الإعلام وثقافة التطاول

أحمد بن مشرف الشهري

2022-10-05 - 1444/03/09
التصنيفات:

الحمد لله الذي جعل العقول السليمة -بالنظر إلى العقيدة الصحيحة- هادية إلى الطريقة السوية، والصلاة والسلام على من قال: "تركتُ فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبدًا؛ كتاب الله وسنتي"، وعلى آله وصحبه، ومن اتبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

 

عندما يتطاولُ الأصاغرُ على الأكابر يحصل الخللُ والزلل، ولو لم يكن ذاك لما كان من علامات الساعة أن يُؤخذ العلم من الأصاغر ويترك الأكابر،،، ولذلك انتشرت مقولة "إذا أردت أسرع طريقة للشهرة فما عليك إلا أن تتعرض لعلم" ؟؟!!!

 

ومن المعلوم أن من يملك النقد لا بد أن يكون مالكًا لأدواته ووسائله، ومن القواعد الأصولية المهمة "الحكم على الشيء فرع عن تصوره"؛ فماذا تقول فيمن لا يملك أدوات التصور فضلا عن أدوات النقد الصحيح؟!!!!

 

ثم لابد أن يكون الناقد متجردًا للحق، متخليًا عن الهوى، متجنبًا إغراءات أصحاب المال والجاه.

 

فتجد مثلا إحداهن أو أحدهم يقول في عنوان له في صفحة نقاشات "الفنون والرياضة كبديل للعنف والإرهاب" وقد خلط فيه الكاتب خلطا فظيعًا -يريد أن يبين جواز الغناء والآلات الموسيقية- حتى بلغت بالكاتب الجرأةُ إلى أن يقول: "إن عبد الله بن الزبير كان له جوارٍ عوَّادات وإن ابن عمر دخل عليه وإلى جنبه عود، فقال: ما هذا يا صاحب رسول الله؟ فناوله إياه فتأمله ابن عمر وقال ميزان شامي..." في إشارة من الكاتب إلى تأييد ابن عمر لذلك!!! مع العلم بما في هذه القصة من الكذب والاختلاق والغلط، فانظر كيف الكذب على صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهل يؤمَن للكاتب جانب؟

 

ويقول كاتب آخر في عدد آخر عن ذريعة الاختلاط التي يحتج بها العلماء في تحريم العمل في بيع الملابس النسائية، وقيادة المرأة للسيارة ما نصه: "إننا نريد تفسيرًا لهذا الاختلاط الذي نعرفه تماما فهو موجود في الطواف حول الكعبة، والاختلاط الموجود في المسعى وفي الجمرات..." وكأنه يشبه الاختلاط في الأسواق بالاختلاط في المشاعر المقدسة، ونسي الكاتب أو تناسى أن هذا قياس مع الفارق، إن كان يعلم القياس أصلا وأن ما ذَكَرَ لا يستطاع دفعة لكثرة الوافدين من جميع أقطار العالم ولاستمرار الطواف في جميع لحظات اليوم، فكيف ندفع ذلك يا شيخنا؟؟ أم أنك لم تقرأ قول الله تعالى {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن: 16]، ولا يخفى على كل ذي لب سليم ما في المنع من مفسدة أكبر؛ إذ إن المشاعر المقدسة مشاع لجميع المسلمين،،، أما البيع في الأسواق فإن المفسدة في الإمضاء أعظم منها في المنع، ونسي أو تناسى أن الاختلاط نوعان أحداهما متعمد والآخر غير متعمد ولا يستطاع دفعه، فكيف يجمع المتفرقان كي يصبحا شيئًا واحدًا؟!! وأصل الدعوى في ذلك إنما يراد بها أبعاد أخرى غير ما يدّعون مما لا يخفى على كل ذي عقل سليم...

 

والآخر يقول في مقابلة له في قناة الاقتصادية: "إن العلماء ليس لديهم قداسة عن النقد"، وفي المقابل تراه يجعل لأرباب التغريب ذات القداسة التي نفاها عن العلماء؟!!!

 

وما سبق من الأمثلة كله إما رد أو تعرض لعالم جليل أسند كلامه لكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ولعلماء السنة المعتبرين، أو أنها مكيدة يراد بها أن يكون مجتمعنا المحافظ مطابقًا لمجتمعات الغرب المنحلة، ولن يحصل ذلك إلا بمعاداة أعلام هذه المجتمعات المحافظة.

 

ثم إنني أتساءل: ما وجه الشبه في الكلام في الدين، بين طبيبة اجتماعية جل كتبها في تربية الأطفال، أو اقتصادي لا يعرف إلا س أو ص، أو تاجر ليس له هم إلا أن يجمع المال بأي طريقة كانت، وبين عالم جليل أفنى جل عمره في التعلم والتحصيل ومن ثم التعليم، ثم بعد تفكير ليس بالطويل تبين لي الفرق فإذا هو شاسع وعميق، إذ إن العالم ينتقد ويتكلم ويفتي على علم وبصيرة، وبالمقابل تجد أكثر هؤلاء لا يعلم ما شروط الوضوء، ولا شروط رمي الجمار، ولكنك تجده يتكلم في أمور مسلمات قد انعقد عليها الإجماع بعد الكتاب والسنة يريد أن يبطلها، يتكلم في الجهاد فتراه يبطل فيه عقائد راسخة لا يجوز فيها التغيير والتحويل مهما تغير الوقت والزمن، وتارة ينتقص مناهج التعليم المنهجية وغير المنهجية، وتارة في سد الذرائع، وأخرى في المصالح المرسلة، وغيرها مما يكون التلميح فيه أبلغ من التصريح، وقد صدق من قال: "من تكلم في غير فنه أتى بالعجائب"، وقد يقول قائل إن هذه قاعدة غير مطردة، لكننا نقول إن ذلك مبني على التتبع والاستقراء، إما بحال الكاتب وإما بما هو مكتوب، ثم إن الحكم على الأشياء إنما يكون بالأغلب، والشاذ كما قيل لا حكم له.

 

حتى بلغت الجرأة بأكثر من واحد منهم أن يقول في مسألة شرعية لأحد أعضاء هيئة كبار العلماء يعد من أكبر العلماء في العالم الإسلامي: "أتحداك أن تأتي لي بدليل من الكتاب والسنة؟؟؟!!!" فما كان من العالم الرباني إلا أن أتى بأكثر من خمسة أدلة من الكتاب والسنة دون كلام العلماء!!!، وآخر يقول: "إن فقه ابن تيمية لا يناسب هذا الزمان"، والآخر يقول: "إن الشافعي مغرور عندما قال: قولي صحيح يحتمل الخطأ وقول غيري خطأ يحتمل الصواب"!!!!، مما آلمني والله وقادني إلى أن أتعجب أشد العجب من هذا الإلمام من بعض الكتاب أو المتكاتبين الذي لم يشهد لهم مثيل منذ خلق الله الأرض ومن عليها، فإذا أردته نحويا فاق سيبويه، وإن أردته قارئا فاق أبي بن كعب، وإن أردته كيميائيا فاق ابن حيان، وإن أردته محدثا فاق ابن المديني، وإن أردته فقيها فاق أبا حنيفة والشافعي، وإن أردته فلكيا كان كذلك، وإن أردته عاملا في البلدية كان أشد من ذلك،، وأخشى والله أن يقول أحدهم: إن الرسول صلى الله عليه وسلم لابد أن يغير من أفكاره نحو الآخر؟؟!!

وفي النهاية:

من المسؤول عن كل هذه التطاولات على مبادئ الشريعة؟

ولماذا نجد كل هذه المجاوزات للنظام الأساسي للحكم ولا نجد حماية لهذا النظام؟

ثم أين المساواة في الأخذ بالنظام بين من يتطاول على الأمن، وبين من يتطاول على الدين؟

 

وأقول لمن تطاول على الدين أو على العظماء أو العلماء الأجلاء لجهل، أو لغرضٍ اللهُ أعلم به، أقول له: اعرِف قدرَ نفسك، واتق الله، وعُد إلى رشدك، واعلم أن الأموال لن تنفعك، وأن الشهرة لن تغني لك من الله شيئا، وتذكر قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ (1) يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ} [الحج: 1-2]، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 70-71]، أقول له: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا} [الإسراء: 36].

 

 

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات