ظاهرة الهجوم على العلماء في الإعلام السعودي (ضرورة المحاكمة)

عبد الرحيم بن صمايل السلمي

2022-10-05 - 1444/03/09
التصنيفات:

-1-

لم يعد يخفى على أحد أن الإعلام المحلي يمارس استراتيجيّة مبرمجة في إسقاط العلماء واحتقارهم بطرق مختلفة، من خلال مقالات أو أخبار أو برامج تليفزيونية وغيرها، فأحيانًا يُتهمون بضعف التفكير أو السطحية أو التسرع أو الإرهاب والدموية ودعم التطرف وغيرها من الأكاذيب الملفقة، وهذه الاستراتيجيّة للإعلام المحلي لا تستثني أحدًا؛ سواء كانوا رسميين أو غير رسميين، فهي تستهدف العالم الشرعي الذي يفتي وَفق منهج أهل السنة والجماعة، ويرفض المجاملة لأهل العلمنة والانحلال الأخلاقي ممن تخصص في إفساد المسلمين بشتى الطرق.

 

وقد تولى كِبْر هذه الاستراتيجية المبرمجة الصحافة المحلية والمهاجرة، والقنوات الممولة برأس مال سعودي مثل (إم بي سي، والعربية، وإل بي سي) وغيرها التي أصبح العالم الإسلامي كله يشتكي من إفسادها وتبنيها للمشروع الأمريكي في المنطقة، من خلال التسويق لأفكاره ومواقفه السياسية ومشروعه الشامل في بلاد المسلمين.

 

وأصبحت هذه الصحافة الصفراء والقنوات الفضائية مثار تندر على المجتمع السعودي الذي يكرر في كل يوم حمايته للإسلام ودفاعه عنه، لقد شوهت هذه الصحافة والقنوات سمعة السعوديين في العالم كله، وأصبحت أداة هدامة للإسلام وعقيدته وقيمه وعلمائه دون حياء أو خوف من المحاسبة.

 

فقد تعرضت هذه الوسائل الهدامة لكبار العلماء؛ مثل الشيخ صالح الفوزان، والشيخ عبد الرحمن البراك، والشيخ صالح اللحيدان، والمفتي، والقضاة والمحتسبين، والدعاة، ومناهج التعليم، وحلقات القرآن، والعمل الخيري، وجميع النشاطات التي يقوم عليها العلماء وطلاب العلم.

 

وقامت الصحافة والقنوات الفضائية بنشر الكفر المستبين، والدعوة إلى السحر والانحلال الأخلاقي، فإذا نقدهم أحد هاجموه واتهموه بالإرهاب والتكفير والدعوة إلى العنف.

 

إن هذا الاحتقان الخانق سوف يؤدي إلى الانفجار إن لم يتداركه العقلاء من المسؤولين، فترك هذه الفئة الضالة تسرح وتمرح دون محاسبة هو من أبرز أسباب الاستفزاز للمجتمع الذي لن يدوم صبره طويلا، وليس من مصلحة بلادنا تفجيره من الداخل في وقت يحاصره فيه تحديات كبرى تستدعي التلاحم والاتفاق على حقائق الإسلام ومحكماته.

 

إن الأسلوب الأمثل في معالجة الخصومات يكون بالمحاكمة، فترك الأمور هكذا لن يستفيد منه إلاّ الطرف الظالم، والمرافعة سوف تعيد الأمور إلى نصابها الطبيعي، والإعلام ليس جهة خارجة عن القانون، ولا يجوز أن يعزل من المحاكمة وكأنه جهة مقدسة معصومة لا تعرض على المحاكم.

 

 

-2-

فتوى الشيخ اللحيدان في محاكمة القنوات الفاسدة

إن مطالبة الشيخ صالح اللحيدان بمحاكمة القنوات المفسدة للمجتمع، مطالبة منطقية ومشروعة لتفريغ الاحتقان وفك الاشتباك بين العلماء ومعهم المجتمع الإسلامي في جميع بلاد المسلمين وهذه القنوات الهابطة والمدافع عنها من العلمانيين المنافقين المندسين في صفوف المسلمين.

 

ومن الطبيعي أن يقوم هؤلاء المنافقون باتهام الشيخ اللحيدان بالدعوة إلى العنف وتشجيع الشباب على القتل وغير ذلك (الموال) المكرر، وهي حيلة للهرب من المحاكمة.

 

إن "المحاكمة" و"المرافعة" تحصل في بلادنا في جميع الحقوق؛ سواء أكانت جنائية أو مالية أو اعتبارية، وهي الكفيلة بوضع الأمر في نصابه، ولو أن كل منتهك للحقوق هرب من المحاكمة، فإن من حقّ عصابات القتل والسرقة والمخدرات وغسيل الأموال وغيرها من الجهات أن تهرب من طلب "المحاكمة"، وتقوم باتهام القضاة والجهات العدلية بأنواع التهم.

 

والغريب حقًا أن الليبرالية في العالم كله تطالب باستقلال القضاء، وعدم التدخل فيه، وضرورته لحل القضايا العالقة، إلاّ الليبراليون في المملكة؛ فهم يبغونها عوجا لعدم رضاهم بالتحاكم إلى الشريعة الإسلامية، وهذه سمة المنافقين، وللهمجية والبلطجة، التي أصبحت سمة أخلاقية لهذه الفئة الضالة. إن السكوت عن هذا العبث في بلادنا جريمة منكرة لا تليق بنا، ونحن القلعة الأخيرة من قلاع الإسلام الثابتة في وجوه أهل الكفر والعلمنة ودعاة التغريب والفساد.

 

وهذا يدل على ضرورة التعجيل بفتح باب الحسبة أمام القضاء على هذا العبث، ثم إن القضاء يحكم بالعدل ولا يقرّ الشكاوى الكيدية، ولا أدري لماذا الخوف من فتح باب الحسبة في المحاكمة؟! إذ إن إغلاقه لا مسوغ له، فإن كانت الجهة المحتسب عليها منحرفة وتضر المجتمع، فإن الحسبة عليها ستوقف الانحراف والضرر عن المجتمع، وإن كانت بريئة فيجب معاقبة صاحب الكيد وعدم قبول الدعوى دون دليل، والأمر في نهايته يعود إلى القضاء وأجهزة الدولة التنفيذية المأمورة بالمحافظة على الدين والدفاع عنه.

 

 

-3-

كيف تعاملوا مع فتوى اللحيدان؟

ولهذه الفئة الضالة طريقة ملتوية في التعامل مع فتاوى العلماء وآرائهم، تأتي في سياق الهجوم المبرمج عليهم، إذ أظهروا فتوى الشيخ اللحيدان على أنه يطالب بقتل ملاك القنوات بطريقة عشوائية، ثم استدعوا السند والظهير والمعين لهم دائمًا؛ وهو الغرب الكافر؛ ليكون وسيلة ضغط خارجية على تسويق مشروعهم الإفسادي في الداخل.

 

وهذه خيانة وطنية اعتادها الليبراليون، وهي من أبرز سماتهم بعد أحداث سبتمبر، وقد تكرر كثيرًا تعاونهم مع الحكومات الغربية الكافرة للضغط على بلادهم، وشواهد ذلك كثيرة؛ مثل: محاربة العمل الخيري، وتغيير المناهج، وحرية الإعلام حرية فوضوية، ومحاربة هيئات الحسبة، وفتاة القطيف، وغيرها من الشواهد.

 

إننا لسنا بحاجة إلى الدفاع عن فتوى الشيخ، ومحاولة توضيحها، فهي واضحة ولكننا أمام طائفة تعرف الحقيقة وتلتوي عليها لأهداف خبيثة.. وهذه الطائفة الضالة تظن أن هذا الوقت هو فرصتها الذهبيّة للتحكم في المجتمع بأسره من خلال الضغط الخارجي، وبسبب اعتمادها على القوى الخارجية فهي تتعامل بجرأة غير مسبوقة، والمشهد السعودي بكل تقاسيمه يؤكد ذلك، فالارتباط بالسفارات الأجنبيّة والتنسيق معها أمر مشهود معروف، ولا يخفى على أحد أن هذا انتهاك لسيادة الدولة حكومة وشعبًا، وهي خيانة وغدر للأمة والتاريخ.

 

ولا ينقضي العجب من جرأة هذه الطائفة المتمردة على عقيدة المجتمع وقيمه، ومن ذلك مطالبة تركي الحمد بمحاكمة الشيخ اللحيدان، بسبب أن اللحيدان يطالب بمحاكمة أصحاب القنوات الفضائية. حسنًا: ليكن شعار المرحلة المحاكمة، ولنفتح الأمور المغلقة، وليحاكم الجميع بمن فيهم من يقول: (الله والشيطان وجهان لعملة واحدة). والتحاكم سيكون للشريعة الإسلامية بطبيعة الحال، إلاّ إذا طالب هؤلاء الدولة بالتحاكم إلى الطاغوت والكفر بالله، فحينئذٍ نعرف من المسلم ومن الكافر؛ {لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَا مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ} [الأنفال: 42].

وحينها تتميّز الصفوف وتظهر الحقيقة، وهذه هي النتيجة الأخلاقية الكبرى للمحاكمة.

 

 

-4-

مسؤولية الدولة

بعد أن وصل الأمر إلى هذا المستوى المفضوح في الجرأة والوقاحة على عقيدة المجتمع وقيمه وأخلاقه وأهل العلم فيه، فلا يجوز أن تبقى الدولة صامته أمام هذه الانتهاكات المتكررة، ويجب أن توضح الأمور، وتميّز الحقائق.

 

فالدولة قامت على عقد اجتماعي بسببه رضيها الناس، وهو مسوغ السمع والطاعة لحكامها، هذا العقد هو "الحكم بشريعة الله، والدفاع عن دينه"، وهذا أوان الحكم بالشريعة الإسلامية في أعقد الأمور الفكرية والثقافية في مجتمعنا.

 

ولا ريب أن هذه الطائفة الضالة التي عملت كل هذه الفوضى الاجتماعية هي طائفة محدودة وأقلية تتخفى في المجتمع، أما المجتمع العريض فهو معظّم لأهل العلم ودعاته.

 

والمسؤولية ملقاة على الدولة (حكومة ومجتمعًا) في إيقاف تنمّر هذه الفئة المنحرفة، ووضع حدٍ لتجاوزاتها وعبثها.

 

 

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات