صح رجوعه ولم ينعقد البيع.

وقال في حاشية الجمل : لا ينقطع خيار كل منهما إلا بإلزامه العقد أو مفارقة المجلس نفسه. ومجلس الكاتب هو الذي كان فيه عند قبول المكتوب إليه وأوله من حين القبول. ( )

منزع القوانين الوضعية:

القوانين الوضعية أخذت بجواز التعاقد بالطرق المشار إليها. ويهتم القانون بنقطتين هما: مسألة انعقاد العقد من حيث الزمان والمكان. والثانية : مسألة التزام الموجب بالإبقاء على إيجابه بعد أن يبعث به إلى الموجب له.

أما المسألة الأولى فقد جاء نص المادة ( 49 ) من القانون المدني الكويتي، ويماشي معظم القوانين الأخرى وخاصة القانون المصري، ونصها : ( يعتبر التعاقد بالمراسلة أنه قد تم في الزمان والمكان اللذين يتصل فيهما القبول بعلم الموجب ما لم يتفق على غير ذلك، أو يقضي القانون أو العرف بخلافه) . ومفاد هذه المادة أنها سرت باتجاه القانون المصري الذي أخذ بمذهب العلم. وخرج عن هذا الأصل المادة ( 98 ) إذا كانت طبيعة المعاملة أو العرف التجاري أو غير ذلك من الظروف يدل على أن الموجب لم يكن ينتظر تصريحًا بالقبول فإن العقد يعتبر قد تم إذا لم يرفض الإيجاب في وقت مناسب، واعتبر السكوت قبولًا إذا كان هناك تعامل سابق بين المتعاقدين واتصل الإيجاب بهذا التعامل أو إذا تمحض الإيجاب لمنفعة من وجه إليه.

ولتحديد مكان العقد أهمية في القانون وذلك لمعرفة القانون الواجب التطبيق على التصرفات ذات العنصر الأجنبي هل هو قانون بلد الموجب أو قانون بلد المقابل ؟ ويدور ذلك مع الأخذ بأي من المذهبين، فإن أخذ بمذهب الإعلان كان القانون الواجب تطبيقه قانون بلد القابل، وإن أخذ بمذهب العلم كان القانون الواجب تطبيقه بلد الموجب.

ونشير إلى أن القوانين منها ما تأخذ بنظرية إعلان القبول، ومنها ما تأخذ بنظرية تصدير القبول، ومنها ما تأخذ بنظرية تسليم القبول، ومنها ما تأخذ بنظرية العلم بالقبول، والفقه الإسلامي، كما سبق يتفق مع النظرية الأولى وهي نظرية إعلان القبول.

وأما الصورة الثالثة، وهي التعامل عن طريق الهاتف وما شابهها كالراديو واللاسلكي وكل وسيلة تجعل متعاقدين حاضرين غائبين. وقد ذكر الشافعية مسألة قريبة الشبه من هذه الصورة وهي أن المتعاقدين لا يشترط فيهما قرب المكان، ولا رؤية بعضهما لصحة العقد وانعقاده، ويسري ثبوت الخيار، وجاء في المجموع : لو تناديا وهما متباعدان وتبايعا صح البيع بلا خلاف، وأما الخيار، فقد قال إمام الحرمين يحتمل أن يقال لا خيار لهما؛ لأن التفرق الطارئ يقطع الخيار، فالمقارن يمنع ثبوته، ويحتمل أن يقال ثبت ما داما في موضعهما فإذا فارق أحدهما موضعه بطل خياره. وهل يبطل خيار الآخر أم يدوم إلى أن يفارق مكانه فيه احتمالان للإمام، وقطع المتولي بأن الخيار يثبت لهما ما داما في موضعهما، فإذا فارق أحدهما موضعه ووصل إلى موضع لو كان صاحبه معه في الموضع عُدَّ تفرُّقًا حصل التفرق وسقط الخيار، ثم قال والأصح في الجملة ثبوت الخيار وأنه يحصل التفرق بمفارقة أحدهما موضعه وينقطع بذلك خيارهما جميعًا، وسواء في صورة المسألة كانا متباعدين في صحراء أو ساحة أو كانا في بيتين من دار، أو في صحن وصفة، صرح به المتولي.( )

والذي تجدر الإشارة إليه أن لجنة تعليل مجلة الأحكام العدلية نصت على صحة التعاقد بالتلغراف والتلفون في سنة 1921م، وأفتى الشيخ أحمد إبراهيم سنة 1935م بنحو ذلك وقال: وأما العقد بالتليفون فالذي يظهر أنه كالعقد مشافهة مهما طالت الشُّقة بينهما، ويعتبر العاقدان كأنهما في مجلس واحد إذ المعنى المفهوم من اتحاد المجلس أن يسمع أحدهما كلام الآخر ويتبيَّنه وهذا حاصل في الكلام بالتليفون.( )

وقد أخذت القوانين بهذه الوجهة ونصت على أن التعاقد بالتليفون أو بأي وسيلة أخرى مماثلة يعتبر كأنه تم بين حاضرين فيما يتعلق بالزمان وبين غائبين فيما يتعلق بالمكان.

بقيت مسألتان: الأولى: التعاقد عن طريق العقل الإلكتروني، وهذا كما قال المالكية يعتبر من فعل الإنسان، فإذا انضبطت أموره وأمن اللبس كان التعاقد بواسطته كالتعاقد فيما سبق.

المسألة الثانية: ما أثاره البعض في احتمال التزوير والانتحال فهذه مسألة خاضعة لقواعد الإثبات.( )

وبعد مناقشة البحوث التسعة والتعليق عليها من قبل الأعضاء والخبراء والحضور خرج قرار مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنعقد في دورة مؤتمره السادس بجدة في المملكة العربية السعودية من 17-23 شعبان 1410هـ الموافق 14-20 آذار (مارس) 1990م.

بعد اطلاعه على البحوث الواردة إلى المجمع بخصوص موضوع إجراء العقود بآلات الاتصال الحديثة.

ونظرًا إلى التطور الكبير الذي حصل في وسائل الاتصال وجريان العمل بها في إبرام العقود لسرعة إنجاز المعاملات المالية والتصرفات.

وباستحضار ما تعرض له الفقهاء بشأن إبرام العقود بالخطاب وبالكاتبة وبالإشارة وبالرسول، وما تقرر من أن التعاقد بين الحاضرين يشترط له اتحاد المجلس (عدا الوصية والإيصاء والوكالة) وتطابق الإيجاب والقبول، وعدم صدور ما يدل على إعراض أحد العاقدين عن التعاقد، والموالاة بين الإيجاب والقبول بحسب العرف:

قرر:

1 – إذا تم التعاقد بين غائبين لا يجمعهما مكان واحد، ولا يرى أحدهما الآخر معاينة، ولا يسمع كلامه، وكانت وسيلة الاتصال بينهما الكتابة أو الرسالة أو السفارة (الرسول)، وينطبق ذلك على البرق والتلكس والفاكس وشاشات الحاسب الآلي (الكومبيوتر) ففي هذه الحالة ينعقد العقد عند وصول الإيجاب إلى الموجه إليه وقبوله.

2 – إذا تم التعاقد بين طرفين في وقت واحد وهما في مكانين متباعدين، وينطبق هذا على الهاتف واللاسلكي، فإن التعاقد بينهما يعتبر تعاقدًا بين حاضرين وتطبق على هذه الحالة الأحكام الأصلية المقررة لدى الفقهاء المشار إليها في الديباجة.

3 – إذا أصدر العارض بهذه الوسائل إيجابًا محدد المدة يكون ملزمًا بالبقاء على إيجابه خلال تلك المدة، وليس له الرجوع عنه.

4 – أن القواعد السابقة لا تشمل النكاح لاشتراط الإشهاد فيه، ولا الصرف لاشتراط التقابض، ولا السلم لاشتراط تعجيل رأس المال.

5 – ما يتعلق باحتمال التزييف أو التزوير أو الغلط يرجع فيه إلى القواعد العامة للإثبات.( )

وجاء أيضا قرار مجمع الفقه بالهند في النقاط التالية:

1- المراد من المجلس: الحال التي يشتغل فيها العاقدان بإجراء التعاقد، والقصد من اتحاد المجلس أن يتصل الإيجاب بالقبول في وقت واحد، ومن اختلاف المجلس أن لا يتصل الإيجاب بالقبول في وقت واحد.

2- يصح الإيجاب والقبول في البيع عن طريق الهاتف ومؤتمر الفيديو، وإذا كان العاقدان على الإنترنيت في وقت واحد، ويظهر الطرف الآخر قبوله بعد الإيجاب بالفور فينعقد البيع، ويعتبر مجلس العاقدين في هذه الصورة متحدا.

3 – إذا أجاب أحد في البيع على الإنترنت، ولم يكن الطرف الآخر متواجدا على الإنترنت في وقت الإيجاب، وبعد وقت استلم الإيجاب، فهذه إحدى صور البيع بالكتابة، وعند ما يقرأ الإيجاب يلزمه إظهار القبول في حينه.

4 -إذا أراد المشتري والبائع إخفاء تعاقدهما واستخدما لذلك الأرقام السرية، فلا يجوز لشخص آخر الإطلاع على هذا التعاقد، أما إذا كان لشخص ما حق الشفعة أو حق شرعي آخر متعلقا بذلك العقد أو البيع فيجوز له الإطلاع عليه.

5 -إن عقد النكاح يحمل خطورة أكثر من عقد البيع، وفيه جانب تعبدي، ويشترط فيه الشاهدان، لذلك لا يعتبر مباشرة الإيجاب والقبول للنكاح على الإنترنيت ومؤتمر الفيديو والهاتف، أما إذا استخدمت هذه الوسائل لتوكيل شخص للنكاح، ويقوم الوكيل من جانب موكله بالإيجاب والقبول أمام الشاهدين فيصح النكاح، ويلزم في هذه الصورة أن يكون الشاهدان يعرفان الموكل أو يذكر الموكل باسمه واسم أبيه عند الإيجاب والقبول.

والله أعلم .

– التعليق على قرارات المجامع الفقهية .

أحسب أن العلة في القبول أو المنع في قرارات المجامع الفقهية هي انتفاء الغرر أو الضرر الواقع على طرفي العقد، أو مخالفة الشروط الواجب توافرها في العقد، ومن ثمَّ منعت المجامع الفقهية التعاقد عبر وسائل الاتصالات الحديثة ومنها (الانترنت ) في عقد النكاح لوجوب حضور الشهود مجلس العقد ولا الصرف لاشتراط التقابض، ولا السلم لاشتراط تعجيل رأس المال.

وأضاف مجمع الفقه بالهند حكمة أخرى في عقد النكاح أن فيه جانبا تعبديا، وهي لفتة طيبة من المجمع إذ أشار إلى ذلك .

وحتى كتابة هذه السطور لم نسمع أن وسائل الاتصالات الحديثة قد حلت مشكلة فورية القبض حيث إن البنوك لا يمكنها القيام بالتسوية الفورية .

يقول الدكتور : سامي السويلم (باحث في الاقتصاد الإسلامي من علماء المملكة العربية السعودية ):- هناك فرق بين إجراء البيع والشراء وبين التسوية، فإجراء العقد يتم في ثوان. أما التسوية (settlement)، فهي تعني دخول المبلغ في حساب المشتري، ودخول العوض في حساب البائع، بحيث يمكن لكل طرف أن يتصرف في المبلغ لمصلحته الخاصة بالسحب وغيره، وبهذا يتحقق التقابض بين الطرفين.

ولا يوجد حتى الآن في سوق العملات الدولية تقابض أو تسوية فورية تتم في لحظة إنجاز العقد، بل يتأخر التقابض لمدة يومين (ويشار إليه بـ( T+2) أو أكثر. في بعض الحالات يمكن للمتعامل اشتراط أن تتم التسوية في نفس اليوم (T+) لكن الأصل هو التأخرأ.هـ

ويترتب على ذلك أنه إذا تم تبادل بين عملة أوروبية أو أمريكية مقابل عملة أوروبية يوم الجمعة فسيكون التسليم الفعلي يوم الثلاثاء بإهدار يومي السبت والأحد لأنهما عطلة رسمية في أوروبا وأمريكا.

وإذا تم تبادل بين عملة أوروبية أو أمريكية مقابل عملة شرق أوسطية يوم السبت فسيكون التسليم الفعلي يوم الأربعاء بإهدار أيام الجمعة والسبت والأحد ؛ لأنها أيام عطلة في الشرق الأوسط فكأن العملية تمت يوم الاثنين فيكون التسليم يوم الأربعاء بعد يومي عمل، وما يحدث يوم التعاقد هو تسجيل للعملية فقط.

ويعود السبب في ذلك لأمور تنظيمية وإدارية لتمكين الأطراف المعنية من التأكد من صحة كل جوانب العملية وتدقيقها وإنجاز الوثائق الخاصة بها. أ. هـ

وقد ناقش مجمع الفقه موضوع القبض في نفس الدورة التي ناقش فيها موضوع إجراء العقود بوسائل الاتصالات الحديثة وخرج بهذا القرار:

إن مجلس مجمع الفقه الإِسلامي المنعقد في دورة مؤتمره السادس بجدة في المملكة العربية السعودية من 17 إلى 23 شعبان 1410 هـ الموافق 14 – 20 آذار (مارس)1990م .

بعد اطلاعه على البحوث الواردة إلى المجمع بخصوص موضوع : “القبض : صوره وبخاصة المستجدة منها وأحكامها” .

واستماعه للمناقشات التي دارت حوله .

قرر : أولاً : قبض الأموال كما يكون حسيًا في حالة الأخذ باليد، أو الكيل أو الوزن في الطعام، أو النقل والتحويل إلى حوزة القابض، يتحقق اعتبارًا وحكمًا بالتخلية مع التمكين من التصرف ولو لم يوجد القبض حسًا . وتختلف كيفية قبض الأشياء بحسب حالها واختلاف الأعراف فيما يكون قبضًا لها .

ثانيًا : إن من صور القبض الحكمي المعتبرة شرعًا وعرفًا .

1- القيد المصرفي لمبلغ من المال في حساب العميل في الحالات التالية :

( أ ) إذا أودع في حساب العميل مبلغ من المال مباشرة أو بحوالة مصرفية .

(ب ) إذا عقد العميل عقد صرف ناجزا بينه وبين المصرف في حالة شراء عملة بعملة أخرى لحساب العميل .

(ج ) إذا اقتطع المصرف – بأمر العميل – مبلغًا من حساب له إلى الحساب آخر بعملة أخرى، في المصرف نفسه أو غيره، لصالح العميل أو لمستفيد آخر، وعلى المصارف مراعاة قواعد عقد الصرف في الشريعة الإِسلامية .

ويغتفر تأخير القيد المصرفي بالصورة التي يتمكن المستفيد بها من التسلم الفعلي، للمدد المتعارف عليها في أسواق التعامل . على أنه لا يجوز للمستفيد أن يتصرف في العملة خلال المدة المغتفرة إلاَّ بعد أن يحصل أثر القيد المصرفي بإمكان التسلم الفعلي .

2- تسلم الشيك إذا كان له رصيد قابل للسحب بالعملة المكتوب بها عند استيفائه وحجزه المصرف. أ . هـ.

وقد تحل هذه المشكلة آجلا أو عجلا نظرا للتطور السريع، والطفرات المتلاحقة في وسائل الاتصالات، فساعتها يجوز إجراء الصرف والسلم، لكن ما نؤكد عليه أن يستمر هذا الحظر بخصوص عقد النكاح لأمرين : أن فيه معناً تعبدياً كما أشار مجمع فقهاء الشريعة بالهند، وأنه ميثاق غليظ به تحل الفروج، وتنشأ الحرمات نتيجة المصاهرة، وتستجد حقوق متبادلة بين الزوجين لم تكن موجودة قبل العقد.

ومن مقاصد الشرع الاحتياط في مسألة الفروج والأعراض أكثر من الاحتياط في مسألة الأموال، ومن ثم يجب أن يستمر الحظر فلا يعقد هذا العقد إلا في وجود طرفي العقد والولي وشاهدي عدل كما اشترط جمهور الفقهاء .

وأمر آخر لم يذكره جمهور الفقهاء وهو من الأهمية بمكان ويحتاج إلى بحث خاص، وهو الطلاق عبر وسائل الاتصالات الحديثة، فعلى الرغم من أن المجامع سكتت عنه، والسكوت يعني القبول، وقد أفتى عدد من الفقهاء القدامى والمعاصرين بجواز الطلاق ووقوعه عبر وسائل الاتصالات الحديثة ومنها الانترنت غير أني أرى أن الموضوع يحتاج إلى تحقيق وتدقيق وتأمل.

فقد نظر عدد من الفقهاء إلى الطلاق البدعي فلم يعدوه طلاقا خلاقا لجمهور الفقهاء، واشترط بعض الفقهاء المعاصرين التوثيق في الطلاق كما اشترطوا التوثيق في النكاح.

ولو خرج تقنين يوجب حضور الزوجين والشهود العدول مجلس الطلاق ما جانبه الصواب، وما بعد عن الحق، فإنه ميثاق غليظ، فلن تفك عراه إلا بالطريقة التي عقدت به، ولعل نظرة من المرأة التي يريد زوجها طلاقها تذكره بخير كبير قد مضى أو أيام سعادة وساعات مرح قد انقضت تجعله يعدل عن هذه الخطوة، ولعل نظرة من الزوج يذكر بها زوجته أنه صاحب فضل، وكانت له يد بيضاء تجعلها تعدل عن قرارها إن كانت هي طالبة الطلاق.

ولعل شاهد عدل يعظ الزوجين فيقتنعا بالعدول عن هذا القرار الخطير الذي به تهدم الأسرة ويضيع الأولاد ويحرما من التربية المتكاملة المتوازنة .

إن مباشرة عقد الطلاق وحضور هذا المجلس سيعطي لهذا القرار خطورته فلا يأخذه أحد الأطراف دون المجتمع، وهذا لاشك يختلف تماما عن رسائل المحمول أو رسائل البريد الالكتروني التي يرسلها الزوج دون تفكير ولا روية، ودون وعظ ولا إرشاد.

إن المجتمع شريك للزوجين في هذه العلاقة فهو الذي ينهض وينمو من استمرار هذه الأسر مربية أولادها على الأخلاق الكريمة والخصال الحميدة التي تعود على الفرد والمجتمع بالخير والبركة، كما أن المجتمع سيضعف ويدمر من جراء هذه الأسر المفككة، وهؤلاء الأطفال الضائعين، ولا يجوز للشريك أن يتصرف في عقد الشركة بعيدا عن شريكه ودون مشاورة معه.

إننا بحال من الأحوال لن ننزع هذا الحق من الزوج ولن نصل أبدا إلى درجة التحريم المطلق للطلاق، ولكننا نسعى ـ كما هو مقصد الشرع ـ إلى تضييق دائرة الطلاق وانحساره في أضيق نطاق حتى يكون علاجا أخيرا بعد تجريب كل الوسائل المتاحة والمباحة .

الخلاصة والتوصيات

نخلص من خلال هذه الجولة السريعة إلى أن الشريعة الإسلامية أتاحت نوعا من المرونة في باب المعاملات إذ الأصل فيها الجواز، والأصل في الشروط والوسائل التي تعقد بها العقود الجواز أيضا، ومن ثمَّ فقد تركت المجال رحبا للإبداع والابتكار، سواء في العقود نفسها من حيث إنشاء عقود جديدة لم تكن في الصدر الأول، أو الإفادة من النتاج البشري عند الآخرين ما دام لم يصطدم هذا بالقواعد العامة والضوابط التي تحكم المعاملات .

ووسائل الاتصال الحديثة من نعم الله التي أنعم بها على الناس أجمعين فهي قادرة على تقصير المسافات واختصار الأوقات وتوفير الجهود والأموال، وبالتالي لن تقف الشريعة في وجه هذه الوسائل، ولا تمنع إجراء العقود من خلالها مالم يؤدِ هذا إلى الضرر أو الغرر، أو يتنافى مع مقصد من مقاصد الشرع التي من أجلها شرع هذا العقد .

ونوصي بتجسير الفجوة بين علماء الفقه والعلماء المتخصصين في وسائل الاتصال الحديثة حتى يفهم كل منهم على الأخر، ويستطيعوا الإفادة من بعضهم البعض، حتى تخرج الفتوى من المفتي منضبطة لعلمه بالواقع الذي يحيط بالفتوى، وهذا الواقع متشابك ومتداخل بحيث يصعب على الفرد كائنا من كان أن يحيط به بكافة تفاصيله وملابساته، وهذا ما تقوم بجزء منه المجامع الفقهية حيث تجمع العلماء من كافة التخصصات حتى يسمع بعضهم من بعض، وهذا الذي تفعله المجامع والندوات المتخصصة والمؤتمرات وإن كان هاما ومفيدا لكننا نود أن تكون العلاقة ممتدة داخل المجامع الفقهية وخارجها وألا يستعلى الفقهاء على المتخصصين في هذا الشأن، أو يستنكفوا من طلب العلم والتعلم، أو يتجاوز المتخصصون تخصصهم فيقوموا بعملية الإفتاء…، فدورهم يقف عند وصف الواقع وصفا دقيقا بجعل المفتي أو الفقيه مدركا للواقع، وبذلك يتكامل دور العالم الشرعي مع العالم التقني وكلاهما مأجور إن شاء الله .

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات